حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)10%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 375

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 204697 / تحميل: 8468
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

صلاة الفجر وبعد العصر.

وقال أخبرنا مالك بن إسماعيل قال حدثنا إسماعيل عن أبي الجحاف عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير أنه كان لا يدع أحدا يغتاب عنده أحدا يقول إن أردت ذلك ففي وجهه.

قال محمد بن سعد : وكان سعيد لما انهزم أصحاب بن الأشعث من دير الجماجم هرب فلحق بمكة قال أخبرنا عارم بن الفضل وسليمان بن حرب قالا حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين قال كان سعيد بن جبير حائنا إنه فعل ما فعل ثم أتى مكة يفتي الناس قال أخبرنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثني حفص بن خالد قال حدثني من سمع سعيد بن جبير يقول يوم أخذ وشي بي واش في بلد الله الحرام أكله إلى الله. وقال وكان الذي أخذ سعيد بن جبير خالد بن عبد الله القسري وكان والي الوليد بن عبد الملك على مكة فبعث به إلى الحجاج.

قال أخبرنا موسى بن إسماعيل قال حدثني عبد الله بن مروان عن شريك عن هشام الدستوائي قال رأيت سعيد بن جبير يطوف بالبيت مقيدا ورأيته دخل الكعبة عاشر عشرة مقيدين قال أخبرنا يزيد بن هارون عن عبد الملك بن أبي سليمان قال سمع خالد بن عبد الله صوت القيود فقال ما هذا فقيل له سعيد بن جبير وطلق بن حبيب وأصحابهما يطوفون بالبيت فقال اقطعوا عليهم الطواف.

وقال أخبرنا علي بن محمد عن أبي اليقظان قال كان سعيد بن جبير يقول يوم دير الجماجم وهم يقاتلون قاتلوهم على جورهم في الحكم وخروجهم من الدين وتجبرهم على عباد الله وإمانتهم الصلاة واستذلالهم المسلمين. فلما انهزم أهل دير الجماجم لحق سعيد بن جبير بمكة فأخذه خالد بن عبد الله فحمله إلى الحجاج(1) .

روايات في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام عن ابن عباس كثيرة منها

فيي مسند احمد حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الفضل بن دكين ثنا بن أبي عيينة عن الحسن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة قال غزوت مع علي اليمن

__________________

(1) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ج 6 ص 257 ـ 267.

٣٢١

فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يتغير فقال يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه(1) .

وفي المستدرك للحاكم : حدثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا أحمد بن نصر أخبرنا محد بن علي الشيباني بالكوفة ثنا أحمد بن حازم الغفاري وأنبأ محمد بن عبد الله العمري ثنا محمد بن إسحاق ثنا محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف قالوا ثنا أبو نعيم ثنا بن أبي غنية عن الحكم عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن بريدة الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة فقدمت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يتغير فقال يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله فقال من كنت مولاه فعلي مولاه وذكر الحديث هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه(2)

وروى الطبراني في المعجم الكبير عن ابن أبي عاصم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة نا الفضل بن دكين عين بن أبي غنية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال مررت مع علي رضي الله تعالى عنه إلى اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكرت عليا فتنقصته فجعل وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يتغير فقال ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه(3)

وفي المعجم الكبير قال الطبراني حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا الحسن بن أبي جعفر عن أبي الصهباء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق(4) .

__________________

(1) احمد بن حنبل ،مسند احمد ج 5 ص 347.

(2) الحاكم النيسابوري ،المستدرك ج 3 ص 119.

(3) الطبراني ،المعجم الكبير ج 3 ص 467.

(4) أبو عاصم ، الآحاد والمثاني ج 4 ص 325.

٣٢٢

وفيه أيضا قال حدثنا محمد بن عبد الله ثنا حرب بن الحسن الطحان ثنا حسين الأشقر عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال لما نزلت قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قالوا يا رسول الله ومن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي وفاطمة وابناهما(1) .

وقال أيضا حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا حرب بن الحسن الطحان ثنا حسين الأشقر عن قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال لما نزلت قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي وفاطمة وابناهما رضي الله تعالى عنهم(2) .

وقال أيضا حدثنا علي بن العباس البجلي الكوفة ثنا محمد بن تسنيم ثنا حسن بن حسين العربي ثنا يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأم سلمة هذا علي بن أبي طالب لحمه لحمي ودمه دمي هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي(3) .

وقال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن مرزوق ثنا حسين الأشقر ثنا نصير بن زياد عن عثمان أبي اليقظان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قالت الأنصار فيما بينهم لو جمعنا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مالا فبسط يده لا يحول بينه وبينه أحد فأتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا يا رسول الله إنا أردنا أن نجمع لك من أموالنا فأنزل الله عز وجل فخرجوا مختلفين فقال بعضهم ألم تروا ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

وقال بعضهم إنما قال هذا لنقاتل عن أهل بيته وننصرهم ، فأنزل الله عز وجل( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ

__________________

(1) الطبراني ،المعجم الكبير ج 3 ص 47.

(2) الطبراني ،المعجم الكبير ج 11 ص 444.

(3) الطبراني ،المعجم الكبير ج 12 ص 18.

٣٢٣

مَا تَفْعَلُونَ (25)وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)) الشورى / 24 ـ 26.

فعرض لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتوبة.(1)

وفي الكامل لابن عدي روى ابن عدي في الكامل 3 / 431 عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن أبي جبير عن ابن عباس عن النبي قال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة من احبهما فقد احبني ومن ابغضهما فقد ابغضني.(2)

وفي تذكرة الحفاظ للذهبي قال حدثنا محمد بن شداد أخبرنا أبو نعيم أنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أوحى الله إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم اني قتلت بيحيى سبعين ألفا واني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا غريب وعبد الله خرج له مسلم(3) .

وفي كشف الاستار للبزار عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال بعث رسول الله إلى خيبر ـ احسبه قال أبا بكر فرجع منهزما يجبن أصحابه ويحبنه أصحابه فقال رسول الله لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله رسوله ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله عليه فثار الناس فقال أين علي. فإذا هو يشتكي عينيه فتفل في عينيه فدفع إليه الراية فهزها ففتح الله عليه(4) .

__________________

(1) الطبراني ،المعجم الكبير ج 12 ص 33.

(2) ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال ج 3 ص 431 ورواه أيضا عطية عن أبي سعيد الخدري سألت الدارقطني عن سويد بن سعيد فقال تكلم فيه يحيى بن معين وقال حدث عن أبي معاوية عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة قال يحيى معين وهذا باطل عن أبي معاوية لم يروه غير سويد وجرح سويد لروايته لهذا الحديث. قال الدارقطنيرحمه‌الله فلم نزل نظن أن هذا كما قاله يحيى وأن سويدا أتى أمرا عظيما في روايته لهذا الحديث حتى دخلت مصر في سنة سبع وخمسين (ومائتين) فوجدت هذا الحديث في مسند أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي المعروف بالمنجنيقي وكان ثقة روى عن أبي كريب عن أبي معاوية كما قال سويد سواء وتخلص سويد وصح الحديث عن أبي معاوية وقد حدث أبو عبد الرحمن النسائي عن إسحاق بن إبراهيم هذا ومات أبو عبد الرحمن قبله (الجرجاني ، أبو القاسم حمزة بن يوسف ،سؤالات حمزة بن يوسف السهمي ، مكتبة المعارف الرياض 1404 هـ ـ 1984 م ، ص 216.

(3) الذهبي ،تذكرة الحفاظ ج 1 ص 76.

(4) ابن كثير ،جامع المسانيد والسُّنَن ، دار خضر بيروت 1419 هـ ، ج 30 ص 240.

٣٢٤

وفي رواية البخاري عن محمد حدثنا بن عيينة عن سليمان الأحول سمع سعيد بن جبير سمع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى قلت يا أبا عباس ما يوم الخميس قال اشتد برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وجعه فقال ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما له أهجر استفهموه فقال ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه فأمرهم بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم والثالثة خير إما أن سكت عنها وإما أن قالها فنسيتها قال سفيان هذا من قول سليمان(1) .

وروى أيضا قال حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا المغيرة بن النعمان قال حدثني سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي إن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقول إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح.(2)

وروى الحاكم قال أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر بن سليمان ثنا مالك بن دينار قال سألت سعيد بن جبير فقلت يا أبا عبد الله من كان حامل راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال فنظر إلي وقال كأنك رخيَّ البال فغضبت وشكوته إلى إخوانه من القراء فقلت ألا تعجبون من سعيد أني سألته من كان حامل راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فنظر إلي وقال إنك لرخي البال ، قالوا إنك سألته وهو خائف من الحجاج وقد لاذ لابيت فسله الآن فسألته فقال كان حاملها علي رضي الله تعالى عنه هكذا سمعته من عبد الله بن عباس هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ولهذا الحديث شاهد من حديث زنفل العرفي وفيه طول فلم أخرجه(3) .

وروى النسائي قال أنبأ أحمد بن عثمان بن حكيم الكوفي الأودي عن خالد بن

__________________

(1) البخاري ، صحيح البخاري ج 3 ص 1155.

(2) البخاري ، صحيح البخاري ج 3 ص 1222.

(3) الحاكم النيسابوري ، المستدرك ج 3 ص 103.

٣٢٥

مخلد قال حدثنا علي بن صالح عن ميسرة عن حبيب عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال كنا مع ابن عباس بعرفات فقال مالي لا أسمع الناس يلبون فقلت يخافون من معاوية فخرج بن عباس من فسطاطه فقال لبيك اللهم لبيك فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي(1) .

وروى المزي عن عباد بن زياد عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن أبي الحمراء قال سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت عن يمين العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله ايدته بعلي ونصرته(2) .

عطية العوفي (110 هـ)رحمه‌الله :

قال أبو جعفر الطبري في كتاب ذيل المذيل : عطية بن سعد بن جنادة العوفي من جديلة قيس يكنى أبا الحسن ، قال ابن سعد : أخبرنا سعد بن محمد بن الحسن بن عطية قال جاء سعد بن جنادة إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام وهو بالكوفة فقال يا أمير المؤمنين انه قد ولد لي غلام فسمه فقال هذا عطية الله فسمي عطية وكانت أمه رومية وخرد عطية مع ابن الأشعث ، هرب عطية إلى فارس وكتب الحجاج إلى محمد ابن قاسم الثقفي ان ادع عطية فان لعن علي بن أبي طالب وإلا فاضربه أربعمائة سوط وحلق رأسه ولحيته فلما ولي قتيبة بن مسلم خراسان خرج إليه عطية فلم يزل بخراسان حتى ولي عمر بن هبيرة العراق فكتب إليه عطية يسأله الإذن له في القدوم فأذن له فقدم الكوفة فلم يزل بها إلى أن توفي سنة 111 وكان كثير الحديث ثقة ان شاء الله(3) .

أقول : وفي الطبقات 6 / 305 ، تنهي الترجمة بقول ابن سعد : وله أحاديث صالحة ومن الناس من لا يحتج به ولم يوردها الطبري في المنتخب.

__________________

(1)النسائي ،سنن النسائي ، ج 2 ص 419.

(2) المزي ،تهذيب الكمال ، ج 33 ص 258.

(3) الطبري ،المنتخب من المذيل ص 128 ، ابن سعد ،الطبقات الكبرى ج 6 ص 304.

٣٢٦

قال الشيخ القميرحمه‌الله : وحكي عن ملحقات الصراح قال : عطية العوفي ابن سعيد له تفسير في خمسة اجزاء قال عطية عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات على وجه التفسير واما على وجه القراءة فقرأت عليه سبعين مرة(1) .

قال المزي : ولعطية عن أبي سعيدا أحاديث عدد ، وكان يعد مع شيعة أهل الكوفة قال محمد بن عبد الله الحضرمي توفي سنة إحدى عشرة ومئة(2) .

أقول : وكان عطية العوفي على راس ثمانمائة طليعة اربعة آلاف مقاتل في الجيش الذي بعثه المختار إلى مكة ليخلص بني هاشم من حصار ابن الزبير لهم من اجل ان يبايعوه.

قال ابن سعد في الطبقات 5 / 103 : أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا ربيعة بن عثمان ومحمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وإسحاق بن يحيى بن طلحة وهشام بن عمارة عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم والحسين بن الحسن بن عطية العوفي عن أبيه عن جده وغيرهم أيضا قد حدثني قالوا : قطع المختار بعثا إلى مكة فانتدب منهم أربعة آلاف فعقد لأبي عبد الله الجدلي عليهم وقال له سر فإن وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم أنت ومن معك عضدا وانفذ لما أمروك به وإن وجدت بن الزبير قد قتلهم فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى بن الزبير ثم لا تدع من آل الزبير شفرا ولا ظفرا وقال يا شرطة الله لقد أكرمكم الله بهذا المسير ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عمر فسار القوم ومعهم السلاح حتى أشرفوا على مكة فجاء المستغيث اعجلوا فما أراكم تدركونهم فقال الناس لو أن أهل القوة عجلوا فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم عطية بن سعد بن جنادة العوفي حتى دخلوا مكة فكبروا تكبيرة سمعها بن الزبير فانطلق هاربا حتى دخل دار الندوة ويقال بل تعلق بأستار الكعبة وقال أنا عائذ الله ،

قال عطية : ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفية وأصحابهما في دور قد جمع لهم الحطب فأحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر لو أن نارا تقع فيه ما رئي منهم أحد حتى تقوم الساعة أخرناه عن الأبواب وعجل علي بن عبد الله بن عباس وهو يومئذ رجل

__________________

(1) القمي ، الشيخ عباس ،الكنى والالقاب ، مكتبة الصدر ـ طهران ، ج 2 ص 488.

(2) المزي ،تهذيب الكمال ج 20 ص 145.

٣٢٧

فأسرع في الحطب يريد الخروج فأدمى ساقيه وأقبل أصحاب بن الزبير فكنا صفين نحن وهم في المسجد نهارنا ونهاره لا ننصرف إلا إلى صلاة حتى أصبحنا ، وقدم أبو عبد الله الجدلي في الناس فقلنا لابن عباس وابن الحنفية ذرونا نريح الناس من ابن الزبير ، فقالا هذا بلد حرمه الله ما أحله لاحد إلا للنبيعليه‌السلام ساعة ما أحله لاحد قبله ولا يحله لاحد بعده فامنعونا وأجيرونا قال فتحملوا وإن مناديا لينادي في الجبل ما غنمت سرية بعد نبيها ما غنمت هذه السرية إن السرايا تغنم الذهب والفضة وإنما غنمتم دماءنا فخرجوا بهم حتى أنزلوهم منى فأقاموا بها ما شاء الله أن يقيموا ، ثم خرجوا إلى الطائف فأقاموا ما أقاموا وتوفي عبد الله بن عباس بالطائف سنة ثمان وستين وصلى عليه محمد بن الحنفية ، وبقينا مع بن الحنفية فلما كان الحج وحج بن الزبير من مكة فوافى عرفة في أصحابه ووافى محمد بن الحنفية من الطائف في أصحابه فوقف بعرفة ووافى نجدة بن عامر الحنفي تلك السن في أصحابه من الخوارج فوقف ناحية وحجت بنو أمية على لواء فوقفوا بعرفة فيمن معهم.

أقول : ومن رواياته في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام :

روى الطبراني قال حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا فضيل بن مرزوق (ت في حدود ال 160 هـ)(1) ثنا عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن أم سلمة قالت نزلت

__________________

(1) ابن حجر ،تهذيب التهذيب ، ي م 4 البخاري في جزء رفع اليدين ومسلم والأربعة فضيل بن مرزوق الأغر الرقاشي ويقال الرواسي الكوفي أبو عبد الرحمن مولى بني عنزة روى عن أبي إسحاق السبيعي وعدي بن ثابت وعطية العوفي والأعمش وميسرة بن حبيب وشقيق بن عقبة وجبلة بنت مصفح وغيرهم وعنه زهير بن معاوية ووكيع وعبد الغفار بن الحكم وحسين بن علي الجعفي وأبو أسامة والفضل بن موفق ويحيى بن آدم ويحيى بن أبي بكير ويزيد بن هارون ومحمد بن ربيعة الكلابي ومحمد بن فضيل ونعيم بن ميسرة النحوي وزيد بن الحباب وأبو نعيم وعلي بن الجعد وآخرون قال معاذ بن معاذ سألت الثوري عنه فقال ثقة وقال الحسن بن علي الحلواني سمعت الشافعي يقول سمعت بن عيينة يقول فضيل بن مرزوق ثقة وقال بن أبي خيثمة عن بن معين ثقة وقال عبد الخالق بن منصور عن بن معين صالح الحديث إلا أنه شديد التشيع وقال أحمد لا أعلم إلا خيرا وقال بن أبي حاتم عن أبيه صالح الحديث صدوق يهم كثيرا يكتب حديثه قلت يحتج به قال لا وقال النسائي ضعيف وقال بن عدي أرجو أنه لا بأس به وقال الحسين بن الحسن المروزي سمعت الهيثم بن جميل يقول جاء فضيل بن مرزوق وكان من أئمة الهدى زهدا وفضلا إلى الحسن بن صالح بن حى فذكر قصة له عند النسائي حديث عبد الله بن عمر إياكم والشح قلت قال مسعود عن الحاكم ليس هو من شرط

٣٢٨

هذه الآية في بيتي)( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) وهي جالسة على الباب فقلت يا رسول الله ألست من أهل البيت قال أنت إلى خير(1) .

وقال حدثنا الحسن بن أمد بن حبيب الكرمتنني بطرسوس حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا عمار بن محمد عن سفيان الثوري عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف (ت 145) عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه في قول عز وجل (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) قال نزلت في خمسة في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي فاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم لم يروه عن سفيان إلا عمار بن محمد بن أخت سفيان تفرد به أبو الربيع(2) .

وقال حدثنا محمد بن عبد العزيز بن ربيعة الكلابي أبو مليل الكوفي حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد المقري عن أبي سلمة الصائغ(3) عن عطية عن أبي سعيد الخدري سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وآله وسلم يقول إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له لم يروه عن أبي سلمة إلا بن أبي حماد تفرد به عبد العزيز بن محمد(4) .

روى ابن عساكر قال أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم قال قرأت على عمي الشريف الأمير نقيب الطالبيين أبي البركات عقيل بن العباس الحسيني قلت أخبركم أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن محمد بن أبي كامل الأطرابلسي قراءة عليه بدمشق أنا

__________________

الصحيح وقد عيب على مسلم إخراجه لحديثه قال بن حبان في الثقات يخطئ وقال في الضعفاء كان يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات وقال بن شاهين في الثقات اختلف قول بن معين فيه وقال في الضعفاء قال أحمد بن صالح حديث فضيل عن عطية عن أبي سعيد حديث الله الذي خلقكم من ضعف ليس له عندي أصل ولا هو بصحيح وقال بن رشدين لا أدري من أراد أحمدبن صالح بالتضعيف أعطية أم فضيل بن مرزوق وقال العجلي جائزالحديث صدوق وكان فيه تشيع وقال أحمد لا يكاد يحدث عن غير عطية. وفي تقريب التهذيب انه توفي في حدود الستين بعد المائة.

(1) الطبراني ،المعجم الكبير ج 3 ص 52.

(2) الطبراني ، المعجم الصغير ج 1 ص 231.

(3) قال الرازي فيالجرح والتعديل ، نصر بن عمر أبو سلمة الصائغ روى عن سقط روى عنه وكيع ويحيى الحماني سألت أبي عنه فقال شيخ.

(4) الطبراني ، المعجم الصغير ج 2 ص 84.

٣٢٩

أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة القرشي نا جعفر بن محمد بن عنبسة اليشكري بالكوفة نا يحيى بن عبد الحميد الجماني نا قيس بن الربيع عن سعد الخفاف عن عطية العوفي عن محدوج بن زيد الذهلي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما آخى بين المسلمين أخذ بيد علي فوضعها على صدره ثم قال يا علي أنت أخي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي أما تعلم تعلم أن أول» «من يدعى به يوم القيامة يدعى بي فأقام عن يمين العرش في ظله فأكسى حلة خضراء من حلل الجنة ثم يدعى بأبيك إبراهيمعليه‌السلام فيقام عن يمين العرش فيكسى حلة خضراء من حلل الجنة ثم يدعى بالنبيين والمرسلين بعضهم على إثر بعض فيقومون سماطين فيكسون حللا خضرا من حلل الجنة وأنا أخبرك يا علي أنه أول من يدعى بي من أمتي يدعى بك لقرابتك مني ومنزلتك عندي فيدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد يستبشر به ادم وجميع من خلق الله عز وجل من الأنبياء والمرسلين فيستظلون بظل لوائي فتسير باللواء بين السماطين الحسن بن علي عن يمينك والحسين عن يسارك حتى تقف بيني وبين إبراهيم في ظل العرش فتكسى حلة خضراء من حلل الجنة فينادي مناد من عند العرش يا محمد نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك وهو علي يا علي إنك تدعى إذا دعيت وتحيا إذا حييت وتكسى إذا كسيت»(1) .

وروى احمد قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عمار بن خالد ثنا إسحاق بن الأزرق عن عبد الملك بن أبي سليمان (ت 145)(2) عن عطية عن زيد بن أرقم قال

__________________

(1) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 53.

(2) ابن حجر ،تهذيب التهذيب ، خت م 4 البخاري في التعاليق ومسلم والأربعة عبد الملك بن أبي سليمان واسمه ميسرة أبو محمد ويقال أبو سليمان وقيل أبو عبد الله العرزمي أحد الأئمة روى عن أنس بن مالك وعطاء بن أبيرياح وسعيد بن جبير وسلمة بن كهيل وأنس بن سيرين ومسلم بن يناق وابن الزبير وعبد الله بن عطاء المكي وأبي حمزة الثمالي وزبيد اليامي وعبد الله بن كيسان مولى أسماء وعبد الملك بن أعين وغيرهم ، قال أبو زرعة الدمشقي سمعت أحمد ويحيى يقولان عبد الملك بن أبي سليمان ثقة وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين ضعيف وقال بن عمار الموصلي ثقة حجة وقال العجلي ثثبت في الحديث وقال يعقوب بن سفيان ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عبد الملك بن أبي سليمان ثقة متقن فقيه. قال الهيثم بن عدي مات في ذي الحجة سنة خمس وأربعين ومائة وفيها أرخه غير واحد ، وذكره بن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وكان من خيار أهل الكوفة وحفظائهم والغالب على من يحفظ ويحدث أن يهم وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثبت صحت عنه السنة

٣٣٠

خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجحفة يوم غدير خم وهو آخذ بعضد علي فقال يا أيها الناس ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى يا رسول الله قال فمن كنت مولاه فعذا مولاه(1) .

وروى الطبراني قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا سويد بن سعيد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة(2) .

وروى احمد قال حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أسود بن عامر أخبرنا أبو إسرائيل يعني إسماعيل بن أبي إسحاق الملائي(3) عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم اني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض(4) .

أقول : رواه عن عطية أيضا : الأعمش وكثير النوى وطلحة بن مصرف وأبو الجحاف وعبد الملك بن سليمان العرزمي وهارون بن سعيد واسرائيل وفضيل بن مرزوق.

يحيى بن يعمر البصري الفقيه قاضي مرو :

قال الذهبي يحيى بن يعمر القاضي أبو سليمان ويقال أبو عدي العدواني البصري

__________________

بأوهام بهم فيها والأولى فيه قبول ما يروي بتثبت وترك ما صح أنه وهم فيه ما لم يفحش فمن غلب خطأه على صوابه استحق الترك.

(1) احمد بن حنبل ، مسند احمد ج 5 ص 195.

(2) الطبراني ، المعجم الكبير ج 3 ص 39.

(3) البخاري ، التاريخ الكبير ج 1 ص 346 إسماعيل بن أبي إسحاق أبو إسرائيل العبسي الملائي الكوفي مولى سعد بن حذيفة عن الحكم وعطية ضعفه أبو الوليد. قال أحمد حدثنا حجاج قال أبو إسرائيل ولدت بعد الجماجم بسنة وكانت الجماجم سنة ثلاث وثمانين ولي ثمان وسبعون سنة تركه بن مهدي. قال ابن سعد في الطبقات الكبرى ج 6 أبو إسرائيل الملائي العبسي واسمه إسماعيل بن أبي إسحاق قال يقولون إنه صدوق وكان بهز بن أسد يحكي أنه سمع أبا إسرائيل تناول عثمان وأشياء نحو هذا تحكى عنه.أقول : وتضعيفه لأجل تناوله عثمان.

(4) احمد بن حنبل ،مسند احمد ج 3 ص 14.

٣٣١

الفقيه قاضي مرو روى عن أبي ذر وعمار وعائشة وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وأبي الأسود الديلي وغيرهم وعنه عبد الله بن بريدة وقتادة ويحيى بن عقيل وعطاء الخراساني وسليمان التيمي وإسحاق بن سويد العدوي قال أبو داود لم يسمع من عائشة قلت فما الظن بالذين قبلها وقيل أنه أول من نقط المصحف وكان أحد الفصحاء الفقهاء أخذ العربية عن أبي الأسود وكان الحجاج قد نفاه فقبله قتيبة بن مسلم وولاه قضاء خراسان وكان له عدة نواب ثم عزله قتيبة لما بلغه عنه شرب المنصف متفق على حديثه وثقته(1) .

قال ابن حجر قال قال الحاكم : وقال الحاكم يحيى بن يعمر فقيه أديب نحوي مروزي تابعي وأكثر روايته عن التابعين وأخذ النحو عن أبي الأسود الديلي نفاه الحجاج إلى مرو فقبله قتيبة بن مسلم وقد قضى في أكبر مدن خراسان وكان إذا انتقل من بلد استخلف على القضاء بها وقال أبو الحسن علي بن الأثيرالجزري في الكامل مات سنة تسع وعشرين ومائة كذا قال وفيه نظر وقال غيره مات في حدود العشرين(2) .

قال السيوطي : وأخرج أبو الشيخ ابن أبي حاتم عن أبي حرب بن أبي الأسود قال أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر فقال بلغني انك تزعم ان الحسن والحسين من ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم تجده في كتاب الله وقد قرأته من أوله إلى آخره فلما أجده قال ألست تقرأ سورة الانعام (ومن ذريته داود وسليمان) حتى بلغ (ويحيى وعيسى) قال بلى قال أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب قال صدقت.

قال الرازي في تفسير قوله تعالى (وعلم آدم الأسمء كلها) عن الشعبي قال كنت عند الحجاج فاتي بيحيى بن يعمر فقيه خراسان من بلخ مكبلا بالحديد فقال له انت زعمت ان الحسن والحسين من ذرية رسول الله فقال بلى فقال الحجاج لتاتيني بها بينة واضحة من كتاب الله أو لاقطعنك عضوا عضوا (وتلا عليه) قوله تعالى (ومن ذريته داود وسليمان ..) فاطرق ملياهم رفع راسه فقال كأني لم أقرأ هذه الاية من كتاب

__________________

(1) الذهبي ،تذكرة الحفاظ ج 1 ص 475.

(2) ابن حجر ،تهذيب التهذيب ج 11 ص 276.

٣٣٢

الله حلوا وثاقه وأعطوه من المال كذا وكذا(1) .

دور الامام السجاد والباقر والصادق عليهم‌السلام

في الكوفة بعد نهضة الحسين عليه‌السلام

كانت إمامة السجادعليه‌السلام من سنة 61 هـ إلى موته سنة 94 هـ ثم إمامة ولده الباقرعليه‌السلام إلى سنة 114 هـ ثم إمامة ولده الصادقعليه‌السلام إلى سنة 148 هـ وقد استهدف هؤلاء الأئمة الثلاثة مهمتين أساسيتين :

الأول : تربية الشيعة على الحزن والبكاء والزيارة للحسين كصفة دائمية في شخصيتهم واحياء العشرة الأولى من المحرم بذكر مصيبة الحسين وبخاصة يوم العاشر ثم الأربعين التي بدأها علي بن الحسين وجابر بن يزيد الانصاري ثم إقامة مجالس العزاء وانشاد الشعر فيه وقد بدأ ذلك علي بن الحسين بنفسه الشريفة حين بكى أباه قريبا من أربعين سنة ، ونمت الظاهرة وترعرعت برعاية الامامين الباقر والصادقعليهما‌السلام حتى برزت كظاهرة اجتماعية.

الثانية : تربية نوعين من العلماء الأول علماء بكتب عليعليه‌السلام في الفقه والسيرة والتفسير ليثقفوا الشيعة بثقافة كتاب عليعليه‌السلام أمثال محمد بن مسلم الطائفي وزرارة بن اعين وحمران بن اعين وأبان بن تغلب وغيرهم. الثاني علماء من ذرية عليعليه‌السلام ينهضون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نهج الحسين والثورة على الأمويين لللإطاحة بهم وإقامة حكم على نهج عليعليه‌السلام . كزيد بن علي بن الحسين وولده يحيى وعيسى ومحمد وإبراهيم ولدا عبد الله بن الحسن وآخرين من ولده أيضا ومنهم إدريس مؤسس ملك الادارسة في المغرب.

الكوفة على عهد هشام وثورة زيد رحمه‌الله 112 هـ

قال البلاذري وهو يترجم لزيد بن عليرضي‌الله‌عنه : وقرأت في كتب سالم كاتب هشام كتاباً نسخته :

__________________

(1) الرازي ، مفاتيح الغيب 2 / 194.

٣٣٣

(أمّا بعد فقد عرفت حال أهل الكوفة في حبِّهم أهل البيت ووضعهم إيّاهم في غير مواضعهم لافتراضهم على أنفسهم طاعتهم ووظَّفوا عليهم شرائع دينهم ونحلتهم إيّاهم عظيم ما هو كائن ممَّا استأثر الله بعلمه دونهم حتّى حملوهم على تفريق الجماعة والخروج على الأئمة(1)

قال البلاذري : وبعث يوسف بن عمر إلى أم امرأة لزيد أزدية ، فهدم دارها وحملت إليه ، فقال لها : أزوَّجتِ زيدا؟ قالت : نعم زوجته وهو سامع مطيع ، ولو خطب إليك إذ كان كذلك لزوَّجته. فقال شُقّوا عليها ثيابها ، فجلدها بالسياط وهي تشتمه وتقول : ما أنت بعربي تعرِّيني وتضربني لعنك الله ، فماتت تحت السياط ، ثم أمر بها فأُلقيت في العراء ، فسرقها قومها ودفنوها في مقابرهم.

وأخذ امرأة قوَّت زيدا على أمره ، فأمر بها أن تقطع يدها ورجلها وضرب عنق زوجها.

وضرب امرأة أشارت على أمها أن تؤوي ابنة لزيد خمسمائة سوط. وهدم دورا كثيرة.

وأُتِيَيوسف بعبد الله بن يعقوب السلمي من ولد عتبة بن فرقد (وكان زوَّجَ ابنته من يحيى بن زيد) فقال له يوسف : ائتني بابنتك ، قال : وما تصنع بها جارية عاتق(2) في البيت؟ قال : أقسم لتأتيني بها أو لأضربنَّ عنقك ، (وقد كان كتب إلى هشام يصف طاعته) فأبى أن يأتيه بابنته فضرب عنقه ، وأمر العريف أن يأتيه بابنة عبد الله بن يعقوب فأبى ، فأمر به فدُقَّت.

قال البلاذري : ولما فرغ يوسف من أمر زيد صعد منبر الكوفة فشتم أهلها وقال : يا أهل المِدْرَة الخبيثة! (والله ما يقعقع لي بالشِّنان ولا تقرن بي الصعبة) لقد هممت أن أخرب بلدكم وأن أحربكم بأموالكم ، والله ما أطلت منبري إلا لأسمعكم عليه ما تكرهون ، فإنكم أهل بغي وخلاف ، ولقد سألت أمير المؤمنين (هشام بن عبد الملك) أن

__________________

(1) الطبري ،تاريخ الطبري (ج 7 ص 170 ـ 171) ولم يذكر الطبري مصدره الذي أخذ الرواية عنه.

(2) العاتق : الجارية أول ما أدركت.

٣٣٤

يأذن لي فيكم ولو فعل لقتلت مقاتلتكم وسبيت نساءكم. إن يحيى بن زيد(1) ليتنقل في حجال نسائكم كما كان أبوه ، يفعل ، وما فيكم مطيع إلا حكيم بن شريك المحاربي ، والله لو ظفرت بيحياكم لعرقت خصييه كما عرقت خصيتي أبيه.(2)

الكوفة مركز مرجعية الامام الصادق عليه‌السلام

تحرك الأئمة السجاد والباقر ثم الصادقعليه‌السلام في المدينة بصفتهم رواة حديث يأخذون عن الصحابة والتابعين في الجو الذي سمحت به السلطة الأموية على عهد بني مروان امتدادا للسياسة التي وضعها معاوية لإحياء معالم الدولة الأموية الأولى في إطار سيرة الشيخين كخط في قبال الثقافة التي احياها عليعليه‌السلام ومنعت منها الدولة الأموية الثانية ، ثم كونوا لهم بمقدار ما يسمح لهم الظرف السياسي وسطهم الخاص بهم وانفتحوا تدريجيا على الثقاة من اصحابهم يدعونهم إلى ولايتهم ويعرفونهم بكتاب عليعليه‌السلام الذي املاه النبي عليه في السنة ، وكان الجيل الجديد من الشيعة الذي ولد أيام الحجاج لا يعرف من احكام الإسلام الا الذي تبنته الدولة الأموية الثانية وقد اشارت الى ذلك رواية الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيسى بن السري أبي اليسع قال :

قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحدا التقصير عن معرفة شيء منها ، الذي من قصر عن معرفة شيء منها فسد دينه ولم يقبل [الله] منه عمله ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله ...

فقال : شهادة أن لا إله إلا الله والايمان بأن محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والاقرار بما جاء به من عند الله وحق في الأموال الزكاة ، والولاية التي أمر الله عز وجل بها : ولاية آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ،.

قال : فقلت له : هل في الولاية فضل يعرف لمن أخذ به؟ قال : نعم قال الله عز

__________________

(1) ترجم البلاذري ليحيى بن زيد وحركته ومقتله في الجوزجان فيانساب الاشراف (ج 3 ص 453 ـ 458).

(2) البلاذري ،انساب الأشراف ج 3 ص 448 ـ 450.

٣٣٥

وجل :( يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأُولي الأمر منكم ) وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية.

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكان علياعليه‌السلام وقال الآخرون : كان معاوية ،

ثم كان الحسنعليه‌السلام

ثم كان الحسينعليه‌السلام وقال الآخرون : يزيد بن معاوية ولا سواء ولا سواء

قال : ثم سكت ثم قال : أزيدك؟

فقال له حكم الأعور : نعم جعلت فداك.

قال : ثم كان علي بن الحسين ثم كان محمد بن علي أبا جعفر.

وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس.(1)

وكان الفرد الشيعي آنذاك لا يفاتح بكتاب عليعليه‌السلام وفتاواه الخاصة التي تخالف المشهور عند الناس آنذاك ، حتى تؤخذ منه العهود ان لا يحدث به حتى يأتيه الإذن كما في رواية زرارة قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الجد فقال «ما أجد أحدا قال : فيه إلا برأيه إلا أمير المؤمنينعليه‌السلام » قلت : أصلحك الله فما قال فيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟

فقال «إذا كان غدا فالقني حتى أقرئكه في كتاب علي»

قلت : أصلحك الله حدثني فإن حديثك أحب إلي من أن تقرأينه في كتاب ،

فقال لي الثانية «أسمع ما أقول لك إذا كان غدا فالقني حتى أقرئكه في كتاب ، فأتيته من الغد بعد الظهر وكانت ساعتي التي كنت أخلو به فيها بين الظهر والعصر وكنت أكره أن أسأله إلا خاليا خشية أن يفتيني من أجل من يحضرني بالتقية فلما دخلت عليه أقبل علي ابنه جعفر ، فقال «أقرئ زرارة صحيفة الفرائض» ثم قام لينام فبقيت أنا وجعفر في البيت فقام فأخرج إلي صحيفة مثل فخذ البعير.

__________________

(1) الشيخ الكليني ،الكافي ج 2 ص 19 ـ 21.

٣٣٦

فقال «لست أقرئكها حتى تجعل لي عليك الله أن لا تحدث بما تقرأ فيها أحدا أبدا حتى آذن لك» ولم يقل : حتى يأذن لك أبي ،

فقلت : أصلحك الله ولم تضيق علي ولم يأمرك أبوك بذلك؟

فقال لي : ما أنت بناظر فيها إلا على ما قلت لك»

فقلت : فذاك لك ، وكنت رجلا عالما بالفرائض والوصايا ، بصيرا بها ، حاسبا لها ، ألبث الزمان اطلب شيئا يلقيي علي من الفرائض والوصايا لا أعلمه فلا أقدر عليه ، فلما ألقى إلي طرف الصحيفة إذا كتاب غليظ يعرف أنه من كتب الأولين فنظرت فيها فإذا فيها خلاف ما بأيدي الناس من الصلة والأمر بالمعروف الذي ليس فيه اختلاف وإذا عامته كذلك فقرأته حتى أتيت على آخره بخبث نفس وقلة تحفظ وسقام رأي وقلت وأنا أقرأوه باطل حتى أتيت على آخره ثم أدرجتها ودفعتها إليه فلما أصبحت لقيت أبا جعفرعليه‌السلام .

فقال لي «أقرأت صحيفة الفرائض؟»

فقلت : نعم ، فقال «كيف رأيت ما قرأت؟»

قال : قلت : باطل ليس بشيء هو خلاف ما الناس عليه ،

قال «فإن الذي رأيت والله يا زرارة هو الحق ، الذي رأيت إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخط عليعليه‌السلام بيده».(1)

وقد استغل الامام الباقرعليه‌السلام تغير السياسية الأموية من الشدة إلى السماحة النسبية أيام عمر بن عبد العزيز (99 ـ 101 هـ) وكذلك الامام الصادق استغل أخريات العهد الأموي وبدايات العهد العباسي ان يربيا فقهاء الشيعة أمثال محمد بن مسلم وزرارة بن اعين وأبان بن تغلب(2) وكان الامام الباقر يقول لهذا الأخير : (اجلس في مجلس المدينة

__________________

(1) الفيض الكاشاني ،الوافي ، مكتبة الامام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام العامة ـ أصفهان 1406 هـ ج 25 ص 751 ـ 752. عن (الكافي ج 7 ص 94 والتهذيب ج 9 ص 271).

(2) قال الحموي ياقوت في مجمع الادباء 1 / 108 ابان بن تغلب بن رياح الجريري ، أبو سعيد البكري مولى بنى جرير بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن عكاشة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ـ ذكره أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في مصنفي الإمامية ، ومات أبان في سنة إحدى وأربعين ومائة قال أبو جعفر هو ثقة جليل القدر عظيم المنزلة في أصحابنا لقي أبا محمد علي بن الحسين ،

٣٣٧

وأفت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك).

وعن سليمان ابن خالد قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : ما أجد أحدا أحيا ذكرنا وأحاديث أبيعليه‌السلام إلا زرارة ، وأبو بصير ليث المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا ، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبيعليه‌السلام على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا ، والسابقون إلينا في الآخرة.(1)

روى ابن عدي عن إبراهيم بن محمد الرماني أبو نجيح قال سمعت حسن بن زياد يقول سمعت أبا حنيفة وسئل من أفقه من رأيت فقال ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد لما أقدمه المنصور الحيرة بعث إلي فقال يا أبا حنيفة ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من مسائلك تلك الصعاب فقال فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث إلي أبو جعفر فأتيته بالحيرة فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر فسلمت وأذن لي أبو جعفر فجلست ثم التفت إلى جعفر فقال يا أبا عبد الله تعرف هذا قال نعم هذا أبو حنيفة ثم أتبعها قد أتانا ثم قال يا أبا حنيفة هات من مسائلك سل أبا عبد الله فابتدأت أسأله قال فكان يقول في المسألة أنتم تقولون فيها كذا وكذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة وربما خالفنا جميعا حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرج منها مسألة ثم قال أبو حنيفة أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.(2)

__________________

وأبا جعفر وأبا عبد الله عليه مالسلام وروى عنهم وكانت له عندهم حظوة وقدم ، قال له أبو جعفر اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإني أحب أن أرى في شيعتي مثلك ، وقال أبو عبد الله لما أتاه نعيه أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان ، قال وكان قارئا فقيها لغويا نبيها ثبتا وسمع من العرب وحكى عنهم وصنف كتاب الغريب في القرآن وذكر شواهده من الشعر فجاء فيما بعد عبد الرحمن بن محمد الأزدي الكوفي فجمع من كتاب أبان ومحمد بن السائب الكلبي وابن روق عطية بن الحارث فجعله كتابا فيما اختلفوا فيه وما اتفقوا عليه فتارة يجيء كتاب أبان مفردا وتارة يجيء مشتركا على ما عمله عبد الرحمن ولأبان أيضا كتاب الفضائل.

(1) الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن ،وسائل الشيعة ، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي ، دار إحياء التراث العربي بيروت ـ لبنان 1983 م. ج 18 ص 104.

(2) ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال ج 2 ص 133. والذهبي ،سير أعلام النبلاء ج 6 ص 257. والمزي ،تهذيب الكمال ، ج 5 ص 79.

٣٣٨

وقال الحسن بن علي بن زياد الوشاء لابن عيسى القمي : إني أدركت في هذا المسجد : يعني مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كل يقول : حدثني جعفر بن محمدعليه‌السلام .(1)

قال البراقي وقد صنف الافظ أبو العباس بن عقدة الهمداني الكوفي المتوفى سنة 333 كتابا في أسماء الرجال الذين رووا الحديث عن (الإمام الصادق)عليه‌السلام فذكر ترجمة (4000) رجل.(2)

الكوفة على عهد حركة ولدي عبد الله بن الحسن المثنى رضي‌الله‌عنه

قال الطبراني حدثني سعيد بن تسنيم بن الحواري بن زياد بن عمرو بن الأشرف قال سمعت من لا أحصى من أصحابنا يذكرون أن أبا جعفر (الخليفة) شاور في أمر إبراهيم فقيل له إن أهل الكوفة له شيعة ، والكوفة قدر يفور أنت طبقها فاخرج حتى تنزلها ففعل.(3)

قال وحدثني عبد الملك ابن سليمان عن حبيب بن مرزوق قال حدثني تسليم بن الحواري قال لما ظهر محمد وإبراهيم ابنا عبد الله أرسل أبو جعفر إلى عبد الله بن علي وهو محبوس عنده ان هذا الرجل قد خرج فإن كان عندك رأى فأشربه علينا وكان ذا رأي عندهم فقال إن المحبوس محبوس الرأي فأخرجني حتى يخرج رأيي فأرسل إليه أبو جعفر ، لو جاءني حتى يضرب بابي ما أخرجتك وأنا خير لك منه وهو ملك أهل بيتك ، فأرسل إليه عبد الله ارتحل الساعة حتى تأتى الكوفة فاجثم على أكبادهم فإنهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارهم ثم احففها بالمسالح فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه أو أتاها من وجه من الوجوه فاضرب عنقه ، وابعث إلى سلم بن قتيبة ينحدر عليك وكان بالري واكتب إلى أهل الشام فمرهم أن يحملوا إليك من أهل البأس والنجدة ما يحمل البريد فأحسن جوائزهم ووجههم مع سلم ففعل(4) .

__________________

(1) النجاشي ،فهرست أسماء مصنفي الشيعة المشتهر بـ رجال النجاشي ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة 1416 هـ ، ص 31.

(2) البراقي ،تاريخ الكوفة ، شريعت قم 1424 هـ. ص 408.

(3) الطبري ،تاريخ الطبري ج 6 ص 247.

(4) الطبري ،تاريخ الطبري ج 6 ص 194.

٣٣٩

قال الطبري حدثني مسلم الخصي مولى محمد بن سليمان قال كان أمر إبراهيم وأنا ابن بضع عشرة سنة وأنا يومئذ لأبي جعفر فأنزلنا الهاشمية بالكوفة ونزل هو بالرصافة في ظهر الكوفة وكان جميع جنده الذين في عسكره نحوا من ألف وخمسمائة فكان يطوف الكوفة كلها في كل ليلة وأمر مناديا فنادى من أخذناه بعد عتمة فقد أحل بنفسه فكان إذا أخذ رجلا بعد عتمة لفه في عباءة وحمله فبيَّتَه عنده فإذا أصبح سأل عنه فان علم براءته أطلقه وإلا حبسه.

وحدثني جواد ابن غالب قال حدثني العباس بن مسلم مولى قحطبة قال كان أمير المؤمنين أبو جعفر إذا اتهم أحدا من أهل الكوفة بالميل إلى إبراهيم أمر أبى سلما بطلبه فكان يمهل حتى إذا غسق الليل وهدأ الناس نصب سلما على منزل الرجل فطرقه في بيته حتى يخرجه فيقتله ويأخذ خاتمه قال أبو سهل جواد فسمعت جميلا مولى محمد بن أبي العباس يقول للعباس بن سلم والله لو لم يورثك أبوك إلا خواتيم من قتل أهل الكوفة كنت أيسر الأبناء.

قال الطبري : وحدثني يحيى بن ميمون من أهل القادسية قال سمعت عدة من أهل القادسية يذكرون أن رجلا من أهل خراسان يكنى أبا الفضل ويسمى فلان ابن معقل ولى القادسية ليمنع أهل الكوفة من اتيان إبراهيم وكان الناس قد صُدُّوا في طريق البصرة فكانوا يأتون القادسية ثم العذيب ثم وادى السباع ثم يعدلون ذات اليسار في البر حتى قدموا البصرة قال فخرج نفر من الكوفة اثنا عشر رجلا حتى إذا كانوا بوادي السباع لقيهم رجل من موالى بني أسد يسمى بكرا من أهل شراف دون واقصة بميلين من أهل المسجد الذي يدعى الموالى فأتى ابن معقل فأخبره فأدركهم بخفان وهي على أربعة فراسخ من القادسية فقتلهم أجمعين.(1)

وقال حدثني عبد الله بن راشد بن يزيد قال سمعت إسماعيل بن موسى البجلي وعيسى بن النضر السمانين وغيرهما يخبرون أن غزوان كان لآل القعقاع بن ضرار

__________________

(1) الطبري ،تاريخ الطبري ج 6 ص 249.

٣٤٠

بصلاحيات واسعة النطاق، فقد سيطر على جميع أجهزة الدولة فكان دوره في حكومة المأمون كدور البرامكة أيام هارون الرشيد وكان ماهراً في الشؤون السياسية، ويقول فيه إبراهيم بن العباس:

وإذا الحروب غلت بعثت لها

رأياً تفل به كتائبها

رأياً إذا نبت السيوف مضى

عزم به فشفى مضاربها

أجرى إلى فئة بدولتها

وأقام في أخرى نوادبها(١)

وحكى هذا الشعر عن مهارة الفضل في الشؤون السياسية، وأنّه برأيه يستطيع أن يقضي على دولة ويقيم أخرى كما فعل في إسقاط دولة الأمين، وإقامة دول المأمون.

وعلى أيّ حالٍ فقد كان الفضل أحد المفاوضين للإمام الرضاعليه‌السلام في قبوله لولاية العهد، وقد هدّد الإمام، وتوعّده إن رفض ذلك، ونعرض فيما يلي إلى بعض شؤون الإمامعليه‌السلام معه.

عرض كاذب لاغتيال المأمون:

وقام الفضل بن سهل وهشام بن إبراهيم بعملية لخداع الإمام الرضاعليه‌السلام والقضاء عليه، فقد طلبا منه أن يخلّي مجلسه من كل أحد، ليفوضاه في

سر، وأخلى الإمام مجلسه، فاخرج الفضل يميناً مكتوبة بالعتق والطلاق، وما لا كفارة له، وقالا له:

(إنّما جئناك لنقول كلمة الحق والصدق، وقد علمنا أنّ الإمرة أمرتكم، والحق حقّكم يا بن رسول الله، والذي نقوله بألسنتنا عليه ضمائرنا، إلاّ ينعتق ما نملك، والنساء طوالق، وعلينا ثلاثون حجّة راجلين، على أن نقتل المأمون، ونخلص لك الأمر، حتى يرجع الحق إليك...).

____________________

(١) الأغاني ٩ / ٣١ - ٣٢.

٣٤١

ولم يخف على الإمام خداعيهما، وزيف قوليهما، فلو كانا صادقين في القول لقاما بذلك، قبل أن يفاوضا الإمام، وهما يعلمان انهعليه‌السلام يرفض كل محاولة لا يقرّها الإسلام، والتي منها عملية الاغتيال، فزجرهما، وقال لهما: (كفرتما النعمة، فلا تكون لكما السلامة، ولا لي إن رضيت بما قلتما...).

وبادرا نحو المأمون فاخبراه بمقالة الإمام فجزاهما خيراً، وسارع الإمام نحو المأمون، وأعلمه بالأمر، وذلك لتبرير ساحته، وتبيّن للمأمون أن الإمام لا يضمر له سوءاً(١) وأكبر الظن أنّ هذه العملية كانت بتدبير من المأمون للاطلاع على نوايا الإمام تجاهه.

وشاية بالإمام:

وعرضت البحوث الواعية في دراسة التأريخ الإسلامي إلى أنّ الفضل بن سهل لم يكن علوي الفكر(٢) ، فقد قام بخطوات رهيبة معادية للإمام الرضاعليه‌السلام ، والتي كان منها وشايته بالإمام إلى المأمون، فقد قال له: (إنّك جعلت ولاية العهد لأبي الحسن، وأخرجتها من بني أبيك والعامة، والعلماء، والفقهاء، وآل عباس لا يرضون بذلك وقلوبهم متنافرة عنك...)(٣) .

أرأيتم كيف حرّض الفضل على النكاية بالإمام، والوشاية به فقد ملأ قلب المأمون حقداً وكراهية للإمامعليه‌السلام .

معارضته للإمام:

وكان الفضل شديد المعارضة للإمام، فإذا ذهب الإمام إلى رأي عاكسه، ودعا المأمون إلى نقضه، وكان ذلك ما نقله الرواة أنّ المأمون دخل على الإمام، وقرأ عليه كتاباً، فيه أنّ بعض قوّاته فتحت بعض قرى (كابل)، فقال له الإمام:

(أو سرّك فتح قرية من قرى الشرك؟...).

وسارع المأمون قائلاً:

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٦٧.

(٢) يراجع في ذلك إلى كتاب الإمام الرضا للسيد جعفر مرتضى، فقد نفى عن الفضل نسبة التشيّع بصورة جازمة خلافاً لما ذهب إليه ابن خلكان في وفيات الأعيان ٣ / ٢٠٩ وغيره من أنّه كان شيعياً.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٦٠.

٣٤٢

(أو ليس في ذلك سرور؟...).

والتفت إليه فأرشده إلى موضع السرور الذي ينبغي أن يسلكه قائلاً:

(يا أمير المؤمنين اتق الله في أمّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما ولاّك الله من هذا الأمر، وخصّك به، فإنّك قد ضيّعت أمور المسلمين، وفوّضت ذلك إلى غيرك يحكم فيهم بغير حكم الله، وقعدت في هذه البلاد - يعني (خراسان) - وتركت بيت الهجرة، ومهبط الوحي، وإنّ المهاجرين والأنصار يظلمون دونك، ولا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمّة، ويأتي على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه، ويعجز عن نفقته، ولا يجد مَن يشكو إليه حاله ولا يصل إليك.

فاتق الله يا أمير المؤمنين في أمور المسلمين، وارجع إلى بيت النبوّة ومعدن المهاجرين والأنصار، أما علمت أنّ والي المسلمين مثل العمود في وسط الفسطاط، من أراده أخذه؟...).

وحكت هذه الكلمات الصراحة والنصيحة الخالصة، وليس فيها أيّ محاباة للمأمون ولا مجاراة لعواطفه وميوله، والتفت إلى الإمام فقال له:

(يا سيدي فما ترى؟...).

وأشار الإمام عليه بالحق الذي فيه نجاته قائلاً:

(أرى أن تخرج من هذه البلاد، وتتحوّل إلى موضع آبائك وأجدادك وتنظر في أمور المسلمين، ولا تكلهم إلى غيرك، فإنّ الله تعالى سائلك عمّا ولاّك...).

واستجاب المأمون لرأي الإمام وقال له:

(نعم ما قلت: يا سيدي، هذا هو الرأي...).

وأمر أن تقدم النوائب(١) للخروج إلى (يثرب)، وبلغ ذلك الفضل فغمّه الأمر، وسارع نحو المأمون فقال له:

(ما هذا الرأي الذي أمرت به؟...).

وعرض المأمون بما أشار عليه الإمامعليه‌السلام ، من اتخاذ المدينة المنورة عاصمة للملك، وانبرى الفضل يفند هذه الفكرة، ويشير عليه بعكس ما أشار عليه الإمام قائلاً:

____________________

(١) النوائب: هي الجيوش والعساكر المعدة للنوائب.

٣٤٣

(يا أمير المؤمنين ما هذا الصواب، قتلت بالأمس أخاك، وأزلت الخلافة عنه، وبنو أبيك معادون لك، وجميع أهل العراق، وأهل بيتك والعرب، ثم أحدثت هذا الحدث الثاني، إنّك ولّيت ولاية العهد لأبي الحسن، وأخرجتها من بني أبيك، والعامة والفقهاء والعلماء وآل العباس لا يرضون بذلك وقلوبهم متنافرة عنك.

فالرأي أن تقيم بخراسان حتى تسكن قلوب الناس على هذا، ويتناسون ما كان من أمر محمّد أخيك، وها هنا مشايخ قد خدموا الرشيد، وعرفوا الأمر فاستشرهم في ذلك، فإن أشاروا بذلك فامضه).

فقال المأمون:

(مَن هم؟...).

فقال الفضل:

مثل علي بن أبي عميران وأبي يونس، والجلودي - هؤلاء الذين نقموا بيعة أبي الحسن، ولم يرضوا بها...).

وأخيراً استجاب المأمون لرأي الفضل، وأعرض عمّا أشار عليه الإمام من اتخاذ (يثرب) عاصمة للملك(١) .

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٦٠.

٣٤٤

نهاية المطاف

ولم يمض قليل من الوقت على تقليد الإمام الرضاعليه‌السلام لولاية العهد حتى تنكّر له المأمون كأشد ما يكون التنكّر، وأضمر له السوء والغدر، وأخذ يبغي له الغوائل، ويكيده في غلس الليل، وفي وضح النهار، ففرض عليه الرقابة الشديدة، وحبسه في بيته ومنع العلماء والفقهاء من الاتصال به، والانتهال من غير علومه كما منع سواد شيعته من التشرّف بمقابلته.

وقد ورم أنف المأمون، وتميّز غضباً وغيظاً بما يتمتّع به الإمامعليه‌السلام من المكانة العظمى في نفوس المسلمين، وقد ترسّخت وازدادت حينما أُسندت إليه ولاية العهد، فقد رأوا ترسّله، وعدم تكلّفه، وبعده عن مغريات الحياة، وزهده في الدنيا، ومشاركته للناس في آلامهم، وحنوّه على الضعفاء، وعطفه على البؤساء، وسعة علومه، وإحاطته بما تحتاج إليه الأمّة في جميع شؤونها، وشدّة إنابته إلى الله تعالى وتقواه إلى غير ذلك من معالي أخلاقه التي يحار الفكر فيها، والتي هي امتداد ذاتي إلى أخلاق جدّه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي طوّر الحياة، وقضى على جميع التخلّف والانحراف في دنيا العرب والمسلمين.

رأى الناس الأخلاق العلوية الماثلة في الإمام الرضاعليه‌السلام فهاموا

٣٤٥

بحبّه، وآمنوا بإمامته، في حين أنّ المأمون وسائر ملوك بني العباس قد اتصفوا بضد ما اتصف به الإمام فإنّهم من حين أن تقلّدوا الخلافة لم يؤثر عن أي أحد منهم مكرمة أو فضيلة فقد انسابوا وراء شهواتهم وملذاتهم، وأنفقوا الملايين من أموال المسلمين على لياليهم الحمراء، ورحم الله أبا فراس الحمداني الشاعر الملهم والثائر على الظلم والجور فقد قارن في رائعته الخالدة بين الحياة الرفيعة التي عاشها السادة العلويون، وبين الحياة الوضيعة المليئة بالإثم والمنكرات التي عاشها العباسيون يقول:

تمسي التلاوة في أبياتهم سحراً

وفي بيوتكم الأوتار والنغمُ

إذا تلوا آيةً غنّى إمامكم:

(قف بالديار التي لم يعفها قدمُ)

ومنكم عليه أم منهم وكان لكم

شيخ المغنّين إبراهيم، أم لهمُ؟

ما في بيوتهم للخمر معتصر

ولا بيوتهم للشر معتصمُ

ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم

ولا يرى لهم قرد له حشمُ

الركن والبيت والأستار منزلهم

وزمزم والصفا والحجر والحرمُ

إنّ سيرة العلويين مشرقة كالشمس بنور الإيمان، وسيرة خصومهم العباسيين مظلمة قاتمة لا بصيص فيها بنور الإيمان، وهدى الإسلام وعلى أي حال فقد جهد المأمون أن يظهر للمجتمع الإسلامي عدم زهد الإمام الرضاعليه‌السلام في تقليده لولاية العهد إلاّ أنّه باء بالفشل فقد ظهر الإمام عليه كألمع شخصية عرفها العلم الإسلامي في تقواه وورعه، وإقباله على طاعة الله وعبادته، وعدم إشتراكه بأيّ منحى من المناحي السياسية.

ومهما يكن الأمر فإنّ هذا البحث هو الفصل الأخير من هذا الكتاب، ونعرض فيه إلى الشؤون الأخيرة من حياة الإمامعليه‌السلام ، وفيما يلي ذلك:

نصيحة الإمام للمأمون:

وقدّم الإمامعليه‌السلام نصيحة خالصة للمأمون، نقيّة من كثير من المشاكل السياسية، فقد أشار عليه أن يعفيه من ولاية العهد ويعفي الفضل بن سهل

من الوزارة، وبذلك يتخلّص من كيد العباسيين وبغيهم عليه(١) إلاّ أن المأمون لم يعفهما، وإنّما قام باغتيالهما كما سنعرض ذلك.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٤٥.

٣٤٦

عزم المأمون على الرجوع إلى بغداد:

وأخذ المأمون يطيل التفكير، ويقلّب الرأي على وجوهه في الرجوع إلى (بغداد)، عاصمة آبائه، وزينة الشرق، ولكن يصدّه عن تحقيق هذه الأمنية الغالية أمران:

الأول: وجود الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ولي عهده الذي تحقد عليه الأسرة العباسية كأشد ما يكون الحقد، فقد خلعت بيعة المأمون، وبايعت ابن شكلة شيخ المغنّين انتقاماً منه لتقليده للإمام بولاية العهد.

الثاني: وجود وزيره الفضل بن سهل على المسرح السياسي فقد نقم عليه العباسيون، معتقدين أنّه هو الذي حبّذ للمأمون عقد ولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام .

ورأى المأمون أن يتخلّص من الإمام والفضل، ويصفّيهما جسدياً ليخلو له الجو، وينال بذلك رضى العباسين، ويزيل عنه سخطهم وانتقامهم، وهذا ما سنعرضه.

حمّام سرخس:

ورأى المأمون أن يتخلّص من الإمام الرضاعليه‌السلام ، ومن الفضل بن سهل دفعة واحدة حتى تخلص له الأسرة العباسية فأوعز إلى عصابة مجرمة من عملائه القيام باغتيال الإمام والفضل في حمّام (سرخس)، وطلب منهما الدخول في الحمّام في وقت واحد، ويكون هو معهما، وذلك لتغطية الأمر، وعدم انكشافه لأيّ أحد، وكان الإمامعليه‌السلام يقظاً حسّاساً فلم تخف عليه هذه المكيدة فرفض إجابته، فكتب المأمون إليه ثانياً يلتمسه، ويترجّاه فأجابه الإمام:

(لست بداخل غداً الحمّام، فإنّي رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام في هذه الليلة يقول لي: يا علي لا تدخل الحمّام غداً، فلا أرى لك يا أمير المؤمنين، ولا للفضل أن تدخلا الحمّام غداً...).

فأجابه المأمون:

(صدقت يا سيدي، وصدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لست بداخل الحمّام غداً، والفضل فهو أعلم وما يفعله...).

وتتضح مكيدة المأمون بالنسبة إلى الفضل فقد خلاّه وشأنه ليلاقي مصرعه على

٣٤٧

أيدي عصابته.

مصرع الفضل:

وبادر الفضل إلى الحمّام، فحينما دخل فيه تناهبت جسمه سيوف العصابة فخرّ على الأرض صريعاً يتخبّط بدمه، وما هي إلاّ لحظات وإذا به جثّة هامدة لا حراك فيها، وبذلك فقد حقّق المأمون شطراً من مهمّته.

وحينما قتل الفضل سارع أصحابه نحو المأمون ليأخذوا الثأر منه، فقد علموا أنّه هو الذي أوعز بقتله، وبادر حرّاس قصر المأمون إلى غلق أبوابه خوفاً من هجوم الثوّار على المأمون إلاّ أنّ الثوّار حملوا أقبسة من النار لحرق أبواب القصر، ولـمّا علم المأمون بذلك فزع، والتجأ إلى الإمام الرضاعليه‌السلام فاحتمى به، وخرج الإمامعليه‌السلام إلى الثوار، وأمرهم بالانصراف فاستجابوا له، ونجا المأمون ببركة الإمامعليه‌السلام (١) ، أمّا الذين قتلوا الفضل فكانوا خمسة أشخاص من حاشية المأمون كان من بينهم غالب خاله، وقد قبضت عليهم الشرطة، وجاءت بهم إلى المأمون، فقالوا له: أنت أمرتنا بقتله، فقال لهم: أنا أقتلكم بإقراركم، وأمّا ما ادعيتموه من أني أنا أمرتكم بذلك فدعوى ليس لها بينة، ثم أمر بهم فضربت أعناقهم، وبعث برؤوسهم إلى الحسن بن سهل، وأظهر عليه الحزن الكاذب(٢) .

اغتيال الإمام:

وقام المأمون باغتيال إمام المسلمين، سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الإمام الرضاعليه‌السلام ، فدس له سمّاً قاتلاً في العنب، أو الرمّان، كما سنذكره، وبذلك فقد قضى المأمون على ألمع شخصية في العالم الإسلامي، كانت مصدر الوعي والفكر في دنيا الإسلام.

أقوال شاذّة:

وحاول بعض المؤرّخين تنزيه المأمون من اقتراف هذه الجريمة النكراء، وأنّه لم يقدم على اغتيال الإمامعليه‌السلام ، وهذه بعض أقوالهم:

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٦٤.

(٢) تأريخ أبن خلدون ٣ / ٢٤٩، الكامل ٥ / ١٩١ حكيا ذلك قولاً، الآداب السلطانية والدول الإسلامية (ص ٢١٨) بحر الأنساب (ص ٢٨).

٣٤٨

١ - موته حتف أنفه:

ذهب (ابن خلدون) إلى أنّ الإمامعليه‌السلام مات حتف أنفه فجأة على أثر عنب أكله(١)، وكذا ذهب غيره إلى هذا القول(٢) .

٢ - اغتيال العباسيين للإمام:

قال ابن الجوزي: لـمّا رأى العباسيون أنّ الخلافة قد خرجت من أيديهم إلى أولاد علي بن أبي طالب سمّوا علي بن موسى الرضا فتوفّى في قرية من قرى (طوس) يقال لها (سناباد)... وقد زعم قوم أنّ المأمون سمّه، وليس كما ذكر، فإنّ المأمون حزن عليه حزناً لم يحزنه على أحد، وكتب إلى الآفاق يعزّونه(٣) .

٣ - موته بالسم:

وذكر فريق من المؤرّخين أنّ الإمامعليه‌السلام توفّي مسموماً(٤) ولم يذكروا غير ذلك.

هذه بعض الأقوال التي ذكرت وهي شاذة لا نصيب لها من الواقع، فإنّ من المقطوع به هو أنّ المأمون هو الذي اغتال الإمام لا الأسرة العباسية، ولا غيرها، ولم يمت الإمام حتف أنفه، ولقد قدم المأمون على اقتراف هذه الجريمة للتخلّص من الإمام الذي شاع ذكره في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد ظهرت للعيان دلائل إمامته، وهام المسلمون بحبّه؛ وذلك لما يتمتّع به من معالي الأخلاق، وسموا الآداب، والإقبال على الله، والزهد في الدنيا، وغير ذلك من صفاته العظيمة في حين أن المأمون وسائر ملوك بني العباس كانوا خالين من كل نزعة كريمة، وصفة رفيعة.

وعلى أي حال فقد أجمع معظم المؤرّخين والرواة أنّ المأمون هو الذي دسّ السم إلى الإمام لا غيره، فقد اغتال بهذه الطريقة كوكبة من أعلام عصره خاف منهم(٥) .

____________________

(١) تأريخ ابن خلدون ٣ / ٢٥٠.

(٢) وفيات الأعيان تأريخ الإسلام للذهبي ٨ / ورقة ٣٥.

(٣) تذكرة الخواص (ص ٣٦٤) المنتظم ١٠ / ورقة ٦٧.

(٤) البحار.

(٥) ذكرنا أسماء الذي اغتالهم المأمون في البحوث السابقة.

٣٤٩

إلى جنّة المأوى:

وامتحن الإمام امتحاناً عسيراً في تقلده لولاية العهد، فقد ضيق عليه المأمون غايد التضييق، ففرض عليه الرقابة الشديدة، وأحاطه بقوى مكثفة من الأمن، وقد سئم الإمام من الحياة، وراح يدعوا الله تعالى أن ينقله من دار الدنيا إلى دار الخلود قائلاً: (اللّهمّ إن كان فرجي ممّا أنا فيه بالموت فعجّل لي الساعة...).

واستجاب الله دعاء وليه العظيم فنقله من دار الدنيا المحفوفة بالمكاره والآلام إلى دار الحق، ونعرض إلى كيفية وفاته، فقد دعا الإمامعليه‌السلام في غلس الليل البهيم هرثمة بن أعين، فلمّا مثل عنده قال له: (يا هرثمة هذا آوان رحيلي إلى الله تعالى، ولحوقي بجدي وآبائيعليهم‌السلام ، وقد بلغ الكتاب أجله، وقد عزم هذا الطاغي - يعني المأمون - على سمّي في عنب ورمّان مفروك، فأمّا العنب فإنّه يغمس السلك في السم ويجذبه بالخيط بالعنب، وأمّا الرمان فإنه يطرح السم في كف بعض غلمانه، ويفرك الرمان بيده ليتلطّخ حبّه في ذلك السم، وإنّه سيدعوني في اليوم المقبل، ويقرب إلى الرمان والعنب،، ويسألني أكلها، فآكلها ثم ينفذ الحكم، ويحضر القضاء.

فإذا أنا مت فسيقول: أنا أغسله بيدي، فإذا قال: ذلك، فقل له عنّي: بينك وبينه، أنّه قال لي: لا تتعرّض لغسلي، ولا لتكفيني ولا لدفني، فإنّك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أُخّر عنك، وحلّ بك اليم ما تحذر فإنّه سينتهي.

وأضاف الإمام قائلاً:

فإذا خلّى بينك وبين غسلي حتى ترى، فيجلس في علو من أبنيته مشرفاً على موضع غسلي لينظر، فلا تتعرّض يا هرثمة لشيء من غسلي حتى ترى فسطاطاً أبيض قد ضرب في جانب الدار، فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها، وضعني من وراء الفسطاط، وقف وراءه، ويكون مَن معك دونك ولا تكشف عني الفسطاط حتى تراني فتهلك.

وإنّه - أي المأمون - سيشرف عليك، ويقول لك: يا هرثمة أليس زعمتم أنّ

٣٥٠

الإمام لا يغسّله إلاّ إمام مثله، فمَن يغسّل أبا الحسن علي بن موسى، وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بـ‍ (طوس)؟

فإذا قال ذلك: فقل له: إنّا نقول: إنّ الإمام لا يجب أن يغسله إلا إمام مثله، فإن تعدّى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله، ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده، بأن غلب على غسله أبيه، ولو ترك أبو الحسن على بن موسى الرضا (ع) بالمدينة لغسّله ابنه محمد ظاهراً مكشوفاً، ولا يغسله الآن أيضاً إلاّ هو من حيث يخفى، فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدرجاً في أكفاني، فضعني على نعشي، واحملني، فإذا أراد أن يحفر قبري، فإنّه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة لقبري، ولا يكون ذلك أبداً، فإذا ضربت المعاول ينب عن الأرض(١) ولم يحفر لهم منها شيء، ولا مثل قلامة ظفر، فإذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم، فقل لهم عني: إنّي أمرتك أن تضرب معولاً واحداً في قبلة قبر أبيه هارون الرشيد، فإذا ضربت تقذفه في الأرض إلى قبر محفور، وضريح قائم، فإذا انفرج القبر فلا تنزلني حتى يفور من ضريحه الماء الأبيض فيملئ منه ذلك القبر... فإذا غار الماء فأنزلني في ذلك القبر وألحدني في ذلك الضريح(٢) .

وأمر الإمامعليه‌السلام هرثمة بحفظ ما قاله، فأجابه هرثمة إلى ما أراد، وفي اليوم الثاني بعث المأمون خلف الإمام، فلمّا حضر عنده قام إليه فعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه إلى جانبه، وأقبل عليه يحادثه، وأمر بعض غلمانه أن يأتيه بعنب ورمّان، قال هرثمة: فلم أستطع الصبر وأصابتني رعدة.

وناول المأمون الإمام العنقود من العنب، وقال له: (يا بن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا؟...).

فرد عليه الإمام:

(ربّما كان عنبا حسناً منه في الجنة...).

وطلب من الإمام أن يتناول منه شيئاً فامتنععليه‌السلام منه، فصاح المأمون:

____________________

(١) ينسب عن الأرض أي يمتنع ولا يؤثر فيها.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٤٧، وقريب منه في نور الأبصار (ص ١٤٥).

٣٥١

(لعلّك تتهمنا بشيء؟...).

وتناول المأمون ثلاث حبّات، ثم رمى به، وقام، فقال له المأمون:

(إلى أين؟...).

فنظر إليه الإمام، وقال له بنبرات خافته:

(إلى حيث وجهتني...)(١) .

وسارع الإمام إلى الدار، وقد تفاعل السم في جميع أجزاء بدنه، وقد أيقن بنزول الرزء القاصم، وبعث إليه المأمون يطلب منه وصيته ونصيحة له، فقالعليه‌السلام لرسوله:

(قل له: يوصيك أن لا تعطي أحداً ما تندم عليه...)(٢).

وسرى السم في جميع أجزاء بدن الإمام، وأخذ يعاني من أقسى الآلام وقد علم أنّ لقاءه بربّه لقريب فأخذ يتلو آيات من الذكر الحكيم، ويستغفر الله تعالى، ويدعو للمؤمنين، ويقول الرواة: إنّه لما ثقل حاله امتنع أهل بيته وأصحابه من الأكل والشرب، فالتفتعليه‌السلام إلى ياسر وقال له:

(هل أكل الناس شيئاً؟...).

فردّ عليه بصوت خافت حزين النبرات قائلاً: (مَن يأكل مع ما أنت فيه).

فانتصبعليه‌السلام ثم قال: هاتوا المائدة، ولم يدع أحداً من حشمه إلاّ أجلسه على المائدة، وجعل يتفقّد واحداً بعد واحد، ولـمّا فرغوا من تناول الطعام، أمر بحمله إلى النساء، ولـمّا فرغوا من الأكل أغمي عليه(٣) .

وفي غلس الليل البهيم كان الإمام يتلوا آيات من الذكر الحكيم، وكان آخر آية قرأها قوله تعالى:( قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ) (٤) ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً ) (٥) ثم فاضت نفسه الزكية إلى بارئها(٦)

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٤٣.

(٢) عيون التواريخ ٣ / ٢٢٧.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٤١.

(٤) سورة آل عمران: آية ١٥٤.

(٥) سورة الأحزاب: آية ٣٨.

(٦) عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٤١.

٣٥٢

تحفّها ملائكة الرحمن، وتستقبلها في رياض الخلد أرواح الأنبياء والأوصياء، لقد أظلمت الدنيا بفقده، وأشرقت الآخرة بقدومه، وكانت وفاته رزءاً على

العلماء والفقهاء ورجال الفكر الذين كانوا ينتهلون من نمير علومه، كما كانت وفاته رزءاً شعبياً عامّاً، فقد فقدت الأوساط الشعبية مَن كان يسهر على مصالحهم، ويناضل عن قضاياهم.

لقد انتقل الإمام إلى حضيرة القدس بعد ما أدى رسالة ربّه، فلم يشترك بأي عمل إيجابي في جهاز دولة المأمون، ورفض أي تعاون معه، وقد سلب بذلك شرعية حكومة المأمون وأنّها لم تكن قائمة على حكم الله تعالى، وقد عانى من أجل ذلك جميع ألوان الاضطهاد حتى قضى عليه المأمون.

رياء المأمون:

وأظهر المأمون الحزن، والجزع الكاذب، على وفاة الإمام فقد خرج حافياً، حاسراً، يضرب على رأسه، ويقبض على لحيته، ويبكي، وقد رفع عقيرته ليسمعه الناس قائلاً:

(ما أدري أي المصيبتين أعظم عليّ، فقدي لك، وفراقي إيّاك، أو تهمة الناس لي أنّي اغتلتك وقتلتك...)(١) .

لقد أظهر المأمون الأسى على وفاة الإمامعليه‌السلام لتبرير ساحته ودفع التهمة عنه بأنّه هو الذي اغتاله، ولكن سرعان ما انكشف رياؤه، واتضح للمجتمع بأنّه هو المسؤول عن اغتياله.

إخفاء موت الإمام:

وأخفى المأمون موت الإمامعليه‌السلام يوماً وليلة(٢) ، وفيما أحسب أنّه استعد لحالة الطوارئ، والخوف من الانتفاضة الشعبية عليه، فقد أوعز إلى رجال من أمنه، وقوّاته المسلحة بالاستعداد لكل حادث يحدث.

تشييع جثمان الإمام:

وشيّع جثمان الإمام تشييعاً حافلاً لم تشاهد مثله (خراسان) في جميع أدوار

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٤١.

(٢) مقاتل الطالبيين (ص ٥٦٧)، إرشاد المفيد (ص ٣١٦).

٣٥٣

تأريخها، فقد أغلقت الدوائر الرسمية، والمحلاّت التجارية، وهرع الناس بجميع طبقاتهم إلى تشييع الجثمان المقدّس، وهم ما بين باكٍ وواجم، ورفعت الأعلام السود، وسالت الدموع كل مسيل، وتعالى الصراخ من كل جانب على الفقيد العظيم الذي كان ملاذاً لهم، ويتقدّم النعش المأمون وهو حاسر، وخلفه الوزراء وكبار رجال الدولة، وقادة الجيش، وهم يذكرون فضائل الإمام، وما مُنيت به الأمة من الخسارة العظمى بفقده.

في مقرّه الأخير:

وجيء بالجثمان المقدّس تحت هالة من التكبير والتعظيم إلى مقرّه الأخير، فحفر له قبر بالقرب من قبر هارون قاتل أبي الإمام فواراه المأمون فيه، وقد وارى معه كل ما تسمو به الإنسانية من الصفات الرفيعة، والنزعات الكريمة.

وأقبلت الجماهير تعزّي المأمون، وسائر العلويين والعباسيين على مصابهم الأليم، وقد نخر الأسى والحزن قلوب الجميع، فقد فقدوا إمام المسلمين، وسيّد المتقين والمنيبين، ومن الجدير بالذكر أنّ المأمون سئل عن السبب في دفن الإمام إلى جانب قبر أبيه؟ فأجاب: ليغفر الله لهارون بجواره للإمام الرضاعليه‌السلام ، وقد فنّد ذلك الشاعر الملهم دعبل الخزاعي بقوله:

أربع بطوس على قبر الزكي بها

إن كنت تربع من دين على وطرِ

ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا

على الزكي بقرب الرجس من ضررِ

هيهات كل امرئ رهن بما كسبت

له يداه فخذ ما شئت أو فذرِ

قبران في طوس خير الناس كلهم

وقبر شرهم هذا من العبرِ

إقامة المأمون على قبر الإمام:

وأقام المأمون عند القبر الشريف ثلاثة أيام صائماً نهاره، قارئاً للقرآن الكريم، ويترحّم على الإمامعليه‌السلام ؛ وذلك لتنزيهه من اقتراف هذه الجريمة، وإظهار إخلاصه وحبه للإمام، إلاّ أنّ ثوب الرياء يشف عمّا تحته، فقد ظهر للجميع زيف ذلك، وأنّه لا واقع لحزنه المزعوم.

المأمون مع هرثمة:

ودعا المأمون هرثمة بن أعين، وطلب منه أن يحدثه بما سمع من الإمام وما قاله له في سمّه بالعنب والرمان، وجعل هرثمة يحدثه بذلك والمأمون يصفر وجهه مرة،

٣٥٤

ويحمر أخرى وهو يقول بنبرات تقطر أسى وحسرات على ما اقترفه في حق الإمام قائلاً: (ويل للمأمون من الله، ويل له من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويل له من علي بن أبي طالب، ويل للمأمون من فاطمة الزهراء، ويل للمأمون من الحسن والحسين، ويل للمأمون من علي بن الحسين، ويل للمأمون من محمد بن علي، ويل للمأمون من جعفر بن محمد، ويل له من موسى بن جعفر، ويل للمأمون من علي بن موسى الرضا... هذا والله الخسران المبين!

وأمر المأمون هرثمة بكتمان قول الإمام معه، وعدم إذاعته، وتلا قول الله تعالى:( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ) (١) .

والويل للمأمون على ما اقترفه من عظيم الذنب، فقد اغتال سيد المسلمين، وإمام المتقين وفلذّة من كبد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

عمر الإمام:

أمّا عمر الإمامعليه‌السلام الحافل بالمكرمات والفضائل فقد اختلف المؤرّخون في مدّته، وهذه بعض الأقوال:

١ - ٤٧ سنة(٢) .

٢ - ٤٨ سنة(٣) .

٣ - ٤٩ سنة(٤) .

٤ - ٥٠ سنة(٥) .

٥ - ٥١ سنة(٦) .

٦ - ٥٥ سنة(٧) .

____________________

(١) أعيان أخبار الرضا ٢ / ٢٤٩.

(٢) أعيان الشيعة ٤ / ق ٢ / ٧٨.

(٣) أعيان الشيعة ٤ / ق ٢ / ٧٨.

(٤) عيون التواريخ ٣ / ورقة ٢٢٦ كشف الغمة ٣ / ٥٦.

(٥) أعيان الشيعة ٤ / ق ٢ / ٧٨.

(٦) أعيان الشيعة ٤ / ق ٢ / ٧٨.

(٧) أصول الكافي ١ / ٤٨٦ كفاية الطالب (ص ٤٥٨)، نور الأبصار (ص ١٤٤)، بحر الأنساب (ص ٢٨).

٣٥٥

٧ - ٥٧ - و ٤٩ يوماً أو ٧٩ يوماً(١) .

ومنشأ هذا الاختلاف هو الاختلاف في تأريخ ولادتهعليه‌السلام ويرى السيد الأمين أنّ منشأ هذا التضارب هو التسامح بعد السنة الناقصة سنة كاملة(٢) .

رثاء الإمام:

كان نبأ وفاة الإمام كالصاعقة على رؤوس المسلمين، فقد تلقوا النبأ المؤلم بأسى، وحزن عميق، فقد فقدوا بموته ما كانوا يأملونه، ويحلمون به من رجوع الخلافة الإسلامية إلى معدنها الأصيل، ويتخلّصون من ذئاب البشرية، وأئمّة الظلم والجور، ويقام في ربوعهم العدل السياسي والعدل الاجتماعي، لقد خابت الآمال بموت الإمام العظيم، وقد نخر الحزن القلوب، وسالت الدموع كل مسيل، وقد انبرت كوكبة من الشعراء فرثوا الإمام بذوب روحهم، وكان من بينهم ما يلي:

١ - أشجع بن عمرو السلمي:

ورثى أشجع بن عمرو السلمي الإمام بقصيدة عصماء حكت حزنه العميق على فقد إمام المسلمين، وصورت مدى الخسارة الكبرى التي مُني بها العالم الإسلامي، وهذا نصّها:

يا صاحب العيس يحدي في أزمّتها

اسمع وأسمع غداً يا صاحب العيسِ

إقر السلام على قبر بطوس ولا

تقر السلام، ولا النعمى على طوسِ

فقد أصاب قلوب المسلمين بها

روع وأفرخ فيها روع إبليسِ

وأخلست واحد الدنيا وسيّدها

فأيّ مختلس منّا ومخلوسِ

ولو بدا الموت حتى يستدير به

لاقى وجوه رجال دونه شوسِ

بؤساً لطوس فما كانت منازله

ممّا تخوّفه الأيام بالبؤسِ

معرّس حيث لا تعريس ملتبس

يا طول ذلك من نأي وتعريسِ

إنّ المنايا أنالته مخالبها

ودونه عسكر جمّ الكراديسِ

أوفى عليه الردى في خيس أشبله

والموت يلقى أبا الأشبال في الخيسِ

ما زال مقتبساً من نور والده

إلى النبي ضياء غير مقبوسِ

في منبت نهضت فيه فروعهم

بباسقٍ في بطاح الملك مغروسِ

____________________

(١) أعيان الشيعة ٤ / ق ٢ / ٧٨.

(٢) أعيان الشيعة ٤ / ق ٢ / ٧٨.

٣٥٦

والفرع لا يرتقي إلاّ على ثقةٍ

من القواعد والدنيا بتأسيسِ

لا يوم أولى بتخريق الجيوب ولا

لطم الخدود ولا جدع المعاطيسِ

من يوم طوس الذي نادت بروعته

لنا النعاة وأفواه القراطيسِ

حقّاً بأنّ الرضا أودى الزمان به

ما يطلب الموت إلاّ كل منفوسِ

ذا اللحظتين وذا اليومين، مفترش

رمسا كآخر في يومين مرموسِ

بمطلع الشمس وافته منيّته

ما كان يوم الردى عنه بمحبوسِ

يا نازلاً جدثاً في غير منزله

ويا فريسة يوم غير مفروسِ

صلّى عليك الذي قد كنت تعبده

تحت الهواجر في تلك الأماليسِ

لولا مناقضة الدنيا محاسنها

لما تقايسها أهل المقاييسِ

أحلّك الله داراً غير زائلة

في منزل برسول الله مأنوسِ(١)

أرأيتم هذه الأحزان الموجعة التي حلت بالعالم الاسلامي على فقد واحد الدنيا وسيدها الامام العظيم؟!

لقد صور أشجع السلمي برائعته مدى الخسارة العظمى التي مني بها المسلمون، والتي هي جديرة بشق الجيوب ولطم الخدود، فقد أودى الزمان بقائد الأمة، وسيدها وإمامها.

وقد ذاعت هذه القصيدة، وحفظها الناس فخاف أشجع فغير ألفاظها وجعلها في الرشيد(٢).

٢ - دعبل الخزاعي:

وبكي دعبل الخزاعي شاعر أهل البيت الإمام الرضاعليه‌السلام أمر البكاء ورثاه بذوب روحه، وكان مما قاله في رثائه له هذه القصيدة:

هو النفس إلاّ أنّ آل محمّدٍ

لهم دون نفسي في الفؤاد كمين

أضرّ بهم إرث النبي فأصبحوا

يساهم فيه ميتة ومنون

دعتهم ذئاب من أميّة وانتحت

عليهم دراكاً أزمة وسنون

وعاثت بنو العباس في الدين عيثة

تحكّم فيه ظالم وظنين

وسمّوا رشيداً ليس فيهم لرشده

وها ذاك مأمون وذاك أمين

____________________

(١) مقاتل الطالبيين (ص ٥٦٨ - ٥٧٠).

(٢) مقاتل الطالبيين (ص ٥٦٨).

٣٥٧

فما قبلت بالرشد منهم رعاية

ولا لولي بالإمامة دين

رشيدهم غاو، وطفلاه بعده

لهذا رزايا دون ذاك مجون

ألا أيّها القبر الغريب محلّه

بطوس عليك الساريات هتون

شككت فما أدري أمسقى شربة

فأبكيك أم ريب الردى فيهون

وأيهما ما قلت: إن قلت شربة

وإن قلت موت إنّه لقمين

أتعجب للأجلاف أن يتخيّفوا

معالم دين الله وهو مبين

لقد سبقت فيهم بفضلك آية

لدي ولكن ما هناك يقين(١)

وقال في رثاء الإمام:

ألا ما لعيني بالدموع استهلّتِ

ولو فقدت ماء الشؤون لقرّتِ

على مَن بكته الأرض واسترجعت له

رؤوس الجبال الشامخات وذلّتِ

وقد أعولت تبكي السماء لفقده

وأنجمها ناحت عليه وكلّتِ

رزينا رضي الله سبط نبينا

فأخلفت الدنيا له وتولّتِ

فنحن عليه اليوم أجدر بالبكا

لمرزئة عزّت علينا وجلّتِ

وما خير دنيا بعد آل محمّدٍ

ألا لا نباليها إذا ما اضمحلّتِ

تجلت مصيبات الزمان ولا أرى

مصيبتنا بالمصطفين تجلّتِ(٢)

وممّا قاله في رثاء الإمام:

يا حسرة تتردد

وعبرة ليس تنفد

على علي بن موسى

بن جعفر بن محمّد

قضى غريباً بطوس

مثل الحسام المجرّد

يا طوس طوباك قد

صرت لابن أحمد مشهد

ويا جفوني استهلّي

ويا فؤادي توقّد(٣)

ومن رثائه للإمام هذه المقطوعة:

لقد رحل ابن موسى بالمعالي

وسار بسيره العلم الشريفُ

وتابعه والدين طرّاً

كما يتتبع الألف الأليفُ

____________________

(١) مقاتل الطالبيين (ص ٥٧١).

(٢) ديوان دعبل (ص ٩٩).

(٣) ديوان دعبل (ص ١٠١).

٣٥٨

فيا وفد الندى عودوا خفاف ال‍

حقائب لا تليد ولا طريفُ

وقد كنّا نؤمّل أن سيبقى

إمام هدى له رأي حصيفُ

ترى سكناته فتقول: عز

وتحت سكونه الفضل المنيفُ

له سمحاء تغدو كل يومٍ

بنائلة وسارية تطوفُ

فأهدى ريحه قدر المنايا

مزار دونه نأي قذوفُ

فقل للشامتين به رويداً

فما تبقي امرأ يمشي الحتوفُ

سررتم بافتقاد فتىً بكاه

رسول الله والدين الحنيفُ(١)

وقال في رثائه:

يا نكبة جاءت من الشرق

لم تتركن منّي ولم تبقِ

موت علي بن موسى الرضا

من سخط الله على الخلقِ

وأصبح الإسلام مستعبراً

لثلمة باينة الرتقِ

سقى الغريب المبتنى قبره

بأرض طوس مسبل الودقِ

أصبح عيني مانعاً للكرى

وأولع الأحشاء بالخفقِ(٢)

وحكى هذا الرثاء لوعة دعبل، وحزنه العميق على وفاة إمام المسلمين وسيد المتقين الإمام الرضاعليه‌السلام الذي ترك فقده ثلمة في الإسلام.

٣ - ابن المشيع المدني:

وممّن اكتوى بنار الحزن على فقد الإمامعليه‌السلام ابن المشيع المدني قال في رثاء الإمام:

يا بقعة بها سيدي

ما مثله في الناس من سيّدِ

مات الهدى من بعده والندى

وشمر الموت به يقتدي(٣)

لا زال غيث الله يا قبره

عليك منه رائحاً مغتدي

كان لنا غيثاً به نرتوي

وكان كالنجم به نهتدي

إنّ عليّ بن موسى الرضا

قد حلّ والسودد في ملحدِ

____________________

(١) ديوان دعبل (ص ١٠٨).

(٢) ديوان دعبل (ص ١٠٨ - ١٠٩).

(٣) قال المجلسي: في البحار: (وشمر الموت) لعلّ المعنى أنّ الموت شمر ذيلة وتهيأ لإماتة سائر الأخلاق الحسنة، أو الخلائق.

٣٥٩

يا عين فابكي بدمٍ بعده

على انقراض المجد والسودد(١)

٤ - الخوافي:

ومن الشعراء الذي رثوا الإمامعليه‌السلام علي بن أبي عبد الله الخوافي قال:

يا أرض طوس سقاك الله رحمته

ماذا حويت من الخيرات يا طوس

طابت بقاعك في الدنيا وطيبها

شخص ثوى بسناآباد مرموس(٢)

شخص عزيز على الإسلام مصرعه

في رحمة الله مغمور ومغموس

يا قبره أنت قبر قد تضمّنه

حلم وعلم وتطهير وتقديس

فخراً فإنّك مغبوط بجثّته

وبالملائكة الأبرار محروس(٣)

٥ - الضبي:

ومن جيّد ما رثى به الإمام هذه القصيدة للشاعر الضبي قال الشيخ الصدوق وجدتها في كتاب لمحمد بن حبيب الضبي، وأكبر الظن أنّها له كما أعلن ذلك في آخر القصيدة:

قبر بطوس به أقام إمامُ

حتم إليه زيارة ولمامُ

قبر أقام به السلام وإن غدا

تهدى إليه تحية وسلامُ

قبر سنا أنواره تجلو العمى

وبتربه قد تدفع الأسقامُ

قبر يمثّل للعيون محمد

ووصيه والمؤمنون قيامُ

خشع العيون لذا وذاك مهابة

في كنهها تتحيّر الأفهامُ

قبر إذا حلّ الوفود بربعه

رحلوا وحطت عنهم الآثامُ

وتزوّدوا أمن العقاب وأومنوا

من أن يحل عليهم الإعدام

الله عنه به لهم متقبل

وبذاك عنهم جفّت الأقلامُ

إن يغن عن سقي الغمام فإنّه

لولاه لم تسق البلاد غمامُ

قبر علي بن موسى حلّه

بثراه يزهو الحل والإحرامُ

فرض إليه السعي كالبيت الذي

من دونه حق له الإعظامُ

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٣ / ٢٥٠.

(٢) المرموس: المدفون.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٥١.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375