حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)10%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 375

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 204687 / تحميل: 8468
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

يكون الركوع والسجود بالوجه واليدين لا بالرأس والرجلين.

ومنها: أنّ الخلق لا يطيقون في كل وقت غسل الرأس والرجلين ويشتد ذلك عليهم في البرد والسفر والمرض وأوقات من الليل والنهار وغسل الوجه واليدين أخف من غسل الرأس والرجلين، وإذا وضعت الفرايض على قدر أقل الناس طاعة من أهل الصحة ثم عم فيها القوي والضعيف.

ومنها: أن الرأس والرجلين ليسا في كل وقت باديين ظاهرين كالوجه واليدين لموضع العمامة والخفين وغير ذلك(١) .

الوضوء عند أهل البيتعليهم‌السلام غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين وقد ذكر الإمامعليه‌السلام علل هذه الأفعال وهي:

أ - إنّ الصلاة التي من أجلها شُرّع الوضوء قوامها: الركوع والسجود، وهما يقومان بالوجه واليدين فالغسل يكون لهما لا لغيرهما.

ب - إنّ في غسل الرأس والرجلين مشقّة عظيمة وحرجاً شديداً، خصوصاً في أيام البرد والسفر والمرض فاكتفى الشارع بالمسح لها.

ج - إنّ الأعضاء البارزة في جسم الإنسان هي الوجه واليدان دون غيرهما فالغسل يكون لها.

وعلّل الإمامعليه‌السلام فيما كتبه لمحمد بن سنان بتعليل آخر يقرب من هذا التعليل قالعليه‌السلام : وعلّة الوضوء التي من أجلها صار غسل الوجه والذراعين ومسح الرأس والرجلين فلقيامه بين يدي الله عزّ وجل، واستقباله إيّاه بجوارحه الظاهرة وملاقاته بهما الكرام الكاتبين.

فغسل الوجه للسجود والخضوع وغسل اليدين ليقبلهما ويرغب بهما ويرهب ويتبتل ومسح الرأس والقدمين لأنّهما ظاهران مكشوفان يستقبل بهما في كل حالاته وليس فيهما من الخضوع والتبتّل ما في الوجه والذراعين(٢) .

وهذا التعليل قريب من التعليل الأول وهو ظاهر لا يحتاج لإيضاح.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٤.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ٨٩.

٢١

الصلاة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم أمروا بالصلاة؟

قيل: لأنّ في الصلاة الإقرار بالربوبية وهو صلاح عام لأنّ فيه خلع الأنداد والقيام بين يدي الجبّار بالذل والاستكانة والخضوع والخشوع والاعتراف وطلب الإقالة من سالف الذنوب، ووضع الجبهة على الأرض كل يوم وليلة ليكون العبد ذاكراً لله غير ناسٍ له ويكون خاشعاً وجلاً متذللاً طالباً راغباً في الزيادة للدين والدنيا مع ما فيه من الانزجار عن الفساد، وصار ذلك عليه في كل يوم وليلة لئلاّ ينسى العبد مدبره وخالقه والقيام بين يدي ربه زاجراً له عن المعاصي وحاجزاً ومانعاً له عن أنواع الفساد(١) .

الصلاة معراج المؤمن وقربان كل تقي، وقد أدلى الإمامعليه‌السلام ببعض المصالح والحكم في تشريعها وهي:

أ - من فوائد الصلاة وثمراتها: الإقرار بالعبودية المطلقة لله تعالى الخالق العظيم الذي ليس كمثله شيء، وعلى المصلّي أن يزداد في خشوعه وخضوعه وتذلّله أمام الله ويطلب منه العفو والغفران من ذنوبه التي اقترفها في حياته.

ب - إنّ الصلاة إذا وقعت صحيحة جامعة للشرائط فإنها تقي الإنسان من المعاصي وتزجره عن المنكر وتوجهه نحو الخير.

ج - إنّ تكرار الصلاة في كل يوم من حكمته أن يكون الإنسان على صلة وثيقة ودائمة بخالقه ومدبّر شؤونه ومضافاً لهذه الثمرات التي أدلى بها الإمام عليه السلام فإنّها من أقوى الأسباب التي تمد المجتمع الإنساني بالقوى الروحية الخلاّقة.

إنّ الإنسان إذا لم تتصل روحه بخالقها فإنّه تظهر عليه مظاهر الوحشة والاكتئاب والصلاة تتيح له الاتصال بالمبدأ الفيّاض فتزيل عنه ما ألمّ به من الهلع والوحشة والاكتئاب وتودع فيه قوّة نفسية يستطيع بها أن يقف أمام الأحداث التي يُمنى بها.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٣ - ١٠٤.

٢٢

أذان الصلاة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: أخبرني عن الأذان لم أمروا به؟ قيل: لعلل كثيرة منها: أن يكون تذكيراً للساهي، وتنبيهاً للغافل، وتعريفاً لـمَن جهل الوقت واشتغل عن الصلاة، وليكون ذلك داعياً إلى عبادة الخالق مرغباً فيها مقرّاً له بالتوحيد مجاهراً بالإيمان معلناً بالإسلام مؤذناً لمن نسيها(١) .

وإنّما يقال: مؤذن لأنّه يؤذن بالصلاة(٢) .

وتحدّث الإمامعليه‌السلام عن الحكمة في تشريع أذان الإعلام وهي:

أ - تذكير الساهي للصلاة وتنبيه الغافل ليقوم بتأدية هذه الفريضة.

ب - التعريف بدخول وقت الصلاة ليستعد المسلمون لأدائها جماعة وفرادى.

ج - إن الأذان دعوة لعبادة الخالق العظيم وإقرار له بالتوحيد.

فصول الأذان:

وحكى الإمامعليه‌السلام العلل في فصول الأذان وهي:

أ - البدء بالتكبير:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم بدأ فيه - أي في الأذان بالتكبير - وهو الله أكبر - قبل التهليل - وهو لا اله إلاّ الله.

قيل: لأنّه أراد أن يبدأ بذكره واسمه لأنّ اسم الله تعالى في التكبير في أول الحرف وفي التهليل في آخر الحرف، فبدأ بالحرف الذي اسم الله في أوّله لا في آخره(٣) .

عرض الإمامعليه‌السلام إلى الحكمة في افتتاح الأذان ب‍ (الله أكبر) من دون أن يفتتح بـ (لا إله إلاّ الله)؛ وذلك ليبتدأ الأذان ويفتتح باسمه تعالى بخلاف التهليل فإنّ اسمه تعالى يكون في الآخر وهذا غير مناسب لافتتاح الأذان.

ب - التكبير أربعاً:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل التكبير في أول الأذان أربعاً؟

____________________

(١) في العلل (لمن يتساهى).

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٥.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٥.

٢٣

قيل: لأنّ أول الأذان إنّما يبدأ غفلة وليس قبله كلام ينبّه المستمع له فجعل ذلك تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان(١) .

الغاية من الأذان هي تنبيه المسلمين للاستعداد للصلاة، وجعل فيه التكبير أربعاً لهذه الغاية كما يقول الإمامعليه‌السلام .

ج - فصول الأذان مثنى:

قالعليه‌السلام : فلم جعل - أي الأذان - مثنى، مثنى؟

قيل: لأن يكون مكرّراً في آذان المستمعين مؤكّداً عليهم إن سها أحد عن الأول لم يسه عن الثاني، ولأنّ الصلاة ركعتان، ركعتان، ولذلك جعل الأذان مثنى مثنى(٢) .

إنّ في كل فصل من فصول الأذان دعوة إلى الخير ودعوة إلى الفلاح والنجاح فتكرارها إنّما هو لأجل تثبيت هذه المفاهيم في أذهان السامعين.

د - الشهادتان:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل بعد التكبير شهادتين؟

قيل: لأنّ أول الإيمان إنّما هو التوحيد والإقرار لله عزّ وجل بالوحدانية، والثاني الإقرار للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة وإنّ طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان، وإنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادة فجعل الشهادتين في الأذان كما جعل في سائر الحقوق شهادتين، فإذا أقر لله بالوحدانية وأقر للرسول بالرسالة فقد أقرّ بجملة الإيمان؛ لأنّ أصل الإيمان إنّما هو الإقرار بالله وبرسوله(٣) .

ويفتتح الأذان بعد التكبير بالشهادتين: الشهادة لله تعالى بالوحدانية والشهادة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة، وهما أصل الإسلام وشعاره، فمَن قال بهما فتترتب عليه آثار الإسلام فيحقن دمه وماله، كما أنّ سائر الحقوق تثبت بشهادتين فكذلك الإسلام يثبت بالشهادتين.

د - الدعاء للصلاة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٥.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٥.

(٣) عيون أخبار الرضا.

٢٤

الصلاة؟

قيل: لأنّ الأذان إنّما وضع لموضع الصلاة، وإنّما هو النداء إلى الصلاة فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الأذان فقدّم المؤذّن قبلها أربعاً التكبيرتين والشهادتين وأخّر بعدها أربعاً يدعو إلى الفلاح حثّاً على البر والصلاة ثم دعا إلى خير العمل مرغباً فيها وفي عملها وفي أدائها ثم نادى بالتكبير والتهليل ليتم بعدها أربعاً كما أتمّ قبلها أربعاً وليختم كلامه بذكر الله كما فتحه بذكر الله تعالى(١) .

واهتمّ الإسلام اهتماماً بالغاً بالصلاة فجعلها في طليعة طقوسه الدينية، وشرّع الأذان للإعلام بدخول الوقت حتى يتهيأ المسلمون لأداء هذه الفريضة الكبرى، وقد جعل في الأذان بحد الشهادتين وحي على الصلاة وهي دعوة لإقامتها كما أنّ الدعوة إلى الفلاح والى خير العمل في فصول الأذان شاملتان للصلاة فهي من الفلاح كما أنّها من خير الأعمال.

ه‍ـ - التهليل في آخر الأذان:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل آخرها التهليل ولم يجعل آخرها التكبير كما جعل في أوّلها التكبير؟

قيل: لأنّ التهليل اسم الله في آخره فأحبّ الله تعالى أن يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه.

إنّ التهليل في آخر الأذان هو نفي كل معبود وكل إله سوى الله تعالى مبدع الأكوان وخالق الحياة، وكما فتح الأذان بـ‍ (الله أكبر) فقد ختم بـ (لا إله إلاّ الله) فكانت فاتحة الأذان هو اسم الله تعالى وخاتمته كذلك.

و - التهليل دون التسبيح:

قالعليه‌السلام : فإن قائل: فلم لم يجعل بدل التهليل التسبيح والتحميد واسم الله في آخرهما؟ قيل: لأنّ التهليل هو إقرار لله تعالى بالتوحيد وخلع الأنداد من دون الله وهو أول الإيمان وأعظم من التسبيح والتحميد.

وعرض الإمامعليه‌السلام إلى الحكمة في جعل التهليل آخر الأذان دون

____________________

(١) عيون أخبار الرضا.

٢٥

التسبيح وهو (سبحان الله)، والتحميد وهو (الحمد لله)؛ لأنّ التهليل أعظم منهما فإنّه إقرار لله تعالى بالوحدانية ونفي كل معبود سواه، ولا يعطى التسبيح والتحميد هذا المعنى.

فصول الصلاة:

وتحدّث الإمامعليه‌السلام عن الحكمة الكافية في معظم أجزاء الصلاة وشرائطها وفيما يلي ذلك:

١ - التكبيرات السبع:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل التكبير في الاستفتاح سبع تكبيرات؟

قيل: إنّما جعل ذلك لأنّ التكبير في الركعة الأولى التي هي الأصل سبع تكبيرات تكبيرة الاستفتاح - وهي تكبيرة الإحرام التي يفتتح بها الصلاة - وتكبيرة الركوع - أي حين الهبوط للركوع - وتكبيرتان للسجود فإذا ذكر الإنسان أول الصلاة سبع تكبيرات فقد أحرز التكبير كله فإن سها في شيء منها أو تركها لم يدخل عليه نقص في صلاته...).

لهذه الغاية شرعت التكبيرات السبع حين الدخول في الصلاة وإحدى هذه التكبيرات تكبيرة الإحرام.

٢ - قراءة القرآن:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم أمروا بالقراءة - أي بقراءة القرآن - في الصلاة؟

قيل: لئلاّ يكون القرآن مهجوراً مضيعاً وليكون محفوظاً فلا يضمحل ولا يجهل.

ولهذه الحكمة فقد أمر بقراءة الفاتحة وسورة أخرى من القرآن في الصلاة في الركعة الأولى والثانية.

٣ - قراءة الفاتحة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم بدأ بالحمد في كل قراءة دون سائر السور؟

قيل: لأنّه ليس شيء في القرآن والكلام جمع فيه جوامع الخير والحكمة ما

٢٦

جمع في سورة الحمد؛ وذلك أنّ قوله تعالى:( الحمد لله ) : إنّما هو أداء لما أوجب الله تعالى على خلقه من الشكر وشكر لما وفّق عبده للخير.

( ربّ العالمين ) تمجيد له وتحميد وإقرار وأنّه هو الخالق المالك لا غيره.

( الرحمن الرحيم ) : استعطاف وذكر لآلائه ونعمائه على جميع خلقه.

( مالك يوم الدين ) : إقرار له بالبعث والنشور والحساب والمجازات وإيجاب له ملك الآخرة كما أوجب له ملك الدنيا.

( إيّاك نعبد ) : رغبة وتقرّب إلى الله عزّ وجل وإخلاص بالعمل له دون غيره.

( وإيّاك نستعين ) استزادة من توفيقه وعبادته واستدامته لما أنعم الله عليه وبصّره.

( اهدنا الصراط المستقيم ) : استرشاد لأدبه واعتصام بحبله واستزادة في المعرفة بربّه وبعظمته وبكبريائه.

( صراط الذين أنعمت عليهم ) : توكيد في السؤال والرغبة وذكر لما تقدّم من أياديه ونعمه على أوليائه ورغبة في مثل تلك النعم.

( غير المغضوب عليهم ) : استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفّين به وبأمره ونهيه.

( ولا الضآلين ) : اعتصام من أن يكون من الضالين الذين ضلّوا عن سبيله من غير معرفة وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.

فقد اجتمع فيها من جوامع الخير والحكمة في أمر الآخرة والدنيا ما لا يجمعه شيء من الأشياء...).

ولهذه المطالب العظيمة والمعاني السامية فقد أمر الشارع بافتتاح الصلاة بها لا بغيرها من سور القرآن الكريم، فقد أثر عنه أنّه: لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب. وهذا النفي نفي للماهية لو جيء بغير الفاتحة في الصلاة.

٤ - التسبيح في الركوع والسجود:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل التسبيح في الركوع والسجود؟

٢٧

قيل: لعلل منها أن يكون العبد مع خضوعه وخشوعه وتعبّده وتورّعه واستكانته وتذلّله وتواضعه وتقرّبه إلى ربّه مقدّساً له ممجّداً مسبّحاً معظّماً شاكراً لخالقه ورازقه فلا يذهب به الفكر والأماني إلى غير الله).

ولهذه الجهات السامية فقد جعل التسبيح في الركوع والسجود دون غيره من سائر الأذكار.

٥ - الركوع والسجدتان:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل ركعة وسجدتان؟

قيل: لأنّ الركوع من فعل القيام والسجود من فعل القعود وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم فضوعف السجود ليستوي بالركوع فلا يكون بينهما تفاوت؛ لأنّ الصلاة إنّما هي ركوع وسجود.

ولهذه العلّة فقد جعل السجود ضعف الركوع ليتساويا من هذه الحيثية كما أفاد الإمامعليه‌السلام .

٦ - الدعاء في القنوت:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل الدعاء في الركعة الأولى قبل القراءة؟ ولم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة؟

قيل لأنّه أحب أن يفتح قيامه - أي المصلّي - لربّه وعبادته بالتحميد والتقديس والرغبة والرهبة ويختمه بمثل ذلك، وليكون في القيام عند القنوت أطول).

عرض الإمامعليه‌السلام إلى الحكمة في استحباب الدعاء قبل الدخول في الصلاة؛ وذلك لإظهار العبودية المطلقة لله تعالى وإظهار الخضوع والتذلّل له، وليكون الدعاء في القنوت أطول؛ وذلك لإظهار الانقياد والطاعة لله تعالى.

٧ - الجهر والاخفات:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعل الجهر في بعض الصلوات ولم يجعل في بعض؟

قيل: لأنّ الصلاة التي يجهر فيها إنّما هي صلوات تصلّى في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليمر المار فيعلم أنّ هاهنا جماعة فإذا أراد أن يصلّي صلّى وإن لم

٢٨

ير جماعة تصلّي سمع وعلم ذلك من جهة السماع، والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما إنّما هما بالنهار وفي أوقات مضيئة فهي تدرك من جهة الرؤية فلا يحتاج فيها إلى السماع).

الصلاة التي يجهر فيها بقراءة الفاتحة والسورة هي صلاة الصبح والعشاءين، وقد علّل الإمام ذلك لتنبيه المار في الظلام ليتحفّز لأداء الصلاة، وأمّا الصلاة التي يخفف بقراءتها فهي صلاة الظهر والعصر فلا موجب للجهر فيها؛ وذلك لعدم وجود ظلمة في الوقت.

٨ - رفع اليدين في التكبير:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم يرفع - أي المصلّي - اليدين في التكبير؟

قيل: لأنّ رفع اليدين هو ضرب من الابتهال والتبتّل والتضرّع فأحبّ الله عزّ وجل أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتّلاً متضرّعاً مبتهلاً، ولأنّ في رفع اليدين إحضار النيّة وإقبال القلب على ما قاله وقصده.

أمّا رفع اليدين في التكبير فهو ضرب من ضروب العبودية المطلقة لله تعالى كما فيه إحضار للنيّة التي هي بداية الدخول في الصلاة.

٩ - أوقات الصلاة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل الصلوات في هذه الأوقات ولم تقدَّم ولم تؤخَّر؟

قيل: لأنّ الأوقات المشهورة المعلومة التي تعم أهل الأرض فيعرفها الجاهل والعالم أربعة: غروب الشمس معروف مشهور يجب عنده المغرب، وسقوط الشفق مشهور معلوم يجب عنده العشاء الآخرة، وطلوع الفجر مشهور معلوم يجب عنده الغداة، وزوال الشمس مشهور معلوم يجب عنده الظهر، ولم يكن للعصر وقت معلوم مثل هذه الأوقات فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها.

ذكر الإمامعليه‌السلام الحكمة في جعل الأوقات الخاصة للصلاة وأنّها مشهورة معروفة عند جميع أهل الأرض على اختلاف لغاتهم فكما أنّها مضبوطة؛ ولذلك كان من الحكمة جعلها أوقاتاً للصلاة وأضاف الإمامعليه‌السلام لذلك

٢٩

علّة أخرى، قالعليه‌السلام :

وعلّة أخرى: (إنّ الله أحب أن يبدأ الناس في كل عمل أوّلاً بطاعته فأمرهم أوّل النهار أن يبدؤا بعبادته ثم ينتشروا فيما أحبوا من مرّمة دنياهم فأوجب صلاة الغداة عليهم فإذا كان نصف النهار وتركوا ما كانوا فيه من الشغل وهو وقت يضع الناس فيه ثيابهم ويستريحون ويشتغلون بطعامهم وقيلولتهم فأمرهم أن يبدؤا أولاً بذكره وعبادته فأوجب عليهم الظهر ثم يتفرّغون لما أحبوا من ذلك فإذا قضوا وطرهم وأرادوا الانتشار في العمل لآخر النهار بدؤا أيضاً بطاعته ثم صاروا إلى ما أحبوا من ذلك فأوجب عليهم العصر، ثم ينتشرون فيما شاؤوا من حرمة دنياهم فإذا جاء الليل ووضعوا زينتهم وعادوا إلى أوطانهم ابتدؤا أولاً بعبادة ربّهم ثم يتفرغون لما أحبوا من ذلك فأوجب عليهم المغرب فإذا جاء وقت النوم وفرغوا ممّا كانوا به مشتغلين أحب أن يبدؤا أولاً بعبادته وطاعته ثم يصيرون إلى ما شاؤوا أن يصيروا إليه من ذلك فيكونون قد بدؤا في كل عمل بطاعته وعبادته فأوجب عليهم العتمة(١) فإذا فعلوا ذلك لم ينسوه ولم يغفلوا عنه ولم تقس قلوبهم ولم تقل رغبتهم).

وألم كلام الإمامعليه‌السلام بالحكم والمصالح التي من أجلها شرعت الصلاة في هذه الأوقات الخاصة ولم تشرع في غيرها.

١٠ - صلاة العصر:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم إذاً لم يكن للعصر وقت مشهور مثل تلك الأوقات أوجبها بين الظهر والمغرب، ولم يوجبها بين العتمة والغداة وبين الغداة والظهر؟

قيل: لأنّه ليس وقت على الناس أخف ولا أيسر ولا أحرى أن يعم فيه الضعيف والقوي بهذه الصلاة من هذا الوقت؛ وذلك أنّ الناس عامتهم يشتغلون في أول النهار بالتجارة والمعاملات والذهاب في الحوائج وإقامة الأسواق فأراد أن لا يشغلهم عن طلب معاشهم ومصلحة دنياهم وليس يقدر الخلق كلهم على قيام الليل ولا يشعرون به، ولا ينتبهون لوقته لو كان واجباً ولا يمكنهم ذلك فخفف

____________________

(١) العتمة: ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق والعشاء الآخرة.

٣٠

الله عنهم ولم يجعلها في أشد الأوقات عليهم، ولكن جعلها في أخف الأوقات عليهم، كما قال الله عزّ وجل:( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العـسر ) . ذكر الإمامعليه‌السلام الحكمة في امتداد وقت صلاة العصر من صلاة الظهر إلى آخر وقت النهار؛ وذلك للتخفيف على الناس وإن كان قد جعل وقتاً لفضيلة أداء صلاة العصر وهو صيرورة الظل مثل سبعي الشاخص ومنتهى وقت الفضيلة ذهاب أربعة أسباع الشاخص(١) .

١١ - صلاة الجماعة:

قالعليه‌السلام : فإن قائل: فلم جعل - أي الشارع - الجماعة؟

قيل: لئلاّ يكون الإخلاص والتوحيد والإسلام والعبادة لله إلاّ ظاهراً مكشوفاً مشهوراً؛ لأنّ في إظهاره حجّة على أهل الشرق والغرب لله وحده عزّ وجل، وليكون المنافق والمستخف لما أقرّ بظاهر الإسلام والمراقبة وليكون شهادة الناس بالإسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة مع ما فيه من المساعدة على البر والتقوى والذود عن كثير من معاصي الله عزّ وجل.

صلاة الجماعة من أهم العبادات في الإسلام؛ وذلك لما يترتّب عليها من المصالح والمنافع للمسلمين، ومن بينها تعارف المسلمين بعضهم ببعض وشيوع المحبّة والتآلف ببعض منافعها وحكمها في هذا المقطع من كلامه.

١٢ - صلاة السنّة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل صلاة السنة أربعاً وثلاثين ركعة؟

قيل لأنّ الفريضة سبع عشرة ركعة فجعلت السنّة مثلي الفريضة كمالاً للفريضة.

أمّا صلاة السنّة فيراد بها الرواتب اليومية وهي ثمان ركعات للظهر قبلها وثمان بعدها قبل العصر للعصر وأربع بعد المغرب لصلاة المغرب وركعتان من

جلوس تعدان بركعة بعد صلاة العشاء وثمان ركعات لصلاة الليل وركعتا الشفع

____________________

(١) منهاج الصالحين ١ / ١١٣.

٣١

بعدها وركعة الوتر بعدها وركعتان لصلاة الصبح قبلها فمجموعها تكون أربعاً وثلاثين، وقد علّل الإمامعليه‌السلام ذلك بجعل السنّة مثلي الفريضة ليكون كمالاً لها.

١٣ - صلاة السنّة في أوقات مختلفة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل صلاة السنّة في أوقات مختلفة ولم يجعل في وقت واحد؟

قيل: لأنّ أفضل الأوقات ثلاثة: عند زوال الشمس وبعد المغرب وبالأسحار فأحب أن يصلّي له في كل هذه الأوقات الثلاثة؛ لأنّه إذا فرقت السنّة في أوقات شتّى كان أداؤها أيسر وأخف من أن تجمع كلها في وقت واحد.

لقد ذكر الإمامعليه‌السلام الحكمة في تفريق أوقات صلاة السنّة فقد جعلت في أفضل الأوقات وأحبّها عند الله تعالى مضافاً إلى أنّ أداءها في وقت واحد لا يخلو من حرج وصعوبة.

١٤ - تحليل الصلاة بالتسليم:

قال: (فإن قال قائل: فلم جعل التسليم تحليل الصلاة، ولم يجعل بدله تكبيراً أو تسبيحاً أو ضرباً آخر قيل: لأنّه لما كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجّه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها وابتداء المخلوقين في الكلام إنّما هو بالتسليم.

ولهذه الحكمة فقد جعل تحليل الصلاة بالتسليم فقد حرّم الشارع على المصلّي عند الشروع في الصلاة الكلام وغيره من سائر الأفعال وينتهي هذا التحريم بالتسليم.

صلاة الجمعة:

وأدلى الإمامعليه‌السلام ببعض الحكم والمصالح في صلاة الجمعة وفيما يلي ذلك:

أ - صلاة الجمعة ركعتين:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع

٣٢

الإمام ركعتين وإذا كانت بغير إمام ركعتين وركعتين - يعني يصلّي صلاة الظهر -؟

قيل: لعلل شتّى، منها أن الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد فأحب الله عزّ وجل أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه.

ومنها: إنّ الإمام يحبسهم للخطبة وهم منتظرون للصلاة ومَن انتظر الصلاة فهو في صلاة في حكم التمام.

ومنها: إنّ الصلاة مع الإمام أتم وأكمل لعلمه وفقهه وعدله وفضله.

وإنّما قصرت صلاة الجمعة فصارت ركعتين لهذه الحكم والعلل التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام .

ب - حكمة الخطبة في صلاة الجمعة:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعلت الخطبة؟

قيل: لأنّ الجمعة مشهد عام فأراد أن يكون الإمام سبباً لموعظتهم وترغيبهم في الطاعة وترهيبهم عن المعصية وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليه من الأوقات ومن الأحوال التي لهم فيها المضرّة والمنفعة).

إنّ من أعظم الحكم والمصالح في صلاة الجمعة هي الخطبة التي يدلي بها الإمام فإنّها تستهدف نشر الوعي الديني والسياسي بين المسلمين كما تنمي في نفوسهم النزعات الخيرة وتهديهم إلى سواء السبيل.

ج - خطبتان في صلاة الجمعة:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعلت خطبتان؟

قيل: لتكون واحدة للثناء والتحميد والتقديس لله عزّ وجل، والأخرى للحوائج والأعذار والإنذار وما يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه بما فيه الصلاح والفساد).

وأعرب الإمامعليه‌السلام عن الحكمة في تشريع الخطبتين في صلاة الجمعة فأولى الخطبتين تكون في الثناء على الله تعالى خالق الكون، وواهب الحياة وبيان عظمته فيما أبدعه من العجائب في مخلوقاته والخطبة الثانية تكون لبيان ما يصلح المسلمين في دنياهم، وآخرتهم.

٣٣

د - خطبة الجمعة قبل الصلاة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل فلم جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة وجعلت في العيدين بعد الصلاة؟

قيل: لأنّ الجمعة أمر دائم يكون في الشهر مراراً وفي السنة كثيراً، فإذا كثر ذلك على الناس صلّوا وتركوه ولم يقيموا عليه وتفرّقوا عنه فجعلت قبل الصلاة ليحتسبوا على الصلاة ولا يتفرقوا ولا يذهبوا.

وأمّا العيدان فإنّما هما في السنة مرتان، وهما أعظم من الجمعة والزحام فيهما أكثر والناس منهم أرغب فإن تفرّق بعض الناس بقي عامتهم وليس هما بكثير فيملوا أو يستخفوا بهما).

وعلّق الشيخ الصدوق (نضر الله مثواه) على هذا الحديث بقوله:

جاء الخبر هكذا والخطبتان في الجمعة والعيد بعد الصلاة لأنّهما بمنزلة الركعتين الأخيرتين وأنّ أوّل مَن قدّم الخطبتين عثمان بن عفان؛ لأنّه لما أحدث ما أحدث لم يكن الناس يقفون على خطبته ويقولون: ما نصنع بمواعظه وقد أحدث ما أحدث: فقدم الخطبتين ليقف الناس انتظاراً للصلاة ولا يتفرقوا عنه.

ه‍ـ - تجب صلاة الجمعة على مَن كان على فرسخين:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم وجبت الجمعة على مَن يكون على فرسخين لا أكثر من ذلك؟

قيل: لأنّ ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهب أو بريد ذاهب وجائي، والبريد: أربع فراسخ فوجبت الجمعة على مَن هو نصف البريد الذي يجب فيه التقصير؛ وذلك أنه يجيء على فرسخين ويذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ وهو نصف طريق المسافر).

ولهذه الجهة التي ذكرها الإمامعليه‌السلام وجبت الجمعة على مَن كان على فرسخين لا أكثر

و - نافلة الجمعة:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات؟

قيل: تعظيماً لذلك اليوم وتفرقة بينه وبين سائر الأيام، ويستحب التنفّل يوم

٣٤

الجمعة بعشرين ركعة وقد زاد أربع ركعات على الست عشرة التي هي نوافل سائر الأيام، ويستحب أن يصلّي ستاً منها عند انبساط الشمس وستاً عند ارتفاعها وستاً قبل الزوال وركعتين عند الزوال).

صلاة المسافر:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم قصرت الصلاة في السفر؟

قيل: لأنّ الصلاة المفروضة أولاً إنّما هي عشر ركعات والسبع إنّما زيدت عليها بعد فخفّف الله عنهم تلك الزيادة لموضع السفر وتعبه ونصبه واشتغاله بأمر نفسه وظعنه وإقامته لئلاّ يشتغل عمّا لا بد له من معيشته رحمة من الله عزّ وجل وتعطّفاً عليه، إلاّ صلاة المغرب فإنّها لم تقصر؛ لأنّها صلاة مقصورة في الأصل).

عرض الإمامعليه‌السلام إلى الحكمة في قصر صلاة المسافر وهي ما يعانيه من المتاعب والمصاعب من سفره، خصوصاً في تلك الأزمات التي كانت فيها وسائل النقل محصورة بالحيوانات وبالسفن وكلاهما يوجبان المشقّة والعناء، فتفضّل الشارع فأسقط عن المسافر نصف الصلاة الرباعية تفضّلاً منه ورحمة بالعباد.

المسافة الموجبة للقصر:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر؟

قيل: لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم).

بيّن الإمامعليه‌السلام الحكمة في جعل الشارع ثمانية فراسخ مسافة للتقصير ثم عقبعليه‌السلام ذلك بقوله: (فإن قال قائل: فلم وجب التقصير في مسيرة يوم لا أكثر؟

قيل: لأنّه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة سنة؛ وذلك لان كل يوم يكون بعد هذا اليوم، فإنّما هو نظير هذا اليوم فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله ولا فرق بينهما).

أفاد الإمامعليه‌السلام أنّه لو لم تجعل المسافة في تقصير الصلاة ثمانية فراسخ التي هي مسيرة يوم للزم منه أن تكون مسافة التقصير في اليوم الثاني إذ هو نظير

٣٥

اليوم الأول ولا ميزة له عليه وهكذا في اليوم الثالث وما زاد عليه ولازمه التسلسل المجمع على بطلانه، وأردف الإمام كلامه هذا بقوله:

(فإن قال قائل: قد يختلف السير فلم جعلت مسيرة يوم ثمانية فراسخ؟

قيل: لأنّ ثمانية فراسخ مسير الجمال والقوافل وهو سير الذي يسيره الجمّالون والمكارون).

سقوط نوافل النهار:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم ترك تطوّع النهار - أي نوافل النهار - ولم يترك تطوّع الليل؟

قيل: لأنّ كل صلاة لا تقصير فيها فلا تقصير في تطوّعها؛ وذلك أنّ المغرب لا تقصير فيها، فلا تقصير فيما بعدها من التطوّع وكذلك الغداة لا تقصير فيما قبلها من التطوّع).

عرض الإمامعليه‌السلام إلى سقوط نافلة النهار وعدم سقوط نافلة الليل، وقد علّل ذلك بأنّ سقوط النافلة تابع لقصر الصلاة ولا تقصير في صلاة الليل وقد عقّب على هذا بقوله:

(فإن قال قائل: فما بال العتمة - أي صلاة العشاء - مقصورة وليس تترك ركعتاه؟

قيل: إنّ تلك الركعتين ليستا من الخمسين وإنّما هما زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع).

أفاد الإمامعليه‌السلام بأنّ صلاة العشاء تقصر في السفر فلم لا تسقط نافلتها وهي ركعتان من جلوس، فأجاب الإمامعليه‌السلام : إنّ نافلة العشاء عند الشارع تعادل ركعة من قيام والسبب في ذلك ليتم بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من النافلة ولهذه العلّة فلا تسقط نافلة العشاء عن المسافر فيصلّي صلاة الليل في أوله.

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جاز للمسافر والمريض أن يصلّيا صلاة الليل في أول الليل؟

قيل: لاشتغاله وضعفه ليحرز صلاته فيستريح المريض في وقت راحته ويشتغل المسافر بأشغاله وارتحاله وسفره).

٣٦

أمّا صلاة الليل فهي في الهزيع الأخير من الليل، وقد أباح الشارع للمسافر والمريض أن يصلّياها في أوّل الليل؛ وذلك تفضّل ومنّة منه عليهما كما أفاد الإمام (ع).

الصلاة على الميت:

وتحدّث الإمامعليه‌السلام عن بعض العلل في أحكام الأموات والتي منها الصلاة قالعليه‌السلام :

(فإن قال قائل: فلم أمروا بالصلاة على الميت؟

قيل: ليشفعوا له ويدعوا بالمغفرة؛ لأنّه لم يكن في وقت من الأوقات أحوج إلى الشفاعة فيه والطلب والاستغفار من تلك الساعة).

إنّ دعاء المؤمنين الذين يصلون على جنازة الميت بالمغفرة والرحمة له، من أهم ما يحتاج إليه الميت فلعل الله يستجيب الدعاء، ويعفو عنه ويمنحه المغفرة والرضوان.

التكبيرات الخمس على الميت:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعلت خمس تكبيرات دون أن يكبّر أربعاً أو ستاً؟

قيل: إنّ الخمس إنّما أخذت من الخمس صلوات في اليوم والليلة).

إنّ التكبيرات الخمس ترمز إلى الصلاة اليومية التي هي خمس صلوات.

الصلاة على الميت بغير وضوء:

قالعليه‌السلام : (فلم جوّز الصلاة على الميت بغير وضوء؟

قيل: لأنّه ليس فيها ركوع ولا سجود وإنّما هي دعاء ومسألة، وقد يجوز أن تدعو الله وتسأله على أي حال كنت وإنّما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها الركوع والسجود).

ولهذا السبب فقد قيل بأنّ الصلاة على الميت دعاء وليست بصلاة حقيقية.

الصلاة على الميت في كل وقت:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جوّزتم الصلاة عليه قبل المغرب وبعد الفجر؟

٣٧

قيل: لأنّ هذه الصلاة إنّما تجب في وقت الحضور، والعلّة ليست هي مؤقتة كسائر الصلوات وإنّما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث ليس للإنسان فيه اختيار وإنّما هو حق يؤدّى وجائز أن تؤدّى الحقوق في أي وقت إذا لم يكن الحق مؤقّتاً).

ولم يجعل الشارع وقتاً خاصاً لصلاة الميت وإنّما يصلّي عليه في جميع آنات الزمان؛ لأنّ الصلاة حق من حقوقه على الأحياء والحق يؤدّى في كل وقت.

تغسيل الأموات:

وقد تقدّم الكلام فيه تفصيلاً.

تكفين الأموات:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمروا بكفن الميت؟

قيل: ليلقى ربّه عزّ وجل طاهر الجسد، ولئلاّ تبدو عورته لـمَن يحمله ويدفنه، ولئلاّ يظهر الناس على بعض حاله وقبح منظره، وتغيّر ريحه، ولئلاّ يقسو القلب من كثرة النظر إلى مثل ذلك للعاهة والفساد، وليكون أطيب لأنفس الأحياء، ولئلاّ يبغضه حميم فيلغي ذكره ومودّته فلا يحفظه فيما خلف وأوصاه وأمره به واجباً كان أو ندباً).

ولهذه الحكم الوثيقة البالغة الأهمية فقد ألزم الشارع العظيم بتكفين الأموات احتراماً لهم وصيانة لأجسادهم التي إن بدت مجّها الأحياء، واحتقروها.

دفن الأموات:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمر بدفنه؟ قيل: لئلاّ يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغيّر ريحه، ولا يتأذّى الأحياء بريحه وبما يدخل عليه من الآفة والفساد، وليكون مستوراً عن الأولياء والأعداء فلا يشمت عدوّه ولا يحزن صديقه).

ولهذه الحكم الوثيقة فقد أوجب مواراة الأموات ودفنهم للستر عليهم، فإنّه إذا تفسّخت أجسامهم وانتشرت جيفهم فإنهم يشكّلون خطراً على البيئة ويكونون مصدراً للأوبئة بالإضافة إلى قبح منظرهم وكراهة رائحتهم، وغير ذلك ممّا أفاده الإمام (ع).

٣٨

صلاة الكسوف:

(فإن قال قائل: فلم جعلت للكسوف صلاة؟

قيل: لأنّه آية من آيات الله عزّ وجل لا يدري لرحمة ظهرت أم لعذاب؟

فأحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تفزع أمته إلى خالقها وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكرها، كما صرف عن قوم يونس حين تضرّعوا إلى الله عزّ وجل).

لهذه الجهة فقد أمر الشارع بالصلاة عند كسوف الشمس وخسوف القمر وعند كل مخوف سماوي أو أرضي كالريح السوداء والحمراء والخسف وغير ذلك

ممّا ذكره الفقهاء.

الحكمة في كيفية صلاة الآيات:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعلت عشر ركعات؟

قيل: لأنّ الصلاة التي نزل فرضها من السماء إلى الأرض أولاً في اليوم والليلة فإنّما هي عشر ركعات فجمعت تلك الركعات، وإنّما جعل فيها السجود؛ لأنّه لا يكون صلاة فيها ركوع إلاّ وفيها سجود، ولكي يختموا أيضاً صلاتهم بالسجود والخضوع، وإنّما جعلت أربع سجدات لأنّ كل صلاة نقص سجودها من أربع سجدات لا تكون صلاة؛ لأنّ أقل الفرض السجود في الصلاة لا يكون إلاّ على أربع سجدات).

صلاة الآيات ركعتان في كل واحدة خمسة ركوعات ينتصب بعد كل واحد فيها وسجدتان بعد الانتصاب من الركوع الخامس ويتشهد بعدهما ويسلم، وقد حكى الإمامعليه‌السلام الحكمة في جعل عشر ركوعات لهذه الصلة وهي أنّها ترمز إلى ما كلف به العباد من الصلاة أولاً وهي عشر ركعات.

عيد الفطر:

قال عليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعل يوم الفطر عيداً؟

قيل: لكي يكون للمسلمين مجمع يجتمعون فيه ويبرزون إلى الله عزّ وجل فيحمدونه على ما منّ عليهم فيكون يوم عيد ويوم اجتماع ويوم فطر ويوم زكاة، ويوم رغبة، ويوم تضرّع، ولأنّه أول يوم من السنة يحل فيه الأكل والشرب، لأنّ أول شهور السنة عند أهل الحق (شهر رمضان) فأحب الله عزّ وجل أن يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه، ويقدسونه).

٣٩

لهذه العلل والحكم التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام فقد جعل يوم الفطر عيداً للمسلمين يجتمعون فيه ويبارك بعضهم بعضاً على توفيق الله لهم بصيام شهر رمضان المبارك.

صلاة العيد:

قال عليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعل التكبير فيها أكثر منه في غيرها

من الصلاة؟

قيل: لأنّ التكبير إنّما هو لله، وتمجيد على ما هدى وعافى، كما قال الله عزّ وجل:( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١) .

وأعرب الإمامعليه‌السلام عن الحكمة في جعل التكبير في صلاة العيد أكثر من غيره؛ وذلك للتدليل على عظم هذا اليوم الأغر عند الله تعالى.

الصوم:

وتحدث الإمامعليه‌السلام عن الحكمة في تشريع الصوم وعن بعض علل التشريع فيما يتعلّق بأحكام شهر رمضان المبارك.

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمر بالصوم؟

قيل: لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الآخرة وليكون الصائم خاشعاً، ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتبساً عارفاً صابراً على ما أصابه من

الجوع والعطش فيستوجب الثواب مع ما فيه من الانكسار عن الشهوات وليكون ذلك واعظاً لهم في العاجل ورايضاً لهم على ما كلّفهم ودليلاً لهم في الآجل وليعرفوا شدّة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا فيؤدوا إليهم ما افترض الله لهم في أموالهم).

لقد تحدث الإمامعليه‌السلام عن الحكم والفوائد المترتبة على الصوم والتي منها العطف على الفقراء، فإنّ الصائم عندما يجوع يشعر بألم الجوع فيدفعه ذلك للعطف على الفقراء والمساكين، ومن حكم الصوم المساواة بين الأغنياء والفقراء في هذا الواجب.

ومن حكمة تقوية الإرادة في نفس الإنسان؛ وذلك بامتناعه عن الأكل

____________________

(١) سورة البقرة آية ١٨٥.

٤٠

والشرب وغيرهما من متطلبات الجسد وقد وضع (جيهاردت) الألماني كتاباً في تقوية الإرادة، جعل أساسه الصوم، وذهب إلى أنّ الصوم هو الوسيلة الفعّالة لسلطان الروح على الجسد، وأنّ الإنسان يعيش مالكاً زمام نفسه وليس أسيراً لميوله المادية.

هذه بعض حكم وفوائد الصوم، وقد أدلى الإمامعليه‌السلام بالكثير من فوائده.

شهر رمضان:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعل الصوم في (شهر رمضان) خاصة دون سائر الشهور؟

قيل: لأنّ (شهر رمضان) هو الشهر الذي أنزل الله تعالى فيه القرآن، وفيه فرّق بين الحق والباطل، كما قال الله عزّ وجل:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (1) .

وفيه نبّئ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وفيها يفرق كل أمر حكيم، وهو رأس السنة يقدّر فيها ما يكون في السنة من خير أو شر أو ضر أو منفعة أو رزق أو أجل؛ ولذلك سميت ليلة القدر).

ولهذه الحكم فرض الله تعالى الصوم في هذا الشهر المبارك وميّزهعلى بقية الشهور.

اقتصار الصوم على شهر رمضان:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمروا بصوم (شهر رمضان) لا أقل من ذلك ولا أكثر؟

قيل: لأنّه قوة العبادة الذي يعم فيها القوي والضعيف وإنّما أوجب الله الفرايض على أغلب الأشياء وأعم القوي ثم رخص لأهل الضعف ورغب أهل القوّة في الفضل ولو كانوا يصلحون على أقل من ذلك لنقصهم ولو احتاجوا إلى أكثر من ذلك لزادهم).

إنّ حكمة الله تعالى وتدبيره للأشياء اقتضت أن تكون مصلحة العباد صيام

____________________

(1) سورة البقرة آية 185.

٤١

ثلاثين يوماً ولو كانت المصلحة أقل من ذلك لنقصهم، كما أنّ المصلحة لو كانت أكثر لزوّدهم عليه.

ترك الحائض للصوم والصلاة:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم إذا حاضت المرأة لا تصوم ولا تصلّي؟

قيل: لأنّها في حد نجاسة(1) فأحب الله أن لا تعبده إلاّ طاهرة ولأنّه لا صوم لـمَن لا صلاة له).

ولهذه الجهة فقد سقط الصوم والصلاة عن الحائض إلاّ أنّها تقضي الصوم دون الصلاة إذا طهرت من الحيض.

قضاء الحائض للصوم:

قال عليه‌السلام : (فلم صارت تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟

قيل لعلل شتّى: فمنها أنّ الصيام لا يمنعها من خدمة نفسها وخدمة زوجها وإصلاح بيتها والقيام بأمرها، والاشتغال بمرمة معيشتها والصلاة تمنعها من ذلك كله لان الصلاة تكون في اليوم والليلة مرارا فلا تقوى على ذلك والصوم ليس كذلك.

ومنها: أنّ الصلاة فيها عناء وتعب واشتغال الأركان وليس في الصوم شيء من ذلك وإنّما هو الإمساك عن الطعام والشراب وليس فيه اشتغال الأركان.

ومنها: أنّه ليس من وقت يجيء إلاّ عليها صلاة جديدة في يومها وليلتها وليس الصوم كذلك؛ لأنّه ليس كلّما حدث يوم وجب عليها الصوم وكلّما حدث وقت الصلاة وجبت عليها الصلاة).

ولهذه العلل الوثيقة فقد أسقط الشارع الصلاة عن الحائض قضاءً؛ لأنّ في الإتيان بها مشقّة وجهداً على المرأة بخلاف الصوم فإنّ قضاءه ليس فيه جهد

وحرج عليها.

____________________

(1) لعلّ الصحيح في حال نجاسة.

٤٢

قضاء شهر رمضان:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره، أو لم يفق من مرضه حتى يدخل عليه (شهر رمضان) آخر وجب عليه الفداء للأول وسقط القضاء فإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء؟

قيل: لأنّ ذلك الصوم إنّما وجب عليه في تلك السنة في ذلك الشهر، فأمّا الذي لم يفق فإنّه لما أن مرت عليه السنة كلها، وقد غلب الله تعالى عليه فلم يجعل له السبيل إلى أدائه، سقط عنه، وكذلك كلما غلب الله عليه مثل المغمى عليه الذي يغمى عليه يوماً وليلة فلا يجب عليه قضاء الصلاة، كما قال الصادقعليه‌السلام : كلما غلب الله عليه العبد فهو أعذر له؛ لأنّه دخل الشهر وهو مريض فلا يجب عليه الصوم في شهره ولا سنته للمرض الذي كان فيه ووجب عليه الفداء؛ لأنّه بمنزلة مَن وجب عليه صوم فلم يستطع أداءه فوجب عليه الفداء كما قال الله عزّ وجل:( فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) (1) ، وكما قال الله عزّ وجل:( فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (2) فأقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه...).

عرض الإمامعليه‌السلام إلى المريض إذا استمرّ به المرض من رمضان إلى رمضان الآخر ولم يبرأ فإنّه لا قضاء عليه، وإنّما تجب عليه الفدية والسبب في ذلك أنّه لا تكليف له بالقضاء لمرضه، وأمّا مَن برأ في أثناء السنة ولم يصم ما عليه فإنّه يجب عليه القضاء؛ وذلك لتمكّنه كما تجب عليه الفدية، وعقّب الإمام على ذلك بقوله: (فإن قال قائل: فإن لم يستطع إذ ذاك فهو الآن يستطيع؟

قيل له: إنّه لـمّا دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضين؛ لأنّه كان بمنزلة مَن وجب عليه صوم في كفّارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء، وإذا وجب الفداء سقط الصوم والصوم ساقط والفداء لازم، فإن أفاق فيما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه والصوم لاستطاعته).

____________________

(1) سورة المجادلة: آية 4.

(2) سورة البقرة: آية 196.

٤٣

الصوم بدل تحرير الرقبة:

قال عليه‌السلام : (فلم وجب في الكفّارة على مَن لم يجد تحرير رقبة الصيام دون الحج والصلاة وغيرهما؟

قيل: لأنّ الصلاة والحج وسائر الفرائض مانعة للإنسان من التقلّب في أمر دنياه ومصلحة معيشته مع تلك العلل التي ذكرناها في الحائض التي تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة).

ولهذه العلل فقد جعل الشارع الصيام بدلاً من تحرير الرقبة، ولم يجعل الصلاة والحج وغيرها عوضاً عنها؛ لأنّ لازم ذلك تعطيل الأعمال وعدم استطاعة الإنسان على تحصيل معاشه.

صيام شهرين متتابعين:

قال عليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين دون أن يجب عليه شهراً واحداً أو ثلاثة أشهر؟

قيل: لأنّ الفرض الذي فرض الله على الخلق وهو شهر واحد فضوعف في هذا الشهر في كفارته توكيداً وتغليظاً عليه).

التتابع في صيام شهرين:

قالعليه‌السلام : (فلم جعلا متتابعين؟

قيل: لئلاّ يهون عليه الأداء فيستخف به لأنّه إذا قضاه متفرقاً هان عليه القضاء).

إنّ التتابع في صيام الشهرين إنّما هو عقوبة لـمَن أفطر متعمّداً منتهكاً حرمات الله تعالى فشدّد عليه تعالى بذلك.

الحج:

وتحدث الإمام عن العلّة في تشريع الحج وعلل بعض الأحكام المتصلة به.

وجوب الحج:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمر بالحج؟

٤٤

قيل: لعلّة الوفادة إلى الله عزّ وجل وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف العبد تائباً ممّا مضى مستأنفاً لما يستقبل مع ما فيه من إخراج الأموال، وتعب الأبدان والاشتغال عن الأهل والولد وحظر الأنفس عن اللذات، شاخص في الحر والبرد ثابت ذلك عليه دايم مع الخضوع والاستكانة والتذلّل مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع في شرق الأرض وغربها ومن في البرد والحر(1) ممّن يحج وممّن لا يحج من بين تاجر وجالب وبائع ومشتري وكاسب ومسكين ومكار وفقير، وقضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها من النفقة ونقل أخبار الأئمةعليهم‌السلام إلى كل صقع وناحية كما قال الله تعالى:( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (2) .

الحج مؤتمر عام يهدف إلى غايات عظيمة ومنافع مهمّة تعود بالخير العميم على العالم الإسلامي، وقد أدلى الإمام الرضاعليه‌السلام ببعضها، ولو أردنا أن نستقصي ثمرات الحج وفوائده لضاق بنا المجال وأهم ما فيه تعارف الشعوب الإسلامية بعضها بحاجات البعض منها؛ وذلك للوصول إلى مستوى رفيع بين شعوب العالم وأُمم الأرض، ومضافاً لذلك هي الناحية الاقتصادية فإن لكل شعب من الشعوب الإسلامية صناعات ومنتوجات لا توجد في غيرها وبواسطة الحج يمكن إبرام اتفاقات تجارية فيما بينها لتبادلها.

وعلى أي حال فالحج يرمز إلى رفع مستوى الحياة الفكرية والعملية والاقتصادية للمسلمين، ولا يضاهيه أي مؤتمر من مؤتمرات الدول العالمية.

الحج مرة واحدة:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمروا بحجّة واحدة لا أكثر من ذلك؟

قيل له: لأنّ الله تعالى وضع الفرايض على أدنى القوم مرة كما قال الله عزّ وجل:( فما استيسر من الهدي ) يعني شاة؛ ليسع له القوي والضعيف، وكذلك سائر الفرائض إنّما وضعت على أدنى القوم قوّة فكان من تلك الفرائض الحج

____________________

(1) لعلّ الصحيح: في البر والبحر.

(2) سورة التوبة: آية 122.

٤٥

المفروض واحداً، ثم رغب بعد أهل القوّة بقدر طاقتهم).

حجّة الإسلام إنّما تجب على المسلم مرة واحدة ولم يفرض فيها التعدد للحكمة التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام ، وهي أنّ الإسلام قد وضع تكاليفه وأحكامه على أدنى الناس قوّة وأدناهم قوّة في البدن والمال لا يتمكن الحج أكثر من مرة واحدة.

فلذا وجب على الجميع مرة واحدة، نعم قد يجب الحج بالنذر وشبهه وبالإجارة، وغير ذلك ممّا ذكره الفقهاء.

الإحرام:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمروا بالإحرام؟

قيل: لأن يخشعوا قبل دخول حرم الله عزّ وجل وأمنه ولئلاّ يلهوا ويشتغلوا بشيء من أمر الدنيا وزينتها، ويكونوا جادين فيما بينهم قاصدين نحوه مقبلين عليه بكليتهم مع ما فيه من التعظيم لله تعالى ولبيته، والتذلّل لأنفسهم عند قصدهم إلى الله تعالى ووفادتهم إليه راجين ثوابه راهبين من عقابه ماضين نحوه مقبلين إليه بالذل والاستكانة والخضوع).

إنّ الحاج إذا أحرم للحج أو للعمرة فيجب عليه أن يبتعد عن شهوات نفسه وملذّاتها، ويخرج عن مألوفاتها فتحرم عليه وسائل الرفاهية والزينة من النساء ولبس المخيط والطيب وحلق شعر رأسه ويجتنب هجر الكلام ومره فلا جدال ولا فسوق في الحج.

إنّ الإحرام رياضة للنفس على احتمال المشاق والمكروه وفيها من التعظيم لله تعالى، وإذلال النفس أمامه، إلى غير ذلك من الحكم التي ذكرها الإمامعليه‌السلام .

الطواف بالبيت:

قالعليه‌السلام فيما كتبه لمحمد بن سنان: (وعلّة الطواف بالبيت إن الله تبارك وتعالى قال للملائكة:( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ) فردوا على الله تعالى بهذا الجواب فندموا ولاذوا بالعرش واستغفروا فأحب الله عزّ وجل أن يتعبد بمثل تلك العبادة فوضع في السماء الرابعة

٤٦

بيتاً بحذاء العرش يسمى الضراح ثم وضع في السماء الدنيا بيتا يسمى (المعمور) بحذاء البيت المعمور، ثم أمر آدم فطاف به فتاب الله عزّ وجل عليه وجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة).

إنّ الطواف حول الكعبة المقدسة فيه من الدروس الرفيعة التي منها: أنّه تخليد لذلك المكان العظيم الذي بناه شيخ الأنبياء إبراهيمعليه‌السلام لعبادة الله الواحد القهّار في وقت لم يكن هناك بيت للعبادة سواه، ومنها: أنّ الطواف معراج للمؤمن كالصلاة ففيه سمو للروح واتصال بالخالق العظيم، إلى غير ذلك من الثمرات والفوائد.

استلام الحجر:

قالعليه‌السلام : (وعلّة استلام الحجر: أنّ الله تبارك وتعالى لـمّا أخذ ميثاق بني آدم ألقمه الحجر، فمن ثمّ كلف الناس تعاهد ذلك الميثاق، ومن ثمّ يقال: عند الحجر أمانتي أديتها وميثاق تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، ومنه قول سلمان ليجيء الحجر يوم القيامة مثل أبي قبيس له لسان وشفتان يشهد لـمَن وافاه بالموافاة).

لقد تحدث الإمامعليه‌السلام عن الحكمة في استلام الحجر الأسود الذي هو موضع تقديس وتعظيم عند المسلمين، فقد كرّمه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبّله، وممّا لا شبهة أنّ ذلك ينم عن سمو هذا الحجر الذي يشهد لـمَن وافاه يوم القيامة بالموافاة له.

الحج في ذي الحجة:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعل وقتها عشر ذي الحجّة؟

قيل: لأنّ الله تعالى أحب أن يعبد بهذه العبادة أيام التشريق، وكان أوّل ما حجّت إليه الملائكة وطافت به في هذا الوقت فجعله سنة ووقتاً إلى يوم القيامة فأمّا النبيون: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلّى الله عليه وعليهم أجمعين وغيرهم من الأنبياء إنّما حجّوا في هذا الوقت فجعلت سنّة في أولادهم إلى يوم القيامة).

ولهذه الأسباب فقد جعل الحج في هذا الوقت المبارك دون غيره.

٤٧

كلمة فيليب حتي في الحج:

ومن الجدير بالذكر أن نختم هذا البحث عن الحج بكلمة للدكتور فيليب حتى قال: (ولا يزال الحج على كرّ العصور نظاماً لا يبارى في تشديد عرى التفاهم الإسلامي والتأليف بين مختلف طبقات المسلمين وبفضله يتسنّى لكل مسلم أن يكون رحّالة مرة في حياته على الأقل، وأن يجتمع مع غيره من المؤمنين اجتماعاً أخويّاً ويوحد شعوره مع شعور مَن سواه من القادمين من أطراف الأرض، وبفضل هذا النظام يتيسّر للزنوج والبربر والصينيين والفرس والترك والعرب وغيرهم - أغنياء كانوا أم فقراء عظماء أم صعاليك - أن يتآلفوا لغةً وإيماناً وعقيدةً، وقد أدرك الإسلام نجاحاً لم يتفق لدين آخر من أديان العالم في القضاء على فوارق الجنس واللون والقومية خاصةً بين أبنائه؛ فهو لا يعترف بفاصل بين أفراد البشر إلاّ الذي يقوم بين المؤمنين وبين غير المؤمنين، ولا شك أن الاجتماع في مواسم الحج أدّى خدمة كبرى في هذا السبيل)(1) .

الزكاة:

قالعليه‌السلام : فيما كتبه لمحمد بن سنان عن أجوبة مسائله في علل الأحكام قال:

(وعلّة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الأغنياء لأنّ الله تبارك وتعالى كلّف أهل الصحّة القيام بشأن أهل الزمانة - وهم المرضى - والبلوى كما قال الله تعالى:( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ) (2) في أموالكم بإخراج الزكاة وفي أنفسكم بتوطين الأنفس على الصبر، مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله عزّ وجل، والطمع في الزيادة مع ما فيه من الرأفة والرحمة لأهل الضعف والعطف على أهل المسكنة، والحث لهم على المواساة، وتقوية الفقراء، والمعونة على أمر الدين، وهم عظة لأهل الغنى وعبرة لهم؛ ليستدلوا على فقراء الآخرة بهم، وما لهم من الحث في ذلك على الشكر لله تبارك وتعالى لما خولهم وأعطاهم، والدعاء والتضرّع والخوف من أن يصيروا مثلهم في أمور كثيرة في أداء الزكاة والصدقات، وصلة الأرحام،

____________________

(1) تأريخ العرب 1 / 187 ط 2.

(2) سورة آل عمران: آية 186.

٤٨

واصطناع المعروف).

الزكاة نظام اجتماعي خلاّق يحفظ التوازن بين طبقات الأُمّة، ويقضى على داء الفقر الذي هو مأوى لكل جريمة ففي البيئات التي يشيع الفقر فيها تروّج المذاهب المتطرفة وتستحل الأعمال الوحشية.

إنّ الزكاة تطهّر النفوس من البخل والقسوة والأثرة والطمع، وغير ذلك من أرجاس الرذائل الاجتماعية التي تبعث على الفتن والكراهية والعدوان... وقد تحدث الإمامعليه‌السلام عن ثمراتها ومصالحها التي تعود على المجتمع بالخير العميم.

علل بعض المحرمات:

وأدلى الإمامعليه‌السلام بالعلل التي من أجلها حُرّمت بعض الأعمال في الإسلام ذلك فيما كتبه إلى محمد بن سنان عن أجوبة مسائله وهي:

1 - قتل النفس:

قالعليه‌السلام : (وحرّم الله قتل النفس لعلّة فساد الخلق في تحليله لو أحل وفنائهم وفساد التدبير).

تعتبر جريمة القتل العمد من أخطر الجرائم وأشدّها إخلالاً بالأمن وقد حرّمه الإسلام وشدّد في العقوبة على الجاني قال تعالى:( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ) (1) ولو حلّت هذه الجريمة لأوجبت فساد الخلق وفناءهم.

2 - عقوق الوالدين:

قالعليه‌السلام : (وحرّم الله عقوق الوالدين لما فيه من الخروج عن التوقير...).

إنّ الله تعالى قرن حقوق الوالدين بحقوقه وطاعتهما بطاعته، وإنّ من أفحش المحرّمات عقوقهما والتنكّر لما أسدياه على الولد من ألوان البر والإحسان.

3 - الزنا:

قالعليه‌السلام : (وحرّم الزنا لما فيه من الفساد من قتل الأنفس وذهاب الأنساب وترك التربية للأطفال، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد).

____________________

(1) سورة البقرة: آية 179.

٤٩

الزنا من أفحش ألوان الرذائل ووصفه القرآن بالفاحشة قال تعالى:( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) (1) .

والزاني يشكل جريمة على المجتمع الإنساني؛ لأنّه إن نشأ منه طفل فإنّه ينشأ بلا أب يرعاه ويصاب بالعقد النفسية، ويقترف أفظع الجرائم، بالإضافة إلى إضاعة الأنساب، بينما الزواج ناموس طبيعي يفرض على المرء أن يبذل حياته لتربية أطفاله تربية صالحة ليكونوا قرّة عينٍ له.

عقوبة الزاني:

قالعليه‌السلام : (وعلة ضرب الزاني على جسده بأشد الضرب لمباشرته الزنا واستلذاذ كله به فجعل الضرب عقوبة له وعبرة لغيره وهو أعظم الجنايات).

وكان من محاسن التشريع الإسلامي أن شرع العقوبات الصارمة لهذه الرذيلة وهي مائة جلدة لغير المحصن والرجم للمحصن قال تعالى:( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (2).

الشهادة المثبتة للزنا:

قالعليه‌السلام : (والعلّة في شهادة أربعة - أي الشهود - في الزنا واثنين في سائر الحقوق لشدة حد المحصن؛ لأنّ فيه القتل فجعلت الشهادة فيه مضاعفة لما فيه من قتل نفسه وذهاب نسب ولده ولفساد الميراث).

إنّ عقوبة الزنا لا تثبت إلاّ بأربعة شهود عدول يرون حقيقة الزنا بالمشاهدة ولا بد أن يشهدوا جميعاً، فإذا تخلّف واحد منهم تعرض الثلاثة الباقون لعقوبة

القذف والحكمة في هذا التشديد لئلاّ يتجرّأ الناس على اتهام بعضهم بعضاً دون مبالاة.

____________________

(1) سورة الإسراء: آية 32.

(2) سورة النور: آية 2.

٥٠

4 - اللواط والمساحقة:

قالعليه‌السلام : (وعلّة تحريم الذكران للذكران والإناث بالإناث لما ركب في الإناث، وما طبع عليه الذكران، ولما في إتيان الذكران الذكران والإناث الإناث من انقطاع النسل وفساد التدبير وخراب الدنيا).

أمّا اللواط فإنّه من الجرائم الخُلُقية، وفيه خروج عن سنن الطبيعة، وقد سمّاه الله تعالى بالفاحشة قال تعالى:( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ) (1) .

وعقوبة اللواط القتل؛ لأنّ في هذه الجريمة إضاعة الأنساب وخراب الدنيا كما قال الإمامعليه‌السلام .

وأمّا المساحقة فإنّها من الرذائل الخلقية، وفيها شذوذ عن سنّة الله تعالى وخروج عن طبيعة الإنسان.

5 - النظر إلى شعور النساء:

قالعليه‌السلام : وحرّم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج والى غيرهن من النساء؛ لما فيه من تهيج الرجال، وما يدعو التهييج إليه من الفساد والدخول فيما لا يحل، ولا يحل، وكذلك ما أشبه الشعور إلاّ الذي قال الله تعالى:( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ) (2) .

أي غير الجلباب فلا بأس بالنظر إلى شعور مثلهن.

إنّ النظر إلى شعر المرأة وزينتها يكهرب الرجل ويدفعه إلى اقتراف الحرام، أمّا النظر إلى شعر العجائز الطاعنات في السن فإنّه لا يبعث غراماً ولا يولّد شهوة؛ فلذا أباحه الإسلام.

6 - الربا:

وعرض الإمامعليه‌السلام إلى بيان الأسباب والعلل في تحريم الربا؛ وذلك في عدة بيانات وهي:

____________________

(1) سورة العنكبوت: آية 28.

(2) سورة النور: آية 60.

٥١

أ - قالعليه‌السلام : (وعلّة تحريم الربا: إنّما نهى الله عنه لما فيه من فساد الأموال؛ لأنّ الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهماً وثمن الآخر باطلاً فبيع الربا وكس على كل حال على المشتري وعلى البايع فحرّم الله تبارك وتعالى الربا لعلة فساد الأموال كما حظر عل السفيه أن يدفع ماله إليه لما يتخوف عليه من إفساده حتى يؤنس منه رشده فلهذه العلّة حرم الله الربا وبيع الدرهمين يداً بيد).

ب - قالعليه‌السلام : (وعلّة تحريم الربا بعد البينة لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرم وهي كبيرة بعد البيان، وتحريم الله تعالى لها، ولم يكن ذلك منه - أي من المرابي - إلاّ استخفاف بالتحريم للحرام والاستخفاف بذلك دخول في الكفر).

ج - قالعليه‌السلام : (وعلّة تحريم الربا بالنسيئة لعلّة ذهاب المعروف وتلف الأموال، ورغبة الناس في الربح، وتركهم القرض والفرض، وصنايع المعروف، ولما في ذلك من الفساد والظلم وفناء الأموال).

حرّم الإسلام تحريماً شاملاً الربا واعتبره من أفحش أنواع الظلم وهو يتنافى مع تعاليم الإسلام التي تدعو إلى المعونة والمساعدة والرحمة، والربا يسبب العداوة والبغضاء، وينشر البؤس والفقر بين الناس.

إنّ الربا يؤدّي إلى وجود طبقة رأسمالية في المجتمع تتضخم عندها الأموال وهي لا تعمل ولا تبذل جهداً في الحركة الاقتصادية.

وقد ثبت أنّ الربا وسيلة لاستعمار الشعوب واحتلالها، فالحكومات التي تستقرض تتضاعف عليها الفوائد فتعجز عن تسديدها وتقع بذلك تحت شبكة الاستعمار الذي ينهب الثروات ويترك البؤس شائعاً في البلاد.

وجاء تحريم الربا في القرآن تحريماً قاطعاً، قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً ) (1) ، وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) (2) .

____________________

(1) سورة آل عمران: آية 130 - 131.

(2) سورة البقرة: آية 278.

٥٢

وقد لعن الإسلام صاحب رأس المال والمدين والكاتب والشاهد؛ لأنّهما أعانا على ما نهى الله عنه.

7 - أكل مال اليتيم:

قالعليه‌السلام : (وحرم أكل مال اليتيم ظلماً لعلل كثيرة من وجوه الفساد أول ذلك أنّه إذا أكل الإنسان مال اليتيم ظلماً فقد أعان على قتله؛ إذ اليتيم غير مستغن، ولا محتمل لنفسه ولا علم بشأنه، ولا له مَن يقوم عليه ويكفيه كقيام والديه فإذا أكل ماله فكأنّه قد قتله وصيّره إلى الفقر والفاقة مع ما خوف الله عزّ وجل، وجعل من العقوبة في قوله عزّ وجل:( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ ) (1) .

ولقول أبي جعفرعليه‌السلام : (إنّ الله عزّ وجل وعد في أكل مال اليتيم عقوبتين: عقوبة في الدنيا، وعقوبة في الآخرة ففي تحريم مال اليتيم استبقاء اليتيم واستقلاله بنفسه والسلامة للعقب أن يصيبه ما أصابه لما وعد الله فيه من العقوبة، مع ما في ذلك من طلب اليتيم بثأره إذا أدرك ووقوع الشحناء والعداوة والبغضاء حتى يتفانوا).

لقد شدّد الإسلام في تحريم أكل مال اليتيم وأمر بصيانة أمواله والمحافظة عليها حتى يبلغ، قال تعالى:( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) (2) .

وقد أدلى الإمامعليه‌السلام بالأسباب الناجمة عن حرمة أكل مال اليتيم.

8 - السرقة:

قالعليه‌السلام : (وحرمة السرقة لما فيه من فساد الأموال، وقتل الأنفس لو كانت مباحة، ولما تأتي في التغاصب من القتل والتنازع والتحاسد، وما يدعو إلى ترك التجارات والصناعات في المكاسب واقتناء الأموال إذا كان الشيء المقتنى لا يكون أحد أحق به من أحد).

____________________

(1) سورة النساء: آية 9.

(2) سورة النساء: آية 6.

٥٣

أمّا السرقة فهي من أفحش المحرّمات؛ لأنّها أكل لأموال الناس بغير حق فالسارق يأخذ مال الغير الذي أفنى عمره في تحصيله ويترك شبح الفاقة جاثماً عليه، وينعم هو بما سرقه منه وهو من أسوأ ألوان الظلم، وقد جعل الشارع العظيم عقوبة السارق قطع اليد قال تعالى:( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ) (1).

ويشترط في السرقة التي توجب قطع اليد عدّة شروط ذكرها الفقهاء، فإذا توفّرت فتقطع يد السارق.

قطع يد السارق اليمنى:

قالعليه‌السلام : (وعلّة قطع اليمين من السارق، ولأنّه يباشر الأشياء بيمينه، وهي أفضل أعضائه وأنفعها له، فجعل قطعها نكالاً وعبرة للخلق لئلاّ يبغوا أخذ الأموال من غير حلّها، ولأنّه أكثر ما يباشر السرقة بيمينه.

وحرم غصب الأموال وأخذها من غير حلّها لما فيه من أنواع الفساد، والفساد محرم لما فيه من الفناء وغير ذلك من وجوه الفساد).

ولهذه الأسباب الوثيقة التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام فقد أمر الإسلام بقطع يد السارق اليمنى دون اليسرى.

9 - الخمر:

قالعليه‌السلام : (حرّم الله الخمر لما فيها من الفساد، ومن تغييرها عقول شاربيها وحملها إيّاهم على إنكار الله عزّ وجل، والفرية عليه وعلى رسله وساير ما يكون منهم من الفساد والقتل والقذف والزنا وقلّة الاحتجاز من شيء من الحرام؛ فبذلك قضينا على كل مسكر من الأشربة أنّه حرام محرّم لأنّه يأتي من عاقبتها ما يأتي من عاقبة الخمر فليجتنبه مَن يؤمن بالله واليوم الآخر ويتولاّنا وينتحل مودّتنا فإنّه لا عصمة بيننا وبين شاربيها).

أمّا مضار الخمر على الإنسان وعلى المجتمع فهي كثيرة لا تحصى، وقد حرّمها

____________________

(1) سورة المائدة: آية 38.

٥٤

الإسلام تحريما باتّاً، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ (1) وَالأَنْصَابُ (2) والأزلام (3) رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) (4) .

إنّ الخمر سبب لكل رذيلة ومنشأ لارتكاب كل منكر، وأنّ كثيراً من حوادث الزنا والسرقة وغيرهما من الجرائم تنشأ من الخمر، مضافاً إلى تدميره لصحّة الإنسان فإنّ الكحول التي فيها تتسرب إلى دم الإنسان حتى أنّه لو أخذ مقدار من دم السكران فإنّه يحترق كما يحترق السبيرتو، مضافاً إلى ما يسبّبه من التهاب الجهاز الهضمي وارتفاع الضغط الدموي، وغير ذلك، وقد ذكرنا أضراره الصحيّة في كتابنا(العمل وحقوق العامل في الإسلام) .

10 - الميتة:

قالعليه‌السلام : (وحرّمت الميتة لما فيها من فساد الأبدان والآفة الخ...).

أمّا أكل الميتة فهو يسبب كثيراً من الأمراض، وربّما أدّى الأكل منها إلى الوفاة (5) فإنّ الجراثيم لا تزال ملازمة لها، وإن تعقيم لحم الميتة بطريق النار لا يجدي شيئاً، كما نصّ على ذلك الطب الحديث.

11 - الدم:

قالعليه‌السلام : (وحرّم الله عزّ وجل الدم كتحريم الميتة لما فيه من فساد الأبدان؛ ولأنّه يورث الماء الأصفر، ويبخر الفم، وينتن الريح، ويسيء الخُلُق، ويورث القسوة للقلب، وقلّة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل والده وصاحبه).

وحرم الإسلام شرب الدم؛ لأنّه يحمل إفرازات وسموماً قاتلة، أمّا إذا أخذ من دم حيوان مريض فإنّ الجراثيم التي فيه تنتقل إلى مَن يتناوله، وبإجماع الأطباء أنّ الدم لا يعتبر غذاءً مطلقاً.

____________________

(1) الميسر: هو القمار.

(2) حجارة أو أصنام كان العرب يذبحون قرابينهم عندها.

(3) الأزلام: قطع من الخشب بهيئة السهام كانوا في الجاهلية يستقسمون بها لأجل التفاؤل والتشاؤم.

(4) سورة المائدة: آية 90.

(5) الإسلام والطب الحديث للدكتور عبد العزيز إسماعيل (ص 17).

٥٥

12 - الطحال:

قالعليه‌السلام : (وحرم الطحال؛ لما فيه من الدم، ولأنّ علته وعلّة الدم والميتة واحدة؛ لأنّه يجرى مجراها في الفساد).

أمّا الطحال فقد حرمه الإسلام واعتبره كالدم والميتة؛ وذلك لما يترتب على تناوله من الأضرار والمفاسد لجسم الإنسان كما أفاد الإمامعليه‌السلام .

13 - الخنزير والقرد:

قالعليه‌السلام : (وحرم الخنزير؛ لأنّه مشوّه، جعله الله عزّ وجل عظة للخلق وعبرة وتخويفاً ودليلاً على ما مسخ على خلقته، ولأنّ غذاءه أقذر الأقذار مع علل كثيرة.

وكذلك حرم القرد؛ لأنه مسخ مثل الخنزير، وجعل عظة وعبرة للخلق ودليلاً على ما مسخ على خلقته وصورته، وجعل فيه شبهاً من الإنسان ليدل على أنّه من الخلق المغضوب عليهم).

لقد حرم الإسلام لحم الخنزير، وقد أنقذ المسلمين بذلك من شر عظيم يقول بيتي وديسكون: إنّ الإصابة بدودة لحم الخنزير تكاد تكون عامة في جهات خاصة من (فرنسا) و (ألمانيا) و (وإيطاليا) و (بريطانيا)، ولكنّها تكاد تكون نادرة الوجود في البلاد الشرقية؛ لتحريم دين أهلها أكل لحم الخنزير، وينقل لحم الخنزير كذلك مرض (الترنجينا) للإنسان.

وفيما يلي بعض الحقائق عن لحم الخنزير ومدى خطورته:

أ - لا يمكن للطبيب الأخصائي أن يقرّر أنّ خنزيراً غير مصاب بهذه الديدان بل أنّ جميعها مصابة بها.

ب - إنّ الأنثى الواحدة من هذه الديدان تضع (1500 جنين) في الغشاء المخاطي المبطّن لأمعاء المصاب فتوزع الملايين المولودة من الإناث جميعاً بطريق الدورة الدموية وتبثها في جميع أجزاء الجسم وتتجمع الأجنة في العضلات.

٥٦

فتسبّب آلاماً شديدة والتهابات عضلية مؤلمة جداً، ويصاب بعد ذلك بأورام خبيثة.

ج - أنّه لا يوجد علاج لهذا المرض، ومضافاً لذلك فإنّ لحم الخنزير ينقل للإنسان بعض الجراثيم العفنة (والبارا تيفود) وهي تسبب للإنسان تسمّماً حاداً مصحوباً بالتهابات شديدة في الجهاز الهضمي قد تسبب الوفاة في بضع ساعات(1) .

14 - الأرنب:

قالعليه‌السلام : (وحرم الأرنب؛ لأنّها بمنزلة السنور ولها مخالب كمخالب السنّور وسباع الوحش فجرت مجراها مع قذرها في نفسها، وما يكون منها من الدم كما يكون من النساء؛ لأنّها مسخ).

أمّا الأرنب فحرام أكله، وقد ذكر الإمامعليه‌السلام علل ذلك، ولكنّ بعض المذاهب الإسلامية لم تستقذره وأباحت أكله.

15 - سباع الطير والوحش:

قالعليه‌السلام : (وحرم سباع الطير والوحش كلها لأكلها الجيف ولحوم الناس والعذرة وما أشبه ذلك؛ فجعل الله عزّ وجل دلائل ما يحل من الوحش والطير وما حرم كما قال أبيعليه‌السلام : كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير حرام وكل ما كانت له قانصة من الطير فحلال.

وعلّة أخرى يفرق بين ما يحل من الطير وما حرم قولهعليه‌السلام : كل ما دفّ ولا تأكل ما صف).

وحرم الإسلام سباع الطير: كالبازي والرخمة، وكذا يحرم من الطيور ما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية وهي الشوكة خلف رجل الطائر خارجة عن الكف ويكفي وجود واحدة منها في حل الطير(2) .

وقد علّل الإمامعليه‌السلام الحرمة بأنّها تأكل الجيف ولحوم الناس والعذرة، ويتأثّر لحمها بذلك، فلحومها غير صالحة لمعدة الإنسان.

16 - ما أهل به لغير الله:

قالعليه‌السلام : (وحرم ما أُهلّ به لغير الله الذي أوجب الله عزّ وجل

____________________

(1) روح الدين الإسلامي (ص 405) ط الثالثة.

(2) منهاج الصالحين 2 / 274.

٥٧

على خلقه من الإقرار به وذكر اسمه على الذبائح المحلّلة، ولئلاّ يسوى بين ما تقرب به إليه وبين ما جعل عبادة للشياطين، والأوثان؛ لأنّ في تسمية الله عزّ وجل الإقرار بربوبيته وتوحيده وما في الإهلال لغير الله من الشرك به والتقرّب به إلى غيره؛ ليكون ذكر الله وتسميته على الذبيحة فرقاً بين ما يحل الله وبين ما حرّم الله).

لقد حرّم ما أهل به لغير الله تعالى ممّا يتقرّب به إلى الأصنام والأوثان، وهو ما تعمله الجاهلية الأولى التي لا تملك وعياً ولا فكراً، فهي كالبهائم، وقد حرّم الإسلام ذبائحها استقذاراً لأفكارها وأعمالها وأنّ ذبائحهم غير نظيفة ولا صالحة للأكل.

كراهة أكل لحوم البغال:

قالعليه‌السلام : (وكره أكل لحوم البغال والحمير الأهلية لحاجة الناس إلى ظهورها واستعمالها، والخوف من قلّتها، لا لقذر خلقتها، ولا لقذر غذائها).

لقد كره الإسلام أكل لحوم البغال والحمير الأهلية؛ وذلك لأنّهما من أهم وسائل النقل في تلك العصور، وذبحها ممّا يوجب الشحّة في وسائل النقل؛ فلذا كره الإسلام ذبحها، أمّا لحمها فهو صالح للأكل وليس فيه شيء ممّا يوجب الضرر بالصحّة العامّة.

زواج الرجل بأربعة نسوة:

قالعليه‌السلام : (وعلّة تزويج الرجل أربعة نسوة وتحريم أن تتزوج المرأة أكثر من واحد؟

لأنّ الرجل إذا تزوّج أربع نسوة كان الولد منسوباً إليه، والمرأة لو كان لها زوجان وأكثر من ذلك لم يعرف الولد لـمَن هو؟ إذ هم مشتركون في نكاحها، وفي ذلك فساد الأنساب والمواريث والمعارف).

لقد بيّن الإمامعليه‌السلام الحكمة في جواز زواج الرجل بأربع نساء دون المرأة، فليس لها ذلك، فإنّه لو أُبيح لها الزواج بأكثر من زوج واحد في زمان واحد فإنّ مَن يولد منها لـمَن يكون من الزوجين؟ وبذلك تضيع الأنساب وتفسد المواريث.

الطلاق ثلاثاً:

قالعليه‌السلام : (وعلّة الطلاق ثلاثاً لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو سكون غضبه إن كان، وليكون ذلك تخويفاً وتأديباً للنساء وزجراً لهن عن معصية أزواجهن فاستحقّت المرأة الفرقة والمباينة لدخولها

٥٨

فيما لا ينبغي معصية زوجها).

طلاق العدّة هو أن يطلق الرجل زوجته مع اجتماع الشرائط، ثم يراجع قبل خروجها من العدة فيواقعها، ثم يطلقها في طهر آخر فتحرم عليه حتى تنكح زوجاً آخر، وقد ذكر الإمامعليه‌السلام الحكمة في هذا الطلاق وأسبابه.

المطلقة تسع تطليقات:

قالعليه‌السلام : (وعلّة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات، فلا تحل له أبداً عقوبة لئلاّ يتلاعب بالطلاق، ولا يستضعف المرأة، وليكون ناظراً في أموره متيقظاً معتبراً، وليكون يأسا لهما من الاجتماع بعد تسع تطليقات).

المرأة إذا طُلّقت على النحو المذكور في المسألة السابقة فتزوّجها شخص ثم طلقها فتزوجها زوجها الأول فطلقها ثلاثاً، على النهج السابق، حرمت عليه حتى تنكح زوجاً آخر، فإذا تزوجها آخر وطلقها ثم تزوجها زوجها الأول فطلقها ثلاثاً على النهج السابق حرمت عليه مؤبّداً، وقد علّل الإمامعليه‌السلام ذلك بما ذكره، وأمّا إذا كان الطلاق ليس عدياً فإنّها لا تحرم المطلقة مؤبّداً وإن زاد عدد الطلاق على التسع.

ميراث المرأة:

أما ميراث المرأة فإنّها ترث نصف ما يرث الرجل وقد عللعليه‌السلام ذلك بتعليلين وهما:

الأول: قالعليه‌السلام : (وعلّة إعطاء النساء نصف ما يعطي الرجال من الميراث؛ لأنّ المرأة إذا تزوّجت أخذت والرجل يعطي، فلذلك وفر على الرجال).

الثاني: قالعليه‌السلام : (وعلّة أخرى في إعطاء الذكر مثلي ما تعطى الأنثى؛ لأنّ الأنثى في عيال الذكر إن احتاجت، وعليه أن يعولها، وعليه نفقتها، وليس على المرأة أن تعول الرجل، ولا يؤخذ بنفقته إن احتاج فوفر الله تعالى على الرجال لذلك، وذلك قول الله عزّ وجل:( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا ) (1) .

بما أنّ الرجل مسؤول عن الإنفاق على المرأة بما تحتاجه من المسكن والطعام

____________________

(1) سورة النساء: آية 234.

٥٩

واللباس، وغير ذلك ممّا ذكره الفقهاء؛ فلذا كان ميراثها نصف ميراث الرجل كما أفاد الإمامعليه‌السلام ، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن علل بعض الأحكام التي أُثرت عن الإمامعليه‌السلام .

أحوال الأنبياء والأمم السالفة:

وسُئل الإمامعليه‌السلام عن علل أحوال بعض الأنبياء والأمم السالفة فأجاب وفيما يلي بعضها:

غرق فرعون:

روى إبراهيم بن محمد الهمداني قال: قلت لأبي الحسن على بن موسى الرضاعليه‌السلام : لأيّ علّة أغرق الله عزّ وجل فرعون، وقد آمن به وأقرّ بتوحيده؟

قالعليه‌السلام : (لأنّه آمن عند رؤية البأس، والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول؛ وذلك حكم الله تعالى في السلف والخلف، قال الله عزّ وجل: ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ) (1) وقال عزّ وجل: ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ) (2) وهكذا فرعون لما أدركه الغرق قال: ( آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فقيل له: ( آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) (3) .

وقد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد وقد لبسه على بدنه، فلمّا أغرق ألقاه الله على نجوة من الأرض ببدنه ليكون لـمَن بعده علامة، فيرونه مع ثقله بالحديد على مرتفع من الأرض وسبيل التثقيل أن يرسب ولا يرتفع وكان ذلك آية وعلامة.

ولعلّة أخرى أغرق الله عزّ وجل فرعون وهي أنّه استغاث بموسى لـمّا أدركه الغرق، ولم يستغث بالله، فأوحى الله عزّ وجل إليه: يا موسى لم تغث فرعون؟ لأنّك لم

____________________

(1) سورة المؤمن: آية 84 - 85.

(2) سورة الأنعام: آية 158.

سورة يونس: آية 90 - 92.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375