حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)15%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 375

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205122 / تحميل: 8475
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

والشرب وغيرهما من متطلبات الجسد وقد وضع (جيهاردت) الألماني كتاباً في تقوية الإرادة، جعل أساسه الصوم، وذهب إلى أنّ الصوم هو الوسيلة الفعّالة لسلطان الروح على الجسد، وأنّ الإنسان يعيش مالكاً زمام نفسه وليس أسيراً لميوله المادية.

هذه بعض حكم وفوائد الصوم، وقد أدلى الإمامعليه‌السلام بالكثير من فوائده.

شهر رمضان:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعل الصوم في (شهر رمضان) خاصة دون سائر الشهور؟

قيل: لأنّ (شهر رمضان) هو الشهر الذي أنزل الله تعالى فيه القرآن، وفيه فرّق بين الحق والباطل، كما قال الله عزّ وجل:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (١) .

وفيه نبّئ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وفيها يفرق كل أمر حكيم، وهو رأس السنة يقدّر فيها ما يكون في السنة من خير أو شر أو ضر أو منفعة أو رزق أو أجل؛ ولذلك سميت ليلة القدر).

ولهذه الحكم فرض الله تعالى الصوم في هذا الشهر المبارك وميّزهعلى بقية الشهور.

اقتصار الصوم على شهر رمضان:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمروا بصوم (شهر رمضان) لا أقل من ذلك ولا أكثر؟

قيل: لأنّه قوة العبادة الذي يعم فيها القوي والضعيف وإنّما أوجب الله الفرايض على أغلب الأشياء وأعم القوي ثم رخص لأهل الضعف ورغب أهل القوّة في الفضل ولو كانوا يصلحون على أقل من ذلك لنقصهم ولو احتاجوا إلى أكثر من ذلك لزادهم).

إنّ حكمة الله تعالى وتدبيره للأشياء اقتضت أن تكون مصلحة العباد صيام

____________________

(١) سورة البقرة آية ١٨٥.

٤١

ثلاثين يوماً ولو كانت المصلحة أقل من ذلك لنقصهم، كما أنّ المصلحة لو كانت أكثر لزوّدهم عليه.

ترك الحائض للصوم والصلاة:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم إذا حاضت المرأة لا تصوم ولا تصلّي؟

قيل: لأنّها في حد نجاسة(١) فأحب الله أن لا تعبده إلاّ طاهرة ولأنّه لا صوم لـمَن لا صلاة له).

ولهذه الجهة فقد سقط الصوم والصلاة عن الحائض إلاّ أنّها تقضي الصوم دون الصلاة إذا طهرت من الحيض.

قضاء الحائض للصوم:

قال عليه‌السلام : (فلم صارت تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟

قيل لعلل شتّى: فمنها أنّ الصيام لا يمنعها من خدمة نفسها وخدمة زوجها وإصلاح بيتها والقيام بأمرها، والاشتغال بمرمة معيشتها والصلاة تمنعها من ذلك كله لان الصلاة تكون في اليوم والليلة مرارا فلا تقوى على ذلك والصوم ليس كذلك.

ومنها: أنّ الصلاة فيها عناء وتعب واشتغال الأركان وليس في الصوم شيء من ذلك وإنّما هو الإمساك عن الطعام والشراب وليس فيه اشتغال الأركان.

ومنها: أنّه ليس من وقت يجيء إلاّ عليها صلاة جديدة في يومها وليلتها وليس الصوم كذلك؛ لأنّه ليس كلّما حدث يوم وجب عليها الصوم وكلّما حدث وقت الصلاة وجبت عليها الصلاة).

ولهذه العلل الوثيقة فقد أسقط الشارع الصلاة عن الحائض قضاءً؛ لأنّ في الإتيان بها مشقّة وجهداً على المرأة بخلاف الصوم فإنّ قضاءه ليس فيه جهد

وحرج عليها.

____________________

(١) لعلّ الصحيح في حال نجاسة.

٤٢

قضاء شهر رمضان:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره، أو لم يفق من مرضه حتى يدخل عليه (شهر رمضان) آخر وجب عليه الفداء للأول وسقط القضاء فإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء؟

قيل: لأنّ ذلك الصوم إنّما وجب عليه في تلك السنة في ذلك الشهر، فأمّا الذي لم يفق فإنّه لما أن مرت عليه السنة كلها، وقد غلب الله تعالى عليه فلم يجعل له السبيل إلى أدائه، سقط عنه، وكذلك كلما غلب الله عليه مثل المغمى عليه الذي يغمى عليه يوماً وليلة فلا يجب عليه قضاء الصلاة، كما قال الصادقعليه‌السلام : كلما غلب الله عليه العبد فهو أعذر له؛ لأنّه دخل الشهر وهو مريض فلا يجب عليه الصوم في شهره ولا سنته للمرض الذي كان فيه ووجب عليه الفداء؛ لأنّه بمنزلة مَن وجب عليه صوم فلم يستطع أداءه فوجب عليه الفداء كما قال الله عزّ وجل:( فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) (١) ، وكما قال الله عزّ وجل:( فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٢) فأقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه...).

عرض الإمامعليه‌السلام إلى المريض إذا استمرّ به المرض من رمضان إلى رمضان الآخر ولم يبرأ فإنّه لا قضاء عليه، وإنّما تجب عليه الفدية والسبب في ذلك أنّه لا تكليف له بالقضاء لمرضه، وأمّا مَن برأ في أثناء السنة ولم يصم ما عليه فإنّه يجب عليه القضاء؛ وذلك لتمكّنه كما تجب عليه الفدية، وعقّب الإمام على ذلك بقوله: (فإن قال قائل: فإن لم يستطع إذ ذاك فهو الآن يستطيع؟

قيل له: إنّه لـمّا دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضين؛ لأنّه كان بمنزلة مَن وجب عليه صوم في كفّارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء، وإذا وجب الفداء سقط الصوم والصوم ساقط والفداء لازم، فإن أفاق فيما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه والصوم لاستطاعته).

____________________

(١) سورة المجادلة: آية ٤.

(٢) سورة البقرة: آية ١٩٦.

٤٣

الصوم بدل تحرير الرقبة:

قال عليه‌السلام : (فلم وجب في الكفّارة على مَن لم يجد تحرير رقبة الصيام دون الحج والصلاة وغيرهما؟

قيل: لأنّ الصلاة والحج وسائر الفرائض مانعة للإنسان من التقلّب في أمر دنياه ومصلحة معيشته مع تلك العلل التي ذكرناها في الحائض التي تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة).

ولهذه العلل فقد جعل الشارع الصيام بدلاً من تحرير الرقبة، ولم يجعل الصلاة والحج وغيرها عوضاً عنها؛ لأنّ لازم ذلك تعطيل الأعمال وعدم استطاعة الإنسان على تحصيل معاشه.

صيام شهرين متتابعين:

قال عليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين دون أن يجب عليه شهراً واحداً أو ثلاثة أشهر؟

قيل: لأنّ الفرض الذي فرض الله على الخلق وهو شهر واحد فضوعف في هذا الشهر في كفارته توكيداً وتغليظاً عليه).

التتابع في صيام شهرين:

قالعليه‌السلام : (فلم جعلا متتابعين؟

قيل: لئلاّ يهون عليه الأداء فيستخف به لأنّه إذا قضاه متفرقاً هان عليه القضاء).

إنّ التتابع في صيام الشهرين إنّما هو عقوبة لـمَن أفطر متعمّداً منتهكاً حرمات الله تعالى فشدّد عليه تعالى بذلك.

الحج:

وتحدث الإمام عن العلّة في تشريع الحج وعلل بعض الأحكام المتصلة به.

وجوب الحج:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمر بالحج؟

٤٤

قيل: لعلّة الوفادة إلى الله عزّ وجل وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف العبد تائباً ممّا مضى مستأنفاً لما يستقبل مع ما فيه من إخراج الأموال، وتعب الأبدان والاشتغال عن الأهل والولد وحظر الأنفس عن اللذات، شاخص في الحر والبرد ثابت ذلك عليه دايم مع الخضوع والاستكانة والتذلّل مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع في شرق الأرض وغربها ومن في البرد والحر(١) ممّن يحج وممّن لا يحج من بين تاجر وجالب وبائع ومشتري وكاسب ومسكين ومكار وفقير، وقضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها من النفقة ونقل أخبار الأئمةعليهم‌السلام إلى كل صقع وناحية كما قال الله تعالى:( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (٢) .

الحج مؤتمر عام يهدف إلى غايات عظيمة ومنافع مهمّة تعود بالخير العميم على العالم الإسلامي، وقد أدلى الإمام الرضاعليه‌السلام ببعضها، ولو أردنا أن نستقصي ثمرات الحج وفوائده لضاق بنا المجال وأهم ما فيه تعارف الشعوب الإسلامية بعضها بحاجات البعض منها؛ وذلك للوصول إلى مستوى رفيع بين شعوب العالم وأُمم الأرض، ومضافاً لذلك هي الناحية الاقتصادية فإن لكل شعب من الشعوب الإسلامية صناعات ومنتوجات لا توجد في غيرها وبواسطة الحج يمكن إبرام اتفاقات تجارية فيما بينها لتبادلها.

وعلى أي حال فالحج يرمز إلى رفع مستوى الحياة الفكرية والعملية والاقتصادية للمسلمين، ولا يضاهيه أي مؤتمر من مؤتمرات الدول العالمية.

الحج مرة واحدة:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمروا بحجّة واحدة لا أكثر من ذلك؟

قيل له: لأنّ الله تعالى وضع الفرايض على أدنى القوم مرة كما قال الله عزّ وجل:( فما استيسر من الهدي ) يعني شاة؛ ليسع له القوي والضعيف، وكذلك سائر الفرائض إنّما وضعت على أدنى القوم قوّة فكان من تلك الفرائض الحج

____________________

(١) لعلّ الصحيح: في البر والبحر.

(٢) سورة التوبة: آية ١٢٢.

٤٥

المفروض واحداً، ثم رغب بعد أهل القوّة بقدر طاقتهم).

حجّة الإسلام إنّما تجب على المسلم مرة واحدة ولم يفرض فيها التعدد للحكمة التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام ، وهي أنّ الإسلام قد وضع تكاليفه وأحكامه على أدنى الناس قوّة وأدناهم قوّة في البدن والمال لا يتمكن الحج أكثر من مرة واحدة.

فلذا وجب على الجميع مرة واحدة، نعم قد يجب الحج بالنذر وشبهه وبالإجارة، وغير ذلك ممّا ذكره الفقهاء.

الإحرام:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمروا بالإحرام؟

قيل: لأن يخشعوا قبل دخول حرم الله عزّ وجل وأمنه ولئلاّ يلهوا ويشتغلوا بشيء من أمر الدنيا وزينتها، ويكونوا جادين فيما بينهم قاصدين نحوه مقبلين عليه بكليتهم مع ما فيه من التعظيم لله تعالى ولبيته، والتذلّل لأنفسهم عند قصدهم إلى الله تعالى ووفادتهم إليه راجين ثوابه راهبين من عقابه ماضين نحوه مقبلين إليه بالذل والاستكانة والخضوع).

إنّ الحاج إذا أحرم للحج أو للعمرة فيجب عليه أن يبتعد عن شهوات نفسه وملذّاتها، ويخرج عن مألوفاتها فتحرم عليه وسائل الرفاهية والزينة من النساء ولبس المخيط والطيب وحلق شعر رأسه ويجتنب هجر الكلام ومره فلا جدال ولا فسوق في الحج.

إنّ الإحرام رياضة للنفس على احتمال المشاق والمكروه وفيها من التعظيم لله تعالى، وإذلال النفس أمامه، إلى غير ذلك من الحكم التي ذكرها الإمامعليه‌السلام .

الطواف بالبيت:

قالعليه‌السلام فيما كتبه لمحمد بن سنان: (وعلّة الطواف بالبيت إن الله تبارك وتعالى قال للملائكة:( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ) فردوا على الله تعالى بهذا الجواب فندموا ولاذوا بالعرش واستغفروا فأحب الله عزّ وجل أن يتعبد بمثل تلك العبادة فوضع في السماء الرابعة

٤٦

بيتاً بحذاء العرش يسمى الضراح ثم وضع في السماء الدنيا بيتا يسمى (المعمور) بحذاء البيت المعمور، ثم أمر آدم فطاف به فتاب الله عزّ وجل عليه وجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة).

إنّ الطواف حول الكعبة المقدسة فيه من الدروس الرفيعة التي منها: أنّه تخليد لذلك المكان العظيم الذي بناه شيخ الأنبياء إبراهيمعليه‌السلام لعبادة الله الواحد القهّار في وقت لم يكن هناك بيت للعبادة سواه، ومنها: أنّ الطواف معراج للمؤمن كالصلاة ففيه سمو للروح واتصال بالخالق العظيم، إلى غير ذلك من الثمرات والفوائد.

استلام الحجر:

قالعليه‌السلام : (وعلّة استلام الحجر: أنّ الله تبارك وتعالى لـمّا أخذ ميثاق بني آدم ألقمه الحجر، فمن ثمّ كلف الناس تعاهد ذلك الميثاق، ومن ثمّ يقال: عند الحجر أمانتي أديتها وميثاق تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، ومنه قول سلمان ليجيء الحجر يوم القيامة مثل أبي قبيس له لسان وشفتان يشهد لـمَن وافاه بالموافاة).

لقد تحدث الإمامعليه‌السلام عن الحكمة في استلام الحجر الأسود الذي هو موضع تقديس وتعظيم عند المسلمين، فقد كرّمه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبّله، وممّا لا شبهة أنّ ذلك ينم عن سمو هذا الحجر الذي يشهد لـمَن وافاه يوم القيامة بالموافاة له.

الحج في ذي الحجة:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعل وقتها عشر ذي الحجّة؟

قيل: لأنّ الله تعالى أحب أن يعبد بهذه العبادة أيام التشريق، وكان أوّل ما حجّت إليه الملائكة وطافت به في هذا الوقت فجعله سنة ووقتاً إلى يوم القيامة فأمّا النبيون: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلّى الله عليه وعليهم أجمعين وغيرهم من الأنبياء إنّما حجّوا في هذا الوقت فجعلت سنّة في أولادهم إلى يوم القيامة).

ولهذه الأسباب فقد جعل الحج في هذا الوقت المبارك دون غيره.

٤٧

كلمة فيليب حتي في الحج:

ومن الجدير بالذكر أن نختم هذا البحث عن الحج بكلمة للدكتور فيليب حتى قال: (ولا يزال الحج على كرّ العصور نظاماً لا يبارى في تشديد عرى التفاهم الإسلامي والتأليف بين مختلف طبقات المسلمين وبفضله يتسنّى لكل مسلم أن يكون رحّالة مرة في حياته على الأقل، وأن يجتمع مع غيره من المؤمنين اجتماعاً أخويّاً ويوحد شعوره مع شعور مَن سواه من القادمين من أطراف الأرض، وبفضل هذا النظام يتيسّر للزنوج والبربر والصينيين والفرس والترك والعرب وغيرهم - أغنياء كانوا أم فقراء عظماء أم صعاليك - أن يتآلفوا لغةً وإيماناً وعقيدةً، وقد أدرك الإسلام نجاحاً لم يتفق لدين آخر من أديان العالم في القضاء على فوارق الجنس واللون والقومية خاصةً بين أبنائه؛ فهو لا يعترف بفاصل بين أفراد البشر إلاّ الذي يقوم بين المؤمنين وبين غير المؤمنين، ولا شك أن الاجتماع في مواسم الحج أدّى خدمة كبرى في هذا السبيل)(١) .

الزكاة:

قالعليه‌السلام : فيما كتبه لمحمد بن سنان عن أجوبة مسائله في علل الأحكام قال:

(وعلّة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الأغنياء لأنّ الله تبارك وتعالى كلّف أهل الصحّة القيام بشأن أهل الزمانة - وهم المرضى - والبلوى كما قال الله تعالى:( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ) (٢) في أموالكم بإخراج الزكاة وفي أنفسكم بتوطين الأنفس على الصبر، مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله عزّ وجل، والطمع في الزيادة مع ما فيه من الرأفة والرحمة لأهل الضعف والعطف على أهل المسكنة، والحث لهم على المواساة، وتقوية الفقراء، والمعونة على أمر الدين، وهم عظة لأهل الغنى وعبرة لهم؛ ليستدلوا على فقراء الآخرة بهم، وما لهم من الحث في ذلك على الشكر لله تبارك وتعالى لما خولهم وأعطاهم، والدعاء والتضرّع والخوف من أن يصيروا مثلهم في أمور كثيرة في أداء الزكاة والصدقات، وصلة الأرحام،

____________________

(١) تأريخ العرب ١ / ١٨٧ ط ٢.

(٢) سورة آل عمران: آية ١٨٦.

٤٨

واصطناع المعروف).

الزكاة نظام اجتماعي خلاّق يحفظ التوازن بين طبقات الأُمّة، ويقضى على داء الفقر الذي هو مأوى لكل جريمة ففي البيئات التي يشيع الفقر فيها تروّج المذاهب المتطرفة وتستحل الأعمال الوحشية.

إنّ الزكاة تطهّر النفوس من البخل والقسوة والأثرة والطمع، وغير ذلك من أرجاس الرذائل الاجتماعية التي تبعث على الفتن والكراهية والعدوان... وقد تحدث الإمامعليه‌السلام عن ثمراتها ومصالحها التي تعود على المجتمع بالخير العميم.

علل بعض المحرمات:

وأدلى الإمامعليه‌السلام بالعلل التي من أجلها حُرّمت بعض الأعمال في الإسلام ذلك فيما كتبه إلى محمد بن سنان عن أجوبة مسائله وهي:

١ - قتل النفس:

قالعليه‌السلام : (وحرّم الله قتل النفس لعلّة فساد الخلق في تحليله لو أحل وفنائهم وفساد التدبير).

تعتبر جريمة القتل العمد من أخطر الجرائم وأشدّها إخلالاً بالأمن وقد حرّمه الإسلام وشدّد في العقوبة على الجاني قال تعالى:( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ) (١) ولو حلّت هذه الجريمة لأوجبت فساد الخلق وفناءهم.

٢ - عقوق الوالدين:

قالعليه‌السلام : (وحرّم الله عقوق الوالدين لما فيه من الخروج عن التوقير...).

إنّ الله تعالى قرن حقوق الوالدين بحقوقه وطاعتهما بطاعته، وإنّ من أفحش المحرّمات عقوقهما والتنكّر لما أسدياه على الولد من ألوان البر والإحسان.

٣ - الزنا:

قالعليه‌السلام : (وحرّم الزنا لما فيه من الفساد من قتل الأنفس وذهاب الأنساب وترك التربية للأطفال، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد).

____________________

(١) سورة البقرة: آية ١٧٩.

٤٩

الزنا من أفحش ألوان الرذائل ووصفه القرآن بالفاحشة قال تعالى:( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) (١) .

والزاني يشكل جريمة على المجتمع الإنساني؛ لأنّه إن نشأ منه طفل فإنّه ينشأ بلا أب يرعاه ويصاب بالعقد النفسية، ويقترف أفظع الجرائم، بالإضافة إلى إضاعة الأنساب، بينما الزواج ناموس طبيعي يفرض على المرء أن يبذل حياته لتربية أطفاله تربية صالحة ليكونوا قرّة عينٍ له.

عقوبة الزاني:

قالعليه‌السلام : (وعلة ضرب الزاني على جسده بأشد الضرب لمباشرته الزنا واستلذاذ كله به فجعل الضرب عقوبة له وعبرة لغيره وهو أعظم الجنايات).

وكان من محاسن التشريع الإسلامي أن شرع العقوبات الصارمة لهذه الرذيلة وهي مائة جلدة لغير المحصن والرجم للمحصن قال تعالى:( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٢).

الشهادة المثبتة للزنا:

قالعليه‌السلام : (والعلّة في شهادة أربعة - أي الشهود - في الزنا واثنين في سائر الحقوق لشدة حد المحصن؛ لأنّ فيه القتل فجعلت الشهادة فيه مضاعفة لما فيه من قتل نفسه وذهاب نسب ولده ولفساد الميراث).

إنّ عقوبة الزنا لا تثبت إلاّ بأربعة شهود عدول يرون حقيقة الزنا بالمشاهدة ولا بد أن يشهدوا جميعاً، فإذا تخلّف واحد منهم تعرض الثلاثة الباقون لعقوبة

القذف والحكمة في هذا التشديد لئلاّ يتجرّأ الناس على اتهام بعضهم بعضاً دون مبالاة.

____________________

(١) سورة الإسراء: آية ٣٢.

(٢) سورة النور: آية ٢.

٥٠

٤ - اللواط والمساحقة:

قالعليه‌السلام : (وعلّة تحريم الذكران للذكران والإناث بالإناث لما ركب في الإناث، وما طبع عليه الذكران، ولما في إتيان الذكران الذكران والإناث الإناث من انقطاع النسل وفساد التدبير وخراب الدنيا).

أمّا اللواط فإنّه من الجرائم الخُلُقية، وفيه خروج عن سنن الطبيعة، وقد سمّاه الله تعالى بالفاحشة قال تعالى:( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ) (١) .

وعقوبة اللواط القتل؛ لأنّ في هذه الجريمة إضاعة الأنساب وخراب الدنيا كما قال الإمامعليه‌السلام .

وأمّا المساحقة فإنّها من الرذائل الخلقية، وفيها شذوذ عن سنّة الله تعالى وخروج عن طبيعة الإنسان.

٥ - النظر إلى شعور النساء:

قالعليه‌السلام : وحرّم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج والى غيرهن من النساء؛ لما فيه من تهيج الرجال، وما يدعو التهييج إليه من الفساد والدخول فيما لا يحل، ولا يحل، وكذلك ما أشبه الشعور إلاّ الذي قال الله تعالى:( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ) (٢) .

أي غير الجلباب فلا بأس بالنظر إلى شعور مثلهن.

إنّ النظر إلى شعر المرأة وزينتها يكهرب الرجل ويدفعه إلى اقتراف الحرام، أمّا النظر إلى شعر العجائز الطاعنات في السن فإنّه لا يبعث غراماً ولا يولّد شهوة؛ فلذا أباحه الإسلام.

٦ - الربا:

وعرض الإمامعليه‌السلام إلى بيان الأسباب والعلل في تحريم الربا؛ وذلك في عدة بيانات وهي:

____________________

(١) سورة العنكبوت: آية ٢٨.

(٢) سورة النور: آية ٦٠.

٥١

أ - قالعليه‌السلام : (وعلّة تحريم الربا: إنّما نهى الله عنه لما فيه من فساد الأموال؛ لأنّ الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهماً وثمن الآخر باطلاً فبيع الربا وكس على كل حال على المشتري وعلى البايع فحرّم الله تبارك وتعالى الربا لعلة فساد الأموال كما حظر عل السفيه أن يدفع ماله إليه لما يتخوف عليه من إفساده حتى يؤنس منه رشده فلهذه العلّة حرم الله الربا وبيع الدرهمين يداً بيد).

ب - قالعليه‌السلام : (وعلّة تحريم الربا بعد البينة لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرم وهي كبيرة بعد البيان، وتحريم الله تعالى لها، ولم يكن ذلك منه - أي من المرابي - إلاّ استخفاف بالتحريم للحرام والاستخفاف بذلك دخول في الكفر).

ج - قالعليه‌السلام : (وعلّة تحريم الربا بالنسيئة لعلّة ذهاب المعروف وتلف الأموال، ورغبة الناس في الربح، وتركهم القرض والفرض، وصنايع المعروف، ولما في ذلك من الفساد والظلم وفناء الأموال).

حرّم الإسلام تحريماً شاملاً الربا واعتبره من أفحش أنواع الظلم وهو يتنافى مع تعاليم الإسلام التي تدعو إلى المعونة والمساعدة والرحمة، والربا يسبب العداوة والبغضاء، وينشر البؤس والفقر بين الناس.

إنّ الربا يؤدّي إلى وجود طبقة رأسمالية في المجتمع تتضخم عندها الأموال وهي لا تعمل ولا تبذل جهداً في الحركة الاقتصادية.

وقد ثبت أنّ الربا وسيلة لاستعمار الشعوب واحتلالها، فالحكومات التي تستقرض تتضاعف عليها الفوائد فتعجز عن تسديدها وتقع بذلك تحت شبكة الاستعمار الذي ينهب الثروات ويترك البؤس شائعاً في البلاد.

وجاء تحريم الربا في القرآن تحريماً قاطعاً، قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً ) (١) ، وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) (٢) .

____________________

(١) سورة آل عمران: آية ١٣٠ - ١٣١.

(٢) سورة البقرة: آية ٢٧٨.

٥٢

وقد لعن الإسلام صاحب رأس المال والمدين والكاتب والشاهد؛ لأنّهما أعانا على ما نهى الله عنه.

٧ - أكل مال اليتيم:

قالعليه‌السلام : (وحرم أكل مال اليتيم ظلماً لعلل كثيرة من وجوه الفساد أول ذلك أنّه إذا أكل الإنسان مال اليتيم ظلماً فقد أعان على قتله؛ إذ اليتيم غير مستغن، ولا محتمل لنفسه ولا علم بشأنه، ولا له مَن يقوم عليه ويكفيه كقيام والديه فإذا أكل ماله فكأنّه قد قتله وصيّره إلى الفقر والفاقة مع ما خوف الله عزّ وجل، وجعل من العقوبة في قوله عزّ وجل:( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ ) (١) .

ولقول أبي جعفرعليه‌السلام : (إنّ الله عزّ وجل وعد في أكل مال اليتيم عقوبتين: عقوبة في الدنيا، وعقوبة في الآخرة ففي تحريم مال اليتيم استبقاء اليتيم واستقلاله بنفسه والسلامة للعقب أن يصيبه ما أصابه لما وعد الله فيه من العقوبة، مع ما في ذلك من طلب اليتيم بثأره إذا أدرك ووقوع الشحناء والعداوة والبغضاء حتى يتفانوا).

لقد شدّد الإسلام في تحريم أكل مال اليتيم وأمر بصيانة أمواله والمحافظة عليها حتى يبلغ، قال تعالى:( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) (٢) .

وقد أدلى الإمامعليه‌السلام بالأسباب الناجمة عن حرمة أكل مال اليتيم.

٨ - السرقة:

قالعليه‌السلام : (وحرمة السرقة لما فيه من فساد الأموال، وقتل الأنفس لو كانت مباحة، ولما تأتي في التغاصب من القتل والتنازع والتحاسد، وما يدعو إلى ترك التجارات والصناعات في المكاسب واقتناء الأموال إذا كان الشيء المقتنى لا يكون أحد أحق به من أحد).

____________________

(١) سورة النساء: آية ٩.

(٢) سورة النساء: آية ٦.

٥٣

أمّا السرقة فهي من أفحش المحرّمات؛ لأنّها أكل لأموال الناس بغير حق فالسارق يأخذ مال الغير الذي أفنى عمره في تحصيله ويترك شبح الفاقة جاثماً عليه، وينعم هو بما سرقه منه وهو من أسوأ ألوان الظلم، وقد جعل الشارع العظيم عقوبة السارق قطع اليد قال تعالى:( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ) (١).

ويشترط في السرقة التي توجب قطع اليد عدّة شروط ذكرها الفقهاء، فإذا توفّرت فتقطع يد السارق.

قطع يد السارق اليمنى:

قالعليه‌السلام : (وعلّة قطع اليمين من السارق، ولأنّه يباشر الأشياء بيمينه، وهي أفضل أعضائه وأنفعها له، فجعل قطعها نكالاً وعبرة للخلق لئلاّ يبغوا أخذ الأموال من غير حلّها، ولأنّه أكثر ما يباشر السرقة بيمينه.

وحرم غصب الأموال وأخذها من غير حلّها لما فيه من أنواع الفساد، والفساد محرم لما فيه من الفناء وغير ذلك من وجوه الفساد).

ولهذه الأسباب الوثيقة التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام فقد أمر الإسلام بقطع يد السارق اليمنى دون اليسرى.

٩ - الخمر:

قالعليه‌السلام : (حرّم الله الخمر لما فيها من الفساد، ومن تغييرها عقول شاربيها وحملها إيّاهم على إنكار الله عزّ وجل، والفرية عليه وعلى رسله وساير ما يكون منهم من الفساد والقتل والقذف والزنا وقلّة الاحتجاز من شيء من الحرام؛ فبذلك قضينا على كل مسكر من الأشربة أنّه حرام محرّم لأنّه يأتي من عاقبتها ما يأتي من عاقبة الخمر فليجتنبه مَن يؤمن بالله واليوم الآخر ويتولاّنا وينتحل مودّتنا فإنّه لا عصمة بيننا وبين شاربيها).

أمّا مضار الخمر على الإنسان وعلى المجتمع فهي كثيرة لا تحصى، وقد حرّمها

____________________

(١) سورة المائدة: آية ٣٨.

٥٤

الإسلام تحريما باتّاً، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ (١) وَالأَنْصَابُ (٢) والأزلام (٣) رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) (٤) .

إنّ الخمر سبب لكل رذيلة ومنشأ لارتكاب كل منكر، وأنّ كثيراً من حوادث الزنا والسرقة وغيرهما من الجرائم تنشأ من الخمر، مضافاً إلى تدميره لصحّة الإنسان فإنّ الكحول التي فيها تتسرب إلى دم الإنسان حتى أنّه لو أخذ مقدار من دم السكران فإنّه يحترق كما يحترق السبيرتو، مضافاً إلى ما يسبّبه من التهاب الجهاز الهضمي وارتفاع الضغط الدموي، وغير ذلك، وقد ذكرنا أضراره الصحيّة في كتابنا(العمل وحقوق العامل في الإسلام) .

١٠ - الميتة:

قالعليه‌السلام : (وحرّمت الميتة لما فيها من فساد الأبدان والآفة الخ...).

أمّا أكل الميتة فهو يسبب كثيراً من الأمراض، وربّما أدّى الأكل منها إلى الوفاة (٥) فإنّ الجراثيم لا تزال ملازمة لها، وإن تعقيم لحم الميتة بطريق النار لا يجدي شيئاً، كما نصّ على ذلك الطب الحديث.

١١ - الدم:

قالعليه‌السلام : (وحرّم الله عزّ وجل الدم كتحريم الميتة لما فيه من فساد الأبدان؛ ولأنّه يورث الماء الأصفر، ويبخر الفم، وينتن الريح، ويسيء الخُلُق، ويورث القسوة للقلب، وقلّة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل والده وصاحبه).

وحرم الإسلام شرب الدم؛ لأنّه يحمل إفرازات وسموماً قاتلة، أمّا إذا أخذ من دم حيوان مريض فإنّ الجراثيم التي فيه تنتقل إلى مَن يتناوله، وبإجماع الأطباء أنّ الدم لا يعتبر غذاءً مطلقاً.

____________________

(١) الميسر: هو القمار.

(٢) حجارة أو أصنام كان العرب يذبحون قرابينهم عندها.

(٣) الأزلام: قطع من الخشب بهيئة السهام كانوا في الجاهلية يستقسمون بها لأجل التفاؤل والتشاؤم.

(٤) سورة المائدة: آية ٩٠.

(٥) الإسلام والطب الحديث للدكتور عبد العزيز إسماعيل (ص ١٧).

٥٥

١٢ - الطحال:

قالعليه‌السلام : (وحرم الطحال؛ لما فيه من الدم، ولأنّ علته وعلّة الدم والميتة واحدة؛ لأنّه يجرى مجراها في الفساد).

أمّا الطحال فقد حرمه الإسلام واعتبره كالدم والميتة؛ وذلك لما يترتب على تناوله من الأضرار والمفاسد لجسم الإنسان كما أفاد الإمامعليه‌السلام .

١٣ - الخنزير والقرد:

قالعليه‌السلام : (وحرم الخنزير؛ لأنّه مشوّه، جعله الله عزّ وجل عظة للخلق وعبرة وتخويفاً ودليلاً على ما مسخ على خلقته، ولأنّ غذاءه أقذر الأقذار مع علل كثيرة.

وكذلك حرم القرد؛ لأنه مسخ مثل الخنزير، وجعل عظة وعبرة للخلق ودليلاً على ما مسخ على خلقته وصورته، وجعل فيه شبهاً من الإنسان ليدل على أنّه من الخلق المغضوب عليهم).

لقد حرم الإسلام لحم الخنزير، وقد أنقذ المسلمين بذلك من شر عظيم يقول بيتي وديسكون: إنّ الإصابة بدودة لحم الخنزير تكاد تكون عامة في جهات خاصة من (فرنسا) و (ألمانيا) و (وإيطاليا) و (بريطانيا)، ولكنّها تكاد تكون نادرة الوجود في البلاد الشرقية؛ لتحريم دين أهلها أكل لحم الخنزير، وينقل لحم الخنزير كذلك مرض (الترنجينا) للإنسان.

وفيما يلي بعض الحقائق عن لحم الخنزير ومدى خطورته:

أ - لا يمكن للطبيب الأخصائي أن يقرّر أنّ خنزيراً غير مصاب بهذه الديدان بل أنّ جميعها مصابة بها.

ب - إنّ الأنثى الواحدة من هذه الديدان تضع (١٥٠٠ جنين) في الغشاء المخاطي المبطّن لأمعاء المصاب فتوزع الملايين المولودة من الإناث جميعاً بطريق الدورة الدموية وتبثها في جميع أجزاء الجسم وتتجمع الأجنة في العضلات.

٥٦

فتسبّب آلاماً شديدة والتهابات عضلية مؤلمة جداً، ويصاب بعد ذلك بأورام خبيثة.

ج - أنّه لا يوجد علاج لهذا المرض، ومضافاً لذلك فإنّ لحم الخنزير ينقل للإنسان بعض الجراثيم العفنة (والبارا تيفود) وهي تسبب للإنسان تسمّماً حاداً مصحوباً بالتهابات شديدة في الجهاز الهضمي قد تسبب الوفاة في بضع ساعات(١) .

١٤ - الأرنب:

قالعليه‌السلام : (وحرم الأرنب؛ لأنّها بمنزلة السنور ولها مخالب كمخالب السنّور وسباع الوحش فجرت مجراها مع قذرها في نفسها، وما يكون منها من الدم كما يكون من النساء؛ لأنّها مسخ).

أمّا الأرنب فحرام أكله، وقد ذكر الإمامعليه‌السلام علل ذلك، ولكنّ بعض المذاهب الإسلامية لم تستقذره وأباحت أكله.

١٥ - سباع الطير والوحش:

قالعليه‌السلام : (وحرم سباع الطير والوحش كلها لأكلها الجيف ولحوم الناس والعذرة وما أشبه ذلك؛ فجعل الله عزّ وجل دلائل ما يحل من الوحش والطير وما حرم كما قال أبيعليه‌السلام : كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير حرام وكل ما كانت له قانصة من الطير فحلال.

وعلّة أخرى يفرق بين ما يحل من الطير وما حرم قولهعليه‌السلام : كل ما دفّ ولا تأكل ما صف).

وحرم الإسلام سباع الطير: كالبازي والرخمة، وكذا يحرم من الطيور ما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية وهي الشوكة خلف رجل الطائر خارجة عن الكف ويكفي وجود واحدة منها في حل الطير(٢) .

وقد علّل الإمامعليه‌السلام الحرمة بأنّها تأكل الجيف ولحوم الناس والعذرة، ويتأثّر لحمها بذلك، فلحومها غير صالحة لمعدة الإنسان.

١٦ - ما أهل به لغير الله:

قالعليه‌السلام : (وحرم ما أُهلّ به لغير الله الذي أوجب الله عزّ وجل

____________________

(١) روح الدين الإسلامي (ص ٤٠٥) ط الثالثة.

(٢) منهاج الصالحين ٢ / ٢٧٤.

٥٧

على خلقه من الإقرار به وذكر اسمه على الذبائح المحلّلة، ولئلاّ يسوى بين ما تقرب به إليه وبين ما جعل عبادة للشياطين، والأوثان؛ لأنّ في تسمية الله عزّ وجل الإقرار بربوبيته وتوحيده وما في الإهلال لغير الله من الشرك به والتقرّب به إلى غيره؛ ليكون ذكر الله وتسميته على الذبيحة فرقاً بين ما يحل الله وبين ما حرّم الله).

لقد حرّم ما أهل به لغير الله تعالى ممّا يتقرّب به إلى الأصنام والأوثان، وهو ما تعمله الجاهلية الأولى التي لا تملك وعياً ولا فكراً، فهي كالبهائم، وقد حرّم الإسلام ذبائحها استقذاراً لأفكارها وأعمالها وأنّ ذبائحهم غير نظيفة ولا صالحة للأكل.

كراهة أكل لحوم البغال:

قالعليه‌السلام : (وكره أكل لحوم البغال والحمير الأهلية لحاجة الناس إلى ظهورها واستعمالها، والخوف من قلّتها، لا لقذر خلقتها، ولا لقذر غذائها).

لقد كره الإسلام أكل لحوم البغال والحمير الأهلية؛ وذلك لأنّهما من أهم وسائل النقل في تلك العصور، وذبحها ممّا يوجب الشحّة في وسائل النقل؛ فلذا كره الإسلام ذبحها، أمّا لحمها فهو صالح للأكل وليس فيه شيء ممّا يوجب الضرر بالصحّة العامّة.

زواج الرجل بأربعة نسوة:

قالعليه‌السلام : (وعلّة تزويج الرجل أربعة نسوة وتحريم أن تتزوج المرأة أكثر من واحد؟

لأنّ الرجل إذا تزوّج أربع نسوة كان الولد منسوباً إليه، والمرأة لو كان لها زوجان وأكثر من ذلك لم يعرف الولد لـمَن هو؟ إذ هم مشتركون في نكاحها، وفي ذلك فساد الأنساب والمواريث والمعارف).

لقد بيّن الإمامعليه‌السلام الحكمة في جواز زواج الرجل بأربع نساء دون المرأة، فليس لها ذلك، فإنّه لو أُبيح لها الزواج بأكثر من زوج واحد في زمان واحد فإنّ مَن يولد منها لـمَن يكون من الزوجين؟ وبذلك تضيع الأنساب وتفسد المواريث.

الطلاق ثلاثاً:

قالعليه‌السلام : (وعلّة الطلاق ثلاثاً لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو سكون غضبه إن كان، وليكون ذلك تخويفاً وتأديباً للنساء وزجراً لهن عن معصية أزواجهن فاستحقّت المرأة الفرقة والمباينة لدخولها

٥٨

فيما لا ينبغي معصية زوجها).

طلاق العدّة هو أن يطلق الرجل زوجته مع اجتماع الشرائط، ثم يراجع قبل خروجها من العدة فيواقعها، ثم يطلقها في طهر آخر فتحرم عليه حتى تنكح زوجاً آخر، وقد ذكر الإمامعليه‌السلام الحكمة في هذا الطلاق وأسبابه.

المطلقة تسع تطليقات:

قالعليه‌السلام : (وعلّة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات، فلا تحل له أبداً عقوبة لئلاّ يتلاعب بالطلاق، ولا يستضعف المرأة، وليكون ناظراً في أموره متيقظاً معتبراً، وليكون يأسا لهما من الاجتماع بعد تسع تطليقات).

المرأة إذا طُلّقت على النحو المذكور في المسألة السابقة فتزوّجها شخص ثم طلقها فتزوجها زوجها الأول فطلقها ثلاثاً، على النهج السابق، حرمت عليه حتى تنكح زوجاً آخر، فإذا تزوجها آخر وطلقها ثم تزوجها زوجها الأول فطلقها ثلاثاً على النهج السابق حرمت عليه مؤبّداً، وقد علّل الإمامعليه‌السلام ذلك بما ذكره، وأمّا إذا كان الطلاق ليس عدياً فإنّها لا تحرم المطلقة مؤبّداً وإن زاد عدد الطلاق على التسع.

ميراث المرأة:

أما ميراث المرأة فإنّها ترث نصف ما يرث الرجل وقد عللعليه‌السلام ذلك بتعليلين وهما:

الأول: قالعليه‌السلام : (وعلّة إعطاء النساء نصف ما يعطي الرجال من الميراث؛ لأنّ المرأة إذا تزوّجت أخذت والرجل يعطي، فلذلك وفر على الرجال).

الثاني: قالعليه‌السلام : (وعلّة أخرى في إعطاء الذكر مثلي ما تعطى الأنثى؛ لأنّ الأنثى في عيال الذكر إن احتاجت، وعليه أن يعولها، وعليه نفقتها، وليس على المرأة أن تعول الرجل، ولا يؤخذ بنفقته إن احتاج فوفر الله تعالى على الرجال لذلك، وذلك قول الله عزّ وجل:( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا ) (١) .

بما أنّ الرجل مسؤول عن الإنفاق على المرأة بما تحتاجه من المسكن والطعام

____________________

(١) سورة النساء: آية ٢٣٤.

٥٩

واللباس، وغير ذلك ممّا ذكره الفقهاء؛ فلذا كان ميراثها نصف ميراث الرجل كما أفاد الإمامعليه‌السلام ، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن علل بعض الأحكام التي أُثرت عن الإمامعليه‌السلام .

أحوال الأنبياء والأمم السالفة:

وسُئل الإمامعليه‌السلام عن علل أحوال بعض الأنبياء والأمم السالفة فأجاب وفيما يلي بعضها:

غرق فرعون:

روى إبراهيم بن محمد الهمداني قال: قلت لأبي الحسن على بن موسى الرضاعليه‌السلام : لأيّ علّة أغرق الله عزّ وجل فرعون، وقد آمن به وأقرّ بتوحيده؟

قالعليه‌السلام : (لأنّه آمن عند رؤية البأس، والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول؛ وذلك حكم الله تعالى في السلف والخلف، قال الله عزّ وجل: ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ) (١) وقال عزّ وجل: ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ) (٢) وهكذا فرعون لما أدركه الغرق قال: ( آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فقيل له: ( آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) (٣) .

وقد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد وقد لبسه على بدنه، فلمّا أغرق ألقاه الله على نجوة من الأرض ببدنه ليكون لـمَن بعده علامة، فيرونه مع ثقله بالحديد على مرتفع من الأرض وسبيل التثقيل أن يرسب ولا يرتفع وكان ذلك آية وعلامة.

ولعلّة أخرى أغرق الله عزّ وجل فرعون وهي أنّه استغاث بموسى لـمّا أدركه الغرق، ولم يستغث بالله، فأوحى الله عزّ وجل إليه: يا موسى لم تغث فرعون؟ لأنّك لم

____________________

(١) سورة المؤمن: آية ٨٤ - ٨٥.

(٢) سورة الأنعام: آية ١٥٨.

سورة يونس: آية ٩٠ - ٩٢.

٦٠

مصنف هذا الكتاب له كتاب « الجمعة وما ورد فيه من الاعمال » ، وكتاب « الكوفة وما فيها من الاثار والفضائل » ، وكتاب « أنساب بني نصر بن قعين وأيامهم وأشعارهم » ، وكتاب « مختصر الانوار » و « مواضع النجوم التي سمتها العرب »(1) .

وقد ذكر في ديباجة الكتاب الحوافز التي دعته الى تأليف فهرسه وقال : « فأني وقفت على ما ذكره السيد الشريف ـ أطال الله بقاه وأدام توفيقه ـ من تعيير قوم من مخالفينا أنه لا سلف لكم ولا مصنف ، وهذا قول من لا علم له بالناس. ولا وقف على أخبارهم ، ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم ، ولا لقي أحداً فيعرف منه ولا حجة علينا لمن لا يعلم ولا عرف ، وقد جمعت من ذلك ما استطعته ولم أبلغ غايته ، لعدم أكثر الكتب وانما ذكرت ذلك عذراً الى من وقع اليه كتاب لم أذكره الى أن قال : على أن لاصحابنارحمهم‌الله في بعض هذا الفن كتباً ليست مستغرقة لجميع ما رسم ، وأرجو أن يأتي في ذلك على ما رسم وحُدَّ ان شاء الله ، وذكرت لكل رجل طريقاً واحداً حتى لا يكثر الطرق فيخرج عن الغرض(2) .

اقول : الرجل نقاد هذا الفن ومن أجلائه وأعيانه ، وحاز قصب السبق في ميدانه ، قال العلاّمة في الخلاصة : « ثقة معتمد عليه ، له كتاب الرجال نقلنا منه في كتابنا هذا وغيره أشياء كثيرة ، وتوفي بمطير آباد في جمادي الاولى سنة خمسين واربعمائة وكان مولده في صفر سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة(3) .

وقد اعتمد عليه المحقق في كتاب المعتبر. فقد قال في غسالة ماء الحمام : « وابن جمهور ضعيف جداً ذلك النجاشي في كتاب الرجال »(4) .

__________________

1 ـ رجال النجاسي : الرقم 253.

2 ـ رجال النجاشي : 3.

3 ـ رجال العلامة : 20 ـ 21 ، طبعة النجف.

4 ـ المعتبر : 1 / 92.

٦١

وأطراه كل من تعرض له ، فهو أبو عذر هذا الامر وسابق حلبته كما لا يخفى ، ولكتابه هذا امتيازات نشير اليها :

الاول : اختصاصه برجال الشيعة كما ذكر في مقدمته ، ولا يذكر من غير الشيعي إلا إذا كان عامياً روى عنا ، أو صنف لنا فيذكره مع التنبيه عليه ، كالمدائني والطبري وكذا في شيعي غير امامي فيصرح كثيراً وقد يسكت.

الثاني : تعرضه لجرح الرواة وتعديلهم غالباً استقلالاً أو استطراداً ، ورب رجل وثقه في ضمن ترجمة الغير ، وربما أعرض عن التعرض بشيء من الوثاقة والضعف في حق بعض من ترجمهم.

نعم ، ربما يقال : كل من أهمل فيه القول فذلك آية ان الرجل عنده سالم عن كل مغمز ومطعن ، ولكنه غير ثابت ، حيث ان كتابه ليس الا مجرد فهرس لمن صنف من الشيعة أو صنف لهم دون الممدوحين والمذمومين ، وليس يجب على مؤلف حول الرجال ، أن يتعرض للمدح والذم ، فسكوته ليس دليلاً على المدح ولا على كونه شيعياً امامياً ، وان كان الكتاب موضوعاً لبيان الشيعة أو من صنف لهم ، لكن الاخير ( عدم دلالته على كونه شيعياً امامياً ) موضع تأمل ، لتصريحه بأن الكتاب لبيان تآليف الاصحاب ومصنفاتهم ، فما دام لم يصرح بالخلاف يكون الاصل كونه امامياً.

الثالث : تثّبته في مقالاته وتأمله في افاداته ، والمعروف أنه أثبت علماء الرجال وأضبطهم واضبط من الشيخ والعلاّمة ، لان البناء على كثرة التأليف يقتضي قلة التأمل. وهذا الكلام وان كان غير خال عن التأمل لكنه جار على الغالب.

الرابع : سعة معرفته بهذا الفن ، وكثرة اطلاعه بالاشخاص ، وما يتعلق بهم من الاوصاف والانساب وما يجري مجراهما ، ومن تتبع كلامه عند ذكر الاشخاص يقف على نهاية معرفته بأحوال الرجال وشدة احاطته بما يتعلق بهذا

٦٢

المجال من جهة معاصرته ومعاشرته لغير واحد منهم ، كما يشهد استطراقه ذكر امور لا يطلع عليها الا المصاحب ولا يعرفها غير المراقب الواجد(1) .

وقد حصل له هذا الاطلاع الواسع بصحبته كثيراً من العارفين بالرجال كالشيخ أحمد بن الحسين الغضائري ، والشيخ أحمد بن علي بن عباس بن نوح السيرافي(2) ، وأحمد بن محمد « ابن الجندي »(3) ، وابي الفرج محمد بن علي بن يعقوب بن اسحاق بن ابي قرة الكاتب(4) ، وغيره من نقاد هذا الفن وأجلائه(5) .

الخامس : أنه ألف فهرسه بعد فهرس الشيخ الطوسي بشهادة أنه ترجمه وذكر فيه فهرس الشيخ(6) والسابر في فهرس النجاشي يقف على أنه كان ناظراً لفهرس معاصره ولعل بعض ما جاء فيه ـ مخالفاً لما في فهرس الشيخ ـ كان لغاية التصحيح ، وكان المحقق البروجرديقدس‌سره يعتقد بأن فهرس النجاشي كالذيل لفهرس الشيخ.

وأخيراً نقول : إن المعروف في وفاته هو أنه توفّي عام 450 هـ ، ونص عليه العلاّمة في خلاصته ، لكن القارئ يجد في طيّات الكتاب أنه أرخ فيه وفاة محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري عام 463 هـ(7) . ولازم ذلك أن يكون حيّاً الى هذه السنة ، ومن المحتمل أن تكون الزيادة من النسّاخ أو القرّاء ، وكانت

__________________

1 ـ لاحظ ترجمة سليمان بن خالد ، الرقم 484 ، وترجمة سلامة بن محمد ، الرقم 514 ، في نفس الكتاب تجد مدى اطلاعه على أحوال الرجال.

2 ـ رجال النجاشي : الرقم 109.

3 ـ قال في رجاله بالرقم 206 : أحمد بن محمد بن عمران بن موسى ، ابو الحسن المعروف بـ « ابن الجندي » استاذنارحمه‌الله الحقنا بالشيوخ في زمانه.

4 ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم 1066

5 ـ لاحظ سماء المقال : 1 / 59 ـ 66.

6 ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم 1068.

7 ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم 1070.

٦٣

الزيادة في الحاشية ، ثمَّ أدخلها المتأخرون من النساخ في المتن زاعمين أنه منه كما اتفق ذلك في غير مورد.

ثم إن الشيخ النجاشي قد ترجم عدَّة من الرواة ووثقهم في غير تراجمهم ، كما أنه لم يترجم عدَّة من الرواة مستقلا ، ولكن وثقهم في تراجم غيرهم ، ولاجل اكمال البحث عقدنا العنوانين التاليين لئلاً يفوت القارئ فهرس الموثوقين في تراجم غيرهم :

الأول : من لهم تراجم ولكن وثّقوا في تراجم غيرهم.

1 ـ أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان الزراري ، وثقه في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك ( الرقم 313 ).

2 ـ سلمة بن محمد بن عبدالله الخزاعي ، وثَّقه في ترجمة أخيه منصور بن محمد ( الرقم 1099 ).

3 ـ شهاب بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابن أخيه اسماعيل بن عبد الخالق ( الرقم 50 ).

4 ـ صالح بن خالد المحاملي الكناسي ، وثَّقه في باب الكُنى في ترجمة ابي شعيب المحاملي ( الرقم 1240 ).

5 ـ عمرو بن منهال بن مقلاص القيسي ، وثَّقه في ترجمة ابنه حسن بن عمرو بن منهال ( الرقم 133 ).

6 ـ محمد بن عطية الحناط ، وثقه في ترجمة أخيه الحسن بن عطية الحناط ( الرقم 93 ).

7 ـ محمد بن همام بن سهيل الاسكافي ، وثقه في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك الفزاري ( الرقم 313 ).

الثاني : من ليس لهم ترجمة ولكن وثَّقوا في تراجم الغير :

٦٤

1 ـ أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي ، وثقه في ترجمة ابنه الحسن ( الرقم 151 ).

2 ـ اسد بن اعفر المصري ، وثقه في ترجمة ابنه داود ( الرقم 414 ).

3 ـ اسماعيل بن أبي السمال الاسدي ، وثقه في ترجمة أخيه إبراهيم ( الرقم 30 ).

4 ـ اسماعيل بن الفضل بن يعقوب النوفلي ، وثقه في ترجمة ابن أخيه الحسين بن محمد بن الفضل ( الرقم 131 ).

5 ـ جعفر بن إبراهيم الطالبي الجعفري ، وثقه في ترجمة ابنه سليمان ( الرقم 483 ).

6 ـ حسن بن ابي سارة الرواسي ، وثقه في ترجمة ابنه محمد ( الرقم 883 ).

7 ـ حسن بن شجرة بن ميمون الكندي ، وثقه في ترجمة اخيه علي ( الرقم 720 ).

8 ـ حسن بن علوان الكلبي ، وثقه في ترجمة اخيه الحسين ( الرقم 116 ).

9 ـ حسن بن محمد بن خالد الطيالسي ، وثقه في ترجمة اخيه عبد الله ( الرقم 572 ).

10 ـ حفص بن سابور الزيّات ، وثقه في ترجمة اخيه بسطام ( الرقم 280 ).

11 ـ حفص بن سالم ، وثقه في ترجمة أخيه عمر ( الرقم 758 ).

12 ـ حيّان بن علي العنزي ، وثقه في ترجمة أخيه مندل ( الرقم 1131 ).

٦٥

13 ـ زكريا بن سابور الزيات ، وثقه في ترجمة أخيه بسطام ( الرقم 280 ).

14 ـ زياد بن سابور الزيّات ، وثقه في ترجمة أخيه بسطام ( الرقم 280 ).

15 ـ زياد بن أبي الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابن ابنه رافع ابن سلمة ( الرقم 447 ).

16 ـ زياد بن سوقة العمري ، وثقه في ترجمة أخيه حفص ( الرقم 348 ).

17 ـ سلمة بن زياد بن أبي الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابنه رافع ( الرقم 447 ).

18 ـ شجرة بن ميمون بن ابي أراكة الكندي ، وثقه في ترجمة ابنه علي ( الرقم 720 ).

19 ـ صباح بن موسى الساباطي ، وثقه في ترجمة أخيه عمار ( الرقم 779 ).

20 ـ عبد الاعلى بن علي أبي شعبة الحلبي ، وثقه في تراجم ابن عمه أحمد بن عمر ( الرقم 245 ) وأخويه عبيدالله ( الرقم 612 ) ومحمد ( الرقم 885 ).

21 ـ عبد الخالق بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم 50 ).

22 ـ عبد الرحمن بن أبي عبدالله البصري ، وثقه في ترجمة ابن ابنه اسماعيل بن همام ( الرقم 62 ).

23 ـ عبد الرحيم بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابن اخيه اسماعيل بن عبد الخالق ( الرقم 50 ).

24 ـ عبدالله بن رباط البجلي ، وثقه في ترجمة ابنه محمد ( الرقم 955 ).

٦٦

25 ـ عبدالله بن عثمان بن عمرو الفزاري ، وثقه في ترجمة أخيه حمّاد ( الرقم 371 ).

26 ـ عبد الملك بن سعيد الكناني ، وثقه في ترجمة أخيه عبدالله ( الرقم 565 ).

27 ـ عبد الملك بن عتبة النخعي ، وثقه في ترجمة عبد الملك بن عتبة الهاشمي ( الرقم 635 ).

28 ـ علي بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في ترجمة ابنه عبيدالله ( الرقم 612 ).

29 ـ علي بن بشير ، وثقه في ترجمة أخيه محمد ( الرقم 927 ).

30 ـ علي بن عطية الحناط ، وثقه في ترجمة أخيه الحسن ( الرقم 93 ).

31 ـ عمران بن علي بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في تراجم ابن عمه أحمد بن عمر ( الرقم 245 ) وأخويه عبيد الله ( الرقم 612 ) ومحمد ( الرقم 885 ).

32 ـ عمر بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في ترجمة ابن اخيه عبيدالله بن علي ( الرقم 612 ).

33 ـ عمرو بن مروان اليشكري ، وثقه في ترجمة أخيه عمّار ( الرقم 780 ).

34 ـ قيس بن موسى الساباطي ، وثقه في ترجمة أخيه عمّار ( الرقم 779 ).

35 ـ أبو خالد ، محمد بن مهاجر بن عبيد الأزدي ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم 46 ).

٦٧

36 ـ محمد بن الهيثم العجلي ، وثقه في ترجمة ابن ابنه الحسن بن أحمد ( الرقم 151 ).

37 ـ محمد بن سوقة العمري ، وثقه في ترجمة أخيه حفص ( الرقم 348 ).

38 ـ معاذ بن مسلم بن أبي سارة ، وثقه في ترجمة ابن عمّه محمد بن الحسن ( الرقم 883 ).

39 ـ همّام بن عبد الرحمن بن ميمون البصري ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم 62 ).

40 ـ يعقوب بن إلياس بن عمرو البجلي ، وثقه في ترجمة اخيه عمرو ( الرقم 772 ).

41 ـ ابو الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابن حفيده رافع بن سلمة بن زياد ( الرقم 447 ).

42 ـ ابو شعبة الحلبي ، وثَّقه في ترجمة ابن ابنه عبيدالله بن علي ( الرقم 612 ).

43 ـ ابو عامر بن جناح الأزدي ، وثقه في ترجمة اخيه سعيد ( الرقم 512 ).

3 ـ رجال الشيخ

تأليف الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ( المولود عام 385 هـ ، والمتوفّى عام 460 هـ ) فقد جمع في كتابه « أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمةعليهم‌السلام » حسب ترتيب عصورهم.

يقول المحقّق التستري ـ دام ظله ـ : « إن مسلك الشيخ في رجاله يغاير

٦٨

مسلكه في الفهرس ومسلك النجاشي في فهرسه ، حيث إنه أراد في رجاله استقصاء اصحابهم ومن روى عنهم مؤمناً كان او منافقاً ، إمامياً كان او عامياً ، فعدَّ الخلفاء ومعاوية وعمرو بن العاص ونظراءهم من اصحاب النبي ، وعدَّ زياد بن ابيه وابنه عبيدالله بن زياد من اصحاب أمير المؤمنين ، وعدَّ منصوراً الدوانيقي من اصحاب الصادقعليه‌السلام بدون ذكر شيء فيهم ، فالاستناد اليه ما لم يحرز إمامية رجل غير جائز حتى في اصحاب غير النبي وأمير المؤمنين ، فكيف في أصحابهما؟! »(1) .

ومع ذلك فلم يأت بكل الصحابة ، ولا بكل أصحاب الائمة ، ويمكن أن يقال : ان الكتاب حسب ما جاء في مقدمته أُلف لبيان الرواة عن الائمة ، فالظاهر كون الراوي إمامياً ما لم يصرح بالخلاف أو لا أقل شيعياً فتدبر.

وكان سيدنا المحقق البروجردي يقول : « ان كتاب الرجال للشيخ كانت مذكرات له ولم يتوفق لاكماله ، ولاجل ذلك نرى انه يذكر عدة أسماء ولا يذكر في حقهم شيئاً من الوثاقة والضعف ولا الكتاب والرواية ، بل يعدهم من أصحاب الرسول والائمة فقط ».

4 ـ فهرس الشيخ

وهو لهقدس‌سره فقد أتى بأسماء الذين لهم أصل أو تصنيف(2) .

ان الشيخ الطوسي مؤلف الرجال والفهرس أظهر من أن يعرّف ، اذ هو الحبر الذي تقتطف منه أزهار العلوم ، ويقتبس منه أنواع الفضل ، فهو رئيس المذهب والملة ، وشيخ المشايخ الاجلة ، فقد أطراه كل من ذكره ، ووصفه بشيخ الطائفة على الاطلاق ، ورئيسها الذي تلوي اليه الاعناق. صنَّف في

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 19.

2 ـ سيوافيك الفرق بين الاصل والتصنيف في الابحاث الاتية.

٦٩

جميع علوم الاسلام ، فهو مضافاً الى اختيار الكشي ، صنف الفهرس والرجال.

أما الفهرس فهو موضوع لذكر الاصول والمصنفات ، وذكر الطرق اليها غالباً وهو يفيد من جهتين :

الاولى : في بيان الطرق الى نفس هذه الاصول والمصنفات.

الثانية : ان الشيخ نقل في التهذيب روايات من هذه الاصول والمصنفات ، ولم يذكر طريقه إلى تلك الأُصول والمصنفات ، لا في نفس الكتاب ولا في خاتمة الكتاب ، ولكن ذكر طريقه إليها في الفهرس ، بل ربما يكون مفيداً من وجه ثالث وهو أنه ربما يكون طريق الشيخ الى هذه الاصول والمصنفات ضعيفاً في التهذيب ، ولكنه صحيح في الفهرس ، فيصح توصيف الخبر بالصحة لاجل الطريق الموجود في الفهرس ، لكن بشرط أن يعلم أن الحديث مأخوذ من نفس الكتاب. وعلى كل تقدير فالفهرس موضوع لبيان مؤلفي الشيعة على الاطلاق سواء كان امامياً أو غيره.

قال في مقدمته : « فاذا ذكرت كل واحد من المصنفين واصحاب الاصول فلا بد أن اشير الى ما قيل فيه من التعديل والتجريح ، وهل يعوّل على روايته أو لا؟ وابين اعتقاده وهل هو موافق للحق أو هو مخالف له؟ لان كثيراً من مصنفي أصحابنا وأصحاب الاصول ينتحلون المذاهب الفاسدة وان كانت كتبهم معتمدة ، فأذا سهل الله اتمام هذا الكتاب فأنّه يطلع على اكثر ما عمل من التصانيف والاصول ويعرف به قدر صالح من الرجال وطرائقهم »(1) .

ولكنهقدس‌سره لم يف بوعده في كثير من ذوي المذاهب الفاسدة فلم يقل في إبراهيم بن أبي بكير بن أبي السمال شيئاً مع أنه كان واقفياً كما

__________________

1 ـ الفهرس : « الطبعة الاولى » الصفحة 2 و : « الطبعة الثانية » الصفحة 24 ـ 25.

٧٠

صرح به الكشي والنجاشي ، ولم يذكر شيئاً في كثير من الضعفاء حتّى في مثل الحسن بن علي السجاد الذي كان يفضّل أبا الخطّاب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنجاشي مع أنه لم يعد ذلك في أول كتابه ، أكثر ذكراً منه بفساد مذهب الفاسدين وضعف الضعفاء(1) .

5 ـ رجال البرقي

كتاب الرجال للبرقي كرجال الشيخ ، ذكر فيه أسماء أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة الى الحجة صاحب الزمانعليهم‌السلام ولا يوجد فيه أي تعديل وتجريح ، وذكر النجاشي في عداد مصنفات البرقي كتاب الطبقات ، ثم ذكر ثلاثة كتب اخر ثم قال : « كتاب الرجال » ( الرقم 182 ).

والموجود هو الطبقات المعروف برجال البرقي ، المطبوع مع رجال أبي داود في طهران ، واختلفت كلماتهم في أن رجال البرقي هل هو تأليف أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن ( المتوفّى عام 274 هـ أو عام 280 هـ ) أو تأليف أبيه ، والقرائن تشهد على خلاف كلتا النظريتين واليك بيانها :

1 ـ انه كثيراً ما يستند في رجاله الى كتاب سعد بن عبدالله بن أبي خلف الاشعري القمي ( المتوفّى 301 هـ أو 299 هـ ) وسعد بن عبدالله ممن يروي عن أحمد بن محمد بن خالد فهو شيخه ، ولا معنى لاستناد البرقي الى كتاب تلميذه(2) .

2 ـ وقد عنون فيه عبدالله بن جعفر الحميري وصرح بسماعه وهو مؤلف قرب الاسناد وشيخ القميين ، وهو يروي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، فيكون البرقي شيخه ، فكيف يصرح بسماعه منه؟(3) .

__________________

1 ـ لاحظ قاموس الرجال : 1 / 18.

2 ـ رجال البرقي : 23 ، 32 ، 34 ، 35 ، 46 ، 53.

3 ـ رجال البرقي : 60 ، 61.

٧١

3 ـ وقد عنون فيه أحمد بن أبي عبدالله ، وهو نفس أحمد بن محمد بن خالد البرقي المعروف ، ولم يذكر أنه مصنف الكتاب كما هو القاعدة فيمن يذكر نفسه في كتابه ، كما فعل الشيخ والنجاشي في فهرسيهما والعلاّمة وابن داود في كتابيهما(1) .

4 ـ وقد عنون محمد بن خالد ولم يشر الى أنه أبوه(2) .

وهذه القرائن تشهد أنه ليس تأليف البرقي ولا والده ، وهو إمّا من تأليف ابنه أعني أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي ـ الذي يروي عنه الكليني ، أو تأليف نجله ـ أعني أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي ـ الّذي يروي عنه الصدوق ، والثاني أقرب لعنوانه سعداً والحميري اللذين يعدان معاصرين للابن وفي طبقة المشيخة للنَّجل(3) .

6 ـ رسالة أبي غالب الزراري

وهي رسالة للشيخ أبي غالب ، أحمد بن محمد الذي ينتهي نسبه الى بكير بن أعين. وهذه الرسالة في نسب آل أعين ، وتراجم المحدثين منهم ، كتبها أبو غالب الى ابن ابنه « محمد بن عبدالله بن أبي غالب » وهي اجازة منه سنة 356 هـ ، ثمَّ جدَّدها في سنة 367هـ ، وتوفي بعد ذلك بسنة ( اي سنة 368هـ ) وكانت ولادته سنة 285 هـ ، ذكر في تلك الرسالة بضعة وعشرين من مشايخه ، منهم : جدّه أبو طاهر الذي مات سنة 300 هـ(4) ، ومنهم : عبدالله بن جعفر الحميري الذي ورد الكوفة سنة 297 هـ(5) .

__________________

1 ـ رجال البرقي : 57 ـ 59.

2 ـ رجال البرقي : 50 ، 54 ، 55.

3 ـ لاحظ قاموس الرجال : 1 / 31.

4 ـ رسالة في آل أعين : 38 ، من النسخة المطبوعة مع شرح العلاّمة الابطحي.

5 ـ رسالة في آل أعين : 38.

٧٢

وفي أواخر الرسالة ذكر فهرس الكتب الموجودة عنده ، التي يرويها هو عن مؤلفيها ، وتبلغ مائة واثنين وعشرين كتابا وجزءاً ، واجاز لابن ابنه المذكور روايتها عنه وقال : « ثبت الكتب التي أجزت لك روايتها على الحال التي قدَّمت ذكرها »(1) .

قال العلاّمة الطهراني : « وفي هذا الكتاب تراجم كثيرة من آل أعين الذين كان منهم في عصر واحد اربعون محدثاً. قال فيه : ولم يبق في وقتي من آل أعين أحدٌ يروي الحديث ، ولا يطلب العلم ، وشححت على أهل هذا البيت الذي لم يخل من محدث أن يضمحل ذكرهم ، ويدرس رسمهم ، ويبطل حديثهم من أولادهم »(2) .

وبالجملة ، هذه الرسالة مع صغر حجمها تعدّ من الاصول الرجالية وهي بعينها مندرجة في « كشكول » المحدث البحراني.

وطبعت أخيراً مع شرح العلاّمة الحجة السيد محمد علي الابطحي ـ شكر الله مساعيه ـ وفيه فوائد مهمة.

7 ـ مشيخة الصدوق

وهي تأليف الشيخ الصَّدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه المولود بدعاء الحجة صاحب الزمان ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ عام 306 هـ ، والمتوفّى عام 381 هـ ، وهو أوسط المحمدين الثلاثة المصنفين للكتب الاربعة ، وهو قد سلك في كتابه هذا مسلكاً غير ما سلكه الشيخ الكليني ، فإن ثقة الاسلام يذكر جميع السند غالباً إلا قليلاً ، اعتماداً على ما ذكره في الاخبار السابقة ، واما الشيخ الصدوق في كتاب « من لا يحضره

__________________

1 ـ رسالة في آل عين : 45.

2 ـ رسالة في آل أعين : 42.

٧٣

الفقيه » فهو بنى من أول الامر على اختصار الاسانيد ، وحذف اوائل الاسناد ، ثم وضع في آخره مشيخة يعرف بها طريقه إلى من روى عنه ، فهي المرجع في اتصال سنده في أخبار هذا الكتاب ، وهذه المشيخة احدى الرسائل الرجالية التي لا تخلو من فوائد ، وقد أدرجها الصدوقرحمه‌الله في آخر كتابه « من لا يحضره الفقيه ».

8 ـ مشيخة الشيخ الطوسي في كتابي : التهذيب والاستبصار

وهي كمشيخة الصدوق ، فقد صدر الشيخ أحاديث الكتابين بأسماء اصحاب الاصول والمصنفات ، وذكر سنده اليهم في مشيخة الكتابين التي جعلها في آخر كل من الكتابين. وسيوافيك البحث حول المشيختين.

توالي التأليف في علم الرجال

وقد توالى التأليف في علم الرجال بعد هذه الاصول الثمانية ، ولكن لا يقاس في الوزن والقيمة بها ، ولاجل ذلك يجب الوقوف عليها واستخراج ما فيها من النصوص في حق الرواة ، وسيوافيك وجه الفرق بين هذه الكتب وما ألف بعدها وقيمة توثيق المتأخرين.

الفرق بين الرجال والفهرس

قد أومأنا إلى ان الصحيح هو تسمية كتاب النجاشي بالفهرس لا بالرجال ، ولإكمال البحث نقول :

الفرق بين كتاب الرجال وفهرس الاصول والمصنفات ، أن الرجال ما كان مبنياً على بيان طبقات اصحابهمعليهم‌السلام (1) كما عليه رجال الشيخ ،

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 33 ، واضاف : ان اصل رجال الكشي كان على الطبقات والظاهر انه يكفي في هذا النوع من التأليف ذكر الاشخاص على ترتيب الطبقات وان لم يكن على طبقات اصحابهمعليهم‌السلام ، والموجود من الكشي هو النمط الاول.

٧٤

حيث شرع بتدوين أسماء اصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم الامام عليعليه‌السلام وهكذا.

وأما الفهارس ; فيكتفي فيها بمجرد ذكر الاصول والمصنفات ومؤلفيها وذكر الطرق اليها ، ولاجل ذلك ترى النجاشي يقول في حق بعضهم ، « ذكره اصحاب الفهرس » ، وفي بعضهم : « ذكره اصحاب الرجال » ، ويؤيد ذلك ما ذكره نفس النجاشي وفي مقدمة الجزء الاول من الكتاب(1) وفي اول الجزء الثاني منه حيث يصفه بقوله : « الجزء الثاني من كتاب فهرس اسماء مصنفي الشيعة وذكر طرف من كناهم وألقابهم ومنازلهم وأنسابهم وما قيل في كل رجل منهم من مدح أو ذمّ »(2) .

قال المحقّق التستري : « إن كتب فن الرجال العامّ على انحاء : منها بعنوان الرجال المجرد ومنها بعنوان معرفة الرجال ، ومنها بعنوان تاريخ الرجال ، ومنها بعنوان الفهرس ، ومنها بعنوان الممدوحين والمذمومين ، ومنها بعنوان المشيخة ، ولكل واحد موضوع خاص »(3) .

__________________

1 ـ رجال النجاشي : 3.

2 ـ رجال النجاشي : 211.

3 ـ قاموس الرجال : 1 / 18.

٧٥
٧٦

2 ـ رجال ابن الغضائري

* ترجمة الغضائري.

* ترجمة ابن الغضائري.

* كيفية وقوف العلماء على كتاب الضعفاء.

* هل الكتاب للغضائري او لابنه؟

* الضعفاء رابع كتبه.

* قيمته عند العلماء.

٧٧
٧٨

من الكتب الرجالية المؤلفة في العصور المتقدمة التي تعد عند البعض من أمهات الكتب الرجالية ، الكتاب الموسوم بـ « رجال الغضائري » تارة و « رجال ابن الغضائري » اخرى ، وليس هو إلا كتابُ « الضعفاء » الذي أدرجه العلاّمة في خلاصته ، والقهبائي في مجمعه. ولرفع السّتر عن وجه الحقيقة يجب الوقوف على امور.

واليك البحث عنها واحداً بعد الاخر :

أ ـ ترجمة الغضائري

الحسين بن عبيدالله بن إبراهيم الغضائري من رجال الشيعة وهو معني في كتب الرجال بإكبار.

قال النجاشي : « شيخنارحمه‌الله له كتب » ثم ذكر أسماء تآليفه البالغة الى أربعة عشر كتاباً ولم يسمّ أي كتاب في الرجال ، ثم قال : « اجازنا جميعها وجميع رواياته عن شيوخه وماترحمه‌الله في منتصف شهر صفر سنة احدى عشر وأربعمائة »(1) .

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 166.

٧٩

وقال الشيخ في رجاله : « الحسين بن عبيدالله الغضائري يكنى أبا عبد الله كثير السماع ، عارف بالرجال وله تصانيف ذكرناها في الفهرس ، سمعنا منه وأجاز لنا بجميع رواياته. مات سنة احدى عشرة وأربعمائة »(1) . ولكن النسخ الموجودة من الفهرس خالية من ترجمته ولعل ذلك صدر منهرحمه‌الله سهواً ، أو سقط من النسخ المطبوعة ، ولا يخفى أن هذه التعابير دالة على وثاقة الرجل. بل يكفي كونه من مشايخ النجاشي والشيخ ، وقد ثبت في محله ـ وسيوافيك ـ أن مشايخ النجاشي كلهم ثقات.

ب ـ ترجمة ابن الغضائري

هو أحمد بن الحسين بن عبيدالله ذكره الشيخ في مقدمة الفهرس وقال : « اني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرس كتب اصحابنا وما صنفوه من التصانيف ورووه من الاصول ، ولم أجد أحداً استوفى ذلك الا ما قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيداللهرحمه‌الله فانه عمل كتابين ، أحدهما ذكر فيه المصنفات والاخر ذكر فيه الاصول ، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه ، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم هو وعمد بعض ورثته الى اهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه »(2) .

وهذه العبارة تفيد أنه قد تلف الكتابان قبل استنساخهما ، غير أن النجاشي كما سيوافيك ينقل عنه بكثرة والمنقول عنه غير هذين الكتابين كما سيوافيك بيانه.

ويظهر من النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسين الصيقل أنه اشترك مع ابن الغضائري في الاخذ عن والده وغيره حيث قال : « له كتب لا يعرف منها الا

__________________

1 ـ رجال الشيخ : 470 ، الرقم 52.

2 ـ ديباجة فهرس الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 1 ـ 2 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 23 ـ 24.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375