حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)15%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 375

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 204612 / تحميل: 8465
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

تخلقه ولو استغاث بي لأغثته).

غرق الدنيا أيام نوح:

روى عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضاعليه‌السلام : يا بن رسول الله لأيّ علّة أغرق الله عزّ وجل الدنيا كلها في زمن نوح وفيهم الأطفال، وفيهم مَن لا ذنب له؟

قالعليه‌السلام : (ما كان فيهم الأطفال؛ لأنّ الله عزّ وجل أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاماً فانقطع نسلهم، فغرقوا ولا طفل فيهم، وما كان الله عزّ وجل ليهلك بعذابه مَن لا ذنب له، وأمّا الباقون من قوم نوح فأغرقوا بتكذيب المكذبين، ومَن غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهده وأتاه).

معجزة موسى:

قال ابن السكيت للإمام الرضاعليه‌السلام : لماذا بعث الله عزّ وجل موسى بن عمران بالعصا ويده البيضاء آلة السحر، وبعث عيسى بالطب، وبعث محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بالكلام والخطب؟

فقالعليه‌السلام : (إنّ الله تبارك وتعالى لـمّا بعث موسى كان الأغلب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله عزّ وجل بما لم يكن عند القوم وفي وسعهم مثله، وبما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجّة عليهم، وإنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى في وقت ظهرت فيه الزمانات - وهي العلل والأمراض - احتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند الله عزّ وجل بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيا لهم الموتى وأبرأ لهم الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى، وأثبت به الحجّة عليهم وإن الله تبارك وتعالى بعث محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام، فأتاهم من كتاب الله عزّ وجل ومواعظه وأحكامه، ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجّة عليهم).

وبهر ابن السكيت وراح يقول: تالله ما رأيت مثلك اليوم قط فما الحجّة على الخلق اليوم؟

فقالعليه‌السلام : (العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه).

فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب...

٦١

أولو العزم:

قالعليه‌السلام : (إنّما سُمّي أُولو العزم بأُولي العزم لأنّهم كانوا أصحاب الشرائع والعزايم؛ وذلك أنّ كل نبي بعد نوح وكل نبي كان في أيام إبراهيم وبعده كان على شريعته ومنهاجه وتابعاً لكتابه إلى زمن نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهؤلاء الخمسة أولو العزم، فهم أفضل الأنبياء والرسل، وشريعة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تنسخ إلى يوم القيامة، ولا نبي بعده إلى يوم القيامة، فمَن ادعى بعده نبوّة أو أتى بعد القرآن بكتاب فدمه مباح لكل مَن سمع ذلك منه...).

الحواريون:

روى علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام : لم سمّي الحواريون الحواريين؟

قالعليه‌السلام : (أمّا عند الناس فإنّهم سُمّوا حواريين لأنّهم كانوا قصارين يخلصون الثياب من الوسخ بالغسل، وهو اسم مشتق من الخبز الحوار (١) . وأمّا عندنا فسُمّي الحواريون الحواريين لأنّهم كانوا مخلصين في أنفسهم ومخلصين لغيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ والتذكير.

قال: فقلت له: فلم سمّي النصارى؟ قال: لأنّهم من قرية اسمها (ناصرة) من (بلاد الشام) نزلتها مريم وعيسى بعد رجوعهما من مصر).

إبراهيم خليل الله:

روي الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: سمعت أبي يحدث عن أبيهعليه‌السلام أنّه قال: إنّما اتخذ الله عزّ وجل إبراهيم خليله؛ لأنّه لم يرد أحداً، ولم يسأل أحداً قط غير الله عزّ وجل.

إسماعيل صادق الوعد:

روى سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّه قال: أتدري لم سمي إسماعيل صادق الوعد؟قلت:

____________________

(١) الخبز الحوار هو الذي نخل مرة بعد مرة. وفي القاموس: إنّه الدقيق الأبيض.

٦٢

لا أدري فقال: وعد رجلاً فجلس له حولاً ينتظره.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن علل أحوال بعض الأنبياء والأمم السالفة التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام .

علل بعض الشؤون الإسلامية:

وأثرت عن الإمامعليه‌السلام كوكبة من الأحاديث في تعليل بعض الشؤون الإسلامية وهي:

القرآن غض:

روى إبراهيم بن العباس عن الإمام الرضاعليه‌السلام أنّه روى عن أبيه: أنّ رجلاً سأل الإمام الصادقعليه‌السلام فقال له: ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدراسة إلاّ غضاضة؟

فقالعليه‌السلام : لأنّ الله لم ينزله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة).

إنّ القرآن الكريم المعجزة الكبرى للإسلام؛ وذلك لما فيه من أحكام خلاّقة تساير الزمن وتساير التطوّر، وليس فيها ما يشذ عن سنن الكون ولا ما يخالف الفطرة، مضافاً لروعة فصاحته وعظيم بلاغته، فمهما تداولته الأيام فهو غض جديد.

علي قسيم الجنة والنار:

قال المأمون للرضاعليه‌السلام : يا أبا الحسن أخبرني عن جدّك أمير المؤمنين بأي وجه هو قسيم الجنة والنار؟ وبأي معنى، فقد كثر فكري في ذلك؟

قالعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله بن عباس أنّه قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: (حب علي إيمان وبغضه كفر) فقال: بلى.

فقال الرضاعليه‌السلام : (فقسمة الجنة والنار إذا كانت على حبّه وبغضه فهو قسيم الجنة والنار).

فقال المأمون: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن، أشهد أنّك وارث علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال أبو الصلت الهروي: فلمّا انصرف الرضا إلى منزله أتيته فقلت له: يا بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أحسن ما أجبت به المأمون؟ فقال الرضا: (يا أبا الصلت إنّما كلّمته من حيث هو، ولقد سمعت أبي يحدث عن آبائه عن علي

٦٣

عليه‌السلام أنّه قال: قال رسول الله (ص): يا علي أنت قسيم الجنة يوم القيامة تقول للنار: هذا لي وهذا لك...).

الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام هو رمز لكل مكرمة في الإسلام، فهو قسيم الجنة والنار ليس في ذلك شك، وقد تواترت الأخبار بذلك عن النبي (ص)(١) ، وقد علّل الرضاعليه‌السلام بهذا التعليل الوثيق الذي أعجب به المأمون.

عدم إرجاع فدك:

روى علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه عن الرضاعليه‌السلام قال: سألته عن أمير المؤمنينعليه‌السلام لم لم يسترجع فدك لما ولي أمر الناس؟

قالعليه‌السلام : (لأنّا أهل بيت إذا ولينا الله عزّ وجل لا يأخذ لنا حقوقنا ممّن ظلمنا إلاّ هو، ونحن أولياء المؤمنين إنّما نحكم لهم ونأخذ حقوقهم ممن يظلمهم ولا نأخذ لأنفسنا.....).

استولى أبو بكر على فدك وأخذها من يد سيدة نساء العالمين والسبب في ذلك أن لا تقوى شوكة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وهي حرب اقتصادية

الغرض منها شل الحركة المعادية للحكم القائم، وقد ظلت فدك بأيدي الولاة والحاكمين، وقد استرجعت للسادة العلويين أيام عمر بن عبد العزيز وأيام المأمون، والحديث عنها ذو شجون، والحاكم هو الله تعالى يحكم بين عباده بالحق في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

صحابة النبي (ص):

روى محمد بن موسى بن نصر الرازي قال: حدثني أبي قال سُئل الرضاعليه‌السلام عن قول النبي (ص): (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) وعن قوله: (دعوا لي أصحابي)، فقالعليه‌السلام : هذا صحيح يريد مَن لم يغير بعده ولم يبدل قيل وكيف يعلم أنهم قد غيروا أو بدلوا؟ قال: لما يرونه من أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ليذادن(٢) برجال من

____________________

(١) الصواعق المحرقة (ص ٧٥) وفي كنز العمال ٦ / ٤٠٢ قال علي: أنا قسيم النار. وفي كنوز الحقائق للمناوي (ص ٩٢) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي قسيم النار.

(٢) ليذادن: أي ليطردن.

٦٤

أصحابي يوم القيامة عن حوضي كما تذاد غرايب الإبل عن الماء فأقول: يا رب أصحابي أصحابي فيقال لي: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: بعداً لهم وسحقاً(١) افترى هذا لمن لم يغير ولم يبدل).

وليست الصحبة عاصمة عن الخطأ ففي الصحابة سمرة بن جندب وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، وغيرهم من رؤوس النفاق والضلال.

انحراف الناس عن علي (ع):

روى علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال: سألت الإمام الرضاعليه‌السلام عن أمير المؤمنينعليه‌السلام كيف مال الناس عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله وسابقته ومكانه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قالعليه‌السلام : (إنّما مالوا عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله؛ لأنّه كان قتل من آبائهم وأجدادهم وإخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وأقربائهم المحادين لله ولرسوله عدداً كثيراً، فكان حقدهم عليه لذلك في قلوبهم فلم يحبوا أن يتولى عليهم، ولم يكن في قلوبهم على غيره مثل ذلك؛ لأنّه لم يكن له في الجهاد بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ما كان له فلذلك عدلوا عنه ومالوا إلى سواه).

لقد وتر الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام الأقربين والأبعدين في ذات الله تعالى، وحصد رؤوس المشركين بسيفه الذي أقام به الإسلام، وقد أترعت نفوس القوم بالكراهية والبغض له فمالوا عنه وحكّموا غيره.

سكوت الإمام عن أخذ حقه:

روى الهيثم بن عبد الله الرمّاني قال: سألت علي بن موسى الرضاعليه‌السلام فقلت له: يا بن رسول الله أخبرني عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام لِم لم يجاهد أعداءه خمساً وعشرين سنة بعد رسول الله (صلّى الله عليه

وآله)، ثم جاهد في أيام ولايته؟

____________________

(١) روى النجاري ٦ / ١١٩ ط الأميرية عن عبد الله بن مسعود عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: أنا فرطكم على الحوض وليرفعن معي رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. وبهذا المضمون روايات كثيرة.

٦٥

قالعليه‌السلام : (لأنّه اقتدى برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تركه جهاد المشركين بمكة بعد النبوّة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة تسعة أشهر؛ وذلك لقلّة أعوانه عليهم، وكذلك عليعليه‌السلام ترك مجاهدة أعدائه لقلّة أعوانه عليهم فلمّا لم تبطل نبوّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع تركه الجهاد ثلاث عشر سنة وتسعة أشهر فكذلك لم تعطل إمامة علي مع تركه الجهاد خمساً وعشرين سنة؛ إذ كانت العلّة المانعة لهما واحدة).

إنّ الإمام أمير المؤمنين ترك حقّه ولم يجاهد أعداءه؛ وذلك لقلّة الناصر فقد قالعليه‌السلام : (وطفقت أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى...).

إنّ الإمام لم تكن له فئة ينصرونه، ولم يكن يأوي إلى ركن شديد مع كثرة أعدائه ومناوئيه، فصبر سلام الله عليه وترك حقّه إيثاراً للمصلحة العامة، وحفظاً على كلمة المسلمين.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن علل بعض الشؤون الإسلامية التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام .

٦٦

٦٧

جوامع الكلم

وأثرت عن الإمام الرضاعليه‌السلام جمهرة من غرر الحكم والآداب والوصايا والنصائح وغيرها ممّا ينفع الناس، وقد دلّلت على أنّه كان المربّي الأكبر للعالم الإسلامي في عصره، وأنّه قد جهد على تهذيب المسلمين وتربيتهم بلباب الحكمة، ونلمح لبعض ما أثر عنه:

فضل العقل:

أمّا العقل فهو أفضل نعمة أنعمها الله به على الإنسان وميّزه به عن الحيوان السائم، وقد تحدث الإمام الرضاعليه‌السلام عنه في بعض أحاديثه وهي:

أ - قالعليه‌السلام : (صديق كل امرئ عقله، وعدوّه جهله)(١) .

ما أروع هذه الكلمة الحكيمة فإنّ العقل هو الصديق الأكبر للإنسان الذي يحميه ويصونه وينقذه من محن الدنيا وخطوبها، وعدو الإنسان الأكبر هو الجهل

الذي يلقي به في متاهات سحيقة من هذه الحياة.

____________________

(١) أصول الكافي ١ / ١١، وسائل الشيعة ١١ / ١٦١.

٦٨

ب - روى أبو هاشم الجعفري قال: كنّا عند الرضاعليه‌السلام فتذاكرنا العقل والأدب فقالعليه‌السلام :

(يا أبا هاشم العقل حباء من الله والأدب كلفة، فمَن تكلّف الأدب قدر عليه، ومَن تكلّف العقل لم يزدد بذلك إلاّ جهلاً)(١) .

أمّا الأدب فهو أمر مكتسب يقدر على تحصيله الإنسان، وأمّا العقل فإنّه هبة ومنحة من الله تعالى لا يتمكّن الإنسان من كسبه.

ج - روى الحسن بن الجهم قال ذكر العقل عند أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فقال:

(لا يعبأ بأهل الدين ممّن لا عقل له...) قلت له: جُعلت فداك إنّ ممّن يصف هذا الأمر قوما لا بأس بهم عندنا وليست لهم تلك العقول، فقال: (ليس هؤلاء ممّن خاطب الله، إنّ الله خلق العقل فقال له اقبل فأقبل وقال له: ادبر فأدبر فقال: وعزّتي وجلالي ما خلقت شيئاً أحسن منك أو أحب إليّ منك بك آخذ وبك أعطي...)(٢) .

إنّه ليس هناك شيء خلقه الله أفضل من العقل، وعليه يرتكز التكليف، فالذي فقد عقله غير مكلّف وغير مأثوم بما يقترفه من أنواع المحرّمات، فالعقل هو أحد الشروط في صحّة التكليف ونفوذه على المكلف.

د - قالعليه‌السلام : (أفضل العقل معرفة الإنسان نفسه)(٣) .

إن الإنسان إذا عرف نفسه كيف صُوّرت، وكيف تنتهي، فقد ظفر بالخير العميم، فإنّ ذلك يبعده عن النزعات الشريرة، ويبعثه نحو النزعات الخيّرة كما يدل ذلك على معرفة خالقه العظيم، وفي الحديث: (مَن عرف نفسه فقد عرف ربّه).

التفكر في أمر الله:

قالعليه‌السلام : (ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم إنّما العبادة كثرة التفكّر في أمر الله عزّ وجل)(٤).

____________________

(١) أصول الكافي ١ / ٢٣.

(٢) أصول الكافي ١ / ١١.

(٣) أعيان الشيعة ٤ / ق ٢ / ١٩٦.

(٤) الميزان ٨ / ٣٦٩، وسائل الشيعة ١١ / ١٥٣.

٦٩

إنّ التفكّر في مخلوقات الله، والتأمّل في بدائع خلقه، والنظر فيما يحتويه هذا الكون من الأسرار والعجائب يدلّل ذلك - بصورة واضحة - على الخالق العظيم، وإذا عرف الإنسان ربّه فقد نجا من اقتراف الشر وارتكاب الجريمة، وصار مصدر عطاء وخير لنفسه ومجتمعه.

محاسبة النفس:

قالعليه‌السلام : (مَن حاسب نفسه ربح، ومَن غفل عنها خسر)(١) .

إنّ محاسبة الإنسان لنفسه فيما يعمله من حسنات وسيئات، فيردعها عن اقتراف السيئات، وينمي فيها الخيرات دليل على سمو النفس والظفر بالربح والخير، ومَن غفل عن محاسبة نفسه فإنّها تهبط به إلى مستوى سحيق من الشر ماله من قرار.

الحلم:

قالعليه‌السلام : (لا يكون الرجل عابداً حتى يكون حليماً) الحديث(٢) .

إنّ الحلم من أفضل النزعات الكريمة التي يتصف بها الإنسان، فالحلم عن المسيء، والصفح عن المعتدي عليه من سمو النفس وبلوغها أرقى درجات الكمال، وإنّ الإنسان بالحلم يسود غيره ويكون لمجتمعه رائد خير ودليل هدى.

الصمت:

قالعليه‌السلام : (من علامات الفقه - أي المعرفة - الحلم والعلم، والصمت: إنّ الصمت باب من أبواب الحكمة، إنّ الصمت يكسب المحبّة، إنّه دليل على كل خير)(٣) .

إنّ الصمت وحفظ اللسان يقيان الإنسان من شر عظيم، ويجنباه المكاره التي هي وليدة الكلام والنطق.

التواضع:

قالعليه‌السلام : (التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تُعطاه).

____________________

(١) أصول الكافي ٢ / ١١١.

(٢) أصول الكافي ٢ / ١١٣.

(٣) أصول الكافي ٢ / ١٢٤.

٧٠

وقالعليه‌السلام فيما كتبه لمحمد بن سنان: (التواضع درجات، منها: أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم لا يحب أن يأتي لأحد إلاّ مثل ما يؤتي إليه إن أتي إليه بسيئة درأها(١) بالحسنة، كاظم الغيظ، عافٍ عن الناس، والله يحب المحسنين)(٢) .

إنّ حقيقة التواضع أن يعطي الإنسان للناس من التكريم والإحسان والبر مثل ما يحب ويتمنى أن يعطى لنفسه.

إنّ التواضع دليل على شرف النفس وسموّها، ومَن تواضع للناس أحبوه وأكرموه، وأحبّه الله ورفعه.

الخصال الكريمة في المؤمن:

قالعليه‌السلام : (لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه، وسنّة من نبيّه، وسنّة من وليّه، فأمّا السنّة من ربّه: فكتمان سرّه، قال الله عزّ وجل:( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) ، وأمّا السنّة من نبيّه فمداراة الناس فإنّ الله عزّ وجل أمر نبيّه بمداراة الناس فقال:( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) وأمّا السنّة من وليّه فالصبر في البأساء والضرّاء)(٣) .

يا لها من خصال كريمة ترفع مستوى الإنسان إلى قمّة الشرف والكمال، وتجنّبه من الوقوع في المهالك.

أحسن الناس وأسوأ الناس:

قال علي بن شعيب(٤) دخلت على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فقال لي:

- يا علي مَن أحسن الناس معاشاً؟

- يا سيدي أنت أعلم به منّي.

- يا علي مَن حسن معاش غيره في معاشه.

- يا علي مَن أسوأ الناس معاشاً؟

____________________

(١) درأها: أي دفعها.

(٢) الدر العظيم ورقة ٢١٦.

(٣) وسائل الشيعة ١١ / ٢٤١.

(٤) قال صاحب تنقيح المقال: لم اقف على علي بن شعيب بهذا العنوان في كتب الرجال وانما وقفت على

علي بن أبي شعيب المدائني وان له كتابا صغيرا والظاهر كونه اماميا.

٧١

- يا سيدي أنت أعلم به منّي.

- مَن لم يعش بخيره في معاشه.

وجعل الإمامعليه‌السلام يوصيه بفعل الخير والإحسان إلى الناس قائلاً:

(يا علي أحسنوا جوار النعم فإنّها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم. يا علي إنّ شر الناس مَن منع رفده وأكل وحده وجلد عبده(١) ).

وحوت هذه الكلمات الدعوة إلى فعل الخير والإحسان إلى الناس والبر بهم.

الإيمان والإسلام:

قالعليه‌السلام : (الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة، وما قسم في الناس شيء أقل من التقوى)(٢) .

إنّ اليقين بالله من أقوى درجات الإيمان، وهو من صفات المتقين العظام الذين عزّ وجل امتحن الله قلوبهم للإيمان.

العجب المفسد للعمل:

سأل أحمد بن نجم الإمام الرضاعليه‌السلام عن العجب المفسد للعمل؟

فقالعليه‌السلام :

(العجب درجات: منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً ويحسب أنّه يحسن صنعاً. ومنها أن يؤمن العبد فيمن على الله، والله المنة عليه فيه)(٣) .

إنّ العجب بالمعنى الثاني ناشئ عن فقدان الإيمان وعدم نضوج الفكر وهو المفسد للعمل.

الذنوب:

قالعليه‌السلام : (كلمّا أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون أحدث لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون)(٤) .

لقد أحدث الناس ألواناً رهيبة من المعاصي والذنوب ما لم تكن معلومة

____________________

(١) البحار ٧٨ / ٣٤١.

(٢) مواهب الرحمان ١ / ٦٤.

(٣) البحار ٧٨ / ٣٣٥.

(٤) وسائل الشيعة ١١ / ٢٤٠.

٧٢

ومعروفة من قبل فصب الله عليهم أنواعا من المحن والبلاء ولم يعرفونها من قبل.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

قالعليه‌السلام : (لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم!)(١) .

إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهج أصيل في الحياة الإسلامية، وإنّ إهماله له مضاعفاته السيئة التي منها: إشاعة المنكرات، وعدم استجابة دعاء الأخيار.

مَن أحبّ عاصياً:

قالعليه‌السلام : (مَن أحبّ عاصياً فهو عاصٍ، ومَن أحبّ مطيعاً فهو مطيع، ومَن أعان ظالماً فهو ظالم، ومَن خذل ظالماً فهو عادل، إنّه ليس بين الله وبين أحد قرابة، ولا تنال ولاية الله إلاّ بالطاعة)(٢) .

إنّ مَن أحب عمل قوم حشر في زمرتهم كما في الحديث، فمَن أحبّ العاصي كان عاصياً ومَن أحبّ المطيع كان مطيعاً.

خيار الناس:

سُئل الإمامعليه‌السلام عن خيار العباد فقالعليه‌السلام : (الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا عفوا)(٣) .

حقّاً إنّ مَن يتصف بهذه الصفات الكريمة فهو من أفضل الناس، ومن خيارهم، وإنّه قد بلغ قمّة الكمال والفضل.

شرف العمل:

قالعليه‌السلام : (إنّ الذي يطلب من فضل يكف به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله)(٤) .

____________________

(١) وسائل الشيعة ١١ / ٣٩٤.

(٢) وسائل الشيعة ١١ / ٤٤٦.

(٣) تحف العقول: (ص ٤٤٥).

(٤) تحف العقول: (ص ٤٤٥).

٧٣

إنّ العمل لإعاشة العيال جهاد في سبيل الله، وشرف يكتسبه العامل، ومجد يفخر به.

تمامية العقل:

قالعليه‌السلام : (لا يتم عقل امرئ مسلم حتى يكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، لا يسأم من طلب الحوائج إليه، ولا يمل من طلب العلم طول دهره، الفقر في الله أحب إليه من الغنى، والذل في الله أحب إليه من العزّ في عدوه، والخمول أشهى إليه من الشهرة).

ثم قالعليه‌السلام : العاشرة وما العاشرة؟ قيل له: ما هي؟

قالعليه‌السلام : (لا يرى أحداً إلاّ قال: هو خير منّي وأتقى، إنّما الناس رجلان: رجل خير منه وأتقى ورجل شر منه وأدنى، فإذا لقي الذي شر منه وأدنى قال: لعلّ خير هذا باطن وهو خير له، وخيري ظاهر وهو شر لي، وإذا رأى الذي هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به، فإذا فعل ذلك فقد علا مجده وطاب خيره وحسن ذكره وساد أهل زمانه)(١) .

حقّاً إنّ مَن يتصف بهذه الصفات العشر فقد كمل إيمانه، وكمل عقله، وكان على اتصال وثيق بالله تعالى؛ فيعزّه ويعلي ذكره في الدنيا ويمنحه الدرجات العليا يوم القيامة.

حقيقة التوكّل على الله:

سأله رجل عن قول الله تعالى:( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) (٢) فقالعليه‌السلام : (التوكّل درجات: منها أن تثق به في أمرك كلّه فيما فعل بك فما فعل بك كنت راضياً وتعلم أنّه لم يألك إلاّ خيراً ونظراً، وتعلم أنّ الحكم في ذلك له فتوكّل عليه بتفويض ذلك إليه، ومن ذلك الإيمان بغيوب الله التي لم يحط علمك بها فوكّلت علمها إليه والى أُمنائه عليها ووثقت به فيها وفي غيرها)(٣) .

____________________

(١) تحف العقول: (ص ٤٤٣)

(٢) سورة الطلاق: آية ٣.

(٣) تحف العقول: (ص ٤٤٣).

٧٤

وأعطى الإمامعليه‌السلام صورة واضحة عن حقيقة التوكّل على الله تعالى، وهو أن يفوّض الإنسان أموره كلها إليه تعالى، فإنّ ذلك هو محض الإيمان واليقين بالله.

أركان الإيمان:

قالعليه‌السلام : (الإيمان أربعة أركان: التوكّل على الله، والرضى بقضاء الله، والتسليم لأمر الله، والتفويض إلى الله قال العبد الصالح:(١) ( وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ) (٢) .

إنّ الإيمان بالله يقوم على هذه الأركان الأربعة فإذا اتصف بها الشخص فقد بلغ ذروة الإيمان ومنتهاه.

خصال كريمة:

قالعليه‌السلام : (خمس مَن لم تكن فيه فلا ترجوه لشيء من الدنيا والآخرة: مَن لم تعرف الوثاقة في أرومته، والكرم في طباعه، والرضى في خلقه، والنبل في نفسه، والمخالفة لربّه)(٣) .

إنّ مَن اتصف بهذه الصفات الكريمة قد حاز قصب السبق في الشرف والمروءة، وهو الذي يرجى رفده وكرمه.

شكر النعم:

قالعليه‌السلام : (مَن لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عزّ وجل)(٤) .

إنّ شكر المنعم واجب فمَن لم يشكره وتنكّر له فإنّه لا يشكر الله عزّ وجل على نعمه وألطافه التي أسداها إليه.

وصاياه ونصائحه:

وأدلى الإمامعليه‌السلام ببعض الوصايا والنصائح لخواص شيعته، كان منها ما يلي:

____________________

(١) العبد الصالح: هو مؤمن آل فرعون.

(٢) تحف العقول: (ص ٤٤٥).

(٣) تحف العقول: (ص ٤٤٦).

(٤) وسائل الشيعة: ١١ / ٥٤٢.

٧٥

أ - وصيّته لأحمد:

وأوصى الإمامعليه‌السلام أحمد بن محمد بن أبي نصر بوصية جاء فيها: (لا تمل الدعاء فإنّه من الله بمكان، وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم، وإيّاك ومكاشفة الناس فإنّا أهل بيت نصل مَن قطعنا ونحسن إلى مَن أساء إلينا فنرى والله في ذلك العاقبة الحسنة)(١).

لقد أوصاه بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال التي يسمو بها الإنسان.

ب - وصيّته لإبراهيم:

وأوصى الإمامعليه‌السلام إبراهيم بن أبي محمود بوصية جاء فيها: (أخبرني أبي عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مَن أصغى إلى ناطقٍ فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس. إلى أن قال: يا بن أبي محمود إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقتنا فإنّه مَن لزمنا لزمناه ومَن فارقنا فارقناه، فإنّ أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة: هذه نواة ثم يدين بذلك ويبرأ ممّن خالفه يا بن أبي محمود احفظ ما حدثتك به فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والآخرة)(٢) .

وحفلت هذه الوصية بلزوم اتباع أهل البيتعليهم‌السلام والاقتداء بنهجهم والاهتداء بسيرتهم؛ فإنّ ذلك النجاة، والأمن من الهلاك، والفوز برضوان الله تعالى.

ج - نصيحته لأحمد والحسين:

قال أحمد بن عمر والحسين بن يزيد: دخلنا على الرضاعليه‌السلام فقلنا له: إنّا كنّا في سعة من الرزق ونضارة من العيش فتغيّرت الحال بعض التغيّر فادع الله أن يرد ذلك إلينا.

فأجابهما الإمام بلزوم القناعة والرضى بما قسم الله لهما قائلاً:

____________________

(١) وسائل الشيعة ٤ / ١١٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ / ٩٢.

٧٦

(أيّ شيء تريدون أن تكونوا ملوكاً؟ أيسرّكم أن تكونوا مثل طاهر(١) وهرثمة(٢) وأنّكم على خلاف ما أنتم عليه؟).

فانبرى أحدهما قائلا:

لا والله ما سرّني أنّ لي الدنيا بما فيها ذهباً وفضة وإنّي على خلاف ما أنا عليه - يعني منحرفاً عن أهل البيت -.

فقالعليه‌السلام : (إنّ الله يقول:( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (٣) .

أحسن الظن بالله، فإنّ مَن حسن ظنّه بالله كان الله عند ظنّه، ومَن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل، ومَن رضي باليسير من الحلال خفّت مؤونته ونعم أهله وبصّره الله داء الدنيا ودواءها وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام)(٤).

لقد أوصاهما الإمامعليه‌السلام بالقناعة التي هي كنز لا يفنى، وعرّفهما أنّهما يملكان ما هو أثمن وأغلى من الذهب والفضة، وهو الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام الذي هو من أعظم نعم الله على عباده المخلصين.

د - المساواة بين الغني والفقير:

وأوصى الإمام أصحابه بالمساواة بين الغني والفقير بالسلام، فقد قال: (مَن لقي فقيراً مسلماً فسلّم عليه خلاف سلامه على الغني؛ لقي الله عزّ وجل وهو عليه غضبان)(٥) .

ومثّلت هذه الوصية الأخلاق العظيمة عند أهل البيتعليهم‌السلام الذين خلقهم الله رحمة لعباده، فقد ألزموا شيعتهم بالمساواة بين أبناء المسلمين حتى بالسلام وكرهوا التمايز بينهم.

____________________

(١) طاهر هو أبو الطيب الملقب بذي اليمنين لأنه ضرب شخصا بيساره فقده نصفين وفيه يقول بعض الشعراء: (كلتا يديك يمين حين تضربه) كان والياً على خراسان من قبل المأمون وهو الذي أطاع بحكومة الأمين وقتله وأقام المأمون مكانه وكان شيعيا من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام .

(٢) هرثمة بن أعين كان من قادة المأمون ومن أصحاب الإمام الرضا وخواصه.

(٣) سورة سبأ: آية ١٢.

(٤) تحف العقول (ص ٤٤٨).

(٥) وسائل الشيعة ٨ / ٤٤٢.

٧٧

ه‍ـ - التبسّم في وجه المؤمن:

وأوصى الإمام أصحابه بالتبسّم في وجه المؤمن وعدم مقابلته بالغيظ قال

عليه‌السلام : (مَن تبسّم في وجه أخيه المؤمن كتب الله له حسنة ومَن كتب الله له حسنة لم يعذّبه)(١) .

هذه هي معالي الأخلاق التي كان الأئمةعليهم‌السلام يوصون بها أصحابهم ليكونوا قدوة حسنة إلى الناس.

و - وصيّة عامة:

وأوصى الإمامعليه‌السلام أصحابه وسائر الناس بهذه الوصية القيّمة: (اتقوا الله أيّها الناس في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، واعلموا أنّكم لا تشكرون الله بشيء، بعد الإيمان بالله ورسوله وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أحبّ من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لكم إلى جنان ربّهم؛ فإنّ مَن فعل ذلك كان من خاصة الله)(٢) .

لقد حفلت هذه الوصية بالحث على: تقوى الله تعالى، ومعونة الإخوان، وإسداء المعروف إليهم.

صلة الأرحام:

وأثرت عن الإمام الرضاعليه‌السلام كوكبة من الأحاديث في حث أصحابه وشيعته على صلة الأرحام كان منها ما يلي:

أ - قالعليه‌السلام : (يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث ستين: فيصيّرها الله ثلاثين سنة ويفعل الله ما يشاء)(٣) .

ب - قالعليه‌السلام : (ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلاّ صلة الرحم حتى أنّ الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولاً للرحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة، ويكون أجله ثلاثاً وثلاثين سنة فيكون قاطعاً للرحم

____________________

(١) وسائل الشيعة ٨ / ٤٨٣.

(٢) الدر النظيم ورقة ٢١٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ / ٢٤٣.

٧٨

فينقصه الله ثلاثين سنة، ويجعل آجله إلى ثلاث سنين)(١) .

ج - قالعليه‌السلام : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : (صل رحمك ولو بشربة ماء، وأفضل ما توصل به الرحم كفّ الأذى عنها، وصلة الرحم منسأة في الأجل، محبّة في الأهل)(٢) .

إنّ خير وسيلة لترابط المجتمع وتضامنه هو البر بالأرحام والإحسان إليهم فإنّ ذلك يوحّد ما بين عواطفهم ومشاعرهم؛ وبذلك تتكوّن الخلايا الصالحة التي ينشأ منها المجتمع.

من حكم بعض الأنبياء:

روى الإمام الرضاعليه‌السلام بعض الحكم القيّمة التي أدلى بها بعض الأنبياءعليهم‌السلام ، وفيما يلي بعضها:

مناجاة موسى:

قالعليه‌السلام : (إنّ موسى بن عمران لـمّا ناجى ربّه قال: يا ربّ أبعيد أنت منّي فأناديك أم قريب فأناجيك؟ فأوحى الله إليه يا موسى أنا جليس مَن ذكرني، قال موسى: إنّي أكون في حالٍ أجل أن أذكرك فيها قال يا موسى اذكرني على كل حال)(٣) .

في صحف إبراهيم:

قالعليه‌السلام : (في صحف إبراهيم: أيّها الملك المغرور إنّي لم أبعثك لتبني البناء، ولا لتجمع الدنيا، ولكن بعثتك لترد عنّي المظلوم فإنّي لا أردها ولو كانت من كافر)(٤) .

عيسى مع الحواريين:

قالعليه‌السلام : (قال عيسى للحواريين: يا بني إسرائيل لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا، كما لا يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا أصابوا

____________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ / ٢٤٥.

(٢) أصول الكافي ٢ / ١٥١.

(٣) الفصول المهمّة (ص ٢٢٤)، وسائل الشيعة ١ /.

(٤) تأريخ اليعقوبي.

٧٩

دنياهم)(١) .

وقد ألمحنا في البحوث السابقة إلى بعض ما أُثر عن الإمامعليه‌السلام من أحوال الأنبياء، وقد حفلت ببعض ما أدلوا به من الكلمات الحكمية.

وعظ وإرشاد:

ونقل الرواة والمؤرّخون طائفة من كلام الإمام وشعره في الوعظ، والإرشاد كان منها ما يلي:

١ - قال محمد بن عبيدة: دخلت على الرضاعليه‌السلام فبعث إلى صالح بن سعيد فوعظنا جميعاً، وكان من وعظه أنّه قال:

(قال أبو جعفر - يعني الإمام محمد الباقرعليه‌السلام - كن خيراً لا شرّ معه، كن ورقاً لا شوك معه، ولا تكن شوكاً لا ورق معه، وشرّاً لا خير معه).

ثم قال: (إنّ الله يبغض القيل والقال، وإيضاع المال وكثرة السؤال).

ثم قال: (إنّ بني إسرائيل شدّدوا فشدّد الله عليهم قال لهم موسى: اذبحوا بقرة، قالوا: ما لونها؟ فلم يزالوا يشدّدون حتى ذبحوا بقرة بملء جلدها ذهبا).

ثم قال: (إنّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: إنّ الحكماء ضيّعوا الحكمة لما وضعوها عند غير أهلها)(٢) .

٢ - كتب المأمون إلى الإمام يطلب منه أن يعظه فكتب إليه هذه الأبيات:

إنّك في دنيا لها مدّة

يقبل فيها عمل العاملِ

أما ترى الموت محيطاً بها

يسلب فيها أمل الآملِ

تعجّل الذنب بما تشتهي

وتأمل التوبة من قابلِ

والموت يأتي أهله بغتةً

ما ذاك فعل الحازم العاقلِ(٣)

____________________

(١) أصول الكافي ٢ / ١٣٧.

(٢) البحار ٧٢ / ٣٤٥.

(٣) أعيان الشيعة: ٤ / ق ٢ / ١٩٩، نقلاً عن الاختصاص.

٨٠

سَمُوم(١) الجَوْزاء عند اعتدال الشمس في أفقها ، إلا انّ أخاك(٢) عثمان أصبحَ منك بعيداً ، فصرتُ بعده مزيداً ، فأطلب لنفسك ظلاً تأوي إليه فتستكنُّ به ، فأني اراك على التراب رقُودا ، وكيف بالرُّقادِ بك ؟ لا رُقادَ لك ! فلو قد استتبَّ هذا الامر لِمُريده اُلْفِيتَ كشريد النعام يفزَع من ظلّ الطائِر ، وعن قليل تشربُ الرَّنق(٣) ، وتستشعر الخوف(٤) ، ألا وانّي أراك فسيحَ الصَّدر ، مُسترخي اللَّبَب(٥) ، رَحُوَا الحِزام ، قليلَ الاكتراث ، وعن قليل يُجتَث أَصْلُك ، والسلام.

وكتب في آخره هذين البيتين شعراً(٦) :

أخترت نومك ان هبت شامية

عند الهجير وشربا بالعشيات

على طلابك ثأرا من بني حكم

هيهات من راقد طلاب ثارات

وكتب الى يعلى بن اميّة :

اما بعدُ ، احاطك الله بكلاءته ، وأيَّدك بتوفيقه ، كتبتَ اليّ صبيحةَ وَرَدَ عليَّ كتابُ مروان بن الحكم ، يخبرني بأستشهاد أمير المؤمنين وشْرحِ الحال ، وانّه قد طالَ بهِ العمر حتى نقضَت قُواه ، وثقُلت نهضتهُ ،

__________________

(١) سفعته السموم : لفتحه الريح الحارة لفحاً يسيراً فغيرت لون البشرة.

(٢) الوليد بن عقبة أخو عثمان لامه.

(٤) ماء رنق : اي كدر.

(٤) يستشعر الخوف : جعله شعاراً له.

(٥) اللبب : ما يشد في صدر الدابة لتثبيت الرحل.

(٦) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٤.

٨١

وظهرت به الرِّعْشة في اعضائه ، فلما رأى ذلك منه اقوامٌ لم يكن لهم عنده موضعاً للامامةِ والامانة ، وتقليل الولاية ، وثبوا إليه وألَّبوا عليه ، فكان اعظم ما نقموا عليه وأعابوه به ، ولايتُك اليمن ، وطول مدّتك عليها ، ثمّ ترامى بهم الامر حالاً بعد حال ، حتى ذبحوه ذَبْحَ النَّطيحةِ مبادراً بها الموتُ(١) ، وهو مع ذلك صائم ، معانقٌ المصحفَ ، يتلو كتاب الله تعالى ، فقد عظُمت مصيبةُ الاسلام باستشهاد صهر(٢) الرسول ، والامام المقتول على غير جُرْمٍ سفكوا دمه ، وانتهكوا حُرْمته ، وانت تعلم ان بَيعتَهُ في أَعناقِنا ، وطلب ثأرهِ لازمٌ علينا ، فلا خيرَ في امرئٍ يعدلُ عن الحقِّ ، ويميلُ الى البَاطل ، عن نهج الصّدق ، النارُ ولا العار ، الا واِنّ الله جل ثناؤه لا يرضى بالتَّعذيرِ في دينه ، فشمِّر أطرافَكَ لدخولِ العراقين(٣) ، فأنّي قد كفيتُك الشام واهلها ، واحكمْتُ امرها ، واعلم اني كتبتُ الى طلحة بن عبيدالله ان يَلقاك بمكة لاجتماع رأيكما لاظهار الدعوة لطلب دمِ عثمان ، وكتبتُ أيضاً الى عبدالله بن عامر ، يمهد لكم اهل العراقين ويسهِّل لكم حُزُونة عِتابها واعلم ان القوم فاصدُوك بادئَ بَدْءٍ ، لاستنزاف(٤) ما حوتهُ يداك من المال ، فأعلم ذلك واعمل على حَسَبِه ، ايدك الله تعالى بمشيئتهِ والسلام ، وكتب في اسفله هذه

__________________

(١) في الاصل : الفوت وهو تصحيف وصوابه كما جاء في جمهرة رسائل العرب.

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل : العراقيين وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة.

(٤) في الاصل : الاستضاف وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة.

٨٢

الابيات شعراً(١) :

ظَلَّ الخليفةُ محصوراً يناشِدُهم

بالله طوراً ، وبالقرآن احيانا

وقد تألَّقَ اقوامٌ على حَنق

عن غير جُرْم ، وقالوا فيه بُهتانا

فقامَ يُذْكرهم وَعْدَ الرسول لهُ

وقولهُ فيه إِسراراً وإِعلانا

فقال : كُفُّوا فإِنّي مُعْتبٌ لكم

وصارِفٌ عنكُم يَعْلَى ومَرْوانَا

فكذبوا ذاك منه ، ثمّ سَاوَرَهُ

مَنْ حَاضَ لبتَّهُ ظُلماً وعُدْوانَا

في اجوبتهم لمعاوية ، قال :

فكتب مروان بن الحكم الى معاوية : اما بعدُ ، فقد وَصَلَ اليّ كتابك ، فنعمَ كتابُ زعيم العشيرة ، وحامي الذِّمارِ(٢) ، فأخْبرك أَن القوم على سننِ استقامةٍ [ إلا شظايا شُعب ](٣) شننت بينهم مَقْوَلي(٤) على غير مجابهةٍ ، حسب ما تقدَّم من أمرك ، فأنما كان ذلك دَسيس(٥) العُصاة ورَمْيَ الجذر من اغصان الدَّوْحة ، ولقد طويْتُ أَدِيمهم على نَغَلِ(٦) يَحلَمُ منه الجلُدِ ، كذبت نَفسُ الضانّ بنا تَرْكَ المظِلمةِ ، وحُبَّ الهُجوع الا تهويمة(٧) الراكب العَجل ، حتى تُجَذَّ الجماجمُ جذّ [ العراجين

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

(٢) الذمار : ما يلزمك حفظه وحمايته.

(٤) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب.

(٤) المقول : اللسان.

(٥) دسيس : إخفاء المكر.

(٦) الاديم : الجلد المدبوغ ، ونغلَ الاديم : فسد في الدباغ.

(٧) التهويم : هز الرأس من النعاس.

٨٣

المهَدَّلة حين ](١) انبياعها ، وانا على صحة نيَّتَي ، وقوة عزيمتي ، لتحريك الرحم لي وغليان الدم مني. غير سابقك بقولٍ ، ولا متقدّمك بفعلٍ ، وانت ابنُ حرب وطلابُ التِّراتِ(٢) ، وابي الضّيم ، وكتابي إليك وانا كحَرْباء السَّبْسَب(٣) في الهجير ترقُب عين الغزالة(٤) ، وكالسَّبُع المُفلِت من الشرك يَفْرَق(٥) من صوت نفسه ، منتظراً لِمَا تَصِحُّ به عزيمتك ، ويَرِدُ به امرك فيكون العمل به والمحتذى عليه.

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(٦) :

أيُقْتلُ عُثمان وتَرْقا دموعُنا

وَنرْقُدُ هذا الليل لا تتنزَّعُ

ونشرب بَرْد الماء ريّاً وقد مَضَى

على ضمأٍ يتلو القُران ويَركعُ

فأنّي ومَن حَجَّ المُلَبُّون بيتهُ

وطافوا به سعياً وذو العرش يسمعُ

سأمنع نفسي كلّ ما فيه لذَّةٌ

من العيش حتى لا يُرى فيه مَطمَعُ

وأَقْتُلُ بالمظلوم مَن كان ظالماً

وذلك حكمُ الله ما عنه مَدْفَعُ

وكتب عبدُالله بن عامر الى معاوية :

اما بعدُ ، فإنّ امير المؤمنين كان لنا الجَناح الحاضِنةَ تأوي إليها

__________________

(١) سقطت من الاصل ، وتجذ : تقطع ، والعراجين : جمع عرجون وهو اصل العذق.

(٢) الترات : جمع ترة ، وهي الثأر.

(٣) السبسب : المفازة.

(٤) الغزالة : الشمس.

(٥) يفرق : يخاف.

(٦) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

٨٤

فِراخها تحتها ، فلما أقصده السهمُ صرنا كالنعام الشاردِ ، ولقد كنتُ مشرَّد(١) الفكر ، ضال الفهم ، التمِسُ [ دريّة ](٢) استجنُّ بها من خَطَأ الحوادث ، حتى وقعَ اليَّ كتابُك ، فأنتبهت من غفلة طار فيها رُقادي ، فأنا كواجد المحجةِ(٣) كان الى جانبها حائراً ، وكأني اُعاينُ ما وصفت من تصرُّف الاحوال ، فالذي أخبرك به ان الناس في هذا الامر : تسعةٌ لك ، وواحد عليك ، ووالله ان الموت في طلب العزِّ احسن من الحياة في الذلِّة.

وانت ابنُ حَرْب فَتَى الحروب ، ونصَّار بني عبد شمس ، والهِمَمُ بك منوطةٌ لأنّك مُنهضُها ، فإذا نهضتُ فليس لنا التخلف عنك ، بل ولا لأحدٍ من الناس القُعود حين نهوضك ، وانا اليوم على خِلاف ما كانت عليه عزيمتي :

من طلب العاقبة ، وحُبِّ السلامة قبل قرعِك سُويداء(٤) القلب بسَوْط الملام ، ولنعْمَ مؤدِّب العشيرة انت ، وإنّا لنرجوك بعد عثمان كهفاً لنا ، نتوقع لوعدك ، نترقب لامرك وما يكون منك لأمتثله واعمل عليه ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. الدريئة : كل ما استتر به الصيد ليختل. واستجن : استتر.

(٣) المحجة : الطريق الواضح.

(٤) سويداء القلب : حبته.

٨٥

وكتب في اسفله هذه الابيات شعراً :

لا خيرَ في العيشِ في ذلٍّ ومَنْقصةٍ

فالموتُ أحسنُ من ضيْم ومن عارِ

إنّا بنو عبد شمس معشرٌ أنُفٌ

غُرٌّ جحاجحةٌ طُلابُ اوتارِ

واللهِ لو كان ذَميُّ مُجاورنا

ليطلب العَزّ لم نقعد عن الجارِ

فكيف عثمان إذ يدفنُ بمزبلةٍ

على القُمامةِ مطروحاً بها عارِ

فازحف اليّ فاني زاحفٌ لهمُ

بكلِّ ابيض ماضِ الحدِّ بتّارِ(١)

وكتب الوليد بن عقبة بن ابي معيط الى معاوية :

اما بعدُ ، فإنّك ابنُ حرب(٢) وسيدُ قريش ، واكملهم عَقْلاً ، واحسنهم فَهْماً ، واصوبهم رأياً ، واعرفهم لحُسن السياسة(٣) ، إذ انت معدن الرِّياسة(٤) ، تُورِد بمعرفةٍ ، وتُصْدر عن مَنْهَلٍ رويّ ، مُنَاويك كالمنقلب من العيون ، تهوي به عواصف الشِّمال في لُجَّةِ البحر.

كتبت اليّ تذكر كنَّ الجَيش ، ولينَ العيش ، [ فملأتُ بطني على حِمام ](٥) الى مُسكةَ الرَّحق(٦) ، حتى اَفْرِي أوْداجَ قَتلةِ عُثمانرضي‌الله‌عنه

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب : ١ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

(٢) في جمهرة رسائل العرب : اسدُ قريش عقلاً.

(٣) في الجمهرة : معك حسن السياسة.

(٤) في الجمهرة : وانت موضع الرِّياسة.

(٥) سقطت من الاصل واثبتناها من الجمهرة.

(٦) رحق : الرحيق وهو الخالص من الخمر ، وتقول : يا شارب الرحيق ابشر بعذاب الحريق ، ومن المجاز : مسك الرحيق ، لا غش فيه.

انظر : اساس البلاغة : ١٥٧.

٨٦

فرْيَ الأهُبَ(١) بشبا الشفار(٢) ، واما اللّينُ فهيهاتَ ، إلا خُفيةَ الموت إذ يرتقبُ غفلة الطالب ، فإنا على مُداجاةٍ(٣) ولم نُبدِ صَفَحاتنا بعدُ ، وليس دون الدَّم بالدم مَزْحَل(٤) إذ لا يخفى عند ذوي المعرفة والمروءة ان العار منقصة والضعفَ ذلّ ، أيَخْبطُ قتلة عثمان زهوة الحياة الدنيا ، ويسقون برد العين ، وكما يمتطوا الخوف ، ويستحلسوا(٥) الحذر مع بعدُ مسافة الطَّرد(٦) ، وامتطاء العقبة الكئود(٧) وفي الرحلة ؟

لا دُعيتُ لعقبة ! ان كان ذلك ، حتى انصب لهم حرباً ، تضع الحوامل لها اطفالها ، فقد ألْوَت(٨) بنا المسافة ، ووردنا حياض المنايا ، وقد عَقلتُ نفسي على الموت عقل البعير ، واحتسبتُ اني قتيل ثاني بعد عثمان أو أقتل قاتله ، فعجِّل عليّ بما تتوقاه من رأيك الحسن(٩) ، فإنا منوطون بِكَ منتظرون لوعدك متبعون لعقبك ، [ ليس لنا من مخالفٍ لامرك ](١٠) ، ولم احسب الحالَ يتراخى بك الى هذه الغاية لما انا خائف

__________________

(١) الاهب : اخذ للسفر أَهبته وتأهب له.

(٢) شبا الشفار : الشفرة الحادة.

(٣) المداجاة : المداراة.

(٤) مزحل : مَبْعَد ، من زحل مال عنه ، ودخل عليه فزحل له عن مكانه.

(٥) استحلس فلان الخوف : إذا لم يفارقه الخوف.

(٦) طرد : طرده طَرْداً وطَرَداً ، وطرّده وأطرده : ابعده ونحاه.

(٧) العقبة الكئود : الصعبة.

(٨) ألوى بهم الدهر : أهلكهم.

(٩) في الجمهرة : فعجل عليَّ ما يكون من رأيك.

(١٠) لم ترد في الجمهرة.

٨٧

من احكام القوم لأمورهم ، كما لا يخفى عليك ، والسلام عليك.

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(١) :

نومي عَليَّ محرّمٌ ان لم أقُمْ

بدم اِبنِ أمِّي من بني العَلاتِ

قامت عليّ إذ قعدتُ ولم أقُمْ

بطلابِ ذاك مناحةُ الامواتِ

عذُبتْ حياضُ الموت عندي بعدما

كانت كريهة مَوْرِد النّهلاتِ

وكتب يعلى بنُ اميّة الى معاوية :

اما بعدُ ، فانا وانتم بني اميّة كالحَجر ، الذي لا يُبْنَى بغير مَدَر(٢) ، وكالسّيفِ لا يقطع الا بضاربه. وصلَ اليّ كتابك يخبرنا بخبر القوم وحالهم ، فلئن كانوا ذبحوه ذبحَ النطيحة بُودِرَ بها الموتُ ، فاِنّا بني اميّة ، والله لنخرجنّ ذابحه ، ولننحرنه نحر البدنه(٣) وافى بها الهَدْيُ الاجل !!

ثكلتني(٤) من انا ابنها ان نمتُ عن طلب وتر عثمانرضي‌الله‌عنه ، من ان اذبح القوم ، واني مدلج(٥) وان كان قصدهم ما حوته يداي من المال ، فالمال أيسرُ مفقود ان دفعوا الينا القاتل ، وان منعوا عن تسليمه ، أنفقنا المال على قتالِهِم ، وانّ لنا واياهم لمعركةً [ نتناحر فيها نحر الجزَّار

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

(٢) المدر : قطع الطين اليابس.

(٣) البدنة : من الابل والبقر ، كالاضحية من الغنم تهدي الى مكّة وتنحر بها ، والهدي : ما يهدي الى مكة.

(٤) ثكلته امه : فقدته.

(٥) أدلج : سار من أوّل الليل.

٨٨

النقائِع عن قليل تصلُّ لحومها ](١) . وكتب في اسفل الكتاب(٢) :

لِمثْلِ هذا اليوم اُوصي الناسُ

لا يعط ضَيْماً أو يحزَّ الراسُ

وأمّا سعيد بن العاص فأنه كتب الى معاوية بخلاف ماكبت إليه القوم فهذه صورة كتابهِ إليه :

اما بعدُ ، فإنّ الحزمَ في التثبّت ، والخَطأ في العَجلة ، والشُّؤم في البِدار ، واسهم سَهْمك ما لم يَنْبض به الوَترُ ، وان يردَّ الحالَبُ في الضَّرع اللبَنَ ، قد ذَكرتَ ما لعُثمان علينا من الحقوقِ والقرابة فيه ، وانه قُتل فينا ، فهنا خَصلتان ذكْرُهما نقصٌ ، والثالثة تكَذُّبُ(٣) ، وامرتنا بطلب دمه ، فأيُّ جهة تسلُك فيها ابا عبد الرحمن ؟ رُدِمَت الفجاج(٤) ، واُحْكِم الامرُ عليك ، وَوَلِي زِمامَهُ غيرك ، فدعْ مناوأة من لو كانَ افترش فِراشه صدر الامر لم يعْدل به غيره ، وقلت : كأنّا عن قليل لا نتعارف ، فهل نحن الا حيٌّ من قريش ، ان لم تنلنا الولاية لم يفتئ عن الحقّ ؟ انها خلافة منافية(٥) ، وبالله أقسِمُ قسماً باراً لئن أصبَحت عزيمتك على ما ورد به

__________________

(١) سقطت عن الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. النقائع : جمع نقيعة ، وهي كل جزور جزرت للضيافة.

(٢) جمهرة رسائل العرب ١ : ٢١٠ ، مع اختلاف يسير.

(٣) تكذب : تكلف الكذب.

(٤) الفجاج : جمع فج ( بالفتح ) وهو الطريق الواسع. وردم : سدَّ.

(٥) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب ، ومنافية نسبة الى عبد مناف جد الامام عليّعليه‌السلام ومعاوية ، يعني بذلك ان الخلافة ان صارت في البيت العلوي ، فهي لن تخرج من بني عبد مناف.

٨٩

كتابك لأَلفَيتكَ في الحالتين طليحا(١) ، وهبني اخالُك بعد خَوْضَ الدماء تنالُ الظفر ، هل في ذلك عوَض من ركوب المآثم ونقص في الدين.

اما انا فلا علي بني اميّة ولا لهم عليّ ان اجعل الحزم داري والبيت سجني واتوسد الاسلام ، واستشعر العاقبة ، فأعدل ابا عبد الرحمن زمام راحلتك الى محجة الحقّ ، واستَوْهب العافية لاهلك وعشيرتك ، واسعطف الناس على قول الصدق قبل ان تهلك ](٢) .

[ وهيهات من قبولك ما اقول حتى يفجِّر مروانُ ينابيعَ الفتن وأجّجُ في البلاد ، وكأني بكما عند ملاقاة الاقران تعتذران بالعذر ، ولبئس العاقبةُ الندامةُ عمّا قليل يَضَحُ الامر لك والسلام ](٣) .

كتاب محمد بن ابي بكر الى معاوية بن ابي سفيان

قال أبو عليّ أحمد بن الحسين بن احمد بن عمران في كتاب « الاختصاص »(٤) : ان محمد بن ابي بكررضي‌الله‌عنه كتب الى معاوية بن ابي سفيان :

اما بعدُ ، فانّ الله بجلالته وعظمته وسلطانه وقدرته على كافة خلقه

__________________

(١) طلِحَ فهو طليح كقولهم هُزِلَ فهو هَزِيل.

(٢) في جمهرة رسائل العرب : واستعطف الناس على قومك.

(٣) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. انظر : جمهرة رسائل العرب ١ : ٣١١ مع بعض الاختلاف اليسير وصححت بعض الكلمات الغامضة أو الساقطة.

(٤) الاختصاص : ١١٩.

٩٠

وعز برهانه ، [ خلق خلقه ](١) بلا عبثٍ منه ولا ضعفٍ في قوةٍ ولا من حاجة له إليهم ، ولكنّه سبحانه خلقهم عبيداً فجعل منهم غويّاً ورشيداً(٢) وشقياً وسعيداً ، ثمّ اختار على علم فأصطفى وانتخب(٣) محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاصطفاه نجيباً وانتجبه خليلاً فبعثه برسالته امينا وأرسله بوحيه وائتمنه على أمرهِ رسولاً مصدّقاً وهادياً ودليلاً ومبشراً ونذيراً ، فكان اوّل من أجاب وصدّق وأناب وآمن واسلم ، وسلم اخوه وابن عمه وصفيّه ووصيّه ووارث علمه ، وخليفته من بعده بوحي من الله عزّوجلّ لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، فنصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ على أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام فصدقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم ، ووقاه كل هول ، وواساه بنفسه في كل خوف ، فحارب من حاربه وسالم من سالمه ، ولم يزل باذلاً نفسه بين يديه في ساعةِ الخوف والجوع والجدّ والهزل ، حتى اظهر الله تعالى دعوته ، وافلج حجته.

وقد رأيتك ايّها الغاوي(٤) تساميه وانتَ انتَ ، وهو هو المبرز(٥) السبّاق في كل حين ، اصدق الناس نيّةً وافضلهم سجيةً واخصّهم زوجة وارفعهم منزلة ، الباذل رُوحه حينَ مهاجرته عن اعدائه ، والنائم على

__________________

(١) في النسخة العبارة غير واضحة وقد اثبتناها من الاختصاص.

(٢) سقطت من النسخة.

(٣) سقطت من النسخة.

(٣) في النسخة : العاري والصواب كما جاء في الاختصاص.

(٥) في النسخة : الهزير والصواب كما في الاختصاص.

٩١

فراشه والشاري بنفسه يوم موته ، وعمه سيد الشهداء يوم احدٍ ، وابوه الذابُّ اعداء الله عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وعن حوزته ، وانتَ انتَ لم تزل انت وابوك تبتغيان عليهما الغوائل ، وتجتهدان على اطفاءِ نور الله باجتماعكما الجموع ، وتؤلبان(١) عليهما القبائل ببذل الاموال ، وقد هلك على ذلك ابوك وعليه خلفك ، والشاهد عليك بفعلك من يأوي(٢) ويلجأ اليك من بقية الاحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وأهل بيته ، والشاهد لعليعليه‌السلام بفضله المبين وسبقهالقديم ، انصاره والذين معه وهُم الذين ذكرهم الله تعالى وفضلهم في القرآن المجيد واثنى على المهاجرين والانصار ، منهم معه كتائب وعصائب [ من حوله يجادلون بأسيافهم ويهرقون دماءهم دونه ](٣) يرون الفضل في اتباعه والشقاء في خلافة أمره ، فلك الويل ثمّ الويل ، كيف تعدل نفسك بعليعليه‌السلام وهو أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وابو ولديه ، وشريكه في امره بخيره وشرّه ، وانت عدوُّهُ وابن عدوّهِ ، فتمتع بباطلك إذ يمدّك ابن العاص في غوايتك ، وكأنّ اجلك قد انقضى وكيدك قد وهى ، واعلم أنّك قد كايدت ربّكَ الذي أمنت كيده في نفسك ، وآيست من روحِهِ وهو لك لبالمرصاد وانت منه في غرور وعناد ، [ وبالله ورسوله واهل رسوله عنك الغنى ، والسلام على من اتبع الهدى ](٤) .

__________________

(١) في النسخة [ تؤنيان ].

(٢) سقطت من النسخة.

(٣) سقطت من النسخة.

(٤) سقطت من النسخة واثبتناها من الاختصاص.

٩٢

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(١) :

معاوي ما أمسى هوى يستقيدني

إليك ولا أخفي الذي لا اعالنِ

ولا أنا في الاخرى إذا ما شهدتها

بنكسٍ ولا هيابة في المواطنِ

حللت عقال الحرب جبناً وانّما

يطيبُ المنايا خائناً وابن خائنِ

فحسبك من احدى ثلاث رأيتها

بعينك أو تلك التي لم تعاينِ

ركوبك بعد الامن حرباً مشارفاً

وقد ذميت اضلافها والسناسنِ

وقدحك بالكفين توري ضريمة

من الجهل ادتها اليك الكهائنِ

ومسحُك اقراب الشموس كأنها

تبس بأحدى الداحيات الحواضنِ

تنازع اسباب المروءة اهلها

وفي الصدر داء من جوى الغلِ كامنِ

جواب معاوية بن ابي سفيان لمحمد بن ابي بكررضي‌الله‌عنه

فأجابه معاوية بهذا الكتاب(٢) :

بسم الله الرحمن الرحيم

من معاوية بن ابي سفيان الى محمد بن ابي بكر الزاري على أبيه [ خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ](٣) ، اما بعدُ ، وصَلَ(٤) اليّ كتابُك وما ذكرت فيه [ من أنّ الله ](٥) بعظمته وسلطانه وقدرته قد اصطفى رسوله مع كلام ألفته

__________________

(١) الاختصاص : ١٢١.

(٢) الاختصاص : ١٢١.

(٣) سقطت من الاختصاص : ١٢١ ـ ١٢٢.

(٤) في كتاب صفين : فقد أتاني ، وفي الاختصاص : فقد بلغني.

(٥) في صفين والاختصاص : ما الله أهله.

٩٣

ووضعته(١) ، فيه لرأيك تضعيف ، ولابيك فيه تعنيف وتفضيل(٢) لابن ابي طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، ونصرته له ومواساته اياه في كل خوف وهول(٣) ، فكان احتجاجك عليّ وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك ، فأحمد ربّك(٤) الذي صرف ذلك الفضل عنك وجعله لغيرك. وقد كنا وابوك معاً في حياة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ نرى حقّ عليّ بن ابي طالب لازماً لنا ، وفضله مبرزاً علينا ، حتى اختار الله لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ما اختار الله إليه ، وقد اتمّ له وعده ، واظهر له دعوته ، وافلج له حجته ، ثمّ قبضه الله إليه ، فكان أوّل من أبتز حقه ابوك وفاروقه(٥) وخالفاه في امره ، على ذلك [ اتفقا واتسقا ](٦) بينهما ، ثمّ انهما دعواه ليبايعهما [ فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما ](٧) فلم يأتهما ، فهما به الهموم ، وأرادا به العظيم ، فعند ذلك بايع لهما وسلم(٨) ، فلم يشركاه في امرهما ، ولم يطلعاه قط على سريرتهما ، حتى قبضا على ذلك ، ثمّ قام بعدها عثمانرضي‌الله‌عنه فأقتدى بهديهما ، [ حتى طمع فيه الاقاصي من اهل المعاصي

__________________

(١) في الاصل : ووضعك.

(٢) في صفين : ذكرت حقّ ، وفي الاختصاص : ذكرت فضل.

(٣) سقطت من الاصل واثبتت من كتاب صفين والاختصاص.

(٤) في صفين والاختصاص [ الهاً ].

(٥) في الاصل : وفاروقه الاعظم ، ولم ترد الاعظم في صفين ولا في الاختصاص.

(٦) في الاصل : اتفاقاً واتساقاً ، وصوابه كما في الاختصاص وصفين.

(٧) سقطت من الاصل.

(٨) في الاصل : بايعهما قهراً عليه ، وسلم لهما القيادة جبراً عليه لعدم اتفاق المسلمين معه.

٩٤

وبطنتما له ](١) واظهرتما العداوة له حتى بلغتما فيه مجهودكما ، ونلتما منه مناكما ، فخذ حذرك يا ابن ابي بكر ، وقس شبرك بفترك ، فكيف توازي من يوازي الجبال حلمه ، ولا تعب من مهد [ له ابوك ](٢) مهاده ، وطرح لملكه وسادة ، فإن يكن ما نحن فيه صواباً فأبوك فيه أوّل من اسس بناءه ، فنحن بهديهم اقتدينا وبفعلهم احتذينا ، ولولا ما سبق إليه ابوك وفاروقه لما خالفنا الكتاب ونصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، بل فأسلمنا إليه ، واجتمعنا لديه ، فليكن عيبك لابيك ، فعبه بما شئت أو دع ، والسلام.

خروج الزبير وطلحة بعائشة الى البصرة

قال المسعودي :

ولمّا ورد كتاب معاوية الى طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام ، لم يشكا في صدقه بالنصيحة لهما فأجتمعا على خلاف امير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام فهمّا إليه وقالا : يا امير المؤمنين لقد علمنا(٣) ما نحن فيه من الجفوة في زمن خلافة عثمان(٤) [ واختصاصه عنّا ببني اميّة ](٥)

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) في الاصل : اليك.

(٣) ورد في البحار : قد رأيت.

(٤) في البحار : ولاية عثمان.

(٥) في البحار : كان في بني امية.

٩٥

دوننا ، وقد منَّ الله تعالى عليك بالخلافة من بعده ، فولّنا بعض عمّالِك.

فقالعليه‌السلام : ارضيا بما قسم الله تعالى لكما حتى أرى رأيي ، واعلما اني لا اُشرك في امانتي الا من أرضى بدينه وأمانته من اصحابي ومن عرفت دخيلته.

فداخلهما اليأس فاستأذناه للعمرة فخوفهما من الله ومن التسرع في الفتنة ، فأنصرفا عنه وتوجها الى مكّة ، فلم يلقيا أحداً من الناس إلا استحثاه على الخروج معهما ، فيسألهما عن خروجهما على أمير المؤمنينعليه‌السلام .

فيقولان : ليس له في اعناقنا بيعة برضى مِنّا وإنما صدرت منّا مبايعتنا له كُرهاً منّا وجبراً علينا ، فبلغه قولهما ، فقالعليه‌السلام : أبعدهما الله تعالى ، والله لقد علمت انهما سيقتلان انفسهما [ أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم ](١) والله ما العمرة يريدان ، ولقد أتياني بوَجهين فاجرين ورجعا بوجهين غادرين ناكثين ، والله لا يلقيان بعد اليوم إلا كتيبة خشناء يقتلان فيها انفسهما فبُعداً لهما وسحقاً(٢) .

فلما بلغ أمير المؤمنينعليه‌السلام مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، قال :

ان كل واحدٍ منهما يريد الخلافة لنفسه دون صاحبه ، فادعاء طلحة

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) انظر بحار الانوار ٣٢ : ٦.

٩٦

للخلافة لانه ابن عبيدالله عمّ عائشة ، وادعاء الزبير لانه صهر ابيها ، والله ، لئن ظفر الزبير بطلحة ليضربن عنقه ! وان ظفر طلحة بالزبير ليضربن عنقه ! فلا بد من تنازعهما على هذا الملك.

والله ، انها الراكبةُ الجمل ! لا تحلُّ عقدة ، ولا تسير عقبةً ، ولا تنزل منزلاً إلا ولله فيه معصية ، حتى تورد نفسها ومن معها مورداً يُقتَل وليُّهم ، ويهرب تليّهم ، ويرجع عليهم غيهم.

والله ، إنّ طلحة والزبير ليعلمان انهما يخطيان ويجهلان ولربّ عالم قتله جهله ومحله معه لا ينفعه ، والله ، لتنبحها كلاب الحوأب !! فهل يعتبر معتبراً ويتفكر متفكراً ، لقد قامت الفئة الطاغية فأين المحسنون ؟

خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام

حين بلغه مسير طلحة والزبير الى البصرة

قال الشيخ المفيد; في أرشاده(١) :

لما بلغ أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، صعد المنبر ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ثمّ قال :

اما بعدُ ، ايّها الناس(٢) : إنّ الله عزّوجلّ بعث نبيه محمداً صلى الله

__________________

(١) الارشاد : ١٣٠ ، بحار الانوار ٣٢ : ٩٨ ح ٦٩.

(٢) سقطت من الارشاد.

٩٧

عليه وآله الى الناس كافةً ، وجعله رحمةً للعالمين(١) ، فصدع بما امره بهِ ، وبلغ رسالاته ، فلّم به الصدع ، ورتق به الفتق ، وأمن به السبل ، وحقن به الدماء ، وألف به ذوي الاحن والعداوة ، والوغر في الصدور ، والضغائن الراسخة في القلوب ، ثمّ [ قبضه الله إليه ](٢) حميداً لم يقصر في الغاية التي إليها ادى الرسالة ، ولا بلغ شيئاً كان في التقصير عنه وكان من بعده ما كان من التنازع في الامر ، فتولى أبو بكر وبعده عمر ، ثمّ تولى عثمان ، [ فلما كان ](٣) من امره [ ما ](٤) عرفتموه ، وأتيتموني(٥) ، فقلتم : بايعنا(٦) ، فقلت : لا افعل ، فقلتم : بلى(٧) .

فقلت : لا(٨) ، وقبضتم على يدي فبسطتموها وانا كاره فنازعتكم ، فجذبتموها !! ، وقد تداككتم علي تداك الابل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى ظننت انكم قاتلي ، وان بعضكم قاتل بعضاً ، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين ، [ وبايعني في اولكم ](٩) طلحة والزبير

__________________

(١) في النسخة : وجعله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً.

(٢) في النسخة : قبضه الله.

(٣) في النسخة : فكان.

(٤) في النسخة : ما قد.

(٥) في النسخة : فأتيتموني طائعين مختارين.

(٦) في النسخة : بايعناك.

(٧) في النسخة الخطية : لا بد لك من ذلك.

(٨) كذا في الاصل : لا يكون ذلك.

(٩) في الاصل [ فأولكم مبايع لي ].

٩٨

طائعين [ غير مكرهين ] !!.

ثم لم يلبثا حتى استأذناني في العمرة ، والله يعلم انهما أرادا الغدرة ، فجددتُ عليهما العهد في الطاعة ، وان لا يبغيا في الامة(١) الغوائل ، فعاهداني ثمّ لم يفيا لي(٢) ، فنكثا بيعتي ونقضا عهدي(٣) فعجباً لهما من انقيادهما [ لابي بكر وعمر وخلافهما لي ](٤) ، ولستُ بدون احد الرجلين ، ولو شئت ان اقول اللهم احكم عليهما بما صنعا [ في حقي وصغرا من امري ] وظفرني بهما.

ولهعليه‌السلام خطبة أخرى

وقالعليه‌السلام في مقامٍ آخر في هذا المعنى ، بَعد أنْ حَمِد اللهَ وأثنى عليهِ ، وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ (٥) :

أمّا بعدُ ، أيّها الناس(٦) فانّ اللهَ عزّوجلّ لمّا قَبضَ نبيَّهُصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، قُلنا نحنُ أَهل بيتهِ وعصبتُهُ وَوَرثتُهُ وأولياؤهُ وأحقُّ [ الناسُ بالامرِ

__________________

(١) في الاصل [ في الامة ].

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل [ حتى وثبا على الماضيين قبلهما ، ليذهبا بحقي ، ويفرقا جماعة المسلمين على تعجبٍ ] والصواب كما ورد في الارشاد.

(٤) في الاصل : الى من سبقها وخلافهما والصواب كما في الارشاد.

(٥) الارشاد ١ : ٢٤٥ ، بحار الانوار ٣٣ : ١١١ ح ٨٦.

(٦) لم ترد في الارشاد.

٩٩

والخلافةِ ](١) ، لا نُنازع في حقّهِ وسُلطانهُ ، فبينا نحن [ كذلك ](٢) إذ نفر قومٌ من المنافقين حتى انتزعوا سُلطانَ نبينا منّا ، وَوَلّوهُ غيرنا ، فَبكتْ ـ والله ـ لذلك العُيونُ والقُلوبُ منَّا جميعاً معا ، [ وخشنت ] له الصُّدورُ ، وجَزعَت النَّفوسُ منَّا جزعاً أرغمَ ، وايمُ الله [ لولا ] مخافتي الفرق بين المسلمين وأن يقود أكثرهم الى الكفرِ ويعَور الدْينُ ، لكُنّا قد غيّرنا ذلك بما استطعْنا. وقد بايعتموني الآن وبايعني هذان الرجلان طلحةُ والزّبيرُ على الطَّوْعِ منهما ومنكم [ الايثار ](٣) ، ثمّ نهضا يُريدان ببغيهما(٤) البصرة ، ليُفرّقا جماعتكم ويُلقيا بأسَكم [ بينكم ] ، اللّهم فخُذهما [ بغشّهما ] ، لهذه الامة واخذل بيعتهما لهذه الامة وبسوء نظرهما للعامة(٥) .

ثم قالعليه‌السلام : انفروا(٦) رحمكم الله لطلب الناكثين القاسطين الباغين قبل ان يفوتا ، [ فتداركوا ما خبياه ](٧) .

ومن كلامهعليه‌السلام

فخرجا يجران(٨) حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، كما تجرُّ الأَمَةُ عندَ

__________________

(١) في الارشاد : وأحقّ الخلق به.

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل : الاثر.

(٤) سقطت من الارشاد.

(٥) في الاصل : واخذل بيعتهما لهذه لتنظرهما العامة.

(٦) في الاصل : تفرقوا والصواب في الارشاد.

(٧) في الارشاد : قبل ان يفوت تدارك ما خبياه.

(٨) في نهج البلاغة : فخرجوا يجرون.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375