نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام0%

نظام حقوق المرأة في الإسلام مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: المرأة
الصفحات: 446

  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56746 / تحميل: 8485
الحجم الحجم الحجم
نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حيث الأصول والضوابط العامة - واحد في جميع الأزمان.

إنّني واع لمسألة (نسبية الأخلاق) ومسألة (نسبية العدالة) اللتين تملكان رصيداً من المؤيّدين، وسأبيّن رأيي آخذاً بنظر الاعتبار نظريات هؤلاء المؤيّدين.

وقسم آخر من حاجات الإنسان متغيّرة وتستوجب قوانين متغيّرة وغير ثابتة. والإسلام بالنسبة لهذه الحاجات المتغيّرة قد أخذ بنظر الاعتبار أوضاعاً متغيّرة وذلك بربط هذه الأوضاع المتغيّرة بمبادئ ثابتة، وهذه المبادئ تنشئ لكل وضع متغير قانوناً فرعياً خاصاً.

إنّني لا استطيع أن أوضح هذه المسألة أكثر من ذلك ضمن هذه المقالة، لكنّني سأضرب للقرّاء المحترمين بعض الأمثلة.

في الإسلام مبدأ اجتماعي يتمثّل بقوله تعالى:( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) (1) ، وفي السنّة النبوية مجموعة من التعليمات تعرف في الفقه باسم: (السبق والرماية).

ورد في الحديث ما معناه: علّموا أولادكم فنون الفروسية والرماية حتى تتقنوها. وكان ركوب الخيل والرماية من الفنون العسكرية في ذلك العصر. وواضح جداً أنّ جذر ومبدأ قانون (السبق والرماية) هو نفس مبدأ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) أي أنّ الرمح والسيف والسهم

____________________

(1) سورة الأنفال، الآية 60.

١٢١

والخيل ليست هي الأصل في القوّة في نظر الإسلام. أمّا الأصالة للقوّة. الأصالة أن يصبح المسلمون في كل عصر وزمان أصحاب قوّة في النواحي العسكرية والدفاعية أمام الأعداء وإلى أقصى حدّ ممكن. فلزوم المهارة في الرماية وركوب الخيل إطار لمسألة لزوم القوّة. بتعبيرٍ آخر: هو صورة تنفيذية لها غير. إذاً فشرط القوّة أمام العدو قانون ثابت ينبع من حاجة ثابتة ودائمة. أمّا شرط المهارة في الرماية وركوب الخيل فمظهر لحاجة مؤقّته ومتغيّرة تتغيّر من عصر إلى عصر، وبتغيّر ظروف الحضارة تحل محلّها أمور أخرى من قبيل الأسلحة النارية المتداولة هذه الأيام والمهارة والتخصّص في استعمالها.

مثال آخر: مبدأ اجتماعي آخر ذكر أيضاً في القرآن يتعلّق بتبادل الثروة؛ فالإسلام قبل مبدأ الملكية الفردية، وبالطبع فإنّ ما قبله الإسلام بعنوان الملكية يختلف عمّا هو موجود في العالم الرأسمالي، وليس الآن وقت المقارنة بينهما، وشرط الملكية الفردية هو التبادل.

وقد قرّر الإسلام (للتبادل) مبادئ من جملتها مبدأ:( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) (1) . أي أنّ المال والثروة المتداولة من يد إلى يد والتي تخرج من يد المنتج وصاحب الصلاحية في مقابل فائدة مشروعة تعود على صاحب الثروة، أمّا انتقال الثروة من يد إلى يد بدون أن تعود على صاحبها بفائدة ذات قيمة إنسانية فهو أمر ممنوع؛ فالإسلام لا يعتبر

____________________

(1) سورة البقرة، الآية 188.

١٢٢

الملكية مساوية للصلاحية المطلقة.

من ناحية أُخرى، ورد في التعاليم الإسلامية منع بيع وشراء بعض الأشياء، ومن جملتها الدم وغائط الإنسان، لماذا؟ لأنّ دم الإنسان أو الخروف ليس لهما استعمال مفيد يجعلهما ذوي قيمة وجزءاً من ثروة الإنسان، ومبدأ منع بيع وشراء الدم والغائط يستند إلى مبدأ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) . فمنع بيع الدم والغائط ليس له أصالة في نظر الإسلام، إنّما الأصالة لوجوب كون التبادل بين شيئين نافعين للإنسان، فمنع بيع أمثال دم وغائط الإنسان اصطبغ بصبغة منع تداول الثروة بالباطل. وبتعبير آخر: إنّها لا صورة التنفيذية لمبدأ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) بل لو لم تكن هناك مبادلة أصلاً فلا يمكن لأيّة ثروة أن تمتلك من الغير بالباطل وتُصرف.

هذا المبدأ هو مبدأ ثابت لكل عصر وينبع من حاجة اجتماعية ثابتة، أمّا كون الدم والغائط لا يعدّان مالاً وغير قابلين للتبادل فأمر يرتبط بالعصر والزمان والمستوى الحضاري، وبتغيّر الظروف وتقدّم العلوم والصناعات وإمكان استعمالها لفائدة الإنسان يتغيّر هذا الحكم.

مثال آخر: كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في أواخر عمره - لا يستعمل الأصباغ بالرغم من بياض شعره. فكانت لحيته وشارباه بيض. فقال له رجل ألم يقل رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (غطّوا الشعر الأبيض بالصبغ) فقال (عليه السلام): (نعم)، قال الرجل فلماذا لا تصبغ شعرك؟ قال (عليه السلام): (حين أمر رسول

١٢٣

الله (صلّى الله عليه وآله) بذلك كان عدد المسلمين قليلاً وكان بينهم عدد من الشيوخ يشاركون في الحروب، فإذا نظر العدو إلى صفوف المسلمين ورأى أُولئك الشيبة سكن روعه وقويت معنوياته؛ لأنّه يقاتل شيوخاً فأمر الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أن يصبغوا شعرهم كي لا يتنبّه العدو إلى سنّهم. فعندها ذكر الإمام علي (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إنّما أمر بذلك حين كان عدد المسلمين قليلاً، وكان لابد من ممارسة مثل هذه الأساليب. أمّا اليوم فقد انتشر الإسلام في أقطار العالم ولم تعد هناك حاجة لهذا العمل، فكل شخص حر في أن يصبغ شعره أو لا يصبغه.

في نظر علي (عليه السلام) أنّ أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن: (اصبغوا شعوركم) لم تكن له أصالة؛ فالشكل التنفيذي كان قانوناً آخر غلّف به القانون الأساسي الذي هو عدم تقوية معنويات العدد.

إنّ الإسلام يهتم بالشكل والمظهر والخارج، كما يهتم بالروح والباطن والجوهر لكنّه إنّما يطلب الشكل والمظهر للروح والباطن، يطلب الغلاف من أجل النواة، ويطلب القشر من أجل اللب، واللباس من أجل الجسد.

مسألة تغيير الخط

طرحت في بلادنا هذه الأيام مسألة (تغيير الخط). هذه المسألة في الوقت الذي يمكن بحثها من ناحية اللغة والأدب الفارسي، كذلك يمكن بحثها من وجهة نظر المبادئ الإسلامية. ويمكن طرح هذه المسألة من

١٢٤

وجهة نظر الإسلام على صورتين.

الأُولى: هل للإسلام ألف باء خاصة به وهل يفرق بين الألفباءات؟ وهل يعتبر الإسلام ألفباءنا - المعروفة اليوم باسم الألف باء العربي - خاصة به ويعد الألفباءات الأخرى كالألف باء اللاتينية أجنبية؟ بالطبع لا. فالإسلام الذي هو دين عالمي يعتبر كل الألفباءات سواء.

الثانية: ما تأثير تغيير الخط والألف باء في اجتذاب وذوبان الأمة الإسلامية في الأجانب؟ ما تأثيره في قطع علاقة هذه الأمّة بثقافتها إذا علمنا أنّ المعارف الإسلامية والعلمية لها قد كتبت بهذه الألف باء طوال أربعة عشر قرناً؟ ومَن الذي اقترح خطّة تغيير الخط؟ ومَن الذي ينفّذها؟ هذا ما يجب أن نبحثه الآن.

التطفّل حرام وليس لبس القبعة

يواجه أمثالي أحياناً بأسئلة تخالطها لهجة احتقار واستهزاء، يسألونني: ما حكم الشرع في تناول الطعام وقوفاً؟ وما هو حكم استعمال الشوكة والملعقة؟ وهل اعتمار القبعة حرام؟ وهل استعمال لغة أجنبية حرام؟

فأجيب قائلاً: إنّ الإسلام لم يضع لهذه الأُمور حدوداً خاصّة، إنّه لم يقل كل بيدك، ولا قال: كل بالملعقة، إنّما قال حافظ على النظافة على كل حال. ومن ناحية القبعة والحذاء واللباس كذلك لم يأت الإسلام (بموضة) خاصة. وفي نظر الإسلام أنّ اللغة الانكليزية واليابانية

١٢٥

والفارسية شيء واحد، ولكن...

ولكنّ الإسلام قال شيئاً آخر، إنّه قال: إنّ ذوبان الشخصية حرام. الخوف من الآخرين حرام. التقليد الأعمى حرام. الذوبان والتلاشي في الآخرين حرام. التطفّل حرام. الانخداع بالأجانب كانخداع الأرنب بالحيّة حرام. تصوّر الحمار الأجنبي الميت بغلاً حرام. قبول انحرافاتهم ومآسيهم باسم (ظاهرة القرن) حرام. اعتقاد أنّ الإيراني يجب أن يصبح إفرنجياً جسماً وروحاً وظاهراً وباطناً حرام. والإقامة أربعة أيام في باريس وتبديل مخرج (الراء) بمخرج (الغين) وقول (غحت) بدلاً من (رحت) حرام.

3 - مسألة الأهم والمهم

وأمر آخر من الأمور التي مكّنت الإسلام من الانسجام مع مقتضيات العصر هو جانب في تعاليم هذا الدين. فالإسلام أبلغ أتباعه أنّ كل تعاليمه ناشئة عن مجموعة مصالح عليا، ومن الناحية الأخرى توضّحت في الإسلام درجة أهمّية المصالح، هذا الأمر يسّر عمل خبراء الإسلام الحقيقيين في المجالات التي تتعارض فيها المصالح المختلفة. فقد أجاز الإسلام في مثل هذه الموارد، أن يقوم الخبراء الإسلاميون بالموازنة بين درجة أهميّة المصالح، ومن ثمّ اختيار المصلحة الأهم على أساس من التوجيهات التي وضعها الإسلام نفسه. ويسمّي الفقهاء هذه القاعدة باسم (الأهم والمهم). ولديّ هنا أمثلة كثيرة

١٢٦

لكنّني أعرض عن ذكرها.

4 - القوانين التي تمتلك حق النقض (الفيتو)

وأمر آخر يمنح هذا الدين قابلية المرونة والانسجام ويجعله حيّاً خالداً هو أنّ هناك مجموعة من القواعد والقوانين شُرّعت ضمن هذا الدين، عملها الإشراف والسيطرة على القوانين الأخرى، ويسمّي الفقهاء هذه القواعد بالقواعد (الحاكمة)، مثل قاعدتي (لا حرج) و(لا ضرر) اللتين تحكمان الفقه كلّه. عمل هذه المجموعة من القواعد هو السيطرة وتعديل القوانين الأخرى. وفي الحقيقة أنّ الإسلام جعل لهذه القواعد حق النقض (الفيتو) بالنسبة لسائر القوانين والتعليمات؛ ولذلك أيضاً قضية طويلة ليس هنا محلّ ذكرها.

صلاحيات الحاكم

بالإضافة إلى ما ذُكر هناك مجموعة (روابط وفواصل) أخرى في بناء دين الإسلام المقدّس منحت هذا الدين خاصية الخلود والخاتمية، وقد اعتمد المرحوم آية الله النائيني وحضرة العلاّمة الطباطبائي في هذا المجال كثيراً على الصلاحيات التي أعطاها الإسلام للحكومة الإسلامية الصالحة.

مبدأ الاجتهاد

يقول الشاعر الباكستاني إقبال: (الاجتهاد هو القوّة المحرّكة للإسلام) هذا الكلام سليم إلاّ أنّ الشيء الأساس هو خاصية الإسلام في

١٢٧

(استيعاب الاجتهاد). فلو وضعنا بدل الإسلام شيئاً آخر؛ لرأينا أنّ أمر الاجتهاد صعب جدّاً بل لا سبيل إلى وجوده، لكنّ الأساس هو هذه الأسرار التي خالطت بناء هذا الدين السماوي العجيب ومنحته القابلية على الانسجام مع التقدّم الحضاري.

ويبيّن ابن سينا في (الشفاء) كذلك ضرورة (الاجتهاد) على نفس هذا المبدأ يقول: (لما كانت أوضاع الزمان متغيّرة وتطرأ على الدوام مسائل جديدة، ومن جهة أخرى فإنّ مبادئ الإسلام الكلية ثابتة لا تتغيّر، لذا أصبح من الضروري أن يوجد في جميع العصور والأزمان أفراد ذوو معرفة وخبرة كاملة بالمسائل الإسلامية يأخذون بنظر الاعتبار المسائل الجديدة التي تطرأ في كل عصر، ويتجاوبون مع احتياجات المسلمين).

وملحق القانون الأساسي لإيران قد أخذ بنظر الاعتبار أيضاً، أن تكون هناك في كل عصر هيأة من المجتهدين لا يقل عددهم من خمسة أشخاص (لهم معرفة بمقتضيات العصر) للإشراف على القوانين. وغرض كتاب هذه المادة وجود أفراد غير (جامدين) ولا (جاهلين)... غير معارضين للتقدّم العصري ولا مقلّدين للآخرين، يشرفون على قوانين الدولة. ويجب أن أؤكّد على نقطة مهمة هي أن (الاجتهاد) بالمفهوم الحقيقي للكلمة يعني التخصّص والمعرفة في المسائل الإسلامية، وليس شيئاً يمكن أن يدّعيه كل هارب من المدرسة؛ لأنّه حضر لعدّة أيام في إحدى الحوزات العلمية. وممّا لا شك فيه أنّ التخصّص في المسائل الإسلامية وصلاحية إعطاء الآراء فيها يتطلّب

١٢٨

مجهود عمر، وإن لم يكن العصر قصيراً لنيل ذلك فهو ليس كثيراً عليه. هذا مع اشتراط أن يكون الشخص المشار إليه ذا قابليّة واستعداد كبيرين، وممّن كتب الله له التوفيق لبلوغ هذا الأمر.

وبغضّ النظر عن التخصّص والاجتهاد، يمكن لبعض الأفراد أن يكونوا مراجع لطرح الآراء والنظريات الإسلامية إذا كانوا قد بلغوا الحدّ الأعلى في التقوى ومعرفة الله وخشيته. فإنّ تاريخ الإسلام يرينا أفراداً مع ما كانوا يتمتّعون به من مستويات علمية وأخلاقية عالية، إلاّ أنّهم حين كانوا يهمّون بالإفتاء والتوجيه يرتجفون كالصفصاف. وأعتذر ثانية من القرّاء المحترمين لأنّ البحث قد جرّنا إلى الكلام في مثل هذه الأمور.

١٢٩

١٣٠

الفصل الخامس

القرآن ومكانة المرأة

المكانة الإنسانية للمرأة في نظر القرآن

كيف ينظر الإسلام إلى المرأة كمخلوق؟

هل يعتبرها من حيث الشرف والكرامة الإنسانية مساوية للرجل، أم يعتبرها جنساً أدنى؟

هذا ما سنجيب عنه فيما يلي:

فلسفة الإسلام الخاصّة بحقوق الأُسرة

للإسلام في مجال الحقوق الأُسرية للمرأة والرجل فلسفة خاصة تختلف عمّا كان سائداً قبل أربعة عشرة قرناً، وعمّا هو سائد في العالم الآن. إنّ الإسلام لا يرى للمرأة والرجل من جميع المجالات نوعاً واحداً من الحقوق، ولا نوعاً واحداً من الواجبات، ولا نوعاً واحداً من العقوبات. إنّما يرى قسماً من الحقوق والواجبات والعقوبات أنسب للرجل، وقسماً غيرها أنسب للمرأة، وبالنتيجة فقد جعل في بعض المجالات وضعاً متشابهاً للمرأة والرجل، وفي مجالات أُخرى وضعاً مختلفاً.

فلماذا؟ وعلى أيّ أساس؟ وهل إنّ الإسلام - ككثير من المدارس الفكرية الأخرى - ينظر إلى المرأة نظرة احتقار، ويعتبرها جنساً أدنى؟

١٣١

أم أنّ له في ذلك رأياً آخر وفلسفةً أخرى؟

لقد سمعتم وقرأتم مراراً وتكراراً أحاديث وكلمات وكتابات مقلّدي النظم الغربية، وفيها أنّ مقرّرات الإسلام في المهر والنفقة والطلاق وتعدّد الزوجات وأمثالها ليست إلاّ دليلاً على احتقار وإهانة المرأة والتزام جانب الرجل فقط.

يقولون: إنّ جميع نظم وقوانين العالم قبل القرن العشرين تقضي بأنّ الرجل أشرف جنساً من المرأة، وأنّ المرأة خُلقت من أجل استمتاع الرجل، وأنّ الحقوق الإسلامية تدور كذلك حول محور مصالح ومنافع الرجل.

ويقولون: الإسلام دين الرجال، وأنّه لا يعتبر المرأة إنساناً كاملاً، ولم يضع لها حقوقاً كما يجب للإنسان؛ إذ لو اعتبرها إنساناً كاملاً لما أجاز تعدّد الزوجات، ولما أعطى حق الطلاق للرجل، ولما اعتبر شهادة امرأتين بمثابة شهادة رجل واحد، ولما أسند رئاسة العائلة إلى الرجل، ولما جعل سهم المرأة من الإرث نصف سهم الرجل، ولما جعل للمرأة ثمناً اسمه المهر، ولمنحها استقلالاً اقتصادياً واجتماعياً، ولما جعلها مرتزقة عند الرجل وجعل نفقتها واجبة عليه. ويتوصّلون بكل ذلك إلى أنّ الإسلام ينظر إلى المرأة باحتقار، ويعتبرها أداةً بيد الرجل.

ويقولون: إنّ الإسلام مع أنّه دين المساواة، وقد راعى مبدأ المساواة في بعض الأمور، إلاّ أنّه لم يراع هذا المبدأ فيما يتعلّق بالمرأة والرجل.

١٣٢

ويقولون: إنّ الإسلام منح الرجل امتيازاً وتفضيلاً في الحقوق، ولو لم يكن كذلك لما وقف من المرأة المواقف السالفة الذكر.

ولو أردنا أن نصوغ اعتراضات هؤلاء السادة صياغةً منطقيةً أرسطيّة فإنّها ستأتي على الشكل التالي:

لو أنّ الإسلام اعتبر المرأة إنساناً كاملاً، لمنحها حقوقاً متشابهة ومتساوية لحقوق الرجل، وبما أنّه لم يمنحها مثل هذه الحقوق، فهو إذن لا يعتبرها إنساناً حقيقياً.

مساواة أم تشابه؟

إنّ المبدأ الذي استند إليه المعترضون هو تلازم تساوي المرأة والرجل في الإنسانية مع وجوب تساويهما في الحقوق.

وهنا يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار مبدأً فلسفياً آخر هو:

ماذا يستلزم تساوي المرأة مع الرجل في الكرامة الإنسانية؟ هل يستلزم تساويهما في الحقوق بشكل ليس فيه تفضيل أو تمييز، أم أنّه يستلزم أن تكون المرأة والرجل علاوةً على التساوي متشابهين في الحقوق وليس بينهما تقسيم في الواجبات والأعمال؟

فنقول: إنّ ممّا لا شك فيه هو أنّ تساوي المرأة والرجل في الكرامة الإنسانية يستلزم تساويهما في الحقوق الإنسانية، أمّا أن يتشابها في الحقوق فذلك شيء آخر.

١٣٣

فإذا أردنا أن نتخلّى عن التقليد الأعمى لفلسفة الغرب، وأجزنا لأنفسنا أن نتأمّل في ما وصلنا منهم من أفكار وآراء فلسفية، فلننظر هل أنّ التساوي في الحقوق هو نفس التشابه في الحقوق أم لا؟ إنّ التساوي غير التشابه... التساوي هو المساواة، والتشابه هو المماثلة. فيمكن مثلاً أن يقسم أب ثري ثروته بين أولاده بالتساوي ولا يقسمها بشكل متشابهة. ففي هذا المثال يمكن أن يكون للأب عدّة أنواع من الثروات، يكون أحدها متجراً، وثانيها أرضاً زراعية، وثالثها أملاكاً مؤجّرة، ولكن بما أنّه كان قد اختبر مقدماً استعدادات كل من أولاده فوجد أنّ لأحدهم قابلية في العمل التجاري، وللثاني رغبة في الزراعة، وللثالث قابلية في إدارة الأملاك المؤجّرة، فإذا أراد أن يقسم ثروته بين أولاده في حياته فانه - مع الأخذ بنظر الاعتبار مراعاة التساوي في القيمة عند التقسيم - سيمنح أولاده من ثروته كلاًّ حسب ما وجد فيه من الاستعداد لإرادته والنجاح فيه.

فالكمّ غير الكيف، والتساوي غير التشابه والتماثل. فإنّ من المسلّم به أنّ الإسلام لم ينمح المرأة والرجل حقوقاً من نوع واحد ولون واحد لكنّه لم يفضل الرجل على المرأة في الحقوق. لقد راعى مبدأ المساواة في الإنسانية بين المرأة والرجل... الإسلام يقر المساواة بين حقوق المرأة والرجل ولكنّه لا يقر تشابه هذه الحقوق.

إنّ كلمات مثل: كلمة التساوي والمساواة - لكونها تتضمّن مفهوم

١٣٤

عدم التمييز - قد حازت على قدسية خاصّة، ولها جاذبية معيّنة، فهي تجتذب احترام السامع وخاصّة إذا أُضيفت إليها عبارة (في الحقوق) واقترنت بها.

المساواة في الحقوق! يا لها من تركيبه جميلة ومقدّسة. مَن هو الإنسان النظيف الفطرة والضمير الذي لا يخضع ولا ينحني إجلالاً أمام هذه العبارة؟

ولكن لا أدري كيف - ونحن الذين كنّا حملة لواء العلم والفلسفة والمنطق في العالم - وصل بنا الحال إلى درجة أنّ الآخرين يحاولون أن يفرضوا علينا نظرياتهم حول (تشابه حقوق المرأة والرجل) تحت هذا العنوان المقدّس (المساواة في الحقوق). إنّ هذا يشبه بالضبط أنّ شخصا يبيع (البنجر) وينادي عليه باسم (كمثرى).

فمن المسلّمات أنّ الإسلام لم يضع للمرأة والرجل في المجالات حقوقاً متشابهة، كما أنّه لم يضع عليهما في جميع المجالات تكاليف وعقوبات متشابهة، ولكن هل معنى ذلك أنّ مجموع الحقوق التي منحها للمرأة أقل قيمة وأهميّة من الحقوق التي منحها للرجل؟ بالطبع، لا. وهذا ما نبرهن عليه الآن. وهنا يبرز سؤال ثان، هو: لماذا شرع الإسلام حقوقاً غير متشابهة للمرأة والرجل في بعض المجالات؟ لماذا لم يجعلها جميعا متشابهة؟ هل من الأفضل أن تتساوى وتتشابه حقوق المرأة والرجل أم أن تتساوى ولا تتشابه؟

١٣٥

ولأجل بحث هذه المسألة بشكل كامل، نقسّم البحث إلى ثلاثة أقسام هي:

1 - نظرة الإسلام إلى المرأة كإنسانة من ناحية الخلقة.

2 - الهدف من وراء الاختلاف في الخلقة بين المرأة والرجل؟ وهل أنّ هذا الاختلاف يجب أن يؤدّي إلى اختلاف في الحقوق الطبيعية والفطرية بينهما أم لا؟

3 - ما هي فلسفة الفروق التي يضعها النظام الإسلامي بين المرأة والرجل، والتي يتعامل مع بعضها على أساس عدم التشابه؟ وهل أنّ هذه الفلسفة والحكمة من الاختلاف سارية المفعول إلى هذا اليوم، أم لا؟

مقام المرأة

أمّا في القسم الأوّل: فالقرآن ليس مجموعة قوانين فحسب، وإنّ محتويات القرآن ليست سلسلة مجرّدة من الأنظمة والقوانين الجافّة التي لا معنى لها. وإنّما في القرآن نجد القانون كما نجد التاريخ، والموعظة، وتبيان حكمة الخالق، وآلاف المسائل الأخرى. فالقرآن في الوقت الذي يشرّع القوانين من جهة، نجده في مكان آخر يتحدث عن الخلق والطبيعة من جهة أخرى. فهو يبين خلق الأرض والسماء والنبات والحيوان والإنسان وسر الموت والحياة، والعزّة والذلّة، والارتقاء والانحطاط، والغنى والفقر.

القرآن ليس كتاب فلسفة لكنّه يعطي رأياً قاطعاً حول الكون

١٣٦

والإنسان والمجتمع بشكل واضح، وهذه المسائل الثلاث تشكّل المواضيع الأساس للفلسفة.

إنّ القرآن لا يعلّم أتباعه قانوناً ولا يعظهم وعظاً مجردّاً وإنّما يوجد لديهم - عن طريق بيان حكمة الخلق - تصوّراً خاصّاً للكون والحياة، ويعلّمهم منهجاً جديداً للتفكير. وما أساس الأنظمة الإسلامية في الأمور الاجتماعية كالملكية والحكم وحقوق الأسرة إلاّ نظرته إلى الوجود والموجودات.

ومن جملة المسائل التي بيّنها القرآن الكريم موضوع خلق المرأة والرجل، فهو في هذا المجال لم يدع الجو خالياً للمتقوّلين كي يصوّروا موقف الإسلام بأنّه موقف احتقار للمرأة. وإنّما بادرهم ببيان موقفه منها بشكل واضح. وإذا أردنا أن نعرف نظرة القرآن حول خلق المرأة والرجل وجب علينا أن ننتبه إلى مسألة طبيعة وطينة كل من المرأة والرجل والتي أشارت إليها جميع الكتب الدينية، وكذلك القرآن لم يسكت هذا الموضوع.

فلننظر هل يتعامل القرآن مع المرأة والرجل على أنّهما من طينة وخلقة واحدة أم من طينتين مختلفتين؟

يذكر القرآن في آيات عديدة بصراحة تامّة قول الله تعالى إنّه خلق النساء من جنس الرجال ومن طينة مشابهة لطينة الرجال، فيذكر عن آدم قوله جلّ وعلا:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ

١٣٧

وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً... ) (1) .

ويعني بالنفس الواحدة نفس آدم (عليه السلام).

كما يذكر في سورة النساء وآل عمران آيات تتضمّن خلق الزوجة من جنس الزوج، ضمن استعراض نعم الله عزّ وجلّ على الإنسان، ولا تجد في القرآن أثراً لما تجده في كتب الأديان الأخرى من أنّ المرأة قد خُلقت من مادة أدنى من مادة الرجل، أو أنّ المرأة ناقصة الخلقة وأنّ حواء قد خُلقت من أحد أعضاء آدم (عليه السلام)؛ وعليه، نرى أنّه توجد في الإسلام نظرة احتقار تجاه المرأة في طبيعة خلقها وأصلها.

ونظرية أخرى من النظريات التي تحتقر المرأة، والتي كانت سائدة - فيما مضى - وتركت في أدب الشعوب آثاراً سيئة تلك التي تقول: المرأة هي عنصر الخطيئة ومن وجودها يدب الشر والفساد، وأنّ للمرأة يداً في كل جريمة وخطأ يرتكبه الرجال... فيقولون: إنّ الرجل في حدّ ذاته مبرّأ من الخطأ، وأنّ المرأة هي التي تجرّه إلى الخطيئة، ويقولون: إنّ الشيطان لا يجد طريقاً مباشراً إلى الرجل. وإنّما إلى المرأة التي تخدع الرجل بدورها، فالشيطان يوسوس للمرأة وهي توسوس للرجل، ويقولون: إنّ آدم (عليه السلام)، الذي خدعه الشيطان وتسبّب في إخراجه من جنّة النعيم إنّما كان انخداعه عن طريق المرأة، فالشيطان خدع حوّاء وهي

____________________

(1) سورة النساء، الآية 1.

١٣٨

أغرت آدم (عليه السلام).

هذا بينما نجد القرآن يطرح قصّة جنّة آدم بدون أن يشير أبداً إلى أنّ الشيطان أو الثعبان قد أغوت حواء، وأنّ حواء أغوت آدم، بل إنّه لا يجعل حواء مسؤولاً رئيسياً ولا يخرجها من الحساب. فالقرآن يقول:( يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا ) (1) ثم حين يتطرق إلى وسوسة الشيطان نجده يتحوّل إلى التثنية في الحديث فيقول:( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ ) (2) و( فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ) (3) و( وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) (4) .

فيدخل القرآن حرباً ضد الأفكار التي كانت منتشرة في ذلك العصر، ويبرئ المرأة ممّا كان ينسب إليها من كونها عنصر وسوسة وخطيئة، وشيطاناً صغيراً.

ومن النظريات الأخرى التي تحتقر المرأة تلك التي تتعلّق باستعداداتها الروحية والمعنوية، فكانوا يقولون إنّ المرأة لا تدخل الجنّة، وأنّها لا تستطيع أن تسمو في المراتب الروحية والدينية، ولا أن تدرك ما يدركه الرجل في القرب من الخالق جلّ وعلا. هذا بينما نجد

____________________

(1) سورة البقرة، الآية 35.

(2) سورة الأعراف، الآية 20.

(3) سورة الأعراف، الآية 22.

(4) سورة الأعراف، الآية 21.

١٣٩

في القرآن آيات كثيرة تصرّح بأنّ الجزاء الأُخروي والقرب من الله لا يرتبط بجنس الفرد ذكراً أو أنثى، بل بالإيمان والعمل الصالح، سواء من قِبل المرأة أو من قِبل الرجل. ثم يضع القرآن إلى جانب كل رجل عظيم ومقدّس امرأة عظيمة ومقدّسة. فيذكر بكل تقدير زوجات آدم وإبراهيم، وأُمّهات عيسى وموسى. وإذا كان قد أشار إلى زوجتي نوح ولوط على أنّهما زوجتان غير صالحتين فقد أشار إلى زوجة فرعون على أنّها امرأة عظيمة ابتُليت برجلٍ فاجر، وكأنّ القرآن قد حفظ في قصصة التوازن بين المرأة والرجل ولم يقصر البطولة على الرجال فقط.

يقول القرآن في حديثه عن أُمّ موسى:

( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ... ) (1) .

ولا يخفى ما في العبارة من الدلالة على مكانتها إذ يوحي إليها الله العلي القدير.

ويتحدث عن مريم والدة عيسى (عليهما السلام) كيف كانت الملائكة تحدثها في المحراب، وكيف كان رزقها يأتيها عن طريق الغيب حيث يدل على ما بلغته من رتبة ربّانية عالية حتى أن نبي زمانها احتار في أمرها وتجاوزته هي في درجتها عند الله وبقي زكريا مبهوتاً أمامها.

وفي التاريخ الإسلامي ذاته قدّيسات كثيرات وجليلات إذ لم يبلغ

____________________

(1) سورة القصص، الآية 7.

١٤٠