نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام0%

نظام حقوق المرأة في الإسلام مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: المرأة
الصفحات: 446

  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56750 / تحميل: 8485
الحجم الحجم الحجم
نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مكانة الإنسان واحترامه

لما كانت لائحة حقوق الإنسان قد وضعت على أساس من احترام الإنسانية والحرية والمساواة من أجل إحياء حقوق الإنسان، فهي محل احترام وتقدير كل إنسان شريف، ونحن شعوب الشرق قد كنا ننادي منذ قديم الزمان بضرورة احترام الإنسان وقيمته ومكانته، وفي الدين الإسلام - كما ذكرنا سابقاً - يتمتّع الإنسان وحقوق الإنسان والحرية والمساواة بأقصى درجات الاحترام. وإن كتّاب ومنظّمي هذه اللائحة وكذلك الفلاسفة الذين كانوا هم الملهمين الحقيقيين لهذه اللائحة هم محل احترامنا وتقديرنا. ولكن بما أنّ هذه اللائحة هي متن فلسفي كتب بيد إنسان لا بيد ملائكة، وهي من استنباط مجموعة من أفراد بني الإنسان، فمن حق أي فيلسوف إذاً أن ينقدها، وإذا وجد في بعض موادها أحياناً شيئاً من الضعف، أن يشير إليه.

هذه اللائحة ليست خالية من نقاط الضعف ولكنّنا لا نريد الآن أن نشير إلى نقاط الضعف بل إلى نقاط القوّة فيها.

تستند اللائحة إلى (مكانة الإنسان الذاتية)، والشرف والكرامة الذاتية للإنسان - في نظر اللائحة - يمتلك مجموعة من الحقوق والحريات نتيجة لامتلاكه لنوع خاص من الكرامة والشرف، ممّا تفتقده باقي الأحياء وتفقد معه هذه الحقوق والحريات. وهذه هي نقطة القوّة في اللائحة.

١٦١

هبوط الإنسان في الفلسفات الغربية

هنا نقف وجهاً لوجه - مرة ثانية - مع مسألة فلسفية قديمة، هي قيمة الإنسان ومكانته وشرفه بالنسبة إلى باقي المخلوقات، وشخصيته اللائقة بالاحترام. ويجب الآن أن نتساءل عن ماهيّة الكرامة الذاتية للإنسان والتي كانت منشأ حقوق له ميّزته عن الحصان والبقرة والخروف والحمامة.

وهنا بالذات يبرز تناقض واضح بين أساس لائحة حقوق الإنسان من جهة، وبين قيمة الإنسان في فلسفة الغرب من جهةٍ أُخرى.

في فلسفة الغرب كان الإنسان - لسنوات - فاقد القيمة والاعتبار، وما كان يذكر في السابق في بلاد الشرق عن الإنسان ومكانته الممتازة، هو اليوم محل سخرية واحتقار أغلب الفلسفات الغربية.

فالإنسان في النظرة الغربية قد هبط إلى مستوى الماكنة، أما روحه وأصالته فهي محل إنكار هناك. والاعتقاد بـ (العلّة الغائية) والهدف من وجود الطبيعة يُعدّ اعتقاداً رجعيّاً.

في الغرب لا يمكن الحديث عن كون الإنسان أشرف المخلوقات؛ لأنّه في نظر الغربيين صار الاعتقاد بهذه الفكرة وبأنّ باقي المخلوقات متطفّلة على الإنسان ومسخّرة له ليس إلاّ أمراً ناشئاً عن العقيدة البطليموسية القديمة التي ضمنت - فيما ضمنت - فكرة مركزية الأرض ودوران الكواكب الأخرى حول الأرض، وتضمّنت شرحاً عن شكل

١٦٢

الأرض والكواكب الأُخرى، وبزوال هذه العقيدة، زالت كذلك فكرة كون الإنسان أشرف المخلوقات. ففي الغرب لم تكن هذه الفكرة إلاّ نتيجة إعجاب الإنسان بنفسه في الماضي، أمّا اليوم فقد أصبح متواضعاً لا يرى نفسه أكثر من قبضة من التراب - كبقية المخلوقات - بدأ من الأرض ويعود إليها وينتهي فيها.

والغربي اليوم - وبكل تواضع - لا يرى الروح جانباً من جوانب الإنسان ولا يعتقد ببقائها، ولا يرى في ذلك فرقاً بين الإنسان والنبات والحيوان. الغربي لا يرى فرقاً بين الفكر والنشاط الروحي من جهة وبين حرارة الفحم الحجري من جهة أخرى من ناحية الماهية والجوهر، فكلّها في نظره مظاهر للمادة والطاقة، وفي نظر الغرب أنّ الحياة ما هي إلاّ ميدان دامٍ يضم جميع الأحياء، ومن جملتها الإنسان حيث تجري معارك تنتهي يحكم الوجود خلالها مبدأ تنازع البقاء بين الأحياء ومن جملتها الإنسان. والإنسان في هذا الوجود يكافح بجد من أجل استمرار بقائه. وما العدالة والعمل الصالح والتعاون وحب الخير وسائر المفاهيم الأخلاقية الإنسانية إلاّ إفرازات مبدأ تنازع البقاء ابتكرها الإنسان لحفظ وجوده وبقائه.

والإنسان في نظر بعض الفلسفات الغربية ماكنة لا تحركها إلاّ المصالح الاقتصادية، أمّا الدين والأخلاق والفلسفة والعلم والأدب والفن فليست إلاّ واجهات بناء أساسه وسائل الإنتاج وتوزيع الثروة،

١٦٣

وكل ذلك مظاهر للجانب الاقتصادي من حياة الإنسان.

لا، بل إنّ هذه القيمة التي حدودها للإنسان أكثر من قدره في نظر القسم الآخر من الفلاسفة، فإنّ المحرّك والدافع الأساسي لنشاط الإنسان - في نظرهم - هو العامل الجنسي، وما الأخلاق والفلسفة والعلم والدين والفن إلاّ مظاهر لطيفة للعامل الجنسي في وجود الإنسان.

ولكن لا أدري فيما لو أنكرنا وجود الغاية والحكمة من الخلق، واعتقدنا أنّ الطبيعة تعمل بشكل أعمى، وفيما لو كان القانون الوحيد الذي يحكم حياة الأحياء هو تنازع البقاء وانتخاب الأصلح، وأنّ كل متغيّرات الطبيعة تحكمها المصادفة، وأنّ وجود وبقاء الإنسان ما هو إلاّ نتيجة تغيّرات صدفتية* وغير هادفة قد استمرّت بضع ملايين من السنين حيث كان أجداد الإنسان الحالي أليق بالحياة من باقي الأنواع ممّا أدّى إلى ظهور إنسان اليوم، وإذا اعتقدنا أنّ الإنسان نفسه ليس إلاّ نموذجاً من الماكينات التي تصنعها يداه، وإذا كان الاعتقاد بالروح والأصالة وبقاء الإنسان نوعاً من الإعجاب بالنفس والمبالغة في تعظيم الإنسان نفسه، وإذا كان الدافع الرئيس للبشر في جميع النشاطات هو الأمور الاقتصادية أو الجنس أو حب الظهور، وإذا كان الخير والشر - عموماً - مفاهيم نسبيّة، والإلهامات الفطرية والوجدانية حديث هذيان. وإذا كان النوع الإنساني عبداً للشهوات والأهواء ولا يذعن إلاّ للقوّة، وإذا وإذا...

____________________

* بالصدفة. [ الشبكة ].

١٦٤

فكيف إذاً نستطيع أن نتحدّث عن كرامة وشرف الإنسان وحقوقه غير القابلة للسلب وشخصيّته المحترمة ونعتبرها أساس جميع نشاطاته؟!

الغرب يقع في تناقض حول الإنسان

في الفلسفة الغريبة، أهينت - إلى أقصى حدٍّ ممكن - الكرامة الذاتية للإنسان وتدنّت مكانته إلى الحضيض؛ فالعالم الغربي، في مسألة خلق الإنسان وعوامل وجوده، والغاية من خلقه، ونسيج تركيبه ودوافعه وحوافزه ووجدانه وضميره، هبط إلى الدرجة التي وصفنا.

هذا من ناحية، وفي الوقت ذاته يصدر من ناحية أخرى لائحة مطوّلة ومفصّلة حول قيمة الإنسان وكرامته ومكانته وشرفه الذاتي وحقوقه المقدّسة غير القابلة للانتقال، ويدعو جميع أفراد البشر إلى الإيمان بها.

وكان على الغرب أن يعيد النظر في تقييمه للإنسان أولاً، ثم يصدر آنذاك لوائحه المفصّلة على أساس من الحقوق المقدّسة والفطرية للإنسان.

ولا أعتقد أنّ جميع فلاسفة الغرب ينظرون إلى الإنسان نفس النظرة، فإنّ كثيراً منهم لا تختلف نظرتهم إلى الإنسان في قليل أو كثير عن النظرة الشرقية، وأعتقد أنّ اتجاه الفكر الذي ساد أكثر الأوساط الغربية قد ترك أثره على شعوب العالم.

١٦٥

إنّ لائحة حقوق الإنسان يجب أن يصدرها مَن يرى في الإنسان شيئاً أكبر من تركيب مادي ميكانيكي، ولا يرى دوافع الإنسان محصورة في الأمور الحيوانية، ومَن يعتقد أنّ للإنسان شيئاً اسمه الوجدان.

لائحة حقوق الإنسان يجب أن يصدرها الشرق الذي يؤمن بمبدأ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) (1) ويرى في الإنسان مظهراً من مظاهر الإلوهية، والذي ينادي بحقوق الناس يجبان يعتقد بالغاية من وجود الإنسان:( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ) (2) .

ولائحة حقوق الإنسان اللائقة بالبشر تلك التي تستند إلى فلسفة تؤمن بوجود حب الخير في طبيعة الإنسان على أساس:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) (3) .

لائحة حقوق الإنسان يجب ان يصدرها من يحسن الظن بطبيعة الإنسان ويراها أكمل وأحسن الطبائع على أساس( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) (4) .

____________________

(1) سورة البقرة، الآية 30.

(2) سورة الانشقاق، الآية 6.

(3) سورة الشمس، الآيات 7 - 8.

(4) سورة التين، الآية 4.

١٦٦

وأمّا ما يلاءم نظرة الغرب إلى الإنسان فليس لائحة حقوق الإنسان، بل يلاءمها وينسجم معها ما يقوم به الغرب فعلاً من تصرّفات ومواقف تجاه الإنسان من اغتيال العواطف الإنسانية والاستخفاف بامتيازات البشر، وتفضيل رأس المال على الإنسان، وتقديم المال على الفرد الإنساني، وعبادة الآلة، وتأليه الثروة، واستغلال الإنسان، والتحكّم اللامحدود للرأسمالية إلى الحد الذي حين يوصي مليونير بثروته من بعده إلى كلبه المحبوب يجد هذا الكلب من الاحترام فوق ما يجد الإنسان، ويتسابق الناس هناك إلى العمل في خدمة الكلب الثري بصفة خادم وسكرتير، ومدير مكتب، وينحنون أمامه تعظيماً واحتراماً!

الغرب ينسى نفسه وربّه

إنّ أساس مشكلة المجتمع الإنساني اليوم هو أنّ الإنسان - بتعبير القرآن - قد نسي نفسه ونسي ربّه، والنقطة المهمّة في ذلك أنّه احتقر (ذاته)، فأهمل تربية باطنه، وأغفل التوجّه إلى ضميره، وحجّم وجوده كليّاً بعالم الحسّ والمادّة، فلم يعد يرى من غاية لوجوده سوى تذوّق المادّيات ولم يعد يرى وجوده إلاّ عبثاً في عبث. فأنكر ذاته وفقد روحه. وأكثر مشاكل البشرية اليوم ناشئة من هذا النوع من التفكير الذي يكاد تقريباً - وللأسف - يسيطر على العالم ويقضي فجأة على وجوده قضاءً تامّاً.

هذا اللون من التفكير أدّى إلى أنّ المدنية كلّما اتسعت وتعمّقت،

١٦٧

ازداد إحساس المتمدّن بالحقارة، وصار الإنسان الحقيقي أثراً تاريخياً يبحث عنه في الماضي ولا وجود له في الحاضر. وتستطيع عجلة الحضارة العظيمة اليوم أن تصنع كل عظيم من الآلات إلاّ الإنسان فإنّها لا تقدر على صنعه وصياغته.

يقول غاندي: (استحق الإنسان الغربي لقلب ملك الأرض لأنّه يسيطر على جميع الإمكانيات والمواهب الأرضية. إنّه يستطيع أن يقوم بأعمال على الأرض تراها الشعوب الأخرى من اختصاص الله وحده. لكنّ الإنسان الغربي عاجز عن شيء واحد ذلك هو التأمّل في باطنه، وهذا الموضوع وحده كافٍ لإثبات زيف أنوار التمدّن الجديد.

فالتمدّن الغربي يدعو الغربيين إلى الخمر والانغماس في الأعمال الجنسية من أجل أن ينسى الإنسان الغربي ذاته بدلاً من البحث عنها.

والقدرة العلمية للإنسان الغربي في مجال اكتشاف واختراع الأسلحة والمعدّات الحربية ما هي إلا مظهر للهروب من الذات، وليست مظهراً من مظاهر السيطرة على الذات نفسها. إنّ مظهر الخوف من الوحدة والصمت، واستخدام المال قد أعجز الإنسان الغربي عن سماع نداء ضميره وهذا هو الهدف من نشاطاته المستمرّة. إنّ الذي دفعه إلى السيطرة على أنحاء العالم هو عجزه عن حكم ذاته، وهذا ما يدفعه إلى نشر الفساد والاضطراب في كل أرجاء الدنيا... وماذا ينفع الإنسان فتح العالم وهو قد خسر روحه... والغربيون الذين أمرهم الإنجيل أن يكونوا

١٦٨

مبشّرين بالحق والحب والسلام في العالم، توجّهوا إلى كل صوب يبحثون فيه عن الذهب والعبيد والمنافع الشخصية، وبدلاً من أن يسيحوا طلباً للعدل والتسامح في بلاد الله طبقاً لتعاليم الإنجيل، نجدهم يستخدمون - للتحرّر من خطاياهم - الدين سلاحاً، وبدلاً من نشر كلام الله، نجدهم يصبّون القنابل على رؤوس الشعوب).

ولهذا السبب، نجد أنّ أوّل مَن ينقض لائحة حقوق الإنسان وأكثر مَن ينقضها هو الغرب نفسه، فالفلسفة التي يتبنّاها الغرب في واقعه العملي اليوم لا تسمح بغير نقض هذه اللائحة.

* * *

١٦٩

١٧٠

الفصل السادس

الأُسرة والأُسس الطبيعية

الأُسس الطبيعية لحقوق الأُسرة (1)

قلنا إنّ أساس وروح لائحة حقوق الإنسان هو أنّ للإنسان كرامة وشخصية ذاتية قابلة للاحترام، وأنّه قد مُنح في أصل خلقته مجموعة من الحقوق والحريات غير القابلة للسلب والانتقال بأيّ حالٍ من الأحوال.

وقلنا إنّ هذا الأساس والروح قد حظي بتأييد الإسلام والفلسفات الشرقية، وأنّ الذي لا ينسجم مع روح وأساس هذه اللائحة ويعتبرها واهية لا تستند إلى أساس، هي التفسيرات التي تطرحها المدارس الفلسفية في الغرب حول الإنسان ونسيج خلقه.

وبديهي أنّ المصدر الوحيد المخوّل في تعريف حقوق الإنسان والواقعية هو كتاب الخلق الثمين، فبالرجوع إلى صفحات وسطور هذه الكتاب العظيم، نطّلع على حقوق الإنسان الحقيقة وعلى حقوق المرأة والرجل تجاه بعضهما البعض.

والعجيب أنّ بعضاً من البسطاء، غير مستعدّين إطلاقاً للاعتراف بهذا المصدر العظيم. وفي نظر هؤلاء إنّ المصدر الوحيد المخوّل هو مجموعة من أفراد البشر الذين كانت لهم يد في تنظيم لائحة حقوق

١٧١

الإنسان وهم اليوم يحكمون العالم كلّه. وهم يلتزمون عملياً ببنود هذه اللائحة، ولا يجرؤ الآخرون على الاعتراض عليهم. أمّا نحن فباسم حقوق الإنسان نفسها نعطي لأنفسنا حق الاعتراض ونعتبر جهاز الخلقة العظيم (العالم) - هذا الكتاب الإلهي المعبّر - مرجعاً صالحاً لنا في البين.

إنّني أعتذر مجدّداً للقرّاء المحترمين من ورود بعض الأُمور في هذه السلسلة من المقالات حيث ظهر فيها لون فلسفي جاف قد يسبّب لهم الملل، وقد حاولت قدر الإمكان عند طرح هذه المسائل أن أجتنب ذلك، إلاّ أنّ ارتباط قضايا حقوق المرأة ببعض المسائل الفلسفية الجافّة كانت من القوّة بحيث لا يمكن تجنّبها.

ترابط الحقوق الطبيعية وهدفيّة الطبيعة

إنّ الحقوق الطبيعية والفطرية - من وجهة نظرنا - ترجع إلى الاستعدادات التي أوجدتها القوّة الخالقة في الموجودات والتي تستثمرها في توجيه هذه الموجودات بهدفيّة وقصد نحو التكامل الذي تريده لها.

ففي مقابل كل استعداد طبيعي يوجد (حق طبيعي) ويحسب به سنداً طبيعياً فالإنسان - مثلاً - يملك حق التعليم والذهاب إلى المدرسة، أمّا الخروف فلا يملك هذا الحق، لماذا؟ لأنّ الاستعدادات لتحصيل العلم وبلوغ المراتب العلمية موجودة في بني الإنسان ومفقودة في الخروف.

والقدرة الخالقة قد أودعت سند هذا الحق في وجود الإنسان ولم

١٧٢

تودعه في وجود الخروف. وهذا يصدق على حق التفكير والتصويت وحرية الإرادة، ويُخيّل إلى البعض أنّ فرضية (الحقوق الطبيعية) وتميّز الإنسان - خلقة - بحقوق خاصة؛ ادعاء أجوف وأناني يجب أن يُطرد من الأذهان فلا فرق بين الإنسان وغير الإنسان في الحقوق.

كلاّ، وليس الأمر كذلك، فإنّ الاستعدادات الطبيعية تختلف، وأنّ القوّة الخلاّقة قد وضعت كل نوع من أنواع الموجودات في مدار خاص بها، وحصرت سعادة كل ذلك النوع في حركته ضمن مداره الطبيعي، وهذه القوّة لها هدف من وراء هذا العمل فهي لم تسلم هذه السندات بيد المخلوقات عبثاً ومصادفة.

إنّ أساس وجذر حقوق الأُسرة التي هي مجال بحثنا الآن - مثل باقي الحقوق الطبيعية - يجب أن يخضع للتدقيق. ومن الاستعدادات الطبيعية - للمرأة والرجل - التي أودعها الخالق فيهما نستطيع أن نفهم ما إذا كانت المرأة والرجل يملكان حقوقاً وواجبات متشابهة أو لا. ولا تنسوا أنّ مجال بحثنا الآن - كما قلنا في المقالات السابقة هو (تشابه حقوق) المرأة والرجل في الأسرة وليس (تساوي حقوقهما).

الحقوق الاجتماعية

يتمتّع أفراد بني الإنسان في مجال الحقوق الاجتماعية غير الأُسرية - أي في المجتمع الكبير خارج محيط الأسرة - بوضع متساوٍ ومتشابه، أي إنّ لكل منهم حقوقاً أوّلية طبيعية يتساوى فيها الجميع

١٧٣

تماماً. فللجميع حق الاستفادة من مواهبهم الطبيعية، وللجميع حق العمل وللجميع أن يشتركوا في سباق الحياة، وللجميع الحق في ترشيح أنفسهم لأيّ مقام اجتماعي شاءوا ولكل منهم أن يسلك للحصول على ذلك كل طريق مشروع، وللجميع الحق في إظهار استعداداتهم العلمية والعملية.

وبالطبع فإنّ نفس هذا التساوي في الحقوق الأوّلية الطبيعية سيجرهم بالتدريج إلى وضع غير متساوٍ في الحقوق المكتسبة، فهم جميعاً يملكون حقّاً على درجة واحدة في العمل والاشتراك في سباق الحياة، ولكن حين يصل الأمر إلى كيفيّة إنجاز الأعمال والاجتهاد في السباق، فإنّ الجميع لا يخرجون من المسابقة بدرجة واحدة من الإجادة والانجاز، ففيهم مَن هو أكثر استعداداً، وفيهم مَن هو أقلّ استعداداً، ومنهم النشيط الفعّال، ومنهم الكسول المتقاعس. والخلاصة: أنّ بعضهم أعلم وأكمل وأكثر تفنّناً وأكثر إنتاجاً وأليق من البعض الآخر، وهذا ممّا يؤدّي إلى حصولهم على حقوق مكتسبة غير متساوية، وإذا أردنا أن نساوي بينهم في الحقوق المكتسبة، كما تساووا في الحقوق الطبيعية الأوّلية، فلن يوسم تصرّفنا هذا بغير الظلم والعدوان.

ولننظر الآن لماذا كان جميع الأفراد يتمتّعون بقدرٍ متساوٍ ومتشابه من الحقوق الطبيعية الأوّلية في المجتمع؟

الجواب: قد ثبت من خلال مطالعة أحوال البشر، أنّ الأفراد لم يولد أيّ منهم رئيساً أو مرؤوساً بالطبع، ولم يولد أحد منهم عاملاً أو صانعاً أو

١٧٤

أُستاذاً أو معلّماً أو ضابطاً أو جندياً أو وزيراً، فليست هذه المهارات إلاّ مزايا وخصوصيات تُعد جزءاً من الحقوق المكتسبة، أي أنّ الأفراد يكتسبونها من المجتمع بفعل لياقتهم واستعدادهم ونشاطهم ومثابرتهم، ويقوم المجتمع بمنح هذه المناصب على أساس من قانون وضعي. ولا تختلف حياة الإنسان الاجتماعية عن حياة الحيوان الاجتماعية كالنحلة مثلاً إلاّ في هذا الجانب، فإنّ التشكيلات الحياتية لهذه الحيوانات طبيعية مائة في المائة، فقد وزّعت الطبيعة أعمالها ومراتبها وليس للحيوانات أي دخل في ذلك؛ فرئيسها رئيس بالطبع ومرؤوسها مرؤوس بالطبع، وفيها العامل وفيها المهندس وفيها المراقب، وكلّها قد خُلقت لتكون كذلك، أمّا الحياة الاجتماعية للإنسان فليست كذلك.

ولذا فإنّ بعض العلماء أنكر - بالمرّة - النظرية الفلسفية القديمة التي تقول: (الإنسان اجتماعي بالطبع) وافترض أن يكون المجتمع الإنساني تعاقدياً مائة في المائة.

حقوق الأُسرة

كان هذا في المجتمع غير الأُسري، فما هي الحال في المجتمع الأُسري؟ هل إنّ أفراد الأُسرة الواحدة متشابهون كذلك في الحقوق الطبيعية ومختلفون في الحقوق المكتسبة؟ أم أنّ المجتمع الأُسري (أي المجتمع المكوّن من: الزوجة والزوج، والأب والأم والأولاد، والإخوان والأخوات) يختلف عن المجتمع غير الأُسري في الحقوق الطبيعية

١٧٥

حيث يخضع أفراد الأُسرة لقانون طبيعي حقوقي خاص بهم؟

وهنا توجد فرضيتان:

الأُولى: أن تكون العلاقة بين الزوجين أو بين الأب وابنه، أو بين الأم وولدها؛ مثل باقي العلاقات الاجتماعية التي تحكم المؤسّسات الوطنية والحكومية، فلا تكون هذه العلاقة سبباً في اكتساب حقوق معيّنة وإنّما الخصائص المكتسبة هي التي تحدّد الرئيس والمرؤوس... المطيع والمطاع... الذي يكسب راتباً أكثر ممّن يكسب راتباً أقل. فلا تكون للزوجة باعتبارها زوجة، وللزوج باعتباره زوجاً، وللأب كأب، وللأم كأم، وللولد كولد، ميزة خاصة، وإنّما الخصائص المكتسبة هي التي تحدّد مركز كل منهم بالنسبة إلى الآخر.

إنّ فرضية (تشابه حقوق الزوجة والزوج في حقوق الأسرة) والتي سُمّيت خطأً بـ (المساواة في الحقوق) مبنيّة على أساس هذا الفرض. واستناداً إلى هذه الفرضية، فإنّ الزوجة والزوج بما يتمتّعان به من استعدادات واحتياجات متشابهة ووثائق حقوقية متشابهة منحتها إيّاهما الطبيعة فيجب أيضاً أن تنظّم حقوقهما الأُسرية على أساس التشابه والمماثلة.

الثانية: إنّ الحقوق الطبيعية الأوّلية لهؤلاء متباينة، فكون الزوج زوجاً يمنحه حقوقاً ويفرض عليه واجبات معيّنة والزوجة كزوجة لها حقوق وعليها واجبات أُخرى، وهذا لا يصدق على الأُبوّة والأُمومة

١٧٦

والبنوّة.

وعلى أيّ حالٍ فإنّ المجتمع الأُسري يختلف عن سائر الشركات والتعاونيات الاجتماعية الأُخرى.

وفرضية (عدم تشابه الحقوق الأُسرية بين المرأة والرجل) التي يقبلها الإسلام مبنيّة على هذا المبدأ.

والآن أي هاتين الفرضيتين اللتين ذكرنا صحيح؟ وعن أيّ طريقٍ يمكن لنا أن نثبت صحّتها؟

(2) الأُسس الطبيعية لحقوق الأُسرة

من أجل أن يتوصّل القرّاء المحترمون إلى استنتاج واضح؛ لابد أن يضعوا نصب أعينهم النقاط التي مرّت في الفصل السابق، قلنا:

1 - الحقوق الطبيعية مصدرها، أنّ للطبيعة أهدافاً، ولتحقيق هذه الأهداف أودعت في الموجودات استعدادات معيّنة ومنحتها على أساسها حقوقاً معيّنة.

2 - الإنسان - بحكم كونه إنساناً - يتمتّع بمجموعة من الحقوق الخاصة التي أُطلق عليها اسم حقوق الإنسان، بينما لا تتمتّع الحيوانات بمثل هذه الحقوق.

3 - كيفيّة تحديد الحقوق وشكلها مرتبط بمسألة الخلق.

١٧٧

فكل استعداد طبيعي هو سند لحيازة حق طبيعي.

4 - أفراد النوع الإنساني في المجتمع المدني يتمتّعون بحقوق طبيعية متساوية ومتشابهة، وما اختلافهم إلاّ في الحقوق المكتسبة التي تعتمد على العمل وإنجاز الواجب والمشاركة في سباق أداء الواجبات الاجتماعية.

5 - إنّ السبب في تمتّع أفراد النوع الإنساني في المجتمع المدني بحقوق طبيعية متساوية ومتشابهة هو أنّ المطالعة في طبيعة الإنسان توضّح أنّ أفراد الإنسان - بخلاف الحيوانات الاجتماعية كالنحل - ليس بينهم من ولد ليكون رئيساً أو مرؤوساً بالطبع... آمراً أو مأموراً بالطبع... عاملاً أو ربّ عمل بالطبع... ضابطاً أو جندياً بالطبع، فتشكيلات حياة الإنسان ليست طبيعية، أي أنّ الأعمال والمناصب والواجبات لم توزّع من قِبل الطبيعة.

6 - فرضية تشابه الحقوق الأُسرية للمرأة والرجل مبنيّة على أساس أنّ مجتمع الأُسرة يشبه المجتمع العام، فيكون لأفراد الأُسرة حقوق واحدة متشابه والمرأة والرجل يشاركان في حياة الأُسرة باستعدادات واحتياجات متشابهة ويمتلكان سندات طبيعية متشابهة، وأنّ قانون الخلقة لم يضع لهما تنظيمات طبيعية ولم يوزع بينهما الأعمال والمواقع.

أمّا فرضية عدم تشابه حقوق الأُسرة فتبنى على أساس أنّ مجتمع

١٧٨

الأُسرة هو غير المجتمع العام، والمرأة والرجل لا يشاركان في حياة الأُسرة باستعدادات واحتياجات، ولا يمتلكان سندات طبيعية متشابهة، وأنّ قانون الخلقة قد عيّن لهما مواقع وأدواراً مختلفة، ووضع كلاًّ منهما في مدار غير مدار الثاني. والآن لننظر أي الفرضيتين صحيحة؟ وكيف نثبت صحّتها وسلامتها؟

وبالمقياس الذي حدّدناه فيما سبق، ليس صعباً أن نحدّد أيّ الفرضيتين هي الصائبة. فإنّ ذلك يتعيّن بإعادة النظر في الاستعدادات والاحتياجات الطبيعية لكل من المرأة والرجل، أو ما يدعى بالسندات الطبيعية التي منحها قانون الخلقة للمرأة والرجل.

هل الحياة الأُسرية طبيعية أم وضعية؟

ذكرنا في المقالة السابقة أنّ هناك نظرتين حول (الحياة الاجتماعية للإنسان).

الأُولى: أنّها طبيعية، اصطلحوا على الإنسان أنّه (مدني بالطبع).

الثانية: على العكس من ذلك ترى أنّ الحياة الاجتماعية للإنسان وضعية اختارها الإنسان بنفسه نتيجة ضغط عوامل خارجية (لا من داخل الإنسان).

ولكن ماذا بالنسبة إلى الحياة الأُسرية؟ هل هنا أيضاً نظرتان؟ كلاّ، هنا لا توجد إلاّ نظرة واحدة. فالحياة الأُسرية للإنسان طبيعية مائة في المائة، أي أنّ الإنسان خلق بطبعه (منزلياً). ولو تردّدنا - فرضاً - في طبيعية

١٧٩

الحياة (المدنية) للإنسان، فلن نتردّد في طبيعية الحياة (المنزلية) أي الحياة الأُسرية. كذلك فهناك كثير من الحيوانات بالرغم من افتقادها الحياة الاجتماعية الطبيعية، بل الحياة الاجتماعية كليّاً، فإنّها تعيش حياة زوجية طبيعية كالحمام وبعض الحشرات التي تعيش أزواجاً.

إنّ الحياة الأُسرية تختلف عن الحياة الاجتماعية، فإنّ في الطبيعة تدابير مهيّأة من أجل دفع الإنسان وبعض الحيوانات بشكل طبيعي باتجاه الحياة العائلية وتشكيل المؤسّسة العائلية وإنجاب الأطفال.

ولم يثبت حتى الآن، وجود عصر من عصور التاريخ لم يعش فيه الإنسان الحياة العائلية أي أن تعيش المرأة والرجل فيه منفصلين أو تكون فيه العلاقة الجنسية عامة مشتركة بين الأفراد. وحتى حياة القبائل المتوحشة الموجودة في العصر الحاضر - والتي هي نموذج لحياة الإنسان القديم - لم تكن كذلك.

وقد اتخذت حياة الإنسان القديم في بعض الأحيان شكل (حكومة الأم) وفي أحيان أُخرى شكل (حكومة الأب).

فرضية المراحل الأربع

في مسألة الملكية نالت هذه الحقيقة قبول الجميع في أنّها ابتدأت بشكل مشترك، ثم اختصّت بالأفراد بعد ذلك. ولكن في الناحية الجنسية لم يحصل مثل هذا أبداً. والسبب في الملكية المشتركة في حياة البشر الأُولى هو كون المجتمع آنذاك قبلياً، وتلعب العواطف والعلاقات

١٨٠