نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام0%

نظام حقوق المرأة في الإسلام مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: المرأة
الصفحات: 446

  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56758 / تحميل: 8487
الحجم الحجم الحجم
نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

في الحقوق والواجبات الأُسرية أم لا، فإنّ هذه المسألة هي أساساً من عجائب آيات الخلق، بل هي درس في التوحيد ومعرفة الله، ودليل على التنظيم الحكيم والدقيق للعالم، ونموذج واضح على غياب الصدفة في سير الخلق، وأنّ الطبيعة لا تجري أحداثها بصورة عشوائية، ودليل نيّر على أنّ موجودات الكون لا يمكن تفسير وجودها بدون اللجوء إلى قانون (العلّيّة).

ولقد أنشأت القدرة - من أجل تحقيق هدفها وحفظ النوع - جهازاً عظيماً لإدامة النسل ينتج دائماً في معمله جنس الذكر وجنس الأُنثى، وحين يستدعي بقاء النسل تعاون جنسين - خصوصاً في الإنسان - فإنّه من أجل أن يتعاون الجنسان على إنجاز هذا العمل؛ طرح فكرة وحدتهما واتحادهما، واستطاع أن يستبدل الأنانية وحب الذات - اللازمين لكلّ حي - بالخدمة والتعاون والتسامح والإيثار، ودفعهما إلى أن يسعيا إلى الحياة المشتركة. ومن أجل أن يحقّق الخطّة كاملة في الواقع ويوثق عرى العلاقة بينهما جسماً وروحاً؛ باين بين جسميهما روحيهما وهذا التباين هو الذي يجذب كل منهما نحو الآخر ويجعل منهما عاشقين لبعضهما. ولو كان للمرأة جسم وروح وأخلاق ورغبات الرجال لتعذّر عليها أن تجتذب الرجل نحوها وتحوّله إلى عاشق محب أمكن المرأة أن تعدّه فارس أحلامها وتظهر من فنونها ما تصطاد به قلبه. خلق الرجل ليسخر العالم وخلقت المرأة لتسخر الرجل. إنّ قانون

٢٠١

الخلقة جعل المرأة والرجل متعلقين ببعضهما وطالبين لكلّ منهما، لكن هذا التعلق ليس من نوع التعلق بالأشياء. فالتعلّق بالأشياء ناتج عن الأنانية، أي أنّ الإنسان يريد الأشياء لذاته ويتعامل معها على أنّها وسائل يريد أن يستخدمها من أجل توفير الرفاه لنفسه، أمّا الحب الزوجي فإنّه قد صنع بالصورة التي تجعل كلاّ من الزوجين يسعى من أجل سعادة ورفاه زوجه، ويتلذّذ بالإيثار والتضحية في سبيله.

علاقة أسمى من الشهوة

العجيب أنّ بعض الأفراد لا يستطيعون أن يفرّقوا بين الشهوة والرأفة، فيتصوّرون أن الذي يربط الزوجين ببعضهما يقتصر على الطمع والشهوة والرغبة في الاستخدام والاستغلال. تماماً كالشيء الذي يشد الإنسان إلى المأكولات والمشروبات والملبوسات ووسائل النقل. إنّهم لا يدركون أنّ في الخلقة والطبيعة دوافع أخرى إضافة إلى الأنانية وطلب المنفعة، وتلك الدوافع لم تنتج عن الأنانية، بل عن العلاقة المباشرة بالغير وهي السبب في نشوء التضحية والإيثار وتحمّل المشاق في سبيل راحة الغير، وأنّها هي التي تجسّد إنسانية الإنسان بل إنّ طرفاً منها - يعني ذلك الذي يرتبط بالزوج والولد - يشاهد أيضاً لدى الحيوانات، هؤلاء الأفراد يظنون أنّ الرجل ينظر إلى المرأة دائماً بتلك العين التي ينظر بها شاب أعزب إلى أيّة فتاة يراها في الشارع، أي إنّها - فقط - الشهوة التي تربط بين الاثنين وتشدّهما إلى بعضهما، في الوقت

٢٠٢

الذي يوجد هناك رباط أسمى من الشهوة، وهو الأساس في وحدة الزوجين، وهذا الشيء هو ما عناه القرآن الكريم بكلمة (مودّة ورحمة) إذ يقول:

( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدّةً وَرَحْمَةً ) .

ما أكبره من خطأ أن نفسّر تاريخ علاقات المرأة والرجل فقط على أساس حسّ الاستخدام والاستغلال وتنازع البقاء، وما أكثر التفاهات التي تُحاك في هذا المجال، والحقيقة إنّني أعجب وآسف لجهل البعض حين أقرأ بعض ما كتب في تفسير تاريخ العلاقة بين المرأة والرجل، وأجد أنّ المبدأ الذي استندوا إليه أساساً هو مبدأ الصراع، فيفترضون أنّ المرأة والرجل مثل طبقتين اجتماعيتين دائمتي الصراع والتجاذب. فإذا استطعنا أن نفسّر تاريخ علاقة الآباء بالأبناء على أساس حسّ الاستخدام والاستغلال، عند ذاك لا يمكن أن نفسّر العلاقة التاريخية بين الزوجات والأزواج على نفس الأساس. صحيح أنّ الرجل كان دائماً أقوى من المرأة إلاّ أنّ قانون الخلقة قد صاغ غرائز الرجل بشكل لا يستسيغ ممارسة الظلم تجاه المرأة بالشكل الذي يمارسه مع غلمانه وعبيده وخدمه وجيرانه، كما أنّه لا يستسيغ ذلك الظلم لأولاده.

أنا لا أنكر ظلم الرجال للنساء، إنّما أنكر التفسير المطروح حول هذا الظلم. لقد مارس الرجال ضد النساء على طول التاريخ ظلماً كثيراً لكن دوافع هذا الظلم هي نفس الدوافع التي تحدو الرجل إلى ممارسة الظلم

٢٠٣

ضدّ أولاده الذين يحرص كل الحرص على سعادتهم ومستقبلهم، هي نفس الدوافع التي تحدوه إلى ظلم نفسه. إنّ سببها الجهل والتعصّب والعادة وليس طلب المنفعة. أرجو أن تسنح لي فرصة في وقت مناسب أطرح فيها بحثاً مفصّلاً عن تفسير تاريخ العلاقة بين المرأة والرجل.

تفاوت مشاعر الرجل والمرأة تجاه بعضهما

إنّ العلاقة الأُسرية بين المرأة والرجل لا تختلف فقط عن علاقتهما بالأشياء بل إنّ علاقة أحدهما بالآخر هي الأخرى غير متشابهة، أي إنّ علاقة الرجل بالمرأة للمرأة، قد تمّت بعجلة شديدة لكونها جاءت متأخّرة. ولم تمهل الإحساسات العلم ليقول كلمته ويهتدي بهداه؛ لذا فقد أحرقت هذه النهضة الأخضر واليابس. تختلف عن علاقة المرأة بالرجل نوعاً. صحيح إنّها علاقة تجاذب بين طرفين، ولكنّها على عكس الجمادات، حيث يجذب الجسم الأصغر باتجاه الجسم الأكبر، فإنّ الخالق قد جعل الرجل مظهراً للطرف المحب العاشق الطالب، والمرأة مظهراً للطرف المحبوب المعشوق المطلوب. إحساسات الرجل تمثّل الحاجة، وإحساسات المرأة تمثّل الدلال، إحساسات الرجل طالبة، وإحساسات المرأة مطلوبة.

قبل فترة نشرت أحدى الصحف صورة شابة روسية كانت قد انتحرت، وقد كتبت في قصاصة ورق كانت قد تركتها ما يلي:

(لحد الآن لم يقبّلني رجل؛ لذا فإنّ هذه الحياة لم تعد تحتمل).

٢٠٤

إنّ عدم حصول البنت على مَن يحبّها ويقبّلها يعتبر - بالنسبة لها - فشلاً ذريعاً. ولكن متى ييأس الشاب من الحياة؟ هل حين لا تقبّله فتاة أيضاً؟

كلاّ، بل حين يستطيع هو أن يقبّل فتاة.

يقول ويل ديورانت في بحوثه المفصلة والجامعة.

(ولو امتازت الفتاة بالعلم والتفكير ولم تحظ إلاّ بالقليل من الجاذبية وفنون الغنج والدلال فسوف لا توفّق كثيراً في الحصول على الزوج).

ثم يقول: (إنّ ستين بالمئة من فتيات الجامعة يبقين بلا أزواج، فهذه السيدة مونيا كوالوسكي - وهي عالمة بارزة - كانت تشكو من أنّ أحداً لم يتزوجها، وتتساءل: (لم لا يحبني أحد؟ إنّني أستطيع أن أكون أفضل من كثير من النساء، ومع ذلك فإنّ النساء اللواتي هنّ أقل أهميّة منّي يتجه إليهنّ الرجل بالحب، وأُترك أنا).

أرجو أن تلاحظوا أنّ نوع الإحساس بالفشل عند هذه السيدة يختلف عن نوع الإحساس بالفشل عند الرجل. إنّها تقول: (لماذا لا يحبني أحد؟) أمّا الرجل فإنّه يحس بالفشل في أمر الزواج إلاّ حين لا يجد المرأة التي ترضيه، أو أنّه إذا وجدها لم يستطع أن يخضعها لسلطانه.

ولكل ذلك فلسفة، هي تمتين وتعميق الصلة الواحدة. ولم هذه الصلة؟ هل هي من أجل أن تتلذّذ المرأة والرجل أكثر في الحياة؟ كلاّ،

٢٠٥

ليس هذا فحسب بل إنّ أساس المجتمع الإنساني وتربية الجيل القادم قد بُني على ذلك.

نظريّة عالمة نفسانيّة

نقلت مجلة (المرأة اليوم)(1) بحثاً نفسياً كتبته عالمة نفسانية تُدعى كليف دالسون تقول فيه:

(باعتباري متخصّصة نفسانية فإنّ أكبر رغبة لديّ هي الاطلاع على نفسيات الرجال. وقبل فترة كُلّفت بعمل تحقيقات حول العوامل النفسية عند الرجل والمرأة، وقد توصّلت إلى هذا النتائج:

1 - ترغب جميع النساء بالعمل بإمرة شخص آخر. وبتعبير آخر: إنّهن يفضّلن أن يصبحن مرؤوسات بإشراف رئيس.

2 - تحب جميع النساء أن يشعرن أنّ وجودهن ذو أثر ومحل احتياج).

ثم تصوغ هذه السيدة رأيها كما يلي:

(في نظري أنّ هذين الاحتياجين الروحيّين للمرأة ينبعان من أنّ النساء يجرين وراء المشاعر والرجال يجرون وراء العقل. وكثيراً ما لوحظ أنّ السيدات في مجال الذكاء لا يوازين الرجال فحسب، بل يفضلنهم أحياناً. ونقطة ضعف السيدات تكمن فقط في إحساساتهن

____________________

(1) (زن روز) بالفارسية. العدد / 101.

٢٠٦

المرهفة. الرجال يفكّرون دائماً بشكل عملي أكثر كما أنّهم يحكمون أحسن، وينظمون أحسن ويوجّهون بشكل أفضل؛ إذاً ففضل الرجال روحيّاً على النساء أمر خطّته الطبيعة. ومهما حاولت السيدات أن يدفعن هذه الحقيقة فلن يجديهن ذلك نفعاً، وبما أنّهن أكثر حسّاسية من الرجال، فقد وجب عليهن إذاً أن يتقبّلن حقيقة حاجتهن إلى إشراف الرجل عليهن في الحياة... والهدف الأعلى للسيّدات في الحياة هو (الأمن). فإذا نلن هذه الهدف، تركن العمل والنشاط... والمرأة من أجل الوصول إلى هذا الهدف تخشى مواجهة الأخطار. والأعمال التي تحتاج إلى التفكير الدائم تتعب المرأة وتضجرها).

النهضة العاجلة

إنّ النهضة التي قامت في أوروبا من أجل إحقاق الحقوق المهتضمة إذا أزاحت عن المرأة مجموعة تعاسات ومنحتها كثيراً من الحقوق وفتحت بوجهها الأبواب المغلقة، ولكنّها في المقابل جاءت بتعاسات ومشاكل جديدة للمرأة وللمجتمع الإنساني كلّه. ومن المسلّم به أنّ إحقاق الحقوق المرأة لو لم يتم بهذه العجلة لاتخذ صورة أفضل، ولما ارتفعت صيحات الحكماء إلى السماء من سوء أوضاع الحاضر ومخاطر المستقبل، ولكنّ الأمل ما يزال باقياً في أن يجد العلم طريقه في النهضة النسائية، وتعود هذه النهضة لتنهل من العلم بدلاً من التأثّر بالمشاعر كالسابق. وآراء علماء أوروبا في هذا المجال تبشّر بأنّ الأمور تسير في

٢٠٧

هذا الاتجاه، والذي يظهر أنّ الأمور التي تبهر اليوم مقلّدي الغرب في باب علاقة المرأة والرجل قد تخطّاها الغربيون أنفسهم.

نظرية ويل ديورانت

ويل ديورانت في القسم الرابع من كتاب (لذات الفلسفة) يورد بحوثاً مفصّلة وجامعة حول المسائل الجنسية والأُسرية. وقد انتخبنا أجزاء مختصرة من هذا الكتاب لعرضها على القرّاء كي يطلعوا على التيارات الفكرية الموجودة بين علماء الغرب ولا يتعجّلوا بإصدار الأحكام.

يقول ويل ديورانت في القسم الرابع من الفصل السابع من هذا الكتاب تحت عنوان (الحب) ما يلي:

(أوّل نغمات الحب تبدأ مع اقتراب البلوغ، وكلمة البلوغ تقابلها كلمة (پيوبرتي) باللاتينية التي تعني (سن الشعر) وهي السن التي يبدأ فيها شعر الشبّان بالظهور، وخصوصاً شعر الصدر الذي يتباهون به، وشعر الوجه الذي يحلقونه بصبر كصبر (سي سي فوس)(1) . إنّ كيفية الشعر (في حالة سلامة الجوانب الأخرى) لها صلة - على ما يظهر - بالقوّة

____________________

(1) بالانكليزية رجل أسطوري يمثّل قمّة الصبر، ويقابله في الإسلام (صبر أيوب) ويقصد الكاتب بهذا أنّهم كانوا يتألّمون أثناء حلاقتهم له لعدم توفّر وسائل الحلاقة المريحة آنذاك.

٢٠٨

التناسلية، أحسن وضع له هو عندما يبلغ النشاط الحيوي أوجه. هذا النمو المفاجئ للشعر يشكّل مع خشونة الصوت جزءاً من الصفات الجنسية الثانوية التي تظهر عند الشاب لدى البلوغ. أمّا الشابات فتمنحهن الطبيعة في هذه السن نعومة الأطراف والحركات التي تحيّر الناظرين، وسعة الحوض لتسهيل عمل الأُمومة، وامتلاء الصدور وبروزها من أجل إرضاع الأطفال. ولكن ما هو سبب ظهور هذه الصفات الثانوية؟ لا أحد يعلم، ولكن نظرية البروفيسور (ستارلينغ) في هذا الخصوص قد نالت مؤيّدين. بموجب هذه النظرية، تقوم الخلايا التناسلية ليس فقط بتوليد البويضة والحيمن بل تولّد أيضاً نوعاً من الهورمونات التي تفرز في الدم وتؤدّي إلى حدوث تغييرات جسمية ونفسية، وفي هذه السن، لا يتمتّع الجسم وحده بحيوية جديدة بل تظهر هناك آلاف التأثيرات المتنوّعة على النفس والطبيعة.

يقول رومن رولاند: خلال سنيّ الحياة، يأتي زمان تظهر على جسم الرجل تغييرات بطيئة... وعند المرأة يكون ما ذكرنا هو أهمّ هذه التغييرات... وتؤدّي القوّة والشجاعة إلى زيادة دقّات القلب، وتثير النعومة واللطف ميلاً ورغبة جامحة.

ويقول دموسيه: (كل الرجال كذّابون، ماكرون، ثرثارون، وذوو وجهين ومخاصمون، وكل النساء متكبّرات ويعشقن المظاهر وخائنات، وليس في العالم إلاّ شيء واحد مقدّس وسام، وذلك هو

٢٠٩

اجتماع هذين الموجودين الناقصين...).

(آداب الزواج عند الكبار عبارة عن هجوم الرجال للاستيلاء، وتراجع النساء من أجل اجتذاب القلوب والمخادعة - وهناك بالطبع استثناءات في بعض الأحيان - ولأنّ الرجل مقاتل وحيوان مفترس بطبعه، فعمله ايجابي وهجومي، والمرأة بالنسبة له كجائزة يريد أن يستولي عليها ويمتلكها. فالبحث عن القرين حرب وكفاح، والزواج امتلاك واقتدار).

(العفّة الكافية لدى المرأة تخدم قضية التناسل؛ لأنّ امتناعها عن مهاجمة الرجال للحصول على القرين - بسبب الحياء والخجل - سيساعدها في اختيار الزوج المناسب. والعفّة تقوّي مكانة المرأة حيث يختارها الراغب بعد بحث كثير كي يفوز بمقام الأبوة لأولادها. إنّ مصلحة النوع والجماعة تظهر على لسان المرأة، كما أنّ مصلحة الفرد تظهر على لسان الرجل... وفي ممارسة الحب تكون المرأة أمهر من الرجل؛ لأنّ ميلها ليس من القوّة بحيث يحجب تأثير عقلها).

* وقد لاحظ داروين في أكثر الأنواع أنّ الأنثى لا رغبة لها في ممارسة الجنس.

ويقول لمبرزو، وكيش، وكرافت أبينغ: (أكثر ما تبتغيه النساء الرفاه والمديح المطلق والمبهم، وأكثر ما يرغبن فيه اهتمام الرجل برغباتهن، وهذا الأمر أقوى لديهن من الميل الجنسي).

٢١٠

ويقول لمبرزو: (إنّ الأساس الطبيعي للجانب الجنسي عند المرأة ليس إلاّ صفة ثانوية متفرّعة من الأمومة، كما أنّ جميع الإحساسات والعواطف التي تبديها للرجل لا تنبع من رغبات جسمية بل من غريزة الانقياد والتسليم للرجل، وقد جاءت هذه الغريزة من أجل ملاءمة الأوضاع).

ويقول ويل ديورانت في فصل تحت عنوان الرجال والنساء: (دور المرأة الخاص هو الإبقاء على النوع، ودور الرجل الخاص خدمة المرأة والطفل. ومن الممكن أن يكون لكلٍّ منهما أدوار أخرى، ولكن كل ما يقومان به من أعمال تابع لهذين الدورين الأساسيين على سبيل الحكمة والتدبير، وكل هذه مقاصد أساسية لكنّها غير متكاملة الوعي، يكمن فيها معنى الإنسان والسعادة، وطبيعة المرأة تفتقد الغريزة القتالية أصلاً، فإذا قاتلت الأنثى فمن أجل أطفالها).

* المرأة أكثر من الرجل، ومهما كانت شجاعة الرجل في الأمور الخطيرة وفي مواجهة مصاعب الحياة عظيمة، إلاّ أنّ التحمّل المستمر واليومي لدى المرأة في قبال المشاكل الصغيرة المتعدّدة أعظم... أمّا كفاح المرأة فيتمثّل بمظهر آخر، فالمرأة تحب الجنود وتعجب بالرجل القوي، ويثيرها عند مشاهدة مظاهر القوّة عامل عجيب - يدعى (ماسوشيستيك)(1) Masochistic حتى لو كانت تلك القوّة سبباً في

____________________

(1) Masochistic كلمة لاتينية تعني تحمّل العذاب من أجل التلذّذ به. المصحّح.

٢١١

القضاء عليها).

*... هذا السرور القديم والتلذّذ بالقوّة والرجولة يغلب أحياناً على المشاعر الاقتصادية للمرأة؛ إذ إنّها ترجّح في بعض الأحيان الزواج من مجنون شجاع، والمرأة تستسلم بكل سرور للرجل ذي الإرادة القوية. وإذا كانت المرأة في هذه الأيام أقل طاعة من ذي قبل، فلأنّ القوّة والأخلاق عند الرجال أضعف اليوم من ذي قبل... إنّ اهتمام المرأة موجّه إلى الأمور العائلية، ومحيطها عادة البيت، إنّها كالطبيعة عميقة إلاّ أنّها كبيتها محدودة بحدود، وتشدّها الغريزة إلى العادات القديمة، إنّها ليست في الذهنية والعادة من أهل التجربة والاختيار (ويجب أن نستثني من ذلك بعض نساء المدن الكبرى)، وحتى إذا اتجهت إلى التحرّر الجنسي فليس ذلك لأنّها تستسيغه، وإنّما لأنّها يئست من الحصول على الرجل المؤهّل لتحمّل هذه المسؤولية فتتزوجه، وإذا افتتنت أحياناً في سن الشباب بالعبارات والمصطلحات السياسية وامتدّ اهتمامها إلى كافة الجوانب الإنسانية، فبعد العثور على الزوج الوفي تسدل - وكذلك زوجها - الستار على كل النشاطات السابقة، وتعلمه كيف يجب أن يكون وفاؤه مقصوراً على البيت فقط. والمرأة - من غير حاجة إلى مزيد من التفكير - تؤمن بأنّ الإصلاحات تبدأ من البيت. وهي في الوقت الذي تتمكّن فيه من أن تحوّل رجلاً شارد الذهن حائراً إلى رجل مضحٍّ ومنشد إلى البيت والأطفال تكون عامل حفظ وبقاء للنوع؛ إذ إنّ الطبيعة لا تهتم بالقوانين والحكومات إنّما تعشق البيت

٢١٢

والطفل، فإذا وفقت في المحافظة عليهما، فلا ارتباط ولا علاقة لها بالحكومات، وهي تسخر من الذين شغلوا أنفسهم في تغيير هذه القوانين الأساسية. وإذا عجزت الطبيعة - اليوم - عن حفظ البيت والطفل؛ فذلك لأنّ المرأة قد نسيتها لمدّة من الزمن، لكن هزيمة الطبيعة ليست دائمة، بل تستطيع في أيّ وقتٍ شاءت أن تؤمن مصالحها من ذخائرها، فهناك أقوام وعناصر أخرى أوسع وأكثر منّا تستطيع الطبيعة أن تؤمن دوامها الأكيد واللامحدود من خلالهم).

* * *

كان هذا بياناً قصيراً للفوارق بين المرأة والرجل ونظريات العلماء في هذا الباب.

كان بودّي أن أبحث تحت عنوان (سر الفوارق) إلى أيّ حد تمكّنت فيها العوامل التاريخية والاجتماعية أن تؤثّر في هذه الفوارق، ولكنّني أصرف النظر عن بحث ذلك إلى وقت آخر كي لا أطيل أمد البحث، ولكنّ الموضوع سيتضح كاملاً في البحوث القادمة.

٢١٣

٢١٤

الفصل الثامن

المهر والنفقة

(1) المهر والنفقة

من السنن القديمة جداً في العلاقات العائلية الإنسانية أنّ الرجل لدى الزواج يمنح المرأة (مهراً)، يهب شيئاً من ماله للمرأة أو لوالدها، وبالإضافة إلى ذلك يتعهّد بمصارف المرأة والأولاد طيلة الحياة الزوجية.

فما هي جذور هذه السنّة؟ ولماذا وكيف ظهرت؟ وأيّ صيغة يمثّل هذا المهر؟ ولماذا الإنفاق على المرأة؟ وهل - إذا نال كل من المرأة والرجل حقوقهما الطبيعية والإنسانية وحكمتهما العلاقات العادلة والإنسانية وعوملت المرأة كإنسان - يبقى موجب للمهر والنفقة؟ أم أنّ المهر والنفقة يمثّلان ذكرى عصور تملك الرجل للمرأة، وأنّ متقضى العدالة ومساواة حقوق الإنسان - خصوصاً في القرن العشرين - أن يلغى المهر والنفقة، فتعقد الزيجات بدون مهر، وتتعهّد المرأة بمسؤولية حياتها المالية، وتشارك الرجل بالتساوي في النفقة على الأولاد أيضاً.

نبدأ حديثنا الآن عن المهر لنرى كيف وجد؟ وما هي فلسفته وكيف يفسّر علماء الاجتماع وجوده؟

٢١٥

تاريخ المهر

يقال انه في زمان ما قبل التاريخ كان البشر يعيشون بطريقة وحشية، وكانت هناك طريقة تجمعهم تأخذ شكل القبيلة، ولأسباب مجهولة، كان الزواج بالأقرب غير جائز فكان شباب القبيلة الذين يبغون الزواج يظطرّون إلى أن يقصدوا القبائل الأخرى لاختيار زوجة أو حبيبة، وفي ذلك الزمان لم يكن الرجل يدرك دوره في إنجاب الأولاد. أي أنّه لم يكن يعلم أن لقاه بالزوجة هو الذي يؤدّي إلى الإنجاب فكان يعتبر الأولاد أولاداً لزوجته لا له، وكان يعجز عن تفسير شبه أولاده به ولا يدرك دلالته. وبالنتيجة فإنّ الأولاد أنفسهم كانوا يعدّون أنفسهم أولاد أُمّهم لا أولاد زوجها، وكان النسب يحدّد عن طريق الأُمّهات لا الآباء. فكان الرجال يعدّون موجودات عقيمة، وبعد الزواج يعيش الرجل بين قبيلة زوجته بوصفه إنساناً طفيلياً تحتاجه المرأة رفيقاً وتحتاج إلى وجود قوّته البدنية. هذه المرحلة هي مرحلة سلطة الأم.

ولم يمض طويل وقت حتى شعر الرجل بدوره في إنجاب الأطفال، وعدّ نفسه المالك الرئيس لهم، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الزوجة تابعة له، وتسلّم هو رئاسة الأسرة وبدأت ما تسمّى مرحلة (سلطة الأب). وفي هذه المرحلة بقي الزواج من الأقارب ممنوعاً أيضاً، وكان الرجل مضطرّاً إلى اختيار زوجته من قبيلة أُخرى ليأتي بها إلى قبيلته. وبما أنّ

٢١٦

حالة الحرب والصدام هي التي كانت سائدة بين القبائل، فقد اتخذ اختيار الزوجة صورة اختطاف الفتاة، أي أنّ الشاب يجب أن يختطف الفتاة التي تعجبه من قبيلة أخرى.

وبالتدريج حلّ الصلح محل الحرب، وبدأت القبائل المختلفة تتعايش سلميّاً فيما بينها. وفي هذه المرحلة، نُسخ عرف اختطاف الفتاة وصار الرجل الذي يرغب في الاقتران بفتاة، يذهب إلى قبيلتها ليصبح أجير والدها ويعمل لديه لمدّة من الوقت فيزوّجه ذاك ابنته مقابل خدماته ثم يعود بالفتاة إلى قبيلته.

وبعد أن ازدادت الثروة لدى الناس، ارتأى الرجل تقديم هدية مناسبة لوالد الفتاة مقابل الزواج منها بدل أن يعمل لديه أجيراً لعدّة سنين. لقد نفذت هذه الفكرة ومن هنا كان (المهر). وعلى ذلك، ففي المراحل البدائية عاش الرجل طفيلياً على المرأة وخادماً لها، وكانت المرأة تحكمه. وفي المرحلة الثانية حيث صار الحكم بيد الرجل أصبح الرجل يختطف المرأة من القبيلة الأخرى. وفي المرحلة الثالثة صار الرجل - من أجل الفوز بالفتاة - يذهب إلى بيت والدها ويعمل لديه أجيراً لعدّة سنوات. وفي المرحلة الرابعة أصبح الرجل يقدّم مبلغاً بصفة (هدية) إلى والد الفتاة ومن هنا نشأت عادة المهر.

يقولون إنّ الرجل منذ أن قضى على نظام (سلطة الأم) وأسّس نظام سلطة الأب، أصبح يعامل المرأة كأمة أو - في أحسن الأحوال -

٢١٧

كأجيرة له، وينظر إليها كسلعة تنفعه أحياناً في تسكين شهوته. ولم يمنحها أيّ استقلال اجتماعي أو اقتصادي. كما أنّ ناتج عملها وجهدها ملك لغيرها أباً كان أو زوجاً. ولم يكن للمرأة حق في اختيار زوجها، ولا في أن تعمل طبقاً لرغبتها أو يكون لها ناتج نشاطها الاقتصادي والمالي، في الحقيقة إنّ المال الذي كان يدفعه الرجل مهراً، والنفقات التي يبذلها بوصفها نفقة، كان يقبضها فائدة اقتصادية تؤدّيها المرأة خلال فترة زواجها.

المهر في النظام الحقوقي الإسلامي

وهناك مرحلة خامسة سكت عنها علماء الاجتماع والمتحدّثون. في هذه مرحلة يقدم الرجل لدى الزواج (هدية) إلى زوجته لا يحق لوالديها التصرّف بها، وفي نفس الوقت الذي تتسلّم فيه المرأة هدية الرجل، تحفظ أيضاً استقلالها الاجتماعي والاقتصادي كما يلي:

أولاً: تختار زوجها بإرادتها لا بإرادة الأب أو أخ.

ثانياً: في الفترة التي تقضيها في دار أبيها، وكذلك في الفترة التي تقضيها في دار زوجها لا يحق لأحد أن يستخدمها أو يستغلّها، وعائد عملها وجهدها يكون لها لغيرها، ولا تحتاج إلى قيمومة الرجل عليها في معاملاتها الحقوقية.

والرجل من حيث استفادته من المرأة ليس له الحق في أن يتصل بها إلاّ في فترة الزواج، وهو ملزم - مادام زوجها وعلى صلة بها - أن

٢١٨

يؤمن معيشتها في حدود إمكاناته. هذه المرحلة هي التي ارتضاها الإسلام وبنى بنيانه عليها. ففي القرآن الكريم آيات كثيرة تذكر أنّ مهر المرأة ملك لها لا لغيرها. والرجل خلال فترة الزواج ملزم بتأمين احتياجات المرأة، وفي نفس الوقت يكون عائد عمل المرأة لها لا لغيرها - أباً كان أو زوجاً - وهنا تتخذ مسألة المهر والنفقة شكل اللغز، فإذا كان المهر يدفع لوالد الفتاة وتحمل هي إلى بيت زوجها - كالأمة - حيث يقوم الزوج باستغلالها، تصبح فلسفة المهر ثمن شراء الفتاة من والدها، وفلسفة النفقة ما ينفقه كل مالك على مملوكه. فإذا تقرّر ألاّ يدفع لوالد الفتاة شيء ولم يكن للزوج حق استغلال زوجته والانتفاع بمواردها الاقتصادية، وصار للمرأة استقلال اقتصادي كامل ولم تكن هناك حاجة - من الناحية الحقوقية - لوجود قيّم ووصي على المرأة، فلماذا إذاً يدفع المهر وتصرف النفقة؟

نظرة في التأريخ

إذا أردنا أن نتابع فلسفة المهر والنفقة في المرحلة الخامسة، يجب أن نعود قليلاً إلى المراحل الأربع السابقة. الحقيقة أنّ كل ما قيل في هذه المراحل ليس إلاّ سلسلة افتراضات وتخمينات وليست حقائق تاريخية أو علمية أو تجريبية. ومنشأ بعض القرائن من جهة وبعض الفرضيات الفلسفية حول الإنسان والعالم من جهة أخرى، وما قيل عن

٢١٩

مرحلة ما يُسمّى بـ (سلطة الأم) ليس ممّا يمكن تصديقه بسهولة، كذلك ما قيل عن بيع الآباء لفتياتهم واستغلال الزوجات من قِبل أزواجهن.

وفي هذه الافتراضات والتخمينات يلفت أنظارنا شيئان:

الأول: إنّهم حرصوا على تصوير تأريخ الإنسان الأول بالقسوة المتناهية، والخشونة ومجانبة العواطف الإنسانية.

الثاني: إنّهم تجاهلوا دور الطبيعة من حيث التدابير المحيّرة التي وضعتها من أجل الوصول إلى أهدافها الكليّة.

مثل هذه التصوّرات والآراء حول الإنسان والطبيعة، مقبولة عند الإنسان الغربي. أمّا بالنسبة للإنسان الشرقي - إذا لم يكن مقلّداً للغرب - فغير مقبولة؛ ذلك أنّ الغربي بعيد عن العواطف الإنسانية لأسباب خاصة، فليس بإمكانه أن يرى للعاطفة والحرارة الإنسانية دوراً أساسياً في التاريخ. فإذا انطلق الغربي من ناحية الاقتصاد لم ير إلاّ الخبز، فالتاريخ - في نظره - ماكنة لا تعمل إلاّ إذا أطعمتها الخبز. وإذا انطلق من المسائل الجنسية عد الإنسانية وتاريخ الإنسانية - مع كل صور الثقافة والفن والأخلاق والدين ومع كل التوجهات الروحية السامية - مجرّد ألاعيب تعبّر عن حالات متطوّرة للميول الجنسية. وإذا انطلق من حب الظهور والسيادة كان تاريخ البشرية في نظره سلسلة متصلة من نزف الدم والقساوة.

عانى الإنسان الغربي في القرون الوسطى من الدين وباسم الدين

٢٢٠