نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام0%

نظام حقوق المرأة في الإسلام مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: المرأة
الصفحات: 446

  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56747 / تحميل: 8485
الحجم الحجم الحجم
نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

استفدنا منذ الوقت الذي صرنا فيه أحراراً ولحدّ الآن؟ هناك بالطبع عدد من النساء محدود استفدن من ذلك، لكنّنا بالطبع لسنا من أُولئك).

كانت هذه خلاصة تلك المقالة. وقد تبيّن من محتواها أنّ هؤلاء النسوة - بسبب المشاكل التي واجهنها باسم الحرية والمساواة - مللن هاتين الكلمتين حتى عدن عدوات لهما، في الوقت الذي ليس لهاتين الكلمتين دخل فيما حصل. فإنّ المرأة والرجل كوكبان يدوران في مدارين مختلفين فيجب ألاّ يخرّا عن مداريهما( لاَ الشّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللّيْلُ سَابِقُ النّهَارِ وَكُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) فالشرط الأساس لسعادة كل من المرأة والرجل - وفي الحقيقة المجتمع الإنساني - هو أن يدور كل جنس في مداره الخاص به. وحينذاك يتحقّق النفع من الحرية والمساواة حيث لم يخرج أيّ منهما عن مداره ومساره الطبيعي والفطري. فإنّ الذي خلق المشاكل للمجتمع إنّما هو التمرّد على أمر الفطرة الطبيعية ولا شيء غير ذلك.

وما ندّعيه الآن هو أنّ (النظام الحقوقي للمرأة في البيت والمجتمع) من المسائل التي يجب أن يعاد تقويمها، ولا يكتفى بالتقويمات القديمة؛ وذلك يعني أنّ: أوّلاً: نتخذ من الطبيعية هاديا لنا، ثانياً: نستفيد إلى أقصى حدٍّ ممكنٍ من مجموع التجارب السابقة والحالية (حلوها ومرّها) وعندها فقط تكون نهضة المرأة قد تحققت بالمعنى والواقعي.

* * *

٢١

القرآن الكريم - باتفاق الصديق والعدو - هو الذي أحيا حقوق المرأة. فالأعداء قد شهدوا على الأقل أنّ القرآن في عصر نزوله قه خطا خطوات كبيرة لصالح المرأة وحقوقها الإنسانية. لكن القرآن لم ينس كون المرأة امرأة ولا الرجل رجلاً حين دعا إلى إحياء (إنسانية) المرأة ومشاركتها للرجل في الإنسانية وحقوق الإنسان. وبتعبيرٍ آخر إنّ القرآن نظر إلى المرأة كما نظرت إليها الطبيعة، ومن هذه الناحية نجد الانسجام الكامل بين أوامر القرآن وأوامر الطبيعة. المرأة في القرآن هي نفس المرأة في الطبيعة. إنّ هذين الكتابين الإلهيّين الكبيرين - أحدهما تكويني والآخر تدويني - متطابقان مع بعضهما. وفي سلسلة المقالات هذه، إذا كان هناك من أمر مفيد وجديد فهو توضيح هذا التطابق والانسجام.

إنّ هذا الذي أمام القارئ المحترم، هو مجموعة مقالات كتبتها بمناسبة خاصة في سنتي 45 - 46 (1) هجرى شمسي في مجلة (زن روز) أي (امرأة اليوم) تحت عنوان (زن در حقوق إسلام) أي (المرأة في القانون الإسلامي) وحازت على اهتمام القرّاء.

وبالنسبة للأشخاص الذين لم يعايشوا الظروف آنذاك والذين يسمعون الآن أنّ هذه المقالات قد نُشرت لأوّل مرّة في هذه المجلة سيعجبون من اختياري لهذه المجلة بالذات لنشر مقالاتي، وكيف أنّ المجلة كانت

____________________

(1) تصادف عام 1966 - 1967م.

٢٢

مستعدة لنشرها دون تغيير، لهذه أرى أن أسرد قصة هذه المقالات:

في سنة 45، ارتفعت حمّى تغيير القوانين المدنية فيما يخص حقوق الأُسرة في جميع المجلات خصوصاً المجلات النسائية. ونظراً لكون أكثر الاقتراحات المطروحة كانت مخالفة لصريح نصوص القرآن، فقد أوجدت حالة عدم ارتياح لدى مسلمي إيران. وفي هذه الأثناء، كان القاضي الفقيد إبراهيم المهدوي الزنجاني - عفا الله عنه - يثير الغبار أكثر من غيره ويظهر الحماس الشديد لهذا الموضوع. وقد نشر المشار إليه لائحة من أربعين بهذا الخصوص في المجلة المذكورة. وقد طبعت المجلة أيضاً قسائم، وطلبت من قرائها أن يدونوا آراءهم حول اللائحة. وقد وعد الرجل بالدفاع عن لائحه بالأدلة والبراهين في سلسلة من المقالات تنشرها المجلة المذكورة.

في تلك الأيام اتصل بي تلفونياً أحد علماء طهران المحترمين المشهورين وأخبرني أنّه قد جمعه مجلس لمديري مؤسّسة كيهان واطلاعات وأنّه قد أبدى ملاحظات حول ما كان ينشر في تلك الأيام في المجلات النسائية التي تصدرها هاتان المؤسستان. وقد أجاب الرجلان بأنّهما مستعدان لنشر أية ملاحظات حول هذه المواضيع في نفس المجلات.

وبعد أن نقل لي هذه القصة، اقترح عليّ هذا الرجل الكريم أن أطّلع على هذه المجلات إذا سنحت الفرصة، وأكتب الملاحظات اللازمة في

٢٣

كل مرة. لكنّني أخبرته بأنّني غير مستعد لكتابة حاشية على ما ينشر في كل عدد، لكن بما أنّ السيد المهدوي سيقوم بنشر سلسلة من المقالات في الدفاع عن مقترح الأربعين مادة في مجلة (زن روز) أي (امرأة اليوم) فأنا على استعداد لنشر سلسلة مقالات حول الأربعين مادة نفسها في نفس المجلة على الصفحة المقابلة لكي تعرض أدلة الطرفين على الجمهور. فطلب منّي العالم أن أترك له فرصة الاتصال بمسؤولي المجلة مرّةً ثانية، ثم اتصل بي مرة أخرى وأعلمني بموافقة المجلة على نشر ما ذكر بالطريقة المقترحة، بعد ذلك كتبت رسالة إلى المجلة أعلمتها فيها باستعدادي للدفاع عن القوانين المدنية في حدود ما يطابق الفقه الإسلامي، وطلبت أن تنشر مقالاتي مقابل مقالات السيد المهدوي في المجلة المذكورة. وأشرت إلى أنّ المجلة إذا كانت توافق على اقتراحي، فلتنشر نفس الرسالة هذه كدليل على الموافقة. وقد وافقت المجلة ونشرت رسالتي في العدد 87 في 7/8/45هـ ش (1) ونشرت أول مقالة في العدد 88.

وكنت قبل ذلك قد طالعت فيما يخص حقوق المرأة كتاباً للفقيد المهدوي وعرفت منطقة ومنطق أمثاله. وعلاوة على ذلك، فإنّني منذ سنوات مهتم بحقوق المرأة في الإسلام، وقد كتبت ملاحظات كثيرة حول هذا الموضوع، وقد نشرت مقالات الفقيد المهدوي ونشرت

____________________

(1) 29 أكتوبر (تشرين الأول) / 1966م.

٢٤

قبالتها مقالاتي هذه. وقد بدأت طبعاً بالموضوع الذي بدأ هو به مقالاته. لكن كتابة هذه السلسلة من المقالات أرهقت الرجل إذ لم تمر ستة أسابيع حتى توفّي بالسكتة القلبية وارتاح من المقالات إلى الأبد. خلال هذه الأسابيع الستة كانت مقالاتي قد فتحت الطريق لنفسها؛ فقد طلب المهتمون من القرّاء منّي ومن المجلة أن تستمر هذه المقالات بصورة مستقلّة، ووافقت المجلة كما وافقت أنا واستمرّت حتى وصل عددها إلى 33 مقالة. كان هذا هو سبب تحرير هذه المقالات.

صحيح أنّ ما جاء في هذه الـ 33 مقالة كان جزءاً ممّا كان يجب أن يكتب وقد بقيت مطالب كثيرة لم تكتب، إلاّ أنّني - لكثرة المشاغل والمتاعب - لم أتمكّن من أعدادها وقد طالب المهتمون منذ نشر هذه المقالات وحتى الآن عدّة مرات أن تنشر في كتاب مستقل، لكنّني كنت أؤخّر ذلك انتظاراً لإكمالها وطبعها كموضوع متكامل بعنوان (نظام حقوق المرأة في الإسلام) ولكنّني لما شعرت أخيراً ألاّ داعي للانتظار، قنعت بما كتبت وطبعته.

إنّ المسائل التي طُرحت في هذه المقالات هي عبارة عن: الخطبة، والزواج الموقت (المتعة)، والمرأة والاستقلال الاجتماعي، والإسلام وتجدّد الحياة، ومكانة المرأة في القرآن، والكرامة وحقوق الإنسان، والأُسس الطبيعية لحقوق الأُسرة، والفوارق بين المرأة والرجل، والمهر، والنفقة، والإرث، والطلاق، وتعدّد الزوجات.

٢٥

أمّا المسائل الباقية والجاهزة كتابة، فعبارة عن: حق حكم الرجل في الأُسرة، حق حضانة الطفل، والعدّة وفلسفتها، والمرأة والاجتهاد والإفتاء، والمرأة والسياسة، والمرأة في قرارات القضاء، والمرأة في قرارات الجزاء، والأخلاق وتربية المرأة، ولباس المرأة، والأخلاق الجنسية: الغيرة، العفاف، الحياء، وغير ذلك. ومقام الأُمومة، والمرأة والعمل في الخارج، وعدّة مسائل أُخرى، فإنّ وفقني الله تعالى، فإنّ هذا القسم الثاني سيجمع ويدوّن بعد ذلك ويُطبع بصورة جزء ثانٍ ويهيّأ للنشر.

نسأل الباري تعالى التوفيق والهداية.

قلهك - 28 شهريور / 53 شمسي

المصادف للثاني من شهر رمضان المبارك / 1394 قمري

مرتضى المطهّري

٢٦

نظام حقوق المرأة

تمهيد

من دواعي سروري أنّ مجلة (زن روز) أي (المرأة اليوم) أعلنت موافقتها على طلبي، فيما يخص البحث في الاقتراحات الأربعين للمجلة، من أجل تغيير مواد القانون المدني الإيراني في المسائل التي تتعلّق بأمور الأُسرة، وأنّها أعلنت في العدد السابق موافقتها على نشر هذه السلسلة من المقالات مع نشر رسالتي بهذا الخصوص.

إنّني أغتنم هذه الفرصة لأضع بين يدي الشبّان جانباً من الفلسفة الاجتماعية في الإسلام، آملاً أن يكونوا على بصيرة وتفتّح ذهنٍ فيما يختص بالمسائل المتعلّقة بالروابط العائلية في نظر الإسلام.

لقد ذكرت في رسالتي أنّني لا أريد أن أدافع عن القانون المدني وأقرّه على أنّه كامل مانع ومطابق مئة بالمئة للقوانين الإسلامية والموازين الاجتماعية الصحيحة؛ إذ قد تكون لديّ اعتراضات عليه، كما لا أريد أن أقرّ بصحّة التقاليد المنتشرة بين أكثرية الناس ومطابقتها للعدالة، فأنا أشاهد بوضوح اضطراب العلاقات العائلية وأعتقد بضرورة إجراء إصلاحات أساسية في هذا الباب.

لكنّني بخلاف بعض الكتّاب من أمثال مؤلّف كتاب (انتقاد بر قوانين أساسى ومدنى إيران) أي (انتقاد القانون الأساسي والقانون المدني

٢٧

الإيراني) ومؤلّف كتاب (پيمان مقدس إزدواج) أي (الرباط المقدّس، أو عقد الزواج) لا أُبرّئ الرجال الإيرانيين مئة في المئة، ولا أُلقي بكامل التبعات على القانون المدني، ولا أرى ذنب القانون المدني في تبعيته للفقه الإسلامي، ولا أرى الطريق الوحيد للإصلاح، في تغيير مواد القانون المدني. إنّما أقوم في هذه السلسلة من المقالات بتناول تلك المجموعة من المواد القانونية الإسلامية المتعلّقة بحقوق الزوجين وعلاقاتهما مع بعضهما أو مع أطفالهما أو مع الأفراد خارج البيت، والتي أشير إليها وأقترح تغييرها، فابحثها مادة مادة، وأثبت أنّ هذه المواد قد أخذت بنظر الاعتبار بصورة دقيقة الجوانب النفسية والطبيعية والاجتماعية، ونظرت إلى الكرامة والشرف الإنساني للمرأة والرجل على السواء، وهي ضامنة لحسن العلاقات العائلية في حالة العمل بها والدقّة في تنفيذها على أحسن وجه.

وأرجو من القرّاء المحترمين أن يسمحوا لي - قبل الدخول في هذه المسائل - أن أشير إلى بعض النقاط:

1 - المشكلة العالمية للعلاقات الأُسرية (العائلية)

إنّ مشكلة العلاقات الأُسرية في عصرنا الحاضر ليست من السهولة والبساطة بحيث تحل بملء بطاقات (القسائم) من قِبَل الأولاد والبنات، أو عقد الندوات من النوع الذي رأينا وسمعنا واطلعنا على مستواه الفكري، ولم تحلها بلادنا خاصة، ولا حلّها الآخرون ولا ادعوا حلّها

٢٨

حلاًّ واقعياً. يقول (ويل ديورانت) الفيلسوف وكاتب تاريخ الحضارة المعروف: (لو فرضنا أنّنا الآن في عام ألفين ميلادي وأردنا أن نعرف ما هو أعظم حدث وقع في الربع الأوّل من القرن العشرين. فسنرى أنّ هذا الحدث لم يكن الثورة الروسية، بل هو هذا التغيّر في وضع المرأة، فإنّ التاريخ قلّما شهد تغييراً مثيراً بهذه الدرجة وفي مثل هذه المدّة القصيرة، وقد شمل هذا التغيير البيت المقدّس الذي كان أساس نظامنا الاجتماعي وقاعدة الحياة الزوجية الواقي من اتباع الشهوات وتزلزل وضع الإنسان والقانون الأخلاقي الذي أخرجنا من الوحشية إلى الحضارة، وآداب المعاشرة، كل ذلك طالته هذه النقلة المضطربة التي شملت كل عادات وصور حياتنا وتفكيرنا).

والآن ونحن في الربع الثالث من القرن العشرين، تصل إلى آذاننا أكثر من ذي قبل، آهات المفكّرين الغربيين من تفكّك الأُسرة وضعف أُسس الزواج.... من تخلّي الشبّان عن قبول مسؤولية الزواج.... من النفور الأُمومة.... من تقلّص علاقة الأبوين وعلى الأخص علاقة الأُم بالأطفال... من تبذّل المرأة وحلول الهوى الطارئ محلّ الحب.... من ازدياد الطلاق المستمر.... من الزيادة المقرفة للأطفال غير الشرعيين، ومن ندرة وجود الإخلاص بين الزوجين.

هل نستقل أم نقلّد الغرب؟!

ممّا يؤسف له أنّ مجموعة من الجهلاء يتصوّرون أنّ الأُمور المتعلّقة

٢٩

بروابط الأُسرة، تشبه الأُمور المتعلّقة بتنظيم المرور، وسيّارات الأُجرة والسيارات العامّة لنقل الركاب، ومد أنابيب الماء والكهرباء والتي كانت قد حلّت عند الأوروبيين منذ سنوات على أحسن ما يُرام، وإنّنا لا نملك الأهلية واللياقة لوضع الحلول، ويجب علينا اتباع أُولئك بأسرع ما يمكن.

هذا وهم محض، فالغربيون في هذه الأُمور أعجز منّا وأكثر تورّطاً، وصيحات عقلائهم أعلى من صيحاتنا، ففيما عدا مسألة تعليم المرأة، نجدهم في باقي المسائل أعجز منّا، وقلّما يتمتّعون بالسعادة في بيوتهم.

الحتميّة التاريخية

والبعض الآخر لهم تصوّر آخر؛ فهم يرون أنّ ضعف نظام الأُسرة وسريان الفساد إليها ناتج عن تحرّر المرأة. وتحرّر المرأة هو نتيجة حتمية للحياة الصناعية والتقدّم العلمي والحضاري وحتمية تاريخية، ولابد أن نستسلم لهذا الفساد والاضطراب، ونغضّ النظر عن تلك السعادة العائلية التي كانت موجودة في الزمان القديم.

إذا كان هذا هو تفكيرنا، فهو سطحي جداً. أؤيّد أنّ العصر الصناعي قد ترك أثره ويتركه على العلاقات العائلية رضينا أم أبينا، ولكنّ العامل الأساس في تمزّق العائلة في أوروبا شيئان آخران.

الأوّل: العادات والتقاليد والقوانين الجائرة والجاهلة التي كانت سائدة بينهم قبل هذا القرن فيما يتعلّق بالمرأة إلى حدّ أنّ المرأة لم

٣٠

تحصل على حقوقها في الملكية لأوّل مرّة إلاّ في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

والثاني: إنّ الأشخاص الذين أرادوا إصلاح أوضاع المرأة سلكوا نفس الطريق الذي يسلكه اليوم بعض أدعياء الثقافة العصرية عندنا، وما الاقتراحات الأربعون إلاّ مظهر من مظاهر ذلك الطريق، لقد أرادوا تجميل حاجب المرأة، ففقأوا عينها.

وقبل أن تكون الحياة الصناعية مسؤولة عن هذا الاضطراب، كانت قوانين أوروبا القديمة وإصلاحاتها الجديدة هي المسؤولة الكبرى عن ذلك.

لذا فبالنسبة لنا - شعوب الشرق الإسلامي - لسنا ملزمين بسلوك الطريق التي سلكوا، والسير حيث ساروا، والخوض في أيّ مستنقعٍ خاضوا، إنّما يجب علينا أن ننظر إلى الحياة الغربية بيقظةٍ وحذر. فمن خلال الإفادة والاقتباس من العلوم والصناعات والتكنيك وقسم من النظم الاجتماعية القابلة للتعديل، نتجنّب تقليد العادات والقوانين التي جلبت لهم آلاف التعاسات والمصائب، مثل: تغيير قوانين إيران المدنية والعلاقات العائلية وجعلها مطابقة للقوانين الأوروبية.

2 - نحن والقانون المدني

بغضّ النظر عن كون هذه الاقتراحات هدماً للبيت والأُسرة ومخالفة للمتطلبات الروحية والطبيعية والاجتماعية، كما سنوضح ذلك

٣١

فيما بعد، ولكن هل عرضت على القانون الأساسي؟ فمن جهة، يصرّح القانون الأساسي أنّ كل قانون يخالف قوانين الإسلام غير قانوني وغير قابل للعرض على المجلسين. ومن جهةٍ أُخرى، فإنّ أغلب مواد هذه المقترحات مخالفة لقانون الإسلام مخالفة صريحة. فهل إنّ الغربيين الذين يقلدهم مثقفونا العصريون على هذا النحو الأعمى، يرضون لقانونهم الأساسي أن يصبح ألعوبة بهذا الشكل؟

وبغضّ النظر عن الدين، فإنّ القانون الأساسي لكل بلد مقدّس عند أفراد ذلك البلد، وهو بالنسبة إلى إيران كذلك محل احترام الشعب الإيراني بأجمعه. فهل يمكن أن يوضع القانون الأساسي تحت الأقدام عن طريق الندوات وطبع القسائم ونشاط النواب؟

3 - العواطف الدينية للمجتمع الإيراني

بغضّ النظر في الوقت الحاضر عن عيوب هذه المقترحات ومخالفتها الصريحة للقانون الأساسي، ومهما ننكر فلا يمكن أن ننكر أنّ أقوى عاطفة تحكم مشاعر الشعب الإيراني هي العاطفة الإسلامية. دعونا الآن عن القلّة التي تخلّت عن كل قيدٍ وشرط وصارت تجري وراء كل هرج ومرج وتحلل من الالتزام، فإنّ الأكثرية الساحقة لهذا الشعب ملتزمة بالمقرّرات الدينية.

وبخلاف ما كان يتوقّعه البعض، فإنّ الدراسة وطلب العلم لم يكونا السبب في الفصل بين الأُمّة ودينها، بل العكس هو الصحيح، فبالرغم من

٣٢

أنّ التوجيه الديني الصحيح قليل، والحرب الفكرية الدعائية للاستعمار شديدة ضدّ الدين، إلاّ أنّنا نجد المتعلّمين والمثقفين يتجهون نحو الإسلام بشكل مطّرد. والآن أتساءل كيف ستنسجم هذه القوانين مع وجود هذه المشاعر الموجودة شئنا أم أبينا؟ وكيف سنتصرّف حين لا يتفق قانون العرف مع الحكم الشرعي الصريح؟ لنفرض أنّ امرأة - على أثر الخلاف والغضب - رجعت إلى المحكمة واستصدرت حكم طلاقها من زوجها على الرغم منه، ثم تزوّجت من رجلٍ ثانٍ. هذه المرأة وزوجها الجديد في الوقت الذي يعتبران نفسيهما بحكم القانون العرفي زوجاً وزوجة؛ يدركان في عمق وجدانهما الديني أنّهما أجنبيان عن بعضهما وأنّ اتصالهما غير مشروع، وأطفالهما أولاد زنا وأنّهما من وجهة نظر الدين يستحقان الإعدام.

في هذه الحالة، ماذا ستكون حالتهما النفسية؟ وبأيّ عين سينظر الأصدقاء والأقارب المتديّنون إليهما والى أولادهما؟ إنّنا في الواقع لا يمكن أن نغيّر الوجدان الديني للشعب بتغيير أو وضع قانون ما، وللأسف أو لحسن الحظ أنّ وجدان أكثر الأقرباء باتفاق الناس ليس خلواً من العاطفة الدينية.

فلو أنّكم جئتم من الخارج بمتخصّص حقوقي ونفساني وطلبتم رأيه وقلتم: إنّنا نريد أن نضع مثل هذا النوع من القوانين ولكنّ الأساس النفسي لأكثرية الشعب هو كذا وكذا، وانظروا هل سيوافقونكم؟ أم

٣٣

سيقولون إنّ ذلك سيؤدّي إلى آلاف المشاكل الروحية والاجتماعية؟

والمقارنة بين هذا النوع من القوانين والقوانين الجزائية من ناحية الآثار السيّئة التي تتركها، خطأ محض. فالفرق بين القانونين كالفرق بين السماء والأرض، وإنّ تغيير أو تعطيل القوانين الجزائية يلحق الأذى والضرر بالمجتمع كلّه، ويزيد المنحرفين جرأةً وحرصاً على تحدّي القوانين. أمّا القوانين المتعلّقة بروابط الزوجين والأطفال فإنّها ترتبط بحياة الأفراد الشخصية والخاصة، وتدخل في معركة مباشرة في مقابل العاطفة الدينية للشخص. ومثل هذه القوانين تبقى معطّلة في حالة تمكّن الدين وغلبة الوجدان وتؤدّي المشاكل التي تنتج عنها إمّا إلى إلغائها في النهاية رسميّاً - رضينا أم أبينا - أو إلى إضعاف الوازع الديني نتيجة حدوث الصراعات الدينية داخل نفس الإنسان.

٣٤

الفصل الأوّل

طلب اليد والخطبة

أبدأ حديثي حول المواد الأربعين المقترحة من هذه النقطة؛ لأنّ المقترحات بدأت من هنا، باعتبار أنّ هذا هو الموضوع بالترتيب الذي تناوله (القانون المدني).

ونظراً لأنّ المواد التي تتناول الخطبة وطلب اليد في القانون المدني ليست قوانين إسلامية بصورة مباشرة، أي أنّ أغلبها لم يستمد بصورة مباشرة من نص إسلامي واضح، كما أنّ القانون المدني في هذا المجال لم يستنبط أُصوله من القواعد الإسلامية العامة - كما يُدّعى - لذا لا أراني ملزماً بالدفاع عنه أو الدخول في بحث تفاصيل النظريات المقترحة. ومع أنّ المقترح قد ارتكب أخطاء كبيرة في هذا الباب، وعجز حتى عن أدراك المفاهيم الصحيحة لهذه المواد البسيطة، إلاّ أنّه لا يمكن أن نغضّ النظر عن أمرين هنا:

1 - هل يُعدّ طلب الرجل يد المرأة إهانةً لها؟

يقول مقترح المواد: (إنّ قانوننا المقرتح حتى في هذه المواد (المتعلقة بالخطبة وطلب اليد) لم ينس هذا المبدأ الرجعي والإنساني القائل بأنّ الرجل أصل والمرأة فرع، فنجد أنّ المادة 1034، وهي المادة الأُولى في باب النكاح والطلاق، قد صيغت على النحو التالي:

٣٥

(مادة 1034: - يمكن أن تطلب يد كل امرأة فارغة من موانع النكاح). وكما تلاحظون فإنّ المرأة بموجب هذه المادة - وإن لم يكن هناك إلزام - يطرح زواجها من الرجل بعنوان (أخذ امرأة) وهو يتلقّى ذلك بوصفه مشترياً يتعامل مع بضاعة. إنّ أمثال هذه التعبيرات في القوانين الاجتماعية تترك أثراً نفسيّاً سيّئاً جداً، وخاصةً التعبيرات المذكورة في قانون الزواج فإنّها تترك أثراً على علاقة الرجل بالمرأة؛ إذ تمنح الرجل موقع السيد والمالك والمرأة موقع المملوك والعبد).

وعلى أثر هذه الملاحظة النفسية الدقيقة، ولكي تؤخذ المواد التي ذكرها المقترح حول (طلب اليد) من طرف واحد بعنوان (أخذ امرأة) فقد اعتبر طلب اليد جزءاً من عمل المرأة كما هو جزء من عمل الرجل؛ لكي لا يصدق على الزواج (اخذ المرأة) فقط، وإنّما يصدق أيضاً على (أخذ رجل) أو على الأقل لا هذا ولا ذلك. فإذا قلنا أخذ امرأة، أو كلّفنا الرجال أن يقوموا هم دائماً بطلب أيدي النساء، فإنّنا نهبط بذلك بمكانة المرأة، ونجعل منها بضاعة معروضة للشراء.

غريزة الرجل الطلب والحاجة وغريزة المرأة التمنّع والدلال

من غريب الصدف أن يكون هذا الأمر موضع خطأ فاحش. فهذا الخطأ هو نفسه الذي جرّ إلى اقتراح إلغاء المهر والنفقة، وهذا ما سنفصله في بحث المهر والنفقة.

ان الذي كان يجري منذ قديم الزمان - وهو ان يذهب الرجال

٣٦

طالبين أيدي النساء ومظهرين الرغبة في الزواج منهن - هو من أكبر عوامل حفظ مكانة المرأة واحترامها فالطبيعة قد جعلت الرجل ممثّلاً للطالب والمحب، والمرأة ممثّلة للمطلوب والمحبوب. إنّها جعلت المرأة وردةً والرجل بلبلاً.. المرأة شمعة والرجل فراشة، وأنّه لمن حكمة التدبير وآيات الخلقة أن جعلت في غريزة الرجل الحاجة والطلب وفي غريزة المرأة الدلال والتمنّع. فهي بذلك تداري ضعفها مقابل قوّة الرجل.

ليس من كرامة المرأة واحترامها أن تجري خلف الرجل؛ إذ إنّ الرجل يطيق أن يخطب المرأة وتردّه وعندها يخطب أُخرى وتردّه حتى يفوز أخيراً برضا إحدى النساء للاقتران به. أمّا بالنسبة للمرأة حيث تريد أن تكون محبوبة الرجل ومعشوقة ومحلّ عنايته، وتنوي الاستيلاء على قلبه كي تحكم كل وجوده، فأكبر من طاقتها وخلاف غريزتها أن تدعو رجلاً للزواج منها فيردّها ثم تذهب لخطبة آخر.

وفي نظر (وليام جيمس) الفيلسوف الأمريكي المعروف: إنّ حياء وتمنّع المرأة الظريف ليس غريزة، فإنّ بنات حوّاء على مرّ التاريخ أدركن أنّ عزّتهن واحترامهن في أن لا يجرين وراء الرجل، ولا يظهرن الابتذال ولا يكنّ قريبات من متناول الرجل، إنّ النساء أدركن هذه الدروس طول التاريخ وعلمنها لبناتهن.

وهذا لا يختص بالنوع الإنساني فحسب، فباقي الحيوانات أيضاً

٣٧

كذلك فإنّه قد عهد لجنس الذكور أن يقوموا بعرض حبّهم وحاجتهم لجنس الإناث. أمّا ما عهد به إلى جنس الإناث فهو أن يعتنين بجمالهن ورقتهن ويصطدن قلب الجنس الخشن بالتمنّع الظريف وإظهار استغنائهن عنه، فيسخّرنه لخدمتهن بالطريقة التي تستهوي قلبه وتتهيج بها مشاعره وأحاسيسه فينجرف نحوهن بإرادته ومحض اختياره.

الرجل يشتري العلاقة الودّيّة للمرأة لا رقبتها

عجباً! يقولون لماذا تشم من تعبيرات القانون المدني رائحة شراء الرجل للمرأة؟

أوّلاً: إنّ هذا لا يرتبط بالقانون المدني بل يرتبط بالخلقة، ثانياً: هل إنّ كل شراء هو من نوع الملك والتملّك؟ فالطالب والدارس مشترٍ للعلم، والمتعلّم مشترٍ للعالم، وعاشق الفن مشترٍ للفنّان. فهل نسمّي ذلك تملّكاً ونعدّه منافياً لكرامة العلم والعالم والفن والفنّان؟ إنّ الرجل مشترٍ لمودّة المرأة لا لرقبتها.

فهل تجد في الواقع إهانة لجنس المرأة في شعر شاعرنا ذي الكلام العذب حافظ: إذ يقول ما ترجمته:

شيراز أصل شفاه العقيق ومعدن الحسن

وأنا جوهري مفلس ولذا أعيش في قلق

٣٨

مدينة مليئة بالجمال والحسان من ست جهات

وأنا لا أملك شيئاً وإلاّ لاشتريت الستّ كلّها(1)

إنّ حافظا يأسف لأنّه لا يملك شيئاً يدفعه للطيبات ويجلب به انتباههن واهتمامهن إليه. فهل هذه إهانة لمقام المرأة، أم مثال لأعلى مظاهر الاحترام لمقامهنّ لدى القلوب الحيّة والحسّاسة التي تخضع وتخشع بكل رجولتها أمام جمال وظرف المرأة، وتعلن حاجتها لحبّها واستغناء المحبوبة عنها؟

إنّ أقصى فنّ المرأة أنّها استطاعت أن تجذب الرجل إلى ساحتها في أيّ مقامٍ وموضعٍ كان.

والآن انظروا كيف يلوثون - باسم الدفاع عن حقوق المرأة - أكبر خصّيصة وشرف ومكانة للمرأة.

وهذا ما ذكرناه من أنّ هؤلاء السادة يريدون أن يصلحوا حاجب المرأة المسكينة فإذا بهم يفقأون عينها.

____________________

(1) الأصل الفارسي للأبيات المذكورة هو:

شيراز معدن لب لعل است وكان حسن

من جوهرى مفلس از أرو مشوشم

شهريست پر كرشمه وخوبان زشش جهت

چيزي نيست ورنه (خريدار) هر ششم

٣٩

طلب اليد تدبير ظريف من أجل حفظ مكانة المرأة

قلنا إنّ الرجل في قانون الخلقة، خُلق مثالاً للحاجة والطلب والمبادرة، والمرأة مثالاً للمطلوبية والإجابة، وهذا أحسن ضمان لكرامة المرأة واحترامها وتفادٍ لضعفها مقابل قوّة الرجل، وهو كذلك أحسن عامل لحفظ التوازن في حياتهما المشتركة، وهذا يمثّل نوعاً من الامتياز الطبيعي الذي مُنحت إيّاه المرأة ونوعاً من الواجب الطبيعي الملقى على عاتق الرجل.

والقوانين التي يضعها البشر، أو التدابير القانونية المعمول، بها يجب أن تحفظ للمرأة هذه الميزة وللرجل هذا الواجب، والقوانين المبنية على مساواة الرجل بالمرأة في واجبات وآداب الخطبة إنّما تسيء إلى مصالح وكرامة المرأة واحترامها، كما أنّها تقضي على التعادل بين الاثنين؛ في الظاهر لمصلحة الرجل وفي الواقع ضد مصلحة الطرفين.

وعلى هذا، فالمواد المقترحة من قِبَل كاتب الأربعين اقتراحاً، والمبنية على أساس اشتراك المرأة في واجب الخطبة، ليست لها أي قيمة، كما أنّها تسيء إلى المجتمع الإنساني ككل.

2 - وقوع كاتب الأربعين اقتراحاً حول القانون المدني في الخطأ:

الأمر الثاني الذي أريد الإشارة إليه في هذا الفصل أنّ السيد المهدوي كاتب الأربعين اقتراحاً، كتب في العدد 86 من مجلة (زن

٤٠