نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام0%

نظام حقوق المرأة في الإسلام مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: المرأة
الصفحات: 446

  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56748 / تحميل: 8485
الحجم الحجم الحجم
نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إنّ هذه التصريحات إذا كانت صحيحة، فالعقد باطل، رجل قاس اعتدى على امرأة غافلة، جاهلة بقانون الشرع والعرف وتجب معاقبته. وقبل أن يعاقب أمثال رضا يجب أن يُربّوا، وقبل أن يعاقب أمثاله أو يُربّوا يجب أن تبصر مرضية وأمثالها.

جناية منبعها قساوة رجل وغفلة امرأة، ما علاقتها بقانون الزواج المؤقت كي تقوم مجلة (زن روز) بالتزام جانب رضا، ثم تصب لومها على القانون، فلو أنّ قانون الزواج المؤقّت لم يكن موجوداً، أكان رضا - القاسي قلبه - يترك مرضية الغافلة لحالها؟

لماذا تتخلّون عن تربية وتوعية المرأة والرجل؟ تكتمون الحقوق والواجبات الشرعية عنهما، وتستغفلون النساء المسكينات فتظهرون لهن أنّ القانون الحامي والصادق للمرأة إنّما هو عدوّها وتطلبون منها أن تهدم بيدها ملاذها الوحيد؟

4 - النكاح المنقطع بما أنّه نوع من تعدّد الزوجات، وبما أنّ تعدّد الزوجات مرفوض فالنكاح المنقطع مرفوض أيضاً.

أمّا نوع الأفراد الذين شرع لهم النكاح المنقطع وما يتعلّق به من مسائل فسنبحثه بعد هذا الموضوع، كما سنبحث مسألة تعدّد الزوجات على حدة أيضاً بعون الله تعالى.

5 - النكاح المنقطع بما أنّه لا دوام له، فهو عش غير مناسب للأطفال الذين يتولّدون عنه؛ فيقرن النكاح المنقطع بولادة أطفال بلا معيل.

٦١

محرومين من حماية أب عطوف وأم حنون.

هذا الاعتراض أكّدت عليه مجلة (زن روز) كثيراً، لكن مع التوضيحات التي بينّاها لحد الآن لم يبق مجال للاعتراض. فقد ذكرنا في المقالة السابقة أنّ أحد الفوارق بين الزواج الدائم والمؤقّت هو مسألة الأطفال:

ففي الزواج الدائم لا يحق لأي من الزوجين أن يمنع النسل بدون رضا الزوج الآخر بخلاف الزواج المؤقّت حيث إنّ الطرفين حرّان في الزواج المؤقّت لا يجوز للمرأة أن تمنع تمتّع الرجل بها لكنّها تستطيع أن تمنع حملها منه بدون أن تنغّص متعته وهذا متيسّر اليوم عن طريق وسائل منع الحمل.

وعلى هذا، فإذا كان الزوجان في الزواج المؤقّت راغبين في إنجاب طفل وتحمّل مسؤولية رعايته وتربيته أنجباه. وبديهي أنّه من ناحية العاطفة الطبيعية لا فرق بين ولد الزوجة الدائمة وولد الزوجة المؤقّتة، ولو فرضنا أن الأب أو الأم امتنع عن أداء واجبه، أجبره القانون على ذلك، كما يتدخّل القانون عند حدوث الطلاق لمنع ضياع حقوق الأطفال. فإذا لم يكونا راغبين في الإنجاب - وكان غرضهما من الزواج المؤقّت إخماد جذوة الغريزة الجنسية - منعا الحمل.

وكما نعلم فإنّ الكنيسة تحرم منع الحمل، أمّا في نظر الإسلام فإنّ انعقاد الحمل منع منذ البداية وقبل تكوّن الجنين، فلا مانع، أمّا إذا انعقدت

٦٢

النطفة وتكوّن الطفل فالإسلام لا يجيز إطلاقاً إعدامه.

وما يقوله فقهاء الشيعة (من أنّ الغرض من الزواج الدائم إنجاب الأطفال، والغرض من الزواج المؤقّت الاستمتاع وإخماد جذوة الغريزة الجنسية) يوضح هذا القصد.

انتقادات

انتقد كاتب الأربعين اقتراحاً النكاح المنقطع في العدد 87 من مجلة (زن روز) بما يلي:

أولاً: (إنّ موضوع قانون النكاح أو الزواج المنقطع مزعج إلى حد أنّ كتّاب قانون الزواج لم يتمكنوا من شرحه وتفصيله، وكأنّهم لم يرضوا لأنفسهم هذا العمل؛ ولذا نجدهم - ومراعاة للظواهر طبق المواد 1075 و1076 و1076 و1077 - ينسجون عبارات وألفاظ غير منسجمة. وإنّ منظّمي المواد القانونية المتعلّقة بالنكاح المنقطع (المتعة) كانوا ناقمين على عملهم إلى درجة أنّهم لم يعرفوا أساساً العقد المذكور، ولم يوضحوا شروطه ومراسيمه).

ثم يقوم السيد الكاتب بنفسه بتلافي نقص القانون المدني هذا، فيعرّف النكاح المنقطع بما يلي: (النكاح المذكور عبارة عن: قيام امرأة غير متزوّجة بوضع نفسها تحت تصرّف رجل لمدّة معيّنة ولو لعدّة ساعات أو دقائق من أجل قضاء شهوة وتمتّع وممارسة أعمال جنسية مقابل أخذ أجرة معيّنة ومحدودة).

٦٣

ثم يقول: (من أجل الإيجاب والقبول في عقد النكاح المذكور، ذكرت في كتب فقه الشيعة ألفاظ عربية خاصة لم يشر إليها القانون المدني، فيظهر أنّ القانون يعتبر العقد واقعاً باستعمال أي لفظ يدل على القصد المذكور (أي قصد الإجارة أو أخذ الأجرة) حتى لو لم يكن باللغة العربية).

فالسيد الكاتب يرى:

أ - إنّ القانون المدني لم يعرف النكاح المنقطع ولم يوضح شروطه.

ب - ماهية النكاح المنقطع هي أن تؤجّر امرأة نفسها لرجل مقابل مبلغ معيّن.

ج - من وجهة نظر القانون المدني أنّ كل لفظ يدل على مفهوم إجارة المرأة تتفوّه به المرأة يُعدّ إيجاباً وقبولاً لنكاح منقطع.

إنّني أدعو السيد الكاتب إلى مطالعة القانون المدني مرّةً ثانية، وأن يطالعه بدقّة، كما أرجو من قرّاء مجلّة (زن روز) أن يحصلوا بصورةٍ ما على نسخة من القانون المدني ويطالعوا الفقرات التالية:

في القانون المدني خصّص الفصل السادس من كتاب النكاح، للنكاح المنقطع ولم يضم أكثر من ثلاث جمل بسيطة.

الأُولى: إنّ النكاح المؤقّت منقطع لمدّة معيّنة.

الثانية: إنّ مدّة النكاح المنقطع يجب أن تعيّن بوضوح.

٦٤

الثالثة: إنّ أحكام المهر والإرث في النكاح المنقطع هي نفس الأحكام المذكورة في الفصول الخاصّة بالمهر والإرث.

إنّ كاتب المقترحات الأربعين المحترم تخيّل أنّ كل ما ذكر في الفصول الخمسة الأُولى من كتاب النكاح تتعلّق بالنكاح الدائم، وأنّ هذه الجمل الثلاث هي كل ما قيل حول النكاح المنقطع. غفل عن أنّ جميع مواد الفصول الخمسة مشتركة بين النكاح الدائم والمنقطع عدا ما خصص مثل المادة 1069، وما اختص بالطلاق، فمثلاً جاء في المادة 1062 ما يلي: (يقع النكاح بالإيجاب والقبول بالألفاظ الدالة صراحة على قصد الزواج). فهذا مثلاً لا يقتصر على الزواج الدائم بل يشمل النوعين.

والشروط التي ذُكرت والواجب توفّرها في العاقد أو العقد أو الزوجين كذلك تتعلّق بالزواج المنقطع والدائم كليهما. فإذا كان القانون المدني لم يعرف الزواج المنقطع فلأنّه لا يحتاج إلى تعريف. كما أنّه لم يعرف الزواج الدائم لغناه عن التعريف. إنّ القانون المدني قد اعتبر أي لفظ صريح دال على الزواج ووقوع الزوجية كافياً للعقد سواء في الزواج الدائم أو المنقطع. أمّا إذا كانت للفظ دلالة أخرى غير الزوجية كالمعاوضة والمعاملة والكروة والإجارة، لم يصح عقد الزواج، دائماً كان أو منقطعاً.

إنّني بموجب هذا الذي ذكرت الآن أتعهّد - فيما إذا قامت مجموعة

٦٥

من القضاة الأفاضل والخبراء القانونيين، وهم كثيرون في المحاكم بالإقرار بصحّة الاعتراضات التي أوردت حول القانون المدني - منذ الآن بالامتناع عن الاعتراض على كل ما يكتب في مجلة (زن روز).

الزواج المؤقّت ومسألة بيت الحريم (3)

من المواضيع التي يثيرها الغرب ضد الشرق ويهيّئ من أجلها أفلاماً ومسرحيات مسألة إنشاء بيوت الحريم التي يضم تاريخ الشرق - وللأسف - نماذج كثيرة منها.

لقد كانت حياة بعض خلفاء وسلاطين الشرق نموذجاً كاملاً لهذه السيرة، ويعد إنشاء بيت الحريم صورة واضحة للهوس الجنسي وعبادة الهوى عند الرجل الشرقي.

يقولون: إنّ السماح بالزواج المؤقّت يساوي السماح بتشكيل بيوت الحريم التي تُعدّ نقطة ضعف وأمراً مخجلاً للشرق أمام الغرب. بل يُعدّ مساوياً لإطلاق حرّيّة الهوس الجنسي والعبث، وهو مهما كان شكله ومظهره ممّا ينافي الأخلاق والتقدّم، ويُعدّ من عوامل السقوط الحضاري.

وقد قيل نفس هذا الكلام عن تعدّد الزوجات. فقد فسّروا جواز تعدّد الزوجات على أنّه جواز تشكيل بيوت الحريم.

٦٦

إنّنا سنبحث مسألة تعدّد الزوجات في فصل خاص. أمّا هنا فسنقصر بحثنا على الزواج المؤقّت فقط.

هذه المسألة يجب بحثها من جهتين:

الأُولى: ماذا كانت دواعي إنشاء بيت الحريم من الناحية الاجتماعية؟ وهل كان لقانون الزواج المؤقّت أثر في إنشائها في الشرق أم لا؟

الثانية: هل كان تشريع قانون الزواج المؤقّت بقصد أن يكون وسيلة غير مباشرة للهوس الجنسي وتشكيل بيوت الحريم من قِبَل البعض أم لا؟

العوامل الاجتماعية لتشكيل بيوت الحريم

أمّا القسم الأوّل - فإنّ بيت الحريم وُجد نتيجة لتظافر عاملين:

العامل الأوّل: هو تقوى وعفاف المرأة، أي أنّ الظرف الأخلاقي والاجتماعي للمحيط كان لا يسمح للمرأة المرتبطة بعلاقة جنسية برجل معيّن أن تكوّن لها علاقات برجال آخرين. ففي مثل هذا الظرف يجد الغني العابث وسيلته الوحيدة للتبذّل قد انحصرت في أن يجمع عدّة نساء في مكان قريب منه ليكنّ في متناول يده؛ هذا المكان هو بيت الحريم.

وبديهي أنّه حين لا تكون الظروف الأخلاقية والاجتماعية ملزمة

٦٧

للمرأة بالتقوى والعفاف، وتسلم المرأة نفسها مجاناً وبكل يسر وسهولة لأي رجل تشاء ويستطيع الرجل في أي لحظة أن يعبث مع أي امرأة أراد، وحين توفّر إمكانية ممارسة الجنس بحرية في كل زمان ومكان، حينذاك لا يكلّف الرجال العابثون أنفسهم عناء تشكيل بيت الحريم الذي يحمّلهم النفقات الباهضة.

العامل الثاني: هو انعدام العدالة الاجتماعية، فحين تفتقد العدالة الاجتماعية ويصبح البعض غارقاً في النعيم والآخر في البؤس والفقر؛ يحرم عدد كبير من الرجال من إمكانية تكوين عائلة والحصول على زوجة مناسبة في الوقت الذي يتزايد فيه عدد النساء العازبات ممّا يهيّئ الجو لتشكيل بيوت الحريم.

فلو أنّ العدالة الاجتماعية توفّرت وتمكّن كل رجل من اختيار زوجة وتشكيل عائلة، فستختص كل امرأة بزوجها وينتفي أساس وجود العبث والهوس وتشكيل بيوت الحريم.

إذاً ما مقدار الزيادة في عدد النساء على الرجال لكي يتمكن كل رجل - أو على الأقل كل رجل غني - من تشكيل بيت حريم له حين يكون كل الرجال متزوجين؟

إنّما عادة التاريخ أن يعرض قصص بيوت الحريم في قصور الخلفاء والسلاطين، ويستعرض مجونهم وعبثهم لحظة بلحظة، لكنّه يسكت إزاء ما يقابل ذلك من الحرمان والفقر والحسرات وتبخّر الآمال

٦٨

تحت تلك القصور حيث يشقى الكثيرون ولا تسمح لهم ظروفهم الاجتماعية بالفوز بزوجة. وان عشرات بل مئات النساء الموجودات في بيوت الحريم إنّما يمثّلن حقّاً طبيعياً لعدد من المحرومين والبؤساء الذين قضوا كل أعمارهم عزّاباً.

ومن المسلّم به أن لو كان مبدأ العفاف يحكم المجتمع، لكانت التقوى أمراً لازماً للمرأة، عندها لا ينطفئ الظمأ الجنسي إلاّ في ظل الزواج (دائماًَ أو مؤقّتاً) ومن ناحية أخرى، تختفي المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ويتيسّر لجميع الأفراد التمتّع بحقّهم الطبيعي - كبشر - في الزواج ويصبح تشكيل بيوت الحريم أمراً مستحيلاً أو ممتنعاً.

إنّ نظرة سريعة إلى التاريخ تظهر أنّ قانون الزواج المؤقّت لم يكن له أدنى تأثير على تشكيل بيت الحريم؛ فإنّ خلفاء بني العبّاس والسلاطين العثمانيين الذين اشتهروا أكثر من غيرهم بهذه المسألة لم يكن أحد منهم شيعيّاً ليعمل بقانون الزواج المؤقّت.

وإنّ السلاطين الشيعة بالرغم من اتخاذهم هذا القانون مبرّراً لأعمالهم إلاّ أنّهم لم يبلغوا مبلغ الخلفاء العبّاسيين والسلاطين العثمانيين.

وهذا بذاته يفصح عن أنّ هذه الوضعية كانت نتيجة أسباب اجتماعية أخرى.

هل جاء تشريع الزواج المؤقّت لتأمين العبث الجنسي؟

القسم الثاني: لو شككنا في أي شيء، لما شككنا في أنّ الأديان

٦٩

السماوية عموماً قد جاءت مخالفة للعبث والهوى، حتى وصل الأمر بأتباع أكثر الأديان أن يقاوموا الهوى والعبث بصورة رياضات شاقّة، وأنّ من مبادئ الإسلام الواضحة والمسلّم بها محاربة العبث. وقد جعل القرآن الكريم عبادة الهوى كعبادة الأصنام، وفي الإسلام اعتبر الإنسان (الذواقة) ملعوناً مبغوضاً عند الباري تعالى، و(الذواقة) هو الإنسان الذي يحب الاستمتاع بمختلف النساء على سبيل التذوّق. وسنذكر في بحث الطلاق الأدلة الإسلامية المتعلّقة بهذه النقطة.

إنّ ميزة الإسلام عن الشرائع الأخرى أنّه يعارض التصوّف والرهبانية، ولا يعني ذلك أنّه يبيح العبث في المقابل، بل إنّ رأي الإسلام وهو أنّ جميع الغرائز - سواء منها الجنسية وغيرها - يجب أن تشبع في حدود الحاجة، ولكنّه لا يجيز أن يقوم الإنسان بإيقاد نار الغرائز لتصبح عطشاً لا يُروى. وعلى هذا الأساس، فكل شيء اتخذ لون العبث أو الظلم، فليس من الإسلام في شيء.

ممّا لا شك فيه أنّه لم يكن هدف مشرع الزواج المؤقّت جعله وسيلة مجون وتكوين بيوت حريم بيد العابثين وسبب بؤس وتشرّد امرأة وعدّة أطفال.

وقد ورد عن أئمّة الدين الحثّ والترغيب في الزواج المؤقّت؛ ولذلك فلسفة خاصة سأوضّحها عمّا قريب.

٧٠

بيت الحريم في عالم اليوم

ولنر الآن كيف تصرّف عالم اليوم تجاه تشكيل بيوت الحريم. إنّ عالم اليوم قد ألغى عادة بيت الحرم، واعتبرها عملاً قبيحاً وقضى على مسبّبها لكن على أيّ مسبّب قضى، هل قضى على المفارقات الاجتماعية ودفع بالشباب نتيجة لذلك نحو الزواج، وبهذه الطريقة قضى على مسبّبات إنشاء بيت الحريم؟

كلاّ، بل فعل شيئاً آخر، إنّه حارب السبب الأول (أي عفاف وتقوى المرأة) وأدّى بذلك لجنس الرجل أعظم خدمة. فتقوى المرأة وعفافها بمقدار ما يمنحان المرأة قيمة إنسانية ويجعلانها عزيزة كريمة يقفان حائلاً وسدّاً أمام الرجل بنفس المقدار. إنّ عالم اليوم قد عمل على ألاّ يحتاج عابثوا القرن العشرين، إلى إنشاء بيوت الحريم بما تكلّف من أموال وجهود. فبالنسبة لرجل هذا القرن وببركة الحضارة الغربية أصبح كل مكان بيتاً للحريم؛ فرجل هذا القرن لا يحتاج إلى مثل أموال هارون الرشيد والفضل بن يحيى البرمكي ولا سلطتهما كي يتمتّع بنفس القدر من جنس النساء على اختلاف الألوان والأنواع.

فبالنسبة لرجل هذا القرن يكفي أن يملك سيّارة ومرتّباً لا يزيد على ألفين أو ثلاثة آلاف تومان(1) ليصبح ماجناً يعبث ويلهو بجنس النساء

____________________

(1) التومان: عملة إيرانية تساوي 8/1 الأمريكي بالسعر الرسمي.

٧١

بشكل لم يكن يحلم به هارون الرشيد نفسه، فجميع الفنادق والمطاعم والمقاهي صارت بيوت حريم لرجل القرن العشرين.

إنّ شابّاً مثل (عادل كوتوالى) يقول اليوم بصراحة تامة إنّه يملك اثنتين وعشرين معشوقة بأشكال مختلفة، فماذا يريد أحسن من هذا رجل هذا القرن؟ إنّ رجل اليوم لم يفته من بيوت الحريم - ببركة الحضارة الغربية - إلاّ النفقات الباهضة والجهود المضنية.

ولو أنّ بطل ألف ليلة بُعث في هذه العصر ورأى الوسائل المتنوّعة للعبث ومعاشرة النساء ورخص ومجانية المرأة اليوم، لما فكّر في إنشاء بيوت الحريم بتلك الميزانية الضخمة والجهود المضنية، ولشكر شعوب الغرب الذين أغنوه عن تشكيل هذه البيوت، ولأعلن إلغاء تعدّد الزوجات والزواج المؤقّت لما تضعه على كواهل الرجال من مسؤوليات والتزامات تجاه النساء.

فإذا سألتم الآن قائلين قد عرفنا الفائز في لعبة الأمس ولعبة اليوم، فمَن الخاسر فيها؟ بكل أسف أُجيب أن الذي خسر أمس واليوم هو ذلك الموجود الضعيف السريع التصديق، الطيّب القلب والذي يسمّونه جنس المرأة.

منع الخليفة للزواج المؤقّت

يختص الفقه الجعفري بالزواج المؤقّت، أمّا باقي المذاهب الإسلامية فلا تجيزه، وأنا لا أميل أبداً إلى أن أثير نزاعاً بين الشيعة

٧٢

والسنّة. إنّما أذكر هنا شيئاً مختصراً عن تاريخ هذه المسألة.

يجمع المسلمون على أنّ الزواج المؤقّت كان جائزاً في صدر الإسلام. وقد أجازه الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، في بعض أسفاره - حيث كان المسلمون يعانون البعد عن زوجاتهم - كما يتفق المسلمون كذلك على أنّ الخليفة الثاني في زمن خلافته قد حرّم النكاح المنقطع. وعبارته المعروفة المشهورة هي: (متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء)(1) .

ويعتقد فريق من أهل السنّة أنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) نفسه قد حرّم النكاح المنقطع في أواخر أيامه وما منع الخليفة إلاّ إعلان لمنعها السابق من قِبَل النبي (صلّى الله عليه وآله)، إلاّ أنّ العبارة التي وردت عن نفس الخليفة تدل على خلاف ذلك.

التفسير الصحيح لهذه المسألة - كما بيّنه العلاّمة كاشف الغطاء - هو أنّ الخليفة قد أعطى لنفسه الحق في منع هذا الأمر؛ لأنّه تصوّر أنّ ذلك داخل ضمن صلاحيات ولي أمر المسلمين، فكل حاكم وولي أمر يمكن أن يمارس صلاحياته حسب مقتضى العصر في مثل هذه المواقف.

____________________

(1) وأخرج الطبراني في (المستبين) عن عمر أنّه قال:

(ثلاث كنّ على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنا محرّمهن ومعاقب عليهن، متعة الحج ومتعة النساء...) (الغدير، ج6، ص213).

٧٣

وبتعبيرٍ آخر، إنّ نهي الخليفة كان نهياً سياسياً لا شرعياً وقانونياً... فممّا يفهم من التاريخ، أنّ الخليفة في فترة حكمه، لم يخف قلقه من تفرّق الصحابة في الأقطار المفتوحة حديثاً واختلاطهم بالشعوب الحديثة العهد بالإسلام. وقد منع - مدّة حياته - خروجهم من المدينة المنورة، لئلاّ يختلط دمهم بالمسلمين الجدد قبل أن يتربّى الأخيرون تربية إسلامية عميقة، فقد كان لا يرضيه ذلك ويعدّه خطراً على الأجيال القادمة، وبديهي أنّ هذا كان سبباً مؤقّتاً لا أكثر. والسبب الذي دعا المسلمين في ذلك الوقت إلى قبول تحريم الخليفة هو أنّهم تلقّوه على أنّه مصلحة سياسية مؤقّتة لا قانوناً دائماً، وإلاّ فليس ممكناً أن يقول خليفة العصر قال النبي كذا وأنا أقول كذا ويرضى الناس بقوله.

لكن - ونتيجة لأحداث معيّنة وقعت بعد ذلك - أخذت سيرة الخلفاء الأوائل وخصوصاً الخليفتين الأولين على أنّها شيء ثابت، ثم أدّى التعصّب إلى أن تتخذ سيرتهما شكل القانون؛ لذا فالاعتراض الذي يرد هنا إنّما يرد على إخواننا أهل السنّة أكثر ممّا يرد على نفس الخليفة. فالخليفة حرم النكاح المنقطع تحريماً سياسياً مؤقّتاً (كتحريم التبغ(1) الذي وقع في هذا القرن). فيجب ألاّ يعتبره المسلمون أبديّاً.

بديهي أنّ نظرة العلاّمة كاشف الغطاء لم تتناول ما إذا كان تدخّل

____________________

(1) تحريم التنباك المشهور في إيران، بفتوى المجتهد المرجع آية الله الشيخ محمد حسن الشيرازي.

٧٤

الخليفة أصلاً صحيحاً أم لا! كما لم تتناول ما إذا كانت مسألة الزواج المؤقّت من المسائل التي يمكن لولي المسلمين الشرعي أن يحرّمها ولو لمدّة أم لا؟ إنّما بحث في أنّ الحادثة في بداية الأمر كانت بهذا الاسم وهذا العنوان ممّا لم يواجه باعتراض عموم المسلمين، وعلى كل حال، فإنّ نفوذ وشخصية الخليفة وتعصّب الناس لسيرته وإدارته كانا سبباً في نسيان هذا القانون وترك هذه السنّة المكمّلة للزواج الدائم والتي يؤدّي تعطيلها إلى مشاكل كبيرة.

وهنا قام الأئمّة الأطهار الذين هم حرّاس هذا الدين المبين بالترغيب في هذه السنّة والتشجيع على القيام بها من أجل ألاّ يطويها النسيان كسنّة إسلامية، وقد عدّ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) موضوع المتعة من المواضيع التي لا تراعى التقيّة في بيانها.

وهنا ظهرت حكمة ثانوية أُضيفت إلى الحكمة الأوّلية في تشريع النكاح المنقطع، وتلك هي السعي لإحياء (سنّة متروكة). وفي نظري أنّ الأئمة الأطهار حين نهوا الرجال المتزوّجين عن المتعة - بالنظر إلى حكمتها الأولية - أرادوا أن يبيّنوا أنّ هذا القانون لم يوضع للرجال الذين لا يحتاجونه. فنجد الإمام الكاظم (عليه السلام) يقول لعلي بن يقطين ما مفاده: ما أنت ونكاح العبيد وقد أغناك الله عنه.

بينما يقول لآخر ما يفيد أنّ هذا الأمر جائز لمن لم يغنه الله عنه بزوجة، وأمّا مَن له زوجة فلا يقدم على هذا العمل إلاّ حين يكون بعيداً

٧٥

عن زوجته. أمّا ترغيب وتشجيع عموم الناس على ممارسة هذا العمل فقد كان للحكمة الثانوية أي (إحياء السنّة المتروكة)؛ إذ إنّ ترغيب المحتاجين إليها فقط غير كافٍ لإحيائها كسنّة، وهذا الأمر واضح في أخبار وروايات الشيعة.

وعلى كل حال فإنّ من المسلّم به أنّ هدف مشرع هذا القانون وهدف الأئمّة الأطهار من الترغيب في ممارسته لم يكن لغرض العبث وإشباع الهوى وإقامة بيوت الحريم للمبتذلين، ولا لأجل أن يكون سبباً في بؤس الساذجات من النساء وحرمان الأطفال من الأبوّة.

حديث عن علي (عليه السلام)

كتب السيد المهدوي كاتب المقترحات الأربعين في العدد 87 من مجلة (زن روز) ما يلي:

نقل في كتاب الأحوال الشخصية للشيخ محمد أبي زهرة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (لا أعلم أحداً تمتّع وهو محصن إلاّ رجمته بالحجارة).

وقد ترجم السيد المهدوي هذه العبارة كما يلي:

(كما علمت بشخص غير لائق تمتع إلاّ حددته حدّ المحصن ورجمته بالحجارة).

أولاً: إذا كنّا نقبل قول أمير المؤمنين (عليه السلام) فلماذا نضرب عرض الحائط

٧٦

كل هذه الروايات المروية عنها في كتب الشيعة وغير الشيعة في باب المتعة، ونقتصر على التمسّك برواية، واحدة رواها أحد علماء أهل السنّة وبسند غير واضح؟ فإنّ من أقوال أمير المؤمنين (عليه السلام) القيّمة ما معناه (لو لم ينه عمر عن المتعة، لم يزن إلاّ شقي) أي ما زنا إلاّ الشقي المنحرف.

ثانياً: إنّ العبارة الأُولى تعني أنّه هدّد المحصن (أي المتزوّج) بالرجم، فلا أدري لماذا ترجم السيد المهدوي كلمة (المحصن) بـ (غير المؤهّل) وعلى هذا، فإنّ قصد الرواية أنّه لا يحق للمتزوّجين أن يتمتّعوا، ولو كان المقصود أنّه ليس من حق أيّ شخص مهما كان أن يتمتّع لأصبح قيد (وهو محصن) لغواً؛ إذاً فهذه الرواية إذا صحّت فهي تؤيّد ما يلي:

(إنّ قانون المتعة قد شرّع للأفراد المحتاجين إلى النساء، وهم العزّاب أو الذين يعيشون بعيداً عن زوجاتهم).

فهذه الرواية إذاً دليل على جواز الزواج المؤقّت لا على حرمته.

٧٧

٧٨

الفصل الثالث

الاستقلال الاجتماعي للمرأة

الاستقلال في تقرير المصير

جاء في المرسل عن ابن عبّاس (رض) أنّ جارية بكراً جاءت النبي (صلّى الله عليه وآله) فقالت:

(إنّ أبي زوّجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة.

- أجيزي ما صنع أبوك.

- لا رغبة لي فيما صنع أبي.

- فاذهبي فانكحي مَن شئت.

- لا رغبة لي عن ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء في أُمور بناتهم شيء).

أورد هذه الرواية الشهيد الثاني في المسالك، وصاحب الجواهر(1) ، وغيرهم من الفقهاء نقلاً عن العامّة.

في الجاهلية العربية - كما في الجاهلية غير العربية - كان الآباء يعطون لأنفسهم الولاية المطلقة على البنات والأخوات، وحتى الأُمّهات في بعض الأحيان، ولا يعترفون لهنّ بأيّ حق في اختيار الزوج، وهذا

____________________

(1) جواهر الكلام، ج29، ص177، عن سنن ابن ماجه، ج1، ص: 578.

٧٩

الاختيار - في تصوّرهم - حق مطلق للأب أو الأخ وعند عدم وجودهما، فالولاية للعم، وقد بلغت الولاية على النساء في التزويج إلى حدّ أنّ بعض الآباء كانوا يزوّجون بناتهم قبل ولادتهن! فإذا وُلدت البنت وجدت مَن ينتظرها ليأخذها زوجة له بعد أن تكبر.

التزويج قبل الولادة

في آخر حجّة حجّها رسول الله وبينما كان راكباً وبيده سوط اعترض طريقه رجل وقال له:

- أشكو إليك يا رسول الله.

- قل

- قبل سنوات وفي الجاهلية اشتركت مع طارق بن مرقع في أحدى المعارك فاحتاج طارق في أثناء القتال إلى سهم فنادى: مَن يعطيني سهماً ويأخذ أجره؟ فتقدّمت منه وقلت له: وما أجره؟ قال: أعدك أن أعطيك أول فتاة تولد، فقبلت وأعطيته السهم. ومرت الأيام والسنون حتى علمت أخيراً أنّ في بيته فتاة ناضجة، فذهبت إليه وذكرته بالقضية وطالبته بالوفاء بالوعد الذي قطعه، لكنّه نكص وأخذ يتذرّع بالحجج وطالبني بمهر وقد جئتك يا رسول الله لأرى هل الحق معه أم معي؟

- وما عمر الفتاة؟

- إنّها كبيرة، وقد ابيض بعض شعر رأسها.

- ليس الحق معك ولا مع طارق، انصرف إلى عملك وخلّ سبيل

٨٠