تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 486

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 486
المشاهدات: 73109
تحميل: 9203


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 486 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73109 / تحميل: 9203
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

تاريخ الشيعة

السياسيّ الثقافيّ الدينيّ

تأليف

العلاّمة الشيخ سُليمان ظاهر

عضو المجمع العلمي العربي بدمشق

حقّقه وضبطه

عبد سليمان ظاهر

المجلّد الثاني

منشورات

مؤسسة الأعلمي للمطبوعات

بيروت - لبنان

ص. ب ٧١٢٠

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

تاريخُ بني حَمْدان

دولة بني حمدان

قال ابن خلدون: كان بنو تغلب بن وائل من أعظم بطون ربيعة بن نزار، ولهم محلّ في الكثرة والعدد، وكانت مواطنهم بالجزيرة في ديار ربيعة، وكانوا على دين النصرانية في الجاهلية وصاغيتهم مع قيصر.

وحاربوا المسلمين مع غسّان وهرقل أيّام الفتوحات في نصارى العرب يومئذٍ من غسّان وإياد وقضاعة وزابلة وسائر نصارى العرب.

ثمّ ارتحلوا مع هرقل إلى بلاد الروم، ثمّ رجعوا إلى بلادهم، وفرض عليهم عمر بن الخطّاب الجزية، فقالوا: يا أمير المؤمنين لا تذلّنا بين العرب باسم الجزية واجعلها صدقة مضاعفة. ففعل.

وكان قائدهم يومئذٍ حنظلة بن قيس بن هرير من بني مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، وكان من رهطه عمرو بن بسطام صاحب أسند أيّام بني أمية، ثمّ كان منهم بعد ذلك في الإسلام ثلاثة بيوت: آل عمر بن الخطّاب العدوي، وآل هارون المغمر، وآل حمدان بن حمدون بن الحرث بن لقمان بن أسد.

ولم يذكر ابن حزم هؤلاء البيوت الثلاثة في بطون بني تغلب في كتاب الجمهرة، ووقفت على حاشية في هذا الموضع من كتابه، فيها ذكر هؤلاء الثلاثة كالاستلحاق عليه.

وقال في بني حمدان: وقيل إنّهم موالي بني أسد، ثمّ قال آخر الحاشية: إنّه من خط المصنف، يعني ابن حزم، ولمّا فشا دين الخارجية بالجزيرة أيّام مروان بن الحكم، وفرّق جموعه ومحا آثار تلك الدعوة، ثمّ

٤

ظهر في تلك الجزيرة بعد حين أثر من تلك الدعوة، وخرج مساور بن عبد الله بن مساور البجلي من الشراة(١) أيّام الفتنة بعد مقتل المتوكل، واستولى على أكثر أعمال الموصل، وجعل دار هجرته الحديثة، وكان على الموصل يومئذٍ عقبة بن محمّد بن جعفر بن محمّد بن الأشعث الخزاعي الذي ولّى المنصور جدّه محمّداً على أفريقية ؛ وعليه خرج مساور، ثمّ ولّى على الموصل أيوب بن أحمد بن عمر بن الخطّاب التغلبي سنة أربع وخمسين ومئتين، واستخلف عليه ابنه الحسن، فسار إلى مساور في جموع قومه وفيهم حمدون بن الحرث، فهزموا الخوارج وفرّقوا جمعهم.

ثمّ ولّى أيّام المهتدي عبد الله بن سليمان بن عمران الأزدي، فغلبه الخوارج، وملك مساور الموصل ورجع إلى الحديثة. ثمّ انتقض أهل الموصل أيّام المعتمد سنة تسع وخمسين ومئتين، وأخرجوا العامل وهو أساتكين الهيثم بن عبد الله بن المعتمد العدوي من بني تغلب، فامتنعوا عليه، وولّوا مكانه إسحاق بن أيوب من آل الخطّاب، فزحف معه حمدان ابن حمدون، وحاصرها مدّةً ثمّ كانت فتنة إسحاق بن كنداجق وانتفاضه على المعتمد.

واجتمع لمدافعته علي بن داود صاحب الموصل وحمدان بن حمدون وإسحاق بن أيوب، فهزمهم إسحاق بن كنداجق وافترقوا، فاتبع إسحاق بن أيوب إلى نصيبين ثمّ إلى آمد، واستجار فيها بعيسى بن الشيخ الشيباني، وبعث إلى المعز موسى بن زرارة صاحب أرزن فامتنع بإنجادهما.

ثمّ ولّى المعتمد ابن كنداجق على الموصل سنة سبع وستين ومئتين، فاجتمع لحربه إسحاق بن أيوب وعيسى بن الشيخ وأبو العز بن زرارة وحمدان بن حمدون في ربيعة وتغلب، فهزموا ابن كنداجق(٢) وحاصره هو، ولجأوا إلى آمد عند عيسى بن الشيخ الشيباني، وحاصرهم بها، وتوالت عليهم الحروب، وهلك مساور الخارجي أثناء هذه الفتن في حربه مع العساكر سنة ثلاث وستّين ومئتين.

____________________

(١) في الأصل: الشراب.

(٢) ذكرت في كامل ابن الأثير، في حوادث سنة ٢٦٧ المجلّد ٧ الصفحة ٤٥.

٥

واجتّمَع الخوارج بعده على هارون بن عبد الله البجلي، واستولى على الموصل، وكثر تابعه، وخرج عليه محمّد بن خردان من أصحابه فغلبه على الموصل، فقصد حمدان بن حمدون مستنجداً به، فسار معه وردّه إلى الموصل، ولحق محمذد بالحديثة، ورجع أصحابه إلى هارون.

ثمّ سار هارون من الموصل إلى محمّد فأوقع به وقتله، وعاث في الأكراد الجلاليّة أصحابه، وغلب على القرى والرساتيق، وجعل رجله يأخذ الزكاة والعشر.

ثمّ زحف بنو شيبان لقتاله سنة اثنتين وسبعين ومئتين ؛ فاستنجد بحمدان بن حمدون، وانهزم قبل وصوله إليه.

ثمّ كانت الفتنة بين إسحاق بن كنداجق ويوسف بن أبي الساج، وأخذ ابن أبي الساج بدعوة ابن طولون، وغلب على الجزيرة والموصل، ثمّ عاد وملكها لابن كنداجق، وولى عليها هارون بن سيما سنة تسع وسبعين ومئتين، فطرده أهلها، واستنجد ببني شيبان فساروا معه إلى الموصل، واستمدّ أهلها الخوارج وبني تغلب، فسار لإمدادهم هارون الساري وحمدان. فهزمهم بنو شيبان، وخاف أهل الموصل من ابن سيما فبعثوا إلى بغداد، وولّى عليهم المعتمد علي بن داود الأزري. ولما بلغ المعتضد ممالئة حمدان بن حمدون لهارون الساري وما فعله بنو شيبان، وقد كان خرج لإصلاح الجزيرة وأعطاه بنو شيبان رهنهم على الطاعة، زحف إلى حمدان وهزمه فلحق بماردين وترك بها ابنه الحسين وهرب، فسار مع وصيف ونصر القسوري، ومرّوا بدير الزعفران وبه الحسين بن حمدان، فاستأمن لهم. وبعثوا به إلى المعتضد، وأمر بهدم القلعة ولقي وصيف حمدان فهزمه وعبر إلى الجانب الغربي، ثمّ سار إلى معسكر المعتصد، وكان إسحاق بن أيوب التغلبي قد سبق إلى طاعة السلطان وهو في معسكره، فقصد خيمته ملقياً بنفسه عليه، فأحضره عند المعتضد فحبسه.

ثمّ سار نصر القسوري في اتباع هارون، فهزم الخوارج ولحق بأذربيجان، واستأمن آخرون إلى المعتضد، ودخل هارون البرية، ثمّ سار المعتضد سنة ثلاث وثمانين ومئين في طلب هارون، وبعث في مقدّمته

٦

وصيفاً وسرّح معه الحسين بن حمدان بن بكرين، واشترط له إطلاق ابنه إن جاء بهارون.

فاتبعه وأسره وجاء به إلى المعتضد، فخلع عليه وعلى أخوته وطوقه، وفك القيود عن حمدان ووعده بإطلاقه.

ومات إسحاق بن أيوب العدوي وكان على ديار ربيعة، فولّى المعتضد مكانه عبد الله بن الهيثم بن عبد الله بن المعتمد.

مبدأ الدولة وولاية أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل:

ولمّا ولي المكتفي عقد لأبي الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل وأعمالها، وكان الأكراد الهدبانية قد عاثوا في نواحها ومقدّمهم محمّد بن سلال، فقاتلهم وعبر وراءهم إلى الجانب الشرقي، وقاتلهم علي الخازر وقتل مولاه سيما ورجع، ثمّ أمدّه الخليفة فسار في أثرهم سنة أربع وتسعين ومئتين، وقاتلهم على أذربيجان وهزم محمّد بن سلال بأهله وولده، واستباحهم ابن حمدان، ثمّ استأمن محمّداً وجاءه إلى الموصل واستأمن سائر الأكراد الحميدية.

واستقام أمر أبي الهيجاء، ثمّ كانت فتنة الخلع ببغداد سنة ست وتسعين ومئتين، وقتل الوزير العبّاس بن الحسن، وخلع المقتدر وبويع عبد الله بن المعتز يوماً أو بعض يوم، وعاد المقتدر.

وكان الحسين بن حمدان على ديار ربيعة، وكان ممّن تولّى كبر هذه الفتنة مع القواد، وباشر قتل الوزير مع مَن قتله فهرب، وطلبه المقتدر وبعث في طلبه القاسم بن سيما وجماعة من القواد، فلم يظفروا به.

فكتب إلى أبي الهيجاء وهو على الموصل فسار مع القاسم، ولقيهم الحسين عند تكريت، فانهزم واستأمن فأمنه المقتدر وخلع عليه وولاّه أعمال قم وقاشان، ثمّ ردّه بعد ذلك إلى ديار ربيعة.

انتقاض أبي الهيجاء ثمّ الحسين بن حمدان:

ولمّا كانت سنة تسع وتسعين ومئتين خالف أبو الهيجاء بالموصل سنة اثنتين وثلاثمئة، وكان الحسين بن حمدان على ديار ربيعة، كما قدّمناه،

٧

فطالبه الوزير عيسى بن عيسى بحمل المال، فدافعه فأمره بتسليم البلاد إلى العمّال فامتنع، فجهّز إليه الجيش فهزمهم ؛ فكتب إلى مؤنس العجلي وهو بمصر يقاتل العساكر العلويّة ؛ بأن يسير إلى قتال الحسين بعد فراغه من أمره. فسار إليه سنة ثلاث وثلاثمئة، فارتحل بأهله إلى أرمينية، وترك البلاد. وبعث مؤنس العساكر في أثره، فأدركوه وقاتلوه فهزموه، وأسر هو وابنه عبد الوهاب وأهله وأصحابه، فأدخل على محل وقبض المقتدر يومئذٍ على أبي الهيجاء وجميع بني حمدان، فحبسهم جميعاً، ثمّ أطلق أبا الهيجاء سنة خمس وثلاثمئة بعدها، وقتل الحسين سنة ست وثلاثمئة، وولّى إبراهيم بن حمدان سنة سبع وثلاثمئة على ديار ربيعة، وولّى مكانه داود بن حمدان.

ولاية أبي الهيجاء ثانية عل الموصل ثمّ مقتله:

ثمّ ولّى المقتدر أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل سنة أربع عشرة وثلاثمئة، فبعث ابنه ناصر الدولة الحسين عليها، وأقام هو ببغداد، ثمّ بلغه إفساد العرب والأكراد في نواحيها، وفي نواحي عمله الآخر بخراسان، فبعث إلى أبيه ناصر الدولة فأوقع بالعرب في الجزيرة ونكل بهم، وجاءه في العساكر إلى تكريت، فخرج ورحل بهم إلى شهر زور، وأوقع بالأكراد الجلاليّة حتّى استقاموا على الطاعة.

ثمّ كان خلع المقتدر سنة سبع عشرة وثلاثمئة بأخيه القاهر، ثمّ عاد ثاني يوم، وأحيط بالقاهرة في قصره، فتذمّم بأبي الهيجاء وكان عنده يومئذٍ، وأطال المقام يحاول على النجاة به فلم يتمكّن من ذلك.

وانقضّ الناس على القاهرة، ومضى أبو الهيجاء يفتّش عن بعض المنافق في القصر يتخلّص منه، فاتّبعه جماعة وفتكوا به، وقتلوه منتصف المحرّم من السنة سبع عشرة وثلاثمئة، وولّى المقتدر مولاه نحريراً على الموصل.

ولاية سعيد ونصر ابنَي حمدان على الموصل:

ثمّ إنّ أبا العلاء سعيد بن حمدان ضمن الموصل وديار ربيعة وما بيد ناصر الدولة، فولاّه الراضي سنة ثلاث وعشرين وثلاثمئة، وسار إلى الموصل. فخرج ناصر الدولة لتلقّيه، وخالفه أبو العلاء إلى بيته وقعد

٨

ينتظره، فأنفذه ناصر الدولة جماعةً من غلمانه فقتلوه.

وبلغ الخبر إلى الراضي فأعظم ذلك وأمر الوزير ابن مقلة بالمسير إلى الموصل فسار إليها، وارتحل ناصر الدولة واتبعه الوزير إلى جبل السن، ورجع عنه وأقام بالموصل. واحتال بعض أصحاب ابن حمدان ببغداد على ابن الوزير وبذل له عشرة آلاف دينار على أن يستحثّ أباه، ففعل وكتب إليه بأمورٍ أزعجته، فاستعمل على الموصل من وثق به من أهل الدولة ورجع إلى بغداد في منتصف شوّال.

ورجع ناصر الدولة إلى الموصل فاستولى عليها، وكتب إلى الراضي في الصفح وأن يضمن البلاد، فأجيب إلى ذلك واستقر في ولايته.

مسير الراضي إلى الموصل:

وفي سنة سبع وعشرين وثلاثمئة تأخّر ضمان البلاد من ناصر الدولة، فغضب الراضي وسار ومدبّر دولته تحكم، وسار إلى الموصل وتقدّم تحكم إلى تكريت ؛ فخرج إليه ناصر الدولة فانهزم أصحابه، وسار إلى نصيبين وأتبعه تحكم فلحق به. وكتب تحكم إلى الراضي بالفتح، فسار في السفن يريد الموصل، وكان ابن رائق مختفياً ببغداد منذ غلبه ابن البريدي على الدولة، فظهر عند ذلك واستولى على بغداد.

وبلغ الخبر إلى الراضي، فأصعد من الماء إلى البر واستقدم تحكم من نصيبين ؛ واستعاد ناصر الدولة ديار ربيعة وهو يعلم بخبر ابن رائق، وبعث في الصلح على تعجيل خمسمئة ألف درهم فأجابه إلى ذلك.

وسار الراضي وتحكم إلى بغداد، ولقيهم أبو جعفر محمد بن يحيى ابن شريق رسولاً من ابن رائق في الصلح، على أن يولّى ديار مضر، وهي حرّان والرها والرقّة، وتضاف إليها قنسرين والعواصم فأجب إلى ذلك، وسار عن بغداد إلى ولايته، ودخل الراضي وتحكم بغداد، ورجع ناصر الدولة بن حمدان إلى الموصل.

سير المتّقي إلى الموصل وولاية ناصر الدولة إمارة الأمراء:

كان ابن رائق من بعد مسيره إلى ديار مضر والعواصم، سار إلى الشام

٩

وملك دمشق من يد الأخشيد ثمّ الرملة. ثمّ لقيه الأخشيد على عريش مصر وهزمه ورجع إلى دمشق، ثمّ اصطلحا على أن يجعلا الرملة تخماً بين الشام ومصر، وذلك سنة ثمان وعشرين وثلاثمئة.

ثمّ توفّي الراضي سنة تسع وعشرين وثلاثمئة، وولي المتّقي وقتل تحكم، وجاء البريدي إلى بغداد وهرب الأتراك التحكمية إلى الموصل وفيهم توزون وحجمج. ثمّ لحق بأبي بكر محمّد بن رائق واستحثّوه إلى العراق، وغلب بعدهم على الخلافة الأتراك الديلمية، وجاء أبو الحسن البريدي من واسط فأقام ببغداد أربعة وعشرين يوماً أمير الأمراء، ثمّ شغب عليه الجند فرجع إلى واسط، وغلب كورتكين ثمّ حجر المتقي وكتب إلى ابن رائق يستدعيه، فسار من دمشق في رمضان سنة تسع وعشرين وثلاثمئة، واستخلف عليها أبا الحسن أحمد بن علي بن حمدان على أن يحمل إليه مئة ألف دينار.

وسار ابن رائق إلى بغداد وغلب كورتكين والديلمية، وحبس كورتكين بدار الخلافة. ثمّ شغب عليه الجند، وبعث أبو عبد الله البريدي أخاه أبا الحسن إلى بغداد في العساكر فغلبوا عليها. وهرب المتّقي وابنه أبو منصور. وزاد في المسيرة، فنثر الدراهم على ابن الخليفة، وبالغ في مبرّته حتّى ركب للانصراف وأمسك ابن رائق للحديث معه فاستدعاه المتّقي وخلع عليه ولقبه ناصر الدولة وجعله أمير الأمراء، وخلع على أخيه أبي الحسن ولقبه سيف الدولة، وكان قتل ابن رائق لتسع بقين من رجب، وولاية ناصر الدولة مستهل شعبان من سنة ثمانين وثلاثمئة.

ثمّ سار الأخشيدي من مصر إلى دمشق فملكها من يد عامل ابن رائق، وسار ناصر الدولة مع المتّقي إلى بغداد.

أخبار بني حمدان ببغداد:

ولمّا قتل ابن رائق وولّي أبو الحسن البريدي على بغداد وقد سخطه العامّة والخاصّة، فهرب حجمج إلى المتّقي، وأجمع توزون وأصحابه إلى الموصل واستحثّوا المتّقي وناصر الدولة فأنجدوهم إلى بغداد، وولّى على الخراج والضياع بديار مضر وهي الرها وحران والرقّة أبا الحسن علي بن

١٠

خلف بن طياب وكان عليها أبو الحسن علي بن أحمد بن مقاتل من قبل ابن رائق فقاتله ابن طياب وقتله.

ولمّا قرب المتّقي وناصر الدولة من بغداد، هرب أبو الحسن بن البريدي إلى واسط بعد مقامه مئة يوم وعشرة أيّام.

ودخل المتّقي بغداد ومعه بنو حمدان، وقلّد توزون شرطة جانبي بغداد وذلك في شوّال من السنة، ثمّ سار بنو حمدان إلى واسط، فنزل ناصر الدولة بالمدائن، وبعث أخاه سيف الدولة إلى قتال البريدي وقد سار من واسط إليهم فقاتلوه تحت المدائن ومعهم توزون وحجمج والأتراك فانهزموا أولاً، ثمّ أمدّهم ناصر الدولة بمن كان معه من المدائن فانهزم البريدي إلى واسط، وعاد ناصر الدولة إلى بغداد منتصف ذي الحجّة وبين يديه الأسرى من أصحاب البريدي.

وأقام سيف الدولة بموضع المعركة حتّى اندملت جراحه وذهب وهنه، ثمّ سار إلى واسط فلحق البريدي بالبصرة واستولى على واسط، فأقام بها معتزماً على اتباع البريدي إلى البصرة. واستمدّ أخاه ناصر الدولة في المال فلم يمدّه وكان للأتراك عليه استطالة وخصوصاً توزون وحجمج.

ثمّ جاء أبو عبد الله الكوفي بالمال من قِبَل ناصر الدولة ليفرقه في الأتراك، فاعترضه توزون وحجمج وأرادا البطش به، فأخفاه سيف الدولة عنهما وردّه إلى أخيه.

ثمّ ثار الأتراك بسيف الدولة سلخ شعبان فهرب من معسكره إلى بغداد، ونهب سواده وقتل جماعةً من أصحابه.

وكان أبو عبد الله الكوفي لمّا وصل إلى ناصر الدولة وأخبره خبر أخيه أراد أن يسير إلى الموصل، فركب المتّقي إليه، واستمهله، وعاد إلى قصره فأغذّ السير إلى الموصل بعد ثلاثة عشر شهراً من إمارته.

وثار الديلم والأتراك ونهبوا داره، ولمّا هرب سيف الدولة من معسكره بواسط عاد الأتراك إلى معسكرهم وولوا توزون أميراً وحجمج صاحب جيش.

ولحق سيف الدولة ببغداد منتصف رمضان بعد مسير أخيه، وبلغه خبر توزون، ثمّ اختلف الأتراك وقبض توزون على إمارة الأمراء ببغداد.

١١

خبر عدل التحكمي بالرحبة:

كان عدل هذا مولى تحكم ثمّ صار مع ابن رائق وأصعد معه إلى الموصل، ولمّا قتل ابن رائق صار في جملة ناصر الدولة بن حمدان فبعثه مع علي بن خلف بن طياب إلى ديار مضر، فاستولى ابن طياب عليها وقتل نائب ابن رائق وكان بالرحبة من ديار مضر رجل من قِبَل ابن رائق يُقال له مسافر بن الحين فامتنع بها وجبى خراجها واستولى على تلك الناحية، فأرسل إليه ابن طياب عدلاً التحكمي فاستولى عليها، وفر مسافر عنها.

واجتمع التحكمية إلى عدل، واستولى على طريق الفرات وبعض الخابور. ثمّ استنصر مسافر بجمع من بني نمير وسار إلى قرقيسيا وملكها، وارتجعها عدل من يده ثمّ اعتزم عدل إلى ملك الخابور، وانتصر أهله ببني نمير، فأعرض عدل عن ذلك حيناً حتّى أمنوا، ثمّ أسرى إلى فسيح سمصاب وهي من أعظم قرى خابور فقاتلها وثقب السور وملكها ثمّ ملك غيرها.

وأقام في الخابور ستّة أشهر، وجبى الأموال وقوي جمعه واتسعت حاله، ثمّ طمع في ملك بني حمدان فسار يريد نصيبين لغيبة سيف الدولة عن الموصل وبلاد الجزيرة، ونكب عن الرحبة وحران ؛ لأنّ يأنس المؤنسي كان بها في عسكر ومعه جمع من بني نمير فحاد عنها إلى رأس عين ومنها إلى نصيبين.

وبلغ الخبر إلى أبي عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان فجمع وسار إليه فلمّا التقى الجمعان استأمن أصحاب عدل إلى ابن حمدان، ولم يبق معه إلاّ القليل، فقبض عليه وسمله وبعث به مع ابنه إلى بغداد في آخر شعبان سنة إحدى وثلاثين ومئتين (كذا).

مسير المتّقي إلى الموصل وعوده:

ولمّا انصرف ناصر الدولة وسيف الدولة عن المتّقي من بغداد، وجاء توزون من واسط واستولى على الدولة، ثمّ رجع إلى واسط، ووقعت بينه وبين ابن البريدي بالبصرة مواصلة وصهر ؛ استوحش لها المتّقي.

وكان بعض أصحاب توزون مسافراً له، فأكثر فيه السعاية عند المتّقي والوزير ابن مقلة

١٢

وخوفهما اتصال يده بابن البريدي، وقارن ذلك اتصال ابن شيرزاده بتوزون ومسيره إليه بواسط، فذكروا الخليفة بما فعل ابن البريدي معه في المرّة الأُخرى وخوّفوه عاقبة أمرهم، فكتب إلى ابن حمدان أن ينفذ إليه عسكراً يسير صحبته إليهم.

فأنفذه مع ابن عمّه الحسين بن سعيد بن حمدان، ووصلوا إلى بغداد سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمئة.

وخرج المتّقي معهم بأهله وأعيان دولته ومعهم الوزير ابن مقلة، وانتهى إلى تكريت. فلقيه سيف الدولة هنالك، وجاء ناصر الدولة إليها. وملك توزون الموصل، وبعث إليه المتقي يعاتبه على اتصاله بابن البريدي وأنّه إنّما استوحش من ذلك فإن آثر رضاه واصل ابن حمدان، فأجاب توزون إلى ذلك. وعقد الضمان لناصر الدولة على ما بيده من البلاد لثلاث سنين كلّ سنة بثلاثة آلاف ألف وستمئة ألف درهم.

وعاد توزون إلى بغداد، وأقام المتّقي بالرقّة، ثمّ أحسّ ابن حمدان ضجراً به، وبلغ سيف الدولة أنّ محمّد بن نيال الترجمان أغرى المتّقي بسيف الدولة وهو الذي كان قد أفسد بين المتّقي وتوزون، فقبض عليه سيف الدولة وقتله. وارتاب المتّقي بذلك فكتب إلى توزون، فقبض عليه سيف الدولة وقتله. وارتاب المتّقي بذلك فكتب إلى توزون يستصلحه، وكتب إلى الأخشيد محمد بن طغج صاحب مصر يستقدمه.

فسار إليه الأخشيد، ولمّا وصل إلى حلب وعليها من قبل سيف الدولة ابن عمّهم أبو عبد الله سعيد بن حمدان فرحل عنها.

وتخلّف عنه ابن مقاتل الذي كان بدمشق مع ابن رئق، ولمّا وصل الأخشيد إلى حلب لقيه ابن مقاتل فأكرمه واستعمله على خراج مصر، ثمّ سار إلى المتّقي بالرقّة فلقيه منتصف ثلاث وثلاثين وثلاثمئة، فبالغ المتّقي في إكرامه وبالغ هو في الأدب معه وحمل إليه الهدايا وإلى وزيره وحاشيته وسأله المسير إلى مصر أو الشام فأبى، فأشار عليه أن لا يرجع إلى توزون،

١٣

فأبى، وأشار على ابن مقلة أن يسير معه إلى مصر ليحكمه في دولته وخوفه من توزون فلم يعمل. وجاءهم رسل توزون في الصلح وأنّهم استحلفوه للخليفة والوزير، فانحدر المتّقي إلى بغداد آخر المحرم.

وعاد الأخشيد إلى مصر، ولمّا وصل المتّقي إلى هيت لقِيَه توزون فقبّل الأرض ورأى أنّه تحلّل عن يمينه بتلك الطاعة، ثمّ وكل به وسمل المتّقي، ورجع إلى بغداد فبايع للمستكفي.

ولمّا ارتحل المتّقي عن الرقّة ولّى عليها ناصر الدولة ابن عمّه أبا عبد الله بن سعيد بن حمدان وعلى طريق الفرات وديار مضر وقنسرين وجند والعواصم وحمص ؛ فلمّا وصل إلى الرقّة طمع أهلها فيه، فقاتلهم وظفر بهم، ورجع إلى حلب وكان قد ولّى على هذه البلاد قبله أبا بكر محمّد بن علي بن مقاتل.

استيلاء سيف الدولة على حلب وحمص:

ولمّا ارتحل المتّقي من الرقّة وانصرف الأخشيد إلى الشام بقي يأنس المؤنسي بحلب، فقصده سيف الدولة وملكها من يده، ثمّ سار إلى حمص فلقيه بها كافور مولى الأخشيد فهزمه سيف الدولة.

وسر إلى دمشق فامتنعوا عليه فرجع. وجاء الأخشيد من مصر إلى الشام وسار في اتباع سيف الدولة، فاصطفا بقنسرين، ثمّ تحاجزوا، ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة والأخشيد إلى دمشق.

ثمّ سار سيف الدولة إلى حلب فملكها، وسارت عساكر الروم إليها فقاتلهم وظفر بهم، ثمّ بلغ ناصر الدولة بن حمدان ما فعله توزون من سمل المتّقي وبيعة المستكفي فامتنع من حمل المال وهرب إليه غلمان توزون فاستخدمهم ونقض الشروط في ذلك.

وخرج توزون والمتسكفي قاصدين الموصل، وترددت الرسل بينهما في الصلح، فتمّ ذلك آخر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمئة.

وعاد توزون والمستكفي إلى بغداد، فتوفّي توزون أثر عوده وولي بعده ابن شيرزاده، واستعمل على واسط قائداً وعلى تكريت آخر. فأمّا الذي

١٤

على واسط فكاتب معزّ الدولة بن بويه واستقدمه، فقَدِم بغداد واستولى على الدولة، فخلع المستكفي وبايع للمطيع، وأمّا الذي على تكريت فسار إلى ناصر الدولة بن حمدان بالموصل وسار معه وولاّه عليها من قبله.

الفتنة بين ابن حمدان وابن بويه:

ولمّا خلع معزّ الدولة بن بويه المستكفي عند استيلائه على بغداد، امتعض ناصر الدولة بن حمدان لذلك، وسار من الموصل إلى العراق.

وبعث معزّ الدولة بن بويه قوّاده، فالتقى الجمعان بعكبرا واقتتلوا، وخرج معزّ الدولة مع المطيع إلى عكبرا وكان ابن شيرزاده ببغداد وأقام بها ولحق بناصر الدولة بن حمدان، وجاء بعساكره إلى بغداد فنزلوا بالجانب الغربي، وناصر الدولة بالجانب الشرقي.

ووقع الغلاء في معسكر معزّ الدولة والخليفة لانقطاع الميرة، وبقي عسكر ابن حمدان في رخاءٍ من العيش لاتصال المسيرة من الموصل.

واستعان ابن شيرزاده بالعامة والعيارين على حرب معز الدولة والديلم. وضاق الأمر بمعزّ الدولة حتّى اعتزم على الرجوع إلى الأهواز، ثمّ أمر أصحابه بالعبور من قطربل على دجلة، وتسابق أصحاب ناصر الدولة إلى مدافعتهم ومنعهم.

وبقي في خف من الناس فأجاز إليه شجعان الديلم من أقرب الأماكن فهزموه.

وملك معزّ الدولة الجانب الشرقي، وأعاد المطيع إلى داره في محرّم سنة خمس وثلاثين وثلاثمئة.

ورجع ناصر الدولة إلى عكبرا، وأرسل في الصلح، فوقف الأتراك التوزونية الذين معه على خبر رسالته، فهمّوا بقتله، فأغذّ السير إلى الموصل ومعه ابن شيرزاده، وأحكم الصلح مع معزّ الدولة.

استيلاء سيف الدولة على دمشق:

وفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمئة توفّي الأخشيد أبو بكر محمد بن طغج صاحب مصر والشام، فنصب للأمر بعده ابنه أبو القاسم أنوجور،

١٥

واستولى عليه كافور الأسود وخادم أبيه، وسار بهما إلى مصر.

وجاء سيف الدولة إلى دمشق فملكها، وارتاب أهلها فاستدعوا كافوراً فجاءهم، وخرج سيف الدولة إلى حلب ثمّ اتبعوه ففرّ إلى الجزيرة. وأقام أنوجور على حلب، ثمّ اتفقوا واصطلحوا وعاد أنوجور إلى مصر وسيف الدولة إلى حلب.

وأقام كافور بدمشق قليلاً ثمّ عاد إلى مصر، واستعمل على دمشق بدراً الأخشيدي، ويعرف ببدير، ثمّ عزله بعد سنة، وولّى أبا المظفّر طغج.

الفتنة بين ناصر الدولة بن حمدان وبين تكين والأتراك:

كان مع ناصر الدولة جماعة من الأتراك أصحاب توزون، فرّوا إليه كما قدّمنا، فلمّا وقعت المراسلة بينه وبين معزّ الدولة في الصلح، ثاروا به وهرب منهم وعبر إلى الجانب الغربي، ونزل واستجار بالقرامطة فأجاروه، وبعثوا معه إلى مأمنه، وفي جملته ابن شيرزاده ؛ فقبض ناصر الدولة عليه، واجتمع الأتراك بعده فقدموا عليهم تكين الشيرازي، وقبضوا على من تخلّف من أصحاب ناصر الدولة واتبعوه إلى الموصل، فسار عنها إلى نصيبين.

ودخل الأتراك الموصل، وبعث ناصر الدولة إلى معزّ الدولة يستصرخه، فبعث إليه الجيوش مع وزيره أبي جعفر الصيمري.

وخرج الأتراك من الموصل في اتّباع ناصر الدولة إلى نصيبين، فمضى إلى سنجار ثمّ إلى الحديثة ثمّ إلى السن وهم في اتباعه. وبقي هنالك العساكر فقاتلوا الأتراك وهزموهم، وسيق قائدهم تكين إلى ناصر الدولة فسمله لوقته، ثمّ حبسه وسار مع الصيمري إلى الموصل فأعطاه ابن شيرزاده وارتحل به إلى بغداد.

ثمّ ذكر خبر انتقاض جمان بالرحبة ومهلكه وتركناه لعدم غنائه.

فتنة ناصر الدولة مع معزّ الدولة:

ثمّ وقعت الفتنة بين ناصر الدولة بن حمدان ومعزّ الدولة بن بويه. وسار إليه معزّ الدولة من بغداد سنة سبع وثلاثين وثلاثمئة، فسار هو من الموصل إلى نصيبين.

١٦

وملك معز الدولة الموصل، فظلم الرعايا وأخذ أموالهم، وأجمع الاستيلاء على بلاد ابن حمدان كلها فجاءه الخبر بأن عساكر خراسان قصدت جرجان والري. وبعث أخوه ركن الدولة، ويستمده، فصالح نصر الدولة عن الموصل والجزيرة والشام على مثانة آلاف درهم كل سنة، وعلى أن يخطب له ولأخويه عماد الدولة وركن الدولة.

وعاد إلى بغداد في ذي الحجة آخر سبع وثلاثين وثلاثمئة.

غزوات سيف الدولة:

كان أمير الثغور راجعاً إلى سيف الدولة بن حمدان، ووقع الفداء سنة خمس وثلاثين وثلاثمئة في ألفين من الأسرى على يد نصر النملي. ودخل الروم سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمئة مدينة واسرغن ونهبوها وسبوها وأقاموا بها ثلاثاً وهم في ثمانين ألفاً مع الدمستق.

ثمّ سار سيف الدولة سنة سبع وثلاثين وثلاثمئة غازياً إلى بلاد الروم فقاتلوه وهزموه، ونزل الروم على مرعش فأخذوها وأوقعوا بأهل طرسوس، ثمّ دخل سنة ثمان وثلاثين وثلاثمئة وتوغل في بلاد الروم وفتح حصوناً كثيرة وغنم وسبا. ولمّا قفل أخذت الروم عليه المضايق وأثخنوا في المسلمين قتلاً وأسراً، واستردوا ما غنموه.

ونجا سيف الدولة في فل قليل، ثمّ ملك الروم سنة إحدى وأربعين وثلاثمئة مدينة سروج واستباحوها.

ثمّ دخل سيف الدولة سنة ثلاث وأربعين وثلاثمئة إلى بلاد الروم فأثخن فيها وغنم وقتل قسطنطين بن الدمستق فيمن قتل.

فجمع الدمستق عساكر الروم والروس وبلغار وقصد الثغور، فسار إليه سيف الدولة بن حمدان، والتقوا عند الحرث. فانهزم الروم واستباحهم المسلمون قتلاً وأسراً، وأُسر صهر الدمستق وبعض أسباطه وكثير من بطارقته.

ورجع سيف الدولة بالظفر والغنيمة، ثمّ دخل بلاد الروم النصرانية، ثمّ رجع إلى أذنه وأقام بها حتّى جاء نائبه على طرسوس، فخلع عليه وعاد إلى حلب.

١٧

وامتعض الروم لذلك فرجعوا إلى بلادهم، ثمّ غزا الروم طرسوس والرها وعاثوا في نواحيها سبياً وأسراً ورجعوا.

ثمّ غزا سيف الدولة بلاد الروم سنة ست وأربعين وثلاثمئة وأثخن فيها وفتح عدّة حصون، وامتلأت أيد العسكر من الغنائم والسبي، وانتهى إلى خرشنة، ورجع وقد أخذت الروم عليه المضيق، فقال له أهل طرسوس:

ارجع معنا فإنّ الدروب التي فصلت منها قد ملكها الروم عليك.

فلم يرجع إليهم، وكان معجباً برأيه، فظهر الروم عليه في الدروب واستردّوا ما أخذ منهم، ونجا في فلّ قليل يناهزون الثلاثمئة.

ثمّ دخل سنة خمسين وثلاثمئة، قائد من موالي سيف الدولة إلى بلاد الروم من ناحية ميا فارقين ؛ فغنم وسبا وخرج سالما.

الفتنة بين ناصر الدولة ومعزّ الدولة بن بويه:

قد تقدّم ما وقع من الصلح بين ناصر الدولة وبين معزّ الدولة بن بويه، وطالبه في المال فانتقض.

وسار إليه معزّ الدولة إلى الموصل منتصف السنة وملكها.

وفارقها ناصر الدولة إلى نصيبين وحمل نوّابه ومن يعرف وجوه المال وحمايته وأنزلهم في قلاعه مثل الزعفراني وكواشي، ودسّ إلى العرب بقطع الميرة عن عسكر معزّ الدولة، فضاقت عليهم الأقوات.

فرحل معزّ الدولة إلى نصيبين لما بها من الغلاّت السلطانية، واستخلف سبكتكين الحاجب الكبير على الموصل. وبلغه في طريقه أنّ أبا الرجاء وعبد الله ابني ناصر الدولة مقيمان بسنجار فقصدهما فهربا وخلّفا أثقالهما، وانتهب العسكر خيامهما، ثمّ عادا إلى معسكر معزّ الدولة، وهم غارّون فنالوا منهم، ورجعوا إلى سنجار.

وسار معزّ الدولة إلى نصيبين، ففارقها ناصر الدولة إلى ميافارقين، واستأمن كثير من أصحابه إلى معز الدولة. فسار ناصر الدولة إلى أخيه سيف الدولة بحلب، فقام بخدمته وباشرها بنفسه. وأرسل إلى معزّ الدولة في الصلح بينه وبين أخيه. فامتنع معزّ الدولة من قبول ناصر الدولة لانتقاضه وإخلافه. فضمن سيف الدولة البلاد بألفي ألف وتسعمئة ألف درهم.

١٨

وأطلق معز الدولة أسرى أصحابهم، وتم ذلك في محرّم سنة ثمان وأربعين وثلاثمئة.

ورجع معزّ الدولة إلى العراق وناصر الدولة إلى الموصل.

استيلاء الروم على عين زربة ثمّ على مدينة حلب:

وفي المحرّم من سنة إحدى وخمسين وثلاثمئة، نزل الدمستق في جموع الروم على عين زربة وملك الجبل المطل عليها، وضيّق عليها حصارها، ونصب عليها المنجنيقات، وشرع في النقب، فاستأمنها، ودخل المدينة ثمّ ندم على تأمينهم لما رأى من اختلال أموالهم، فنادى فيهم أن يخرجوا بجميع أهاليهم إلى المسجد. فمات منهم في الأبواب بكظ الزحام خلق، ومات آخرون في الطرقات، وقتل من وجدوا آخر النهار.

واستولى الروم على أموالهم وامتعتهم، وهدموا سور المدينة، وفتحوا في نواحي عين زربة أربعة وخمسين حصناً.

ورحل الدمستق بعد عشرين يوماً بنيّة العود، وخلف جيشه بقيسارية، وكان ابن الزيّات صاحب طرسوس قد قطع الخطبة لسيف الدولة بن حمدان. واعترضه الدمستق في بعض مذاهبه فأوقع به وقتل أخاه. وأعاد أهل البلد الخطبة لسيف الدولة. وألقى ابن الزيّات نفسه في النهر فغرق.

ثمّ رجع الدمستق إلى بلاد الثغور، وأغذّ السير إلى مدينة حلب، وأعجل سيف الدولة عن الاحتشاد، فقاتله في خف من أصحابه، فانهزم سيف الدولة، واستلحم آل حمدان.

واستولى الدمستق على ما في داره خارج حلب من خزائن الأموال والسلاح، وخرّب الدار وحصر المدينة.

وأحسّ أهل حلب مدافعته فتأخّر إلى جلب جيوش، ثمّ انطلقت أيدي الدعار بالبلد على النهب، وقاتلهم الناس على متاعهم، وخربت الأسوار من الحامية، فجاء الروم ودخلوها عليهم، وبادر الأسرى الذين كانوا في حلب وأثخنوا في الناس، وسبي من البلد بضعة عشر ألفاً ما بين صبيٍّ وصبيّة.

واحتمل الروم ما قدروا عليه وأحرقوا الباقي. ولجأ المسلمون إلى

١٩

قصبة البلد، فامتنعوا بها. وتقدّم ابن أخت الملك إلى القلعة يحاصرها، فرماه حجر منجنيق فمات. وقتل الدمستق به من كان معه من أسرى المسلمين وكانوا ألفاً ومئتين.

وارتحل الدمستق عنهم ولم يعرض لسواد حلب، وأمرهم بالعمارة على أنّه يعود ابن عمّه عن قريب، فخيّب الله ظنه.

وأعاد سيف الدولة عين زربة وأصلح أسوارها، وغزا حاجبه مع أهل طرسوس إلى بلاد الروم فأثخنوا فيها ورجعوا. فجاء الروم إلى حصن سبة فملكوه وملكوا - أيضاً - حصن دلوكة وثلاثة حصون مجاورة له.

ثمّ نجا غلام سيف الدولة إلى حصن زياد فلقيهم جمع من الروم، فانهزم الروم وأسر منهم خمسمئة رجل.

وفي هذه السنة: أُسر أبو فراس بن سعيد بن حمدان وكان عاملاً على منبج.

انتقاض أهل حران:

كان سيف الدولة قد ولّى هبة الله ابن أخيه ناصر الدولة حرّان وغيرها من ديار مضر، فساء أثره فيهم، وطرح الأمتعة على التجّار، وبالغ في الظلم. فانتظروا به غيبته عند عمّه سيف الدولة وثاروا بعمّاله ونوابه فطردوهم. فسار هبة الله إليهم وحاصرهم شهرين وأفحش في القتل فيهم، ثمّ سار سيف الدولة فراجعوا الطاعة وأدخلوا هبة الله وأفحش في القتل، واستقاموا.

انتقاض هبة الله:

وفي هذه السنة: بعث سيف الدولة الصوائف إلى بلاد الروم، فدخل أهل طرسوس من درب ومولاه نجا من درب، وأقام هو ببعض الدروب ؛ لأنّه كان أصابه الفالج قبل ذلك بسنتين، فكان يعالج منه شدّة إذا عاود وجعه.

وتوغّل أهل طرسوس في غزوتهم وبلغوا قونية وعادوا فعاد سيف الدولة إلى حلب، واشتدّ وجعه فأرجف الناس بموته، فوثب عبد الله ابن أخيه، وقتل ابن نجا النصراني من غلمان سيف الدولة.

٢٠