تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني12%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 486

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 486 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77513 / تحميل: 10054
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ولماذا لم يتدخل احد الا ايران الاسلامية الشيعية؟ اليس هذا دليل علي صحة ما اقول؟

قال: نعم، ولكن هولاء رافضة ينبغي الا نتعاون معهم، ثم استدرك وقال: ينبغي ان يكون التعامل معهم من خلال هيئة امم اسلامية. سكت... وسكت الشيخ وتكلم الصمت.

عدت الى بيتي، وانا في قمة الاستفزاز والانفعال. قلت لنفسي: ان كان حقا ما يقولون ان المسلمين الشيعة بكل هذه الدناءة فلعنة اللّه عليهم، وان كانت كل هذه اكاذيب موجهة اليهم فتلك النازلة الكبرى التي ما بعدةا نازلة.

مضت ايام. كان هناك معرض للكتاب في كلية الطب بالمنصورة. مررت به فوجدت كتابا بعنوان (الامام جعفر الصادق) تالىف المستشار عبد الحليم الجندي، طبعة مجمع البحوث الاسلامية ١٩٧٧م، قلت: هذا كتاب عن الامام جعفر الصادق من تالىف كاتب مصري سني، وصادر من قبل موسسة رسمية قبل قيام الثورة الاسلامية في ايران، فاخذته وقراته وتزلزل كياني لما فيه من معلومات عن اهل البيت (ع) طمستها الانظمة الجائرة وكتمها علماء السوء، فان القوم - كما روى علي لسان الزهري راوية بني امية - لا يطيقون ان يذكر آل محمد بخير.

عدت الى الكتابين السابقين، واخرجت ما فيهما من

٢١

المعلومات، ووجدتها جميعها من مصادر سنية قلت: لعل المسلمين الشيعة كذبوا فاوردوا على الناس ما لم يقولوه! فلنعد الى هذه المصادر بنفسنا، قمت بعمليه جرد دقيقة لجميع هذه الكتب، سواء منها ما كان في مكتبتي الخاصة، ام ما كان في مكتبه جمعية الشبان المسلمين، وتحققت فعلا من صحة هذه المعلومات، وعرفت مدى المصداقية التي يتمتع بها الزنداني وابو اسماعيل واحسان آلةي ظهير..!! وهنا نقطة هامة، وهي: ان كتب الحديث عند اهل السنة كالبخاري ومسلم وغيرهما، تكاد تكون مقدسة عند القوم لان صحة خلافة الخلفاء الثلاثة الاول مستمدة.. اولا من الامر الواقع، وثانيا من الروايات التي وردت في هذه الكتب، فاذا كان القوم يسلمون بصحة الروايات الواردة في فضائل الثلاثة الاول وجب عليهم التسليم بكل ما عداها ومنها فضائل اهل البيت(ع) وامامتهم.(١)

اما اذا قالوا: بل ننظر في صحة الروايات والرواة، فقد فتحوا باب النقد في مسلماتهم وصار من حقنا النقاش في صحة اسانيدهم وترجيح الدليل الاقوى، وهو عين ما يتوخاه كل باحث عن الحق

____________________

(١) أنظر في ذلك باب مناقب علي بن أبي طالب، و باب مناقب قرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجزء الرابع من (صحيح البخاري) ص ٢٤٨ و ما بعدةا.

طباعة دار الفكر – بيروت ١٤١٤ه/١٩٩٤م.

٢٢

وعندئذ ستكتسب الروايات الواردة في امامة اهل البيت(ع) قوة مضاعفة، اولا من قوة اسانيدها وثانيا من اعتراف مخالفيها بصحتها، والفضل ما شهدت به الاعداء والخصوم.

لم تمض الا اسابيع قليلة الا وكانت المسالة محسومة تماما من الناحية العقيدية، ثم التقيت بواحد من الاصدقاء القدامى وجدته علي هذا الامر، وبدانا في تدارس بعض الاحكام الفقهية اللازمة لتصحيح العبادات. وكنت مشغولا في هذا الوقت في انهاء رسالة الدكتوراه حتى اننى اقفلت عيادتي للتفرغ للعمل بهذه الرسالة، وقبلت في نيسان /ابريل عام ١٩٨٦ وبدات اتاهب لدخول امتحانات الدكتوراه في تخصص (الباطنة العامة). كنت منكبا علي القراءة العلمية وكانت راحتي ومتعتي الوحيدة اذا اصابني الملل من القراءة في الطب، هي اللجوء الى كتب اهل البيت(ع)، وبدا النبا يتسرب الى الذين تعاهدوا فيما بينهم وقرروا مقاطعة العبد الفقير لا كلام ولا سلام ولا معاملة، وبدات حلقات الضيق تتكاثر حول شخصي المتهم بالانحراف الفكري والخلل العقلي.. لماذا؟.. كنت اتساءل بيني وبين نفسي عن سر هذا العداء والشراسة في مواجهة كل من ينتمي الى خط آل بيت النبوة، وما هي الجريمة التي ارتكبها اولئك المنتمون؟.. تاره يقولون (انه انحراف عقائدي.. اى عقائدي هذا؟ هل صار الايمان بخلافة ابي بكر وعمر وعثمان جزءا متمما لكلمة لا اله الا اللّه، محمد رسول اللّه، ام ماذا؟).

٢٣

هل يقصدون ضرورة اثبات الىد والرجل والاصابع والصعود وآلهبوط للذات الآلهية؟ وهو ما يومن به السلفيون ومن يدينون بمذهبهم، تعالى اللّه عما يقول الواصفون والجاحدون علوا كبيرا.

لم يحاول احد منهم ان يقنعني بركائز هذه العقيدة ومعالم الانحراف العقيدي التي حلت بالعبد الفقير، ولم اكن في حاجة الى من يعرفني، فكتبهم موجودة في الساحة توزع من دون مقابل، وهي موجودة لدى ايضا.

اعتقال عام (١٤٠٨هر١٩٨٧م)

في ايار/مايو ١٩٨٧، انطلقت عدة رصاصات على وزير الداخلية المصري السابق حسن ابو باشا، وعلى الفور بدات حملة اعتقالات على طريقة (عناقيد الغضب الاسرائيلية) فتوجست من هذه الحادثة. وبعد ثلاثة اسابيع من بدء (حملة عناقيد الغضب) جاء زوار الفجر واخذوني مرة اخرى الى سجن الاستقبال ومنه مباشرة الى ساحات الاستجواب والتعذيب، جرى تعصيبي وتقييدي من الخلف ويبدو انها تكنولوجيا امريكية جديده لم ارها في المرة السابقة، القوا بى في العراء علي هذه الطريقة لمدة يومين وكعادتهم اللآدميه اخذوا ملابسي. ثم اعادوني الى السجن، ورموني في زنزانة في الطابق الرابع، بلا ماء ولا شبابيك ولا فراش، ولم يونس

٢٤

وحدتي الا اسراب البعوض، ثم اعادوني الى ساحة التعذيب والاستجواب بعد اسبوعين، حيث بدات حفلة تعذيب بالكهرباء، كان الاستجواب فيها مجرد غطاء لممارسة التعذيب بالكهرباء وتوجيه صدمات كهربائية للمخ وباقي الاماكن الحساسة ثم اطلقوا سراحي بعد يومين آخرين. كان آلهدف واضحا من حفلة التعذيب هذه حيث لا تهمة ولا حتى معلومات يريدون الحصول عليها ومنذ اللحظة الاولى قال لي المحقق السفاح: (سندفعك الى الجنون( وَ يَمْکُرُونَ وَ يَمْکُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْمَاکِرِينَ‌ ) «الانفال/٣٠».

خرجت من المعتقل مريضا بالفعل، ومضت علي عدة شهور حتى استطعت استعادة قدرتي علي التركيز الى سابق عهدها، ولكن التامر اخذ شكلا آخر كان الهدف منه اخراجي من عملي بالجامعة بكل ما لديهم من وسائل، وهكذا تم تاخير حصولي على الدكتوراه من عام ١٤٠٨ه/١٩٨٧م حتى ١٤١٣ه/١٩٩٢م ست سنوات كاملة من الضغوط الوظيفية والمعاشية كي يجبروني على تغيير (عقيدتي الفاسدة) حتى جاء الحق وظهر امر اللّه وهم كارهون.

التنظيم الاسلامي الشيعي ١٩٨٩م

من الواضح ان النفوذ البعثي العراقي قد امتد الى كافة انحاء المنطقة وخاصة مع نهاية الحرب العراقية الايرانية التي نصب فيها صدام حسين نفسه زعيما للامة العربية وحامى البوابة الشرقية، الى

٢٥

آخر هذه الالقاب التي منحها له الاعلام الماجور والحاقد في نفسه. وكان آلهجوم على المسلمين الشيعة في كل مكان احد ملامح هذا التمدد الذي لم تكشف تفاصيله بعد، والدليل علي هذا تقلص هذا العداء بتقلص دور المغرور سياسيا صدام حسين. لم تكن الاصابع البعثية بعيدة عن تمويل الحملة الاعلامية التي انطلقت لمهاجمة المسلمين الشيعة وتشويه معتقداتهم، ولا كانت بعيدة عن تلفيق القضايا للشيعة في الاعوام ١٩٨٧، ١٩٨٨، ١٩٨٩م ومنها هي القضية التي زج باسمى فيها. والغريب في هذه الامور ان قضية (مفبركة) من هذا النوع تحتوي قرابة الثلاثين شخصا تم جمعهم من الشرق والغرب تحظى بتغطية اعلامية في الصحف والمجلات القوميه وقد تم اعداد المتهمين من اللحظة الاولي لتصويرهم تماما كافلام السينما، لها منتج يتحمل التكاليف ويجني المكاسب، ومخرج، ومجموعة من الممثلين كانت هذه هي الطريقة التي يتم التصرف بها في مصائر المسلمين على مذابح الزعامات الزائفة والانتصارات الموهومة.

وانفض الجمع كما بدا، بل وكانت النتائج عكسية تماما حيث وجدنا من احرار الامة من يدافع عنا سواء من رجال الجامعة ام من رجال الصحافة. وفشلت الحملة السوداء التي كانت تتصور انه بمجرد اتهامنا بكلمة (الشيعة والتشيع) سيقف المجتمع ضدنا وقفة رجل واحد، لم يحدث هذا ولن يحدث ان شاء اللّه في (مصر

٢٦

الازهر الشريف) الذي بناه المسلمون الفاطميون الشيعة، مصر التسامح المذهبي التي وسعت بين ارجائها المسلمين والمسيحيين بل وحتى اليهود، فكيف يتخيل بعضهم ان هذا الشعب العظيم يمكن ان يحقق لهولاء اغراضهم؟ لم تتوقف المضايقات ولكن حدتها قد خفت كثيرا في الوقت الراهن.

حوارات مع السلفيين

لم يكن احد يعرف من هم المسلمون الشيعة ولا التشيع قبل الثورة الاسلامية الايرانية، وربما كان من الممكن التماس العذر لكل من وقفوا من الشيعة موقفا سلبيا، فالحقيقة غائبة ولا سبيل اليها الا بمصادفة كالتي تعرضت لها، فالشيعة مسلمون يومنون باللّه خالقا تجب عبادته واطاعة اوامرة وحده لا شريك له، والانتهاء عن معاصيه، ويومنون بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيا مرسلا هاديا، ويومنون بيوم المعاد(القيامة)، ويومنون بالقرآن الموجود بين ايدينا اليوم كتابا منزلا على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وان اللّه سبحانه وتعالى قد حفظ هذا الكتاب من اي تحريف او نقص او زيادة، والمنصف هو من يعود الى كتبهم العقيدية ليطلع على افكارهم وعقائدهم، لا ان يقرا كتب خصومهم، التي تحتوي على الافتراءات والاكاذيب بما لا يرتضيه دين، ولا يقر به عاقل منصف.

لو قرا اولئك الناس كتب التراث الاسلامي لتغيرت نظرتهم

٢٧

وصارت اكثر عمقا، ولكن هيهات..! لماذا يقروون وقد صاروا زعماء سياسيين ودينيين لمجرد انهم قرووا الصحف والمجلات وبعض قصاصات، ولو ساروا في الارض كما امرهم اللّه عز وجل لوجدوا المسلمين الشيعة في طول الارض وعرضها يحملون المصحف نفسه يقروونه ويتعبدون به للّه الواحد الاحد، ولكن الهوى لا دواء له.

اسلام واحد ام اسلامان؟

لم ولن اغير موقعي المدافع عن الاسلام في مواجهة اعدائه، ولن يصبح هذا الموقع يوما ما موقع المدافع عن طائفة ضد اخرى او مذهب ضد مذهب آخر، وما زال الصراع الحقيقي هو بين الاسلام والكفر وليس بين السنة والشيعة او حتى بين الاسلام والمسيحية او بين الاسلام واليهودية، سيبقى الصراع بين الحق والباطل، بين العدل والبغي، بين المستضعفين والمستكبرين، ولكن شيئا من هذا لا ينافي قراءة الاسلام في العمق، ولا معرفة حقائق التاريخ.

كيف يمكن لامة ان تحلم باقامة دولة اسلامية، وهي لا تمتلك مشروعا فقهيا او فقهاء مجتهدين؟! الجميع يعلمون ان المسلمين الشيعة وحدهم هم الذين يمتلكون هذا البناء الفقهي وهذه المدرسة المتكاملة التي اقاموها على مدى التاريخ عبر العذابات

٢٨

والجراحات، وهي مدرسة تستند الى فهم آل البيت المعصومين للكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة، ودائما كان دليلةم الاقوى وكانت فتاواهم هي الاصوب.

مثلا: اجمع فقهاء اهل البيت علي ان(حج التمتع)(١) افضل وانه فرض للبعيد عن المسجد الحرام اخذا بقوله تعالى:( وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَکُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ کَانَ مِنْکُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْکَ عَشَرَةٌ کَامِلَةٌ ذٰلِکَ لِمَنْ لَمْ يَکُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) «البقره/١٩٦».

اهل البيت يرون ذلك فرضا، اما الشيخ سيد سابق، فيرى

____________________

(١) يتألف حج التمتع من العمرة و الحج معا، و فيه إحرامان، وسعيان، و ثلاثة أطوفة: الأول للعمرة، و الثاني للحج، و الثالث للنساء، و هو للبعيد عن مكة. قال الإمام جعفر الصادق (ع): (من حج فليتمتع، إنا لا تعدل بكتاب الله و سنة نبيه. و قال: ما تعلم حجا لله غير المتعة، إنا إذا لقينا ربنا قلنا: عملنا بكتابك و سنة نبيك، و قال القوم: عملنا يرأينا، فليجعنا الله و إياهم. انظر: محمد جواد مغنية: فقه الإمام جعفر الصادق (ع). دار التبار الجديد- بيروت ط. الساىسة ١٤١٣ه/١٩٩٢م.

٢٩

ذلك (مجرد مذهب) لابن عباس وابي حنيفة(١) استدل عليه باية في كتاب اللّه، وهو بهذا يجعل الدليل القرآني مساويا لاراء الصحابة والتابعين، هل هذا دين؟! ثم يقولون لنا ان المسائل الفقهية محسومة وان لا اجتهاد مع النص، اليس هذا استهزاء بالنص القرآني؟!.

منذ عدة سنوات، اقترح الكاتب الصحفي احمد بهاء الدين تعديل قوانين الميراث والاخذ بالمذهب الجعفري الذي ينص على ان الانثى تحجب كالذكر، وقال ان الاخذ بهذه المادة القانونية يحل الكثير والكثير من المصائب والمشاكل الاجتماعية، فقامت الدنيا ولم تقعد، وانهال آلهجوم على الرجل والكل يتحدث بمنطق العصبيه البغيض (مذهبنا ومذهبهم) و رحمة اللّه على رجال من نوعية الشيخ محمد ابو زهرة والشيخ محمد شلتوت الذين حاولوا تحريك هذه البرك الراكدة، فلم يفلحوا.

يروون عن ائمة المذاهب الاربعة انهم قالوا: (اذا صح الدليل فهو مذهبي) فهل استثنى هولاء وقالوا: (الا ما جاء من ناحية اهل البيت وشيعتهم فلا تاخذوا به فهو باطل وان صح)؟ اين هي حرية الفكر وحرية العقل؟.

____________________

(١) أنظر: السيد سابق: فقه السنة، المجلد الأول، ص ٥٨٠ الطبعة الثامنة دار الكتاب اللبناني (١٤٠٧ه/١٩٨٧م) بيروت-لبنان.

٣٠

لماذا ضاعت هذه الشعارات وسط بريق النفط الاسود؟

وهل للنفط بريق الا لمن عميت بصائرهم وماتت ضمائرهم فانها لا تعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.

في النهاية، اسجل رويتى لقضية الامامة: اولا، روية نقدية لمرويات اهل السنة في هذا الموضوع، ثانيا قراءة عقلية للنص القرآني والاحاديث الواردة في مسالة الامامة.

***

٣١

٣٢

على طريق الامامة

في الصميم:

لم تكن قضية الامامة تحظى بقدر كبير من الاهتمام في صفوف الحركات الاسلامية المعاصرة في العالم الاسلامي، بيد ان قيام الثورة الاسلامية في ايران، بقيادة آية اللّه العظمى روح اللّه الموسوي الخمينيرحمه‌الله ، قد القى عدة احجار في البحيرة الراكدة، وفرض على الكثيرين من العلماء والمفكرين واصحاب القلم اعادة التفكير والنظر في مسلمات الامس القريب، في حين اختار بعضهم موقف المعاداة لكل ما جهلوا، وصدق اللّه العلي العظيم، حيث يقول:( بَلْ کَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ) «يونس /٣٩».

وهناك من قام باعمال فكرة وعقله في النصوص وفي الواقع، بهدف الحصول على الحقيقة بغض النظر عن الاستنتاج النهائي، وبغض النظر عن قوى الواقع التي تمارس بشكل عملي الاسلوب الذي تتحدث عنه الآية القرآنية المباركة وتذمه( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) «الزخرف /٢٢». تمارس تلك القوى ذلك من دون ان تعلنه باللسان.

٣٣

على ان قضية(الامامة)، وان تعددت الدراسات حولها وكثرت الا ان غالبية ما كتب لم يكن ليكتب في اطار عقلي، بل ان السائد ان كل طرف ياتي بما يويد وجهة نظره من الروايات، ويتحدث عن اسانيدها ورواتها ووثاقتهم، الامر الذي دفعني لاستخدام المنطق العقلي في هذه الدراسة لان ما يتناقض مع العقل هو المستحيل بعينه وهو المرفوض دراية ومن ثم رواية، من دون ما حاجة لسرد اسماء الرواة والمحدثين، وما يتفق مع العقل ينبغي قوله والتسليم به، لان احكام الدين وشرائعة تتكامل ولا تتناقض، وما نعنيه بالعقل هنا هو عرض ادلة المسائل الفرديه علي الادلة الكلية، الجامعة. فاذا كان اللّه تبارك وتعالى:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ) «النحل /٩٠»، فلا يعقل ان يامر بطاعة (فاقد العقل)، والا لامر سبحانه بالشيء وضده (العدل - الجور). وهذا محال علي اللّه سبحانه وتعالى.

والى جانب ايماننا بذلك، فاننا نومن بالتكامل في الشريعة الاسلامية الغراء، بمعنى ان قواعد الاسلام العظيم مرتبة بعضها على بعض، فالقرآن الكريم تحدث عدة مرات عن قاعدة (الاصطفاء)، وانها محصورة في الذرية والال( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرَاهِيمَ وَ آلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ‌ ) «آل عمران /٣٣». ثم نص سبحانه وتعالى على تحميل هولاء المصطفين الابرار مسوولية

٣٤

هداية البشر، وتعريفها بالحق:( وَ الَّذِي أَوْحَيْنَا الىکَ مِنَ الْکِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) «فاطر/٣١ - ٣٢». وهذه قاعدة عامة لم تشذ عنها امة من الامم، فلماذا تشذ الامة الاسلامية؟( قُلْ مَا کُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ) «الاحقاف /٩».

واخيرا: هناك قضية حجية السنة(١) ؟ فالمعارضون لمدرسة اهل البيت(ع)، حينما تضيق بهم السبل يلجاون الى حجة في غآية الغرابه، وهي الدفع بعدم ورود امامة اهل البيت(ع) وخلافتهم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القرآن الكريم، وهو ما لا سبيل الى القبول بمناقشته ونحن نعلم ان حجية السنة المتواترة تماما كحجية الكتاب، فصاحب السنة هو متلقي الوحي من رب السموات والارض ولعنة اللّه على من كذب على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليموه على الناس دينهم، وهذا الكذب هو الذي ادى الى القاء بعض الظلال علي حجية السنة المطهرة، وهي اوامر اللّه ونواهيه التي جاء بها النبي المعصوم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتشكيك في حجية السنة لا يختلف في شيء عن التشكيك في حجية القرآن.

___________________

(١) يعرف علماء أصول الفقه الحجة بأنها: (كل شيء يكشف عن شيء أخر، و يحكي عنه على وجه يكون مثبتا له). أما السنة فهي (قول المعصوم أو فعله أو تقريره)

للتوسع أنظر: أحمد البهادلي: مفتاح الوصول الى علم الأصول٢/٣١.

٣٥

نقول ايضا: ان انتقال النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الرفيق الاعلى عام (١١ه /٦٣٢م) كان من المفترض ان يصاحبه انتقال السلطة والنظرية الى يد امينة قادرة على التعبير عن الامرين وجعل السلطة والقوة في خدمة النظرية وليس العكس ان تكون النظرية في خدمة السلطة فتتشكل النظرية وفقا لقدرات اصحاب السلطة الذهنية والعقلية ولمدى امانتهم في التطبيق، ومن هنا كان عهد النبي الاكرم لعلي سلام اللّه عليه يوم غدير خم بقوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه)(١) ، وقوله يوم سار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى غزوة تبوك وكانت يومها الدولة قائمة: (انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي)(٢) .

____________________

(١) هذا الحديث يعرف بحديث الغدير، و قد روي في صحاح أهل السنة بألفاظ متقاربة، و معني واحد أنظر: سنن الترمذي ٢/٢٩٨. مطيعة بولاق-مصر١٢٩٢ه- سنن ابن ماجه ص ١٢. مطيعة حيدر اباد- الدكن١٣٢٤ه- سند احمد بن حنيل ١/٤٨، المطيعة الميمتية- مصر١٣١٣ه- الخصائص للنسائي ص٢٢و ٤٠مطيعة التقدم العلمية- مصر١٣٤٨ه- الإمام و السياسة لابن قتية، ص ٩٣. طباعة الفتوح الأىبية١٣٣١ه.

(٢) روي هذا الحديث في:

-صحيح البخاري (كتاب بده الخلق، باب عزوة تبوك) ٣/١٣٥٩،حديث=

٣٦

ولكن الذي حدث كان غير ذلك، فالخلافة النبوية انتقلت الى من انتقلت اليه براي بعض المسلمين وليس بالنص، واولئك الخلفاء تفاوتت قدراتهم في استيعاب النصوص ومعرفتها ومن ثم تعبيرهم عن النظرية، وان امسكوا بالسلطة في ايديهم، وكانت ثمرة الخلفاء الثلاثة الاول ان انتقال السلطة الى الامام علي(ع) لم يكن انتقالا هادئا ولا مستقرا الى (امام منصوب من اللّه عز وجل) ما اسهم في تفلت خيوط القوة من بين يديه ووصولها غنيمة باردة الى بني امية بقيادة ابن (آكلة الاكباد)(١) ، وهو انتقال رسخ الوضع الاتي:

١ - سلطة لم تستمد قوتها من شرعية آلهيه، وانما من الغصب والعدوان، وهو ما عبر عنه معاوية في خطاب تسلم السلطة: (اني واللّه ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا،

____________________

= ٣٥٠٣،المطيعة الخيرية- مصر١٣٢٠ه.

- صحيح مسلم(كتاب فضائل الصحابة) ٥/٢٣ حديث ٢٤٠٤. طباعة بولاق ١٢٩٠ه.

(١) آكلة الأكباد هي هند بنت عُتبة، أمّ معاوية بنت أبي سفيان سُمّيت بآكلة الأكباد لأنّها بقرت بطن (حمزة) عم النبي و أخرجت كبده و لاكته، و ذلك في معركة(أحد) التي دارت بين المسلمين و مشركي قريش بقيادة أبي سفيان، فجرح الرسول فيها، و قتل عمّه حمزة، و ذلك سنة ٣ه/٦٢٥م.

٣٧

ولا لتزكوا، انكم تفعلون ذلك، وانما قاتلتكم لاتامر عليكم، وقد اعطاني اللّه ذلك وانتم كارهون).(١)

٢ - نظرية يفترض انها (الاسلام)، ولكنه من الناحية الواقعية (الاسلام الاسير) في ايدي اقوام جعلوا احدى شعائر صلاة الجمعة لعن امير المومنين علي(ع) علي المنابر، وهذه مسالة متواترة ناهيك عن باقي موبقاتهم وجرائمهم.

في ظل هذا الواقع السلطوي، والنظرية الاسلامية التي تتلقى الطعنات صباح مساء من اصحاب السلطة، صيغت نظريات السلطة، ورويت الروايات ودونت الكتب، فكتب الصحاح التي يتحدثون عنها كتبت بعد قرنين من رحيل النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولذا جاءت مدونات هذه الكتب خليطا من النصوص المبتوره عن مواضعها علي الرغم من صحتها، وتلك النصوص المكذوبة علي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتلك النصوص المنتقاة لبعض الاشخاص اصحاب المواقف المتمشية مع اهواء كل النظم الحاكمة الى يومنا هذا. والاهم من هذا وذاك تلك المساحات البيضاء التي تركت

____________________

(١) أبو الفرج الأصفهاني: مقاتل الطالبيّن ص٧٧، ط. الأعملي، بيروت – لبنان (١٤٠٨ه/١٩٨٧م).

و ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة ٤/١٦، ط. دار الهدى الوطنية، بيروت - لبنان (غير المورخ).

٣٨

فارغة ولم يدون شيء بشانها في كتب (الاحاديث) واقتصر تدوينها علي كتب التاريخ، ولذا فاننا سنقوم بتجميع بعض هذه النصوص والتعليق عليها، سعيا لايضاح الحقيقة، والانتصار للحق.

حدود الامامة

يقول الامام علي(ع): (لا بد للناس من امير بر او فاجر يعمل في امرته المومن).(١)

يقول ابن ابي الحديد في شرح النهج: (فاما طريق وجوب الامامة ما هي، فان مشايخنا البصريينرحمهم‌الله يقولون طريق وجوبها الشرع، وقال البغداديون وابو عثمان الجاحظ من البصريين: ان العقل يدل علي وجوب الرئاسة، وهو قول الامامية.

الا ان الوجه الذي منه يوجب اصحابنا الرئاسة غير الوجه الذي توجب منه الامامية الرئاسة، وذاك ان اصحابنا يوجبون الرئاسة علي المكلفين من حيث ان في الرئاسة مصالح دنيويه ودفع مضار دنيوية، والامامية يوجبون الرئاسة من حيث كان في الرئاسة لطف منه وبعد للمكلفين عن مواقعة القبائح العقلية).

وايا كان طريق وجوب الامامة او الامرة فالحقيقة انها واجبه

____________________

(١) كاظم محمدي/محمد دشتي: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة، خطبة (٤٠) ص٢٤. دار الأضراء-بيروت(١٤٠٦ه/١٩٨٦م).

٣٩

ولكن هناك تباين حول الوجه الذي يوجب الامامة، هل هو قاصر او مرتكز على حفظ المصالح الدنيوية، ام ان المسالة اعمق واشمل من وانها كما يرى المسلمون الامامية لطف من اللّه وبعد للمكلفين عن ممارسة القبائح العقلية.(١)

وفي اعتقادنا ان طبيعة الرئاسة او الامرة وهل هي معنية اساسا بحفظ المصالح الدنيوية ام انها ينبغي ان تكون اكثر اعتناء بحفظ المصالح الدينية، هذه الطبيعة تفاوتت بتفاوت الامة موضع الرئاسة وطبيعة الرسالة التي تحملها هذه الامة، وبالتالى فان مهام الرئاسة في الامة الاسلامية لا يمكن ان تتشابه مع مهام الرئاسة في الامة الامريكية مثلا( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ کَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ کَالْفُجَّارِ ) «ص/٢٨».

ومن هنا فاننا نرى ان طبيعة رئاسة الامة الاسلامية تكتسي وتعنون بالعناوين المدونة في كتاب اللّه وفي سنة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسها، وان المواصفات المطلوبة في امامة الامة الاسلامية هي القدرة على حمل هذه الاعباء، وان اي خلل في قدرات القيادة المسلمة على اداء هذه المهام الجسام تطرح العديد من التساولات حول اهلية هذه القيادة واحقيتها لهذا الدور، ودونكم بعض الامثلة من كتاب اللّه:

____________________

(١) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، ٤/١٦.م.س.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

دزبر ونهب سواده، وانهزم قرعويه وقد استأمن أكثر أصحابه إلى دزبر، فتحصّن بقلعة حلب، وتبعه دزبر فملكها في جمادى الأُولى سنة خمس وخمسين وثلاثمئة.

وأقام بها وابن الأهوازي بعسكره في حاضر قنّسرين، وجمع إليه بني كلاب وجبى الخراج من بلاد حلب وحمص، وفوّض إلى القضاة والولاة والشيوخ والعمّال الأعمال والولايات.

وجاء سيف الدولة فدخل حلب، وعسكره ضعيف، فبات بها، وخرج إلى دزبر وابن الأهوازي، وكان سيف الدولة قد فُلج وبطل شقّه الأيسر، فالتقوا شرقيّ حلب بسبعين، فغدرت بنو كلاب بدزبر وابن الأهوازي حين نظروا إلى سيف الدولة واستأمنوا إليه فآمنهم، ووضع السيف في عسكر دزبر وضع مُحْنَق مغيظ، فقتل جمعاً كثيراً وأسر خلقاً فقتله صبراً، وكان فيهم جماعة ممّن اشتراهم بماله من الروم فسبقوه إلى الشام وقبضوا الرزق من ابن الأهوازي وجعلوا يقاتلونه، فما أبقى على أحدٍ منهم.

وحصل دزبر وابن الأهوازي في أسره، فأمّا دزبر فقتله ليومه، وأمّا ابن الأهوازي فاستبقاه أيّاماً ثمّ قتله.

ثمّ إنّ سيف الدولة قويت علّته بالفالج وكان بشيْزَر فوصل إلى حلب فأقام بها يومين أو ثلاثة، وتوفّي يوم الجمعة العاشر من صفر سنة ست وخمسين وثلاثمئة، وقيل توفي بعسر البول، وحمل تابوته إلى ميافارقين فدفن بها في تربته، وكان على قضاء حلب إذ ذاك في غالب ظنّي أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن محمد بن يزيد الحنفي، بعد أحمد بن محمد بن ماثل.

ويُنسب إلى سيف الدولة أشعار كثيرة لا يصح منها له غير بيتين، ذكر أبو القاسم الحسين بن علي المغربي كاتبه وهو جد الوزير أبي القاسم المغربي أنّهما لسيف الدولة، ولم يعرف له غيرهما وكتب بهما إلى أخيه ناصر الدولة، وقد مدّ يده إلى شيءٍ من بلاده المجاورة له من ديار بكر وكانت في يد أخيه:

لَسْتُ أَجْفُو وإن جُفِيتُ ولا أت رك حـقّاً عـليّ في كلِّ حالِ

إنّـما أنـت والدٌ والأب الجا في يُجازى بالصبرِ والاحتمالِ

ووزر لسيف الدولة أبو إسحاق القراريطي ثمّ صرفه، وولّى وزارته أبا

٢٤١

عبد الله محمد بن سليمان بن فهد، ثمّ غلب على أمره أبو الحسين علي بن الحسين المغربي أبو الوزير أبي القاسم ووزر له)(١) .

(حدّثني أبو يعلى محمد بن يعقوب البريدي الكاتب، قال: لمّا قصدتُ سيف الدولة أكرمني وأنس بي وأنعم عليّ، وكنت أحضر ليلاً في جملة مَن يحضر.

قال: فقال لي ليلة من الليالي: كان قتلُ أبيك أبرك الأشياء عليّ.

فقلت: كيف ذاك أطال الله بقاء مولانا.

قال: لمّا رجعنا من بغداد اقتصر بي أخي ناصر الدولة على نصيبين فكنت مقيماً فيها، ولم يكن ارتفاعها يكفيني فكن أدافع الأوقات وأصبر على مضض من الإضاقة مدّة.

ثمّ بلغتني أخبار الشام وخلوّها إلاّ من يانس المونسي، وكون ابن طغْج بمصر بعيداً منها ورضاه بأن يجعل يانس عليها، ويحمل إليه الشيء اليسير منها، ففكّرت في جمع جيشٍ وقصدها وأخذها وطرد يانس ومدافعة ابن طغْج إن سار إليّ بجهدي، فإن قدرت على ذلك وإلاّ كنت قد تعجلت من أموالها ما تزول به إضاقتي مدّة، ووجدت جمع الجيش لا يمكن إلاّ بالمال، وليس لي مال، فقلت أقصد أخي وأسأله أن يعاونني بألف رجلٍ من جيشه يزيح هو علّتهم، ويعطيني شيئاً من المال، وأخرج بهم، فيكون عملي زائداً في عمله وعزّه.

قال: وكانت تأخذني حمّى ربع، فرحلت إلى الموصل على ما بي ودخلت إلى أخي وسلّمت عليه، فقال: (ما أقدمك؟

فقلت: أمر أذكره بعد... فرحّب، وافترقنا ؛ فراسلته في هذا المعنى، وشرحت له، فأظهر من المنع القبيح واردّ الشديد غير قليل. ثمّ شافهته، فكان أشدّ امتناعاً، وطرحت عليه جميع مَن كان يتجاسر على خطابه في مثل هذا فيردّهم، قال: وكان لجوجاً إذا منع من الأوّل شيئاً يُلتمس منه أقام على المنع، قال: ولم يبق في نفسي مَن يجوز أن أطرحه عليه وأقدّر أنّه يجيبه إلاّ امرأته الكرديّة والدة أبي تغلب.

قال: فقصدتها وخاطبتها في حاجتي، وسألتها مسألته، فقالت: أنت تعلم خلقه وقد ردّك، وإن سألته عقيب ذلك ردّني أيضاً، فأخرق جاهي عنده، ولكن أقم أيّاماً حتّى أظفر منه في خلال ذلك بنشاطٍ أو سببٍ أجعله طريقاً للكلام والمشورة عليه والمسألة له.

قال: فعلمت صحّة قولها فأقمت، قال: فإنّي

____________________

(١) نُخب تاريخيّة وأدبيّة... من ص ٣٦٣ إلى ص ٤٠٢.

٢٤٢

جالس بحضرته يوماً إذ جاءه برّاج بكتاب طائر عرّفه سقوطه من بغداد. فلمّا قرأه اسودّ وجهه واسترجع، وأظهر قلقاً وغمّاً، وقال:

إنّا لله وإنّا إليه راجعون... يا قوم، المتعجرف الأحمق الجاهل المبذّر السخيف الرأي الرديء التدبير الفقير القليل الجيش يقتل الحازم المرتفق العاقل الوثيق الرأي الضابط الجيّد التدبير الغني الكثير الجيش.

فرمى الكتاب وقال: قف عليه، فإذا هو كتاب خليفته ببغداد بتاريخ يومين، يقول: إنّ في هذه الساعة تناحرت الأخبار وصحت بقتل أبي عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف واستيلائه على البصرة.

قال: فلمّا قرأت ذلك مع ما سمعته من كلامه متّ جزعاً وفزعاً، ولم أشكّ أنّه يعتقدني كأنّي أبو عبد الله البريدي في الأخلاق التي وصفه بها، ويعتقد في نفسه أنّه كأبي يوسف، وقد جئتُه في أمر جيشٍ ومال، ولم أشكّ أنّ ذلك سيولّد له أمراً في القبض عليّ وحبسي، فأخذت أداريه وأسكّن منه وأطعن على أبي عبد الله البريدي، وأزد في الاستقباح لفعله وتعجيز رأيه إلى أن انقطع الكلام.

ثمّ أظهرت له أنّه ظهرت الحمّى التي تجيئني وأنّه وقتها، وقد جاءت، فقمت.

فقال: يا غلمان بين يده، فركبت دابتي وحركت إلى معسكري، وقد كنت منذ وردتُ وعسكري ظاهر البلد، ولم أنزل داراً.

قال: فحين دخلت إلى معسكري، وكان بالدير الأعلى، ولم أنزل، وقلت لغلماني: ارحلوا الساعة ولا تضربوا بوقاً، واتبعوني.

وحركت وحدي، فلحقني نفرٌ من غلماني، وكنت أركض على وجهي خوفاً، من مبادرة ناصر الدولة إليّ بمكروه. قال: فما عقلت حتّى وصلت إلى بلد في نفرٍ قليلٍ من أهل معسكري، وتبعني الباقون، فحين وردوا نهضت للرحيل، ولم أدعهم أن يريحوا وخرجنا.

فلمّا صرنا على فرسخ من البلد إذا بأعلام وجيش لاحقين بنا، فلم أشكّ أنّ أخي أنفذهم للقبض عليّ، فقلت لمن معي: تأهّبوا للحرب ولا تبدأوا وحثوا السير.

قال: فإذا بأعرابيّ يركض وحده حتى لحق بي، وقال: أيّها الأمير ما هذا السير المحث؟ خادمك (دَنْحا) قد وافى برسالة الأمير ناصر الدولة، ويسألك أن تتوقف عليه حتّى يلحقك.

قال: فلمّا ذكر دَنْحا، قلت: لو كان شرّاً ما ورد دنحا فيه، فنزلت وقد كان السير كدّني والحمّى قد أخذتني، فطرحت نفسي لما بي، ولحقني دنحا وأخذ يعاتبني على شدّة السير، فصدقته عمّا كان في نفسي. فقال: اعلم أنّ الذي ظننته انقلب وقد تمكّنت لك في نفسه هيبة بما

٢٤٣

جرى، وبعثني إليك برسالةٍ يقول لك: إنّك قد كنت جئتني تلتمس كيت وكيت فصادفت منّي ضجراً وأجبتك بالردّ. ثمّ علمت أنّ الصواب معك، فكنت منتظراً أن تعاودني في المسألة فأُجيبك ؛ فخرجت من غير معاودة ولا توديع.

والآن إن شئت فأقم بسِنْجار أو بنَصيبِين، فإنّي منفذٌ إليك ما التمست من المال والرجال لتسير إلى الشام.

قال فقلت لِدَنْحا: تشكره وتجزيه الخير وتقول كذا وكذا - أشياء وافقته عليها - وتقول: إنّي خرجت من غير وداع لخبرٍ بلغني في الحال من طروق الأعراب لعملي، فركبت لألحقهم وتركت معاودة المسألة تخفيفاً.

فإذا كان قد رأى هذا فأنا ولده وإن تمّ لي شيء فهو له، وأنا مقيمٌ بنصيبين لأنتظر وعده.

قال: وسررت ورجع دنحا، فما كان إلاّ أيّام يسيرة حتّى جاءني دنحا ومعه ألف رجلٍ، قد أزيحت عللهم وأعطوا أرزاقهم ونفقاتهم، وعرضت دوابّهم وبغالهم، ومعهم خمسون ألف دينار، فقال: هؤلاء الرجال وهذا الحال فاستخر الله وسر.

قال: فسرت إلى حلب وملكتها، وكانت وقائعي مع الاخشيدية - بعد ذلك - المعروفة.

ولم يزل بيني وبينهم الحرب إلى أن استقرّت الحال بيننا على أن أفرجوا لي عن هذه الأعمال، وأفرجت لهم عن دمشق واستغنيت عنه.

وكلّ ذلك فسببه قتل عمّك لأبيك)(١) .

____________________

(١) نُخب تاريخيّة وأدبيّة... من ص ٤٠٤ إلى ص ٤٠٩.

٢٤٤

تاريخ بني زهرة الحلبيّين

تمهيد

قِدَم التشيّع في حلب

لمّا كان بنو زهرة - الذين أفردت للبحث عنهم هذا المقال - من سلالة البيت النبويّ الكريم، ومن عظماء أشراف حلب القدماء، الذين جمعوا إلى رئاسة الدين فيها نقابة أشرافها، وتوارثوها كابراً عن كابر.

وهم من أعلام الشيعة الإماميّة، ومنهم غير واحدٍ انتهت إليه رئاسة المذهب، فقد رأيت أن أتكلّم في هذا التمهيد عن قِدَم التشيّع في حلب قبل الدخول في الموضوع ؛ جمعاً بين بحثين لم يعقد لهما أحدٌ من الكتّاب - قديماً وحديثاً - فصلاً مستقلاًّ ؛ وما الغاية التي أتوخّاها إلاّ خدمة التاريخ.

كان القرن الرابع الهجري مبدأ هبوب ريح الشيعة بعد سكونها المستطيل حيث قامت لهم في هذا العهد بآجال متقاربة دول وإمارات نبه شأنها، وضخم سلطانها، وسما مكانها، فالدولة البويهيّة وعلويو طبرستان وإمارة بني حمدان وبني صدقة وغيرها في المشرق، ودولة الأدارسة والدولة الفاطميّة في المغرب ومصر وبعض ديار الشام.

فكانت حلب إحدى عواصم الإمارة الحمدانيّة الشيعيّة.

تنفّس الشيعة الصعداء في عهد تلك الدول والإمارات، بعد أن ضربها الدهر ضرباته الأليمة، وشرّدها في الآفاق، وفرّقها في بلدان الله الواسعة الشاسعة شذر مذر، محتجبة عن امتداد أيدي الظلمة إليها بحجب التقيّة.

٢٤٥

أصبحت حلب من بدء ذلك العهد وهي عاصمة الحمدانيّين، بعد أن غلبوا عليها الإخشيديين ملوك مصر والشام، مثابة الشيعيين ومختلف رجالاتهم ومستناخ رواحل الطارئين عليها من أمّهات البلدان القريبة والسحيقة ينسلون إليها من كلّ حدب، حيث يستمرئون المرعى الخصيب، وينتجعون نجعة الراحة، ويعتبقون عبق الحريّة المذهبيّة، فعمرت بهم بيوت العلم، وراجت فيهم سوقه، ونفدت سلعه.

ولم تكن الرحلة إلى حلب - وإن كانت قد أصبحت عاصمة الشيعة - وقفاً على الشيعيّين فقط، بل كانت مشرعاً عذباً عامّاً ومورداً مشاع المنهل بين الواردين إليه منهم ومن إخوانهم السنّيين بفضل ترفيه الأمير سيف الدولة الحمداني على العلماء كافّة من أيّ مذهبٍ كانوا ولأية ملّةٍ انتسبوا وانبساط كفّه إليهم بالأعطيات، واتساع صدره الرحيب إلى كلّ من يؤم حضرته، ويتوسّط فناءه لكسب مغنم أو فك مغرم ؛ فكانت أيّامه على الشيعة وعلى الخاصّة منها ومن غيرها، وعلى المملكة الحلبيّة غرّاً محجّلة، وعلى بلاد الإسلام معقلاً منيعاً، وعلى العلم والآداب العربية بيضاء نقيّة مباركة، لا كما زعمه بعض الكتّاب المتأخّرين إذ قال:

(ولم تكن حكومة سيف الدولة مباركة على حلب بقدر ما صوّرها شعراؤه الذين كان يغدق عليهم هباته ليقطع ألسنتهم ويشغلهم عنه).

وليس من الإنصاف أن ندفع المستفيض أو المتواتر من روايات مناقبه وأعماله الحسان، برواية الآحاد خبراً أو خبرين إن برّرناهما من التزوير والاختلاق ؛ فلا نراهما بمحبطين حسناته التي لا تحصى.

وهل من العدل أن نضرب بما كتبه الإمام أبو منصور الثعالبي من غرر آثاره وأخباره وغيره من الأئمّة عرض الجدار وجلّهم يكتب للتاريخ، وأن نصمَ الجمّ الغفير منهم ومن شعرائه بوصمة الدهان والرياء، ونتمسّك بخبرٍ إن صحّ فلم يكن ليسلم منه متآمر مهما كان محلّه من العدل.

ومَن يطلب الاستزادة من معرفة أيادي ذلك الأمير العربي الجليل البيضاء على حلب وعلى العلم والعلماء فما عليه إلاّ أن يتصفّح ما دوَّنه منها الإمام الثعالبي في يتيمته، وناهيك بها معرّفاً بفضله، ومنوّهاً بقدره، ولم نعقد هذا الفصل لهذا البحث الذي تخرجنا الإفاضة فيه عن الغرض المقصود.

وبعد فقد تمتّع الشيعة في هذا العهد بحريّتهم المذهبيّة، وأصحروا

٢٤٦

بمعتقدهم غير موجسين خيفة من سلطان قاهر، ولا متهيبين فتكة من ذي أبّهةٍ قادر، وحسبك أن يسيّر الأمير أبو فراس ابن عم سيف الدولة الحمداني قصيدته الميمية التي مستهلها:

الدين مخترم والحق مهتضم وفيء آل رسول الله مقتسمُ

يسيّرها في البلاد ردّاً على ابن سكرة الهاشمي العبّاسي وفيها من النعي على بني العبّاس مثالب أوائلهم وهو لا يتهيّب سلطان أواخرهم ولهم الخلافة والإمامة في بغداد، والبقيّة الباقية من السلطان والصولجان، وفيها من بيان مناقب العلويين والفاطميين ممّا لا يدانيهم فيه مدانٍ من العبّاسيين، ما تبهر حجّته، ويستطع برهانه، ويذر آخرهم متعثّراً بأذيال الخجل ممّا جناه أولهم، ويدع ابن سكرة المنحرف عن الفاطميين والمتهجّم بخطل قوله، وباطل شعره على ثلبهم قيد الإحجام والإفحام مسجّلاً عليه عار ذمّه أهل بيتٍ أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

وإذا لم تكن الإمارة الحمدانية السبب التام في ظهور أمر الشيعة في حلب وما إليها ؛ فهي ولا مراء من أقوى الأسباب التي أيّدت الشيعة ونشرت التشيّع.

قال بعض أفاضل كتّاب العصر:

(وكانت حلب في المذاهب الإسلامية تختلف باختلاف الدول عليها شأنها في ذلك شأن دمشق، فتارة توالي عليّاً وأصحابه وأُخرى توالي غيره.

وكان أهل حلب كلّهم سنيّة حنفيّة حتّى قَدِم شخصٌ إلى حلب فصار فيهم شيعيّة وشافعيّة وهو الشريف أبو إبراهيم الممدوح.

وكان بنو حمدان - وهم شيعة - من جملة الأسباب التي نشرت التشيّع في حلب وجوارها.

هذا ملخّص كلامه وفيه ما لا يخفى من التهافت.

هل كان الشريف أبو إبراهيم، وهو الذي ينتهي إليه نسب بني زهرة، وهو شيعي من دعاة مذهبي الشيعة والشافعية. فإن أراد هذا فذلك قول طريف وإن أراد أن في دعوته إلى التشيّع تمهيداً للدعوة الشافعية وظهورها فكأنّه بذلك كان داعية المذهبين فهو حسن إن ساعد عليه كلامه.

٢٤٧

وماذا يريد من اختلاف حلب في موالاة علي وغيره باختلاف الدول عليها، فهل يريد بذلك اتحاد الموالاة واندغام أحد المذهبين بالآخر واضمحلاله البتّة وانقلاب عقيدته إلى عقيدة صاحب مذهب المتغلّب فهذا ممّا نربأ بالكاتب عنه.

وإن أراد أنّ الكلمة النافذة والحريّة الكاملة والصراحة التامّة بإظهار تلك الموالاة كانت تكون في جانب أصحاب مذهب الغالب فذلك حق وإلاّ فإنّ حلب لم تتمحّض في عهد المتسلّطين عليها لموالاة مذهب أحدهم.

وسترى أنّ تلك الصراحة بالموالاة كانت لهم حتّى اليوم الذي لم تكن لهم فيه الإمارة الحلبيّة.

وأمّا قوله إنّ أهل حلب كانوا كلّهم سنيّة حنفيّة قبل قدوم الشريف أبي إبراهيم حلب فذلك ما لا نوافقه عليه ؛ لأنّ الشريف لم يقدم حلب إلاّ في عهد الإمارة الحمدانية الشيعية، وفيه ظهر أمر الشيعة وتقدّم قدومه إليها كما هو الظاهر والمعقول.

وإليك ما كتبه بعض علماء الشيعة عن قِدَم التشيّع في حلب.

قال صاحب رياض العلماء بعد كلامٍ عن حلب ووصفها:

وكانت من القديم محطّاً لرجال علماء الشيعة الإماميّة، وأهلها أيضاً من أسلم أهالي الشامات قلباً، وأجودهم ذكاءً وفضلاً وفهماً.

وقال المولى محمد طاهر القمّي الفاضل الثقة فيما نقل عن كتابه الموسوم بالفوائد الدينية:

(إنّ من البلاد القديمة التشيع مدينة حلب).

وقال العلاّمة المجلسي في أحد مجلّدات بحاره، في ترجمة الإمام رشيد الدين بن شهرآشوب السروي، من أعيان أعلام الشيعة في القرن السادس الهجري ومن الطارئين على حلب:

وكان انتقاله إلى حلب من جهة كونها في ذلك الزمان محطّ رحال علمائنا الأعيان، بل كون الغالب على عامّتها المماشاة مع الإماميّة الحقّة في طريقتهم وسلوكهم لكون مملكتهم إذ ذاك بأيدي آل حمدان.

وفي كلام المجلسي نظر ؛ فإنّه إن أراد أنّ المملكة الحلبيّة كانت حتّى عهد ابن شهرآشوب بأيديهم ففيه مخالفة صريحة لنص التاريخ ولإجماع المؤرّخين ؛ فإنّه لم يقل مؤرّخ بامتداد ملكهم إلى هذا العهد، بل المحقّق أنّ

٢٤٨

دولتهم في حلب انتهت قبل انتهاء القرن الرابع الهجري، وإن أراد غير ذلك فكلامه لا يفيده ولا يحتمله.

أمّا استفحال أمر الشيعة في حلب وما إليها فقد دام مؤيّداً بقوّة الاستمرار الطبيعية لا بتأييدِ دولة منهم، حتّى سنة تسع وسبعين وخمسمئة للهجرة، وهي السنة التي تسلّم فيها حلب سلماً السلطان صلاح الدين الأيّوبي من صاحبها عماد الدين زنكي بن مودود بن عماد الدين زنكي بن اقسنقر(١) .

بل كان للشيعة الكلمة النافذة في حلب وإمرتها بأيدي مخالفيهم ومناهضيهم.

إنّ صاحب حلب اضطرّ في مقاومته صلاح الدين يوم جاء حلب فاتحاً إلى إجابة ما شرطه عليه الشيعة.

قال ابن كثير الشامي لمّا جاء صلاح الدين إلى حلب ونزل بظاهره اضطرب واليه، وطلب أهل حلب إلى ميدان العراق، وأظهر لهم المودة والملائمة، وبكى بكاءً شديداً ورغّبهم في حرب صلاح الدين، فعاهده جميعهم في ذلك، وشرط عليه الروافض أُموراً، منها: إعادة حيّ على خير العمل، ومنها: أن يفوّض عقودهم وأنكحتهم إلى الشريف الطاهر أبي المكارم حمزة بن زهرة الحسيني الذي كان مقتدى شيعة حلب، فقبل منهم الوالي جميع تلك الشروط.

ولمّا أراد بدر الدولة أبو الربيع سليمان بن عبد الجبّار بن ارتق صاحب حلب بناء أوّل مدرسةٍ للشافعيّة في هذه المدينة لم يمكّنه الحلبيون ؛ إذ كان الغالب عليهم حينئذ التشيع(٢) .

قال العلاّمة الفاضل محمد كرد علي في الجزء العاشر من المجلد السادس من مجلّة المقتبس:

____________________

(١) عن أبي الفدا.

(٢) وكان ابتداء إمرة سليمان بن عبد الجبّار على حلب سنة ٥١٥ وانتهاؤها سنة ٥١٧ ؛ وذلك بطريق الاستنابة من عمّه إيلغازي بن أرتق واستردّها منه لعجزه عن حفظ بلاده ؛ وذلك بتسليمه حصن الأتارب إلى الفرنج.

٢٤٩

(وقد أتى صلاح الدين يوسف بن أيّوب وخلفاؤه على التشيع في حلب وكان المؤذّنون في جوامعها يؤذّنون بحيّ على خير العمل.

وحاول السلجوقيون الأتراك مراتٍ القضاء على التشيّع في هذه الديار (الحلبيّة)، فلم يوفّق لذلك إلاّ الملك الناصر صلاح الدين، كما ضرب على التشيّع في مصر، وكان على أشدّه فيها على عهد الفاطميين بحيث لا يكاد عالمٌ مصريّ يصرّح بمذهبه إذ ذاك.

أمّا قول صديقنا:

(وكان على أشدّه فيها على عهد الفاطميين إلخ)

فإنّا لا نوافقه عليه، وحسبك برهاناً على تمكين الفاطميّين مخالفيهم من إظهار شعائرهم على اختلاف مذاهبهم ما جاء في الجزء الثالث من صبح الأعشى للعلاّمة القلقشندي:

وأمّا سيرتهم (الفاطميّين) في رعيّتهم واستمالة قلوب مخالفيهم، فكان لهم الإقبال على مَن يفد عليهم من أهل الأقاليم جلّ أو دقّ ويقابلون كلّ أحدٍ بما يليق به من الإكرام، ويعوّضون أرباب الهدايا بإضعافها.

وكانوا يتألّفون أهل السنّة والجماعة ويمكنونهم من إظهار شعائرهم على اختلاف مذاهبهم، ولا يمنعون من إقامة صلاة التراويح في الجوامع والمساجد على مخالفة معتقدهم في ذلك (بياض بالأصل) بذكر الصحابة (رضوان الله عليهم)، ومذهب مالك والشافعي وأحمد ظاهرة الشعار في مملكتهم بخلاف مذهب أبي حنيفة، وراعون مذهب مالك، ومَن سألهم الحكم به أجابوه.

وأمّا قوله: (بحيث لا يكاد عالم مصري يصرّح بمذهبه إذ ذاك) فيكفي في ردّه قول عمارة اليمني، وهو الذي قُتل في حبّهم، وفي سبيل الوفاء لهم بعد انقراض دولتهم:

أفاعيلهم في الجود أفعال سنة وإن خالفوني في اعتقاد التشيّعِ

وهل يطلب صديقنا برهاناً على منح الفاطميّين مخالفيهم حريّة التصريح بمذاهبهم أنصع من هذين البرهانين اللذين أوردهما القلقشندي في صبحه.

وأمّا السبب في استمرار قوّة التشيّع في حلب مع زوال دولتهم منها فالذي يظهر لي أنّه مستندٌ إلى أُمور:

٢٥٠

(الأوّل ): أنّ الإمرة الحلبيّة لم تتمحّض إلى متغلّبة مذهب دون مذهب، بل كانت بعد انقراض دولة بني حمدان مرة تقع في أيد خلفاء مصر الشيعيّين، وأُخرى في أيدي مخالفيهم، متداولة بينهم بأزمنة متقاربة، بحيث لا يتّسع المجال لواحدٍ منهما مناهضة أبناء المذهب الآخر.

(الثاني) : أنّ الحرب كانت عليها سجالاً بين المتغلّبين السنّيين، فلم يخل جوّها لمتغلّبٍ ليصرف إلى مناهضة أهل مذهبٍ هو أحوج إلى تألّفهم وضمّ قوّتهم إلى قوّته لردّ عادية الطامعين في الاستيلاء عليها.

(الثالث ): تخوّف المتغلّب من قوّات الدول الشيعيّة المحيطة بالمملكة الحلبية من المشرق والمغرب إذا امتدت يده بسوء إلى أهل مذهبهم.

وبعد، فإنّا نكتب ما نكتب لمحض العبرة وفلسفة التاريخ لا لغرضٍ آخر، وإنّه ليؤلمنا وأيم الحق تذكّر تلك المنازعات المذهبيّة التي لم يسلم منها بلد في تلك القرون الخالية، ولا كانت حربها الضروس محصورة بين الشيعة والسنّة.

وحسبنا ما يؤلم حديثه ما كان يقع من المشاحنة ؛ فإهراق الدماء بين أبناء السنّة أنفسهم من الشافعية والحنابلة في بغداد وغيرها من بلاد الإسلام، وبين المالكيّة وغيرهم في الديار المغربية.

إنّ تلك العصبيّة على المخالف هي التي خلّفت لنا إلى اليوم آثار الانحطاط وذهبت للمسلمين بكلّ ريحٍ وقوّةٍ، فصيّرتهم خولاً بعد أن كانوا دولاً، والله غالبٌ على أمره.

آل أبي شعبة الحلبيّون

اعلم أنّ آل أبي شعبة الحلبي من علماء الشيعة القدماء، لهم فضل الصحبة بأئمّة أهل البيت الذين عاصروهم من القرن الأوّل إلى القرن الثالث، منسوبون إلى حلب، وأبو شعبة مولى بني تيم الله بن ثعلبة أو مولى بني عجل في روايةٍ أُخرى.

وسبب نسبتهم إلى حلب ذكره غير واحدٍ من علماء الرجال الشيعة.

قال أبو العبّاس أحمد بن علي النجاشي(١) في ترجمة عبيد الله بن علي بن أبي شعبة(٢) :

____________________

(١) تخرّج بالشيخ المفيد (ره) عاصر شيخ الطائفة الطوسي (ره) والشريف المرتضى (رض) ولد سنة ٣٧٢ وتوفي سنة ٤٥٠.

(٢) في كتابه أسماء مصنّفي علماء الشيعة ص ١٥٩.

٢٥١

(أبو علي كوفيٌّ كان يتّجر هو وأبوه وإخوته إلى حلب فغلبت عليهم النسبة إلى حلب.

وآل أبي شعبة بالكوفة بيت مذكور في أصحابنا.

روى جدهم أبو شعبة عن الحسن والحسين (عليهما السلام).

وكانوا جميعهم ثقات مرجوعاً إليهم فيما يقولون).

وأورد ذلك بالحرف الواحد الميرزا محمد الاستربادي(١) في الجزء الثاني من كتابه: منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال(٢) وإليك من التعريف بأسماء رجالهم المعروفين ما تكمل به الفائدة ولا يشذّ عن الموضوع:

١ - أبو شعبة الحلبي هو الجدّ الأعلى الذي تحدّر منه أولئك الرجال وعنه تسلسلوا وإليه انتسبوا.

وقد مرّ بك آنفاً أنّه روى عن الحسن والحسين (عليهما السلام).

٢ - ولده الأوّل علي، قال الأستراباي في منهج المقال: علي بن أبي شعبة ثقة صه (الخلاصة) وفي جش (النجاشي) وكش (الكشي) ما تقدّم في ابن ابنه أحمد بن عمر(٣) .

٣ - ولده الثاني عمر، قال الاسترابادي عمر بن أبي شعبة الحلبي ق (أي من أصحاب الإمام أبي جعفر الباقر (ع)).

٤ - أحمد بن عمر الحلبي، قال النجاشي:

(أحمد بن عمر بن أبي شعبة الحلبي ثقة، روى عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وعن أبيه من قبل، وهو ابن عمّ عبيد الله وعبد الأعلى وعمران ومحمد الحلبيّين، روى أبوهم عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وكانوا ثقات. لأحمد كتاب يرويه عنه جماعة... إلخ).

وذكره الكشّي في رجاله، وأورد خبراً له عن الرضا (عليه السلام) ونقل العلاّمة الاسترابادي في منهج المقال ما جاء في كتابي الكشي والنجاشي برمّته، واستظهر من الرواية التي ذكرها الكشي أنّه روى عن الرضا وأبي جعفر الجواد (عليهما السلام).

____________________

(١) المتوفّى سنة ١٠٣٣ بمكّة المكرّمة.

(٢) ص ١١٨.

(٣) لا يخفى أنّ أحمد بن عمر هو ابن أخي علي لا ابن ابنه فتأمّل.

٢٥٢

٥ - عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي.

قال النجاشي: (عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي، مولى بني تيم اللاّت بن ثعلبة إلى أن قال:

(وكان عبيد الله كبيرهم ووجيههم. وصنف الكتاب المنسوب إليه. وعرضه على أبي عبد الله (عليه السلام) وصحّحه. قال عند قراءته أترى لهؤلاء مثل هذا، والنسخ مختلفة الأوائل والتفاوت فيها قريب.

وقد روى هذا الكتاب خلق من أصحابنا عن عبيد الله والطرق إليه كثيرة إلخ).

وذكره الاسترابادي في منهجه، ونقل أقوال علماء الرجال فيه، ومنهم العلاّمة الحلّي (ره) في خلاصته، وعقب روايته عرض كتابه على أبي جعفر (عليه السلام) بقوله وهو أوّل كتابٍ صنّفه الشيعة، ومنهم البرقي قال في حقّه: (كوفي، وكان متجره إلى حلب، فغلب عليه هذا اللقب، مولى ثقة صحيح، له كتاب وهو أوّل ما صنّفه الشيعة)(١) .

٦ - أخوه محمد بن علي بن أبي شعبة.

قال النجاشي (ره) في رجاله:

(محمد بن علي بن أبي شعبة. الحلبي أبو جعفر وجه أصحابنا وفقيههم والثقة الذي لا يطعن عليه هو وإخوته عبيد الله وعمران وعبد الأعلى له كتاب التفسير، قال: وله كتاب مبوّب في الحلال والحرام.

وجاء نحو هذا في الفهرست والخلاصة، وهو من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام).

٧ - أخوه عبد الأعلى بن علي بن أبي شعبة.

قال الاسترابادي: (عبد الأعلى بن علي بن أبي شعبة أخو محمد بن علي الحلبي، ثقة لا يطعن عليه صه (الخلاصة) وفي جش (النجاشي) في أخيه محمد).

وقد مرّ ما أورده النجاشي فيه وفي إخوته في أخيه محمد كما عرفت قريباً.

____________________

(١) جاء في فهرست النجاشي ما يستفاد منه أنّ في رجال الشيعة مَن سبق المترجم بالتصنيف، وجاء في كتاب الشيعة وفنون الإسلام في هذا الموضوع ما فيه زيادة للمستزيد.

٢٥٣

٨ - عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي.

تقدّم ذكر النجاشي له مع إخوته في أخيه محمد، وأمّا الأسترابادي فقد قال في حقّه: (ثقة لا يطعن عليه، وكنيته أبو الفضل صه (الخلاصة)، وفي ق (أصحاب الإمام الصادق - عليه السلام -) عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي الكوفي انتهى).

٩ - ولده أحمد قال العلاّمة الاسترابادي في منهج المقال (أحمد بن عمران الحلبي (قر) ذكره في رجال الباقر (عليه السلام) ويحتمل أن يكون نشأ من الكنية بأبي جعفر (عليه السلام) فإنّ المعروف من عمران الحلبي أنّه من رجال الصادق (عليه السلام).

١٠ - يحيى بن عمران بن علي بن أبي شعبة، قال النجاشي (ره) (يحيى بن عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليه السلام)، ثقة صحيح الحديث له كتاب يرويه جماعة).

وذكر في أصحاب الصادق، والشيخ والأسترابادي ذكراه في كتابيهما الفهرست ومنهج المقال.

وبعد، فإنّا لم نستطرد الكلام إلى ذكر هؤلاء الأعلام إلاّ لمناسبة نسبتهم إلى حلب، وإن لم يكونوا حلبيين مغرساً ومنبتاً.

والنسبة كالإضافة تصدق بأقل مناسبة، مضافاً إلى إزالة ما لعلّه يعلق في بعض الأذهان من الأوهام من أنّهم حلبيو المغرس والمنبت، وأن يتّخذ عهدهم بدء تاريخ التشيّع الحلبي القديم، على أنّا إن كنّا لا نثبت ذلك لعدم وجود الدليل عليه، فإنّا لا ننفيه لجواز أن يكون قد دخل حلب في ذلك العهد أو قبله ولكن بطريقة الكتمان ؛ فإنّ الشيعة لم يكن لديهم من حريّة المجاهرة بمذهبهم ما يمكّنهم من الإصحار به، بل كانوا يكونون في كلّ بلادٍ إسلاميةٍ مستترين بحجب التقيّة ؛ وذلك يعمي على المؤرّخ تحقيق بدء دخول التشيّع حلب أو غيرها من بلاد الشام حاشى (جبل عامل الذي ثبت من بعض النصوص التاريخية الإماميّة دخول التشيّع فيه في عهد نفي الصحابي الجليل أبي ذر إلى الشام).

٢٥٤

استدراك

اعلم أنّ الحلبي في مصطلح أهل الرجال: هو الشيخ الفقيه الثقة الصدوق عبيد الله بن علي بن شعبة الحلبي، وهو الخامس من رجال آل أبي شعبة الذي ترجمناه في هذا الفصل. وإذا أطلق في كلام الشهيد الأوّل فالمراد منه أبو الصلاح لا غير، وهو الذي ستعرفه قريباً.

(العلماء المنسوبون إلى حلب من عهد دولة التشيّع فيها وما بعده من غير بني زهرة)

اعلم أنّ فريقاً من علماء الشيعة الحلبيّين الذين خدموا العلم والآداب والمذهب لم تحفل بهم معاجم إخوانهم السنيّين على كثرتها، وفيها العامّة التي لم توضع لرجالهم خاصّة، وهي لم تبخس كثيراً من غير الحلبيّين الشيعة حقّهم، وقد حفلت بهم كتب رجال الشيعة، فقد رأينا خدمةً للتاريخ والآداب وسدّاً لهذا النقص أن نلمّ بذكرهم بما يتّسع له المجال ولا نرى مع توخّي هذه الفائدة خروجاً عن موضوع المقال ؛ فنقول:

١ - أبو الصلاح تقيّ الدين بن نجم بن عبيد الله الحلبي.

قرأ على الشيخ الطوسي والمرتضى (ره)(١) وقد ذكره الأوّل في كتاب رجاله المسمّى بالفهرست، فقال:

(تقي الدين بن نجم الدين الحلبي، ثقة، له كتب قرأ علينا وعلى المرتضى، يكنّى بأبي الصلاح) وفي رياض العلماء أنّ ذكر الشيخ له هكذا

____________________

(١) هو كما قال فيه الأسترابادي:

(محمد بن الحسن بن علي بن الطوسي أبو جعفر (قدّس الله روحه) شيخ الإماميّة، ورئيس الطائفة، جليل القدر، عظيم المنزلة، ثقة عين صدوق عارف بالأخبار والرجال والفقه والأُصول والكلام والأدب، جميع الفضائل تُنسب إليه. صنّف في كلّ فنون الإسلام، وهو المهذِّب للعقائد في الأُصول والفروع، الجامع لكمالات النفس في العلم والعمل، وكان تلميذ الشيخ المفيد محمد بن محمد النعمان، ولد سنة ٣٨٠ وتوفّي سنة ٤٦٠ قال ابن الأثير في الكامل في حوادث هذه السنة، وفي المحرّم - أيضاً - توفّي أبو جعفر الطوسي فقيه الإماميّة بمشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان في بغداد وهاجر منها إلى النجف خوفاً من الفتن التي تجدّدت ببغداد، وأُحرقت كتبه وكرسيّ كان يجلس عليه للكلام.

٢٥٥

في كتابه مع كونه تلميذاً له دليل على غاية جلالة الرجل وعلوّ منزلته في العلم والدين.

وذكره الشيخ منتجب الدين في فهرسته، وابن شهراشوب في معالمه، وابن داود في رجاله، وقال الاسترابادي فيه في الجزء الأوّل من منهج المقال:

تقي بن نجم الحلبي أبو الصلاح (ره) ثقة عين، له تصانيف حسنة، ذكرناها في الكتاب الكبير.

قرأ على الشيخ الطوسي (ره) وعلى المرتضى (قدّس الله روحهما) صه (الخلاصة) وفي لم (معالم العلماء) تقي بن نجم الحلبي ثقة له كتب قرأ علينا وعلى المرتضى يُكنّى أبا الصلاح.

وفي أمل الآمل:

(تقي الدين بن نجم الحلبي أبو الصلاح يروي عنه ابن البراج معاصر للشيخ الطوسي.

كان ثقةً عالماً فاضلاً فقيهاً محدّثاً، له كتب رأيت منها كتاب: تقريب المعارف، حسن جيد.

وذكره الشيخ في رجاله (وأورد ما نقلناه عنه آنفاً) ونقله ابن داود وغيره.

ووثّقه العلاّمة في الخلاصة وأثنى عليه.

وقال ابن داود: تقي بن نجم الدين الحلبي أبو الصلاح عظيم الشأن من عظماء مشايخ الشيعة انتهى.

وقال منتجب الدين: الشيخ التقي بن النجم الحلبي فقيه عين ثقة قرأ على الأجلّ المرتضى علم الهدى، وعلى الشيخ أبي جعفر، وله تصانيف منها: الكافي، أخبرنا به غير واحدٍ من الثقات عن الشيخ المفيد عبد الرحمان بن أحمد النيسابوري انتهى.

(وقال ابن شهرآشوب في معالم العلماء تقي بن نجم الحلبي من تلامذة المرتضى، له البداية في الفقه، شرح الذخيرة للمرتضى (رض) انتهى.

وفي روضات الجنّات:

(الشيخ الفقيه النبيه الوجيه الشامي أبو الصلاح تقي الدين بن نجم بن عبيد الله الحلبي الثقة العين الفاضل الإمامي، كان من مشاهير فقهاء حلب، ومنعوتاً بخليفة المرتضى في علومه لكونه منصوباً في البلاد الحلبيّة من قِبَل أُستاذه السيّد المرتضى (رضي الله عنه) كما أنّ ابن البرّاد المتقدّم ذكره في باب الأحمدين كان خليفة الشيخ الطوسي (ره) في البلاد الشاميّة. ولنيابته عنه في التدريس حيث إنّ كليهما منصوص عليه.

٢٥٦

وفي رياض العلماء:

(وإذا أطلق الحلبي في كلام الشهيد يُراد منه أبو الصلاح لا غير، كما أنّ الحلبيّين بصيغة التثنية يراد منهما أبو الصلاح الحلبي إلى أن قال: (والشاميّين جمعاً عن الحلبيّين مع الشيخ محمود الحمصي وابن زهرة وابن البراج كالقاضي للأخير).

وفيه أيضاً: (أنّ الشاميّين مقيّداً بالثلاثة عبارة عن الحلبي، وابن البراج وابن زهرة، ومطلقاً عن الثلاثة مع الحمصي.

أمّا تاريخ وفاة المترجم، فلم نجد تصريحاً به في كلمات العلماء الذين نرجع إلى كتبهم في ترجمته وترجمة غيره في هذا المقال، ولا غرو فإنّهم جروا في ذلك على عادتهم من إغفال تاريخ الولادة والوفاة في أكثر كتب الرجال، اللّهمّ إلاّ القليل، ولعلّ عذرهم أنّهم في صدد الجرح والتعديل، ومقام ربط سليلة الرواة والمحافظة على عنعناتها وأسانيدها، وليسوا في صدد التاريخ والبحث عن السير.

وفي بيان محلّ الرجال من الوثاقة والعدالة والقوّة والضعف غنية عن الإفاضة في الترجمة والتعرّض لتاريخ ولادة المترجمين ووفاتهم، والبحث في أحوالهم دقيقها وجليلها، اللّهمّ إلاّ ما له علاقة في الجرح والتعديل.

إنّ عذرهم في ذلك مَن هو في موقف المحافظ على ربط سلسلة الرواة، فلا يعذرهم مَن هو في موقف المؤرّخ المنقِّب الذي يُعنى بأمر الرجال عنايةً لا يغادر بها من أُمورهم صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها.

وحسبك أنّ ابن خلكان قد جعل ضبط تاريخ الولادة والوفاة ركناً من أركان معجمه (الوفيات ).

وكيف كان، فإنّ المترجم هو من رجال القرن الخامس الهجري ومِن عليّة علمائه.

وقد ذكره الشيخ يوسف البحراني من أعيان العلماء في القرن الثاني عشر الهجري في لؤلؤة البحرين، ولم يزد على ما ذكرناه.

٢ - الحسن بن حمزة الحلبي.

قال صاحب أمل الآمل في حقه: (كان عالماً فاضلاً فقيهاً جليل القدر).

٢٥٧

وقال صاحب روضات الجنّات نقلاً عن رياض العلماء:

(ومنهم (فقهاء حلب) الشيخ العالم الفاضل الفقيه الجليل القدر الشيخ حسن بن حمزة الحلبي).

ولعلّه المذكور في بعض إجازات المحقّق الشيخ علي بن عبد العالي (ره) وقد ذكره صاحب الروضات بما هذا نصّه:

(فمن فقهاء حلب الشيخ الأجل الفقيه هبة الله بن حمزة صاحب الوسيلة، وقد رويت جميع مصنّفاته ومرويّاته بالأسانيد الكثيرة والطرق المتعدّدة.

٣ - الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن الحلبي.

في أمل الآمل: (محمد بن علي بن الحسن، فقيه صالح، أدرك الشيخ أبا جعفر الطوسي (ره) وروى عنه وعن ابن البراج.

وقرأ عليه السيّد الإمام أبو الرضا والشيخ الإمام قطب الدين أبو الحسين الراوندي (ره)، قاله منتجب الدين، وفي رياض العلماء كما نقله عنه صاحب الروضات ما هذا نصّه:

(ومنهم (فقهاء حلب) الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن الفقيه الصالح الراوي عن الشيخ وابن البراج كما نصّ على ذلك كلّه الشيخ منتجب الدين في فهرسته، وهو أحد رجال سلسلة الرواية للعلاّمة رشيد الدين ابن شهرآشوب المتصلة بشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ره) نصّ على ذلك في مقدّمة كتابهالمناقب.

٤ - الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الحلبي.

كان محقّقاً مدقّقاً فاضلاً صالحاً عابداً، يروي عن الشيخ الطوسي، وعن ابن البراج، هكذا جاء في أمل الآمل.

٥ - الشيخ وثاب بن سعد بن علي الحلبي.

(فقيه دين أديب قاله منتجب الدين) أورد ذلك صاحب أمل الآمل.

٦ - الشيخ أبو علي الحسن بن الحسين بن الحاجب الحلبي.

في أمل الآمل: (الحسن بن الحسين بن الحاجب فاضل جليل، روى عنه أبو المكارم حمزة بن زهرة).

٢٥٨

وفي الروضات نقلاً عن رياض العلماء ومنهم (فقهاء حلب) الشيخ العفيف الزاهد القاري أبو علي حسن بن حسين بن الحاجب الحلبي وهو الفاضل الذي يروي عنه ابن زهرة).

٧ - الشيخ ثابت بن أحمد بن عبد الوهّاب الحلبي.

(فقيه صالح قرأ على الشيخ التقي (ره)، قاله منتجب الدين) هكذا جاء في أمل الآمل.

٨ - عبد الملك بن الفذة الحلبي.

(فقيه ثقة، قاله منتجب الدين) عن أمل الآمل.

٩ - المظفّر بن طاهر بن محمد الحلبي.

قال في أمل الآمل: (فقيه صالح، قاله منتجب الدين).

١٠ - الشيخ أبو الحسن علي بن منصور بن أبي الصلاح الحلبي.

قال في الروضات: ثمّ إن من جملة علماء سلسلة صاحب الترجمة (أبي الصلاح، المصدَّر باسمه أسماء العلماء الحلبيين) هو سبطه ونافلته، الفاضل الفقيه الجليل إلخ، ولم يذكره صاحب أمل الآمل.

١١ - كتائب بن فضل الله بن كتائب الحلبي.

قال في أمل الآمل: فقيه دين ورع، قاله منتجب الدين.

١ - ثابت بن أسلم بن عبد الوهّاب أبو الحسن الحلبي النحوي.

قال السيوطي في الطبقات قال الذهبي كان من كبار النحاة شيعيّاً، صنّف كتاباً في تعليل قراءة عاصم. وتولّى خزانة الكتب بحلب لسيف الدولة، فقالت الإسماعيليّة هذا يفسد الدعوة ؛ لأنّه صنّف كتاباً في كشف عوارهم وابتداء دعوتهم، فحُمل إلى مصر فصُلب في حدود سنة ستّين وأربعمئة.

هكذا أورد ترجمته صاحب كتاب الشيعة وفنون الإسلام.

وأورد ذلك بعينه صاحب كتاب روضات الجنّات إلاّ أنّ تاريخ صلبه في الروضات هو في حدود سنة العشرين لا الستّين وهو الأصح كما لا يخفى.

وفي الروضات هذا التعقيب على ترجمته: (والعجب أنّ الشيعة لم يذكروا ترجمة هذا الرجل في شيءٍ من كتب رجالهم ولا يبعد كونه مِن

٢٥٩

جملة علماء حلب المشهورين في ذلك الزمان).

وجاء فيه - أيضاً - نقلاً عن رياض العلماء، ومنهم (فقهاء حلب) أيضاً في الظاهر الشيخ ثابت بن أسلم الحلبي النحوي الإمامي.

٢ - يحيى بن أبي طيّ الحلبي.

قال العلاّمة المحقّق السيّد حسن الصدر في كتاب الشيعة وفنون الإسلام:

ومنهم (النحاة) يحيى بن أبي طي أحمد بن ظاهر الطائي الكلبي الحلبي أبو الفضل النحوي.

قال ياقوت أحد من يتأدّب ويتفقّه على مذهب الإماميّة، وصاحب التصانيف في أقسام العلوم وكان في حدود ستمئة، قلت: قال في كشف الظنون (أخبار الشعراء السبعة) لابن أبي طي يحيى بن حميدة الحلبي المتوفّى سنة ٣٣٥ خمس وثلاثين وثلاثمئة رتّب على الحروف انتهى.

وأظنّه وهم، والصحيح أنّ تولّده في شوّال سنة خمس وسبعين وخمسمئة.

قلت الذي رأيته في هذا المحل من كشف الظنون(١) هو ما يلي (أخبار الشعراء السبعة) لابن أبي طي يحيى بن حميدة الحلبي المتوفّى سنة ٦٣٠ ثلاثين وستمئة، وهكذا أورد تاريخ وفاته تحت اسم كلّ كتاب أورده له، اللّهمّ إلاّ في مورد ذكره كتابه (معادن الذهب في الطب)(٢) فإنّه قال بعد ذكره (لابن أبي طي يحيى بن حميدة الحلبي المتوفّى سنة ٢٣٠ ثلاثين ومئتين، وهو تاريخ كبير وذيله له أيضاً).

وفي هذا الكلام من الخلط والتهافت ما لا يخفى: -الأوّل - أنّ هذا التعريف بالكتاب لا ينطبق على المعرّف الذي هو كتاب طبي، والتعريف بكتاب تاريخي والتعريف يصدق على كتاب (معادن الذهب ) في تاريخ حلب وهو الذي أورده له في علم التاريخ حيث قال هناك(٣) (ومن تواريخه معادن الذهب لابن أبي طي يحيى بن حميدة الحلبي المتوفّى سنة ٦٣٠ ثلاثين وستمئة، وهو تاريخ كبير وذيله له أيضاً). -الثاني - الاختلاف العظيم بين

____________________

(١) ج ١ ص ٦١.

(٢) ج ٢ ص ٤٥٧.

(٣) ج ١ ص ٢٢٤.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486