تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 486

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 486
المشاهدات: 73142
تحميل: 9203


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 486 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73142 / تحميل: 9203
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

أمّا المياه فتأتيها من لبنان بأقنيةٍ قديمةٍ، يُظنّ أنّها من بقايا الصليبيّين، بدليل تسميتها حتّى الآن باسم قناطر البرنس، وتتوزّع في كلّ أنحاء البلدة وشوارعها، وتدخل دورها وبناياتها، وتتّصل إلى الطبقة الثالثة على ارتفاعٍ أكثر من خمسة عشر ذراعاً. ومخرج الماء من ينبوعٍ عذبٍ يُقال له رشعين في ناحية الزاوية من قائمقاميّة البترون التابعة لمتصرّفية لبنان.

(أمّا النهر فمخرجه من جبل لبنان فوق قرية بشري تحت الأرز الشهير، من مكان يُقال له الدواليب، ويجري إلى الجنوب الغربي قليلاً، فيتّحد معه جدولان يُقال لأحدهما رشعين وللآخر المخاضة، ومن ثمّ يدخل طرابلس ويخرقها من الشرق إلى الغرب فيشطرها شطرين غير متساويين ويخرج منها فيمرّ في أرضٍ كثيرة الجنائن والبساتين، ويصبّ في بحر الروم إلى الشمال من المينا على مسافة ميلٍ عنها.

وغزارة الماء وخصب تربة البلاد حملا الأهلين على الرغبة في حراثة الأرض، فأتقنوها حتّى صارت طرابلس أوّل بلدان سورية تقدّماً في الزراعة، وأمست أرضها ذات ثمار كثيرة مشهورة عنها أخصّها الليمون بأنواعه ؛ ذلك ما أصبح مصدراً لتجارةٍ متّسعةٍ فيه.

أمّا التجارة فهي متّسعة في تصدير الحاصلات ضيّقة في إيراد البضائع الأوروبية، وأخصّ الأصناف الصادرة: الحرير والحبوب والليمون والزيت والصابون وغير ذلك.

(أمّا الصناعة فقاصرة جداً، مع أنّها اشتهرت في الزمن السالف كما شهد بذلك مؤرّخو الافرنج الذين كتبوا وقائع الحرب الصليبيّة).

ثمّ وصف ترقّيها في العلم ومدارسه، وفضلها على أكثر المدن السورية في هذه الناحية، ولم يقصّر ومَن أولى به بإيفائها حقّها، وهو ابنها البار، وهي أوّل بلد مسّ جسمه ترابها.

وإذا عرفت أنّ هذا الوصف لها كان منذ سبع وخمسين سنة: أي في عهد مبدأ النهضة السورية العمرانية والعلمية في بلاد الشام، وبعد تراجعها العظيم يتبين لك أنّها قد بلغت في هذه الأيّام شأواً بعيداً في كلّ ناحيةٍ من نواحي العمران والاقتصاد والعلم والآداب والسياسة والوطنيّة الصحيحة، لمرافقتها النهضة التي شملت أكثر المدن السورية، دع ما أعان هذه النهضة من الوسائل التي كانت تكاد تكون مفقودة في ذلك العهد، ومنها صعوبة المواصلات وقلّة المطابع وندرة الكتب.

٣٠١

وطرابلس ضربت الرقم القياسي السوري الساحلي في جهادها الوطني والسياسي في سبيل إحقاق حقّها بالالتحاق في الوحدة السورية، وأبلت بلاءً حسناً في كلّ مرحلةٍ من مراحل القضيّة السورية الخاصّة والعربية العامّة، منذ بدء الاحتلال وإلقاء الحرب العامّة أوزارها إلى يومنا هذا.

ولولا أن التبسّط في تاريخ هذا البلد الراقي قديماً وحديثاً يطول به الخطب ويخرجنا عن صدد موضوع كتابنا، لما اقتصرنا على إيراد هذه الجملة غير الوافية بقدرها، وبما لها من المكانة في نفوسنا، وبما نضمره لها من إجلال وإكبار، ولرجالها المخلصين المجاهدين من إعجابٍ وإعظام.

تاريخها القديم:

قال المؤرّخ جرجي يني الطرابلسي في تاريخ سوية:

(أمّا تاريخ البلدة فقديم جدّاً، ومع أنّ ذكرها لم يرد في الكتاب المقدّس يعتقد بعض المدقّقين بكيانها منذ حين قديم.

أمّا ما يعلم عنها تاريخاً فهو أنّه بعد أن أخذت بلاد فينيقية بالتقدّم الحي والمعنوي، وكانت ولايات مستقلّة تنضمّ إلى بعضها برباط الدين والجنسيّة، على أنّها منفصلة عن بعضها في الأحكام الداخلية والخارجية، خلا الحلقة الوطنية بالدفاع والهجوم، رأت أمّهات الممالك وهي: صيدا وصور وارواد وجوباً لإقامة دار شورى ترى في المصالح العامّة للبلاد. فأُنشئ المجلس المذكور في مدينة طرابلس، ومع أنّ التاريخ لم يذكر زمان إنشائه، ولا أوّل زمان عُرفت به طرابلس بلدة ؛ نرى أنّ المجلس لم يقم يومئذٍ في بلدةٍ معروفةٍ بل إنّ عدم قبول تلك الدول الكبيرة قيام ندوتها في بلدة إحداهن لمغايرة الأخرى، وتحذّراً من استبدادها بالقوة وعدم رغبة جميعها بإعطاء تلك المنحة العظيمة للدول الثانوية، حمل القوم على انتخاب أرض محايدة أو قرية صغيرة يشيدون فيها مجلسهم، فكانت حينئذٍ نشأة طرابلس وهي غير ذات اسم عام، بل ربّما أطلق على قسمٍ منها، ومع أنّه عرف تماماً أنّ هذا المجلس كان مركّباً من أعضاء صوريّين وصيدونيّين وارواديّين، لم يعرف إن كانت الولايات الأُخرى الفينيقية قد اشتركت بالعضويّة، كاشتراكها بقبول أحكامه ممّا برهنته بعض الحوادث التاريخية.

وهذا التخمين يقارب الواقع ؛ لأنّه حتّى الآن لم يُعرف للبلدة اسم فينيقي، مع أنّ دار الشورى قد ذُكرت

٣٠٢

مراراً في تاريخ تلك البلاد، ولو وجدت أقل مشابهة بين الكلمة اليونانية التي تركّب منها اسم طرابلس وهي تريبوليس، واللغة الفينيقية لحكم القوم المدقّقون بالاشتقاق، ولا جرم أنّ التاريخ يقول إن أعضاء ذلك المجلس كانوا مئة عضو من الصيدونيين، وبما أنّ صيدا لم تكن أكثر أهمّيّة وإشغالاً من معاصرتيها صور وارواد، لا يظن أنّ أعضاء تينك البلدتين كانوا أقلّ عدداً.

ولا يخفى أنّ وجود ثلاثمئة عضو كافٍ لبناء ثلاث حلل ؛ لأنّ أكثر الأعضاء كانوا يلتزمون بإحضار نسائهم معهم. وكرّ الزمان فكثرت الذكور والمهاجرون فعمرت البلدة بهم.

والظاهر أنّ حكومتها استمرّت بيد الثلاث الدول ؛ ذلك أنّ كلاًّ منها كانت تحكم حلّتها بشرائعها الخصوصيّة ؛ فكان بين كلّ حلّة وأُخرى مسافة ستاديا وهي نحو فرسخ، يؤيّد ذلك الآثار المستمرّة حتّى يومنا، دليلاً على مواقع الحلل حيث كانت الأُولى في محل الميناء الحالية، والثانية في السلفتانية، وهي الآن مدفن للروم الأرثوذكس.

وهنالك بقايا قناة ماء، يظهر أنّها كانت تأتي تلك الحلّة من الضنية حيثما تمرّ في أراضي مجدليا، فتظهر آثارها عند طواحين السكر، والثالثة غربيّ المدينة الحاليّة عند البحصاص.

(ولقد قلنا إنّ التاريخ لم يكشف لنا عن زمان بنائها، إلاّ أنّ من الأدلّة ما يُظهر شيئاً من ذلك، فنقول:

إنّ تشكيل المجلس لم يتم إلاّ بعد مجيء نبوخذ نصّر لسورية، ولا يخفى أنّ ذلك الفاتح أتى البلاد غازياً في سنة (٦٠٦ ق. م) وأخذ أورشليم وجلا اليهود، فاستمرّوا في الأسر سبعين سنة.

وسنة (٥٧٣ ق. م) أخذ صور بعد أن حصرها ثلاث عشرة سنة، فإن كان تشكيل الديوان في تلك الأثناء فيكون بناؤها إذاً في أوساط الجيل السادس قبل المسيح، على أنّنا لا نجزم في ذلك حكماً ؛ لأنّنا ضمَّنا المقدّمات فأنتجنا هذه النتيجة.

أمّا الأدلّة التاريخية فقاصرة في هذا الصدد، ولم نعثر على ذكر لطرابلس إلاّ في أواسط الجيل الرابع قبل الميلاد، ولا يستبعد عدم امتداد قديمتها لأكثر من ذلك، على أنّ المجلس الذي عقد سنة ٣٠٢ ق. م للمفاوضة في أعمال الفرس المغايرة، وتسلّطهم على البلاد بعنفٍ كان في مدينة طرابلس، وعليه قر القرار على رفع راية العصيان ضد الفرس الظالمين.

(ووجود المجلس في ذلك دليل يدحض رأي مَن زعم بأنّ الإسكندر

٣٠٣

المكدوني هو الذي أمر ببنائها، حال كونها قد ذكرت بصراحة قبل زمانه بعشرين سنة كما تقدّم.

ولم يكن لطرابلس موقع مهم في التاريخ ؛ ولذلك كان يمرّ عليها مرّ السحاب، على أنّه بزوال دار شورى الفينيقيين منها حطّت أهمّيّتها إلى أن تداولت عليها الدول.

فلمّا صارت سورية مملكة يونانية مستقلّة بعد وفاة الإسكندر، واستبدّ السلوقيّون بالسلطة حتّى جرت بين انتيغونوس وسولوقس بعض الملاحم والمعارك الشديدة، فأخذ انتيغونوس وسولوقس بعض الملاحم والمعارك الشديدة، فأخذ انتغونوس يهتم ببناء السفن، فكانت طرابلس أيضاً من المدن التي رَمّمها ولذلك أمر بالأخشاب فجيء بها من لبنان على ألف نير كناية عن ألفين من الثيران.

وبنيت السفن فيها لخدمته على أنّه لم يحز نصراً فتسلّط السلوقيّون على البلاد.

ولم يكن لطرابلس أهمّيّة تذكر غير أنّها بعد حين ذكرت في أخبار المكابيين، حيث قيل إنّ ديمتريوس بن سولوقس باتر العاشر من الملوك السلوقيين (جلس سنة ١٦٢ ق. م) كان في رومية ففرّ عن حدوث المشاغب في سورية بعد أن أبت ندوة رومية (السناتو) أن تسمح له بالرجوع ليتبوّأ تخت ملكه. وأتى بجمعٍ عظيمٍ وسفن ميناء طرابلس وسار إلى المحلاّت الواجبة (٢ مك - ص ٨ و ١٤ عدد ١)، وقد ذكر صاحب سفر الأخبار قوله:

(وروى بونتانوس أن طرابلس سجدت في أيّام السلوقيين للمشتري الاطرابلسي. ذكره مؤلّف كتاب سورية المقدّسة، وروى لاكوبان في مجلد ٣ صحيفة ٩٩ أنّه توجد معاملات عديدة لأنطونيوس مع قلوبطرة ثمّ لاغوسطس وينرون وتريانوس عليها اسم طرابلس.

وفي دائرة المعارف للبستاني من مقالة للأستاذ جرجي يني في تاريخ هذا البلد: (وفي الفتح الروماني مرّ عليها بومبيوس وكان فيها قوم من الأيطوريين، فخضد شوكتهم وقتل زعيمهم حتّى دانت للرومان، وظلّت على ولائهم إلى أن فتحها المسلمون بخدعة يوقنا، ولكن تردّدت عليها غزوات الروم ومردة لبنان، وتقلّبت على السيادة فيها الدول الإسلامية).

تاريخ طرابلس الإسلامي:

لما استخلف أبو عبيدة يزيد بن أبي سفيان على دمشق وسار إلى فحل، سار يزيد إلى مدينة صيدا وعرقة وجبيل وبيروت، وهي سواحل

٣٠٤

دمشق على مقدّمته أخوه معاوية ففتحها فتحاً يسيراً، وجلا كثيراً من أهلها.

وتولّى معاوية بنفسه في ولاية يزد. ثمّ إنّ الروم غلبوا على بعض هذه السواحل في آخر خلافة عمر وأوّل خلافة عثمان، فقصدهم معاوية ففتحها ثمّ رمّمها وشحنها بالمقاتلة وأعطاهم القطائع.

ولمّا ولي عثمان الخلافة وجمع لمعاوية الشام، وجّه معاوية سفيان بن مجيب الأزدي إلى طرابلس، وهي ثلاث مدن مجتمعة.

ثمّ بنى في مرج على أميال منها حصناً سُمّي حصن سفيان، وقطع المادة عن أهلها من البرّ والبحر وحاصرهم، فلمّا اشتدّ عليهم الحصار اجتمعوا في أحد الحصون الثلاثة، وكتبوا إلى ملك الروم يسألونه أن يمدّهم أو يبعث إليهم بمراكب يهربون فيها إلى بلاد الروم.

فوجه إليهم بمراكب كثيرة، ركبوا فيها ليلاً وهربوا، فلمّا أصبح سفيان، وكان يبيت هو والمسلمون في حصنه ثمّ يغدو على العدو، فوجد الحصن خالياً فدخله وكتب بالفتح إلى معاوية، فأسكنه معاوية جماعة كثيرة من اليهود، وهو الذي فيه المينا اليوم، ثمّ بناه عبد الملك بن مروان وحصّنه، ثم نقض أهله أيّام عبد الملك ففتحه ابنه الوليد في زمانه.

دخلت طرابلس في السلطان الإسلامي مع المدن الساحليّة التي افتتحت، ولما خاف عليها معاوية من غزوات الروم استدعى قوماً من الفرس ليستوطنوا تلك السواحل ويحموها من اعتداء الغازين، يؤيّد ذلك ما ذكره اليعقوبي في كتابه البلدان ؛ فقال عند ذكره جند دمشق:

(ولجند دمشق من الكور على الساحل كورة عرقة فيها قوم من الفرس.

ومدينة اطرابلس وأهلها قوم من الفرس.

وجبيل وصيداء وبيروت وأهل هذه الكور كلها قوم من الفرس نقلهم إليها معاوية بن أبي سفيان).

وقال البلاذري في فتوح البلدان: (نقل معاوية في سنة ٤٩ أو سنة ٥٠ إلى السواحل قوماً من زُط البصرة والسباتجة وأنزل بعضهم أنطاكية).

وفي تاريخ ملوك الروم(١) : (في السنة العاشرة لملك قسطنطينوس بن قسطنطين (٣٢٧) جاء إلى نواحي طرابلس فينيقية وبنى بلاداً سمّاها باسمه.

وجاء الإسلام، ففتحوا أنطاكية، وهرب القيصر هراكليوس منها فلم يقتصر

____________________

(١) تاريخ سورية الجرجي بني ص ٣٧٧.

٣٠٥

يوكنا الذي أسلم واتّحد مع الفاتحين على الحيل الأُولى التي سلم بها المدن الحصينة، بل إنّه أتى مدينة طرابلس الشام ولم تكن قد أُخذت مع بعض الثغور، فلمّا دنا من البلدة بفرقته، وكانوا من الرومان الذين أسلموا، خرج لملاقاته الرومان الذين في طرابلس ظانّين أنّه لم يزل مخلصاً لدولتهم غير عارفين بالذي جرى، وفتحوا له أبواب المدينة فدخلها، وأقام فيها منتظراً الزمان المسمّى لمجيء الإسلام. فلمّا حان الأجل حمل على القلعة فأخذها بلا ممانعة).

على أنّا لا نعلم المقصود بالقلعة ؛ لأنّ القلعة الحالية إنّما هي من بناء الصليبيين، فلا يبعد أن تكون القلعة المأخوذة يومئذٍ من حصون الرومان.

وأقام يوكنا فيها ناشراً راية الصليب الرومانية، إلاّ أنّه أرسل خبراً إلى أبي عبيدة بما كان. وبعد حين وصلت ميناء طرابلس سفن كثيرة، من قبرص وكريت مشحونة بالسلاح والمؤن لنجدة جنود قسطنطين، وهي غير عالمة بحالة طرابلس. فلمّا رست أقبل يوكنا عليها واعتقلها وأخذ رجالها أُسراء حرب، وكان أبو عبيدة قد بعث شرذمة من جنده إلى طرابلس فسلّمها يوكنا إلى العسكر، وركب السفن بمن معه ورفع الراية الرومانية وسار إلى صور).

وقامت الحكومة الإسلامية في طرابلس، إلاّ أنّ صاحب سفر الأخبار يقول إنّ الدولة الإسلامية لم تستقرّ فيها، والظاهر أنّ ذلك كان لأنّ مردة لبنان كانوا يتملّكونها.

(ولمّا ولي عثمان الخلافة(١) وجمع لمعاوية الشام، وجّه معاوية سفيان بن مجيب الأزدي إلى طرابلس، وهي ثلاث مدن مجتمعة.

ثمّ بنى في مرج على أميال منها حصن سُمّي حصن سفيان، وقطع المادّة عن أهلها من البرّ والبحر، وحاصرهم، فلمّا اشتدّ عليهم الحصار اجتمعوا في أحد الحصون الثلاثة، وكتبوا إلى ملك الروم يسألونه أن يمدّهم أو يبعث إليهم بمراكب يهربون فيها إلى بلاد الروم، فوجّه إليهم بمراكب كثيرة ركبوا فيها ليلاً وهربوا، فلمّا أصبح سفيان وكان يبيت هو والمسلمون في حصنه، ثمّ يغدو على العدو، وجد الحصن خالياً فدخله، وكتب بالفتح إلى معاوية فأسكنه معاوية، جماعة كثيرة من اليهود، وهو الذي فيه المينا اليوم. ثمّ بناه

____________________

(١) تاريخ الدبس مجلد ٥ ص ٩.

٣٠٦

عبد الملك بن مروان وحصّنه، ثمّ نقض أهله أيّام عبد الملك، ففتحه ابنه الوليد في زمانه)(١) .

وقد ذكر طرابلس أبو القاسم عبيد الله بن ضرداويه من رجال أوائل القرن العاشر في كتابه المسالك والممالك، فيما ذكره من إقليم في جملة كور دمشق، فذكر كورة جونيه وكورة طرابلس وكورة جبيل، ثمّ بيروت وصيداء.

والمقدسي ذكر من المدن الساحلية بيروت وطرابلس وعرقة ؛ قال:

(وصيداء وبيروت مدينتان على الساحل حصينتان وكذلك طرابلس إلاّ أنّها أجل).

وذكرها الاصطخري وابن حوقل، ووصفها كلاهما بأنّها: فرضة دمشق في زمنهما، وأنّها وافرة الغلات، يقيم فيها جند الشام ومنها يخرجون لغزو الروم، ويثنيان على لين عريكة أهلها ووفرة مرافقها.

وقال ابن رسته:

ومدينة اطرابلس وأهلها قوم من الفرس، كان معاوية بن أبي سفيان نقلهم إليها، ولها مينا عجيب يحتمل ألف مركب.

وفي شعبان سنة ٤٣٨ هـ ١٠٠٤م تجوّل في سواحل الشام ناصر خسرو الفارسي فوصف المدن الساحليّة في رحلته وصفاً مستجاداً، وقال:

(إنّه مرّ أوّلاً بطرابلس سائراً إليها من حلب، فوصف حدائقها ومزارعها من قصب السكّر والنارنج والموز والنخيل. وكان مروره فيها يوم عصرهم قصب السكر.

وتوسّع في وصف أسوارها من نحيت الحجارة ذات بابٍ واحدٍ في شرقيّها وخنادقها ومناجيقها لردّ غارات الروم، وأسواقها شبه القصور غاية في النظافة، ودورها ذات أربعة إلى ستة طوابق.

ثمّ وصف فواكهها اللذيذة المتوفّرة وجامعها الجميل الهندسة، ومياهها النميرة.

وكان أهلها حينئذٍ على مذهب الشيعة ٢٠٠٠٠ ومن معاملهم: معمل لورق الكتابة كمعمل كاغد سمرقند.

وكانت في ذلك الوقت في حوزة ملوك مصر الفاطميّين أعفوها عن أداء الضرائب لأمانة أهلها في واقعة سابقة انهزم فيها الروم).

____________________

(١) عن ابن الأثير ج ٢ ص ٢١٠.

٣٠٧

منيت طرابلس كما منيت المدن الساحلية بغزوات الروم المتتابعة.

ففي سنة ٣٥٧ هـ ٩٦٨م حاصرها نيقيفور ملك الروم ليلةً واحدةً وأحرق ربضها.

كما ذكر ذلك يحيى بن سعيد الأنطاكي ؛ وقال في حوادث سنة ٣٦٤هـ ذاكراً غزوة الملك يوحنّا زيميسيس الذي يدعوه العرب ابن الشمشقيق، إنّه نزل على طرابلس وقاتلها ولم يتمّ له فيها شيء.

وقال ابن القلانسي:

(إنّه نزل عليها وأقام حاصراً لها تقديراً أربعين يوماً يقاتل أهلها ويقاتلونه، فبينما هو في ذلك إذ دس إليه خال بسيل وقسطنطين سمّاً، فاعتلّ منه وتوجّه إلى القسطنطينية وتوفّي).

وذكرها الشريف الإدريسي المتوفّى سنة ١١٨٧م حيث قال في وصفها:

(مدينة عظيمة عليها سور من حجرٍ منيع ولها رساتيق وكور وضياع جليلة، وبها من شجر الزيتون والكروم وقصب السكّر وأنواع الفواكه وضروب الغلاّت الشيء الكثير.

والوارد والصادر إليها كثير، والبحر يأخذها من ثلاثة أوجه، وهي معقل من معاقل الشام مقصود إليها لضروب التجارات، ينضاف إليها عدّة حصون ومنها في جهة الجنوب حصن بناه ابن صنجيل الافرنجي ومنه افتتح أطرابلس، وبينهما أربعة أميال وهو حصن منيع جدّاً وهو بين واديين).

إنّ المدن الساحليّة وهي باب المدن الداخلية، كانت معرّضةً لغزوات الروم، ومَن يتغلّب عليها يسهل عليه امتداد يده إلى داخل البلاد، فكان من المحتّم أنّ على مَن يمتلك البلاد الشاميّة: ساحلها وداخلها وسهلها وجبلها، أن تحصّن بالقلاع وتصان بالأسوار وتُشحن بالرجال لتقيها تلك الغزوات المتتابعة، وتحمي بها البلاد كافّة.

ولم يهمل هذا الأمر ملوك العرب والمسلمين الذين تعاقبوا على حكمها من عهد الخلفاء الراشدين ؛ فالأمويّين والعبّاسيّين وعمّالهم الذين استقلّوا بحكمها، ولم يبقوا للخلفاء العبّاسيّين سوى الخطبة والسكّة والتقليد والخلع للمستأثر بالحكم.

فكانت مدينة طرابلس وهي ثغرٌ من أهمّ الثغور البحرية الشامية، وهي منفذ لأهمّ الأعمال والكور من جند دمشق من المدن التي امتدّ إليها التحصين، وقد أصبحت في حوزة بني طولون أُمراء مصر، وقسم كبير من الديار الشامية، ثمّ انتقلت إلى خلفاء الفاطميين المصريين الذين استولوا على بلاد الشام، وكان يليها عمّالهم.

وأكثر مَن وليها في عهدهم من الأمراء رجال من كتامة الذين ابلوا

٣٠٨

البلاء الحسن في تأسيس دولتهم في المغرب، وكانوا سيوفهم في الاستيلاء على الديار المصرية والشامية، وفاتحها جعفر بن فلاح من شيوخ كتامة، إلى أن انتهت النوبة في حكمها إلى قضاة بني عمر من كتامة.

قبيلة كتامة:

لقد سبق في الصفحة الأُولى من هذا المؤلّف بحثنا عن إغفال المؤرّخين البحث عن قضاة بني عمّار حكام طرابلس، كما أهملوا سلسلة اتصال نسبهم بكتامة، حتّى لقد أدّى هذا الإهمال إلى توهّم بعض الباحثين أنّهم وبدر بن عمّار ممدوح المتنبّي، وحاكم طبرية من قبيل واحد، مع أنّ بدر بن عمّار هو أبو الحسن محمد بدر بن عمّار بن إسماعيل الأسدي الطبرستاني، وكان عاملاً على طبرية لأبي بكر بن رائق حسام المتّقي لله الخليفة العبّاسي، وهو أسديٌّ منسوبٌ إلى طبرستان. وبنو عمّار من المغاربة، وقد أنشده أبو الطيّب المتنبّي لمّا قصده قصيدته:

أحلماً نرى أم زماناً جديدا

وهو يومئذٍ يتولّى حرب طبرية من قبل ابن رائق(١) سنة ٣٢٨ هـ.

وأمّا نسبة بدر هذا إلى بني أسد فتظهر من قول أبي الطيّب فيه مادحاً له:

حسامٌ لابن رائقٍ المرجّى حـسام المتّقي أيّام صالا

سـنان في قناة بني معدٍّ بني أسدٍ إذا دعوا النزالا

وقال مادحاً له لمّا أضاف ابن رائق إلى عمله الساحل:

تُـهـنّا بـصور أم نـهنئها بـكا وقـلّ الـذي صور وأنت له لكا

ومـا صغر الأردّن والساحل الذي رجـيت بـه إلاّ إلى جنب قدركا

تـحاسدت الـبلدان حتّى لو أنها نفوسٌ لسار الشرق والغرب نحوكا

وأصـبح مـصرٌ لا تكون أميره ولـو أنّـه ذو مـقلةٍ وفـمٍ بكى

____________________

(١) انتزع محمد بن رائق دمشق سنة (٣٢٨) من بدر الأخشيدي الذي كان نائباً عليها من قبل الأخشيد محمد بن طغج بن جف، الذي كان والياً عليها من قِبَل الراضي سنة ٣٢٣ هـ.

٣٠٩

على أنّ بدر بن عمّار كان عامل طبرية قبل استيلاء الفاطميين على مصر وبلاد الشام باثنتين وثلاثين سنة.

إنّ هذا الوهم وتقصير مؤرّخي عصر أولئك القضاة عن التعريف بهم كما جرت عادتهم بالتعريف بكلّ دولةٍ ناشئةٍ وبرجالٍ صنعوا بعض ما صنع هؤلاء في تأسيس الدول الناشئة، وأثّروا ما أثّروا في تأييد سلطان غالب أو في عمل نافع من أثر، قد يقلّ كثيراً عن آثار هذا القبيل، سواء في إقامتهم خلافة فاطميّة بين أمم برابرة، ثمّ بسط سلطان تلك الخلافة إلى أن تغلّبت على ديار مصر واليمن والحجاز، في بعض العصور، وديار الشام.

وكان ما كان لهم من خدمةٍ في رفع منار العلم، وفي مدافعة غزاة الصليبيين عن أمنع ثغرٍ من ثغور سواحل الشام، لا جرم أنّ ذلك كلّه حملنا على الاستقصاء والتتبّع والتوسّع والبحث، والرجوع إلى كتب المؤرّخين الذين أرّخوا الدولة الفاطمية، لعلّنا نعثر في زواياها على ما ينير بحثنا هذا وكلّ ما له علاقة في تاريخهم.

ومن أهم ما يصل بنا إلى اللباب: بحث نسبهم، والاستطراد إلى ذكر رجالٍ لهم صلةٌ بذلك النسب، وكانت لهم الخدمة الجليلة في تأسيس دولة الفاطميين.

اختلاف النسّابين في نسبهم، أهم عرب أم بربر؟

قال ابن خلدون:

(هذا القبيل (كُتامة) من قبائل البربر بالمغرب وأشدّهم بأساً وقوّة، وأطولهم باعاً في الملك عند نسّابة البربر من ولد كتام بن برنس).

ويقال كتم ونسّابة الغرب يقولون إنّهم من حِمْيَر ؛ ذكر ذلك ابن الكلبي والطبري.

وأوّل ملوكهم فريقش بن صيفي من ملوك التبابعة، وهو الذي افتتح افريقية، وبه سُمّيت، وقتل ملكها جرجير وسمّي البربر بهذا الاسم.

ويُقال أقام في البربر من حِمْيَر صنهاجة وكتامة، فهم إلى اليوم فيهم. وتشعّبوا في المغرب وانبثّوا في نواحيه، إلاّ أن جمهورهم كان لأوّل الملّة بعد تهييج الردّة.

وطفئت تلك الفتن بأرياف قسطنطينية إلى تخويف بجاية غرباً إلى جبل أوراس من ناحية القبلة.

وكانت بتلك المواطن بلاد مذكورة أكبرها لهم، وبين ديارهم ومجالات ثقلهم، مثل: ايكجان وسطيف وباغاية وفاس وتلزمة وتبكست وميلة وقسطنطينة والسنسكيرة والقل وجيجل، من حدود جبل أوراس إلى سيف البحر ما بين بجاية ولوتة.

وكانت بطونهم كثيرة يجمعهم كلّها غرسن ويسودة بن كتم بن يوسف من يسودة فالسيّد

٣١٠

وذلهاجة ورسبن، كلّهم بنو يسودة بن كتم، وإلى ذلهاجة ينسب قصور كتامة بالمغرب لهذا العهد (عهد ابن خلدون) ومن غرسن، مصالة وقلات وما وطن ومعاذ بنو غرسن بن كتم وكهيفة وجيجلة وسالتة وبنو بناوة بن غرسن وملوسة من ايان غرسن بن غرسن، ومن ملوسة هؤلاء بنو زيدوي أهل الجبل المطل على قسطنطينة لهذا العهد.

وبعد البرابرة من كتامة بنو يستيتن وهشتيوة ومصالة وبنو قنسيلة، وعدّ ابن حزم منهم زوادة بجمع بطونهم وهو الحق على ما تقدّم.

وكان من هذه البطون بالمغرب الأقصى كثير منتبذون عن مواطنهم، وهم بها إلى اليوم، ولم يزالوا بهذه المواطن وعلى هذه الحال منذ لدن ظهور الملّة وملك المغرب إلى دولة الأغالبة، ولم تكن الدولة تسومهم بهضيمة، ولا ينالهم تعسّف لاعتزازهم بكثرة جموعهم، كما ذكره ابن الرقيق في تاريخه، إلى أن كان من قيامهم في دعوة الشيعة ما ذكرناه في دولتهم عند ذكر دولة الفاطميين أثر دولة بني العبّاس.

وقد أطال الكلام في ما يتعلق بهذا القبيل وبطونهم مما يطول بنقله البحث وذكر انتساب بعض بطونهم إلى سليم من قبائل مضر، وأنكر ذلك وأرجع زوادة إلى كتامة وكتامة وصنهاجة إلى البرانس. وقال: ((إن بطون صنهاجة كما يذكر بعض مؤرخي البربر تبلغ سبعين بطناً وقال: إن لصنهاجة ولاء لعلي (عليه السلام) كما أن لمغراوة ولاء في عثمان (رض) وقال: إننا لا نعرف سبب هذه الولاية ولا أصلها.

وقال ياقوت في معجم البلدان: (البربر اسم يشمل قبائل كثيرة في جبال المغرب، أوّلها برقة ثمّ إلى آخر المغرب والبحر المحيط، وفي الجنوب إلى بلاد السودان.

وهم أممٌ وقبائل لا تُحصى، نسب كلّ موضع إلى القبيلة التي تنزله، ويقال لمجموع بلادهم بلاد البربر.

وقد اختلف في أصل نسبهم، فأكثر البربر تزعم أنّ أصلهم من العرب، وهو بهتان منهم وكذب.

وأبو المنذر فإنّه قال: البربر من ولد فاران بن عمليق.

وقال الشرقي: هو عمليق بن بلعم بن عامر بن اشليخ بن لاود بن سام بن نوح، والأكثر الأشهر في نسبهم أنّهم بقيّة قوم جالوت لمّا قتله طالوت، هربوا إلى المغرب فتحصّنوا في جبالها، وقاتلوا أهل بلادها، ثمّ صالحوهم على شيءٍ يأخذونه من أهل البلاد، وأقاموا هم في الجبال الحصينة.

٣١١

وقال أحمد بن يحيى بن جابر: حدّثني بكر بن الهيثم، قال: سأل عبد الله بن صالح عن البربر، فقال: هم يزعمون أنّهم من ولد بر بن قيس بن عيلان. وما جعل الله لقيس من ولد اسمه بر. وإنّما هم من الجبّارين الذين قاتلهم داود وطالوت. وكانت منازلهم على الدهر ناحية فلسطين، وهم أهل عمود، فلّما أُخرجوا من أرض فلسطين أتوا المغرب فتناسلوا وأقاموا في جباله، وهذه من أسماء قبائلهم التي سُمّيت بها الأماكن التي نزلوا بها، وهي:

(١) هواره (٢) متاهة (٣) ضريسة (٤) مغيلة (٥) رفجومة (٦) لطَيَّة (٧) مطماطة (٨) صنهاجة (٩) نفزة (١٠) كتامة (١١) لواتة (١٢) مزانة (١٣) ربوحة (١٤) نفوسة (١٥) لمطة (١٦) صدنية (١٧) مصمودة (١٨) غُمارة (١٩) مكناسة (٢٠) قالبة (٢١) دارية (٢٢) أُتينة (٢٣) كومية (٢٤) سنحور (٢٥) أمكنة (٢٦) خرزبانة (٢٧) قططة (٢٨) جير (٢٩) براثن واكلان (٣٠) قصدران (٣١) زرنجي (٣٢) بَرغُواطة (٣٣) لُواطة (٣٤) زواوة (٣٥) كزولة.

وذكر هشام بن محمد أن جميع هؤلاء عمالقة، إلاّ صنهاجة وكتامة فإنّهم بنو افريقس بن قيس بن صيفي بن سبأ الأصغر، كانوا معه لمّا قدم المغرب وبنى افريقية، فلمّا رجع إلى بلاده تخلّفوا عنه عمّالاً على تلك البلاد، فبقوا إلى الآن وتناسلوا.

ومَن حكم بعروبتهم وانتسابهم إلى حِمْيَر يرجعهم إلى كلب إحدى بطون قضاعة، فإنّ قضاعة كما ذكر النسّابون ابن مالك بن حِمْيَر بن سبأ.

قال ابن عبد ربّه في كتابه العقد الفريد:

(ومن بني صيفي بن سبأ الحرث بن قيس بن سبأ الأصغر، ومنهم حِمْيَر التبابعة، إلى أن قال: ومنهم أبو فريقيش بن قيس بن صيفي الذي افتتح افريقية، فسُمّيت به.

ويومئذ سُمّيت البرابرة وذلك أنّهم قالوا: أنّه قال لهم: ما أكثر بربرتكم).

وذكر قضاعة فقال: قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرّة بن زيد بن مالك بن حِمْيَر واسم قضاعة عمرو.

فمن قبائل قضاعة وبطونها وجماهيرها كلب بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.

٣١٢

وأمّا ابن قتيبة فقد قال في معارفه:

(فولد سبأ حِمْير بن سبأ وكهلان بن سبأ وعمرو بن سبأ والأشعر بن سبأ وانمار بن سبأ وعاملة ومر).

وحِمْير بن سبأ، ولد مالكاً وعامراً وعمراً وسعداً ووائلة.

ومالك بن حِمْير ولد قضاعة ومن قبائل قضاعة كلب بن وبرة.

وإنّك لترى ابن قتيبة يجعل مالكاً ابن حمير، بيتاً يجعله ابن عبد ربّه الجدّ الأعلى له.

ولسنا بصدد البحث عن اختلاف النسّابين في مَن أعقب حِمْير، فإنّ فيه اختلافاً يخرج بنا إن عرضنا له عن موضوع الكلام.

وسواءٌ أصحّ انتساب بني عمّار وذوي قرباهم من كتامة إلى العرب وإلى حِمْيَر منهم، وإلى قضاعة من قبائلهم، وإلى كلب من بطونهم، أم لم يصحّ، فإنّهم قد انتسبوا إلى كلب من قضاعة.

وجاراهم على هذا الانتساب مَن أرّخ بعض رجالاتهم، فتجد ابن خلدون ينسب أُمراء صقلية وولاتها عن الفاطميين إلى بني كلب، وكذلك المقريزي، تراه في تعليقه على خط قصر ابن عمّار يقول:

(هو أبو محمد الحسن بن عمّار بن علي بن الحسن الكلبي من بني أبي الحسن، أحد أمراء صقلية وأحد شيوخ كتامة).

وقال القلقشندي في صبح الأعشى:

إنّ افريقش هو ابن أبرهة ذي المنار بن الحارث بن ذي شدد بن الملطاط بن عمرو بن ذي يقدم بن الصوار بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن الغوث بن أمن بن الهميسع بن حِمْيَر بن سبأ. وسُمّي الحارث بالرائش ؛ لأنّه لما ملك الناس راشهم بالعطاء. والطبري وصف سبأ بالأصغر.

والطبري يذكر البربر تارةً أنّهم من ولد حسام من معرايم الذي ولدهم وولد القبط ص ١٠٤، وتارةً من ولد سام حيث قال ص ١٠٥ وعمليق بعد أن ذكره في ولد سام هو أبو العمالقة ومنهم البربر، وهم بنو ثميلا بن مارب بن فاران بن عمرو بن عمليق بن لوذ بن سام بن نوح، ما خلا صنهاجة وكتامة فإنّهما بنو فريقيش بن قيس بن صيفي بن سبأ.

وقال في ص ١٠٦:

(ولد حام القبط والسودان والبربر.

وإذا صح أن صنهاجة وكتامة ساميّان، وأنّهما من ولد لوذ بن سام، فكيف تنسبان إلى

٣١٣

حِمْيَر، بعد قوله إنّهما بنو فريقيش بن قيس بن صيفي بن سبأ؟

وأمّا بنو حمير ففي عدّهم اختلاف لا محلّ لذكره.

وقال ابن قتيبة ص ٢١٠:

(ثمّ ملك بعده (أبرهة) ابنه افريقيش بن أبرهة بن الرائش، فغزا نحو المغرب في أرض بربر، حتّى انتهى إلى طنجة، ونقل البربر من أرض فلسطين ومصر والساحل إلى مساكنهم اليوم، وكانت البربر بقيّة مَن قتل يوشع بن نون).

وترى ابن الخيّاط الشاعر المعروف، المتوفّى سنة ٥١٧ هـ ينسبهم إلى طيئ في إحدى قصائده في مدائحهم، يمدح بها فخر الملك أبا علي عمّار بن محمد بن عمّار فيقول:

زاكي العروق له من طيّءٍ حسبٌ لو كان لفظاً لكان النَّظْم والخُطَبا

رهـط السماح وفيهم طاب مولده إنّ الـسماح يـمانٍ كـلّما انتسبا

فإن صحّ هذا النسب، فلا تكون نسبتهم إلى حِمْيَر ولا إلى قضاعة ولا إلى كلب من قبائلها، بل إلى كهلان أخي حِمْير، فإنّ طيء هو ابن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ.

وقال في صبح الأعشى:

(طيء (أخذاً من الطاءة على وزن الطاعة، وهي الإيغال في المرعى) بن أُدَدَ بن زيد بن يشجب بن عَرِيب بن زيد بن كهلان).

وقال القلقشندي في صبح الأعشى ج ١ ص ٣٦٠:

(من العرب الموجودين المتردّد في عروبتهم البربر، وقد اختلف في نسبهم اختلافاً كثيراً ؛ فذهبت طائفة من الناسبين إلى أنّهم من العرب، ثمّ اختلف في ذلك، فقيل أوزاع من اليمن.

وقيل من غسّان وغيرهم وتفرقوا عند سيل العرم، قاله المسعودي.

وقيل خلّفهم أبرهة ذو المنار أحد تبابعة اليمن حين غزا المغرب.

وقيل من ولد لقمان بن حِمْيَر بن سبأ بعث سريّةً من بنيه إلى المغرب ليعمّروه فنزلوا وتناسلوا فيه.

وقيل من لخم وجّذام كانوا نازلين بفلسطين من الشام إلى أن أخرجهم منها بعض ملوك فارس فلجئوا إلى مصر، فمنعهم ملوكها من نزولها فذهبوا إلى المغرب فنزلوه.

وذهب قومٌ إلى أنّهم من ولد لقشان بن إبراهيم الخليل (عليه السلام).

وذكر الحمداني أنّهم من

٣١٤

ولد بربر بن قيذار بن إسماعيل (عليه السلام) وأنّه ارتكب ذنباً ؛ فقال له أبوه: البر البر اذهب بابر فما أنت ببر.

وقيل هم من ولد بربر بن ثميلا بن مازيع بن كنعان بن حام بن نوح (عليه السلام). وقيل من ولد بربر بن كسلاجيم بن حام بن نوح.

وقيل من ولد ثميلا بن مارا بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح.

وقيل من ولد قبط بن حام بن نوح.

وقيل اخلاط من كنعان والعماليق.

وقيل من حِمْيَر ومصر والقِبط.

وقيل من ولد جالوت ملك بني إسرائيل، وأنّه لمّا قتله داود تفرّقوا في البلاد، فلما غزا افريقش البلاد نقلهم من سواحل الشام إلى المغرب، وهو الذي رجّحه صاحب العبر.

وبالجملة: فأكثر الأقوال جانحة إلى أنّهم من العرب، وإن لم نتحقّق من أيّ عرب، وهم قبائل متشعّبة وبطون متفرّقة، وأكثرهم ببلاد المغرب، وبديار مصر منهم طائفة عظيمة، قال في العبر: وهي على كثرتها لاحقة إلى أصلين لا تخرج عنهما:

أحدهما: البَرانس وهم بنو برنس بن بربر.

والثاني: البُتْر، وهم بنو مادغش الأبتر بن بربر، وبعضهم يقول إنّهم يرجعون إلى سبعة أصول، وهي أردواحة ومصمودة، وأَوْرَبَّة، وعجيبة، وكُتَامَة، وصَنهاجة وأوريفة، وزاد بعضهم لمطة، وهسكورة، وكزولة، ثمّ ذكر منهم طوائف لخّصها عن عبر ابن خلدون، لا يتعلّق لنا غرض بنقلها.

ومن غريب ما ورد في نسب هنتاتة من مصمودة انتسابها إلى فارس، وذكر سلسلة النسب الراجع إليه، وذكر قولاً بانتسابها إلى حِمْير وهو زعم نسّابة زِناتة، وقولاً وكانت بها إلى العمالقة، وكلّ ذلك يخرج بنا عن الاستطراد الذي دعانا إليه التعريف بمَن أفردنا لهم هذا التأليف.

٣١٥

تأييدهم الدعوة الفاطميّة وتشيّعهم

ورد في الجزء الرابع الصفحة ٣٠ من العبر ما محصّله:

أنّ محمد الحبيب بن جعفر المصدّق، بعث داعيةً إلى اليمن أبا عبد الله الملقّب بالشيعي، فلمّا بلغه عن محمد بن يعفر ملك صنعاء أنّه أظهر التوبة والنسك، وتخلّى عن الملك، قَدِم اليمن ووجد بها شيعةً يُعرفون ببني موسى في عدن لاعة. وكان علي بن الفضل من أهل اليمن ومن كبار الشيعة، وظاهر بن حوشب على أمره، وكتب له الإمام محمد بالعهد لابنه عبد الله، وأذن له في الحرب، فقام بدعوته وبثها في اليمن، وجيّش الجيوش وفتح المدائن وملك صنعاء وأخرج منها بني سبعين، وفرّق الدعاة في اليمن واليمامة والبحرين والسند والهند ومصر والمغرب، وكان يظهر الدعوة للرضا من آل محمد، ويبطن محمد الحبيب تستراً إلى أن استولى على اليمن.

وكان من دعاته أبو عبد الله الشيعي صاحب كتامة، ومن عنده سار إلى إفريقية فوجد في كتامة من الباطنيّة خلقاً كثيراً، وكان هذا المذهب هنالك من لدن الدعاة الذين بعثهم جعفر المصدق إلى المغرب، أقاموا بإفريقية وبثوا فيها الدعوة وتناقله من البرابرة، وكان أكثرهم من كتامة. فلما جاء أبو عبد الله الشيعي داعية المهدي ووجد هذا المذهب في كتامة قام على تعليمه وبثّه وإحيائه حتّى تمّ الأمر وبويع لعبد الله.

وجاء في هذا الجزء من العبر ص ٥١:

(وكان أصل ظهورهم بإفريقية دخول الحلواني وأبي سفيان من شيعتهم إليها أنفذهما إليها جعفر الصادق (عليه السلام) وقال لهما: بالمغرب أرض بور فاذهبا واحرثاها حتّى يجيء صاحب البذر. فنزل أحدهما ببلد مرغة والآخر ببلد سوق جمار

٣١٦

وكلاهما من أرض كتامة، ففشت هذه الدعوة في تلك النواحي، وكان محمد الحبيب ينزل سلمية من أرض حمص، وكان شيعتهم يتعاهدونهم بالزيارة إذا زاروا قبر الحسين، فجاء محمد بن الفضل من عدن لاعة من اليمن لزيارة محمد الحبيب، فبعث معه رستم بن الحسن بن حوشب من أصحابه لإقامة دعوته باليمن، وأنّ المهدي خارج في هذا الوقت، فسار وأظهر الدعوة للمهدي من آل محمد بنعوته المعروفة عنده، واستولى على أكثر اليمن، وسُمّي بالمنصور، وفرّق الدعاة في اليمن والبحرين والسند والهند ومصر والمغرب، وكان أبو عبد الله الحسين بن محمد بن زكريا المعروف بالمحتسب وكان محتسباً بالبصرة، وأبو عبد الله هذا يُعرف بالمعلم ؛ لأنّه كان يعلّم مذهب الإماميّة.

فاتّصل أبو عبد الله بمحمد الحبيب ورأى ما فيه من الأهليّة فأرسله إلى ابن حوشب باليمن ليأخذ عنه، ثمّ يذهب إلى المغرب ويقصد بلد كتامة فيظهر بينهم الدعوة.

فجاء أبو عبد الله إلى ابن حوشب ولزمه وشهد مجالسه وأفاد علمه، ثمّ خرج مع حاج اليمن إلى مكّة فلقي بالموسم رجالات كتامة ورؤساءهم، وفيهم من لقي الحلواني وابن بكار، وأخذوا عنهما فقصدهم أبو عبد الله في رحالهم، وكان منهم موسى بن حريث كبير بني سكان من جملة أحد شعوبهم، وأبو القاسم الورنجومي من أحلافهم، ومسعود بن عيسى بن ملاك المساكتي وموسى بن تكاد.

فجلس إليهم وسمعوا منه مذاهبهم ورأوا ما هو عليه من العبادة والزهد، فعلق بقلوبهم وصار تعهّدهم في رحالهم فاغتبطوا به واغتبط بهم.

ولمّا أرادوا الرحلة إلى بلادهم سألوه الصحبة فوفاقهم طاوياً وجه مذهبه عنهم بعد أن سألهم عن قومهم وعصابتهم وبلادهم وملكة السلطان فيهم، فكشفوا له علم ذلك وأنّهم إنّما يعطون السلطان طاعة معروفة، فاستيقن تمام أمره وخرج معهم إلى المغرب، وسلكوا طريق الصحراء وعدلوا عن القيروان إلى أن وصلوا إلى بلد سوماتة وبها محمد بن حمدون بن سماك الأندلسي من بجاية الأندلس نزلاً عندهم.

وكان قدارورك الحلواني وأخذ عنه، فنزل أبو عبد الله الشيعي عليه فأكرمه وفاوضه وتفرّس ابن حمدون فيه أنّه صاحب الدولة، ثمّ ارتحلوا وصحبهم ابن حمدون، ودخلوا بلد كتامة منتصف ربيع سنة ثمان وثمانين ومئتين،

٣١٧

فنزل على موسى بن حريث بلده اتكحان في بلد بني سكتان من جبيلة، وعيّن له مكان منزله بفجّ الأخيار، وأنّ النص عنده من المهدي بذلك وبهجرة المهدي، وأنّ أنصار الأخيار من أهل زمانه، وأنّ اسمهم مشتقٌّ من الكتمان، واجتمع إليه الكثير من أهل كتامة، ولقي علماءهم واشتمل عليه الكثير من أهوائهم، فجاهر مذهبه وأعلن بإمامة أهل البيت ودعا للرضا من آل محمد، واتبعه أكثر كتامة وكانوا يسمّونه بأبي عبد الله الشيعي والمشرقي، وانتهى أمره بفوز دعوته وتأسيس الدولة الفاطميّة في بلاد المغرب وما إلى ذلك ممّا فصّلنا حديثه، واستوعبنا خبره في تاريخ الدولة الفاطميّة من تاريخ دول الشيعة في القسم السياسي، فارجع إليه.

مساهمة كتامة قبيل بني عمّار في أعمال الدولة الفاطميّة في المغرب:

عرفت بلاء الكتاميين في تأسيس الدولة الفاطميّة في افريقية، وما كان لهم من الأثر العظيم في ظهورها، وهبوب ريحها، وهم أوّل مَن لبّى الدعوة، وهم أشدّ قبائل البربر مراساً وأكثرهم عدداً وأكبرهم نفوذاً، فلا جرم إذا قدّر لهم الخلفاء الفاطميّون هذا البلاء الحسن، وأشركوا كبار رجالاتهم في الجليل من أعمالهم والدولة في إبّان تنظيمها، وهي أحوج إليهم في هذا التنظيم.

إمارة الكلبيّين الكتاميّين أجداد بني عمّار في صقلية وتداولهم لها صقلية وموقعها:

قال ياقوت الحموي في معجم البلدان في التعليق على افريقية: اسمٌ لبلادٍ واسعةٍ ومملكةٍ كبيرةٍ قبالة جزيرة صقلية، وينتهي آخرها إلى قبالة جزيرة الأندلس، والجزيرتان في شماليّها، فصقلية منحرفة إلى الشرق، والأندلس عنها إلى جهة المغرب.

وفي مراصد الاطلاع: (صقلية) من جزائر بحر المغرب مقابلة افريقية مثلثة الشكل، بين كلّ زاويةٍ والأُخرى مسيرة سبعة أيّام.

وقيل دورها خمسة عشر يوماً بينها وبين ريو، وهي مدينة في البرّ الشمالي الشرقي الذي عليه

٣١٨

مدينة قسطنطينة بحار (٤) تُسمّى القار، وفي طول جهة الساعة عرض ميلين، وعليه من جهتها مدينة تُسمّى مسيبي، وبين الجزيرة وافريقية مئة وأربعون ميلاً إلى أقرب المواضع بإفريقية، وهو الموضع المسمّى قليلية وهو يومان للريح الطيبة إذا قل، وهي جزيرة حصينة كثيرة البلدان والقرى والأمطار، قيل إنّ لها ثلاثاً وعشرين مدينة وثلاثة عشر حصناً.

وفي صبح الأعشى، الجزء الخامس في ذكر جزائر بحر الروم:

وهو البحر الشامي والمعروف بالبحر المتوسط والأبيض - السابعة - (جزيرة صقلية) قال في (اللباب): بفتح الصاد المهملة والقاف ولام وياء مثناة من تحتها وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة، وبين ذينها الغربي وبين تونس مجرىً وستّون ميلاً، ودورها خمسمئة ميل وهي على صورة شكل مثلّث حادّ الزوايا، فالزاوية الأُولى شماليّة وهناك المجاز الضيّق إلى الأرض الكبيرة (يعني التي وراء الأندلس) وهو نحو ستّة أميال، والزاوية الثانية جنوبيّة، وهي تقابل بر طرابلس من افريقية من بلاد الغرب، والزاوية الثالثة غربيّة. وهناك (بركان النار) في جزيرة صغيرة منقطعة شمالي الزاوية المذكورة. وشمالي صقلية بلاد قلفرية.

قال في تقويم البلدان:

وصاحب صقلية في زماننا هذا فَرَنجي من الكيتلان اسمه الريدا فريك، وقاعدتها مدينة (بَلْزْم) بفتح الباء الموحدة واللام وسكون الزاي المعجمة وميم في الآخر.

قال ابن سعيد:

وهي حيث الطول خمس وثلاثون درجة، والعرض ستّ وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة.

وبها عدّة مدن غير هذه القاعدة منها مدينة (مازَر) ومنها قَصْريانَّة بلفظ قصر المعروف ويانة بفتح الياء المثنّاة تحت وألف ونون مشدّدة، وهي مدنية كبيرة على سن جبل.

وفي معجم لاروس سنة ١٩٢٥ سيسيلة (صقلية) جزيرة كبيرة في البحر المتوسط، مساحتها (٢٥٧٤٠) كيلو متراً مربعاً ونفوسا ٣٧٩٣٠٠٠، أرضها خصبة، عاصمتها بليرم، وأهمّ مدنها كاتان ومسينا وليباري (ترانبي)(١) .

____________________

(١) وهي اليوم من أجزاء المملكة الإيطالية امتلكتها سنة ١٨٦٠.

٣١٩

وفي الجغرافية العمومية للأُستاذ الصباغ: أرضها جبلية، تتخللها الأودية والسهول المخصبة، التي يجود فيها البرتقال والزيتون والعنب والحبوب، وفيها بركان (اتنا) الذي تكسو سطحه حدائق البرتقال والحامض, فتكسبه منظراً بديعاً يفوق منظر (فيزوف) جمالاً. وأكبر مدنها بالرمو بليرم. وجاء فيدائرة المعارف للبستاني عنأتْنا ما يلي:

(يسمّيه أهل الجزيرة مونجيبلُّو, وهي مركبة من مونتي بالإيطالية معناها جبل. وجبل بالعربية ؛ لأنّ العرب كانوا يدعونه الجبل أو جبل النار، يرتفع عن شاطئ الجزيرة الشرقي، وهو متوسط بين طرفها الشمالي وطرفها الجنوبي بين ٣٧ درجة و٤٣ دقيقة و٣١ ثانية من العرض الشمالي، و١٥ درجة من الطول الشرقي ومحيط أسفله ١٨ كيلومتراً، ومعدل ارتفاعه نحو ٣٢٥٠ متراً.

وكانت صقلية عمالة من عملات مراكش التي هي إلى جنوبي الأوقيانوس الاتلانتيكي وبوغاز جبل طارق والبحر المتوسط، وإلى غربي تلمسان وشمالي الصحراء وشرقي الأوقيانوس المذكور, وهي عبارة عن ثلاثمئة ألف ميل مربع، وتقسّم إلى أربع عمالات وصقلية الرابعة منها كما عرفت.

هذا ما جاء في كتب التقاويم القديمة والحديثة عنها.

تاريخ فتح المسلمين لصقلية وملكهم لها إلى أن وقعت في نوبة الكلبيين

بعد أن افتتح المسلمون بلاد الشام ومصر غزوا في سنة ٢٥ هـ في خلافة عثمان بن عفان أفريقية، واُفتتحت على يد عبد الله بن أبي سرح، ثمّ أغزى معاوية بن أبي سفيان ابن خديج السكوني افريقية سنة أربع وثلاثين , وكان عاملاً على مصر ونازل جلولاء وقاتل مدد الروم الذي جاءها في قسطنطينية , لقيهم بقصر الأحمر فغلبهم أقلعوا إلى بلادهم , وافتتح جلولاء وغنم وأثخن وقفل.

ثمّ ولى معاوية سنة خمس وأربعين عقبة بن نافع بن عبد الله بن قيس الفهري عليها، واقتطعها عن معاوية بن خديج , فبنى القيروان وقاتل البربر وتوغل في أرضهم، ثمّ تعاقب عليها الولاة إلى أن ولي الخلافة الوليد بن عبد الملك , فكتب إلى عمه عبد الله

٣٢٠