تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 486

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 486
المشاهدات: 73121
تحميل: 9203


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 486 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73121 / تحميل: 9203
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

كان قد نزله.

فلمّا بصر بهم خرج من الدير هارباً ومعه كاتبه، فألقيا نفسيهما في زورق وخلفا المال في الدير، فحمل إلى المعتضد.

وانحدر أصحاب السلطان في طلبه على الظهر وفي الماء فلحقوه، فخرج عن الزورق خاسراً إلى ضيعة له بشرقيّ دجلة، فركب دابّةً لوكيله وسار ليله أجمع إلى أن وافى مضرب إسحاق بن أيّوب في عسكر المعتضد مستجيراً به.

فأحضره إسحاق مضرب المعتضد وأمر بالاحتفاظ به، وبثّ الخيل في طلب أسبابه، فظفر بكاتبه وعدّة من قراباته وغلمانه.

وتتابع رؤساء الأكراد وغيرهم في الدخول في الأمان وذلك في آخر المحرّم من هذه السنة.

(وجاء فيه في حوادث سنة ٢٨٣)

فمن ذلك: ما كان من شخوص المعتضد لثلاث عشرة بقيت من المحرّم، منها بسبب الشاري هارون إلى ناحية الموصل فظفر به.

وورد كتاب المعتضد بظفره به إلى مدينة السلام يوم الثلاثاء لتسع خلون من شهر ربيع الأول.

وكان سبب ظفره أنّه وجّه الحسين بن حمدان بن حمدون في جماعة من الفرسان والرجّالة من أهل بيته وغيرهم من أصحابه إليه.

وذكر أنّ الحسين بن حمدان قال للمعتضد: إن أنا جئت به إلى أمير المؤمنين فلي ثلاث حوائج إلى أمير المؤمنين.

فقال: اذكرها... قال:

أوّلها إطلاق أبي، وحاجتان أسأله إيّاهما بعد مجيئي به إليه.

فقال له المعتضد: لك ذلك، فامض... فقال الحسين: أحتاج إلى ثلاثمئة فارس أنتخبهم.

فوجّه المعتضد معه ثلاثمئة فارس مع موشكير، فقال: أريد أن يأمر أمير المؤمنين أن لا يخالفن فيما آمره به.... فأمر المعتضد موشكير بذلك.

فمضى الحسين حتّى انتهى إلى مخاضة دجلة، فتقدّم إلى وصيف ومن معه بالوقوف على المخاضة وقال له:

٤١

ليس لهارون طريق إن هرب غير هذا... فلا تبرحنّ من هذا الموضع حتّى يمرّ بك هارون فتمنعه العبور، وأجيئك أنا أو يبلغك أنّي قد قتلت.

ومضى حسين في طلب هارون فلقيه وواقعه، وكانت بينهما قتلى. وانهزم الشاري هارون، وأقام وصيف على المخاضة ثلاثة أيام، فقال له أصحابه: قد طال مقامنا بهذا المكان القفر، وقد أضرّ ذلك بنا، ولسنا نأمن من أن يأخذ حسين الشاري فيكون له الفتح دوننا، والصواب أن نمضي في آثارهم فأطاعهم، ومضى، وجاء هارون الشاري منهزماً إلى موضع المخاضة فعبر، وجاء الحسين في أثره فلم ير وصيفاً وأصحابه بالموضع الذي تركهم فيه، ولا عرف لهارون خبراً ولا رأى له أثراً. وجعل يسأل عن خبر هارون حتّى وقف على عبوره، فعبر في أثره وجاء إلى حي من أحياء العرب فسألهم عنه، فكتموه أمره، فأراد أن يوقع بهم وأعلمهم أن المعتضد في أثره، فأعلموه أنّه اجتاز بهم فأخذ بعض دوابهم وترك دوابه عندهم وكانت قد كلّت وأعيت.

واتبع أثره فلحقه بعد أيّام في نحو من مئة. فناشده الشاري وتوعده، فأبى إلاّ محاربته، فحاربه. فذكر أنّ حسين بن حمدان رمى بنفسه عليه، فابتدره أصحاب حسين فأخذوه.

وجاء به إلى المعتضد سلماً بغير عقد ولا عهد، فأمر المعتضد بحلّ قيود حمدان بن حمدون والتوسعة عليه والإحسان إليه إلى أن يقدم فيطلقه ويخلع عليه.

فلمّا أسر الشاري وصار في يد المعتضد، انصرف راجعاً إلى مدينة السلام، فوافاها لثمانٍ بقين من شهر ربيع الأول، فنزل باب الشماسية وعبّأ الجيش هنالك.

وخلع المعتضد على الحسين بن حمدان وطوّقه بطوقٍ من ذهب، وخلع على جماعةٍ من رؤساء أهله، وزيّن الفيل بثياب الديباج، واتُّخذ للشاري على الفيل كالمحفة وأُقعد فيها، وأُلبس دُرّاعة ديباج، وجُعل على رأسه برنس حرير طويل.

(وجاء في حوادث سنة ٢٩١)

شخوص المكتفي من مدينة السلام نحو صاحب الشامة لحربه

٤٢

ومصيره إلى الرقّة وبثّه جيوشه فيما بين حلب وحمص، وتولّيه حرب صاحب الشامة محمّد بن سليمان الكاتب، وتصييره أمر جيشه وقوّاده إليه.

فلمّا دخلت هذه السنة، كتب وزير القاسم بن عبيد الله إلى محمّد بن سليمان، وقوّاد السلطان يأمرهم وإيّاه بمناهضة ذي الشامة وأصحابه.

فساروا إليه حتّى صاروا إلى موضعٍ بينهم وبين حماة، فيما قيل اثنا عشر ميلاً، فلقوا به أصحاب القرمطي، في يوم الثلاثاء لستّ خلون من المحرم، وجرت بينهم حروبٌ انتهت بفرار القرمطي بعدما عمل السيف في أصحابه.

وإنّا لنورد كتاب محمّد بن سليمان إلى الوزير بالفتح لتضمّنه بلاء حسين بن حمدان وعبد الله بن حمدان البلاء المشكور في هذه الموقعة:

(بسم الله الرحمن الرحيم: قد تقدّمت كتبي إلى الوزير أعزّه الله في خبر القرمطي اللعين وأشياعه بما أرجو أن يكون قد وصل إن شاء الله. ولمّا كان في يوم الثلاثاء لستّ ليالٍ خلون من المحرّم رحلت من الموضع المعروف بالقروانة نحو موضع يُعرف بالعليانة في جميع العسكر من الأولياء، وزحفنا به على مراتبهم في القلب والميمنة والميسرة وغير ذلك.

فلم أبعد أن وافاني الخبر بأنّ الكافر القرمطي أنفذ النعمان ابن أخي إسماعيل بن النعمان أحد دعاته في ثلاثة آلاف فارس وخلق من الرجّالة، وأنّه نزل بموضعٍ يُعرف بتمنع، بينه وبين حماة اثنا عشر ميلاً.

فاجتمع إليه جميع مَن كان بمعرّة النعمان وبناحية الفصيصي وسائر النواحي من الفرسان والرجّالة، فأسررت ذلك عن القوّاد والناس جميعاً ولم أظهره، وسألت الدليل الذي كان معي عن هذا الموضع وكم بينا وبينه... فذكر أنّه ستّة أميال.

فتوكّلت على الله (عزّ وجلّ) وتقدّمت إليه في المسير نحوه، فمال الناس جميعاً، وسرنا حتّى وافيت الكفرة، فوجدتهم على تعبئة، ورأينا طلائعهم.

فلمّا نظروا إلينا مقبلين زحفوا نحونا، وسرنا إليهم فافترقوا ستّة كراديس وجعلوا على ميسرتهم - على ما أخبرني مَن ظفرت به من رؤسائهم

٤٣

- مسروراً العُلَيصي وأبا الحمل وغلام هارون العُلَيصي وأبا العذاب ورجاء وصافي وأبا يعلى العلوي في ألف وخمسمائة فارس، وكمنوا كميناً في أربعمئة فارس خلف ميسرتهم بإزاء ميمنتنا.

وجعلوا في القلب النعمان العليصي والمعروف بابن الحطي والحماري، وجماعة من بطلانهم في ألف وأربعمئة فارس وثلاثة آلاف راجل، وفي ميمنتهم كليباً العليصي وحميد العليصي، وجماعة من نظرائهم في ألف وأربعمئة فارس، وكمنوا مئتي فارس، فلم يزالوا زفاً إلينا ونحن نسير نحوهم غير متفرّقين متوكّلين على الله (عزّ وجلّ).

وقد استحثّيت الأولياء والغلمان، وسائر الناس غِيَرَهم ووعدتهم، فلّما رأى بعضنا بعضاً حمل الكردوس الذي كان في ميسرتهم ضرباً بالسياط، فقصد الحسين بن حمدان وهو في جناح الميمنة، فاستقبلهم الحسين بارك الله عليه وأحسن جزاءه بوجهه وبموضعه من سائر أصحابه برماحهم فكسروها في صدورهم، فانفلّوا عنهم.

وعاود القرامطة الحمل عليهم، فأخذوا السيوف واعترضوا ضرباً للوجوه، فصرع من الكفار الفجرة ستمئة فارس في أوّل وقعة، وأخذ أصحاب الحسين خمسمئة فرس وأربعمئة طوق فضّة، وولوا مدبرين مغلولين.

واتبعهم الحسين فرجعوا عليه، فلم يزالوا حملة وحملة وفي خلال ذلك يصرع منهم الجماعة بعد الجماعة حتّى أفناهم الله (عزّ وجلّ)، فلم يفلت منهم إلاّ أقلّ من مئتي رجل.

وحمل الكردوس الذي كان في ميمنتهم على القاسم بن سيما ويُمن الخادم ومن كان معهما من بني شيبان وبني تميم، فاستقبلوهم بالرماح حتّى كسروها فيهم.

واعتنق بعضهم بعضاً، فقتل من الفجرة جماعة كثيرة.

وحمل عليهم في وقت حملتهم خليفة بن المبارك ولؤلؤ، وكنت قد جعلته جناحاً لخليفة في ثلاثمئة فارس، وجميع أصحاب خليفة وهم يعاركون بني شيبان وتميم فقتل من الكفرة مقتلة عظيمة، واتبعوهم فأخذ بنو شيبان منهم ثلاثمائة فرس ومئة طوق، وأخذ أصحاب خليفة مثل ذلك.

٤٤

ورجف النعمان ومَن معه في القلب إلينا، فحملت ومن معي وكنت بين القلب والميمنة، وحمل خاقان ونصر القشوري ومحمّد بن كمشجور ومَن كان معهم في الميمنة ووصيف موشكير ومحمد بن إسحاق بن كنداجيق وابنا كيغلغ والمبارك القمي وربيعة بن محمد ومهاجر بن طليق والمظفر بن حاج وعبد الله بن حمدان وحي الكبير ووصيف البكتمري وبشر البكتمري ومحمد بن قراطُفان، وكان في جناح الميمنة جميع من حمل على مَن في القلب ومن انقطع ممّن كان حمل على الحسين بن حمدان.

فلم يزالوا يقتلون الكفّار فرسانهم ورجّالتهم حتّى قتلوا أكثر من خمسة أميال، ولمّا أن تجاوزت المصاف بنصف ميل خفت أن يكون من الكفّار مكيدة في الاحتيال على الرجّالة والسواد، فوقفت إلى أن لحقوني، وجمعتهم وجمعت الناس إليّ وبين يدي المطرد المبارك مطرد أمير المؤمنين، وقد حملت في الوقت الأوّل وحمل الناس.

ولم يزل عيسى النوشري ضابطاً للسواد من مصاف خلفهم مع فرسانه ورجّالته على ما رسمتُه له، ولم يَزُل من موضعه إلى أن رجع الناس إليّ من كلِّ موضع.

وضربت مضربي في الموضع الذي وقفت فيه حتّى نزل الناس جميعاً، ولم أزل واقفاً إلى أن صلّيت المغرب حتّى استقرّ العسكر بأهله، ووجّهت في الطلائع، ثمّ نزلت وأكثرت حمداً لله على ما هنّأنا به من النصر، ولم يبق أحد من قوّاد أمير المؤمنين وغلمانه ولا العجم وغيرهم غاية في نصر هذه الدولة المباركة في المناصحة لها إلاّ بلغوها بارك الله عليهم جميعاً.

ولمّا استراح الناس خرجت والقوّاد جميعاً لنقيم خارج العسكر إلى أن يصبح الناس خوفاً من حيلة تقع، وأسأل الله تمام النعمة وإيزاع الشكر. وأنا، أعزّ الله سيدنا الوزير، راحلٌ إلى حماة، ثمّ أشخص إلى سلمية بمنّ الله تعالى وعونه، فمَن بقي من هؤلاء الكفّار مع الكافر منهم بسلمية، فإنّه قد صار إليها منذ ثلاثة أيّام واحتاج إلى أن يتقدّم الوزير بالكتاب إلى جميع القوّاد وسائر بطون العرب من بني شيبان وتغلب وبني تميم يجزيهم جميعاً الخير على ما كان في هذه الوقعة. فما بقّى أحد منهم صغير ولا كبير غاية والحمد لله على ما تفضّل به وإيّاه أسأل تمام النعمة (الخ).

٤٥

(وجاء في حوادث سنة ٣٩٣)

وفي صفر ورد الخبر أنّ أخاً للحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة، ظهر بالدالية من طريق الفرات في نفر، وأنّه اجتمع إليه نفرٌ من الأعراب والمتلصّصة، فسار بهم نحو دمشق على طريق البر وعاث بتلك الناحية وحارب أهلها ؛ فندب للخروج إليه الحسين بن حمدان، فخرج في جماعةٍ كثيرةٍ من الجند، وكان مصير هذا القرمطي إلى دمشق في جمادى الأُولى من هذه السنة.

ثمّ ورد الخبر أنّ هذا القرمطي سار إلى طبرية، فامتنعوا من إدخاله فحاربهم حتّى دخلها، فقتل عامّة مَن بها من الرجال والنساء ونهبها وانصرف إلى ناحية البادية.

وملخص ما ذكره في استفحال شر القرامطة واعتدائهم على بعض بلاد الشام وقتلهم النساء والأطفال بلا رحمةٍ ولا شفقة، أنّهم لم ينالوا من دمشق نيلاً ولم يطمعوا فيها ؛ وكانوا قد صاروا إليها فدافعهم أهلها عنها، فقصدوا نحو طبرية مدينة جند الأردن.

ولحق بهم جماعة افتتنت من الجند بدمشق، فواقعهم يوسف بن إبراهيم بن بغامردي عامل أحمد بن كيغلغ على الأردن فكسروه وبذلوا الأمان له، ثمّ غدروا به فقتلوه، ونهبوا مدنية الأردن وسبوا النساء وقتلوا طائفةً من أهلها ؛ فأنفذ السلطان الحسين بن حمدان لطلبهم ووجوهاً من القوّاد.

فورد دمشق وقد دخل أعداء الله طبرية، فلمّا اتصل خبره بهم عطفوا نحو السماوة، وتبعهم الحسين يطلبهم في بريّة السماوة وهم ينتقلون من ماء إلى ماء ويعورونه حتّى لجأوا إلى المائين المعروفين بالدمعانة والحالة.

وانقطع الحسين من اتّباعهم لعدمه الماء، فعاد إلى الرحبة وأسرى القرامطة مع غاويهم المسمّى نصراً إلى قرية هيت، فصبحوها وأهلها غارون لتسع بقين من شعبان مع طلوع الشمس، فنهب ربضها وقتل من قدر عليه من أهلها، وأحرق المنازل وانتهب السفن التي في الفرات في غرضتها.

وقتل من أهل البلد فيما قيل زهاء مئتي نفس، ما بين رجلٍ وامرأةٍ وصبي، وأخذ ما قدر عليه من الأموال والمتاع، وأوقر فيما قيل ثلاثة آلاف راحلة، إلى أن قال:

٤٦

وذُكر عن محمد بن داود أنّه قال: إنّ القرامطة صبحوا هيت وأهلها غارّون، فحماهم الله منهم بسورها.

ثمّ عجّل السلطان محمد بن إسحاق بن كنداجيق نحوهم، فلم يقيموا بها إلاّ ثلاثاً، حتّى قرب محمد بن إسحاق منهم، فهربوا منه نحو المائين. فنهض محمد نحوهم فوجدهم قد عوروا المياه بينه وبينهم فأُنفذت إليه من الحضرة الإبل والروايا والزاد. وكتب إلى الحسين بن حمدان بالنفوذ من جهة الرحبة إليهم ؛ ليجتمع هو ومحمد بن إسحاق على الإيقاع بهم.

فلمّا أحسّ الكلبيّون بإشراف الجند عليهم ائتمروا بعدوِّ الله المسمّى نصراً، فوثبوا عليه وفتكوا به، وتفرّد بقتله رجلٌ منهم يُقال له الذئب بن القائم، وشخص إلى الباب متقرّباً بما كان منه ومستأمناً لبقيّتهم فأسنيت له الجائزة وعرف له ما أتاه وكفّ عن طلب قومه، فمكث أياماً ثمّ هرب.

وظفرت طلائع محمد بن إسحاق برأس المسمّى بنصر فاحتزّوه وأدخلوه مدينة السلام.

واقتتلت القرامطة بعده حتّى وقعت بينهما الدماء ؛ فسار مقام بن الكيال إلى ناحية طيئ مفلتاً بما احتوى عليه من الحطام، وصارت فرقة منهم كرهت أمورهم إلى بني أسد المقيمن بنواحي عين التمر فجاوروهم، وأرسلوا إلى السلطان وفداً يعتذرون ما كان منهم ويسألون إقرارهم في جوار بني أسد، فأُجيبوا إلى ذلك، وحصلت على المائين بقيّة الفسقة المستبصرة في دين القرامطة.

وكتب السلطان إلى حسين بن حمدان في معاودتهم باجتثاث أصولهم ؛ فأنفذ زكرويه إليهم داعيةً له من أكرة أهل السواد يُسمّى القاسم بن أحمد بن علي، ويُعرف بأبي محمد من رستاق نهر تلحانا، فأعلمهم أن فعل الذئب بن القائم قد أنفره عنهم وثقل قلبه عليهم، وأنّهم قد ارتدّوا عن الدين، وأنّ وقت ظهورهم قد حضر، وقد بايع له بالكوفة أربعون ألف رجل وفي سوادها أربعمئة ألف رجل، وأنّ موعدهم الذي ذكره الله في كتابه في شأن موسى كليمه (ع) وعدوّه فرعون إذ يقول موعدكم يوم الزينة، وأنّ محشر الناس ضحى، وأن زكرويه يأمرهم أن يخفوا أمرهم، ويظهروا الانقلاع نحو الشام، ويسيروا نحو الكوفة حتّى يصبحوها في غداة يوم النحر، وهو يوم الخميس لعشر تخلو من ذي الحجّة سنة ٢٩٣ هـ، فإنّهم لا يمنعون منها وأنّه يظهر لهم، وينجز لهم وعده الذي كانت رُسُله

٤٧

تأتيهم به، وأن يحملوا القاسم بن أحمد معهم، فامتثلوا أمره ووافوا باب الكوفة، وقد انصرف الناس عن مصلاّهم مع إسحاق بن عمران عامل السلطان بها.

وكان الذين وافوا باب الكوفة في هذا اليوم - فيما ذكر - ثمانمئة فارس أو نحوها، إلى آخر ما أطال به الطبري من أمرهم الذي انتهى بالإدانة من القرامطة في هذه الواقعة.

(وجاء في تاريخ الطبري في حوادث سنة ٢٩٥)

وفيها: وجّه الحسين بن حمدان من طريق الشام رجلاً يُعرف بالكيال مع ستّين رجلاً من أصحابه إلى السلطان، كانوا استأمنوا إليه من أصحاب زكرويه.

وفيها: كانت وقعة بين الحسين بن حمدان وأعراب كلب والنمر وأسد وغيرهم، اجتمعوا عليه في شهر رمضان منها فهزموه، حتّى بلغوا به باب حلب.

(وجاء فيه في حوادث سنة ٢٩٦ هـ)

بما يتعلّق بالاجتماع على خلع المقتدر واستخلاف عبد الله بن المعتز، قال:

وكان الرأس في ذلك محمد بن داود بن الجراح، وأبو المثنّى أحمد بن يعقوب القاضي، وواطأ محمد بن داود بن الجراح جماعةً من القوّاد على الفتك بالمقتدر والبيعة لعبد الله بن المعتز.

وكان العبّاس بن الحسن على مثل رأيهم، فلمّا رأى العبّاس أمره مستوثقاً له مع المقتدر، بدا له فيما كان عزم عليه من ذلك، فحينئذٍ وثب به الآخرون فقتلوه.

وكان الذي تولّى قتله بدر الأعجمي، والحسين بن حمدان، ووصيف بن صوارتكين، وذلك يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأوّل.

وفي هذا اليوم، كانت بين الحسين بن حمدان وبين غلمان الدار حرب شديدة من غدوّه إلى انتصاف النهار.

٤٨

وفيها: وجّه السلطان القاسم بن سيما مع جماعةٍ من القوّاد والجند في طلب حسين بن حمدان بن حمدون، فشخص لذلك حتّى صار إلى قرقيسيا والرحبة والدالية، وكتب إلى أخي الحسين عبد الله بن حمدان بن حمدون بطلب أخيه.

فالتقى هو وأخوه بموضعٍ يُعرف بالأعمى، بين تكريت والسودقانية بالجانب الغربي من دجلة، فانهزم عبد الله، وبعث الحسين يطلب الأمان فأُعطي ذلك.

ولسبع بقين من جمادى الآخرة منها وافى الحسين بن حمدان بغداد فنزل باب حرب، ثمّ سار إلى دار السلطان من غد ذلك اليوم، فخلع عليه وعقد له على قم وقاشان.

(وجاء فيه في حوادث سنة ٣٠١)

وفيها: غزا الصائفة الحسين بن حمدان بن حمدون، فورد كتاب من طرسوس يذكر فيه أنّه فتح حصوناً كثيرةً، وقتل من الروم خلقاً كثيراً.

(ما جاء عن بني حمدان قديماً وحديثاً في تاريخ أبي الفداء)

في الجزء الثاني في حوادث سنة ٢٨١ فيها: سار المعتضد إلى ماردين فهرب صاحبها حمدان، وخلّى ابنه بها فقاتله المعتضد فسلّمها إليه.

(وفي هذا الجزء في حوادث سنة ٣٢٣)

كان ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان هو أمير الموصل وديار ربيعة، وكان أوّل مَن تولّى الموصل منهم أبو ناصر الدولة المذكور، وهو عبد الله وكنيته أبو الهيجاء، ولاّه عليها المكتفي، وقيل أبو الهيجاء المذكور ببغداد في المدافعة عن القاهر لمّا قبض عليه، وكان ابنه ناصر الدولة المذكور نائباً عنه بالموصل، واستمرّ بها إلى هذه السنة، فضمن عمّه أبو العلاء بن حمدان ما بيد ابن أخيه من ديوان الخليفة بمالٍ يحمله.

وسار أبو العلاء إلى الموصل فقتله ابن أخيه ناصر الدولة، فلمّا بلغ الخليفة ذلك ؛ أرسل عسكراً إلى ناصر الدولة مع ابن مقلة الوزير، فلمّا وصل إلى الموصل هرب ناصر الدولة ولم يدركه ؛ فأقام ابن مقلة بالموصل

٤٩

مدّةً ثمّ عاد إلى بغداد، فعاد ناصر الدول إلى الموصل، وكتب إلى الخليفة يسأل الصفح، وضمن الموصل بمالٍ يحمله، فأُجيب إلى ذلك.

(وفي هذا الجزء في حوادث ٣٣٠)

في هذه السنة: عاد البريدي فاستولى على بغداد، وهرب ابن رائق والخليفة المقتفي إلى جهة الموصل، فخرج عنها ناصر الدولة إلى الجانب الآخر، فأرسل المقتفي (المتّقي) إليه ابنه أبا منصور وابن رائق، فأكرمهما ناصر الدولة ونثر على ابن الخليفة دنانير، ولمّا قاما لينصرفا أمر ناصر الدولة أصحابه بقتل ابن رائق فقتلوه.

ثمّ سار ابن حمدان إلى المتّقي فخلع المتّقي عليه، وجعله أمير الأمراء، وذلك في مستهلّ شعبان من هذه السنة، وخلع على أخيه أبي الحسن علي ولقّبه سيف الدولة.

ولمّا بلغ الإخشيد صاحب مصر قتل ابن رائق، صار إلى دمشق فاستولى عليها، ثمّ سار المتّقي وناصر الدولة إلى بغداد فهرب عنها ابن البريدي، ونهب الناس بعضهم بعضاً ببغداد ثلاثة أشهر وعشرين يوماً.

ودخل المتّقي إلى بغداد ومعه بنو حمدان في جيوشٍ كثيرةٍ في شوّال من هذه السنة.

ولمّا استقرّ ناصر الدولة ببغداد أمر بإصلاح الدنانير، وكان الدينار بعشرة دراهم فبيع الدينار بثلاثة عشر درهماً.

إنّك لترى من هذه الحالة وما سبقها وما يلحقها: كيف كان التنازع بين أمراء الدولة العبّاسيّة وولاتها، ومَن كان له من الأثر في إضعافها، وتسلُّط الغرباء الأبعدين والأقربين عليها من تُرك وديلم وفُرس وعرب، فكانت هذه الدولة كريشةٍ في مهابّ الأعاصير، ولم يبق للخلفاء سوى الاسم والرّسم، والأمر والنهي بيد غيرهم.

يقول أبو الفداء:

٥٠

(في حوادث سنة ٣٢٤)

ومن حين دخل ابن رائق بطلت الوزارة من بغداد، وبقي ابن رائق هو الناظر في الأُمور جميعها، وتغلّب عمّال الأطراف عليها، ولم يبق للخليفة غير بغداد وأعمالها، والحكم فيها لابن رائق وليس للخليفة فيها حكم.

وأمّا باقي الأطراف: فكانت (البصرة) في يد ابن رائق المذكور، و (خوزستان) في يد البريدي، و(فارس) في يد عماد الدولة بن بويه، و (كرمان) في يد أبي علي محمد بن الياس، و (الري وأصفهان والجبل) في يد ركن الدولة بن بويه وشمكير بن زياد أخي مرداويج يتنازعان عليها، و (الموصل وديار بكر ومضر وربيعة) في يد بني حمدان، و (مصر والشام) في يد الإخشيد محمد ابن طغج، و (المغرب) و (أفريقية) في يد القائم العلوي ابن المهدي، و (الأندلس) في يد عبد الرحمان بن محمد الأموي الملقّب بالناصر، و (خراسان) و (ما وراء النهر) في يد نصر بن أحمد بن سامان الساماني، و (طبرستان) و (جرجان) في يد الديلم، و (البحرين) و (اليمامة) في يد أبي طاهر القرمطي.

(وفيه في حوادث سنة ٣٢٧)

فيها سار بجكم والراضي إلى الموصل، فهرب ناصر الدولة بن حمدان عنها، ثمّ حمل مالاً واستقرّ الصلح معه.

(وفيه في حوادث سنة ٣٣١)

في هذه السنة: سار ناصر الدولة عن بغداد إلى الموصل، وثارت الديلم ونهبت داره، وكان أخوه سيف الدولة بواسط، فثار عليه الأتراك الذين معه وكبسوه ليلاً في شعبان، فهرب سيف الدولة أبو الحسن علي إلى جهة أخيه ناصر الدولة أبي محمد الحسن بن عبد الله بن حمدان، ولحق به.

ثمّ قَدِم سيف الدولة إلى بغداد، وطلب من المتّقي مالاً ليفرّقه في العسكر، ويمنع تورون والأتراك من دخول بغداد، فأرسل إليه المتّقي أربعمئة ألف دينار، ففرّقها في أصحابه.

ولمّا وصل توزون إلى بغداد هرب سيف الدولة عنها، ودخل توزون

٥١

بغداد في الخامس والعشرين من رمضان في هذه السنة، فخلع المتّقي عليه، وجعله أمير الأمراء.

(وفي حوادث سنة ٣٣٢)

فيها: سار المتّقي عن بغداد خوفاً من تورون وابن شيرزاد إلى جهة ناصر الدولة بالموصل، وانحدر سيف الدولة إلى ملتقى المتّقي بتكريت، ثمّ انحدر ناصر الدولة إلى تكريت، وأصعد الخليفة إلى الموصل.

ثمّ سار الخليفة وبنو حمدان إلى الرقّة، فأقاموا بها. وظهر للمتّقي تضجّر بني حمدان منه، وإيثارهم مفارقته، فكتب إلى توزون يطلب الصلح منه ليقدم إلى بغداد.

وفيه في حوادث هذه السنة وفي الصفحة نفسها:

وفيها: استعمل ناصر الدولة بن حمدان بن علي بن مقاتل على قنّسرين والعواصم وحمص، ثمّ استعمل بعده في السنة المذكورة ابن عمّه الحسين بن سعيد بن حمدان على ذلك.

(وفي في حوادث سنة ٣٣٣)

وفي هذه السنة: لمّا سار المتّقي عن الرقّة إلى بغداد، وسار عنها الإخشيد إلى مصر، (وكان قد حضر إليه إلى الرقّة حين خرج من بغداد مغاضباً لتورون، ليحمله معه إلى الذهاب إلى مصر، وحيث أبى ذلك أصلح الحال بينه وبين تورون)، سار سيف الدولة أبو الحسن علي بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان إلى حلب، وبها يانس المؤنسي، فأخذها منه سيف الدولة واستولى عليها.

ثمّ سار من حلب إلى حمص فاستولى عليها، ثمّ سار إلى دمشق فحصرها ثمّ رحل عنها.

وكان الإخشيد قد خرج من مصر إلى الشام بسبب قصد سيف الدولة دمشق، وسار إليه، فالتقيا بقنّسرين ولم يظفر أحد العسكرين بالآخر.

ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة، فلمّا رجع الإخشيد إلى دمشق عاد سيف الدولة إلى حلب فملكها، فلمّا ملكها سارت الروم حتّى قاربت

٥٢

حلب، فخرج إليهم سيف الدول فهزمهم وظفر بهم.

(وفي حوادث سنة ٣٣٤)

في هذه السنة: سار ناصر الدولة إلى بغداد، وأرسل معز الدولة عسكراً لقتاله فلم يقدروا على دفعه، وسار ناصر الدولة من سامراء عاشر رمضان إلى بغداد، وأخذ معزّ الدولة المطيع معه، وسار إلى تكريت فنهبها ؛ لأنّها كانت لناصر الدولة.

وعاد معزّ الدولة بالخليفة إلى بغداد ونزل بالجانب الغربي، ونزل ناصر الدولة بالجانب الشرقي، ولم يخطب تلك الأيّام للمطيع ببغداد.

وجرى بينهم ببغداد قتال كثير آخره أن ناصر الدولة وعسكره انهزموا، واستولى معزّ الدولة على الجانب الشرقي، وأُعيد الخليفة إلى مكانه في المحرّم سنة خمس وثلاثين وثلاثمئة.

واستقرّ معزّ الدولة ببغداد وناصر الدولة بعكبرا، ثمّ سار ناصر الدولة إلى الموصل، واستقرّ الصلح بين معزّ الدولة وناصر الدولة في المحرّم من سنة خمس وثلاثين وثلاثمئة.

(وفي حوادث السنة ٣٣٤)

بعد وفاة الإخشيد وولاية ابنه أبي القاسم ابنه أبي القاسم أنوجور (معناه محمود) وكان صغيراً.

واستولى على الأمر كافور الخادم الأسود، وبمسير كافور إلى مصر سار سيف الدولة إلى دمشق، وملكها وأقام بها.

واتّفق أنّ سيف الدولة ركب يوماً والشريف العقيقي معه، فقال سيف الدولة: (ما تصلح هذه الغوطة إلاّ لرجل واحد) فقال له العقيقي: (هي لأقوام كثير).

فقال سيف الدولة: (لو أخذتها القوانين السلطانيّة لتبرّأوا منها.

فأعلم العقيقي أهل دمشق بذلك، فكاتبوا كافوراً يستدعونه فجاءهم، فأخرجوا سيف الدول عنهم.

ثمّ استقرّ سيف الدولة بحلب، ورجع كافور إلى مصر، وولّى على دمشق بدراً الإخشيدي.

٥٣

وذكر غزاته الروم في (سنة ٣٣٨، الصفحة ٩٨) وإيغاله فيها وغنمه وقتله. فلمّا عاد أخذت الروم عليه المضايق ؛ فهلك غالب عسكره وما معه، ونجا سيف الدولة بنفسه في عددٍ يسير.

(وفي حوادث سنة ٣٤٣)

في هذه السنة في ربيع الأوّل: غزا سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم فغنم وقتل، ووقع بينه وبين الروم وقعة عظيمة قٌتل فيها من الفريقين عالمٌ كثير، وانتصر فيها سيف الدولة.

(وفي حوادث سنة ٣٤٥)

وفيها: سار سيف الدولة بن حمدان إلى بلاد الروم فغنم وسبى وفتح عدّة حصون، ورجع إلى آذنة فأقام بها، ثمّ ارتحل إلى حلب.

وفي سنة ٣٤٩ غزا سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم في جمعٍ كثيرٍ ففتح وأحرق وقتل وغنم، وبلغ إلى خرشنة.

وفي عوده أخذت الروم عليه المضايق واستردّوا ما أخذه وأخذوا أثقاله وأكثروا القتل في أصحابه.

وتخلّص سيف الدولة في ثلاثمئة نفس، وكان قد أشار عليه أرباب المعرفة بأن لا يعود على الطريق، فلم يقبل.

وكان سيف الدولة معجباً بنفسه، يحب أن يستبدّ ولا يشاور أحداً ؛ لئلاّ يُقال إنّه أصاب برأي غيره.

(وفي حوادث سنة ٣٥١)

استولى الروم على مدينة حلب دون قلعتها، وكان قد سار إليها الدمستق، ولم يعلم به سيف الدولة إلاّ عند وصوله.

وجرت حربٌ انتهت بفوز الدمستق واستيلائه على أموال سيف الدولة وعلى أربعمئة بغل، ومن السلاح ما لا يُحصى. وجرت منهم أُمور عظيمة في حلب من قتلٍ ونهب، وحسبك أنّهم سبوا بضعة عشر ألف صبي وصبية، وغنموا ما لا يوصف كثرة.

وبعد امتلاء أيديهم من الغنائم والسبي وإعواز

٥٤

الظهر لحمل البقيّة الباقية أحرقوها.

وأقام الدمستق تسعة أيام، ثمّ ارتحل عائداً إلى بلاده، ولم ينهب قرايا حلب، وأمرهم بالزراعة ليعود من قابل إلى حلب في زعمه.

وفي هذه السنة (الصفحة ١٠٤ من تاريخ أبي الفداء) في شوّال: أسرت الروم أبا فراس الحارث بن سعيد بن حمدان من منبج، وكان متقلّداً بها.

(وفي حوادث سنة ٣٥٣)

سار معزّ الدولة واستولى على الموصل ونصيبين، بعد أن انهزم ناصر الدولة من بين يديه.

ثمّ وقع بينهما الاتفاق وضمن ناصر الدولة الموصل بمالٍ ارتضاه معزّ الدولة.

ورحل معزّ الدولة ورجع إلى بغداد.

(وفي سنة ٣٥٤)

أطاع أهل انطاكية بعض المقدّمين الذين حضروا من طرسوس، وخالفوا سيف الدولة.

وكان اسم المقدّم الذي أطاعوه رشيقاً، فسار إلى جهة حلب وقاتل عامل سيف الدولة قرعويه، وكان سيف الدولة بميافارقين، فأرسل سيف الدولة عسكراً مع خادمه بشارة، فاجتمع قرعويه العامل بحلب مع بشارة وقاتلا رشيقاً فقتل رشيق وهرب أصحابه ودخلوا انطاكية.

(وفي سنة ٣٥٥)

اسْتَفَكَّ سيف الدولة بن حمدان ابن عمّه أبا فراس بن حمدان من الأسر، وكان بينه وبين الروم الفداء فخلّص عدّةً من المسلمين من الأسر.

(وفي سنة ٣٥٦)

قبض ابن ناصر الدولة أبو تغلب على أبي ناصر الدولة وحبسه، وكان سبب قبضه أن ناصر الدولة كان قد كبر وساءت أخلاقه وضيّق على أولاده وأصحابه وخالفهم في أغراضهم، فضجروا منه، حتّى وثب عليه ابنه أبو تغلب فقبضه في هذه السنة في أواخر جمادى الأولى، ووكل به من يخدمه.

٥٥

ولمّا فعل أبو تغلب ذلك خالفه بعض أخوته، فاحتاج أبو تغلب إلى مداراة بختيار ليعضده، فضمن أبو تغلب البلاد لبختيار بألف ألف ومئتي ألف درهم.

وفاة سيف الدولة

(وفي سنة ٣٥٦)

مات سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان بن حَمْدون التَّغلبيّ الربعيّ. وكان موته بحلب في صفر، وحُمل تابوته إلى ميافارقين فدُفن بها.

وكان مولده في ذي الحجّة سنة ثلاث وثلاثمئة، وكان مرضه عسر البول.

وهو أوّل مَن ملك حلب من بني حمدان، أخذها من أحمد بن سعيد الكلابي نائب الإخشيد.

وقيل إنّ أوّل مَن ولي حلب من بني حمدان الحسين بن سعيد وهو أخو أبي فراس الحمداني.

وكان سيف الدولة شجاعاً كريماً وله شعر.

ولمّا توفّي سيف الدولة، ملك بلاده بعده ابنه سعد الدولة شريف، وكنيه أبو المعالي بن سيف الدولة ابن حمدان.

(وفي سنة ٣٥٧)

وفي هذه السنة في ربيع الآخر: قُتل أبو فراس، وكان مقيماً بحمص، فجرى بينه وبين أبي المعالي ابن سيف الدولة وحشة. وطلبه أبو المعالي فانحاز أبو فراس إلى صدد، فأرسل أبو المعالي عسكراً مع قرعويه أحد قوّاد عسكره، فكبسوا أبا فراس في صدد وقتلوه.

وكان أبو فراس خال أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون، وهو ابن عم ناصر الدولة وسيف الدولة، أُسر بِمَنْبِج وحُمل إلى القسطنطينة وأقام في الأسر أربع سنين.

وله في الأسر أشعارٌ كثيرة، وكانت منبج إقطاعه.

٥٦

وقال ابن خالَوَيْه:

لمّا مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلّب على حمص، فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف الدولة وغلام أبيه قرعويه، فأرسله إليه وقاتله فقُتل في صدد.

وقيل بقي مجروحاً أيّاماً ومات، وكان مولده سنة عشرين وثلاثمئة، وفي مقتله في صدد يقول بعضهم:

وعـلّمني الـصدّ مِن بعده عن النوم مصرعه في صدد

فَسقْياً لها إذ حوت شخصه وبـعداً لها حيث فيها ابتعد

(وفي سنة ٣٥٨)

استولى قرعَوَيْه غلام سيف الدولة على حلب، وأخرج ابن أستاذه أبا المعالي شريف بن سيف الدولة بن حمدان منها ؛ فسار أبو المعالي إلى عند والدته بميافارقين وأقام عندها، ثمّ جرى بينهما وحشة ثمّ اتفقا بعدها.

ثمّ سار أبو المعالي فعبر الفرات وقصد حماة وأقام بها.

(وفي سنة ٣٥٩)

سار أبو تغلب إلى حرّان وحاصرها مدّةً وفتحها بالأمان، فاستعمل على حرّان البرقعيدي وهو من أكابر أصحاب بني حمدان، ثمّ عاد أبو تغلب إلى الموصل.

وفي هذه السنة: اصطلح قرعَوَيْه مع ابن أستاذه أبي المعالي وخطب له بحلب، وكان أبو المعالي حينئذٍ بحمص، وخطب أيضاً بحمص وحلب للمعزّ لدين الله الفاطمي صاحب مصر.

(وفي سنة ٣٦١)

ملك أبو تغلب بن ناصر الدولة بن حمدان قلعة ماردين، سلّمها إليه نائب أخيه حمدان، فأخذ أبو تغلب كلَّ ما لأخيه فيها من مالٍ وسلاح.

(وفي سنة ٣٦٢)

وصل الدمستق إلى جهة ميافارقين فنهب واستهان بالمسلمين، فجهّز

٥٧

أبو تغلب بن ناصر الدولة أخاه هبة الله بن ناصر الدولة في جيش، فالتقوا مع الدمستق فانهزم الروم وأُخذ الدمستقُ أسيراً، وبقي في الحبس عند أبي تغلب ومرض فعالجه أبو تغلب فلم ينجع فيه، ومات الدمستق في الحبس.

(وفي سنة ٣٦٦)

عاد أبو المعالي شريف بن سيف الدولة إلى ملك حلب، وسببه أنّه لمّا جرى بين قرعويه وبين أبي المعالي ما قدّمنا ذكره من استيلاء قرعويه على حلب، ومقام أبي المعالي بحماة، وصل إلى أبي المعالي وهو بحماة مارقطاش مولى أبيه من حصن برزية وخدمه وعمّر له مدينة حمص، بعد ما كان قد أخربها الروم.

وكان لقرعويه مولى يقال له بكجور، وقد جعله قرعويه نائبه.

فقوي بكجور واستفحل أمره وقبض على مولاه قرعويه وحبسه في قلعة حلب.

واستولى بكجور على حلب.

وكاتب أهلها أبا المعالي، فسار أبو المعالي إلى حلب، وأنزل بكجور بالأمان وحلف له أن يولّيه حمص، فنزل بكجور، وولاّه أبو المعالي حمص ؛ واستقرّ أبو المعالي مالكاً لحلب.

(وفي سنة ٣٦٧)

لماّ استولى عضد الدولة على العراق وأخرج منها بَخْتِيار سار معه حمدان بن ناصر الدولة، فأطمعه حمدان في مُلك الموصل وحسّن له ذلك وهوّن عليه أمر أخيه أبي تغلب ؛ فسار بختيار إلى جهة الموصل، فأرسل أبو تغلب يقول لبَخْتيار:

إن سلَّمت إليّ أخي حمدان صرت معك وقاتلت عضد الدولة وأخرجته من العراق.

فقبض بختيار على حمدان وسلّمه إلى أخيه أبي تغلب، وارتكب فيه من الغدر أمراً شنيعاً، فحبسه أخوه أبو تغلب.

واجتمع أبو تغلب بعساكره مع بختيار وقصدا عضد الدولة، فخرج عضد الدولة من بغداد نحوهما، والتقوا بقصر الجص من نواحي تكريت، ثامن عشر شوّال من هذه السنة. فهزمهما عضد الدولة وأمسك بختيار أسيراً فقتله.

٥٨

ثمّ سار عضد الدولة نحو الموصل فملكها، وهرب أبو تغلب إلى نحو ميافارقين، فأرسل عضد الدولة جيشاً في طلبه ومقدّمهم أبو الوفاء. فلمّا وصلوا إلى ميافارقين هرب أبو تغلب إلى بدليس، وتبعه عسكر عضد الدولة، فهرب إلى نحو بلاد الشام، فلحقه العسكر وجرى بينهم قتال، فانتصر أبو تغلب وهزم عسكر عضد الدولة.

ثمّ سار أبو تغلب إلى حصن زياد، ويُعرف ألآن بخرت برت، ثمّ سار إلى آمد وأقام بها.

(وفي سنة ٣٦٨)

لمّا فتح أبو الوفاء مقدّم عسكر عضد الدولة ميافارقين بالأمان، وسمع أبو تغلب بفتحها، سار عن آمد نحو الرحبة.

ولمّا سار عضد الدولة مع أبي الوفاء وفتحا آمد واستولى عضد الدولة على جميع ديار بكر، ثمّ على ديار مضر والرحبة وجميع مملكة أبي تغلب، واستخلف أبا الوفاء على الموصل وسار إلى بغداد.

سار أبو تغلب إلى دمشق، وكان قد تغلّب عليها قسام وهو شخص كان يثق إليه أفتكين.

فلمّا وصل أبو تغلب إلى دمشق قاتله قسام ومنعه من دخولها، فسار إلى طبرية.

(وفي سنة ٣٦٩)

كان أبو تغلب قد سار عن دمشق إلى طبريّة، ثمّ إلى الرملة في المحرّم من هذه السنة، وكان بتلك الجهة (دغفل بن مفرج الطائي) وقائد من قوّاد العزيز اسمه الفضل، ومعه عسكر قد جهّزه العزيز إلى الشام، فساروا لقتال أبي تغلب، ولم يبق مع أبي تغلب غير سبعمئة رجل من غلمانه وغلمان أبيه، فولّى أبو تغلب منهزماً فتبعوه، فأخذوه أسيراً، فقتله دغفل وبعث برأسه إلى العزيز بمصر، وكان معه أخته جميلة بنت ناصر الدولة وزوجته بنت عمّه سيف الدولة، فحملها بنو عقيل إلى حلب وبها ابن سيف الدولة، فترك أخته عنده وأرسل جميلة بنت ناصر الدولة إلى بغداد، فاعتُقلت في حجرةٍ في دار عضد الدولة.

٥٩

(وفي سنة ٣٧٣)

سار أبو المعالي سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان فأخذ حلب من بكجور، وولاّه حمص إلى هذه السنة.

(وفي سنة ٣٧٩)

كان ابنا ناصر الدولة وهما أبو طاهر إبراهيم وأبو عبد الله الحسين في خدمة شرف الدولة بن عضد الدولة ببغداد. فلمّا توفّي شرف الدولة وملك أخوه بهاء الدولة، استأذناه في المسير إلى الموصل، فأذن لهما بذلك.

فسارا إلى الموصل، فقاتلهما العامل بها واجتمع إليهما المواصلة، فاستوليا على الموصل وطردا عاملها والعسكر الذي قاتلهما إلى بغداد واستقرّا في الموصل.

(وفي سنة ٣٨٠)

طمع باد صاحب ديار بكر في ابني ناصر الدولة وهما: أبو طاهر إبراهيم وأبو عبد الله الحسين المستوليان على الموصل، فقصدهما وجرى بينهم قتال شديد، قُتل فيه باد وحُمل رأسه إليهما.

وكان باد المذكور، خال أبي علي بن مروان، فلمّا قُتل باد سار أبو علي ابن أخته إلى حصن كيفا، وكان بالحصن امرأة خاله باد المذكور وأهله، فقال لامرأة باد: قد أنفذني خالي إليك في مهمّة، فلمّا صعد إليها أعلمها بهلاك خاله وأطمعها في التزويج بها، فوافقته على ملك الحصن وغيره.

ونزل أبو علي بن مروان وملك بلاد خاله حصناً حصناً، حتّى ملك ما كان لخاله، وجرى بينه وبين أبي طاهر وأبي عبد الله العزيز ناصر الدولة حروب.

(وفي سنة ٣٨٠)

سار بكجور إلى قتال سعد الدولة بن سيف الدولة بحلب، واقتتلا قتالاً شديداً، وهرب بكجور وأصحابه وكثر القتل فيهم، ثمّ أُمسك بكجور

٦٠