تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني12%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 486

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 486 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77758 / تحميل: 10078
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وأُحضر أسيراً إلى سعد الدولة فقتله ولقي عاقبة بغيه وكفره إحسان مولاه. ولمّا قتله سار سعد الدولة إلى الرقّة وبها أولاد بكجور وأمواله، وحصرها فطلبوا الأمان وحلّفوا سعد الدولة على أن لا يتعرّض إليهم ولا إلى مالهم، فبذل سعد الدولة اليمين لهم، فلمّا سلّموا الرقّة إليه وخرجوا منها غدر بهم سعد الدولة وقبض على أولاد بكجور وأخذ ما معهم من الأموال وكانت شيئاً كثيراً.

فلمّا عاد سعد الدولة إلى حلب لحقه فالج في جانبه اليمين، فأحضر الطبيب ومدّ إليه يده اليسرى، فقال الطبيب: يا مولانا هات اليمين... فقال سعد الدولة: ما تركت لي اليمين يميناً.

وعاش بعد ذلك ثلاثة أيّام ومات في هذه السنة، واسم سعد الدولة المذكور شريف وكنيته أبو المعالي بن سيف الدولة بن علي بن حمدان بن حمدون التغلبي.

وقبل موته عهد إلى ولده أبي الفضائل بن سعد الدولة وجعل مولاه لؤلؤ يدبّر أمره.

(وفي سنة ٤٠٢)

ذكرنا ملك أبي المعالي شريف الملقّب بسعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان لحلب إلى أن توفّي بالفالج وهو مالكها على ما أوردناه في سنة إحدى وثمانين وثلاثمئة.

ولمّا توفّي أبو المعالي سعد الدولة المذكور أُقيم أبو الفضائل ولد سعد الدولة مكان أبيه، وقام بتدبيره لؤلؤ أحد موالي سعد الدولة.

ثمّ استولى أبو نصر بن لؤلؤ المذكور على أبي الفضائل بن سعد الدولة وأخذ منه حلب واستولى عليها وخطب للحاكم العلوي بها، ولقّب الحاكم أبا نصر بن لؤلؤ المذكور مرتضى الدولة.

واستقرّ في ملك حلب، وجرى بينه وبين صالح بن مرداس الكلابي وبني كلاب وحشة وقصص يطول شرحها.

وكانت الحرب بينهم سجالاً، وانتهت الحال بإخراج ابن لؤلؤ من حلب.

ثمّ تنقّلت حلب بأيد نوّاب الحاكم، حتّى صارت بيد إنسان من الحمدانية يُعرف بعزيز الملك. وبقي المذكور نائب الحاكم بحلب حتّى قُتل

٦١

الحاكم سنة ٤١١(١) .

وممّا جاء في تاريخ أبي الفداء من ذكر آخر أمرهم:

(في حوادث سنة ٤٦٤)

استولت والدة المستنصر العلوي خليفة مصر على الأمر فضعف أمر الدولة وصارت العبيد حزباً والأتراك حزباً، وجرت بينهم حروب، وكان ناصر الدولة وهو من أحفاد ابن حمدان من أكبر قوّاد مصر والمشار إليه.

فاجتمعت إليه الأتراك، وجرى بينهم وبين العبيد عدّة وقعات. وحصر ناصر الدولة مصر وقطع الميرة عنها برّاً وبحراً، فغلت الأسعار بها وعُدم ما كان بخزائن المستنصر حتى أخرج العروض وعدم المتحصل بسبب انقطاع السبل.

ثمّ استولى ناصر الدولة على مصر وانهزمت العبيد وتفرّقت في البلاد، واستبدّ ناصر الدولة بالحكم، وقبض على والدة المستنصر وصادرها بخمسين ألف دينار.

وتفرّق عن المستنصر أولاده وأهله، وانقضت سنة أربع وستّين وما قبلها بالفتن. وبالغ ناصر الدولة في إهانة المستنصر، حتّى بقي يقعد على حصيرة لا يقدر على غير ذلك، وكان غرضه في ذلك أن يخطب للخليفة القائم العبّاسي، ففطن بفعله قائد كبير من الأتراك اسمه (الذكر)، فاتّفق مع جماعةٍ على قتل ناصر الدولة وقصدوه في داره، فخرج ناصر الدولة إليهم مطمئنّاً بقوّته فضربوه بسيوفهم حتّى قتلوه، وأخذوا رأسه.

ثمّ قتلوا فخر العرب أخا ناصر الدولة، وتتّبعوا جميع من بمصر من بني حمدان فقتلوهم

____________________

(١) وفي كتاب (الحاكم بأمر الله) لمحمد بن عبد الله عنّان المصري: وكان أمير حلب في أوائل عهد الحاكم أبو الفضائل بن حمدان الملقّب سعد الدولة، فاستمرّ في حكمها بمعاونة وزيره القويّ أبي نصر لؤلؤ ؛ ولمّا توفّي سعد الدولة وثب لؤلؤ بولديه أبي الحسن وأبي المعالي، فانتزع الولاية منهما لنفسه وحكم باسمهما مدى حين، ثمّ أخرجهما من حلب، فسار إلى مصر والتجأ إلى الحاكم، فاستقلّ لؤلؤ بالحكم، ولكنّه رأى أن يتّقي خصومه الفاطميين، فأعلن طاعة الحاكم، ودعا له حيناً، بيد أنّه عاد فنقض الدعوة، وعاد إلى موقف الخصومة والمقاومة (صفحة ١٠٤).

٦٢

عن آخرهم، وكان قتلهم في سنة خمس وستّين وأربعمئة. وبقي الأمر بمصر مضطرباً.

المستدرك من أخبار أوائل بني حمدان

جاء في تاريخ ابن خلدون في أخبار مُساور الخارجي:

لمّا ولي الموصل أيّوب بن أحمد بن عمر بن الخطّاب التغلبي سنة ٢٥٤ استخلف عليها ابنه الحسن، فجمع عسكراً كان فيهم ابن حمدون بن الحرث بن لقمان جدّ الأمراء من بني حمدان، ومحمد بن عبد الله بن السيّد بن أنس، وسار إلى مُساور وعبر إليه نهر الزاب فتأخّر عن موضعه.

وسار الحسن في طلبه فالتقوا واقتتلوا، وانهزم عسكر الموصل وقتل محمد بن السيد الأزدي، ونجا الحسن بن أيّوب إلى أعمال إربل.

٦٣

ما جاء في كامل ابن الأثير من أخبارهم

(في الجزء السابع من كامل ابن الأثير)

كان مُساور بن عبد الحميد قد استولى على أكثر أعمال الموصل وقوي أمره، فجمع له الحسن بن أيّوب بن أحمد بن عمر بن الخطّاب العدويّ التغلبيّ، وكان خليفة أبيه بالموصل، عسكراً كثيراً منهم حمدان بن حمدون جدّ الأمراء الحمدانية وغيره. وسار إلى مُساور وعبر إليه نهر الزاب، فتأخّر عنه مساور عن موضعه، ونزل بموضعٍ يُقال له وادي الذياب(١) ، وهو وادٍ عميق، فسار الحسن في طلبه، فالتقوا في جمادى الأولى واقتتلوا، واشتدّ القتال، فانهزم عسكر الموصل، وكثر القتل فيهم، وسقط كثير منهم في الوادي فهلك فيه أكثر من القتلى.

ونجا الحسن فوصل إلى قزّة من أعمال إربل اليوم، ونجا محمد بن علي بن السيّد، فظنّ الخوارج أنّه الحسن فتبعوه، وكان فارساً شجاعاً، فقاتلهم، فقُتل. واشتد أمر مُساور وعظم شأنه وخافه الناس(٢) .

ثمّ ذكر في حوادث سنة ٢٥٥ استيلاءه على الموصل بغير حرب(٣) .

وفي حوادث سنة ٢٦٠ الفتنة في الموصل وإخراج عاملها(٤) .

____________________

(١) وقد ذُكرت في إحدى الطبعات: (الريّات).

(٢) الكامل لابن الأثير: المجلد ٧ صفحة ١٨٨ - دار بيروت ١٩٦٥.

(٣) م ٧ ص ٢٠٥.

(٤) م ٧ ص ٢٦٩.

٦٤

وفي حوادث سنة ٢٦١ قال:

كتب أساتكين إلى الهيثم بن عبد الله بن المعمر التغلبيّ، ثمّ العدويّ، في أن يتقلّد الموصل، وأرسل إليه الخِلَع واللواء، وكان بديار ربيعة، فجمع جموعاً كثيرة، وسار إلى الموصل، ونزل بالجانب الشرقيّ، وبينه وبين البلد دجلة، فقاتلوه، فعبر إلى الجانب الغربيّ وزحف إلى باب البلد.

فخرج إليه يحيى بن سليمان في أهل الموصل، فقاتلوه فقُتل بينهم قتلى كثيرة، وكثرت الجراحات وعاد الهيثم عنهم.

فاستعمل اساتكين على الموصل إسحاق بن أيّوب التغلبيّ، فخرج في جمع يبلغون عشرين ألفاً، منهم حمدان بن حمدان التغلبيّ وغيره(١) . ثمّ ذكر ابن الأثير ما جرى بينهم من القتال، وانتهاء الأمر باستقرار يحيى بن سليمان بالموصل.

ويذكر ابن الأثير في حوادث سنة ٢٦٦ مفارقة إسحاق بن گنداج أحمد بن موسى بن بُغا، وكان سبب ذلك أنّ أحمد لمّا سار إلى الجزيرة، ووليَ موسى بن أتامش ديار ربيعة، أنكر ذلك إسحاق بن گنداج، وفارق عسكره، وسار إلى بلد، فأوقع بالأكراد اليعقوبيّة فهزمهم وأخذ أموالهم، ثمّ لقي ابن مساور الخارجيّ فقتله، وسار إلى الموصل فقاطع أهلها على مالٍ قد أعدّوه.

وكان قائد كبير بِمَعْلَثايا اسمه عليُّ بن داود، وهو المخاطب له عن أهل الموصل، والمدافع، فسار ابن گنداج إليه، فلمّا بلغه الخبر فارق معلَثايا، وعبر دجلة، ومعه حمدان بن حمدون، إلى إسحاق بن أيّوب بن أحمد التغلبيّ العدويّ، فاجتمعوا كلّهم فبلغت عدّتهم نحو خمسة عشر ألفاً.

وسمع ابن گنداج باجتماعهم، فعبر إلى بلد، وعبر دجلة إليه وهو في ثلاثة آلاف، وسار إلى نهر أيّوب، فالقوا بِكَراثا، وهي التي تُعرف اليوم بتلّ موسى، وتصافّوا للحرب، فأرسلَ مقدّم ميسرة ابن أيّوب إلى ابن گنداج يقول له:

إنّني في الميسرة فاحمل عليَّ لأنهزم، ففعل ذلك، فانهزمت ميسرة ابن أيّوب، وتبعها الباقون، فسار حمدان بن حمدون، وعليّ بن

____________________

(١) الكامل، المجلد ٧ الصفحتان ٢٧٠ - ٢٧١.

٦٥

داود إلى نيسابور وأخذ ابن أيّوب نحو نصيبين، فاتَّبعه ابن گنداج، فسار ابن أيّوب عن نصيبين إلى آمِد، واستولى ابن گنداج على نصيبين وديار ربيعة(١) .

(ويذكر ابن الأثير في كامله في حوادث سنة ٢٦٧)

وفي هذه السنة: كانت وقعة بين إسحاق بن كنداجيق، وإسحاق بن أيّوب، وعيسى بن الشيخ، وأبي المغرا، وحمدان بن حمدون، ومن اجتمع إليهم من ربيعة وتغلب وبكر واليمن. فهزمهم ابن كنداجق إلى نصيبين، وتبعهم إلى آمد، وخلّف على آمِد من حصر عيسى، فكانت بينهم وقعات عند آمِد(٢) .

(ويذكر في حوادث سنة ٢٧٢)

وفي هذه السنة: دخل حمدان بن حمدون وهارون الشاري مدينة الموصل، وصلّى بهم الشاري في جامعها(٣) .

(ويذكر حوادث سنة ٢٧٩)

وفي هذه السنة: اجتمعت الخوارج، ومقدّمهم هارون، ومعهم متطوّعة أهل الموصل وغيرهم، وحمدان بن حمدون التّغلبيّ، على قتال بن شيبان.

وسبب ذلك أنّ جمعاً كثيراً من بني شيبان عبروا الزاب، وقصدوا نينوى من أعمال الموصل، للإغارة عليها وعلى البلد. فاجتمع هارون الشاري وحمدان بن حمدون، وكثير من المُتطوّعة المَواصِلة، وأعيانُ أهلها، على قتالهم ودَفْعهم.

وكان بنو شيبان نزلوا على باعشيقا، ومعهم هارون بن سليمان مولى أحمد بن عيسى بن الشيخ الشيبانيّ صاحب ديار بكر، وكان قد أنفذه محمد بن إسحاق بن گنداج والياً على الموصل.

____________________

(١) الكامل، المجلد ٧ ص٣٣٣ - ٣٣٤.

(٢) م ٧ ص٣٦٢.

(٣) م ٧ ص٤١٩.

٦٦

فالتقوا وتصافّوا واقتتلوا، فانهزمت بنو شيبان، وتبعهم حمدان والخوارج، وملكوا بيوتهم، واشتغلوا بالنهب.

وكان الزّاب لمّا عبره بنو شيبان زائداً، فلمّا انهزموا علموا أن لا ملجأ ولا منجى غيرُ الصبر، فعادوا إلى القتال، والناس مشغولون بالنهب، فأوقعوا بهم، وقُتل كثير من أهل الموصل ومن معهم، وعاد الظفر للأعراب(١) .

(وفي حوادث سنة ٢٨١)

وفي هذه السنة: خرج المعتضد إلى المَوْصِل، قاصداً لحمدان بن حمدون ؛ لأنّه بلغه أنّ حمدان مال إلى هارون الشاري، ودعا له. فلمّا بلغ الأعراب والأكراد سيرُ المعتضد تحالفوا أنّهم يقاتلون(٢) على دمٍ واحد، واجتمعوا، وعبّوا عسكرهم.

وسار المعتضد إليهم في خيلٍ جريدةً، فأوقع بهم، وقتل منهم، وغرق منهم في الزاب خلقٌ كثير.

وسار المعتضد إلى المَوْصِل يريد قلعة ماردين، وكانت لحمدان بن حمدون، فهرب حمدان منها وخلَّف ابنه بها، فنازلها المعتضد وقاتل مَن فيها يومه ذلك، فلمّا كان من الغد ركب المعتضد فصعد إلى باب القلعة، وصاح: يابن حمدان!... فأجابه، فقال: افتح الباب، ففتحه، فقعد المعتضد في الباب، وأمر بنقل ما في القلعة وهدمها.

ثمّ وجّه خلف ابن حمدون، وطُلب أشدّ الطلب، وأُخذت أموال له، ثمّ ظفر به المعتضد بعد عوده إلى بغداد.

وفي عوده قصد الحسنيَّة وبها رجل كرديٌّ يقال له شدّاد، في جيش كثير، قيل كانوا عشرة آلاف رجل، وكان له قلعة، فظفر به المعتضد وهدم قلعته(٣) .

____________________

(١) الكامل، المجلد ٧، ص٤٥٣ - ٤٥٤.

(٢) يقتلون: في طبعة أُخرى.

(٣) الكامل، المجلد ٧، ص٤٦٦.

٦٧

(وفي حوادث سنة ٢٨٢)

وفي هذه السنة: كتب المعتضد إلى إسحاق بن أيّوب وحمدان بن حمدون، بالمسير إليه، وهو في المَوْصِل، فبادر إسحاق، وتحصّن حمدان بقلاعه، وأودع أمواله وحُرَمه. فسيّر المعتضد الجيوش نحوه مع وصيف موشكير، ونصر القشوريّ وغيرهما ؛ فصادفوا الحسن بن علي كورة وأصحابه متحصّنين بموضع يُعرف بدير الزَّعفران من أرض الموصل.

وفيها: وصل الحسين بن حمدان بن حمدون، فلمّا رأى الحسين أوائل العسكر طلب الأمان، فأُمِّن، وسُيِّر إلى المعتضد، وسلّم القلعة، فأمر المعتضد بهدمها.

وسار وصيف في طلب حمدان، وكان بباسورين، فواقعه وصيف، وقتل من أصحابه جماعة، وانهزم حمدان في زورقٍ كان له في دجلة، وحمل معه مالاً كان له، وعبر إلى الجانب الغربيّ من دجلة، فصار في ديار ربيعة.

وعبر نفر من الجند، فاقتصّوا أثره، حتّى أشرفوا على ديرٍ قد نزله، فلمّا رآهم هرب، وترك ماله، فأُخذ وأُتي به المعتضد، وسار أولئك في طلب حمدان، فضاقت عليه الأرض، فقصد خيمة إسحاق بن أيّوب، وهو مع المعتضد، واستجار به، فأحضره إسحاق عند المعتضد، فأمر بالاحتفاظ به(١) .

(وفي حوادث سنة ٢٨٣)

وفي هذه السنة: سار المعتضد إلى الموصل بسبب هارون الشاري وظفر به. وسبب الظفر به أنّه وصل إلى تكريت وأقام بها، وأحضر الحسين بن حمدان التغلبيّ وسيّره في طلب هارون بن عبد الله الخارجي في جماعةٍ من الفرسان والرجّالة، فقال له الحسين: إن أنا جئت به فلي ثلاث حوائج عند أمير المؤمنين ؛ قال: اذكرها!

قال: إحداهنّ إطلاق أبي، وحاجتان أذكرهما بعد مجيئي به.

فقال له المعتضد: لك ذلك.

فانتخب ثلاثمئة فارس، وسار بهم،

____________________

(١) م ٧ ص ٤٦٩ - ٤٧٠.

٦٨

ومعهم وصيف بن موشكير، فقال له الحسين: فأُمره بطاعتي، يا أمير المؤمنين. فأمره بذلك.

وسار بهم الحسن حتّى انتهى إلى مخاضة في دجلة، فقال الحسين لوصيف ولمن معه: ليقفوا هناك، فإنّه ليس له طريق إن هرب غير هذا، فلا تبرحُنَّ من هذا الموضع حتّى يمرّ بكم فتمنعوه عن العبور، وأجيء أنا، أو يبلغكم أنّي قُتلت.

ومضى حسين في طلب هارون، فلقيه، وواقعه وقُتل بينهما قتلى، وانهزم هارون، وأقام وصيف على المخاضة ثلاثة أيام، فقال له أصحابه:

قد طال مُقامنا، ولسنا نأمن أن يأخذ حسين هارون الشاري، فيكون له الفتح دوننا، والصواب أن نمضي في آثارهم، فأطاعهم ومضى.

وجاء هارون منهزماً إلى موضع المخاضة فعبر، وجاء حسين في أثره، فلم ير وصيفاً وأصحابه في الموضع الذي تركهم فيه، ولا عرف لهم خبراً، فعبر في أثر هارون، وجاء إلى حيّ من أحياء العرب، فسأل عنه، فكتموه، فتهدّدهم، فأعلموه أنّه اجتاز بهم، فتبعه حتّى لحقه بعد أيّام، وهارون في نحو مئة رجل، فناشده الشاري ووعده، وأبى حسين إلاّ محاربته، فحاربه، فألقى الحسين نفسه عليه، فأخذه أسيراً وجاء به إلى المعتضد، فانصرف المعتضد إلى بغداد، فوصلها لثمان بقين من ربيع الأول.

وخلع المعتضد على الحسن بن حمدان وطوّقه، وخلع على إخوته، وأدخل هارون على الفيل، وأمر المعتضد بحلّ قيود حمدان بن حمدون، والتوسعة عليه والإحسان إليه، ووعد بإطلاقه(١) .

(وفي حوادث سنة ٢٩٠)

وفي هذه السنة: في شوّال، تحارب القرمطيُّ صاحب الشامة وبدر مولى ابن طولون، فانهزم القرمطيّ وقُتل من أصحابه خلقٌ كثير، ومضى مَن

____________________

(١) الكامل، المجلد ٧، ص٤٧٦، ٤٧٧.

٦٩

سلم منهم نحو البادية، فوجَّه المكتفي في أثرهم الحسين بن حمدان، وغيره من القوّاد(١) .

(وفي حوادث سنة ٢٩١)

وفي هذه السنة: ذكر ابن الأثير في كامله (في أخبار القرامطة وقتل صاحب الشامة) قال: تفرق أصحابه، وأُسر من أُسر، وقُتل من قُتل، وكان أكثر الناس أثراً في الحرب الحسين بن حمدان. وكتب محمّد بن سليمان الكاتب (وهو الذي ولاّه المكتفي أمر محاربة صاحب الشّامة) يُثني على ابن حمدان وعلى بني شيبان، فإنّهم اصطلوا الحرب، وهزموا القرامطة، وأكثروا القتل فيهم والأسر، حتّى لم ينجُ منهم إلاّ قليل(٢) .

(وفي حوادث سنة ٢٩٣)

في ذكر أوّل إمارة بني حمدان بالموصل.

وفي هذه السنة: ولّى المكتفي بالله المَوْصِلَ وأعمالها أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي العدويَّ، فسار إليها، فقدمها أوّل المحرّم، فأقام بها يومه، وخرج من الغد لعرض الرجال الذين قدموا معه، والذين بالموصل، فأتاه الصريخ من نينوى بأنّ الأكراد الهذبانيَّة، ومقدّمهم محمد بن بلال، قد أغاروا على البلد، وغنموا كثيراً منه، فسار من وقته وعبر الجسر إلى الجانب الشرقيّ، فلحق الأكراد بالمعروبة على الخازر، فقاتلوه، فقُتل رجل من أصحابه اسمه سيما الحمدانيُّ، فعاد عنهم، وكتب إلى الخليفة يستدعي النجدة، فأتته النجدة بعد شهور كثيرة، وقد انقضت سنة ثلاث وتسعين ودخلت سنة أربع وتسعين.

ففي ربيع الأوّل منها سار فيمن معه إلى الهذبانيّة، وكانوا قد اجتمعوا في خمسة آلاف بيت، فلمّا رأوا جدّه في طلبهم ساروا إلى البابة التي في جبل السَّلَق، وهو مضيق في جبلٍ عالٍ مشرف على شَهْرَزُور، فامتنعوا بها، وأغار مقدّمهم محمد بن بلال، وقرب من ابن حمدان، وراسله في أن

____________________

(١) م ٧ ص ٥٢٦.

(٢) م ٧ ص ٥٣١.

٧٠

يطيعه، ويحضره هو وأولاده، ويجعلهم عنده يكونون رهينة، ويتركون الفساد، فقبل ابن حمدان ذلك، فرجع محمد ليأتي بمن ذكر، فحثّ أصحابه على المسير نحو أَذْرَبيجان، وإنّما أراد في الذي فعله مع ابن حمدان أن يترك الجدّ في الطلب ليأخذ أصحابه أُهبتهم ويسيروا آمنين.

فلمّا تأخّر عود محمد عن ابن حمدان علم مراده، فجرّد معه جماعة من جملتهم إخوته سليمان وداود وسعيد وغيرهم ممّن يثق به وبشجاعته، وأمر النجدة التي جاءته من الخليفة أن يسيروا معه، فتثبّطوا، فتركهم وسار يقفو أثرهم، فلحقهم وقد تعلّقوا بالجبل المعروف بالقنديل، فقتل منهم جماعة، وصعدوا ذروة الجبل، وانصرف ابن حمدان عنهم، ولحق الأكراد بِأَذْرَبيجان، وأنهى ابن حمدان ما كان من حالهم إلى الخليفة والوزير فأنجدوه بجماعةٍ صالحةٍ، وعاد إلى الموصل فجمع رجاله وسار إلى جبل السَّلَق، وفيه محمد بن بلال ومعه الأكراد، فدخله ابن حمدان، والجواسيس بين يديه، خوفاً من كمين يكون فيه، وتقدَّم من بين يدي أصحابه، وهم يتبعونه، فلم يتخلَّف منهم أحد، وجاوزوا الجبل، وقاربوا الأكراد، وسقط عليهم الثلج واشتدّ البرد، وقلّت الميرة والعلف عندهم.

وأقام على ذلك عشرة أيام، وبلغ الحمل من التّبن ثلاثين درهماً، ثمّ عدم عندهم وهو صابر.

فلمّا رأى الأكراد صبرهم وأنّهم لا حيلة لهم في دفعهم، لجأ محمد بن بلال وأولاده ومَن لحق به.

واستولى ابن حمدان على بيوتهم وسوادهم وأهلهم وأموالهم ؛ وطلبوا الأمان فأمَّنهم وأبقى عليهم، وردّهم إلى بلد حزّة، وردّ عليهم أموالهم وأهليهم، ولم يقتل منهم غير رجلٍ واحد، وهو الذي قتل صاحبه (سيما) الحمدانيّ، وأمنت البلاد معه، وأحسن السيرة في أهلها.

ثمّ إنّ محمّد بن بلال طلب الأمان من ابن حمدان فأمَّنه، وحضر عنده، وأقام بالموصل، وتتابع الأكراد الحميديَّة، وأهل جبل (داسن) إليه بالأمان، فأمنت البلاد واستقامت(١) .

وفي هذه السنة: (أي ٢٩٣) أنفذ زكروَيْه بن مهروَيْه، بعد قتل صاحب

____________________

(١) الكامل، المجلد ٧، ص٥٣٨ - ٥٣٩ - ٥٤٠.

٧١

الشّامة، رجلاً كان يعلّم الصبيان بالرافوفة من الفَلّوجة، يُسمّى عبد الله بن سعيد، ويُكنّى أبا غانم، فسمّي نصراً، وقيل كان المنفذ ابن زكرَوَيْه، فدار على أحياء العرب من كلب وغيرهم يدعوهم إلى رأيه، فلم يقبله منهم أحد، إلاّ رجلاً من بني زياد يسمّى مقدام بن الكيّال، واستقوى بطوائف من الأصبَغيّين المنتمين إلى الفواطم، وغيرهم من العليصيِّين، وصعاليك من سائر بطون كلب، وقصد ناحية الشام، والعامل بدمشق والأردنّ أحمد بن (كَيْغَلَغ)، وهو بمصر يحارب الخلنجيَّ، فاغتنم ذلك عبد الله بن سعد، وسار إلى بُصرى و (أذرِعات) و(البثنيَّة)، فحارب أهلها، ثمّ أمَّنهم، فلمّا استسلموا إليه قتل مُقاتلتهم، وسبى ذراريَّهم وأخذ أموالهم.

ثمّ قصد (بجيشه) دمشق، فخرج إليهم نائب ابن (كَيْغَلَغ)، وهو صالح ابن الفضل، فهزمه القرامطة، وأثخنوا فيهم، ثمّ أمَّنوهم وغدروهم بالأمان، وقتلوا صالحاً، وفضُّوا عسكره.

وساروا إلى دمشق، فمنعهم أهلها، فقصدوا طبريّة. وانضاف إليه جماعة من جند دمشق افتُتنوا به، فواقعهم يوسف بن إبراهيم بن (بغامردي)، وهو خليفة أحمد بن كيغلغ بالأردنّ، فهزموه، وبذلوا له الأمان، وغدروا به وقتلوه، ونهبوا طبريّة، وقتلوا خلقاً كثيراً من أهلها وسبوا النساء.

فأنفذ الخليفةُ الحسين بن حمدان وجماعة من القوّاد في طلبهم، فوردوا دمشق، فلمّا علم بهم القرامطة رجعوا نحو السَّماوة، وتبعهم الحسين في السّماوة وهم ينتقلون في المياه ويُغوّرونها، حتّى لجؤوا إلى ماءَيْن يُعرف أحدهما بالدّمعانة، والآخر بالحبالة، وانقطع ابن حمدان عنهم لعدم الماء، وعاد إلى الرحبة، وأسرى القرامطة مع نصر إلى (هيت) وأهلها غافلون، فهبّوا رَبْضَها، وامتنع أهل المدينة بسورهم، ونهبوا السفن، وقتلوا من أهل المدينة مئتيْ نفس، ونهبوا الأموال والمتاع، وأوقروا ثلاثة آلاف راحلة من الحنطة.

وبلغ الخبر إلى المكتفي، فسيَّر محمّدَ بن إسحاق بن (گندج)، فلم يقيموا لمحمّد، ورجعوا إلى الماءَين، فنهض محمّد خلفهم، فوجدهم قد غوَّروا المياه، فأنفذ إليهم من بغداد الأزواد والدوابّ، وكتب إلى ابن حمدان بالمسير إليهم من جهة الرّحبة ؛ ليجتمع هو ومحمّد على الإيقاع بهم، ففعل ذلك.

٧٢

فلمَّا أحسَّ الكلبيّون بإقبال الجيش إليهم وثبوا بنصر فقتلوه، قتله رجل منهم يقال له الذّئب بن القائم، وسار برأسه إلى المكتفي متقرّباً بذلك، مستأمناً، فأُجيب إلى ذلك، وأُجيز بجائزة سنيَّة، وأُمر بالكفِّ عن قومه.

واقتتلت القرامطة بعد نصر حتّى صارت بينهم الدماء، وسارت فرقة كرهت أمورهم إلى بني أسد بنواحي عين التمر، واعتذروا إلى الخليفة، فقبل عذرهم، وبقي على الماءَيْن بقيّتهم ممّن له بصيرة في دينه، فكتب الخليفة إلى ابن حمدان يأمره بمعاودتهم، واجتثاث أصلهم، فأرسل إليهم زَكْرَوَيْه بن مهروَيْه داعيةً له يُسمّى القاسم بن أحمد، ويُعرف بأبي محمّد، وأعلمهم أن فعل الذّئب قد نفّره منهم، وأنّهم قد ارتدّوا عن الدين، وأنّ وقت ظهورهم قد حضر، وقد باع له من أهل الكوفة أربعون ألفاً(١) .

إلى غير ذلك من التّمويهات التي جمعت شتات القرامطة، وجرت أُمورٌ انتهت بانتصارهم على عساكر الخليفة بمكانٍ يُسمّى بالصوان من السواد.

(وفي حوادث سنة ٢٩٤)

وفي هذه السنة: يذكر ابن الأثير ما آل إليه أمر القرامطة، بعد ارتكابهم ما ارتكبوه في الحاج من الفظائع والقتل الذّريع، من تبديد جماعتهم، وقتل زكروَيْه، وتتبّع أتباعه بالقتل والحبس، وإراحة المسلمين من شرورهم.

وفي هذه السنة: كانت وقعة بين الحسين بن حمدان وبين أعراب من بني كلب وَطيّ واليمن وأسد وغيرهم(٢) .

(وفي حوادث سنة ٢٩٦)

يقول ابن الأثير في (كامله ):

وفي هذه السنة: اجتمع القوّاد والقضاه والكتّاب مع الوزير العبّاس بن الحسن، على خلع المقتدر، والبيعة لابن المعتزّ، وأرسلوا إلى ابن المعتزّ

____________________

(١) الكامل، المجلد ٧، ص٥٤١ - ٥٤٢ - ٥٤٣.

(٢) م ٧ ص ٥٤٨ - ٥٥٣.

٧٣

في ذلك، فأجابهم على أن لا يكون فيه سفك دم ولا حرب، فأخبروه في اجتماعهم عليه، وأنّهم ليس لهم منازعٌ ولا محارب.

وكان الرأس في ذلك العبّاس بن الحسن، ومحمّد بن داود بن الجرّاح، وأبو المثنّى أحمد بن يعقوب القاضي ؛ ومن القوّاد الحسين بن حمدان، وبدر الأعجميُّ، ووصيف بن صوارتكين.

ثمّ إنّ الوزير رأى أمره صالحاً مع المقتدر، وأنّه على ما يحب، فبدا له في ذلك، فوثب به الآخرون فقتلوه، وكان الذي تولّى قتله منهم الحسين بن حمدان، وبدر الأعجميّ ووصيف، ولحقوه وهو سائر إلى بستانٍ له، فقتلوه في طريقه، وقتلوا معه فاتكاً المعتضديّ، وذلك في العشرين من ربيع الأوّل، وخُلع المقتدر من الغد، وباع الناس لابن المعتزّ.

وركض الحسين بن حمدان إلى الحَلْبة ظنّاً منه أنّ المقتدر يلعب هناك بالكرة فيقتله، فلم يصادفه ؛ لأنّه كان هناك، فبلغه قتل الوزير وفاتك فركب دابَّته فدخل الدار، وغُلِّقت الأبواب، فندم الحسين حيث لم يبدأ بالمقتدر.

وأحضروا ابن المعتزّ وبايعوه بالخلافة، وكان الذي يتولّى أخذ البيعة له محمد بن سعيد الأزرق، وحضر الناس والقوّاد وأصحاب الدواوين، سوى أبي الحسن بن الفُرات، وخواصّ المقتدر، فإنّهم لم يحضروا، ولُقِّب ابن المعتزّ المرتضي بالله، واستوزر محمد بن داود بن الجرّاح، وقلّد عليّ بن عيسى الدواوين، وكتب الكتب إلى البلاد من أمير المؤمنين المرتضي بالله أبي العبّاس عبد الله بن المعتزّ بالله، ووجّه إلى المقتدر يأمره بالانتقال إلى دار ابن طاهر، التي كان مقيماً فيها، لينتقل هو إلى دار الخلافة، فأجابه بالسمع والطاعة، وسأل الإمهال إلى الليل.

وعاد الحسين بن حمدان بُكرة غدٍ إلى دار الخلافة، فقاتله الخدم والغلمان والرجّالة من وراء الستور عامّة النهار، فانصرف عنهم آخر النهار، فلمّا جنّه الليل سار عن بغداد بأهله وماله وكلّ ما لَهُ إلى الموصل، لا يُدرى لِمَ فعل ذلك ؛ ولم يكن بقي مع المقتدر من القوّاد غير مُؤنس الخادم، ومؤنس الخازن، وغريب الخال، وحاشية الدار.

فلمّا همَّ المقتدر بالانتقال عن الدار، قال بعضهم لبعض:

لا نسلّم الخلافة من غير أن نُبلي عذراً، ونجتهد في دفع ما أصابنا ؛ فأجمع رأيهم

٧٤

على أن يصعدوا في الماء إلى الدار التي فيها ابن المعتزّ بالحرم يقاتلونه، فأخرج لهم المقتدر السلاح والزرديّات وغير ذلك، وركبوا السُّمَيريّات، وأصعدوا في الماء، فلمّا رآهم مَن عند ابن المعتزّ هالهم كثرتهم، واضطربوا، وهربوا على وجوههم من قبل أن يصلوا إليهم، وقال بعضهم لبعض: إنَّ الحسن بن حمدان عرف ما يريد أن يجري فهرب من الليل، وهذه مواطأة بينه وبين المقتدر، وهذا كان سبب هربه(١) .

وانتهت الحال بعودة الخلافة إلى المقتدر وقتل ابن المعتزّ.

ويقول في حوادث هذه السنة (أي ٢٩٦):

وكان في هذه الحادثة عجائب منها:

أنّ الناس كلّهم أجمعوا على خلع المقتدر والبيعة لابن المعتزّ، فلم يتمّ ذلك، بل كان على العكس من إرادتهم، وكان أمر الله مفعولاً.

ومنها أنّ ابن حمدان، على شدّة تشيّعه وميله إلى عليّ (عليه السلام)، وأهل بيته، يسعى في البيعة لابن المعتزّ على انحرافه عن عليّ وغلوّه في النصب إلى غير ذلك(٢) .

إلى أن يقول:

(وسُيّرت العساكر من بغداد في طلب الحسين بن حمدان، فتبعوه إلى الموصل، ثمّ إلى بلد، فلم يظفروا به، فعادوا إلى بغداد، فكتب الوزير إلى أخيه أبي الهيجاء بن حمدان، وهو الأمير على الموصل، يأمره بطلبه، فسار إليه إلى بَلَد، ففارقها الحسين إلى سِنجار، وأخوه في أثره، فدخل البرّيّة فتبعه أخوه عشرة أيّام، فأدركه، فاقتتلوا، فظفر أبو الهيجاء، وأسر بعض أصحابه، وأخذ منه عشرة آلاف دينار، وعاد عنه إلى الموصل، ثمّ انحدر إلى بغداد، فلمّا كان فوق تكريت أدركه أخوه الحسين، فبيّته، فقتل منهم قتلى، وانحدر أبو الهيجاء إلى بغداد.

وأرسل الحسين إلى ابن الفُرات وزير المقتدر، يسأله الرضا عنه،

____________________

(١) الكامل، المجلّد ٨، ص١٤ - ١٥ - ١٦.

(٢) الكامل، المجلّد ٨، ص١٧ - ١٨.

٧٥

فشفع فيه إلى المقتدر بالله ليرضى عنه، وعن إبراهيم بن كَيْغَلَغ، وابن عمرَوْيه صاحب الشّرطة، وغيرهم، فرضي عنهم، ودخل الحسين بغداد، فردّ عليه أخوه ما أخذ منه، وأقام الحسين ببغداد إلى أن ولي قُمّ، فسار إليها، وأخذ الجرائد التي فيها أسماء من أعان على المقتدر، فخرَّقها في دجلة)(١) .

(وفي حوادث سنة ٢٩٦)

يقول: (وفي هذه السنة: (أي ٢٩٦)، سُيّر القاسم بن سيما وجماعة من القوّاد في طلب الحسين بن حمدان، فساروا حتّى بلغوا (قَرقِيسياء) والرَّحْبَة، فلم يظفروا به، فكتب المقتدر إلى أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان، وهو الأمير بالموصل، يأمره بطلب أخيه الحسين، فسار هو والقاسم بن سيما، فالتقوا عند تكريت، فانهزم الحسين، فأرسل أخاه إبراهيم بن حمدان يطلب الأمان، فأُجيب إلى ذلك، ودخل بغداد، وخُلع عليه، وعُقد له على قُمّ وقاشان، فسار إليها)(٢) .

(وفي حوادث سنة ٣٠١)

يقول: (وفي هذه السنة، في صفر: عُزل أبو الهيجاء، عبد الله بن حمدان عن الموصل، وقُلّد (يُمن) الطولونيُّ المعونة بالموصل، ثمّ صُرف عنها في هذه السنة، واستُعمل عليها (نحرير) الخادم الصغير.

وفيها: خالف أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان على المقتدر فسُيّر إليه مؤنس المظفَّر، وعلى مقدّمته (بنّيّ بن نفيس)، خرج إلى الموصل منتصف صفر ومعه جماعة من القوّاد. وخرج مؤنس في ربيع الأوّل، فلمّا علم أبو الهيجاء بذلك قصد مؤنساً مستأمناً من تلقاء نفسه، وورد معه إلى بغداد، فخلع المقتدر عليه)(٣) .

____________________

(١) م ٨ ص ١٨ - ١٩.

(٢) الكامل، المجلّد ٨ ص ٥٣ - ٥٤.

(٣) م ٨ ص ٧٦ - ٧٧.

٧٦

(وفي حوادث سنة ٣٠٢)

يقول: (وفي هذه السنة: قُلِّد أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان الموصل)(١) .

(وفي حوادث سنة ٣٠٣)

يقول: (في هذه السنة: خرج الحسين بن حمدان بالجزيرة عن طاعة المقتدر.

وسبب ذلك أنّ الوزير عليّ بن عيسى طالبه بمالٍ عليه من ديار ربيعة، وهو يتولاّها، فدافعه، فأمره بتسليم البلاد إلى عُمّال السلطان، فامتنع.

وكان مؤنس الخادم غائباً بمصر لمحاربة عسكر المهديّ العلويّ صاحب إفريقية، فجهّز الوزير رائقاً الكبير في جيش وسيّره إلى الحسين بن حمدان، وكتب إلى مؤنس يأمره بالمسير إلى ديار الجزيرة لقتال الحسين، بعد فراغه من أصحاب العلويّ، فسار رائق إلى الحسين بن حمدان.

وجمع لهم نحو عشرين ألف فارس، وسار إليهم فوصل إلى الحبشة وهم قد قاربوها، فلمّا رأوا كثرة جيشه علموا عجزهم عنه ؛ لأنّهم كانوا أربعة آلاف فارس، فانحازوا إلى جانب دجلة، ونزلوا بموضعٍ ليس له طريق إلاّ من وجهٍ واحد، وجاء الحسين فنزل عليهم وحصرهم، ومنع الميرة عنهم من فوق ومن أسفل، فضاقت عليهم الأقوات والعلوفات، فأرسلوا إليه يبذلون له أن يولّيه الخليفة ما كان بيده ويعود عنهم، فلم يجب إلى ذلك.

ولزم حصارهم، وأدام قتالهم إلى أن عاد مؤنس من الشام، فلمّا سمع العسكر بقربه قويت نفوسهم وضعفت نفوس الحسين ومن معه، فخرج العسكر إليه ليلاً وكبسوه، فانهزم وعاد إلى ديار ربيعة، وسار العسكر فنزلوا على الموصل.

وسمع مؤنس خبر الحسين، وجدّ مؤنس في المسير نحو الحسين، واستصحب معه أحمد بن كَيْغَلَغ، فلمّا قرب منه راسله الحسين يعتذر،

____________________

(١) م ٨ ص ٩١.

٧٧

وترددت الرسل بينهما، فلم يستقرّ حال، فرحل مؤنس نحو الحسين حتّى نزل بإزاء جزيرة ابن عمر، ورحل الحسين نحو أرمينية مع ثقله وأولاده، وتفرَّق عسكر الحسين عنه، وصاروا إلى مؤنس.

ثمّ إنّ مؤنساً جهّز جيشاً في أثر الحسين، مقدّمهم (بُلَيق) ومعه (سيما) الجزريّ، و(جَنى) الصفوانيّ، فتبعوه إلى تلّ (فافان)، فرأوها خاوية على عروشها، قد قتل أهلها وأحرقها، فجدّوا في اتّباعه فأدركوه فقاتلوه، فانهزم من بقي معه من أصحابه، وأُسر هو ومعه ابنه عبد الوهّاب وجميع أهله وأكثر مَنْ صحِبه، وقبض أملاكه.

وعاد مؤنس إلى بغداد على طريق الموصل والحسين معه، فأُركب على جمل هو وابنه وعليهما البرانس، واللبود الطوال، وقمصان من شعرٍ أحمر، وحُبس الحسين وابنه عند زيدان القهرمانة، وقبض المقتدر على أبي الهيجاء بن حمدان وعلى جميع إخوته وحُبسوا، وكان قد هرب بعض أولاد الحسين بن حمدان، فجمع جمعاً ومضى نحو آمِد، فأوقع بهم مستحفظها، وقتل ابن الحسين وأنفذ رأسه إلى بغداد)(١) .

(وفي حوادث سنة ٣٠٥)

يقول: (وفي هذه السنة: أُطلق أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان، وإخوته، وأهل بيته من الحبس، وكانوا محبوسين بدار الخليفة، وقد تقدَّم ذكر حبسهم)(٢) .

(وفي حوادث سنة ٣٠٦)

يقول في (ذكر عزل ابن الفُرات) وفي سببه:

(وقيل: كان سبب قبضه أنّ المقتدر قيل له: إنّ ابن الفرات يريد إرسال الحسين بن حمدان إلى ابن أبي الساج ليحاربه، وإذا صار عنده اتّفقا عليك، ثمّ إنّ ابن الفرات قال للمقتدر في إرسال الحسين إلى ابن أبي

____________________

(١) الكامل، المجلّد ٨ ص ٩٢ - ٩٣ - ٩٤.

(٢) م ٨ ص ١٠٧.

٧٨

السّاج، فقتل ابن حمدان في جمادى الأولى، وقبض على ابن الفرات في جمادى الآخرة)(١) .

(وفي حوادث سنة ٣٠٧)

يقول: (وفي هذه السنة: قُلِّد إبراهيم بن حمدان ديار ربيعة)(٢) .

(وفي حوادث سنة ٣٠٨)

ثمّ يقول: (وفي هذه السنة: خلع المقتدر على أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان، وقُلّد طريق خُراسان و (الدِّينَور)، وخلع على أخويه أبي العلاء وأبي السرايا.

وفي هذه السنة: توفّي إبراهيم بن حمدان في المحرّم)(٣) .

(وفي سنة ٣٠٩)

يقول: (وفي هذه السنة: قُلّد داود بن حمدان ديار ربيعة)(٤) .

(وفي حوادث سنة ٣١٢)

يقول: (وفي هذه السنة: سار أبو طاهر القرمطيّ إلى (الهَبِير) في عسكرٍ عظيمٍ ليلقى الحاجّ سنة إحدى عشرة وثلاثمئة في رجوعهم من مكّة، فأوقع بقافلة تقدّمت معظم الحاجّ، وكان فيها خلقٌ كثيرٌ من أهل بغداد وغيرهم، فنهبهم.

واتّصل الخبر بباقي الحاجّ وهم بِفَيد، فأقاموا بها حتّى فَنِيَ زادهم، فارتحلوا مسرعين.

وكان أبو الهيجاء بن حمدان قد أشار عليهم بالعود إلى وادي القُرى، وأنّهم لا يقيمون بغيد، فاستطالوا الطريق ولم يقبلوا منه، وكان إلى أبي

____________________

(١) م ٨ ص ١١١.

(٢) م ٨ ص ١٢١.

(٣) الكامل، المجلّد ٨، ص١٢٣.

(٤) م ٨ ص١٣٠.

٧٩

الهيجاء طريق الكوفة وكثير الحاجّ، فلمّا فني زادهم ساروا على طريق الكوفة، فأوقع بهم القرامطة وأخذوهم، وأسروا أبا الهيجاء وأحمد بن كشمرد ونحرير وأحمد بن بدر عمّ والدة المقتدر)(١) .

(وفي هذه السنة (أي ٣١٢): أطلق أبو طاهر مَن كان عنده من الأسرى الذين كان أسرهم من الحُجّاج، وفيهم ابن حمدان وغيره)(٢) .

(وفي حوادث سنة ٣١٤)

يقول: (وفي هذه السنة: أفسد الأكراد والعرب بأرض المَوْصل وطريق خراسان، وكان عبد الله بن حمدان يتولّى الجميع وهو ببغداد، وابنه ناصر الدولة بالموصل، فكتب إليه أبوه يأمره بجمع الرجال، والانحدار إلى تكريت، ففعل وسار إليها، فوصل إليها في رمضان، واجتمع بأبيه، وأحضر العرب، وطالبهم بما أحدثوا في عمله بعد أن قتل منهم، ونكّل ببعضهم، فردّوا على الناس شيئاً كثيراً، ورحل بهم إلى شَهرزور، فوطئ الأكراد الجلاليَّة، فقالتهم، وانضاف إليهم غيرهم، فاشتدّت شوكتهم، ثمّ إنّهم انقادوا إليه لمّا رأوا قوَّته، وكفّوا عن الفساد والشر)(٣) .

(وفي هذه السنة (أي ٣١٤): ضمن أبو الهيجاء عبدُ الله بن حمدان أعمال الخراج والضياع بالموصل، وقَرْدَى، وبازَبْدَى، وما يجري معها)(٤) .

(وفي حوادث سنة ٣١٥)

- في ذكر ابتداء الوحشة بين المقتدر ومؤنس:

يقول: (أمر المقتدر بالله بتجهيز العساكر مع مؤنس المظفّر، وخلع المقتدر عليه، في ربيع الآخر، ليسير، فلمّا لم يبق إلاّ الوداع امتنع مؤنس من دخول دار الخليفة للوداع.

____________________

(١) م ٨ ص ١٤٧.

(٢) م ٨ ص ١٥٥.

(٣) الكامل، ٨ ص ١٦٣.

(٤) م ٨ ص ١٦٧.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الأموال الطائلة لبني أُمية لتقوية مركزهم السياسي والاجتماعي، وكان الإمام الحسينعليه‌السلام يشجب هذه السياسة، ويرى ضرورة إنقاذ الأموال من معاوية الذي يفتقد حكمه لأيّ أساس شرعي، ولا يقوم إلاّ على القمع والتزييف والإغراء. وقد اجتازت على يثرب أموال من اليمن مرسولةً إلى خزينة دمشق، فعمد الإمامعليه‌السلام إلى الاستيلاء عليها ووزّعها على المحتاجين، وكتب إلى معاوية: (من الحسين بن عليّ إلى معاوية بن أبي سفيان، أمّا بعد فإنّ عيراً مرّت بنا من اليمن تحمل مالاً وحُللاً وعنبراً وطيباً إليك لتودعها خزائن دمشق وتعلّ بها بعد النّهْل بني أبيك، وإنّي احتجتها اليها فأخذتها، والسلام)(1).

فأجاب معاوية: من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الحسين بن عليّ، سلام عليك، أمّا بعد فإنّ كتابك ورد عليّ تذكر أنّ عيراً مرّت بك من اليمن تحمل مالاً وحُللاً وعنبراً وطيباً إليّ لأودعها خزائن دمشق واعُلّ بها بعد النهل بني أبي، وإنّك احتجت اليها فأخذتها، ولم تكن جديراً بأخذها إذ نسبتها إليّ لأنّ الوالي أحقّ بالمال ثم عليه المخرج منه، وأيم الله لو تركت ذلك حتى صار إليّ لم أبخسك حظك منه، ولكنّي قد ظننت يا ابن أخي أنّ في رأسك نزوةً وبودّي أن يكون ذلك في زماني، فأعرف لك قدرك وأتجاوز عن ذلك، ولكنّي والله أتخوّف أن تبتلى بمن لا ينظرك فواق ناقة(2) .

إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام دلّل بعمله على أن ليس من حقّ الخليفة غير الشرعي أن يتصرّف في أموال المسلمين، وأنّ ذلك من حقوق الحاكم الشرعي، والحاكم الشرعي هو الإمام الحسينعليه‌السلام نفسه الذي ينفق أموال بيت المال

____________________

(1) نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 / 327، الطبعة الأولى، وناسخ التواريخ: 1 / 195.

(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 / 327، وناسخ التواريخ: 1 / 195.

١٢١

وفق المعايير الإسلامية. وقد أكّدعليه‌السلام في رسالته على أنّه لا يعترف رسمياً بخلافة معاوية; إذ لم يصفه بأمير المؤمنين كما كان يصفه الآخرون. ومن هنا حاول معاوية الالتفاف على موقف الإمامعليه‌السلام فوصف نفسه في رسالته الجوابية بأمير المؤمنين ووالي المسلمين ولكنّه فشل في محاولته تلك، فقد بات موقف الإمام الحسينعليه‌السلام معياراً إسلامياً وملاكاً فارقاً وفاصلاً بين الصواب والخطأ للمسلمين جميعاً على مدى التأريخ، في حين لم يعر المسلمون لموقف معاوية أيّ اهتمام ولم يعتبروه سوى أنّه تشويه للحقيقة وتضليل للرأي العام.

لقد كان موقف الإمامعليه‌السلام هذا إشارة واضحة للاعتراض على تصرّفات وحكم معاوية والمطالبة بسيادة الحقّ والعدل الإلهي.

تذكير الأمة بمسؤوليّتها:

عقد الإمامعليه‌السلام في مكة مؤتمراً سياسيّاً عامّاً دعا فيه جمهوراً غفيراً ممّن شهد موسم الحجّ من المهاجرين والأنصار والتابعين وغيرهم من سائر المسلمين، فانبرىعليه‌السلام خطيباً فيهم، وتحدّث عمّا ألمّ بعترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وشيعتهم من المحن والإحن التي صبّها عليهم معاوية، وما اتّخذه من الإجراءات المشدّدة في إخفاء فضائلهم، وستر ما اُثر عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّهم، وألزم الحاضرين بإذاعة ذلك بين المسلمين، وفيما يلي ما رواه سليم بن قيس عن هذا المؤتمر ونصّ خطاب الإمامعليه‌السلام حيث قال: ولمّا كان قبل موت معاوية بسنة حجّ الحسين بن عليّ وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر، فجمع الحسين بني هاشم ونساءهم ومواليهم ومن حجّ من الأنصار ممّن

١٢٢

يعرفهم الحسين وأهل بيته، ثم أرسل رسلاً وقال لهم: لا تدعوا أحداً حجّ العام من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ اجمعوهم لي، فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادق، عامّتهم من التابعين، ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقام فيهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أمّا بعد، فإنّ هذا الطاغية - يعني معاوية - قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإنّي اُريد أن أسألكم عن شيء فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبتُ فكذّبوني، اسمعوا مقالتي واكتموا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم فمن أمنتم من الناس، ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون، فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ ويذهب،( وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) ).

قال الراوي: فما ترك الحسين شيئاً ممّا أنزل الله فيهم إلاّ تلاه وفسّره، ولا شيئاً ممّا قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أبيه وأخيه وأمه وفي نفسه وأهل بيته إلاّ رواه، وفي كلّ ذلك يقول أصحابه: اللّهمّ نعم قد سمعنا وشهدنا، وممّا اشدهمعليه‌السلام أن قال:

(اُنشدكم الله، أتعلمون أنّ عليّ بن أبي طالب كان أخا رسول الله حين آخى بين أصحابه فآخى بينه وبين نفسه، وقال: أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: اُنشدكم هل تعلمون أنّ رسول الله اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه ثم ابتنى فيه عشرة منازل تسعة له، وجعل عاشرها في وسطها لأبي، ثم سدّ كلّ باب شارع إلى المسجد غير بابه؟ فتكلّم في ذلك من تكلّم، فقال: ما أنا سددتُ أبوابكم وفتحت بابه، ولكنّ الله أمرني بسدّ أبوابكم وفتح بابه، ثم نهى الناس أن يناموا في المسجد غيره، وكان بجنب في المسجد ومنزله في منزل رسول الله، فولد لرسول الله وله فيه أولاد، قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أفتعلمون أنّ عمر بن الخطاب حرص على كوة قدر عينه يدعها في منزله إلى المسجد فأبى

١٢٣

عليه، ثم خطب فقال: إنّ الله أمرني أن أبني مسجداً طاهراً لا يسكنه غيري وغير أخي وبنيه؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: اُنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله قال في غزوة تبوك: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: اُنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعا النصارى من أهل نجران إلى المباهلة لم يأت إلاّ به وبصاحبته وابنيه؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: اُنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله دفع إليه اللواء يوم خيبر، ثم قال: لأدفعه إلى رجل يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله كرّار غير فرّار، يفتحها الله على يديه؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه ببراءة وقال: لا يبلّغ عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أتعلمون أنّ رسول الله لم تنزلْ به شدّة قطّ إلاّ قدّمه لها ثقةً به وأنّه لم يدعه باسمه قطّ، إلاّ يقول يا أخي؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أتعلمون أنّ رسول الله قضى بينه وبين جعفر وزيد فقال: يا عليّ أنت منّي وأنا منك وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أنّه كانت له من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ يوم خلوة، وكلّ ليلة دخلة، إذا سأله أعطاه، وإذا سكت أبداه؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أتعلمون أنّ رسول الله فضّله على جعفر وحمزة حين قال لفاطمةعليها‌السلام : زوّجتك خير أهل بيتي أقدمهم سلماً وأعظمهم حلماً وأكثرهم علماً؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنا سيّد ولد آدم، وأخي عليّ سيّد العرب، وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة؟ والحسن والحسين ابناي سيّدا شباب أهل الجنة، قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمره بغسله، وأخبره أنّ جبرئيل يعينه عليه؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال:

١٢٤

أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في آخر خطبة خطبها:أ يّها النّاس! إنّي تركتُ فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي فتمسّكوا بهما لن تضلّوا؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

فلم يدعصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً أنزله الله في عليّ بن أبي طالب خاصة وفي أهل بيته من القرآن ولا على لسان نبيّه إلاّ ناشدهم فيه فيقول الصحابة: اللّهمّ نعم قد سمعناه، ويقول التابعي: اللّهم قد حدّثنيه من أثق به فلان وفلان.

ثم ناشدهم أنّهم قد سمعوه يقول: من زعم أنّه يحبّني ويبغض عليّاً فقد كذب، ليس يحبّني وهو يبغض عليّاً، فقال له قائل: يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال: لأنّه منّي وأنا منه، من أحبّه فقد أحبّني ومَن أحبّني فقد أحبّ الله، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله؟ فقالوا: اللّهمّ نعم، قد سمعناه، وتفرّقوا على ذلك(1) .

موت معاوية:

لقد كان موت معاوية بن أبي سفيان في سنة ستّين من الهجرة(2) .

واستقبل معاوية الموت غير مطمئن، فكان يتوجّع ويظهر الجزع على ما اقترفه من الإسراف في سفك دماء المسلمين ونهب أموالهم، وقد وافاه الأجل في دمشق محروماً عن رؤية ولده الذي اغتصب له الخلافة وحمله على رقاب المسلمين، وكان يزيد فيما يقول المؤرّخون مشغولاً عن أبيه - في أثناء وفاته - برحلات الصيد وغارقاً في عربدات السكر ونغمة العيدان(3) .

____________________

(1) كتاب سُليم بن قيس: 323، تحقيق محمد باقر الأنصاري.

(2) سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 54.

(3) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 239 - 240.

١٢٥

البحث الثاني: حكومة يزيد ونهضة الإمام الحسينعليه‌السلام .

بدايات النهضة:

ذكرنا أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام وبالرغم من معارضته الشديدة لحكم معاوية بن أبي سفيان - والتي نقلنا صوراً عديدةً منها - رفض التحرّك لخلع معاوية; التزاماً منه بالعهد الذي وقّعه أخوه الإمام الحسنعليه‌السلام مع معاوية.

وقد سجّل المؤرّخون هذا الموقف المبدئي للإمام الحسينعليه‌السلام فقالوا:

لمّا مات الحسنعليه‌السلام تحرّكت الشيعة بالعراق، وكتبوا إلى الحسينعليه‌السلام في خلع معاوية والبيعة له فامتنع عليهم، وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدّة، فإذا مات معاوية نظر في ذلك(1) .

من هنا كان معلوماً لشيعته وللجهاز الحاكم أيضاً أنّ موت معاوية يعني بالنسبة للإمام الحسينعليه‌السلام أنه في حلّ من أيّ التزام، ومن ثم فإنّه سيطلق ثورته على نظام الحكم الغاشم الذي استلمه يزيد الفاسق، لذلك كان الإمام الحسينعليه‌السلام يمثّل الهاجس الأكبر للطغمة الحاكمة.

رسالة يزيد إلى حاكم المدينة:

قال المؤرّخون: إنّ يزيد كتب فور موت أبيه إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - وكان والياً على المدينة من قِبَل معاوية - أن يأخذ على الحسينعليه‌السلام بالبيعة له ولا يرخّص له في التأخّر عن ذلك(2) . وذكرت مصادر

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 32.

(2) المصدر السابق.

١٢٦

تأريخية أخرى أنّه جاء في الرسالة: إذا أتاك كتابي هذا فأحضر الحسين بن عليّ وعبد الله بن الزبير فخذهما بالبيعة، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما وابعث إليّ برأسيهما وخذ الناس بالبيعة، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم(1) .

الوليد يستشير مروان بن الحكم:

حار الوليد في أمره، إذ يعرف أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام لا يبايع ليزيد مهما كانت النتائج، فرأى أنّه في حاجة إلى مشورة مروان بن الحكم عميد الأسرة الأُموية فبعث إليه، فأشار مروان على الوليد قائلاً له: إبعث اليهم(2) في هذه الساعة فتدعوهم إلى البيعة والدخول في طاعة يزيد، فإن فعلوا قبلت ذلك منهم، وإن أبوا قدّمهم واضرب أعناقهم قبل أن يدروا بموت معاوية; فإنّهم إن علموا ذلك وثب كلّ رجل منهم فأظهر الخلاف ودعا إلى نفسه، فعند ذلك أخاف أن يأتيك من قبلهم ما لا قبل لك به، إلاّ عبد الله بن عمر فإنّه لا ينازعُ في هذا الأمر أحداً، مع أنّني أعلم أنّ الحسين بن علي لا يجيبك إلى بيعة يزيد، ولا يرى له عليه طاعةً. ووالله لو كنت في موضعك لم أراجع الحسين بكلمة واحدة حتى أضرب رقبته كائناً في ذلك ما كان(3) .

وعظم ذلك على الوليد وهو أكثر بني أُمية حنكةً، فقال لمروان: ياليت الوليد لم يولد ولم يك شيئاً مذكوراً(4) .

فسخر منه مروان وراح يندّد به قائلاً: لا تجزع ممّا قلتُ لك; فإنّ

____________________

(1) تأريخ اليعقوبي: 2 / 215.

(2) المقصود هنا الإمام الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر، باعتبار أنّ بعض المصادر التأريخية أفادت بأنّ رسالة يزيد تضمّنت أسماءهم جميعاً مثل تأريخ الطبري: 6 / 84.

(3) حياة إلامام الحسينعليه‌السلام : 2 / 25.

(4) المصدر السابق: 2 / 251.

١٢٧

آل أبي تراب هم الأعداء من قديم الدهر(1) ، ونهره الوليد فقال له: ويحك يا مروان إعزب عن كلامك هذا، وأحسن القول في ابن فاطمة فإنّه بقية النبوة(2) .

واتّفق رأيهما على استدعاء الإمامعليه‌السلام وعرض الأمر عليه لمعرفة موقفه من السلطة.

الإمامعليه‌السلام في مجلس الوليد:

أرسل الوليد إلى الحسينعليه‌السلام يدعوه إليه ليلاً، فجاءه الرسول وهو في المسجد، ولم يكن قد شاع موت معاوية بين الناس، وجال في خاطر الحسينعليه‌السلام أنّ الوليد قد استدعاه ليخبره بذلك ويأخذ منه البيعة إلى الحاكم الجديد بناءً على الأوامر التي جاءته من الشام، فاستدعى الحسين مواليه وإخوته وبني عمومته وأخبرهم بأنّ الوالي قد استدعاه إليه وأضاف: إنّي لا آمن أن يكلّفني بأمر لا اُجيبه عليه(3) .

وقال الإمامعليه‌السلام لمواليه بعد أن أمرهم بحمل السلاح: (كونوا معي فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه)(4) .

ودخل الإمامعليه‌السلام على الوليد فرأى مروان عنده وكانت بينهما قطيعة، فقالعليه‌السلام : (الصلةُ خير من القطيعة، والصلح خير من الفساد، وقد آن لكما أن تجتمعا، أصلح الله ذات بينكما)(5) ثم نعى إليه الوليد معاوية، فاسترجع الإمام الحسينعليه‌السلام

____________________

(1) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام 2 / 251.

(2) المصدر السابق.

(3) إعلام الورى: 1 / 434، وروضة الواعظين: 171، ومقتل أبي مخنف: 27، وتذكرة الخواص: 213.

(4) الإرشاد: 2 / 33.

(5) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 254.

١٢٨

ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له، فقال الحسينعليه‌السلام : (إنّي لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرّاً حتى اُبايعه جهراً).

فقال الوليد: أجل، فقال الحسينعليه‌السلام : (فتصبح وترى رأيك في ذلك)، فقال له الوليد: انصرف على اسم الله تعالى حتى تأتينا مع جماعة الناس، فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، إحبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه. فوثب الحسينعليه‌السلام عند ذلك وقال:(أنت ياابن الزرقاء تقتلني أم هو؟! كذبت والله وأثمت). وخرج يمشي ومعه مواليه حتى أتى منزله.

فقال مروان للوليد: عصيتني. لا و الله لا يمكّنك مثلها من نفسه أبداً. فقال له الوليد: ويح غيرك يا مروان! إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني. والله ما اُحب أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وإنّي قتلت حسيناً. سبحان الله! أقتل حسيناً لمّا أن قال: لا أبايع؟ والله إنّي لأظنّ امرءاً يحاسبُ بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة(1) .

وثمّة روايات أفادت بأنّ النقاش قد احتدم بين الإمامعليه‌السلام وبين مروان، حتى أعلنعليه‌السلام رأيه لمروان بصراحة قائلاً: (إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة)(2) .

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 33 - 34.

(2) مقتل الحسين للمقرّم: 144، وإعلام الورى: 1 / 435.

١٢٩

الإمامعليه‌السلام مع مروان:

والتقى الإمام الحسينعليه‌السلام في أثناء الطريق بمروان بن الحكم في صبيحة تلك الليلة التي أعلن فيها رفضه لبيعة يزيد، فبادره مروان قائلاً: إنّي ناصح فأطعني ترشد وتسدّد. فقال الإمامعليه‌السلام : (وما ذاك يا مروان؟).

قال مروان: إنّي آمرك ببيعة أمير المؤمنين يزيد فإنّه خير لك في دينك ودنياك. فردّ عليه الإمامعليه‌السلام ببليغ منطقه قائلاً: (على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد... سمعت جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان وعلى الطلقاء وأبناء الطلقاء فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه، فوالله لقد رآه أهل المدينة على منبر جدّي فلم يفعلوا ما اُمروا به)(1) .

حركة الإمامعليه‌السلام في الليلة الثانية:

ذكر المؤرّخون أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام أقام في منزله تلك الليلة وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين من الهجرة، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليهم، وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجّهاً إلى مكة، فلمّا أصبح الوليد سرح في أثره الرجال فبعث راكباً من موالي بني أُمية في ثمانين راكباً، فطلبوه ولم يدركوه فرجعوا، فلمّا كان آخر نهار يوم السبت بعث الرجال إلى الحسينعليه‌السلام ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية، فقال لهم الحسينعليه‌السلام : اصبحوا ثم ترون ونرى. فكَفّوا تلك الليلة عنه ولم يلحّوا عليه.

____________________

(1) الفتوح لابن أعثم: 5 / 17، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 184.

١٣٠

فخرجعليه‌السلام من تحت ليلته وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجّهاً نحو مكة ومعه بنوه وبنو أخيه وإخوته وجَلَّ أهل بيته إلاّ محمد بن الحنفية - رحمة الله عليه - فإنّه لمّا علم عزمه على الخروج عن المدينة لم يدرِ أين يتوجّه، فقال له: يا أخي أنت أحبّ الناس إليَّ وأعزّهم عليّ ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق إلاّ لك وأنت أحقّ بها، تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فإن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإن اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروّتك ولا فضلك، إنّي أخاف عليك أن تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك وأخرى عليك، فيقتتلوا فتكون لأوّل الأسنّة غرضاً، فإذا خير هذه الأمة كلّها نفساً وأباً واُمّاً، أضيعها دماً وأذلّها أهلاً.

فقال له الحسينعليه‌السلام : فأين أذهب يا أخي؟ قال: انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فسبيل ذلك، وإن (نَبَتَ بك)(1) لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس إليه; فإنّك أصوب ما تكون رأياً حين تستقبل الأمر استقبالاً.

فقال الإمامعليه‌السلام : (يا أخي، قد نصحتَ وأشفقتَ وأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً)(2) . فسار الحسينعليه‌السلام إلى مكة وهو يقرأ( فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (3) .

____________________

(1) أي لم تجد بها قراراً ولم تطمئن عليها. انظر لسان العرب: 15/302 مادة نبأ.

(2) الإرشاد: 2 / 35.

(3)القصص (28): 21.

١٣١

وصايا الإمام الحسينعليه‌السلام :

لقد كتب الإمامعليه‌السلام قبل خروجه من المدينة عدّة وصايا:

منها: وصية لأخيه هذا نصّها: (هذا ما أوصى به الحسين بن عليّ إلي أخيه محمد بن الحنفية، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وأنّ الجنة حق والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور، وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين)(1) .

ومنها: وصيّته لأم المؤمنين أم سلمة حيث أوصاها بما يرتبط بإمامة الإمام من بعده. روي أنّه لمّا عزم على الخروج من المدينة أتته أم سلمة (رضي الله عنها) فقالت: يا بني لا تحزنّي بخروجك إلى العراق، فإنّي سمعت جدّك يقول: يقتل ولدي الحسينعليه‌السلام بأرض العراق في أرض يقال لها: كربلا. فقال لها: (يا أماه وأنا والله أعلم ذلك، وأنّي مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بدّ، وإنّي والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أُدفن فيها، وإنّي أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإن أردت يا أمه أُريك حفرتي ومضجعي).

ثم أشار إلى جهة كربلاء، فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده، فعند ذلك بكت أم سلمة بكاءً شديداً

____________________

(1) مقتل الحسين للمقرّم: 156.

١٣٢

وسلّمت أمره إلى الله.

فقال لها: (يا أمه، قد شاء الله عَزَّ وجَلَّ أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً).

وفي رواية أخرى: قالت أم سلمة: وعندي تربة دفعها إلي جدّك في قارورة، فقال: (والله إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضاً) ثم أخذ تربةً فجعلها في قارورة وأعطاها إيّاها، وقال: (اجعليها مع قارورة جدّي فإذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قتلت)(1) .

وروى الطوسي عن الحسين بن سعيد عن حمّاد بن عيسى عن ربعي بن عبد الله عن الفضيل بن يسار قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : (لمّا توجه الحسينعليه‌السلام إلى العراق ودفع إلى أم سلمة زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الوصية والكتب وغير ذلك قال لها: (إذا أتاك أكبر ولدي فادفعي إليه ما قد دفعت إليك)، فلمّا قتل الحسينعليه‌السلام أتى عليّ بن الحسينعليه‌السلام أم سلمة فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسينعليه‌السلام )(2) .

وروى عليّ بن يونس العاملي في كتابالصراط المستقيم النصّ على عليّ بن الحسينعليه‌السلام في حديث ثم قال: وكتب الحسينعليه‌السلام وصيّته وأودعها أم سلمة وجعل طلبها منها علامة على إمامة الطالب لها من الأنام فطلبها الإمام زين العابدينعليه‌السلام (3) .

____________________

(1) بحار الأنوار: 44 / 331، والعوالم: 17 / 180، وينابيع المودة: 405... إلى قوله: بكت أم سلمة بكاءً شديداً.

(2) الغيبة للطوسي: 118 حديث 148، واثبات الهداة: 5 / 214.

(3) إثبات الهداة: 5 / 216 حديث 8.

١٣٣

توجّه الإمام إلى مكة:

قال المؤرّخون: إن الإمام الحسينعليه‌السلام عندما توجّه إلى مكة لزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير كي لا يلحقك الطلب، فقال: لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض(1) . ولمّا دخل الإمام الحسينعليه‌السلام مكة كان دخوله إيّاها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان دخلها وهو يقرأ: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ)(2) .

ثم نزلها فأقبل أهلها يختلفون إليه ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو قائم يصلّي عندها ويطوف، ويأتي الحسينعليه‌السلام فيمن يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليين ويأتيه بين كلّ يومين مرة، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير، قد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسينعليه‌السلام في البلد وأنّ الحسينعليه‌السلام أطوع في الناس منه وأجلّ(3) .

____________________

(1) الفتوح: 5 / 24، وينابيع المودّة: 402 الإرشاد للمفيد: 2 / 35.

(2) القصص (28): 22.

(3) الإرشاد: 2 / 36، وبحار الأنوار: 44 / 332.

١٣٤

البحث الثالث: أسباب ودوافع الثورة

إنّه من الصعب أن نقف على جميع الأسباب لثورة امتدّت في عمق الزمن، ولا زالت تنبض بالدفق والحيويّة مثيرة في النفوس روح الإباء والتضحية، وتأخذ بيد الثائرين على مرّ الزمن بالاستمرار في طريق الحقّ وبذل النفس والنفيس لبلوغ الأهداف السامية، إنّها الثورة التي أحيت الرسالة الإسلامية بعد أن كادت تضيع وسط أهواء ورغبات الحكّام الفاسدين، وأثارت في الأمة الإسلامية الوعي حتّى صارت تطالب بإعادة الحقّ إلى أهله وموضعه.

إنّ أفضل ما نستخلص منه أسباب ودوافع الثورة الحسينية هي النصوص المأثورة عن الحسين الثائرعليه‌السلام وكذا آثار الثورة، إلى جانب معرفتنا بشخصيّتهعليه‌السلام فها هو الحسينعليه‌السلام يخاطب جيش الحرّ بن يزيد الرياحي الذي تعجّل لمحاصرته ولم يسمح له بتغيير مساره قائلا:

(أيّها الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أنْ يدخله مدخله. ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحقّ من غَيّر، وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم، وإنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تمّمتم عليّ بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسي مع أنفسكم، وأهلي

١٣٥

مع أهليكم، فلكم فيّ أُسوة)(1) .

وفي خطاب آخر بعد أن توضّحت نوايا الغدر والخذلان والإصرار على محاربة الإمامعليه‌السلام وطاعة يزيد الفاسق قالعليه‌السلام : (فسحقاً لكم يا عبيد الأمة وشذّاذ الأحزاب ونَبَذَة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرّفي الكتاب ومطفئي السنن وقتلة أولاد الأنبياء ومبيدي عترة الأوصياء وملحقي العهار بالنسب ومؤذي المؤمنين وصُراخ أئمّة المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين، ولبئس ما قدّمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون...).

ثم قالعليه‌السلام : (ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حميّة ونفوس أبيّة لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام...)(2) .

من هنا يمكن أن نخلص إلى أسباب ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام كما يلي:

1 - فساد الحاكم وانحراف جهاز الحكومة:

لم يعد في مقدور الإمام الحسينعليه‌السلام أن يتوقّف عن الحركة وهو يرى الانحراف الشامل في زعامة الأمة الإسلامية، فإذا كانت السقيفة قد زحزحت الخلافة عن صاحبها الشرعي وهو الإمام عليعليه‌السلام وتذرّع أتباعها بدعوى حرمة نقض البيعة ولزوم الجماعة وحرمة تفريق كلمة الأمة ووجوب إطاعة الإمام المنتخب بزعمهم، فقد كان الإمام عليعليه‌السلام يسعى بنحو أو بآخر لإصلاح ما فسد من جرّاء فعل الخليفة غير المعصوم، وقد شهد الإمام الحسينعليه‌السلام جانباً من ذلك بوضوح خلال فترة حكم عثمان.

ولقد كانت بنود الصلح تضع قيوداً على تصرّفات معاوية الذي اتّخذ

____________________

(1) تأريخ الطبري: 4 / 304، والكامل في التأريخ: 3 / 280.

(2) أعيان الشيعة: 1 / 603.

١٣٦

أسلوب الخداع والتستّر بالدين سبيلا لتمرير مخطّطاته، أمّا الآن فإنّ الأمر يختلف; إذ بعد موت معاوية لم يبق أيّ علاج إلاّ الصدام المباشر في نظر الإمام المعصوم وصاحب الحقّ الشرعي - الحسينعليه‌السلام - فلم يعد في الإمكان ولو نظرياً القبول بصلاحيّة يزيد وبني أُمية للحكم.

على أنّ نتائج انحراف السقيفة كانت تنذر بالخطر الماحق للدين، فقد قال الإمامعليه‌السلام : (أيّها الناس! إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بقول ولا بفعل كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله).

وقد كان يزيد يتصف بكل ما حذّر منه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان الحسينعليه‌السلام وهو الوريث للنبيّ وحامل مشعل الرسالة - أحقّ من غيره بالمواجهة والتغيير.

2 - مسؤولية الإمام تجاه الأمة:

كان الإمام الحسينعليه‌السلام يمثّل القائد الرسالي الشرعي الذي يجسّد كلّ القيم الخيّرة والأخلاق السامية.

وبحكم مركزه الاجتماعي - حيث إنّه هو سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ووريثه - فإنّه مسؤول عن هذه الأمة، وقد وقفعليه‌السلام في عهد معاوية محاولاً إصلاح الأمور بطريقة سلمية، فحاجج معاوية وفضح مخطّطاته(1) ونبّه الأمة إلى مسؤولياتها ودورها(2) ، بل خطا خطوةً كبيرة لتحفيز الأمة على رفض الظلم(3) ،

____________________

(1) الإمامة والسياسة: 1 / 284.

(2) كتاب سُليم بن قيس: 166.

(3) شرح نهج البلاغة: 4 / 327.

١٣٧

وحاول جمع كلمة الأمة في وجه الظالمين(1) .

ولمّا استنفد كلّ الإجراءات الممكنة لتغيير الأوضاع الاجتماعية في الأمة تحرّك بثقله وأهل بيته للقيام بعمل قويّ في مضمونه ودلالته وأثره وعطائه لينهض بالأمة لتغيير واقعها الفاسد.

3 - الاستجابة لرأي الجماهير الثائرة:

لم يكن بوسع الإمام الحسينعليه‌السلام أن يقف دون أن يقوم بحركة قوية، وقد تكاثرت عليه كتب الرافضين لبيعة يزيد بن معاوية تطلب منه قيادة زمام أمورها والنهوض بها، وقد حمّلته المسؤولية أمام الله إذا لم يستجب لدعواتهم، وكانت دعوة أهل الكوفة للإمام الحسينعليه‌السلام بمثابة الغطاء السياسي الذي يعطي الصفة الشرعية لحركته، فلم تكن حركته بوازع ذاتي ولا مطمع شخصي، لا سيّما بعد إتمام الحجّة عليه من قبل هؤلاء المسلمين.

4 - محاولة إرغامهعليه‌السلام على الذلّ والمساومة:

لقد كان الإمام الحسينعليه‌السلام يحمل روحاً صاغها الله بالمُثل العليا والقيم الرفيعة، ففاضت إباء وعزّةً وكرامةً، وفي المقابل تدنّت نفسيّة يزيد الشريرة ونفسيات أزلامه، فأرادوا من الإمام الحسينعليه‌السلام أن يعيش ذليلا في ظلّ حكم فاسد: وقد صرّحعليه‌السلام قائلاً: (ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله ونفوس أبيّة وأنوف حميّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).

وفي موقف آخر قالعليه‌السلام :(لا أرى الموت إلاّ سعادةً والحياة مع الظالمين إلاّ برماً).

____________________

(1) أنساب الأشراف: ق 1 / ج 1، وتأريخ ابن كثير: 8 / 162.

١٣٨

بهذه الصورة الرائعة سنّ الإمام الحسينعليه‌السلام سنّة الإباء لكلّ من يدين بقيم السماء وينتمي إليها ويدافع عنها، وانطلق من هذه القاعدة ليغيّر الواقع الفاسد.

5 - نوايا الغدر الأموي والتخطيط لقتل الحسينعليه‌السلام :

استشفّ الإمام الحسينعليه‌السلام - وهو الخبير الضليع بكلّ ما كان يمرّ في معترك الساحة السياسية والمتغيّرات الاجتماعية التي كانت تتفاعل في الأمة - نوايا الغدر والحقد الأموي على الإسلام وأهل البيتعليهم‌السلام وتجارب السنين الأولى من الدعوة الإسلامية، ثم ما كان لمعاوية من مواقف مع الإمام عليعليه‌السلام ومن بعده مع الإمام الحسنعليه‌السلام .

وأيقن الحسينعليه‌السلام أنّهم لا يكفّون عنه وعن الفتك به حتى لو سالمهم، فقد كان يمثّل بقية النبوّة والشخصية الرسالية التي تدفع الحركة الإسلامية في نهجها الحقيقي وطريقها الصحيح.

ولم يستطع يزيد أن يخفي نزعة الشرّ في نفسه، فقد روي أنّه صرّح قائلاً في وقاحة:

لستُ من خندف إن لم انتقم

من بني أحمد ما كان فعلْ

وقد أعلن الإمام الحسينعليه‌السلام أنّ بني أُمية لا يتركونه بحال من الأحوال فقد صرّح لأخيه محمد بن الحنفية قائلاً: (لو دخلت في جُحْر هامّة من هذه الهوامّ لاستخرجوني حتى يقتلوني).

وقالعليه‌السلام لجعفر بن سليمان الضبعي: (والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة - يعني قلبه الشريف - من جوفي).

١٣٩

فتحرّك الإمامعليه‌السلام من مكة مبكّراً ليقوم بالثورة قبل أن تتمكّن يد الغدر من قتله وتصفيته، وهو بعد لم يتمكّن من أداء دوره المفروض له في الأمة آنذاك، وسعى لتفويت أيّة فرصة يمكن أن يستغلّها الأمويون للغدر به، والظهور بمظهر المدافع عن أهل بيت النبوّة.

6 - انتشار الظلم وفقدان الأمن:

قام الحكم الأموي على أساس الظلم والقهر والعدوان، فمنذ أن برز معاوية وزمرته كقوّة في العالم الإسلامي برز وهو باغ على خليفة المسلمين وإمام الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأسرف في ممارساته الظالمة التي جلبت الويل للأمة، فقد سفك الدماء الكثيرة، واستعمل شرار الخلق لإدارة الأمور يوم تفرّد بالحكم، بل وقبل أن يتسلّط على الأمة كانت كلّ العناصر الموالية له تشيع الخوف والقتل حتى قال الناس فيولاية زياد بن أبيه: (انج سعد، فقد هلك سعيد) للتدليل على ضياع الأمن في جميع أنحاء البلاد(1) .

ومن جانب آخر أمعنت السلطة الأُموية في احتقار فئات و قطاعات كبيرة من الأمة بنظرة استعلائية قبلية(2) ، كما مارس معاوية في سياسته التي ورثها يزيد أنواع الفتك والتعذيب والتهجير للمسلمين وبالأخص من عرف منه ولاء أهل البيتعليهم‌السلام (3) .

وبكلّ جرأة على الحقّ واستهتار بالقيم يقول معاوية للإمام الحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله، علمت أنّا قتلنا شيعة أبيك فحنّطناهم وكفّناهم

____________________

(1) تأريخ الطبري: 6 / 77، وتأريخ ابن عساكر: 3 / 222، والاستيعاب: 1 / 60، وتأريخ ابن كثير: 7 / 319.

(2) العقد الفريد: 2 / 258، وطبقات ابن سعد: 6 / 175، ونهاية الإرب: 6 / 86.

(3) شرح النهج: 11 / 44، وتأريخ الطبري: 4 / 198.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486