تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 486

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 486
المشاهدات: 73120
تحميل: 9203


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 486 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73120 / تحميل: 9203
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

وأُحضر أسيراً إلى سعد الدولة فقتله ولقي عاقبة بغيه وكفره إحسان مولاه. ولمّا قتله سار سعد الدولة إلى الرقّة وبها أولاد بكجور وأمواله، وحصرها فطلبوا الأمان وحلّفوا سعد الدولة على أن لا يتعرّض إليهم ولا إلى مالهم، فبذل سعد الدولة اليمين لهم، فلمّا سلّموا الرقّة إليه وخرجوا منها غدر بهم سعد الدولة وقبض على أولاد بكجور وأخذ ما معهم من الأموال وكانت شيئاً كثيراً.

فلمّا عاد سعد الدولة إلى حلب لحقه فالج في جانبه اليمين، فأحضر الطبيب ومدّ إليه يده اليسرى، فقال الطبيب: يا مولانا هات اليمين... فقال سعد الدولة: ما تركت لي اليمين يميناً.

وعاش بعد ذلك ثلاثة أيّام ومات في هذه السنة، واسم سعد الدولة المذكور شريف وكنيته أبو المعالي بن سيف الدولة بن علي بن حمدان بن حمدون التغلبي.

وقبل موته عهد إلى ولده أبي الفضائل بن سعد الدولة وجعل مولاه لؤلؤ يدبّر أمره.

(وفي سنة ٤٠٢)

ذكرنا ملك أبي المعالي شريف الملقّب بسعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان لحلب إلى أن توفّي بالفالج وهو مالكها على ما أوردناه في سنة إحدى وثمانين وثلاثمئة.

ولمّا توفّي أبو المعالي سعد الدولة المذكور أُقيم أبو الفضائل ولد سعد الدولة مكان أبيه، وقام بتدبيره لؤلؤ أحد موالي سعد الدولة.

ثمّ استولى أبو نصر بن لؤلؤ المذكور على أبي الفضائل بن سعد الدولة وأخذ منه حلب واستولى عليها وخطب للحاكم العلوي بها، ولقّب الحاكم أبا نصر بن لؤلؤ المذكور مرتضى الدولة.

واستقرّ في ملك حلب، وجرى بينه وبين صالح بن مرداس الكلابي وبني كلاب وحشة وقصص يطول شرحها.

وكانت الحرب بينهم سجالاً، وانتهت الحال بإخراج ابن لؤلؤ من حلب.

ثمّ تنقّلت حلب بأيد نوّاب الحاكم، حتّى صارت بيد إنسان من الحمدانية يُعرف بعزيز الملك. وبقي المذكور نائب الحاكم بحلب حتّى قُتل

٦١

الحاكم سنة ٤١١(١) .

وممّا جاء في تاريخ أبي الفداء من ذكر آخر أمرهم:

(في حوادث سنة ٤٦٤)

استولت والدة المستنصر العلوي خليفة مصر على الأمر فضعف أمر الدولة وصارت العبيد حزباً والأتراك حزباً، وجرت بينهم حروب، وكان ناصر الدولة وهو من أحفاد ابن حمدان من أكبر قوّاد مصر والمشار إليه.

فاجتمعت إليه الأتراك، وجرى بينهم وبين العبيد عدّة وقعات. وحصر ناصر الدولة مصر وقطع الميرة عنها برّاً وبحراً، فغلت الأسعار بها وعُدم ما كان بخزائن المستنصر حتى أخرج العروض وعدم المتحصل بسبب انقطاع السبل.

ثمّ استولى ناصر الدولة على مصر وانهزمت العبيد وتفرّقت في البلاد، واستبدّ ناصر الدولة بالحكم، وقبض على والدة المستنصر وصادرها بخمسين ألف دينار.

وتفرّق عن المستنصر أولاده وأهله، وانقضت سنة أربع وستّين وما قبلها بالفتن. وبالغ ناصر الدولة في إهانة المستنصر، حتّى بقي يقعد على حصيرة لا يقدر على غير ذلك، وكان غرضه في ذلك أن يخطب للخليفة القائم العبّاسي، ففطن بفعله قائد كبير من الأتراك اسمه (الذكر)، فاتّفق مع جماعةٍ على قتل ناصر الدولة وقصدوه في داره، فخرج ناصر الدولة إليهم مطمئنّاً بقوّته فضربوه بسيوفهم حتّى قتلوه، وأخذوا رأسه.

ثمّ قتلوا فخر العرب أخا ناصر الدولة، وتتّبعوا جميع من بمصر من بني حمدان فقتلوهم

____________________

(١) وفي كتاب (الحاكم بأمر الله) لمحمد بن عبد الله عنّان المصري: وكان أمير حلب في أوائل عهد الحاكم أبو الفضائل بن حمدان الملقّب سعد الدولة، فاستمرّ في حكمها بمعاونة وزيره القويّ أبي نصر لؤلؤ ؛ ولمّا توفّي سعد الدولة وثب لؤلؤ بولديه أبي الحسن وأبي المعالي، فانتزع الولاية منهما لنفسه وحكم باسمهما مدى حين، ثمّ أخرجهما من حلب، فسار إلى مصر والتجأ إلى الحاكم، فاستقلّ لؤلؤ بالحكم، ولكنّه رأى أن يتّقي خصومه الفاطميين، فأعلن طاعة الحاكم، ودعا له حيناً، بيد أنّه عاد فنقض الدعوة، وعاد إلى موقف الخصومة والمقاومة (صفحة ١٠٤).

٦٢

عن آخرهم، وكان قتلهم في سنة خمس وستّين وأربعمئة. وبقي الأمر بمصر مضطرباً.

المستدرك من أخبار أوائل بني حمدان

جاء في تاريخ ابن خلدون في أخبار مُساور الخارجي:

لمّا ولي الموصل أيّوب بن أحمد بن عمر بن الخطّاب التغلبي سنة ٢٥٤ استخلف عليها ابنه الحسن، فجمع عسكراً كان فيهم ابن حمدون بن الحرث بن لقمان جدّ الأمراء من بني حمدان، ومحمد بن عبد الله بن السيّد بن أنس، وسار إلى مُساور وعبر إليه نهر الزاب فتأخّر عن موضعه.

وسار الحسن في طلبه فالتقوا واقتتلوا، وانهزم عسكر الموصل وقتل محمد بن السيد الأزدي، ونجا الحسن بن أيّوب إلى أعمال إربل.

٦٣

ما جاء في كامل ابن الأثير من أخبارهم

(في الجزء السابع من كامل ابن الأثير)

كان مُساور بن عبد الحميد قد استولى على أكثر أعمال الموصل وقوي أمره، فجمع له الحسن بن أيّوب بن أحمد بن عمر بن الخطّاب العدويّ التغلبيّ، وكان خليفة أبيه بالموصل، عسكراً كثيراً منهم حمدان بن حمدون جدّ الأمراء الحمدانية وغيره. وسار إلى مُساور وعبر إليه نهر الزاب، فتأخّر عنه مساور عن موضعه، ونزل بموضعٍ يُقال له وادي الذياب(١) ، وهو وادٍ عميق، فسار الحسن في طلبه، فالتقوا في جمادى الأولى واقتتلوا، واشتدّ القتال، فانهزم عسكر الموصل، وكثر القتل فيهم، وسقط كثير منهم في الوادي فهلك فيه أكثر من القتلى.

ونجا الحسن فوصل إلى قزّة من أعمال إربل اليوم، ونجا محمد بن علي بن السيّد، فظنّ الخوارج أنّه الحسن فتبعوه، وكان فارساً شجاعاً، فقاتلهم، فقُتل. واشتد أمر مُساور وعظم شأنه وخافه الناس(٢) .

ثمّ ذكر في حوادث سنة ٢٥٥ استيلاءه على الموصل بغير حرب(٣) .

وفي حوادث سنة ٢٦٠ الفتنة في الموصل وإخراج عاملها(٤) .

____________________

(١) وقد ذُكرت في إحدى الطبعات: (الريّات).

(٢) الكامل لابن الأثير: المجلد ٧ صفحة ١٨٨ - دار بيروت ١٩٦٥.

(٣) م ٧ ص ٢٠٥.

(٤) م ٧ ص ٢٦٩.

٦٤

وفي حوادث سنة ٢٦١ قال:

كتب أساتكين إلى الهيثم بن عبد الله بن المعمر التغلبيّ، ثمّ العدويّ، في أن يتقلّد الموصل، وأرسل إليه الخِلَع واللواء، وكان بديار ربيعة، فجمع جموعاً كثيرة، وسار إلى الموصل، ونزل بالجانب الشرقيّ، وبينه وبين البلد دجلة، فقاتلوه، فعبر إلى الجانب الغربيّ وزحف إلى باب البلد.

فخرج إليه يحيى بن سليمان في أهل الموصل، فقاتلوه فقُتل بينهم قتلى كثيرة، وكثرت الجراحات وعاد الهيثم عنهم.

فاستعمل اساتكين على الموصل إسحاق بن أيّوب التغلبيّ، فخرج في جمع يبلغون عشرين ألفاً، منهم حمدان بن حمدان التغلبيّ وغيره(١) . ثمّ ذكر ابن الأثير ما جرى بينهم من القتال، وانتهاء الأمر باستقرار يحيى بن سليمان بالموصل.

ويذكر ابن الأثير في حوادث سنة ٢٦٦ مفارقة إسحاق بن گنداج أحمد بن موسى بن بُغا، وكان سبب ذلك أنّ أحمد لمّا سار إلى الجزيرة، ووليَ موسى بن أتامش ديار ربيعة، أنكر ذلك إسحاق بن گنداج، وفارق عسكره، وسار إلى بلد، فأوقع بالأكراد اليعقوبيّة فهزمهم وأخذ أموالهم، ثمّ لقي ابن مساور الخارجيّ فقتله، وسار إلى الموصل فقاطع أهلها على مالٍ قد أعدّوه.

وكان قائد كبير بِمَعْلَثايا اسمه عليُّ بن داود، وهو المخاطب له عن أهل الموصل، والمدافع، فسار ابن گنداج إليه، فلمّا بلغه الخبر فارق معلَثايا، وعبر دجلة، ومعه حمدان بن حمدون، إلى إسحاق بن أيّوب بن أحمد التغلبيّ العدويّ، فاجتمعوا كلّهم فبلغت عدّتهم نحو خمسة عشر ألفاً.

وسمع ابن گنداج باجتماعهم، فعبر إلى بلد، وعبر دجلة إليه وهو في ثلاثة آلاف، وسار إلى نهر أيّوب، فالقوا بِكَراثا، وهي التي تُعرف اليوم بتلّ موسى، وتصافّوا للحرب، فأرسلَ مقدّم ميسرة ابن أيّوب إلى ابن گنداج يقول له:

إنّني في الميسرة فاحمل عليَّ لأنهزم، ففعل ذلك، فانهزمت ميسرة ابن أيّوب، وتبعها الباقون، فسار حمدان بن حمدون، وعليّ بن

____________________

(١) الكامل، المجلد ٧ الصفحتان ٢٧٠ - ٢٧١.

٦٥

داود إلى نيسابور وأخذ ابن أيّوب نحو نصيبين، فاتَّبعه ابن گنداج، فسار ابن أيّوب عن نصيبين إلى آمِد، واستولى ابن گنداج على نصيبين وديار ربيعة(١) .

(ويذكر ابن الأثير في كامله في حوادث سنة ٢٦٧)

وفي هذه السنة: كانت وقعة بين إسحاق بن كنداجيق، وإسحاق بن أيّوب، وعيسى بن الشيخ، وأبي المغرا، وحمدان بن حمدون، ومن اجتمع إليهم من ربيعة وتغلب وبكر واليمن. فهزمهم ابن كنداجق إلى نصيبين، وتبعهم إلى آمد، وخلّف على آمِد من حصر عيسى، فكانت بينهم وقعات عند آمِد(٢) .

(ويذكر في حوادث سنة ٢٧٢)

وفي هذه السنة: دخل حمدان بن حمدون وهارون الشاري مدينة الموصل، وصلّى بهم الشاري في جامعها(٣) .

(ويذكر حوادث سنة ٢٧٩)

وفي هذه السنة: اجتمعت الخوارج، ومقدّمهم هارون، ومعهم متطوّعة أهل الموصل وغيرهم، وحمدان بن حمدون التّغلبيّ، على قتال بن شيبان.

وسبب ذلك أنّ جمعاً كثيراً من بني شيبان عبروا الزاب، وقصدوا نينوى من أعمال الموصل، للإغارة عليها وعلى البلد. فاجتمع هارون الشاري وحمدان بن حمدون، وكثير من المُتطوّعة المَواصِلة، وأعيانُ أهلها، على قتالهم ودَفْعهم.

وكان بنو شيبان نزلوا على باعشيقا، ومعهم هارون بن سليمان مولى أحمد بن عيسى بن الشيخ الشيبانيّ صاحب ديار بكر، وكان قد أنفذه محمد بن إسحاق بن گنداج والياً على الموصل.

____________________

(١) الكامل، المجلد ٧ ص٣٣٣ - ٣٣٤.

(٢) م ٧ ص٣٦٢.

(٣) م ٧ ص٤١٩.

٦٦

فالتقوا وتصافّوا واقتتلوا، فانهزمت بنو شيبان، وتبعهم حمدان والخوارج، وملكوا بيوتهم، واشتغلوا بالنهب.

وكان الزّاب لمّا عبره بنو شيبان زائداً، فلمّا انهزموا علموا أن لا ملجأ ولا منجى غيرُ الصبر، فعادوا إلى القتال، والناس مشغولون بالنهب، فأوقعوا بهم، وقُتل كثير من أهل الموصل ومن معهم، وعاد الظفر للأعراب(١) .

(وفي حوادث سنة ٢٨١)

وفي هذه السنة: خرج المعتضد إلى المَوْصِل، قاصداً لحمدان بن حمدون ؛ لأنّه بلغه أنّ حمدان مال إلى هارون الشاري، ودعا له. فلمّا بلغ الأعراب والأكراد سيرُ المعتضد تحالفوا أنّهم يقاتلون(٢) على دمٍ واحد، واجتمعوا، وعبّوا عسكرهم.

وسار المعتضد إليهم في خيلٍ جريدةً، فأوقع بهم، وقتل منهم، وغرق منهم في الزاب خلقٌ كثير.

وسار المعتضد إلى المَوْصِل يريد قلعة ماردين، وكانت لحمدان بن حمدون، فهرب حمدان منها وخلَّف ابنه بها، فنازلها المعتضد وقاتل مَن فيها يومه ذلك، فلمّا كان من الغد ركب المعتضد فصعد إلى باب القلعة، وصاح: يابن حمدان!... فأجابه، فقال: افتح الباب، ففتحه، فقعد المعتضد في الباب، وأمر بنقل ما في القلعة وهدمها.

ثمّ وجّه خلف ابن حمدون، وطُلب أشدّ الطلب، وأُخذت أموال له، ثمّ ظفر به المعتضد بعد عوده إلى بغداد.

وفي عوده قصد الحسنيَّة وبها رجل كرديٌّ يقال له شدّاد، في جيش كثير، قيل كانوا عشرة آلاف رجل، وكان له قلعة، فظفر به المعتضد وهدم قلعته(٣) .

____________________

(١) الكامل، المجلد ٧، ص٤٥٣ - ٤٥٤.

(٢) يقتلون: في طبعة أُخرى.

(٣) الكامل، المجلد ٧، ص٤٦٦.

٦٧

(وفي حوادث سنة ٢٨٢)

وفي هذه السنة: كتب المعتضد إلى إسحاق بن أيّوب وحمدان بن حمدون، بالمسير إليه، وهو في المَوْصِل، فبادر إسحاق، وتحصّن حمدان بقلاعه، وأودع أمواله وحُرَمه. فسيّر المعتضد الجيوش نحوه مع وصيف موشكير، ونصر القشوريّ وغيرهما ؛ فصادفوا الحسن بن علي كورة وأصحابه متحصّنين بموضع يُعرف بدير الزَّعفران من أرض الموصل.

وفيها: وصل الحسين بن حمدان بن حمدون، فلمّا رأى الحسين أوائل العسكر طلب الأمان، فأُمِّن، وسُيِّر إلى المعتضد، وسلّم القلعة، فأمر المعتضد بهدمها.

وسار وصيف في طلب حمدان، وكان بباسورين، فواقعه وصيف، وقتل من أصحابه جماعة، وانهزم حمدان في زورقٍ كان له في دجلة، وحمل معه مالاً كان له، وعبر إلى الجانب الغربيّ من دجلة، فصار في ديار ربيعة.

وعبر نفر من الجند، فاقتصّوا أثره، حتّى أشرفوا على ديرٍ قد نزله، فلمّا رآهم هرب، وترك ماله، فأُخذ وأُتي به المعتضد، وسار أولئك في طلب حمدان، فضاقت عليه الأرض، فقصد خيمة إسحاق بن أيّوب، وهو مع المعتضد، واستجار به، فأحضره إسحاق عند المعتضد، فأمر بالاحتفاظ به(١) .

(وفي حوادث سنة ٢٨٣)

وفي هذه السنة: سار المعتضد إلى الموصل بسبب هارون الشاري وظفر به. وسبب الظفر به أنّه وصل إلى تكريت وأقام بها، وأحضر الحسين بن حمدان التغلبيّ وسيّره في طلب هارون بن عبد الله الخارجي في جماعةٍ من الفرسان والرجّالة، فقال له الحسين: إن أنا جئت به فلي ثلاث حوائج عند أمير المؤمنين ؛ قال: اذكرها!

قال: إحداهنّ إطلاق أبي، وحاجتان أذكرهما بعد مجيئي به.

فقال له المعتضد: لك ذلك.

فانتخب ثلاثمئة فارس، وسار بهم،

____________________

(١) م ٧ ص ٤٦٩ - ٤٧٠.

٦٨

ومعهم وصيف بن موشكير، فقال له الحسين: فأُمره بطاعتي، يا أمير المؤمنين. فأمره بذلك.

وسار بهم الحسن حتّى انتهى إلى مخاضة في دجلة، فقال الحسين لوصيف ولمن معه: ليقفوا هناك، فإنّه ليس له طريق إن هرب غير هذا، فلا تبرحُنَّ من هذا الموضع حتّى يمرّ بكم فتمنعوه عن العبور، وأجيء أنا، أو يبلغكم أنّي قُتلت.

ومضى حسين في طلب هارون، فلقيه، وواقعه وقُتل بينهما قتلى، وانهزم هارون، وأقام وصيف على المخاضة ثلاثة أيام، فقال له أصحابه:

قد طال مُقامنا، ولسنا نأمن أن يأخذ حسين هارون الشاري، فيكون له الفتح دوننا، والصواب أن نمضي في آثارهم، فأطاعهم ومضى.

وجاء هارون منهزماً إلى موضع المخاضة فعبر، وجاء حسين في أثره، فلم ير وصيفاً وأصحابه في الموضع الذي تركهم فيه، ولا عرف لهم خبراً، فعبر في أثر هارون، وجاء إلى حيّ من أحياء العرب، فسأل عنه، فكتموه، فتهدّدهم، فأعلموه أنّه اجتاز بهم، فتبعه حتّى لحقه بعد أيّام، وهارون في نحو مئة رجل، فناشده الشاري ووعده، وأبى حسين إلاّ محاربته، فحاربه، فألقى الحسين نفسه عليه، فأخذه أسيراً وجاء به إلى المعتضد، فانصرف المعتضد إلى بغداد، فوصلها لثمان بقين من ربيع الأول.

وخلع المعتضد على الحسن بن حمدان وطوّقه، وخلع على إخوته، وأدخل هارون على الفيل، وأمر المعتضد بحلّ قيود حمدان بن حمدون، والتوسعة عليه والإحسان إليه، ووعد بإطلاقه(١) .

(وفي حوادث سنة ٢٩٠)

وفي هذه السنة: في شوّال، تحارب القرمطيُّ صاحب الشامة وبدر مولى ابن طولون، فانهزم القرمطيّ وقُتل من أصحابه خلقٌ كثير، ومضى مَن

____________________

(١) الكامل، المجلد ٧، ص٤٧٦، ٤٧٧.

٦٩

سلم منهم نحو البادية، فوجَّه المكتفي في أثرهم الحسين بن حمدان، وغيره من القوّاد(١) .

(وفي حوادث سنة ٢٩١)

وفي هذه السنة: ذكر ابن الأثير في كامله (في أخبار القرامطة وقتل صاحب الشامة) قال: تفرق أصحابه، وأُسر من أُسر، وقُتل من قُتل، وكان أكثر الناس أثراً في الحرب الحسين بن حمدان. وكتب محمّد بن سليمان الكاتب (وهو الذي ولاّه المكتفي أمر محاربة صاحب الشّامة) يُثني على ابن حمدان وعلى بني شيبان، فإنّهم اصطلوا الحرب، وهزموا القرامطة، وأكثروا القتل فيهم والأسر، حتّى لم ينجُ منهم إلاّ قليل(٢) .

(وفي حوادث سنة ٢٩٣)

في ذكر أوّل إمارة بني حمدان بالموصل.

وفي هذه السنة: ولّى المكتفي بالله المَوْصِلَ وأعمالها أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي العدويَّ، فسار إليها، فقدمها أوّل المحرّم، فأقام بها يومه، وخرج من الغد لعرض الرجال الذين قدموا معه، والذين بالموصل، فأتاه الصريخ من نينوى بأنّ الأكراد الهذبانيَّة، ومقدّمهم محمد بن بلال، قد أغاروا على البلد، وغنموا كثيراً منه، فسار من وقته وعبر الجسر إلى الجانب الشرقيّ، فلحق الأكراد بالمعروبة على الخازر، فقاتلوه، فقُتل رجل من أصحابه اسمه سيما الحمدانيُّ، فعاد عنهم، وكتب إلى الخليفة يستدعي النجدة، فأتته النجدة بعد شهور كثيرة، وقد انقضت سنة ثلاث وتسعين ودخلت سنة أربع وتسعين.

ففي ربيع الأوّل منها سار فيمن معه إلى الهذبانيّة، وكانوا قد اجتمعوا في خمسة آلاف بيت، فلمّا رأوا جدّه في طلبهم ساروا إلى البابة التي في جبل السَّلَق، وهو مضيق في جبلٍ عالٍ مشرف على شَهْرَزُور، فامتنعوا بها، وأغار مقدّمهم محمد بن بلال، وقرب من ابن حمدان، وراسله في أن

____________________

(١) م ٧ ص ٥٢٦.

(٢) م ٧ ص ٥٣١.

٧٠

يطيعه، ويحضره هو وأولاده، ويجعلهم عنده يكونون رهينة، ويتركون الفساد، فقبل ابن حمدان ذلك، فرجع محمد ليأتي بمن ذكر، فحثّ أصحابه على المسير نحو أَذْرَبيجان، وإنّما أراد في الذي فعله مع ابن حمدان أن يترك الجدّ في الطلب ليأخذ أصحابه أُهبتهم ويسيروا آمنين.

فلمّا تأخّر عود محمد عن ابن حمدان علم مراده، فجرّد معه جماعة من جملتهم إخوته سليمان وداود وسعيد وغيرهم ممّن يثق به وبشجاعته، وأمر النجدة التي جاءته من الخليفة أن يسيروا معه، فتثبّطوا، فتركهم وسار يقفو أثرهم، فلحقهم وقد تعلّقوا بالجبل المعروف بالقنديل، فقتل منهم جماعة، وصعدوا ذروة الجبل، وانصرف ابن حمدان عنهم، ولحق الأكراد بِأَذْرَبيجان، وأنهى ابن حمدان ما كان من حالهم إلى الخليفة والوزير فأنجدوه بجماعةٍ صالحةٍ، وعاد إلى الموصل فجمع رجاله وسار إلى جبل السَّلَق، وفيه محمد بن بلال ومعه الأكراد، فدخله ابن حمدان، والجواسيس بين يديه، خوفاً من كمين يكون فيه، وتقدَّم من بين يدي أصحابه، وهم يتبعونه، فلم يتخلَّف منهم أحد، وجاوزوا الجبل، وقاربوا الأكراد، وسقط عليهم الثلج واشتدّ البرد، وقلّت الميرة والعلف عندهم.

وأقام على ذلك عشرة أيام، وبلغ الحمل من التّبن ثلاثين درهماً، ثمّ عدم عندهم وهو صابر.

فلمّا رأى الأكراد صبرهم وأنّهم لا حيلة لهم في دفعهم، لجأ محمد بن بلال وأولاده ومَن لحق به.

واستولى ابن حمدان على بيوتهم وسوادهم وأهلهم وأموالهم ؛ وطلبوا الأمان فأمَّنهم وأبقى عليهم، وردّهم إلى بلد حزّة، وردّ عليهم أموالهم وأهليهم، ولم يقتل منهم غير رجلٍ واحد، وهو الذي قتل صاحبه (سيما) الحمدانيّ، وأمنت البلاد معه، وأحسن السيرة في أهلها.

ثمّ إنّ محمّد بن بلال طلب الأمان من ابن حمدان فأمَّنه، وحضر عنده، وأقام بالموصل، وتتابع الأكراد الحميديَّة، وأهل جبل (داسن) إليه بالأمان، فأمنت البلاد واستقامت(١) .

وفي هذه السنة: (أي ٢٩٣) أنفذ زكروَيْه بن مهروَيْه، بعد قتل صاحب

____________________

(١) الكامل، المجلد ٧، ص٥٣٨ - ٥٣٩ - ٥٤٠.

٧١

الشّامة، رجلاً كان يعلّم الصبيان بالرافوفة من الفَلّوجة، يُسمّى عبد الله بن سعيد، ويُكنّى أبا غانم، فسمّي نصراً، وقيل كان المنفذ ابن زكرَوَيْه، فدار على أحياء العرب من كلب وغيرهم يدعوهم إلى رأيه، فلم يقبله منهم أحد، إلاّ رجلاً من بني زياد يسمّى مقدام بن الكيّال، واستقوى بطوائف من الأصبَغيّين المنتمين إلى الفواطم، وغيرهم من العليصيِّين، وصعاليك من سائر بطون كلب، وقصد ناحية الشام، والعامل بدمشق والأردنّ أحمد بن (كَيْغَلَغ)، وهو بمصر يحارب الخلنجيَّ، فاغتنم ذلك عبد الله بن سعد، وسار إلى بُصرى و (أذرِعات) و(البثنيَّة)، فحارب أهلها، ثمّ أمَّنهم، فلمّا استسلموا إليه قتل مُقاتلتهم، وسبى ذراريَّهم وأخذ أموالهم.

ثمّ قصد (بجيشه) دمشق، فخرج إليهم نائب ابن (كَيْغَلَغ)، وهو صالح ابن الفضل، فهزمه القرامطة، وأثخنوا فيهم، ثمّ أمَّنوهم وغدروهم بالأمان، وقتلوا صالحاً، وفضُّوا عسكره.

وساروا إلى دمشق، فمنعهم أهلها، فقصدوا طبريّة. وانضاف إليه جماعة من جند دمشق افتُتنوا به، فواقعهم يوسف بن إبراهيم بن (بغامردي)، وهو خليفة أحمد بن كيغلغ بالأردنّ، فهزموه، وبذلوا له الأمان، وغدروا به وقتلوه، ونهبوا طبريّة، وقتلوا خلقاً كثيراً من أهلها وسبوا النساء.

فأنفذ الخليفةُ الحسين بن حمدان وجماعة من القوّاد في طلبهم، فوردوا دمشق، فلمّا علم بهم القرامطة رجعوا نحو السَّماوة، وتبعهم الحسين في السّماوة وهم ينتقلون في المياه ويُغوّرونها، حتّى لجؤوا إلى ماءَيْن يُعرف أحدهما بالدّمعانة، والآخر بالحبالة، وانقطع ابن حمدان عنهم لعدم الماء، وعاد إلى الرحبة، وأسرى القرامطة مع نصر إلى (هيت) وأهلها غافلون، فهبّوا رَبْضَها، وامتنع أهل المدينة بسورهم، ونهبوا السفن، وقتلوا من أهل المدينة مئتيْ نفس، ونهبوا الأموال والمتاع، وأوقروا ثلاثة آلاف راحلة من الحنطة.

وبلغ الخبر إلى المكتفي، فسيَّر محمّدَ بن إسحاق بن (گندج)، فلم يقيموا لمحمّد، ورجعوا إلى الماءَين، فنهض محمّد خلفهم، فوجدهم قد غوَّروا المياه، فأنفذ إليهم من بغداد الأزواد والدوابّ، وكتب إلى ابن حمدان بالمسير إليهم من جهة الرّحبة ؛ ليجتمع هو ومحمّد على الإيقاع بهم، ففعل ذلك.

٧٢

فلمَّا أحسَّ الكلبيّون بإقبال الجيش إليهم وثبوا بنصر فقتلوه، قتله رجل منهم يقال له الذّئب بن القائم، وسار برأسه إلى المكتفي متقرّباً بذلك، مستأمناً، فأُجيب إلى ذلك، وأُجيز بجائزة سنيَّة، وأُمر بالكفِّ عن قومه.

واقتتلت القرامطة بعد نصر حتّى صارت بينهم الدماء، وسارت فرقة كرهت أمورهم إلى بني أسد بنواحي عين التمر، واعتذروا إلى الخليفة، فقبل عذرهم، وبقي على الماءَيْن بقيّتهم ممّن له بصيرة في دينه، فكتب الخليفة إلى ابن حمدان يأمره بمعاودتهم، واجتثاث أصلهم، فأرسل إليهم زَكْرَوَيْه بن مهروَيْه داعيةً له يُسمّى القاسم بن أحمد، ويُعرف بأبي محمّد، وأعلمهم أن فعل الذّئب قد نفّره منهم، وأنّهم قد ارتدّوا عن الدين، وأنّ وقت ظهورهم قد حضر، وقد باع له من أهل الكوفة أربعون ألفاً(١) .

إلى غير ذلك من التّمويهات التي جمعت شتات القرامطة، وجرت أُمورٌ انتهت بانتصارهم على عساكر الخليفة بمكانٍ يُسمّى بالصوان من السواد.

(وفي حوادث سنة ٢٩٤)

وفي هذه السنة: يذكر ابن الأثير ما آل إليه أمر القرامطة، بعد ارتكابهم ما ارتكبوه في الحاج من الفظائع والقتل الذّريع، من تبديد جماعتهم، وقتل زكروَيْه، وتتبّع أتباعه بالقتل والحبس، وإراحة المسلمين من شرورهم.

وفي هذه السنة: كانت وقعة بين الحسين بن حمدان وبين أعراب من بني كلب وَطيّ واليمن وأسد وغيرهم(٢) .

(وفي حوادث سنة ٢٩٦)

يقول ابن الأثير في (كامله ):

وفي هذه السنة: اجتمع القوّاد والقضاه والكتّاب مع الوزير العبّاس بن الحسن، على خلع المقتدر، والبيعة لابن المعتزّ، وأرسلوا إلى ابن المعتزّ

____________________

(١) الكامل، المجلد ٧، ص٥٤١ - ٥٤٢ - ٥٤٣.

(٢) م ٧ ص ٥٤٨ - ٥٥٣.

٧٣

في ذلك، فأجابهم على أن لا يكون فيه سفك دم ولا حرب، فأخبروه في اجتماعهم عليه، وأنّهم ليس لهم منازعٌ ولا محارب.

وكان الرأس في ذلك العبّاس بن الحسن، ومحمّد بن داود بن الجرّاح، وأبو المثنّى أحمد بن يعقوب القاضي ؛ ومن القوّاد الحسين بن حمدان، وبدر الأعجميُّ، ووصيف بن صوارتكين.

ثمّ إنّ الوزير رأى أمره صالحاً مع المقتدر، وأنّه على ما يحب، فبدا له في ذلك، فوثب به الآخرون فقتلوه، وكان الذي تولّى قتله منهم الحسين بن حمدان، وبدر الأعجميّ ووصيف، ولحقوه وهو سائر إلى بستانٍ له، فقتلوه في طريقه، وقتلوا معه فاتكاً المعتضديّ، وذلك في العشرين من ربيع الأوّل، وخُلع المقتدر من الغد، وباع الناس لابن المعتزّ.

وركض الحسين بن حمدان إلى الحَلْبة ظنّاً منه أنّ المقتدر يلعب هناك بالكرة فيقتله، فلم يصادفه ؛ لأنّه كان هناك، فبلغه قتل الوزير وفاتك فركب دابَّته فدخل الدار، وغُلِّقت الأبواب، فندم الحسين حيث لم يبدأ بالمقتدر.

وأحضروا ابن المعتزّ وبايعوه بالخلافة، وكان الذي يتولّى أخذ البيعة له محمد بن سعيد الأزرق، وحضر الناس والقوّاد وأصحاب الدواوين، سوى أبي الحسن بن الفُرات، وخواصّ المقتدر، فإنّهم لم يحضروا، ولُقِّب ابن المعتزّ المرتضي بالله، واستوزر محمد بن داود بن الجرّاح، وقلّد عليّ بن عيسى الدواوين، وكتب الكتب إلى البلاد من أمير المؤمنين المرتضي بالله أبي العبّاس عبد الله بن المعتزّ بالله، ووجّه إلى المقتدر يأمره بالانتقال إلى دار ابن طاهر، التي كان مقيماً فيها، لينتقل هو إلى دار الخلافة، فأجابه بالسمع والطاعة، وسأل الإمهال إلى الليل.

وعاد الحسين بن حمدان بُكرة غدٍ إلى دار الخلافة، فقاتله الخدم والغلمان والرجّالة من وراء الستور عامّة النهار، فانصرف عنهم آخر النهار، فلمّا جنّه الليل سار عن بغداد بأهله وماله وكلّ ما لَهُ إلى الموصل، لا يُدرى لِمَ فعل ذلك ؛ ولم يكن بقي مع المقتدر من القوّاد غير مُؤنس الخادم، ومؤنس الخازن، وغريب الخال، وحاشية الدار.

فلمّا همَّ المقتدر بالانتقال عن الدار، قال بعضهم لبعض:

لا نسلّم الخلافة من غير أن نُبلي عذراً، ونجتهد في دفع ما أصابنا ؛ فأجمع رأيهم

٧٤

على أن يصعدوا في الماء إلى الدار التي فيها ابن المعتزّ بالحرم يقاتلونه، فأخرج لهم المقتدر السلاح والزرديّات وغير ذلك، وركبوا السُّمَيريّات، وأصعدوا في الماء، فلمّا رآهم مَن عند ابن المعتزّ هالهم كثرتهم، واضطربوا، وهربوا على وجوههم من قبل أن يصلوا إليهم، وقال بعضهم لبعض: إنَّ الحسن بن حمدان عرف ما يريد أن يجري فهرب من الليل، وهذه مواطأة بينه وبين المقتدر، وهذا كان سبب هربه(١) .

وانتهت الحال بعودة الخلافة إلى المقتدر وقتل ابن المعتزّ.

ويقول في حوادث هذه السنة (أي ٢٩٦):

وكان في هذه الحادثة عجائب منها:

أنّ الناس كلّهم أجمعوا على خلع المقتدر والبيعة لابن المعتزّ، فلم يتمّ ذلك، بل كان على العكس من إرادتهم، وكان أمر الله مفعولاً.

ومنها أنّ ابن حمدان، على شدّة تشيّعه وميله إلى عليّ (عليه السلام)، وأهل بيته، يسعى في البيعة لابن المعتزّ على انحرافه عن عليّ وغلوّه في النصب إلى غير ذلك(٢) .

إلى أن يقول:

(وسُيّرت العساكر من بغداد في طلب الحسين بن حمدان، فتبعوه إلى الموصل، ثمّ إلى بلد، فلم يظفروا به، فعادوا إلى بغداد، فكتب الوزير إلى أخيه أبي الهيجاء بن حمدان، وهو الأمير على الموصل، يأمره بطلبه، فسار إليه إلى بَلَد، ففارقها الحسين إلى سِنجار، وأخوه في أثره، فدخل البرّيّة فتبعه أخوه عشرة أيّام، فأدركه، فاقتتلوا، فظفر أبو الهيجاء، وأسر بعض أصحابه، وأخذ منه عشرة آلاف دينار، وعاد عنه إلى الموصل، ثمّ انحدر إلى بغداد، فلمّا كان فوق تكريت أدركه أخوه الحسين، فبيّته، فقتل منهم قتلى، وانحدر أبو الهيجاء إلى بغداد.

وأرسل الحسين إلى ابن الفُرات وزير المقتدر، يسأله الرضا عنه،

____________________

(١) الكامل، المجلّد ٨، ص١٤ - ١٥ - ١٦.

(٢) الكامل، المجلّد ٨، ص١٧ - ١٨.

٧٥

فشفع فيه إلى المقتدر بالله ليرضى عنه، وعن إبراهيم بن كَيْغَلَغ، وابن عمرَوْيه صاحب الشّرطة، وغيرهم، فرضي عنهم، ودخل الحسين بغداد، فردّ عليه أخوه ما أخذ منه، وأقام الحسين ببغداد إلى أن ولي قُمّ، فسار إليها، وأخذ الجرائد التي فيها أسماء من أعان على المقتدر، فخرَّقها في دجلة)(١) .

(وفي حوادث سنة ٢٩٦)

يقول: (وفي هذه السنة: (أي ٢٩٦)، سُيّر القاسم بن سيما وجماعة من القوّاد في طلب الحسين بن حمدان، فساروا حتّى بلغوا (قَرقِيسياء) والرَّحْبَة، فلم يظفروا به، فكتب المقتدر إلى أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان، وهو الأمير بالموصل، يأمره بطلب أخيه الحسين، فسار هو والقاسم بن سيما، فالتقوا عند تكريت، فانهزم الحسين، فأرسل أخاه إبراهيم بن حمدان يطلب الأمان، فأُجيب إلى ذلك، ودخل بغداد، وخُلع عليه، وعُقد له على قُمّ وقاشان، فسار إليها)(٢) .

(وفي حوادث سنة ٣٠١)

يقول: (وفي هذه السنة، في صفر: عُزل أبو الهيجاء، عبد الله بن حمدان عن الموصل، وقُلّد (يُمن) الطولونيُّ المعونة بالموصل، ثمّ صُرف عنها في هذه السنة، واستُعمل عليها (نحرير) الخادم الصغير.

وفيها: خالف أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان على المقتدر فسُيّر إليه مؤنس المظفَّر، وعلى مقدّمته (بنّيّ بن نفيس)، خرج إلى الموصل منتصف صفر ومعه جماعة من القوّاد. وخرج مؤنس في ربيع الأوّل، فلمّا علم أبو الهيجاء بذلك قصد مؤنساً مستأمناً من تلقاء نفسه، وورد معه إلى بغداد، فخلع المقتدر عليه)(٣) .

____________________

(١) م ٨ ص ١٨ - ١٩.

(٢) الكامل، المجلّد ٨ ص ٥٣ - ٥٤.

(٣) م ٨ ص ٧٦ - ٧٧.

٧٦

(وفي حوادث سنة ٣٠٢)

يقول: (وفي هذه السنة: قُلِّد أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان الموصل)(١) .

(وفي حوادث سنة ٣٠٣)

يقول: (في هذه السنة: خرج الحسين بن حمدان بالجزيرة عن طاعة المقتدر.

وسبب ذلك أنّ الوزير عليّ بن عيسى طالبه بمالٍ عليه من ديار ربيعة، وهو يتولاّها، فدافعه، فأمره بتسليم البلاد إلى عُمّال السلطان، فامتنع.

وكان مؤنس الخادم غائباً بمصر لمحاربة عسكر المهديّ العلويّ صاحب إفريقية، فجهّز الوزير رائقاً الكبير في جيش وسيّره إلى الحسين بن حمدان، وكتب إلى مؤنس يأمره بالمسير إلى ديار الجزيرة لقتال الحسين، بعد فراغه من أصحاب العلويّ، فسار رائق إلى الحسين بن حمدان.

وجمع لهم نحو عشرين ألف فارس، وسار إليهم فوصل إلى الحبشة وهم قد قاربوها، فلمّا رأوا كثرة جيشه علموا عجزهم عنه ؛ لأنّهم كانوا أربعة آلاف فارس، فانحازوا إلى جانب دجلة، ونزلوا بموضعٍ ليس له طريق إلاّ من وجهٍ واحد، وجاء الحسين فنزل عليهم وحصرهم، ومنع الميرة عنهم من فوق ومن أسفل، فضاقت عليهم الأقوات والعلوفات، فأرسلوا إليه يبذلون له أن يولّيه الخليفة ما كان بيده ويعود عنهم، فلم يجب إلى ذلك.

ولزم حصارهم، وأدام قتالهم إلى أن عاد مؤنس من الشام، فلمّا سمع العسكر بقربه قويت نفوسهم وضعفت نفوس الحسين ومن معه، فخرج العسكر إليه ليلاً وكبسوه، فانهزم وعاد إلى ديار ربيعة، وسار العسكر فنزلوا على الموصل.

وسمع مؤنس خبر الحسين، وجدّ مؤنس في المسير نحو الحسين، واستصحب معه أحمد بن كَيْغَلَغ، فلمّا قرب منه راسله الحسين يعتذر،

____________________

(١) م ٨ ص ٩١.

٧٧

وترددت الرسل بينهما، فلم يستقرّ حال، فرحل مؤنس نحو الحسين حتّى نزل بإزاء جزيرة ابن عمر، ورحل الحسين نحو أرمينية مع ثقله وأولاده، وتفرَّق عسكر الحسين عنه، وصاروا إلى مؤنس.

ثمّ إنّ مؤنساً جهّز جيشاً في أثر الحسين، مقدّمهم (بُلَيق) ومعه (سيما) الجزريّ، و(جَنى) الصفوانيّ، فتبعوه إلى تلّ (فافان)، فرأوها خاوية على عروشها، قد قتل أهلها وأحرقها، فجدّوا في اتّباعه فأدركوه فقاتلوه، فانهزم من بقي معه من أصحابه، وأُسر هو ومعه ابنه عبد الوهّاب وجميع أهله وأكثر مَنْ صحِبه، وقبض أملاكه.

وعاد مؤنس إلى بغداد على طريق الموصل والحسين معه، فأُركب على جمل هو وابنه وعليهما البرانس، واللبود الطوال، وقمصان من شعرٍ أحمر، وحُبس الحسين وابنه عند زيدان القهرمانة، وقبض المقتدر على أبي الهيجاء بن حمدان وعلى جميع إخوته وحُبسوا، وكان قد هرب بعض أولاد الحسين بن حمدان، فجمع جمعاً ومضى نحو آمِد، فأوقع بهم مستحفظها، وقتل ابن الحسين وأنفذ رأسه إلى بغداد)(١) .

(وفي حوادث سنة ٣٠٥)

يقول: (وفي هذه السنة: أُطلق أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان، وإخوته، وأهل بيته من الحبس، وكانوا محبوسين بدار الخليفة، وقد تقدَّم ذكر حبسهم)(٢) .

(وفي حوادث سنة ٣٠٦)

يقول في (ذكر عزل ابن الفُرات) وفي سببه:

(وقيل: كان سبب قبضه أنّ المقتدر قيل له: إنّ ابن الفرات يريد إرسال الحسين بن حمدان إلى ابن أبي الساج ليحاربه، وإذا صار عنده اتّفقا عليك، ثمّ إنّ ابن الفرات قال للمقتدر في إرسال الحسين إلى ابن أبي

____________________

(١) الكامل، المجلّد ٨ ص ٩٢ - ٩٣ - ٩٤.

(٢) م ٨ ص ١٠٧.

٧٨

السّاج، فقتل ابن حمدان في جمادى الأولى، وقبض على ابن الفرات في جمادى الآخرة)(١) .

(وفي حوادث سنة ٣٠٧)

يقول: (وفي هذه السنة: قُلِّد إبراهيم بن حمدان ديار ربيعة)(٢) .

(وفي حوادث سنة ٣٠٨)

ثمّ يقول: (وفي هذه السنة: خلع المقتدر على أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان، وقُلّد طريق خُراسان و (الدِّينَور)، وخلع على أخويه أبي العلاء وأبي السرايا.

وفي هذه السنة: توفّي إبراهيم بن حمدان في المحرّم)(٣) .

(وفي سنة ٣٠٩)

يقول: (وفي هذه السنة: قُلّد داود بن حمدان ديار ربيعة)(٤) .

(وفي حوادث سنة ٣١٢)

يقول: (وفي هذه السنة: سار أبو طاهر القرمطيّ إلى (الهَبِير) في عسكرٍ عظيمٍ ليلقى الحاجّ سنة إحدى عشرة وثلاثمئة في رجوعهم من مكّة، فأوقع بقافلة تقدّمت معظم الحاجّ، وكان فيها خلقٌ كثيرٌ من أهل بغداد وغيرهم، فنهبهم.

واتّصل الخبر بباقي الحاجّ وهم بِفَيد، فأقاموا بها حتّى فَنِيَ زادهم، فارتحلوا مسرعين.

وكان أبو الهيجاء بن حمدان قد أشار عليهم بالعود إلى وادي القُرى، وأنّهم لا يقيمون بغيد، فاستطالوا الطريق ولم يقبلوا منه، وكان إلى أبي

____________________

(١) م ٨ ص ١١١.

(٢) م ٨ ص ١٢١.

(٣) الكامل، المجلّد ٨، ص١٢٣.

(٤) م ٨ ص١٣٠.

٧٩

الهيجاء طريق الكوفة وكثير الحاجّ، فلمّا فني زادهم ساروا على طريق الكوفة، فأوقع بهم القرامطة وأخذوهم، وأسروا أبا الهيجاء وأحمد بن كشمرد ونحرير وأحمد بن بدر عمّ والدة المقتدر)(١) .

(وفي هذه السنة (أي ٣١٢): أطلق أبو طاهر مَن كان عنده من الأسرى الذين كان أسرهم من الحُجّاج، وفيهم ابن حمدان وغيره)(٢) .

(وفي حوادث سنة ٣١٤)

يقول: (وفي هذه السنة: أفسد الأكراد والعرب بأرض المَوْصل وطريق خراسان، وكان عبد الله بن حمدان يتولّى الجميع وهو ببغداد، وابنه ناصر الدولة بالموصل، فكتب إليه أبوه يأمره بجمع الرجال، والانحدار إلى تكريت، ففعل وسار إليها، فوصل إليها في رمضان، واجتمع بأبيه، وأحضر العرب، وطالبهم بما أحدثوا في عمله بعد أن قتل منهم، ونكّل ببعضهم، فردّوا على الناس شيئاً كثيراً، ورحل بهم إلى شَهرزور، فوطئ الأكراد الجلاليَّة، فقالتهم، وانضاف إليهم غيرهم، فاشتدّت شوكتهم، ثمّ إنّهم انقادوا إليه لمّا رأوا قوَّته، وكفّوا عن الفساد والشر)(٣) .

(وفي هذه السنة (أي ٣١٤): ضمن أبو الهيجاء عبدُ الله بن حمدان أعمال الخراج والضياع بالموصل، وقَرْدَى، وبازَبْدَى، وما يجري معها)(٤) .

(وفي حوادث سنة ٣١٥)

- في ذكر ابتداء الوحشة بين المقتدر ومؤنس:

يقول: (أمر المقتدر بالله بتجهيز العساكر مع مؤنس المظفّر، وخلع المقتدر عليه، في ربيع الآخر، ليسير، فلمّا لم يبق إلاّ الوداع امتنع مؤنس من دخول دار الخليفة للوداع.

____________________

(١) م ٨ ص ١٤٧.

(٢) م ٨ ص ١٥٥.

(٣) الكامل، ٨ ص ١٦٣.

(٤) م ٨ ص ١٦٧.

٨٠