ولكنّه كان يعطي من قصده من ذوي الحاجات ولا يخيّب رجاء لمن استعان به على مروءة.
وقد اشتهر مع الجود بصفتين من أكرم الصفات الإنسانيّة وأليقهما ببيته وشرفه، وهُما الوفاء والشّجاعة؛ فمن وفائه أنّه أبى الخروج على معاوية بعد وفاة أخيه الحسن؛ لأنّه عاهد معاوية على المسالمة، وقال لأنصاره الذين حرّضوه على خلع معاوية: إن بينه وبين الرّجل عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه حتّى تمضي المدة. وكان معاوية يعلم وفاءه وجوده معاً، فقال لصحبه يوماً وقد أرسل الهدايا إلى وجوه المدينة من كسي وطيب وصلات: إن شئتم أنبأناكم بما يكون من القوم أمّا الحسن فلعلّه ينيل نساءه شيئاً من الطيب ويهب ما بقي مَن حضره ولا ينتظر غائباً، وأمّا الحُسين فيبدأ بأيتام من قُتل مع أبيه بصفّين، فإن بقي شيء نحر به الجزر وسقى به اللبن
وشجاعة الحُسين صفة لا تستغرب منه؛ لأنّها الشيء من معدنه كما قيل، وهي فضيلة ورثها عن الآباء وأورثها الأبناء بعده، وقد شهد الحروب في افريقية الشّمالية وطبرستان والقسطنطينية، وحضر مع أبيه وقائعه جميعاً من الجمل إلى صفّين. وليس في بني الإنسان مَن هو أشجع قلباً ممّن أقدم على ما أقدم عليه الحُسين في يوم كربلاء.
وقد تربّى للشجاعة كما تلقاها في الدم بالوراثة، فتعلّم فنون الفروسية كركوب الخيل والمصارعة والعدو من صباه، ولم تفته ألعاب الرياضة التي تتمّ بها مرانة الجسم على الحركة والنّشاط ومنها لعبة تشبه الجولف عند الأوروبيّين كانوا يسمونها المداحي ( جمع مدحاة ): وهي أحجار مثل القرصة يحفرون في الأرض حفرة ويرسلون تلك الأحجار، فمن وقع حجره في الحفيرة فهو الغالب.
* * *
أمّا عاداته في معيشته، فكان ملاكها لطف الحسّ وجمال الذوق والقصد في تناول كلّ مباح، كان يحبّ الطيب والبخور، ويأنق للزهر والريحان. وروى أنس بن مالك: أنّه كان عنده فدخلت عليه جارية بيدها طاقة من ريحان فحيّته بها، فقال لها:(( أنت حرّة لوجه الله تعالى )). فسأله أنس - متعجباً -: جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟! قال:(( كذا أدّبنا الله قال تبارك وتعالى: ( وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدّوهَا ) (١) ...وكان أحسن منها عتقها )).
وكان يميل للفكاهة ويأنس في أوقات راحته لأحاديث أشعب وأضاحيكه، ولكنّه على شيوع الترف في عصره لم يكن يقارب منه إلاّ
____________________
(١) سورة النّساء / ٨٦.
ما كان يجمل بمثله، حتّى تحدّث المتحدثون: أنّه لا يعرف رائحة الشّراب وكانت له صلوات يؤدّيها غير الصّلوات الخمس، وأيّام من الشّهر يصوم نهارها ويقوم ليلها
وقد عاش سبعاً وخمسين سنة بالحساب الهجري، وله من الأعداء من يصدقون ويكذبون فلم يعبه أحد منهم بمعابة ولم يملك أحد منهم أن ينكر ما ذاع من فضله، حتّى حار معاوية بعيبه حين استعظم جلساؤه خطاب الحُسين له، واقترحوا عليه أن يكتب إليه بما يصغّره في نفسه، فقال: إنّه كان يجد ما يقوله في عليّ، ولكن لا يجد ما يقوله في حُسين.
تلك جملة القول في سيرة أحد الخصمين
ويقف خصمه أمامه موقف المقابلة والمناقضة لا موقف المقارنة والمعادلة في معظم خلائقه وعاداته وملكاته وأعماله.
فيزيد بن معاوية عريق النّسب في بني عبد مُناف ثمّ في قريش، ولكن الأصدقاء والخصوم والمادحين والقادحين متّفقون على وصف الخلائق التي اشتهر بها أبناء هذا الفرع من عبد مُناف, وأشهرها الأثرة،
وأحمد ما يُحمد منها أنّها تنفع النّاس من طريق النّفع لأصحابها، وندر من وجوه الاُمويّين في الجاهليّة أو الإسلام من اشتهر بخصلة تجلب إلى صاحبها ضرراً أو مشقّة في سبيل نفع النّاس
وبيت أبي سفيان بيت سيادة مرعية لا مراء فيها ولكن الحقيقة التي ينبغي أنْ نذكرها في هذا المقام: إنّ معاوية بن أبي سفيان لم يكن ليرث شيئاً من هذه السّيادة التي كان قوامها كلّه وفرة المال، لأنّ أبا سفيان - على ما يظهر - قد أضاع ماله في حروب الإسلام ولم يكن له من الوفر ما يبقى على كثرة الورّاث. وروي أنّ امرأة استشارت النّبيصلىاللهعليهوآله في التزوّج بمعاوية، فقال لها:(( إنّه صعلوك )).
كذلك ينبغي أنْ نذكر حقيقة اُخرى في هذا المقام، وهي أنّ معاوية لم يكن من كتّاب الوحي - كما أشاع خدّام دولته بعد صدر الإسلام -، ولكنّه كان يكتب للنبيعليهالسلام في عامّة الحوائج وفي إثبات ما يُجبى من الصدقات وما يُقسّم في أربابها، ولم يُسمع عن ثقة قط أنّه كتب للنبي شيئاً من آيات القرآن الكريم.
وعُرفت لمعاوية خصال محمودة من خصال الجدّ والسّيادة؛ كالوقار والحلم والصبر والدهاء، ولكنّه على هذا كان لا يملك حلمه في فلتات تميد بالملك الرّاسخ، ومنها قتله حجر بن عدي وستة من أصحابه؛ لأنّهم كانوا
ينكرون سبّ عليّ وشيعته، فما زال بقية حياته يندم على هذه الفعلة ويقول: ما قتلت أحّداً إلاّ وأنا أعرف فيم قتلته، ما خلا حجراً فإنّي لا أعرف بأيّ ذنب قتلته!
واُمّ يزيد هي ميسون بنت مجدل الكلبية من كرائم بني كلب المعرّقات في النّسب، وهي التي كرهت العيش مع معاوية في دمشق وقالت تتشوق إلى عيش البادية:
لـلبسُ عباءةٍ وتقرَّ عيني |
أحبُّ إليَّ منْ لبسِ الشّفوفِ |
|
وبـيتٌ تخفق الأرواحُ فيه |
أحبُّ إليَّ منْ قصرٍ منيفِ |
ومن هذه الأبيات قولها:
وخِرقٌ منْ بني عمِّي فقيرٌ |
أحبُّ إليَّ منْ علجٍ عنيفِ |
فأرسلها وابنها يزيد إلى باديتها، فنشأ يزيد مع اُمّه بعيداً عن أبيه.
* * *
وقد أفاد من هذه النشأة البدوية بعض أشياء تنفع الأقوياء، ولكنّها على ما هو مألوف في أعقاب السّلالات القويّة تضيرهم وتجهز على ما بقي من العزيمة فيهم
فكان ما استفاده من بادية بني كليب بلاغة الفُصحى، وحُبّ الصيد، وركوب الخيل، ورياضة الحيوانات ولا سيّما الكلاب.
وهذه صفات في الرّجل القوي تزينه وتشحذ قواه، ولكنّها في أعقاب السّلالات أو عكارة البيت - كما يُقال بين العامّة - مدعاة إلى الإغراق في اللهو والولع بالفراغ؛ لأنّها هي عنده كلّ شيء وليست مدداً لغيرها من كبار الهمم وعظائم الهموم.
وهكذا انقلبت تلك الصفات في يزيد من المزية إلى النّقيصة فكان كلفه بالشعر الفصيح مغرياً له بمعاشرة الشعراء والندماء في مجالس الشراب، وكان ولعه بالصيد شاغلاً يحجبه عن شواغل الملك والسّياسة، وكانت رياضته للحيوانات مهزلة تلحقه بأصحاب البطالة من القرادين والفهادين، فكان له قرد يدعوه ( أبا قيس )، يُلبسه الحرير ويطرّز لباسه بالذهب والفضّة ويحضره مجالس الشراب، ويركبه أتاناً في السّباق ويحرص على أن يراه سابقاً مجلياً على الجياد، وفي ذلك يقول يزيد كما جاء في بعض الرّوايات:
تـمسَّك أبـا قيسٍ بفضلِ عنانها |
فـليسَ عليها إنْ سقطتَ ضمانُ |
|
ألا منْ رأى القردَ الذي سبقتْ بهِ |
جـيادَ أمـير الـمؤمنين أتـانُ |
وقد يكون عبد الله بن حنظلة مُبالغاً في المذمّة حين قال فيما نُسب إليه: والله، ما خرجنا مع يزيد حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السّماء، إنّ رجلاً ينكج الاُمّهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة، والله، لو لم يكن معي أحد من النّاس، لأبليت الله فيه بلاء حسناً.
* * *
ولكن الرّوايات لم تجمع على شيء كإجماعها على إدمانه الخمر، وشغفه باللذات، وتوانيه عن العظائم وقد مات بذات الجنب وهو لما يتجاوز السّابعة والثلاثين، ولعلّها إصابة الكبد من إدمان الشراب والإفراط في اللذات. ولا يعقل أن يكون هذا كلّه اختلاقاً واختراعاً من الأعداء؛ لأنّ النّاس لم يختلقوا مثل ذلك على أبيه أو على عمرو بن العاص وهُما بغيضان أشدّ البغض إلى أعداء الاُمويّين ولأنّ الذين حاولوا ستره من خدّام دولته لم يحاولوا الثناء على مناقب فيه تحلّ عندهم محلّ مساوئه وعيوبه، كأن الاجتراء على مثل هذا الثناء من وراء الحسبان.
ولم يكن هذا التخلّف في يزيد من هزال في البنية أو سقم اعتراه كذلك السّقم الذي يعتري أحياناً بقايا السّلالات التي تهمّ بالانقراض والدثور، ولكنّه كان هزالاً في الأخلاق وسقماً في الطوية قعد به عن العظائم مع وثوق بنيانه وضخامة جثمانه واتصافه ببعض الصفات الجسدية
التي تزيد في وجاهة الاُمراء كالوسامة وارتفاع القامة وقد اُصيب في صباه بمرض خطير - وهو الجدري - بقيت آثاره في وجهه إلى آخر عمره، ولكنّه مرض كان يشيع في البادية ولم يكن من دأبه أن يقعد بكلّ من اُصيب به عن الطموح والكفاح.
* * *
وعلى فرط ولعه بالطراد حين يكون الطراد لهواً وفراغاً، كانت همّته الوانية تفترّ به عن الطراد حين تتسابق إليه عزائم الفرسان في ميادين القتال ولو كان دفاعاً عن دينه ودُنياه.
فلمّا سيّر أبوه جيش سفيان بن عوف إلى القسطنطينية لغزو الرّوم ودفاعاً عن بلاد الإسلام - أو بلاد الدولة الاُمويّة -، تثاقل وتمارض حتّى رحل الجيش، وشاع بعد ذلك أنّه اُمتحن في طريقه ببلاء المرض والجوع، فقال يزيد:
ما أن أُبالي بما لاقتْ جُمُوعهم |
بالفرقدُونةِ من حمّى ومنْ مُومِ |
|
إذا اتكأتُ على الأنماطِ مرتفقاً |
بـدَيرِ مـرّان عندي أُم كلثومِ |
فأقسم أبوه حين بلغه هذان البيتان ليلحقن بالجيش؛ ليدرأ عنه عار
النكول والشّماتة بجيش المسلمين بعد شيوع مقاله في خلواته
* * *
ومن أعجب عجائب المناقضة التي تمّت في كلّ شيء بين الحُسين ويزيد، أنّ يزيد لم يختصّ بمزية محمودة تقابل نظائرها من مزايا الحُسين، حتّى في تلك الخصال التي تأتي بها المصادفة ولا فضل فيها لأصحابها ومنها مزية السن وسابقة الميلاد فلمّا تنازعا البيعة كان الحُسين في السّابعة والخمسين مكتمل القوّة ناضج العقل وفي المعرفة بالعلم والتجربة، وكان يزيد في نحو الرّابعة والثلاثين لم يمارس من شئون الرّعاة ولا الرّعية ما ينفعه بين هؤلاء أو هؤلاء.
ومزيّة السن هذه قد يطول فيها الأخذ والرّد بين أبناء العصور الحديثة، ولكنّها كانت تقطع القول في اُمّة العرب، حيث نشأ الأسلاف والأخلاف على طاعة الشّيوخ ورعاية الأعمار وهذا على أنّ السّابعة والخمسين ليست بالسن التي تعلو بصاحبها في الكبر حتّى تسلبه مزيّة الفتوّة ومضاء العزيمة
كذلك لا يُقال أنّ الوراثة المشروعة في الممالك كان لها شأن يرجح بيزيد على الحُسين في ميزان العروبة والإسلام. فقد كان توريث معاوية ابنه على غير وصية معروفة من السّلف بدعة هرقلية كما سمّاها المسلمون
في ذلك الزمان، ولم يكن معقولاً أنّ العرب في صدر الإسلام يوجبون طاعة يزيد لأنّه ابن معاوية وهّم لم يوجبوا طاعة آل النّبي في أمر الخلافة لأنّهم قرابة مُحمّدعليهالسلام .
فقد شاءت عجائب التاريخ إذن أن تقيم بين ذينك الخصمين قضية تتضح فيها النزعة النفعية على نحو لم تتضحه قط في أمثالها من القضايا، وقد وجب أن ينخذل يزيد كلّ الخذلان لولا النزعة النفعية التي أعانته وهو غير صالح لأن يستعين بها بغير أعوان من بطانته وأهله، ولئن كان في تلك النزعة النفعية مسحة تشوبها من غير معدنها الوضيع لتكونن هي عصبية القبيلة من بني اُميّة، وهي هُنا نزعة مواربة تعارض الإيمان الصريح ولا تسلم من الختل والتلبيس.
* * *
لهذا شكّ بعض النّاس في إسلام ذلك الجيل من الاُمويّين، وهو شكّ لا نرتضيه من وجهة الدلائل التاريخية المتّفق عليها. فقد يخطر لنا الشكّ في صدق دين أبي سفيان؛ لأنّ أخباره في الإسلام تحتمل التأويلين، ولكن معاوية كان يؤدّي الفرائض ويتبرّك بتراث النّبي ويوصي أن تُدفن معه أظافره التي حفظها إلى يوم وفاته. وليس بيسير علينا أن نفهم كيف ينشأ معاوية الثاني على تلك التقوى وذلك الصلاح وهو ناشئ في بيت مدخول الإسلام، ويتصارح أهله أحياناً بما ينمّ على الكفر به أو التردّد فيه
إنّما هي الأثرة، ثمّ الخرق في السّياسة، ثمّ التمادي في الخرق مع استثارة العناد والعداء. وفي تلك الأثرة ولواحقها ما ينشئ المقابلة من أحد طرفيها في هذه الخصومة، ويتمّ المناظرة في شتّى بواعثها بين ذينك الخصمين الخالدين، ونعني بهما هُنا المثالية والواقعية، وما الحُسين واليزيد إلاّ المثالان الشّاخصان منهما للعيان
* * *
أعوان الفريقين
رجال المعسكرين:
كان الحُسين في طريقه إلى الكوفة - يوم دعاه شيعته إليها - يسأل من يلقاهم عن أحوال النّاس فينبئونه عن موقفهم بينه وبين بني اُميّة، وقلّما اختلفوا في الجواب
سأل الفرزدق وهو خارج من مكّة - والفرزدق مشهور بالتشيّع لآل البيتعليهمالسلام - فقال له: قلوب النّاس معك وسيوفهم مع بني اُميّة، والقضاء ينزل من السّماء، والله يفعل ما يشاء.
وقال له مجمع بن عبيد العامري: أمّا أشراف النّاس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائزهم فهم ألب واحد عليك، وأمّا سائر النّاس بعدهم فإنّ قلوبهم تهوى إليك وسيوفهم غداً مشهورة عليك.
وقد أصاب الفرزدق وأصاب مجمع بن عبيد، فإنّ النّاس جميعاً كانوا بأهوائهم وأفئدتهم مع الحُسين بن عليّ ما لم تكن لهم منفعة موصولة بمُلك بني اُميّة، فهم إذن عليه بالسّيوف التي تشهرها الأيدي دون القلوب.
وقد أعظمت الرّشوة للرؤساء وأعظمت لهم من بعدها الوعود والآمال، فعلموا أنّ دوام نعمتهم من دوام مُلك بني اُميّة
فأمّا الرؤساء الذين كانت لهم مكانتهم بمعزل عن الملك القائم، فقد كانوا ينصرون حُسيناً ولا ينصرون الاُمويّين أو كانوا يصانعون الاُمويّين ولا يبلغون بالمصانعة أن يشهروا الحرب على الحُسين.
ومن هؤلاء؛ هانئ بن عروة من كبار الزعماء في قبائل كندة، وشريك بن الأعور، وسليمان بن صرد الخزاعي، وكلاهما من ذوي الشّرف والدين.
بل كان من العاملين لبني اُميّة من يخزه ضميره إذا بلغ العداء للحُسين أشدّه، فيترك معسكر بني اُميّة ليلوذ بالمعسكر الذي كتب عليه الموت والبلاء، كما فعل الحرّ بن يزيد الرّياحي في كربلاء وقد رأى القوم يهمّون بقتل الحُسين ولا يقنعون بحصاره، فسأل عمر بن سعد قائد الجيش: أمُقاتل أنت هذا الرّجل؟
فلمّا قال: نعم، ترك الجيش الأموي وذهب يقترب من الحُسين حتّى داناه، فقال له: جُعلت فداك يابن رسول الله! أنا صاحبك حبستك عن الرجوع وجعجعت بك في هذا المكان، وما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم. ووالله، لو علمت أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الذي ركبت، وإنّي تائب إلى الله ممّا صنعت، فهل ترى لي من توبة؟
فقبل الحُسين توبته وجعل الرّجل يُقاتل من ساعتها حتّى قُتل،
وآخر كلمة على لسانه فاه بها: السّلام عليك يا أبا عبد الله.
* * *
فمجمل ما يقال على التحقيق انه لم يكن في معسكر يزيد رجل يعينه على الحسين إلاّ وهو طامع في مال، مستميت في طمعه استماتة من يهدر الحرمات ولا يبالي بشيء منها في سبيل الحطام.
ولقد كان لمعاوية مشيرون من ذوي الرأي كعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه، وأضرابهم من اُولئك الدهاة الذين يسمّيهم التاريخ أنصار دول وبناة عروش وكان لهم من سمعة معاوية وذرائعه شعار يدارون به المطامع ويتحللون من التأثيم، لكن هؤلاء بادوا جميعاً في حياة معاوية، ولم يبقَ ليزيد مشير واحد ممّن نسمّيهم بأنصار الدول وبناة العروش، وإنّما بقيت له شرذمة على غراره أصدق ما توصف به أنها شرذمة جلادين، يقتلون من أمروا بقتله ويقبضون الأجر فرحين ...
فكان أعوان معاوية ساسة وذوي مشورة، وكان أعوان يزيد جلادين وكلاب طراد في صيد كبير، وكانوا في خلائقهم البدنية على المثال الذي يعهد في هذه الطغمة
من النّاس، ونعني به مثال المسخاء المشوهين اُولئك الذين تمتلئ صدورهم بالحقد على أبناء آدم ولا سيّما مَن كان منهم على سواء الخلق وحسن الأحدوثة، فإذا بهم يفرغون حقدهم في عدائه وإن لم ينتفعوا بأجر أو غنيمة، فإذا انتفعوا بالأجر والغنيمة فذلك هو حقد الضراوة الذي لا تُعرف له حدود
وشرّ هؤلاء جميعاً هُم: شمر بن ذي الجوشن، ومُسلم بن عقبة، وعبيد الله بن زياد، ويلحق بزمرتهم على مثال قريب من مثالهم عمر بن سعد بن أبي وقاص؛ فشمر بن ذي الجوشن كان أبرص كريه المنظر قبيح الصورة، وكان يصطنع المذهب الخارجي ليجعله حجة يحارب بها عليّاً وأبناءه، ولكنّه لا يتخذه حجّة ليحارب بها معاوية وأبناءه كأنّه يتّخذ الدين حجّة للحقد، ثمّ ينسى الدين والحقد في حضرة المال.
* * *
ومُسلم بن عقبة مخلوق مسمم الطبيعة في مسلاخ إنسان، وكان أعور أمغر ثائر الرّأس، كأنّما يقلع رجليه من وحل إذا مشي. وقد بلغ من ضراوته بالشرّ وهو شيخ فانٍ مريض، أنّه أباح المدينة في حرم النّبيصلىاللهعليهوآله ثلاثة أيّام، واستعرض أهلها بالسّيف جزراً كما يجزر القصّاب الغنم حتّى ساخت الأقدام في الدم، وقتل أبناء المهاجرين
والأنصار وذرّيّة أهل بدر، وأخذ البيعة ليزيد بن معاوية على كلّ من استبقاه من الصحابة والتابعين على أنّه عبدٌ قنٌّ لأمير المؤمنين
وانطلق جنده في المدينة إلى جوار قبر النّبي يأخذون الأموال ويفسقون بالنّساء، حتّى بلغ القتلى في تقدير الزهري سبعمئة من وجوه النّاس وعشرة آلاف من الموالي، ثمّ كتب إلى يزيد يصف له ما فعل وصف الظافر المتهلل، فقال بعد كلام طويل:
فأدخلنا الخيل عليهم فما صلّيت الظهر أصلح الله أمير المؤمنين إلاّ في مسجدهم بعد القتل الذريع والانتهاب العظيم وأوقعنا بهم السّيوف وقتلنا من أشرف لنا منهم واتبعنا مدبرهم وأجهزنا على جريحهم وانتهبناها ثلاثاً كما قال أمير المؤمنين أعزّ الله نصره، وجعلت دور بني الشّهيد عثمان بن عفان في حرز وأمان، والحمد لله الذي شفا صدري من قتل أهل الخلاف القديم والنّفاق العظيم، فطالما عتوا وقديماً ما طغوا، أكتب هذا إلى أمير المؤمنين وأنا في منزل سعيد بن العاص مدنفاً مريضاً ما أراني إلاّ لما بي فما كنت أبالي متى متّ بعد يومي هذا
* * *
وكلّ هذا الحقد المتأجج في هذه الطوية العفنة إنّما هو الحقد في طبائع المسخاء الشّائهين يوهم نفسه أنّه الحقد من ثأر عثمان أو من خروج قوم على مُلك يزيد
وكان عُبيد الله بن زياد متّهم النّسب في قريش؛ لأنّ أباه زياداً كان
مجهول الأب، فكانوا يسمونه زياد بن أبيه، ثمّ ألحقه معاوية بأبي سفيان؛ لأنّ أبا سفيان ذكر بعد نبوغ زياد، أنّه كان قد سكر بالطائف ليلة فالتمس بغياً فجاءوه بجارية تدعى سميّة، فقالت له بعد مولد زياد: أنّها حملت به في تلك الليلة. وكانت اُمّ عبيد الله جارية مجوسية تدعى مرجانة، فكانوا يعيرونه بها وينسبونه إليها.
ومن عوارض المسخ فيه - وهي عوارض لها في نفوس العرب دخلة تورث الضغن والمهانة - إنّه كان ألكن اللسان لا يقيم نطق الحروف العربيّة، فكان إذا عاب الحروري من الخوارج، قال: هروري. فيضحك سامعوه، وأراد مرّة أن يقول: اشهروا سيوفكم. فقال: افتحوا سيوفكم فهجاه يزيد بن مفرغ قائلاً:
ويومَ فتحتَ سيفكَ من بعيدٍ |
أضعتَ وكلّ أمركَ للضّياعِ |
ولم يكن أهون لديه من قطع الأيدي والأرجل والأمر بالقتل في ساعة الغضب لشبهة ولغير شبهة، ففي ذلك يقول مُسلم بن عقيل وهو صادق مؤيد بالأمثال والمثلات: ويقتل النّفس التي حرّم الله قتلها على الغضب وسوء الظن، وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئاً.
وقد كانت هذه الضراوة على أعنفها وأسوئها يوم تصدّى عبيد الله بن زياد لمنازلة الحُسين؛ لأنّه كان يومئذ في شره الشباب لم يتجاوز
الثامنة والعشرين، وكان يزيد يبغضه ويبغض أباه؛ لأنّه كان قد نصح لمعاوية بالتمهل في الدعوة إلى بيعة يزيد، فكان عبيد الله من ثمّ حريصاً على دفع الشّبهة والغلو في إثبات الولاء للعهد الجديد
والذين لم يمسخوا في جبلتهم وتكوينهم هذا المسخ من أعوان يزيد بن معاوية، كان الطمع في المناصب والأموال واللذات قد بلغ ما يبلغه المسخ من تحويل الطبائع وطمس البصائر ومغالطة النّفوس في الحقائق
* * *
ومن هذا القبيل عمر بن سعد بن أبي وقاص، الذي أطاع عبيد الله بن زياد في وقعة كربلاء، ولم يعدل بتلك الوقعة عن نهايتها المشئومة، وقد كان العدول بها عن تلك النّهاية في يديه.
فقد أغرى عمر بن سعد بولاية الرّي - وهي درّة التاج في مُلك الأكاسرة الأقدمين - وكان يتطلع إليها منذ فتحها أبوه القائد النبيل العزوف، ويُنسب إليه أنّه قال وهو يراود نفسه على مقاتلة الحُسين:
فوالله ما أدري وإني لحائرٌ |
أُفكر في أمري على خطرينِ |
أأتـركُ مـلكَ الـريّ مـنيتي |
أم أرجـعُ مـأثوماً بقتلِ حُسينِ |
|
وفي قتلِهِ النّارُ التي ليسَ دونَها |
حـجابٌ وملكُ الريّ قرةُ عيني |
فإن لم تكن هذه الأبيات من لسانه فهي ولا شك من لسان حاله؛ لأنّها تسجّل الواقع الذي لا شبهة فيه
ومن الواقع الذي لا شبهة فيه أيضاً، أنّ عمر بن سعد هذا لم يخل من غلظة في الطبع على غير ضرورة ولا استفزاز، فهو الذي ساق نساء الحُسين بعد مقتله على طريق جثث القتلى التي لم تزل مطروحة بالعراء فصحن وقد لمحنها على الطريق صيحة أسالت الدمع من عيون رجاله، وهُم ممّن قاتل الحُسين وذويه
هؤلاء وأمثالهم لا يُسمون ساسة مُلك ولا تُسمى مهنتهم تدعيم سلطان، ولكنّهم يُسمون جلاّدين متنمرين يطيعون ما في قلوبهم من غلظة وحقد، ويطيعون ما في أيديهم من أموال ووعود وتُسمى مهمّتهم مذبحة طائشة لا يُبالي مَن يسفك فيها الدماء أي غرض يُصيب
* * *
ومنذ قضي على يزيد بن معاوية أن يكون هؤلاء وأمثالهم أعواناً له في
يده على عجيزته، وقال: مااشبه هذه العجيزة بعجيزة هند يعني ام معاوية فلما سلم من صلاته التفت إلى ذلك الرجل وقال: ياهذاان اباسفيان كان محتاجا من هند إلى ذلك، وإن كان احد جعل لك شيئاعلى ذلك فخذه.
(أقول): لا يخفى عليك ان هذا من معاوية ليس بحلم، ولا حسن خلق بل هو النكرى والشيطنه، وكيف يكون ذاحلم وخليقا من قتل عبادالله الصالحين كعمروبن الحمق الخزاعي الصحابي الذي أبلته العبادة، قتله بحبه عليا وكحجر بن عدي الكندي، وكان من فضلاء الصحابة من اصحاب امير المؤمنين وكان من الابدال، ويعرف بحجر الخير، وكان معروفا بالزهد وكثرة العبادة والصلاة حتى روى انه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة.
قتله معاوية في سنة ٥١ وأصحابه البررة الاتقياء، إذلم يلعنوا له عليا عليه السلام.
روي ان معاوية دخل على ام الؤمنين عائشة (رض) فقالت: ماحملك على قتل اهل عذراء حجر وأصحابه؟ فقال: ياام المؤمنين اني رأيت قتلهم صلاحا للامة، وبقاءهم فسادا للامة، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال: سيقتل بعدي بعذراء اناس يغضب الله لهم وأهل السماء.
(اقول): عذراء بفتح المهملة وسكون المعجمة: قرة بغوطة دمشق، قال ابن الاثير: وقبره مشهور بعذراء.
وكان مجاب الدعوة، قلت: اني تشرفت بزيارته رضي الله عنه، وكان مهجورا متروكالا يزوره الناس مع قربه بالشام، وكثرة جلالته، ولعل ذلك لاجل تشيعه.
ومعاوية هوالذي قتل الحسن بن علي عليه السلام بسم دس اليه، فسقته إياه بنت الاشعث، علم بذلك كافة اهل البيت وشيعتهم، واعترف به جماعة من غيرهم منهم المدائني وأبوالفرج المرواني.
وحسبك ما اجمع اهل الاخبارعلى نقله، واتفق اهل العلم على صدورمن بعثه بسراسنة اربعين إلى الحجاز واليمن وأمره بقتل شيعة علي (ع) ونهب اموالهم، ففعل مافعل من الظلم والفساد مما اشرنا الى بعضه في ابن جرموز، وماينس فلا ينس مافعله يومئذ بنساء همدان، إذا سباهن فأقمن في السوق وكشف عن سوقهن، فأيتهن كانت اعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها.
كذا عن الاستيعاب، قال: فكن اول مسلمات سبين في الاسلام، وهل هذه افظع وأوجع أم مافعله بطفلي عبيدالله بن العباس فذبحهما بين يدي امهما فهامت على وجهها جنونا مما نالت، وكانت تأتي الموسم تنشدهما فتقول:
يا من احس بابني الذين هما |
كالدرتين تشظى عنهما الصدف |
|
يا من احس بابني الذين هما |
قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف |
|
نبئت بسرا وما صدقت مازعموا |
من افكهم ومن الاثم الذي اقترفوا |
|
انحى على ودجي ابني مرهفة |
مشحوذة وكذاك الاثم يقترف |
الابيات كذاعن الاستيعاب وابن الاثير، ومعاوية هوالذي رفع ابنه يزيد السكير المتهتك إلى اوج الخلافة وأحله عرش الملك والامامة وملكه رقاب المسلمين وسلطه على احكام الدنيا والدين مع اطلاعه بكلابه وقروده وصقوره وفهوده وخموره وفجوره والفظائع من كل اموره.
فكان منه في طف كربلاء مع سيد شباب أهل الجنة (ع) مااثكل النبيين عليهم السلام، ولاينسى عظم مصيبته إلى يوم الدين، ورمى المدينة الطيبة بمسرف بن عقبة، وكان ابوه معاوية قد عهد بذلك اليه.
فكان ماكان مما لست اذكره |
فظن خيرا ولاتسأل عن الخبر |
وحسبك انهم ابا حوا المدينة المعظمة ثلاثة ايام حتى افتض فيها ألف عذراء من بنات المهاجرين والانصار، كمانص عليه السيوطي في تاريخ الخلفاء.
وحكي انه قتل يومئذ من المهاجرين والانصار وأبنائهم وسائر المسلمين اللائذين بضريح سيد المرسلين صلى الله عليه وآله ١٠٧٨٠ رجلا ولم يبق بعدها بدري، وقتل من النساء والصبيان عدد كثير، حتى حكي عن بعض جنده انه اخذ برجل رضيع فجذبه من ثدى امه وضرب به الحائط فنثر دماغه على الارض وأمه تنظراليه وتقدم في ابوسعيد الخدري ذكر ما فعلوا به ثم أمروا بالبيعة ليزيد على انهم خول وعبيدإن شاء استرق وان شاءاعتق، فبايعوه على ذلك وأموالهم مسلوبة ورجالهم منهوبة ودماء هم مسفوكة ونساءهم مهتوكة.
ثم توجه ابن عقبة لقتال ابن الزبير فهلك في الطريق، وتأمر بعده الحصين ابن نمير بعهد من يزيد فأقبل حتى نزل على مكة المعظمة ونصب عليها العرادات والمجانيق وفرض على اصحابه عشرة آلاف صخرة في كل يوم يرمونها بها على مايحكى من ابن قتيبة في الامامة والسياسة فحاصروهم مايقرب من ثلاثة اشهر حتى جاءهم موت يزيد، وكانت المجانيق اصابت جانب البيت فهدمته مع الحريق الذي اصابه، قال الشاعر:
ابن، نمير بئس ماتولى |
قد احرق المقام والمصلى |
وفظائع يزيد من اول عمره إلى انتهاء امره اكثرمن ان تحويها الدفاتر أو تحصيها الاقلام والمحابر، قد شوهت وجه التاريخ، وقبحت صحائف السير، وقد اشرناالى بعض مايتعلق بذلك في ابوسفيان، وابن زياد، وابن النابغة، وغيرهؤلاء.
قال ابن خلكان والذهبي انه ذكر عند شريك معاوية فوصف بالحلم فقال ليس بحليم من سفه الحق، وقاتل علي بن ابى طالب عليه السلام. رجعنا الى القلقشندي: توفى سنة ٨٢١ (ضكا)، والقلقشندي بفتح القافين
وسكون اللام والنون نسبة إلى قلقشنده قرية من الوجه البحري من القاهرة بينها وبين القاهرة مقدارثلاثة فراسخ.
(القليوبى)
شهاب الدين احمد بن احمدبن سلافة القليوبي المصرى الشافعي، احد الفضلاء، اخذالعلم والحديث عن المشايخ.
وكان في الطب ماهرا، وكان يحب الفقراء، وكان حسن التقرير ويبالغ في تفهيم الطلبة ويكررلهم تصوير المسائل، والناس في درسة كأن على رؤوسهم الطير، له تحفة الراغب في سيرة جماعة من اهل البيت الاطائب، والتذكرة في الطب ونوادر القليوبي وغيرذلك، توفى سنة ١٠٦٩ (غسط).
(القمى)
علي بن ابراهيم بن هاشم أبو الحسن القمي (جش) ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنف كتبا وأضر - أي وصار ضريرا - في وسط عمره.
وله كتاب التفسير، كتاب الناسخ والمنسوخ، كتاب قرب الاسناد كتاب الشرائع (الخ).
وبالجملة: هومن اجل رواة اصحابنا، ويروي عنه مشايخ اهل الحديث ولم نقف على تاريخ وفاته، إلا انه كان حيا في سنة ٣٠٧، لان الصدوق روى عن حمزة بن محمد بن احمد العلوي في رجب سنة ٣٣٩ قال: اخبرني علي بن ابراهيم ابن هاشم فيماكتب إلى سنة سبع وثلاثمائة (الخ).
(وابنه) احمد بن علي بن ابراهيم بن هاشم القمي يروي عنه الصدوق (ره) مترضيا ويكثر من الرواية عنه وعن لسان الميزان احمد بن علي بن ابراهيم بن الجليل القمي أبو علي نزيل الري.
ذكره ابن بابويه في تاريخ الري، وقال: سمع أباه وسعدبن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميرى، وأحمدبن ادريس وغيرهم.
وكان من شيوخ الشيعة، روى عنه أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه وغيره، إنتهى.
(ووالده) ابراهيم هاشم (ست) ابواسحاق القمي، اصله من الكوفة انتقل إلى قم، وأصحابنا يقولون: انه اول من نشرحديث الكوفيين بقم، وذكروا انه لقي الرضا عليه السلام.
وفي (جخ) انه تلميذ يونس بن عبد الرحمن، (قلت): قد اطالوا الكلام في ترجمته، وعد المشهور حديثه حسنا، وصرح جمع من المحققين بوثاقته، منهم المحقق الداماد في الرواشح، ووالد شيخنا البهائى، والمجلسي، والمحقق الاردبيلي، وقال العلامة الطباطبائي بحر العلوم: والاصح عندى انه ثقة صحيح الحديث لوجوه وذكر شيخنا في المستدرك وجوها لتوثيقه، منهاقولهم في حقه: وأصحابنا يقولون انه أول من نشرحديث الكوفيين بقم، فان النشر كما شرح به الاستاذ الاكبر لا يتحقق إلا بالقبول، وان انتشاره عندهم من حيث العمل والاعتماد لامن حيث النقل.
وقال السيد الاجل بحر العلوم في وجه تقريب دلالته على التوثيق تلقى القميين من اصحابنا احاديثه بالقبول، ان العمدة فيه ملاحظة احوال القميين وطريقتهم في الجرح والتعديل، وتضييقهم أمر العدالة، وتسرعهم إلى القدح والجرح والهجر والاخراج بأدنى رتبة، كمايظهرمن استثنائهم كثيرامن رجال نوادر الحكمة، وطعنهم في يونس بن عبد الرحمن مع جلالته وعظم منزلته وابعادهم لاحمد بن محمد بن خالد من قم، لروايته عن المجاهيل، واعتماده على المراسيل، وغير ذلك ممايعلم بتتبع الرجال، فلو لاان ابراهيم بن هاشم عندهم بمكان من الثقة والاعتماد لماسلم من طعنهم وغمزهم بمقتضى العادة، ولم يتمكن من نشر الاحاديث التي لم يعرفوها إلا من جهته في بلده.
ومن ثم قال في الرواشح ومدحهم إياه بأنه اول من نشرحديث الكوفيين بقم كلمة جامعة وكل الصيد في جوف الفرا إنتهى.
وممايدل على جلالته ان الادعيه والاعمال الشائعة في مسجد المهلة، وفي مسجد زيد المتداولة المتلقاة بالقبول المذكورة في المزار الكبير، ومزار الشهيد وغيرهما ينتهي سندهااليه لاغير (رضوان الله عليه).
(والقمي) بضم القاف وتشديد الميم: نسبة إلى قم مدينة مستحدثة اسلامية لا أثر للاعاجم فيها، وأول من مصرها طلحة بن الاحوص الاشعرى، وبهاآبار ليس مثلها عذوبة وبردا، وأهلها كلها شيعة إمامية.
وكان بدء تمصيرها في ايام الحجاج بن يوسف سنة ٨٣، وذلك ان ابن الاشعث لماخرج على الحجاج كان في عسكره سبعة عشرنفسا من علماء التابعين من العراقيين فلماانهزم ابن الاشعث ورجع إلى كابل كان في جملته اخوة يقال لهم عبد الله والاحوص وعبد الرحمن وإسحاق ونعيم، وهم وبنوسعد ابن مالك بن عامر الاشعرى وقعواالى ناحية قم.
وكان هناك سبع قرى إسم احداها كمندان، فنزل هؤلاءالاخوة على هذه القرى حتى افتتحوها، وقتلوا اهلها، واستولوا عليها، وانتقلوا اليها واستوطنوها، واجتمع اليهم بنو عمهم، وصارت السبع قرى سبع محال بها وسميت باسم احدهاوهي كمندان، فأسقطوا بعض حروفها فسميت بتعريبها قما، وكان متقدم هؤلاء الاخوة عبد الله بن سعد، وكان له ولد قد ربي بالكوفة، فانتقل منهاالى قم، وكان إماميا، وهو الذى نقل التشيع إلى اهلها، فلايوجدبها سني قط.
كذاقال الحموى في معجم البلدان.
(اقول): قد وردت روايات كثيرة عن أئمةاهل البيت عليهم السلام في
مدح قم وأهلها، وانها مما سبقت إلى قبول الولايه، فزينها الله تعالى بالعرب وفتح إليه من ابواب الجنة، وانها قطعة من بيت المقدس، وانهاعش آل محمد وعش شيعتهم، وانه إذاعمت البلدان الفتن فعليكم بقم وحواليها ونواحيها فان البلاء مدفوع عنها، وان الملائكة لتدفع البلايا عن قم وأهله، وماقصده جبار بسوء إلاقصمه قاصم الجبارين، وشغله عنهم بداهية أومصيبة أوعدوان، بقم موضع قدم جبرائيل عليه السلام، وان اهل قم يحاسبون في حفرهم، ويحشرون من حفرهم إلى الجنة.
وفي البحارعن المناقب انه كتب أبو محمد (ع) إلى اهل قم وآبة ان الله تعالى بجوده ورأفته قد من عباده بنبيه محمدصلى الله عليه وآله بشيرا ونذيرا ووفقكم لقبول دينه، وأكرمكم بهدايته، وغرس في قلوب اسلافكم الماضين رحمة الله عليهم وأصلابكم الباقين تولى كفايتهم، وعمرهم طويلا في طاعته حب العترة الهادية، فمضى من مضى على وتيرة الصواب ومنهاج الصدق وسبيل الرشاد، فوردوا موارد الفائزين واجتنوا ثمرات ماقدموا ووجدوا غب مااسلفوا.
وعن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (ره) عن سلامة بن محمدقال: انفذ الشيخ الحسين بن روح رضي الله تعالى عنه كتاب التأديب إلى قم، وكتب إلى جماعة الفقهاء بها، وقال لهم: انظروافى هذا الكتاب وانظروا فيه شئ يخالفكم فكتبوا إليه انه كله صحيح، ومافيه شئ يخالف إلا قوله في الصاع، في الفطرة نصف صاع في الطعام، والطعام عندنا مثل الشعيرمن كل واحد صاع.
وروي عن الصادق عليه السلام قال: قم بلدنا وبلد شيعتنا، مطهرة مقدسة قبلت ولايتنااهل البيت، لايريدهم احد بسوء إلا عجلت عقوبته مالم يخونوا اخوانهم، فاذا فعلواذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء، أماانهم انصار قائمنا ورعاة حقنا، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم اعصمهم من كل فتنة، ونجهم من كل هلكة.
ومفاخر اهل قم كثيره، منها: انهم وقفوا المزارع والعقارات الكثيرة على الائمة عليهم السلام.
ومنها: انهم اول من بعث الخمس اليهم عليهم السلام، ومنها: انهم عليهم السلام اكرموا جماعة كثيرة منهم بالهداياو التحف والاكفان كأبي جرير زكريا بن ادريس، وزكريابن آدم، وعيسى بن عبد الله بن سعدوغيرهم ممن يطول يذكرهم الكلام، وشرفوا بعضهم بالخواتيم والخلع، وانهم اشتروامن دعبل ثوب الرضا عليه السلام بألف دينار من الذهب إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي أوردها العلامة المجلسي في كتاب السماء والعالم.
(اقول): زكريابن ادريس تقدم ذكره في أبوجرير، وزكريا ابن آدم بن عبد الله بن سعدالاشعري القمي، ثقة جليل القدر، كان له وجه عند الرضا عليه السلام.
روي انه قال للرضا عليه السلام: اني اريد الخروج عن اهل بيتي، فقد كثر السفهاء فيهم، فقال لاتفعل فان اهل قم يدفع عنهم بك كمايدفع عن اهل بغداد بأبى الحسن عليه السلام.
وروي عن علي بن المسيب قال: قلت للرضاعليه السلام: شقتي بعيدة ولست اصل اليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني؟ قال: من زكريابن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا.
وروي انه حج الرضا (ع) سنة من المدينة، وكان زكريا بن آدم زميله (وعيسى بن عبد الله بن سعدالقمي) هوالذي قال له الصادق (ع) انه منتا اهل البيت، وقال ليونس بن يعقوب: يايونس عيسى بن عبد الله رجل منا حي وهو منا ميت.
(وأخوه عمران بن عبد الله بن سعدالاشعرى القمي) هوالذى صنع مضارب للصادق (ع) وأهداها اليه، وقال: ان الكرابيس من صنعتي وعملتها لك، فأنااحب جعلت فداك ان تقبلها هدية، فقبض أبوعبد الله عليه السلام على يده، ثم قال، اسأل الله ان يصلي على محمد وآل محمد وان يظلك وعترتك يوم لاظل إلا ظله.
وكان عليه السلام يقربه ويبشه ويسأل احواله وأحوال اهل بيته واقبائه ويقول: هو نجيب قوم نجباء مانصب لهم جبار إلا قصمه الله.
(وحفيد عيسى بن عبد الله بن سعد) هواحمدبن محمد بن عيسى ابوجعفر شيخ القميين ووجههم وفقيههم غير مدافع. وكانا ايضا الرئيس يلقي السلطان ولقي أباالحسن وأباجعفر الثاني وأباالحسن العسكرى عليهم السلام.
وكان ثقة، وله كتب، ومن اهل بيته احمد بن اسحاق بن عبد الله بن سعد الاشعرى القمي، كان ثقة وافد القميين.
روى عن ابى جعفر الثاني وأبي الحسن عليهما السلام، وكان خاصة ابى محمد عليه السلام وهوشيخ القميين، رأى الزمان صلوات الله عليه.
روى انه توفى بحلوان وبعث ابو محمد العسكرى (ع) كافور الخادم بالاكفان فغسله وكفنه ثم غاب (رحمة الله).
(القمولى)
ابوالعباس نجم الدين احمد بن محمد بن مكي القرشي المخزومي القمولي المصرى إشتغل إلى ان برع، ودرس وأفتى وصنف وولى القضاء، وله شرح الوسيط في الفقه سماه البحر المحيط، وشرح مقدمة اين الحاجب، وأكمل تفسير الفخر الرازى، توفى في رجب سنة ٧٢٧.
(القنبيطى)
ابو الحسن محمد بن الحسين بن خالد، سمع جماعة كثيرة من العلماء، وروى (عنه ابن بنته عيسى بن حامد الرخجي، وأبو علي بن الصواف وغيرهما.
روى الخطيب عن ابن بنته قال: كنت مع جدى فرآه منقار فقال له: لواخذت معاوية على كتفك لقال الناس رافضي، ولو اخذت انا عليا على كتفى لقال الناس ناصبي.
قال الخطيب: احتسب ان القائل هذا القنبيطي، لان المعروف بمنقارهو الذى كان يرمى بالرفض، والله اعلم، تولى سنة ٣٠٤ (شد).
قال الفيروزآبادى: القنبيط بالضم وفتح النون المشددة اغلظ انواع الكرنب مبخرمغلظ ومحتملة بزوره لاتحبل، ومحمد بن الحسين القنبيطي محدث.
(قوام الدين)
القزويني الميرزا محمد بن محمد مهدى الحسيني، السيد الفاضل الكامل والاديب الاريب الشاعر المجيد الفقيه النبيه. له مهارة عظيمة في الشعر، نظم اللمعة الدمشقية، والكافية، والشافية، والزبدة وخلاصة الحساب، ومختصر الحاجبي وغيرذلك. وله القصائد، والمقطعات، وأشعار كثيرة في المراثي، وفي البراءة عن اعداء الدين. وكان هومن تلاميذ الشيخ جعفر الكمرئي الاصبهاني ومن خواصه، وينبغي هناالاشارة إلى ترجمة شيخه المذكور فنقول: هو الشيخ الاجل جعفر ابن عبد الله بن ابراهيم الكمرئي القاضي، جليل القدر عظيم الشأن رفيع المنزلة دقيق الفطنة، ثقة ثبت عين عارف بالاخبار والتفسير والفقه والاصول والكلام والحكمة والعربية، الجامع لجميع الكمالات، وليس له في جامعيته نظير، كذا عن جامع الرواة.
وقال: كان استاذنا ومعتمدنا، وبه في جميع العلوم استنادنا، إنتهى.
وقال (ضا): والظاهران غالب تلمذه واشتغاله كان على المحقق السبزواري وعلى المدقق الآقاحسين الخونساري، وكان الآقا شديد التعلق به حسن الاعتقاد به، مقدماإياه على سائر رجاله الاجلة في إرجاع عزائم الاموراليه، كمااستفيد لنا من بعض المجاميع.
وكان اشتغاله في الحديث على مولانا التقي المجلسي (ره)، وله الرواية ايضا عنه، وكان من اشهر مناصبه القضاء باصبهان طول حياته. وله قيود وحواش وتعليقات على كثيرمن مصنفات القوم، ولم يبرزلنا مناإلا تعليقته على شرح اللمعة وحواشيه على كفاية استاذه المحقق السبزواري ورسالة في اصول الدين، وأخرى في التعقيبات سماها ذخائر العقبى إلى غير ذلك وقدتلمذ عليه وأخذ منه، كما استفيد لنا من بعض إجازات المتأخرين جماعة منهم الشيخ الاجل الاكمل مولانا محمد أكمل، والمحدث الجليل المولى محمد بن علي الاردبيلي صاحب جامع الرواة(١) ، والسيد المدقق السيد صدر الدين القمي، والميرزا قوام الدين رضي الله تعالى عنهم اجمعين، إنتهى ملخصا.
وقال شيخنا في المستدرك في ترجمة، وقال الامير اسماعيل الخاتون ابادي المعاصرله في تاريخه انه صار شيخ السلام بعد وفاة المجلسي (ره) بسنة ونصف قال: وفي جمادي الثانية من سنة ١١١٥ حج بيت الله الحرام محمود آقا التاجر
___________________________________
(١) جامع الرواة: كتاب شريف كثير الفائدة قليل النظير، جمعه الاردبيلي المذكور في مدة عشرين سنة، وقال: وبالجملة وبسبب نسختي هذه يمكن ان يصير قريب من إثني عشر ألف حديث أو اكثر من الاخبار التي كانت بحسب المشهور بين علمائنا مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة مملومة الحال وصحبحة.
كان معاصرا للعلامة المجلسي والمحقق الخونساري رضوان الله تعالى عليهم اجمعين.
ومعه الشباك لحرم الكاظمين عليهما السلام، وكان معه من اهل حرم السلطان وأعيان الدولة وغيرهم زهاء عشرة آلاف، الحجاج منهم ثلاثة آلاف ومعه دراهم كثيرة لعمارة المشهد الحسينى على مشرفها السلام.
قال: وكان معه الفاضل المدقق صاحب الفطرة العالية الشيخ محمدجعفر الكمرئي شيخ الاسلام باصبهان قاصدا زيارة بيب الله الحرام فمرض في كرمانشاهان وعافاه في الكاظمين ثم عادالمرض فذهب إلى كربلا ومنها إلى النجف الاشرف وتوفى قبل وصوله إليه على رأس فرسخين منه، وقام بتجهيزه العالم الجليل المولى محمد سراب الذي كان هوايضا من جملة قافلتهم، ودفن في حول قبرالعلامة طاب ثراهما، إنتهى، ورثاه تلميذه قوام الدين القزويني بقصيدة فاخرة غراء أولها:
الدهرينعى الينا المجد والكرما |
والعلم والحلم والاخلاق والشيما |
إلى قوله:
قف بالسلام على ارض الغري وقل |
بعد السلام على من شرف الحرما |
|
مني السلام على قبر بحضرته |
أهمى على سحاب الرحمة الديما |
|
واقرأ عليه بترتيل ومرحمة |
طه ويس والفرقان مختتما |
|
وابسط هناك وقل يارب صل على |
محمد خير من لبى ومن عزما |
|
وآله الطيبين الطاهرين بما |
أسدوا الينا صنوف الخير والنعما |
|
وحف بالروح والريحان تربته |
واقبل شفاعتهم في حقه كرما |
|
تاريخ ماقد دهانا غاب نجم هدى |
فالله يهدي بباقي نوره الامما |
١١١٥.
يغلي الفؤاد ولا تمتد زفرته |
ضعف القوام أكل النطق والقلما |
وروي ان الشيخ جعفر القاضي المبرور المذكور لما اراد سفر الحج ذهب إلى الجامع ورقى إلى ذروة المنبر، وكان من جملة ماتكلم به: أيها الناس من
حكمت عليه ولا يرضى مني فلا يرضى، فاني ماحكمت بشيئ إلا وقد قطعت عليه وعلمت يقينا انه حكم الله، ماقلت خلاف الحق، ومن ضاع حقه وماله بسبب تدقيقي في الشهود وعدم ثبوت الحكم بشهادتهم له وكان الحق له في الواقع ولم يتبين لي فليرض عنى ويحللني فانه ربما يكونه الامر كذلك ولم يتحقق عندي، إنتهى.
(والكمرئي) نسبة إلى الكمرة بالفتحات الثلاث علما لناحية من نواحي بروجرد ذات قرى ومزارع كثيره بينهاوبين الجرباذقان خمسة فراسخ تقريبا كذافي (ضا).
وليعلم انه غيرالفاضل الجليل الشيخ جعفربن كمال الدين البحراني العالم النبيل الذي هاجرالى بلادالهند، واستوطن في حيدرآباد، فصار علما للعباد ومنهلا عذبا للوراد، رئيسا للفضلاء، وملجأ للاعاظم والامراء، توفى سنة ١٠٨٨ أو ١٠٩١.
يروى عن السيد نور الدين العاملي اخي صاحب المدارك، وعن الشيخ علي بن سليمان البحراني قال (ضا): وكان له مع الشيخ الفاضل المحدث الفقيه صالح بن عبد الكريم الكزركاني البحراني مصادقة تامة ومرافقة خاصة غيرعامة بحيث قدنقل انهما سافرا في مبادى الامر بلاد شيراز المحمية لضيق معيشتهما فبقيا فيها زمانا، وكانت مترعة بالفضلاء الاعيان، ثم انهما تواطئاعلى ان يمضي احدهما إلى بلاد الهند، ويقيم الاخر في ديارالعجم، فأيهما أثرى أولا أعان الآخر.
فسافر الشيخ جعفرالى بلاد الهند واستوطن حيدرآباد، وبقي الشيخ صالح في شيراز، وكان من التوفيقات الربانية، والاقضية السماوية السبحانية ان كلا منهما صار علما للبلاد ومرجعا للعباد، وانقادت لهماازمة الامور وحازا سعادة الدنيا والدين في الورود والصدور.
وكانت وفاة الشيخ جعفر هذافي ارض الهند، في سنة ١٠٨٨ (غفح)، إنتهى.
(قوام الدين المرعشي)
المازندراني الذى ينتهي إليه السلاطين القوامية المرعشية بمازندران هوالسيد قوام الدين صادق بن عبد الله بن محمد بن ابى هاشم بن علي بن الحسن بن علي المرعش بن عبيدالله بن محمد بن الحسن بن الحسين الاصغربن الامام زين العابدين عليه السلام المشهور بـ (ميربزرك) أي المير المعظم.
توفى سنة ٧٨١ ودفن بآمل، وقد ذكر ترجمته القاضي نورالله في المجالس.
(القوشجى)
المولى علاءالدين على بن محمد، الذى حصل في حداثة سنه غالب العلوم، وبهمته كمل زيج الغ بيك.
ذكره طاشكبري زادة في الشقائق النعمانية وغيرة، وحاصل ما قالوا انه كان أبوه محمد بن خدام الاميرالغ بيك بن شاهرخ بن الامير تيمور الكور كان ملك ماوراء النهر، وكان هو حافظ البازي وهو معنى القوشجي في لغتهم قرأ على علماء سمرقند، وقرأ على المولى الفاضل القاضي زاده الرومي، وقرأ عليه العلوم الرياضية، وقرأ ايضا على الاميرالغ بيك، وكان الامير المذكور مائلا إلى العلوم الرياضية.
ثم ذهب القوشجي مختفيا إلى بلاد كرمان، فقرأ هناك على علمائها، ثم انه عاد إلى سمرقند، ووصل إلى خدمة الامير المذكور واعتذر عن غيبته بأن تلك كانت لتحصيل العلم فقبل عذره. ثم ان الامير الغ بيك بنى موضع رصد سمرقند وصرف فيه مالا عظيما وتولاه أولا غياث الدين جمشيد من مهرة هذا العلم، فتوفى في اوائل الامر، ثم تولاه القاضي زاده الرومي فتوفى قبل إتمامه.
وأكمله المولى علي القوشجي، فكتبوا ماحصل لهم من الرصد، وهو المشهور بالزيج الجديد الالغ بيك، وهو احسن الزيجات وأقربها من الصحة، ولما مات الغ بيك رحل القوشجي إلى تبريز، فأرسله السلطان حسن الطويل إلى السلطان محمدخان العثماني ليصالح بينهما، فأكرمه السلطان محمدخان وسأله ان يسكنه في ظل جمايته ثم اعطاه مدرسة أياصوفيا، وعين له كل يوم مائتي درهم، وعين لكل من اولاده وتوابعه منصبا.
وله من التصانيف: شرحه للتجريد المشهور بالشرح الجديد، والرسالة المحمدية في علم الحساب سماها باسم السلطان محمدخان، والرسالة الفتحية في علم الهيئة، سماها بذلك لمصادفتها فتح السلطان محمدخان عراق العجم، وله حاشية على اوائل شرح الكشاف للتفتازاني إلى غير ذلك. وقد جمع عشرين متنا في مجلدة واحدة، كل متن من علم وسماه محبوب الحمائل، وكان بعض غلمانه يحمله ولا يفارقه ابدا، وكان ينظر فيه كل وقت وشرحه للتجريد شرح لطيف في غاية اللطافة.
قال في محكي اواخر مبحث الامامة منه: ان عمر قال وهو على المنبر: ايها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا انهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن: متعة النساء ومتعة الحج وحي على خير العمل، ثم اعتذرعنه بأن هذا إنما كان منه عن تأول واجتهاد.
وعن العلامة الحلبي قال في باب (بدءالاذان) ص ١١٠ من الجزء الثاني من سيرته ان ابن عمر (رض) والامام زين العابدين علي بن الحسين " ع " كانا يقولان في الاذان بعدحي علي الفلاح حي على خير العمل.
ونقل العلامة والشهيد الثاني رحمهما الله عن صحيح الترمذي ان رجلا من اهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء فقال: هي حلال، فقال ان
اباك قدنهى عنها، فقال ابن عمر: أرأيت ان كان ابي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وآله، أنترك السنة ونتبع قول ابي.
(اقول): قدتقدم مايتعلق بذلك في الفيومي.
توفى القوشجي بمدينة قسطنطينية سنة ٨٧٩ (ضعط) ودفن بجوار ابى ايوب " رحمه الله ".
(القونوى)
ابوالمعالي صدر الدين محمد بن إسحاق الشافعي، صاحب التصانيف في التصوف.
تزوج بأمة الشيخ محيى الدين بن العربي ورباه واهتم به، وجمع بين العلوم الشرعية وعلوم التصوف، فصار مجمعا للبحرين، يقصده الافاضل من الآفاق، منهم العلامة قطب الدين الشيرازى، أتاه وهو بقونية وقرأ عنده، وله مكاتبات ومراسلات مع الخواجة نصير الدين الطوسي.
ومن مصنفاته: تفسير الفاتحة وشرح الاحاديث الاربعينية، كتاب الفكوك إلى غير ذلك، توفى سنة ٦٧٣ (خعج) (والقونوي) نسبة إلى قونية بالضم وكسرالنون وتخفيف الياء بلد بالروم جليل بين الشام وقسطنطينية.
ويسب اليهاايضا ابوالفداء اسماعيل بن محمد بن مصطفى القونوى الحنفي صاحب الحاشية على تفسير البيضاوي المتوفى سنة ١١٩٠ (غقصه).
(القهبائى)
المولى الفاضل زكى الدين عناية الله بن شرف الدين علي القهبائي الاصبهانى الرجالي (ضا) الملقب بالزكى النجفي، لكون اصله ومحتده ومحل تحصيله النجف الاشرف.
وهو صاحب كتاب مجمع الرجال الذي هو من معاريف كتب هذا المجال وكتاب ترتيب اختيار رجال الكشي، وكتاب ترتيب رجال النجاشي والحواشي الكثيرة عليه وغير ذلك. وكان عالما محققا، من تلامذة المحقق الاردبيلي وشيخنا البهائي والمولى عبد الله التستري عليهم الرحمة، كمايستفاد من مطاوي كتاب رجاله المشهور ومعاصرا للسيد الامير مصطفى التفريشي.
(والقهبائي): بضم القاف نسبة إلى قهباية، معرب كوه پايه، أي الواقعة على سفح الجبل مثل قهستان الذي هومعرب كوهستان، والعامة يسمونها الآن كوپا، وهي القصبة الواقعة على رأس مرحتلين من شرقي بلدة اصبهان.
وممن ينسب إلى هذه القصبة السيد الفاضل المحدث الماهر الامير السيد قاسم ابن الامير السيد محمد الحسني الحسيني الطباطبائي الذى يروي عنه العلامة المجلسي (ره) إنتهى (ضا) ملخصا.
(القيراطى)
برهان الدين أبواسحاق ابراهيم بن عبد الله بن عسكر الطائي، الاديب الماهر الشاعر.
سلك طريق الشيخ جمال الدين بن نباتة، وتلمذله، وكان له اختصاص بالسبكي وأولاده، وله منهم مدائح ومراثي وبينهم مراسلات، له ديوان، جاور بمكة ومات بهاسنة ٧٨١.
(القيروانى)
أبو الحسن علي بن عبد الغني المقري الضرير الحصري الشاعر المشهور، كان عالما بالقراءات وطرقها.
وله قصيدة نظمها في قراءات نافع عدد أبياتها ٢٠٩ ابيات، توفى سنة ٤٨٨ (تفح).
(وقد يطلق) على ابى الحسن بن رشيق (كشريف) احد الافاضل البلغاء له التصانيف المليحة والنظم الجيد.
له كتاب في شعراء عصره، والظاهره هو العمدة الذى نقل عن ابن خلدون انه قال: لم يؤلف مثله قبله ولابعده، وكانت بينه وبين أبى عبد الله محمد بن احمد المعروف بابن شرف الادب القيرواني مناقصات ومحاقدات، وصنف في الرد عليه عدة تصانيف، توفى سنة ٤٥٦ أوسنة ٤٦٣.
(والقيرواني) بفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح الراء المهملة نسبة إلى القيروان مدينة بافريقية بناها عقبة بن عامر الصحابي، والقيروان معرب كاروان أي القافلة، يقال: ان قافلة نزلت بذالك المكان ثم بنيت المدينة في موضعها فسميت باسمها.
وإفريقية سميت باسم افريقين بن قيس بن صيقى الحميري، وهو الذى افتتح افريقية وسميت به وقتل ملكها جرجير، ويومئذ سميت البربر.
(القيصرى)
داود بن محمود بن محمد الرومي الساوي محتدا نزيل مصر، شارح الفصوص لابن العربى المعروف بشرح فصوص الحكم القيصرى، توفي سنة ٧٥١.
باب الكاف
(كاتب جلبى)
العالم المتتبع الخبير مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة، أبوه من رجال الجند.
ولد في قسطنطينية سنة ١٠٠٤، (غد)، ولماترعرع استخدم كاتبا في نظارة الجيش بالاناضول وانتقل إلى بغداد وارتقى في المناصب حتى صارمن رؤساء الكتاب.
وكان علما اديبا، وله همة عالية في التآليف، له مؤلفات اشهرها كشف الظنون عن اسامى الكتب والفنون قيل ان فيه ١٤٥٠٠ أسم كتاب، توفى بقسطنطينية سنة ١٠٦٨ (غسح).
(الكاتب الرومى)
القائد أبو الحسن جوهر بن عبد الله مولى المعز الدين الله، احد الخلفاء الفاطميين بمصر، وقد تقدم ذكره في العبيدية.
(كاتب الواقدى)
أبوعبد الله محمد بن سعد بن منيع، قال الخطيب في تاريخ بغداد كان من اهل الفضل والعلم.
صنف كتابا كبيرا في طبقات الصحابة والتابعين والخالفين إلى وقته فأجاد فيه وأحسن.
روي عن الحسين بن فهم قال: كنت عند مصعب الزبيري فمر بنا يحيى ابن معين فقال له مصعب: يا ابازكريا حدثنا محمد بن سعد الكاتب بكذا وكذا وذكر حديثا، فقال له يحيى كذب.
قال الخطيب قلت: ومحمد بن سعد عندنا من اهل العدالة وحديثه يدل على صدقه فانه يتحرى في كثير من رواياته، ولعل مصعبا الزبيرى ذكر ليحيى عنه حديثا من المناكير التي يرويها الواقدى فنسبه إلى الكذب.
ثم روى عن ابراهيم الحربى قال: كان احمد بن حنبل يوجه في كل جمعة بحنبل بن اسحاق إلى ابن سعد يأخذ منه جزئين من حديث الواقدى ينظر فيهما إلى الجمعة الاخرى، ثم يردهما ويأخذ غيرهما، قال ابراهيم: ولوذهب سمعهما كان خيرا له.
توفى ببغداد ٤ ج ٢ سنة ٢٣٠، ودفن في مقبرة باب الشام وهو ابن ٦٢ سنة.
وكان كثيرالعلم، كثير الحديث والرواية، وكثير الطلب، وكثير الكتب، كتب الحديث وغيره من كتب الغريب والفقه إنتهى.
اقول: تقدم ذكره في ابن سعد.
(الكاتبى)
نجم الدين أبوالحسين علي بن عمر الشافعي القزويني، كان اعلم اهل عصره بالمنطق والهندسة وآلات الرصد، وكان من تلامذة المحقق الخواجه نصيرالدين الطوسي.
له مصنفات منها: حكمة العين، والشمسية، وهي التي شرحها القطب الرازى، والتفتازانى.
وممن تلمذ عليه آية الله العلامة الحلي عطرالله مرقده، قال في اجازته المعروفة لبني زهرة في وصف الكاتبى: كان من فضلاء العصر وأعلمهم بالمنطق، وله تصانيف كثيرة قرأت عليه شرح الكشف إلا ما شذ، وله خلق حسن ومناظرات جيدة، وكان من افضل علماء الشافعية عارفا بالحكمة، إنتهى، توفى سنة ٦٧٥ خمس وسبعين وستمائة.
وأما ما ذكره الجلبي في كشف الظنون في باب الشين في ذيل الشمسية تاريخ وفاته سنة ٤٩٣ ثلاث وتسعين وأربعمائة فاشتباه منه قطعا.
(وقد يطلق الكاتبي) على محمد بن عبد الله الترشيزي النيشابورى شاعر مشهور أورده القاضي نورالله في المجالس في شعراء الشيعة وذكر بعض قصائده في مدح أمير المؤمنين عليه السلام منها قوله: