تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي الجزء ١

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي14%

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 409

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 409 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141161 / تحميل: 8901
الحجم الحجم الحجم
تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

والعدة عن احمد بن محمد بن يحيى العطار. وقد روى عنهم عنه كثيرا فمنهم:

١ - احمد بن علي ابوالعباس الثقة كما في ترجمة الحسين بن سعيد (رقم ١٣٣) وعبدالله بن المغيرة (رقم ٥٦٨) وغيره.

٢ - الحسين بن عبيدالله كما في احمد بن محمد السياري (رقم ١٨٨) وغير ذلك كثيرا.

٣ - محمد بن علي بن شاذان وقد روى عنه عن احمد بن محمد العطار كثيرا وجمع بين ابن شاذان والحسين بن عبيدالله في ترجمة احمد بن محمد بن عيسى (رقم ١٩٤) وبين الحسين وغيره عنه في ترجمة زكريا المؤمن (رقم ٤٦٠) وبين احمد بن علي وابن شاذان وغيرهما في ترجمة محمد بن احمد بن يحيى (رقم ٩٥١).

قلت: روى الشيخ رحمه الله في الفهرست عن العدة عن احمد بن محمد بن يحيى وسمى منهم الحسين بن عبيدالله وابن ابي جيد في تراجم جماعة مثل احمد بن محمد بن عيسى ص ٢٥ رقم ٦٥ واحمد بن أبي زاهر ص ٢٥ رقم ٦٦ واحمد بن اسحق ص ٢٦ رقم ٦٨ وابان ابن عثمان ص ١٨ رقم ٥٢.

والعدة عن جعفر بن احمد بن سفيان البزوفري، فمنهم:

١ - احمد بن علي بن نوح ابوالعباس الثقة كما في ترجمة ابراهيم ابن صالح (رقم ١١) وغيره.

٢ - الحسين بن عبيدالله كما في ابراهيم بن مسلم (رقم ٤٢) وغيره.

قلت: الظاهر ان جعفر بن احمد في هذه الموارد مصحف احمد ابن جعفر فقد روى عنهما عنه وروى عن الحسين بن عبيدالله عن احمد بن جعفر بن سفيان كثيرا كما في ترجمة درست (رقم ٤٢٧) وغيره

٦١

وعن أحمد بن علي ابي العباس ايضا عن احمد بن جعفر كما في ترجمة الفضل بن سليمان (رقم ٨٤٥) والفضل بن شاذان (رقم ٨٤٨) وغيره. وروى الشيخ رحمه الله في رجاله باب من لم يرو عنهم عليهم السلام (ص ٤٤٣ رقم ٣ ذ) عن المفيد وابن الغضائري عن احمد بن جعفر ابن سفيان.

ومما ذكرنا يظهر ما في كلام المحدث النوري رحمه الله في خاتمة المستدرك في تفسير العدة تبعا لظاهر العنوان فيما تقدم فلاحظ.

والعدة عن جعفر بن محمد بن قولويه (وروى عنهم عنه في ترجمة حاتم بن إسماعيل (رقم ٣٧٩) فمنهم:

١ - المفيد رحمه الله.

٢ - الحسين بن الغضائري.

٣ - والحسين بن احمد بن موسى بن هدبة.

وقد جمع النجاشي بينهم في الرواية عن إبن قولويه في ترجمة علي بن مهزيار (رقم ٦٧٠) وترجمة سعد بن عبدالله (رقم ٤٧٤) وبين المفيد وابن هدبة في علي بن محمد أبي مملة (رقم ٦٩١).

وروى عن المفيد عنه كثيرا وعن ابن الغضائري وغيره في ترجمة ربيعة بن سميع (رقم ٢) وغيره وبين المفيد وابن الغضائري كما في ترجمة ابن قولويه (رقم ٣١٥) وبينهما وبين احمد بن علي ابي العباس في ترجمة الكليني (رقم ١٠٣٨).

قلت روى الشيخ في الفهرست عن العدة عن ابن قولويه كثيرا وسمى منهم المفيد، واحمد بن عبدون، وإبن الغضائري وقال: وغيرهم كما في ترجمة إبن قولويه (ص ٤٢ رقم ١٣٠) والكليني ص ١٣٥ وقال: في رجاله باب من لم يرو عنهم (ص ٤٥٨ رقم ٥) عند ذكر

٦٢

إبن قولويه روى عنه التلعكبري وأخبرنا عنه محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيدالله واحمد بن عبدون وابن عزور الخ..

تنبيه: روى النجاشي عن جعفر بن محمد بن عبيدالله تارة بواسطة ابي الحسين بن محمد بن ابى سعيد كما ترجمة وهيب بن خالد (رقم ١١٦٩) واخرى بواسطة محمد بن عثمان ابي الحسين القاضي كما في عبدالله بن اويس (رقم ٥٩١) ومواضع كثيرة.

والعدة عن الحسن بن حمزة ابي محمد الطبري المرعشي العلوي كما في العلاء بن زيد رقم ٨١٩ منهم:

١ - المفيد (ره) كما في ابراهيم بن رجاء (رقم ١٤) وابراهيم ابن هاشم (رقم ١٦) وغير ذلك.

٢ - أحمد بن علي بن نوح الثقة كما في اسماعيل بن أبي زياد (رقم ٤٦) وغير ذلك كثيرا.

٣ - الحسين بن عبيدالله بن الغضائري كما في الحسين بن موسى (رقم ٨٨) والحسن بن رباط رقم ٩٢ وغيره كثيرا.

٤ - محمد بن عثمان النصيبي المعدل القاضي كما في حذيفة بن منصور (رقم ٣٨٠).

قلت جمع (ره) بين المفيد وغيره في ترجمة الحسن بن أبى قتادة (رقم ٧٣) وغيره كثيرا وجمع بين ابن الغضائري وبين جميع شيوخنا في ترجمته (رقم ١٤٦).

وروى الشيخ (ره) في الفهرست عن العدة عن الحسن بن حمزة وصرح باسم بعضهم منهم المفيد واحمد بن عبدون وابن الغضائري في ترجمته ص ٥٢ رقم ١٨٤ وفي ابراهيم بن هاشم ص ٤ رقم ٦ واحمد البرقي ص ٢٢ رقم ٥٥.

٦٣

والعدة عن الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن ابن أخى طاهر فيما روى عن عدة من اصحابنا كثيرة عنه كتبه في ترجمته (رقم ١٤٥) فمنهم الحسين بن عبيدالله بن الغضائري كما في اسماعيل بن محمد المخزومي رقم ٦٦ ومتوكل بن عمر رقم ١١٥٥.

قلت ومن البعيد جدا خلو هذه العدة الكثيرة من مشايخه عن المفيد او السيرافي من ثقات مشايخه.

والعدة عن سهل بن احمد الديباجي، فمنهم:

١ - أحمد بن عبدالواحد كما في ترجمته رقم ٥٠٠ فذكر كتابه ثم قال (ره) اخبرني بن عدة من أصحابنا واحمد بن عبدالواحد.

٢ - الحسبن بن عبيدالله كما في محمد بن محمد الاشعث رقم ١٠٤٣.

قلت وروى عن غير واحد عن علي بن حبشي بن قوني الكاتب الكوفي في عبيدالله الحلبي (رقم ٦١٧) وعن ابي عبدالله بن عبدالواحد وغيره عنه في الحسين بن احمد المنقري رقم ١١٥ فمنهم:

١ - احمد بن عبدالواحد كما تقدم وفي القاسم بن عروة رقم ٨٦٨ وغيره كثيرا.

٢ - والحسين بن عبيدالله كما في ترجمة القاسم بن عروة (رقم ٨٦٨).

والعدة عن علي بن محمد بن يوسف بن مهجور بن خالويه كما في ترجمته رقم ٧٠٥ فمنهم الحسين بن عبيدالله كما في هاشم بن ابراهيم رقم ١١٧٩ وفي محمد بن مسعود العياشي رقم ٩٥٦ بل وفي جراح المدائني رقم ٣٣٢ وربعي بن عبدالله رقم ٤٣٨ بل ولعل الظاهر ان علي بن محمد هذا هو من مشايخ النجاشي ايضا كما في محمد بن ابراهيم الامام رقم ٩٦٣ وتقدم في مشايخه وحيئذ يشمله ما ذكره في ترجمه الحسن ابن حمزة الطبري المرعشي رقم ١٤٦ اخبرنا بها شيخنا ابوعبدالله

٦٤

وجميع شيوخنا رحمهم الله.

والعدة عن محمد بن احمد بن الجنيد الاسكافي ثقات قال (ره) في ترجمته رقم ١٠٥٨ سمعت شيوخنا الثقات يقولون عنه انه كان يقول بالقياس، واخبرونا جميعا بالاجازة لهم بجميع كتبه ومصنفاته قلت وروى الشيخ(ره) في الفهرست عن العدة عن محمد بن احمد الاسكافي وصرح بالمفيد وابن عبدون منهم في احمد بن محمد بن عاصم ص ٢٨ رقم ٧٥.

والعدة عن محمد بن احمد بن داود كما في ربيع بن زكريا رقم ٤٣١ وسعيد الاعرج رقم ٤٨٤ وغيره فمنهم:

١ - المفيد (ره).

٢ - احمد بن علي ابوالعباس.

٣ - ابن الغضائري كما صرح بهم في ترجمته رقم ١٠٥٧ وفى سلامة بن محمد (رقم ٥٢١) وروى عن المفيد (ره) عنه كثيرا كما عن ابن الغضائري عنه كثيرا وعنهما عنه في احمد بن محمد بن عمار (رقم ٢٣٣ * رواية وحكاية.

قلت وروى الشيخ (ره) عن ابن داود هذا وصرح بالمفيد وابن الغضائري وابن عبدون منهم في ترجمته ص ١٣٦ رقم ٥٩٢ وفى احمد ابن محمد بن سيار ص ٢٣ رقم ٦٠.

والعدة عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق (ره) كما روى عن جماعة عنه في يحيى بن عبدالحميد رقم ١٢١٧. فمنهم والده علي بن احمد رحمه الله كما في محمد بن اسماعيل ابن بزيع (رقم ٩٠٣) ومحمد بن ابي القاسم (رقم ٩٥٩) وترجمة الصدوق (ره) رقم ١٠٦٠. ومنهم احمد بن علي بن نوح ابوالعباس السيرافى الثقة كما في

٦٥

حكم بن حكيم رقم ٣٥٠.

قلت وروى الشيخ (ره) ايضا في الفهرست كثيرا عن العدة عن الصدوق (ره) وصرح بالمفيد وابن الغضائري وجعفر بن الحسين بن حسكة القمي منهم في ترجمة محمد بن قيس ص ١٣١ رقم ٥٧٩ وزاد على هولاء الثلاثة ايضا في ترجمة الصدوق (ره) ص ١٥٧ رقم ٦٩٥ ابا زكريا محمد بن سليمان الحمراني.

والعدة عن محمد بن عمر بن مسلم البراء بن سيرة الجعابي التميمي كما روى عنهم عنه في ترجمة ابي حمزة الثمالي رقم ٢٩٤. فمنهم المفيد (ره) كما في ترجمته رقم ١٠٦٦ وجعفر بن محمد ابي قيراط رقم ٣١١ ومنهم محمد بن عثمان ابوالحسين النصيبي كما في ترجمة عبدالله بن علي رقم ٦٠٤ وعبدالله بن محمد الرازي رقم ٦٠٨ وعن المفيد وغيره في إدريس بن زياد رقم ٢٥٤.

والعدة عن محمد بن علي بن تمام بن المفضل ابي الحسين الدهقان كما روى عنهم عنه في جعفر بن الحسين رقم ٣١٤. فمنهم احمد بن علي السيرافى الثقة كما في الحسين بن سعيد رقم ١٣٣ والحسن بن الحسين العرني رقم ١٠٩ وغيره. ومنهم الحسين بن عبيدالله كما في عقبة بن خالد رقم ٨٢٢.

والعدة عن محمد بن همام ابي علي الكاتب فمنهم احمد بن محمد الجندي كما في الحسن بن محمد الحضرمي رقم ١٠٣ واحمد بن هلال رقم ١٩٥ وغير ذلك. ومنهم احمد بن محمد المستنشق كما في عبدالله بن مسكان رقم ٥٦٦.

والعدة عن محمد بن وهبان الدبيلي كما روى عنهم عنه في سليمان ابن داود المنقري (رقم ٤٩٥) فمنهم:

٦٦

١ - احمد بن عبدالواحد كما في ترجمة حبيش (رقم ٣٧٦).

٢ - الحسين بن عبيدالله كما في ترجمة احمد بن ابراهيم بن المعلى (رقم ٢٣٦).

٣ - محمد بن علي الكاتب كما في ترجمة اسحق بن بشير (رقم ١٦٧) واحمد بن عبدالله الاشعري (رقم ٢٤٩).

قلت هذا ما وقفنا عليه من رواية النجاشي عن عدة مشايخه وتفسيرها حسب ما يستفاد من رواياته في الموارد المتفرقة وبذلك يظهر مواقع النظر في كلام بعض المتأخرين (قده) ولعلك بالتأمل فيها تقف على ذلك ايضا والله الهادي.وثاقة مشايخه يظهر من عدة من اصحابنا وثاقة مشايخ النجاشي رحمه الله وبها صرح غير واحد من أعاظم المتأخرين وقد اعتمدوا على رواية جماعة ممن لم يصرح بتوثيقه من مشايخه، بدعوى ان المستفاد من جملة من كلماته انه لا يروى الا عن الثقات وسيأتي إن شاء الله ان رواية من يعرف بذلك إمارة عامة على توثيق من روى عنه وهذا بناء‌ا على ظهور التزامه بعدم الرواية عن غير الثقات.وما يمكن إستظهاره منه امور الاول ما علل به لتركه الرواية عن بعض مشايخه ففي ترجمة احمد بن محمد بن عبيدالله بن الحسن بن عياش الجوهري (رقم ٢٠٣) قال: كان سمع الحديث فاكثر واضطرب في آخر عمره (إلى ان قال) رأيت هذا الشيخ وكان صديقا لي ولوالدي وسمعت منه شيئا كثيرا ورأيت شيوخنا يضعفونه فلم أرو عنه شيئا

٦٧

وتجنبته، وكان من اهل العلم والادب القوي، وطيب الشعر، وحسن الخط رحمه الله وسامحه ومات سنة إحدى واربعمائة. وفي ترجمة محمد بن عبدالله ابي المفضل الشيباني (رقم ١٠٧٠) قال: سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفى، وكان في اول أمره ثبتا ثم خلط، ورأيت جل اصحابنا يغمزونه ويضعفونه، له كتب كثيرة، (إلى ان قال) رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيرا، ثم توقفت عن الرواية عنه الا بواسطة بيني وبينه. وفى ترجمة اسحق بن الحسن بن بكران ابي الحسن العقرابي التمار (رقم ١٧٤) قال: كثير السماع، ضعيف في مذهبه، رأيته بالكوفة وهو مجاور، وكان يروى كتاب الكليني رحمه الله عنه وكان في هذا الوقت علوا فلم أسمع منه شيئا الخ، وقال: في ترجمة الكليني وابوالحسين العقرابى يرويه عنه.

قلت وقد أكد رحمه الله إلتزامه بعدم الرواية عن المطعون وشدة احتياطه في ذلك بذكر بالمقتضى للرواية عن هؤلاء من كثرة سماعه وصداقته وصداقة والده رحمه الله، وكون الشيخ كثير السماع، كثير المشايخ، كثير الاطلاع على الطرق والاسانيد بالسفر في طلب الحديث عمره، وكونه من اهل العلم والادب القوي والفضل وكونه ممن روى عن أكابر المشايخ وممن يعلو به الاسناد وكان علو الاسناد مما يرجح به عند اهل الحديث من الفريقين، اذ كان الشيباني والعقرابي من تلامذة الكليني وممن روى عنه وكان ابن عياش في طبقة مشايخ مشايخ النجاشي وقد روى بعض مشايخه ومن في طبقتهم عن ابن عياش مثل المفيد وابن الغضائري وابن عبدون وابن ابي جيد واضرابهم.

٦٨

ثم ان ضعف هؤلاء مذهبا كما صرح به في العقرابي وهو الظاهر في غيره اذا اوجب ترك الرواية عنهم مع امكان وثاقتهم في النقل كما صرح به الاصحاب في جماعة من الواقفية والفطحية وغيرهم من اصحاب المذاهب الباطلة فيقتضي ترك الرواية عمن لا يوثق به في النقل بوجه اولى، وحينئذ فالتعليل المذكور يقتضي التزامه بعدم الرواية عمن لا يوثق به ويطعن فيه هذا غاية تقريب الاستدلال بهذا الوجه.

قلت: وللنظر في ذلك مجال اذ ترك الرواية عن المطعون والضعيف مذهبا انما يقتضى بالاولوية ترك الرواية عن المطعون والضعيف رواية لا ترك الرواية عن المجهول ومن لا يعرف حاله وان لم يضعف فاثبات الوثاقة بذلك كما ترى. مع ان ترك الرواية عمن ضعفه شيوخ الاصحاب كم في الجوهري او جل الاصحاب كما في الشيباني لا يلازم ترك الرواية عمن ضعفه بعض الاصحاب والا فكثير من الثقات ورد فيهم طعن او غمز وان لم يثبت بسند معتبر ولا يبعد كون تضعيف الاصحاب لهؤلاء بالغلو والتخليط المستلزم للاتهام بالوضع بل هو الظاهر في تضعيف الشيباني والجوهري. وحينئذ فلا يلازم ترك الرواية عمن ضعفه شيوخ الاصحاب وجلهم بالغلو والتخليط والوضع مع ترك الرواية عن كل ضعيف في المذهب كالواقفي او الفطحي او العامي ولا من لم يعرف بالكذب والوضع.

وقد كان الاتهام بالغلو والتخليط مما يوجب ترك الاصحاب الرواية عنه، ولذا ترى عمل الطائفة باخبار اصحاب المذاهب الباطلة اذا كانوا ثقاتا في النقل كما صرح به شيخ الطائفة رحمه الله في كتاب العدة. وهذا بخلاف الغلاة ومن اتهم بالغلو فلا يعمل باخبارهم الا اذا عرف لهم حال استقامة ورووا في زمان الاستقامة كما صرح به ايضا في العدة من دون استثناء ما اذا كانوا ثقاتا في النقل اذ المتهم

٦٩

بالغلو متهم بالوضع فالاجتناب عن الرواية عنه لا يلازم الاجتناب عن غيره بقى هنا امور.

أحدها ان ما ذكره النجاشي رحمه الله من ترك الرواية ولاجتناب أو التوقف محمول على ترك الرواية على الوجه الاول بنحو قوله اخبرنا او حدثنا والا فتقدم حكايته كتب الاصحاب او احوالهم عن الشيباني والجوهري على الوجه الثاني ومن ذلك يستفاد ان تركه الرواية عن المطعون تختص بالرواية على الوجه الاول.

ثانيها ان الاجتناب عن السماع عن الضعيف في المذهب كما ذكره في العقرابي يقتضي كون السماع الكثير عن الجوهري والشيباني قبل انحرافهما واضطرابهما وتخليطهما كما هو ظاهر كلامه فيهما ايضا وحينئذ فلا محذور في الرواية عن الغالي اذا كان السماع حال الاستقامة وقد صرح شيخ الطائفة رحمه الله في كتاب العدة بعمل الاصحاب بما رواه أبوالخطاب واحمد بن هلال واضرابهم من الغلاة حال استقامتهم وهذا يؤيد ما ذكرنا من عدم ظهور كلامه رحمه الله في الالتزام بعدم الرواية إلا عن الثقات. ولعل ذلك نوع ورع واحتياط منه في الحديث والرواية عنهم.

ثالثها ان ما ذكره رحمه الله في الشيباني من التوقف عن الرواية عنه إلا بواسطة لا يخلو عن خفاء فان الواسطة ان كان مطعونا ايضا في المذهب او الحديث فيعود الاشكال. وان كان ثقة في ذلك ولكن لا يبالي بمن يروى عنه فيروى عن الضعيف او المجهول فتوسطه لا يفيد سواء جزم الماتن بضعفه بعد غمز جل الاصحاب او شك في ذلك وان كان ثقة في مذهبه وحديثه وطريقته في الحديث ولا يتهم بالرواية عن الضعيف أو المجهول فروايته امارة على وثاقة من روى عنه ويصير

٧٠

تضعيف الاصحاب وغمزهم اياه محلا للنظر فلاحظ وتأمل. وهذا يؤكد ما أشرنا اليه من ان تركه الرواية انما كان فيما يوجب الاتهام بالرواية عنه كم في ابن عياش او الشيباني الذي ضعفه شيوخ الاصحاب أو جلهم لا مطلقا فتأمل. ثم ان التضعيف في العقرابي من جهة المذهب لا العلو كما سيأتي تحقيقه في ترجمته.

الامر الثاني انه (ره) ترك الرواية عن جماعة من المشايخ والرواة ممن سمع منه او قرأ عليه الفقه او الحديث ان ترك السماع ايضا، مع ان فيهم من كان في طبقة مشايخ مشايخه والسند بالرواية عنهم يكون عاليا ويرجح السند العالي على غيره بل وربما يترك الرواية عن الثقات كثيرا بالرواية عن مشايخهم ومن يكون السند به عاليا ولعل ذلك هو الوجه في عدم رواية النجاشي عن غير واحد من ثقات مشايخ عصره كالشريف المرتضى ومحمد بن الحسن بن حمزة الجعفري وسلار بن عبدالعزيز ونظرائهم لاشتراكه مع هؤلاء في الرواية عن مشايخهم كالمفيد وغيره.وبالجملة فترك النجاشي الرواية عمن يكون به السند عاليا كان لغمض فيه وفي ذلك قرينة على التزامه بعدم الرواية عن المطعون وغير الثقة، قلت لا ينحصر سبب ترك الحديث والرواية عن هؤلاء وامثالهم في ضعفهم بل امور ربما لا يخفى على المتأمل.الثالث انه يظهر منه (ره) ان مشايخ الحديث واعلام الرواة يجتنبون عن الرواية عن الضعيف بل عن السماع منه فكيف يروي هو عن الضعيف وقد استعجب (ره) من روايتهم عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري في ترجمته (رقم ٣١٠) قال كان ضعيفا في الحديث قال احمد بن الحسين: كان يضع الحديث وضعا ويروى عن المجاهيل وسمعت

٧١

من قال: كان ايضا فاسد المذهب والرواية. ولا ادري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبوعلي بن همام وشيخنا الجليل الثقه ابوغالب الزراري رحمهما الله. وقال (ره) في ترجمة عبيدالله بن ابي زيد ابي طالب الانباري (رقم ٦٢٢) بعد ذكر مدحه ما لفظه وكان اصحابنا البغداديون يرمونه بالارتفاع، له كتاب اضيف اليه يسمى كتاب الصفوة قال الحسين بن عبيدالله قدم ابوطالب بغداد واجتهدت ان يمكننى اصحابنا من لقائه فاسمع منه فلم يفعلوا ذلك الخ.. وغير ذلك مما تقف عليه في تضاعيف الكتاب بل ترى تضعيف اصحابنا لغير واحد من الرواة بالاعتماد على المجاهيل والضعاف كما لا يخفى وتريهم يعتذرون عن الرواية عن اكابر الزيدية واصحاب المذاهب وذكر كتبهم في مصنفات اصحابنا بانهم وان كانوا مخطئين في الاعتقاد لكنهم كانوا ثقاتا في الحديث فلاحظ كلام الماتن في ابن عقدة وغيره. وبالجملة فمن كان طريقته في الجرح والتعديل هذا كيف يعتمد هو بنفسه على الضعيف وغير الثقة في الرواية عنه.قلت اما ما تقدم في جعفر الفزاري وأبي طالب الانباري فهذا إنما كان من جهة الاتهام بالغلو والوضع وترك الرواية عن مثلهما لا يلازم تركها عن كل من لم يصرح بتوثيق ولا قدح على كلام في الرواية عنهما ذكرناه في ترجمتهما فلاحظ واما كون طريقة عامة مشايخ الحديث عدم الرواية عن غير الثقة فأمر عهدته على مدعيه ومن تأمل فيما ذكرناه في هذه الموارد وجد في نفسه ان ذلك كله مما لا طريق إلى اثباته ومجرد كون أحد من مشايخ الاجازة لا يقتضي عدم الرواية عن غير الثقة.

٧٢

الرابع ان الماتن (ره) يترحم على مشايخه عند ذكرهم ولا يترحم على الضعيف قلت وهذا موهون لا يخفى وقد ترحم (ره) على ابن عياش الذي ترك حديثه لضعفه. الخامس قوله (ره) في محمد بن احمد الاسكافي (رقم ١٠٥٨) وسمعت شيوخنا الثقات يقولون عنه الخ.قلت السماع من الشيوخ الثقات مشعر بوجود غير الثقة فيهم ولا يقتضي كون جميع الشيوخ ثقاتا.تلامذته ومن روى عنه لا يوجد فيما بأيدينا من كتب الاقدمين ما استوعب فيها الاسماء والطرق والمشيخات والاجازات كي نقف على عامة تلامذة النجاشي ومن روى عنه وسمع منه الحديث او اجازه ولا توفر للمصادر المعينة على ذلك لحوادث أوجبت ضياعها ونشير إلى من وقفنا على روايته عنه. فمنهم الشيخ الاجل زعيم الطائفة الامامية محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله، ففي الاجازة الكبيرة للعلامة (ره) لسادات بني زهرة على ما في إجازات البحار في طرقه إلى الشيخ الطوسي إلى جميع ما رواه عن مشايخه من العامة والخاصة ذكر في عداد مشايخه من الخاصة ابا الحسين احمد بن النجاشي رحمه الله. قلت وفي ذلك كلام سيأتي في الطريق إلى الكتاب.ومنهم السيد الامام عماد الدين ابو الصمصام ذو الفقار بن معبد الحسنى المروزي رحمه الله من تلامذة الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي وابي عبدالله محمد بن علي الحلواني والشيخ شاذان بن جبرئيل القمي وسلار بن عبدالعزيز الديلمي كما في الاجازات على ما ذكرها المجلسي في البحار. قلت وتمام الكلام في ذلك يأتي عند ذكر الطريق إلى الكتاب.

٧٣

الفائدة الثانية حول كتاب النجاشى تاريخ تأليفه

لا نجد كتاب رجال النجاشي مبدؤا ولا مختوما بتاريخ، نعم الظاهر ان تأليفه كان بعد وفات عامة مشايخه رحمهم الله فقد ترحم عليهم عموما في تراجم جماعة مثل الحسن بن حمزة الطبري رقم ١٤٦ وحارث بن أبي جعفر (رقم ٣٦٠ وربعى (رقم ٤٣٨) وغيرهم وقد ترحم على جماعة منهم خصوصا كالمفيد وابن عبدون وغيرهم بل ذكر فيه وفات جماعة من مشايخه او من أدركهم وترحم على جماعة ممن أدركهم او عاصرهم وان لم يذكر وفاتهم وفيه ذكر وفات الشريف المرتضى سنة ٤٣٦ وايضا وفات الشريف محمد بن الحسن الجعفري سنة ٤٦٣ وذكر وفاته ايضا في هذه السنة ابن الجوزي في المنتظم ج ٨ ص ٢٧١ رقم ٣١٧.

وكان الشروع في تأليفه في حياة السيد الشريف حيث قال: في ديباجته فاني وقفت على ما ذكره السيد الشريف اطال الله بقاء‌ه وأدام توفيقه الخ.. والمراد به اما الشريف الجعفري كما تقدم أو الشريف المرتضى كما قيل ولا ينافي ذلك ما تقدم من ان تأليفه كان بعد وفات عامة مشايخه اذ لم نجد إشارة في كلامه ولا في كلام غيره إلى كون الشريف المرتضى رحمه الله من مشايخه وان كان يظهر من كلامه انه كان خصيصا بالشريف ولذلك تولى غسله كما ذكره في ترجمته.

٧٤

اختصاصه بالمصنفين من الامامية وما صنف على أصولهم ظاهر كلام النجاشي بل صريه اختصاص كتابه بذكر المصنفين من الشيعة الامامية ومصنفاتهم، وليس القصد استيعاب ذكر المصنفين بل القصد ابطال زعم قوم من مخالفينا " انه لا سلف لكم ولا مصنف " وكذلك الحال في فهرست الشيخ الطوسي بل وامثاله من كتب الفهرستات لاصحابنا. وحيث ان الكتب المصنفة للامامية وعلى أصولهم وبطرقهم عن النبي والائمة المعصومين عليهم السلام ربما ينتحل أربابها إلى بعض المذاهب الباطلة كالعامية، الزيدية، الفطحية، الواقفية وغيرها وربما كانت تلك الكتب معتمدة عول عليها الاصحاب فقد ذكرها والتزم بالتصريح بانحرافهم مذهبا لو كان انحراف كما أشار إلى ذلك في ديباجة الجزئين من الكتاب وكذلك الشيخ في ديباجة الفهرست وكون الكتاب والمصنف للامامية ومؤلفا على أصولهم لا يلازم خلو مصنفه وصاحبه عن انحراف في المذهب.

قال النجاشي: في ترجمة محمد بن عبدالملك التبان (رقم ١٠٨٠) كان معتزليا ثم أظهر الانتقال ولم يكن ساكنا وقد ضمنا ان نذكر كل مصنف ينتمي إلى هذه الطائفة الخ.. وفى سليمان بن داود المنقري (رقم ٤٩٥) قال: ليس بالمتحقق بنا غير انه روى عن جماعة أصحابنا عن أصحاب جعفر بن محمد عليهما السلام وكان ثقة الخ. وفى يعقوب ابن شيبة (رقم ١١٢٤) قال: صاحب حديث من العامة غير انه صنف مسند أميرالمؤمنين عليه السلام ورواه مع مسانيد جماعة من

٧٥

الصحابة وصنف مسند عمار بن ياسر الخ.وحينئذ فالغرض ذكر مصنفى أصحابنا ومصنفاتهم وأيضا مصنفات صنفت على أصولهم وان كان أربابها ينتحلون إلى المذاهب الباطلة وذكر غير واحد من مصنفي المخالفين في هذا الكتاب مصرحا بانه عامي ليس اعراضا منه رحمه الله عما سلف منه في ديباجته وقد أتى رحمه الله بما التزم وتذكر ما اشترط فقد نبه على ما وقف عليه من الانحراف مذهبا بل وما قيل في ذلك ففي ترجمة أحمد بن سعيد بن عقدة (رقم ٢٣٠) قال: هذا رجل جليل في أصحاب الحديث مشهور بالحفظ (إلى ان قال): كان كوفيا زيديا جاروديا على ذلك حتى مات وذكره أصحابنا لاختلاطه بهم ومداخلته اياهم وعظم محله وثقته وأمانته الخ. وغير ذلك مما تقف عليه في هذا الكتاب وان شئت فلاحظ ترجمة حاتم بن اسماعيل (رقم ٥٥٤). وطلحة بن زيد (رقم ٥٥٧).قلت وربما كان الوجه في ذكر امثال هؤلاء تقدم الانحراف منهم والانتقال إلى مذهبنا أخيرا او كونهم من الامامية وان اشتهروا بغير ذلك لكثرة روايتهم عن غيرهم وروايتهم عنهم أو كونهم قريب الامر منهم وممن يميل اليهم ويروى رواياتهم بطرقهم وعلى اصولهم وغير ذلك من الوجوه وان شئت فلاحظ تراجم هؤلاء حفص بن غياث القاضي (رقم ٣٤٣) والحسن بن علي الاطروش (رقم ١٣٢) والحسين بن علوان الكلبي (رقم ١١٣) وحرب بن الحسين الطحان (رقم ٣٨٣) وأمثالهم.قلت وقد بنى جمع من الاصحاب على ان من ذكره النجاشي في رجاله بلا طعن منه في مذهبه فهو إمامي بناء‌ا علي ظهور كلامه في ذلك كما تبين مما ذكرناه.

٧٦

عدم استقصاء النجاشي لمصنفات الامامية أهمل النجاشي رحمه الله جماعة من مصنفي الامامية واعاظمهم ممن عاصره او قارب عصره او تقدم عليه بل اهمل ذكر مثل الحسن ابن محبوب السراد من اصحاب الاجماع وقد كانت مشيخته من الكتب المشهورة والمعول عليها وقد ذكر الشيخ في الفهرست جماعة منهم يجاوز عددهم المائة وذكر كتبهم وطريقه اليهم وذكر جماعة منهم ابن شهر آشوب في معالم العلماء.بل ذكر اسماء جماعة بلا ذكر كتب لهم فذكر الحسن بن عطية الحناط (رقم ٩١) وقال: ما رأيت أحدا من اصحابنا ذكر له تصنيفا مع ان الشيخ (ره) ذكر في الفهرست إلى كتابه طريقا وان شئت فلاحظ تراجم الحسين بن عمر بن سلمان (رقم ١٣٥) واسماعيل بن أبي زياد السلمي (رقم ٥٠) واسماعيل بن عمر بن ابان (رقم ٥٤) وقد ذكر الشيخ (ره) في الفهرست ص ١٤ اسماعيل بن ابان مرتين وايضا طريقا إلى كتابهما. ولعله رحمه الله عد الروايات او النسخ لهم كتابا ولذلك ذكرهم في المصنفين أو وجدهم مذكورين في عداد المصنفين في كتب أصحابنا في الفهرستات. وقد اعتذر عن عدم استقصاء المصنفين بعدم اكثر الكتب كما في الديباجة.قلت ولعل السبب في عدم وقوفه رحمه الله على ما وقف عليه الشيخ من الكتب، تأخر تأليف النجاشي كتاب الرجال عن الفتنة

٧٧

التي وقعت في بغداد سنة ٤٤٨ فلم يتمكن من الكتب جميعها، اذ فيها احرقت مكتبة زعيم الطائفة الشيخ الطوسي رحمه الله، ونهبت داره وضاع من تراث الشيعة وكتبهم وآثارهم كثيرا، وفيها احرقت المكتبة الكبرى للشيعة التي انشأها أبونصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة في الكرخ سنة ٣٨١، وفي هذه المكتبة قد جمع ما تفرق من كتب علماء الامصار وكتب البلاد وقد زادت على عشرة آلاف من نفائس الآثار، ونسخ الاصول بخط مؤلفيها، ذكرها ارباب السير والتراجم وغيرها وان شئت فلاحظه الكامل لابن الاثير ووفيات الاعيان والمنتظم ومعجم البلدان وغيرها.

طرق النجاشي إلى المصنفات

ظاهر إسناد النجاشي الكتب والاصول إلى اصحابها بلا تعليق على قائل او اشكال ثبوت النسبة اليهم، وحينئذ قوله رحمه الله في تراجم الرجال له كتاب او كتب شهادة تؤخذ بها كشهادته على وثاقتهم أو سائر احوالهم، ولذلك تراه رحمه الله عند ما يتأمل ويشك في ثبوت الكتاب او ثبوت الانتساب إلى مصنفه يعلق ذلك على قول بعض مشايخه أو على ما ذكره اصحاب الرجال او بعضهم أو الرواة أو على ما وجده في الفهرستات ونحو ذلك مما يقف عليه كل متأهل في هذا الكتاب ويطول بذكره.وربما يذكر كتابا في ترجمة ويعقبه بان الكتاب لغيره من الرواة كما في عدة من التراجم منها ما ذكره في يوسف بن عقيل (رقم ١٣٢٧) قال: كوفي ثقة قليل الحديث يقول القميون: ان له كتابا وعندي ان

٧٨

الكتاب لمحمد بن قيس الخ.. وغير ذلك مما يطول بذكره.ثم إنه رحمه الله قال: في الديباجة وذكرت لكل رجل طريقا واحدا حتى لا يكثر الطرق فيخرج عن الغرض الخ.. فقد التزم بذكر طريق واحد وان كان الكتاب مشهورا بين الاصحاب ومعتمدا عليه، ولا يشك في النسبة إلى صاحبه.. وذلك إتماما للحجة وجريا على أصول الحديث والرواية.وقد اختلفت تعبيراته في رواية الكتب فربما يذكر صاحبه بكتاب بلا ذكر طريق اليه ففي حجاج بن دينار (رقم ٣٧١) قال: له كتاب ونحوه غيره وسنشير اليهم. وقد يذكره بكتاب او كتب ثم يرويه باسناد متصل صحيح او غير صحيح او باسناد مقطوع أو محذوف الواسطة وكل ذلك اما بالرواية بنحو قوله اخبرنا ونحوه او الحكاية بقول ذكر ذلك او قال الخ وستقف في هذا الشرح على النقد الكثير من طرقه بالارسال او الضعف او الجهالة.ومع هذا كله فلا يضر ذلك بشهادته في اصل الكتاب. لان الغرض من ذكر الطريق ليس اثبات الكتاب فحسب، فقد كانت هذه الكتب والاصول كثيرها مشهورة بين الاصحاب كاشتهار الكتب الاربعة في زماننا فلا تعول ثبوتها على ما يذكره في الكتاب من الطرق وستقف على تصريح النجاشي في هذا الكتاب باشتهار جملة منها وقال شيخ المحدثين ورئيسهم الصدوق رحمه الله في ديباجة كتاب من لا يحضره الفقيه: ان جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع ثم عد جملة منها الخ. كما ان كثيرا من هذه الاصول والمصنفات يكون مما رواها جماعة كثيرة عن أربابها والطرق اليها كثيرة رواها جماعات من الناس وقد

٧٩

صرح النجاشي في جماعة كثيرة يجاوز عددهم مائة وستين رجلا بان كتبهم رواها جماعة كثيرة او جماعات وان الطرق اليها كثيرة ولا نذكر منها الا واحدا لئلا يطول الكتاب وقد احصيناهم في محل آخر. بل ربما تكون هذه الكتب والاصول مما صرح الاصحاب بانها معتمدة، ويعول عليها، كما احصيناها في محل آخر، وفيها أصول وكتب معروضة على أحد الائمة المعصومين عليهم السلام، وقد مدحوا لتلك الاصول او صححوها أو رصخوا العمل بها او أمروا بذلك. وهذا مثل كتاب سليم بن قيس الهلالي كما يأتي في ترجمته.وكتاب عبيدالله الحلبي كما يأتي في ترجمته (رقم ٦١٧) قال: وصنف الكتاب المنسوب اليه وعرضه على أبي عبدالله عليه السلام وصححه قال (ع) عند قرائته: أترى لهؤلاء مثل هذا الخ..وكتاب يوم وليلة ليونس بن عبدالرحمن البجلي الذي عرضه ابو هاشم داود الجعفري رحمه الله على أبي محمد صاحب العسكر (ع) فقال (ع): تضيف من هذا قال: فقلت: تضيف يونس آل يقطين فقال (ع): أعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة. ذكره النجاشي في ترجمته (رقم ١٢١٩).وكتاب التأديب يوم وليلة لمحمد بن احمد بن خانبة الثقة الجليل فذكره النجاشي في ترجمته (رقم ٩٤٧) روى باسناده عن أبي محمد النصيبي قال: كتبنا إلى أبي محمد عليه السلام نسأله أن يكتب أو يخرج الينا كتابا نعمل به فاخرج الينا كتابا قال الصفوانى نسخته فقابل بها كتاب ابن خانبة زيادة حروف أو نقصان حروف يسيرة الخ.. وغير ذلك مما يطول بذكره وأحصيناه في محله.وبالجملة فضعف الطريق المذكور في الترجمة لا ينافي ثبوت

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ومن هنا فإنّ خطاب الآية الأولى موجه للناس ، فهي تقول :( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) ، خاصّة وأنّه قد وردت لفظة( مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) بدل منكم ، وهي تشير إلى شدة ارتباط النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناس ، حتى كأنّ قطعة من روح الناس والمجتمع قد ظهرت بشكل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولهذا السبب فإنّه يعلم كل آلامهم ، ومطلع على مشاكلهم ، وشريكهم في غمومهم وهمومهم ، وبالتالي لا يمكن أن يتصور صدور كلام منه إلّا في مصلحتهم ، ولا يخطو خطوة إلّا في سبيلهم ، وهذا في الواقع أوّل وصف للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر في هذه الآية.

ومن العجيب أنّ جماعة من المفسّرين الذين وقعوا تحت تأثير العصبية القومية والعربية قالوا : إنّ المخاطب في هذه الآية هم العرب! أي أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد جاءكم من هذا الأصل!.

إنّنا نعتقد أن هذا هو أسوأ تفسير ذكر لهذه الآية ، لأنا نعلم أنّ الشيء الذي لم يجر له ذكر في القرآن الكريم هو مسألة الأصل والعرق ، ففي كل مكان تبدأ خطابات القرآن ب( يا أَيُّهَا النَّاسُ ) و( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) وأمثالها ، ولا يوجد في أي مورد «يا أيّها العرب» و «يا قريش» وأمثال ذلك.

إضافة الى أنّ ذيل الآية الذي يقول :( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) ينفي هذا التّفسير بوضوح ، لأنّ الكلام فيه عن كل المؤمنين ، من أي قومية أو عرق كانوا.

وممّا يثير الأسف أنّ بعض العلماء المتعصبين قد حجّموا عالمية القرآن وعموميته لكل البشر ، وحاولوا حصره في حدود القومية والعرق المحدودة.

وعلى كل حال ، فبعد ذكر هذه الصفة( مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) أشارت الآية إلى أربع صفات أخرى من صفات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السامية ، والتي لها الأثر العميق في إثارة عواطف الناس وجلب انتباههم وتحريك أحاسيسهم.

ففي البداية تقول :( عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ) أي أن الأمر لا ينتهي في أنّه لا يفرح لأذاكم ومصاعبكم ، بل إنّه لا يقف موقف المتفرج تجاه هذا الأذى ، فهو يتألم

٢٨١

لألمكم ، وإذا كان يصرّ على هدايتكم ويتحمل الحروب المضنية الرهيبة ، فإنّ ذلك لنجاتكم أيضا ، ولتخليصكم من قبضة الظلم والاستبداد والمعاصي والتعاسة.

ثمّ تضيف أنّه( حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ) ويتحمس لهدايتكم.

«الحرص» في اللغة بمعنى قوة وشدة العلاقة بالشيء ، واللطيف هنا أن الآية أطلقت القول وقالت :( حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ) فلم يرد حديث عن الهداية ، ولا عن أي شيء آخر ، وهي تشير إلى عشقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكل خير وسعادة ورقي لكم. وكما يقال : إن حذف المتعلق دليل على العموم.

وعلى هذا ، فإنّه إذا دعاكم وسار بكم إلى ساحات الجهاد المريرة ، وإذا شدّد النكير على المنافقين ، فإنّ كل ذلك من أجل عشقه لحريتكم وشرفكم وعزتكم.

وهدايتكم وتطهير مجتمعكم.

ثمّ تشير إلى الصفتين الثّالثة والرّابعة وتقول :( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) وعلى هذا فإنّ كل الأوامر الصعبة التي يصدرها ، (حتى المسير عبر الصحاري المحرقة في فصل الصيف المقرون بالجوع والعطش لمواجهة عدو قوي في غزوة تبوك) فإنّ ذلك نوع من محبته ولطفه.

وهناك بحث بين المفسّرين في الفرق بين «الرؤوف» و «الرحيم» ، إلّا أنّ الذي يبدو أن أفضل تفسير لهما هو أنّ الرؤوف إشارة إلى محبّة خاصّة في حقّ المطيعين ، في حين أنّ الرحيم إشارة إلى الرحمة تجاه العاصين ، إلّا أنّه يجب أن لا يغفل عن أن هاتين الكلمتين عند ما تفصلان يمكن أن تستعملا في معنى واحد ، أمّا إذا اجتمعتا فتعطيان معنى مختلفا أحيانا.

وفي الآية التي تليها ، وهي آخر آية في هذه السورة ، وصف للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه شجاع وصلب في طريق الحق ، ولا ييأس بسبب عصيان الناس وتمردهم ، بل يستمر في دعوتهم إلى دين الحق :( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) فهو حصنه الوحيد أجل لا حصن لي إلّا الله ، فإليه استندت و( عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ

٢٨٢

رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) .

إنّ الذي بيده العرش والعالم العلوي وما وراء الطبيعة بكل عظمتها ، وهي تحت حمايته ورعايته ، كيف يتركني وحيدا ولا يعينني على الأعداء؟ فهل توجد قدرة لها قابلية مقاومة قدرته؟ أم يمكن تصور رحمة وعطف أشد من رحمته وعطفه؟

إلهنا ، الآن وقد أنهينا تفسير هذه السورة ، ونحن نكتب هذه الأسطر ، فإن أعداءنا قد أحاطوا بنا ، وقد ثارت أمتنا الرشيدة لقلع جذور الظلم والفساد والاستبداد ، بوحدة لا نظير لها ، واتحاد بين كل الصفوف والطبقات بدون استثناء حتى الأطفال والرضع ساهموا في هذا الجهاد والمقارعة ، ولم يتوان أي فرد عن القيام بأي نوع من التضحية والفداء.

ربّاه ، إنّك تعلم كل ذلك وتراه ، وأنت منبع الرحمة والحنان ، وقد وعدت المجاهدين بالنصر ، فعجل النصر وأنزله علينا ، وارو هؤلاء العطاشى والعشاق من زلال الإيمان والعدل والحرية ، إنّك على كل شيء قدير.

* * *

٢٨٣
٢٨٤

سورة يونس

مكيّة

وعدد آياتها مائة وتسع آيات

٢٨٥
٢٨٦

«سورة يونسعليه‌السلام »

محتوى وفضيلة هذه السورة

هذه السورة من السور المكية ، وعلى قول بعض المفسّرين فإنّها نزلت بعد سورة الإسراء وقبل سورة هود ، وتوكّد ـ ككثير من السور المكية ـ على عدة مسائل أساسية وأصولية ، وأهمها مسألة المبدأ والمعاد.

غاية ما في الأمر أنّها تتحدث أوّلا عن مسألة الوحي ومقام النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ تتطرق إلى نماذج وعلامات الخلقة العظيمة التي تدل على عظمة اللهعزوجل ، وبعد ذلك تدعو الناس إلى الالتفات إلى عدم بقاء الحياة المادية في هذه الدنيا ، وحتمية زوالها ، ووجوب التوجه إلى الآخرة والتهيؤ لها عن طريق الإيمان والعمل الصالح.

وقد ذكرت السورة ـ كدلائل وشواهد على هذه المسائل ـ أقساما مختلفة من حياة كبار الأنبياء ، ومن جملتهم نوح وموسى ويونسعليهم‌السلام ولهذا سمّيت بسورة يونس.

وقد ذكرت كذلك ، لتأييد هذه المباحث ، كلاما عن عناد وتصلب عبدة الأوثان ، وترسم وتوضح لهم حضور الله سبحانه في كل مكان وشهادته ، وتستعين لإثبات هذه المسألة بأعماق فطرة هؤلاء التي تتعلق بالواحد الأحد عند ما يقعون في المشاكل والمعضلات ، حيث يتّضح هذا التعلق الفطري بالله سبحانه.

٢٨٧

وأخيرا فإنّها تستغل كل فرصة للبشارة والإنذار ، البشارة بالنعم الإلهية التي لا حدود لها للصالحين ، والإنذار والإرعاب للطاغين والعاصين ، لتكملة البحوث أعلاه.

ولهذا فإنّنا نقرأ في رواية عن الإمام الصّادقعليه‌السلام : «من قرأ سورة يونس في كل شهرين أو ثلاثة مرّة ، لم يخف عليه أن يكون من الجاهلين ، وكان يوم القيامة من المقربين»(1) ، وذلك لأنّ آيات التحذير والوعيد وآيات التوعية كثيرة في هذه السورة ، وإذا ما قرئت بدقة وتأمل ، فإنّها ستكشف ظلمة الجهل عن روح ابن آدم ، وسيبقى أثرها عدّة أشهر على الأقل ، وإذا ما أدرك الإنسان محتوى السورة وعمل بها ، فإنّه سيكون ـ يقينا ـ يوم القيامة من المقربين.

ربّما لا نحتاج أن نذكّر بأنّ فضائل السور ـ كما قلنا سابقا ـ لا يمكن تحصيله بمجرّد تلاوة الآيات من دون إدراك معناها ، ومن دون العمل بمحتواها ، لأن التلاوة مقدمة للفهم، والفهم مقدمة للعمل!.

* * *

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 2 ، ص 290 ، وتفاسير أخرى.

٢٨٨

الآيتان

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )

( الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ(2) )

التّفسير

رسالة النّبي :

في هذه السورة نواجه ـ مرّة أخرى ـ الحروف المقطعة في القرآن ، والتي ذكرت بصورة (ألف ولام وراء) وقد تحدثنا في بداية سورة البقرة وآل عمران والأعراف في تفسير هذه الحروف بالقدر الكافي ، وسنبحثها في المستقبل ـ إن شاء الله تعالى ـ في الموارد المناسبة ، وسنضيف إليها مباحث ومطالب جديدة.

بعد هذه الحروف تشير الآية أوّلا إلى عظمة آيات القرآن وتقول :( تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ) .

إنّ التعبير ب (تلك) وهي اسم إشارة للبعيد ، بدل (هذه) التي تشير للقريب،والذي

٢٨٩

جاء نظيره في بداية سورة البقرة ، يعتبر من التعبيرات الجميلة واللطيفة في القرآن ، وهو كناية عن عظمة ورفعة مفاهيم القرآن ، لأنّ المطالب اليسيرة والبسيطة يشار لها غالبا باسم الإشارة القريب ، أمّا المطالب المهمّة العالية المستوى ، والتي تعانق السحاب في علو أفقها ، فإنّها تبيّن باسم الإشارة البعيد.

إنّ توصيف الكتاب السماوي ـ أي القرآن ـ بأنّه (حكيم) هو إشارة إلى أن آيات القرآن محكمة ومنظمة ودقيقة ، بحيث لا يمكن أن يأتيها أو يخالطها أي شكل من أشكال الباطل والخرافة ، فهي لا تقول إلّا الحق ، ولا تدعو إلّا إلى طريق الحق.

أمّا الآية الثّانية فإنّها تبيّن ـ ولمناسبة تلك الإشارة التي مرّت إلى القرآن والوحي الإلهي في الآية السابقة ـ واحدا من إشكالات المشركين على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو نفس الإشكال الذي جاء في القرآن بصورة متكررة. وهذا التكرار يبيّن أن هذا الإشكال من إشكالات المشركين المتكررة ، وهو : لماذا نزل الوحي الإلهي من الله على إنسان مثلهم؟ ولماذا لم تتعهد الملائكة بمسؤولية هذه الرسالة الكبيرة؟ فيجيب القرآن عن هذه الأسئلة فيقول :( أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ ) .

الواقع أنّ كلمة «منهم» تضمنت الجواب على سؤالهم ، أي إنّ القائد والمرشد إذا كان من جنس أتباعه ، ويعلم أمراضهم ، ومطلع على احتياجاتهم ، فلا مجال للتعجب ، بل العجب أن يكون القائد من غير جنسهم ، بحيث يعجز عن قيادتهم نتيجة عدم اطلاعه على وضعهم.

ثمّ تشير إلى محتوى الوحي الإلهي. وتلخصه في أمرين :

الأوّل : إنّ الوحي الذي أرسلناه ، مهمته إنذار الناس وتحذيرهم من عواقب الكفر والمعاصي :( أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ) .

والثّاني : هو( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) .

وفي الوقت الذي يوجد بحث بين المفسّرين في المقصود من «قدم الصدق» ، إلّا

٢٩٠

أنّ أحد التفاسير الثلاثة المذكورة هنا ـ أوكل الثلاثة ـ قابل للقبول بصورة علمية.

فالتّفسير الأوّل : إن «قدم الصدق» هذا إشارة إلى أن الإيمان له بـ «سابقة فطرية» ، وإنّ المؤمنين عند ما يظهرون إيمانهم فهم في الحقيقة يصدقون فطرتهم ـ لأنّ أحد معاني القدم هو السابقة ـ كما يقولون : لفلان قدم في الإسلام ، أو قدم في الحرب ، أي إنّ له سبقا في الإسلام أو الحرب.

والثّاني : إنّه إشارة إلى مسألة المعاد ونعيم الآخرة ، لأنّ أحد معاني القدم هو المقام والمنزلة ، وهو يناسب كون الإنسان يرد إلى منزله ومقامه برجله ، وهذا التّفسير يعني أنّ للمؤمنين مقاما ومنزلة ثابتة وحتمية عند الله سبحانه ، وأن أي قوّة لا تستطيع تغييرها وجعلها في شكل آخر.

أمّا التّفسير الثّالث فهو أن القدم بمعنى القدوة والزعيم والقائد ، أي إننا أرسلنا للمؤمنين قائدا ومرشدا صادقا.

لقد وردت عدّة روايات عن طريق الشيعة والسنة لهذه الآية تفسر قدم الصدق بأنّه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ولاية عليعليه‌السلام وتؤيد هذا المعنى(1) .

وكما قلنا فإنّ من الممكن أن تكون البشارة بكل هذه الأمور هي المرادة من التعبير أعلاه.

وتنهي الآية حديثها بذكر اتهام طالما كرّره المشركون واتهموا به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت :( قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ ) .

إنّ كلمة (إن) و «لام» التأكيد وصفة «المبين» ، كلها دلائل على مدى تأكيد أولئك الكفار على هذه التهمة ، وعبروا ب (هذا) لتصغير مقام النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتقليل من أهميته.

أمّا لماذا اتهموا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسحر؟ فجوابه واضح ، ذلك أنّهم لم يكونوا

__________________

(1) تفسير البرهان ، ج 2 ، ص 177 ، وتفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 3145.

٢٩١

يمتلكون الجواب المقنع مقابل إعجاز كلامه وشريعته وقوانينه العادلة الرفيعة. فلم يكن لهم سبيل إلّا أن يفسروا هذه الظواهر الخارقة للعادة بأنّها سحر ، وبهذا فقط يمكنهم إبقاء البسطاء تحت سيطرة الجهل وعدم الاطلاع على الواقع.

إنّ أمثال هذه التعبيرات التي كانت تصدر من ناحية الأعداء ضد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليل بنفسها على أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقوم بأعمال خارقة للعادة ، بحيث تجذب القلوب والأفكار نحوها ، خاصّة وأن التأكيد على السحر في شأن القرآن المجيد هو بنفسه دليل قاطع وقوي على الجاذبية الخارقة الموجودة في هذا الكتاب السماوي ، ولأجل خداع الناس فإنّهم كانوا يجعلونه في إطار السحر.

وسنتحدث عن هذا الموضوع في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.

* * *

٢٩٢

الآيتان

( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) )

التّفسير

معرفة الله والمعاد :

بعد أن أشار القرآن الكريم إلى مسألة الوحي والنّبوة في بداية هذه السورة ، انتقل في حديثه إلى أصلين أساسيين في تعليمات وتشريعات جميع الأنبياء ، ألا وهما المبدأ والمعاد ، وبيّن هذين الأصلين ضمن عبارات قصيرة في هاتين الآيتين.

فيقول أوّلا :( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) . وكما أشرنا سابقا ، فإنّ كلمة (يوم) في لغة العرب ، وما يعادلها في سائر اللغات ، تستعمل

٢٩٣

في كثير من الموارد بمعنى المرحلة ، كما نقول : في يوم ما كان الاستبداد يحكم بلادنا ، أمّا اليوم فهي في ظل الثورة الاسلامية تنعم الحرية ، ويعني أن مرحلة الاستبداد قد انتهت وجاءت مرحلة استقلال الشعب وحريته(1) .

وعلى هذا فإنّ مفهوم الجملة أعلاه يكون : إنّ الله سبحانه قد خلق السماء والأرض في ستة مراحل ، ولما كنّا قد تحدثنا عن هذه المراحل الستة سابقا ، فإنّنا لا نكرر الكلام هنا(2) .

ثمّ تضيف الآية :( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) . كلمة «العرش» تأتي أحيانا بمعنى السقف ، وأحيانا بمعنى الشيء الذي له سقف ، وتارة بمعنى الأسرّة المرتفعة ، هذا هو المعنى الأصلي لها ، أمّا معناها المجازي فهو القدرة ، كما نقول : فلان تربع على العرش ، أو تحطمت قوائم عرشه ، أو أنزلوه من العرش ، فكلها كناية عن تسلم القدرة أو فقدانها ، في الوقت الذي يمكن أن لا يكون للعرش أو الكرسي وجود في الواقع أصلا ، ولهذا فإنّ( اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) تعني أنّ الله سبحانه قد أمسك بزمام أمور العالم(3) .

«التدبر» من مادة (التدبير) وفي الأصل من (دبر) بمعنى الخلف وعاقبة الشيء ، وعلى هذا فإنّ معنى التدبير هو التحقق من عواقب الأعمال ، وتقييم المنافع ، ثمّ العمل طبق ذلك التقييم. إذن ، وبعد أن تبيّن أنّ الخالق والموجد هو الله سبحانه ، اتّضح أنّ الأصنام ، ـ هذه الموجودات الميتة والعاجزة ـ لا يمكن أن يكون لها أي تأثير في مصير البشر ، ولهذا قالت الآية في الجملة التالية :( ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ) (4) .

__________________

(1) من أجل مزيد التوضيح ، وذكر الأمثلة في هذا المجال راجع ذيل الآية (54) من سورة الأعراف.

(2) المصدر السّابق.

(3) لمزيد التوضيح والاطلاع على معاني العرش المختلفة ، راجع تفسير الآية (54) من سورة الأعراف و (255) من سورة البقرة.

(4) لقد أوضحنا توضيحا كافيا مسألة الشفاعة المهمّة في المجلد الأوّل في تفسير الآية (47) من سورة البقرة.

٢٩٤

وتتحدث الآية التالية ـ كما أشرنا ـ عن المعاد ، وتبيّن في جمل قصار أصل مسألة المعاد ، والدليل عليها ، والهدف منها!.

فتقول أوّلا :( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ) وبعد الاستناد إلى هذه المسألة المهمّة والتأكيد عليها تضيف :( وَعْدَ اللهِ حَقًّا ) ثمّ تشير إلى الدليل على ذلك بقولها :( إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) أي إنّ هؤلاء الذي يشكّون في المعاد يجب عليهم أن ينظروا إلى بدء الخلق ، فإنّ من أوجد العالم في البداية يستطيع أن يعيده من جديد. وقد مر بيان هذا الاستدلال بصورة أخرى في الآية (29) من سورة الأعراف ضمن جملة قصيرة تقول :( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) وقد سبق شرح ذلك في تفسير سورة الأعراف.

إنّ الآيات المرتبطة بالمعاد في القرآن توضح أنّ العلة الأساسية في تشكيك وتردد المشركين والمخالفين ، هي أنّهم كانوا يشكون في إمكان حدوث مثل هذا الشيء ، وكانوا يسألون بتعجب بأنّ هذه العظام النخرة التي تحولت إلى تراب ، كيف يمكن أن تعود لها الحياة وترجع إلى حالتها الأولى؟ ولهذا نرى أنّ القرآن قد وضع إصبعه على مسألة الإمكان هذه ويقول : لا تنسوا أن الذي يبعث الوجود من جديد ، ويحيي الموتى هو نفسه الذي أوجد الخلق في البداية.

ثمّ تبيّن الهدف من المعاد بأنّه لمكافأة المؤمنين على جميع أعمالهم الصالحة حيث لا تخفى على الله سبحانه مهما صغرت :( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ ) أمّا أولئك الذين اختاروا طريق الكفر والإنكار ، ولم تكن لديهم أعمال صالحة ـ لأنّ الإعتقاد الصالح أساس العمل الصالح ـ فإنّ العذاب الأليم وأنواع العقوبات بانتظارهم :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ) .

وهنا نقطتان تسترعيان الانتباه :

1 ـ لما لم يكن لله سبحانه وتعالى مكان خاص ، وخاصّة إذا علمنا أنّه موجود

٢٩٥

في كل مكان في جميع العوالم ، وأنّه أقرب إلينا منّا ، فإنّ هذه الحقيقة قد جعلت المفسّرين يفسرون( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ) في هذه الآية ، والآيات الأخرى في القرآن ، تفاسير مختلفة : فقيل تارة أن المقصود هو أنّكم ترجعون إلى جزاء الله سبحانه.

وربّما اعتبر بعض الجاهلين هذا التعبير دليلا على تجسم الله سبحانه في يوم القيامة ، وبطلان هذه العقيدة أوضح من أن يحتاج إلى بيان وإثبات.

إلّا أنّ الذي يبدو بدقة من خلال آيات القرآن الكريم ، إنّ عالم الحياة كقافلة تحركت من عالم العدم وتستمر في مسيرتها اللانهائية نحو اللانهاية التي هي ذات الله المقدسة ، بالرغم من أنّ المخلوقات محدودة ، والمحدود لا يمكن أن يكون لا نهائيا قط ، غير أنّ سيره إلى التكامل لا يتوقف أيضا ، وحتى بعد قيام القيامة فإنّ السير التكاملي سيستمر ، كما أوضحنا ذلك في بحث المعاد.

يقول القرآن الكريم :( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً ) .

ويقول :( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ ) .

ولما كان بداية الحركة من جهة الخالق ، حيث شعت منه أوّل بارقة للحياة ، وأن هذه الحركة التكاملية ـ أيضا ـ تسير نحوه ، فقد عبّرت الآية بالرجوع. وبعبارة مختصرة فإنّ هذه التعبيرات إضافة إلى أنّها تشير إلى أن بداية حركة عامّة الموجودات من الله سبحانه ، فإنّها تبيّن أيضا أنّ هدف هذه الحركة وغايتها ، هي ذات الله المقدسة. وإذا لا حظنا أن تقديم كلمة «إليه» يدل على الحصر ، سيتّضح أن اي وجود غير ذات الله المقدسة لا يمكن أن يكون هدفا وغاية لهذه الحركة التكاملية لا الأصنام ولا أي مخلوق آخر ، لأنّ كل هذه الوجودات محدودة ، ومسير الإنسان مسير لا نهائي.

2 ـ إنّ كلمة «القسط» تعني في اللغة إعطاء سهم آخر ، ولذلك فقد أخفي فيها

٢٩٦

مفهوم العدل والإنصاف. واللطيف أنّ الآية قد استعملت هذه الكلمة في حق ذوي الأعمال الصالحة فقط ، ولم تذكرها في جزاء الكافرين والسيئي الأعمال ، وذلك لأنّ العذاب ليس على شكل الحصص والأرباح ، وبتعبير أخر فإنّ كلمة القسط تناسب الجزاء الحسن فقط ، لا العقاب.

* * *

٢٩٧

الآيتان

( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) )

التّفسير

جانب من آيات عظمة الله :

لقد مرّت في الآيات السابقة إشارة عابر إلى مسألة المبدأ والمعاد ، إلّا أن هذه الآيات وما بعدها تبحث بصورة مفصلة هذين الأصلين الأساسيين اللذين يمثلان أهم دعامة لدعوة الأنبياء ، وبتعبير آخر فإنّ الآيات اللاحقة بالنسبة للسابقة بمثابة التفصيل للإجمال.

لقد أشارت الآية الأولى التي نبحثها إلى جوانب من آيات عظمة الله سبحانه في عالم الخلقة فقالت :( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ) .

إنّ الشمس التي تعم العالم بنورها لا تعطي النور الحرارة للموجودات فحسب ، بل هي العامل الأساس في نمو النباتات وتربية الحيوانات ، وإذا دقّقنا النظر رأينا

٢٩٨

أنّ كل حركة على وجه الكرة الأرضية ، حتى حركة الرياح وأمواج البحار وجريان الأنهار والشلالات ، هي من بركات نور الشمس ، وإذا ما انقطعت هذه الأشعة الحياتية عن كرتنا الأرضية يوما فإنّ السكون والظلمة والموت سيخيّم على كل شيء في فاصلة زمنية قصيرة.

والقمر بنوره الجميل هو مصباح ليالينا المظلمة ، ولا تقتصر مهمّته على هداية المسافرين ليلا وإرشادهم إلى مقاصدهم ، بل هو بنوره المناسب يبعث الهدوء والنشاط لكل سكان الأرض.

ثمّ أشارت الآية إلى فائدة أخرى لوجود القمر فقالت :( وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ) أي إنّكم لو نظرتم إلى القمر ، وأنّه في أوّل ليلة هلال رفيع ، ثمّ يكبر حتى يكون بدرا في ليلة النصف من الشهر ، وبعدها يبدأ بالنقصان التدريجي حتى اليوم أو اليومين الأخيرين حيث يغيب في المحاق ، ثمّ يظهر على شكل هلال من جديد ويدور إلى تلك المنازل السابقة ، لعلمتم أن هذا الاختلاف ليس عبثا ، بل إنّه تقويم طبيعي دقيق جدّا يستطيع الجاهل والعالم قراءته ، ويقرأ فيه تاريخ أعماله وأمور حياته(1) .

ثمّ تضيف الآية : إن هذا الخلق والدوران ليس عملا غير هادف ، أو هو من باب اللعب ، بل( ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ ) .

وفي النهاية توكّد الآية :( يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) إلّا أنّ هؤلاء الغافلين وفاقدي البصيرة بالرغم من أنهم يمرون كثيرا على هذه الآيات والدلائل ، إلّا أنّهم لا يدركون أدنى شيء منها.

وتتطرق الآية الثّانية إلى قسم آخر من العلامات والدلائل السماوية والأرضية الدالّة على وجوده سبحانه ، فتقول :( إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي

__________________

(1) لقد بحثنا في المجلد الثاني حول كون القمر تقويما طبيعيا يمكن من خلال حالاته المختلفة تعيين أيام الشهر بدقة (راجع تفسير الآية 189 من سورة البقرة).

٢٩٩

السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ) فليست السماء والأرض بذاتهما من آيات الله وحسب ، بل إن كل واحدة من الموجودات التي توجد فيهما تعتبر آية بحد ذاتها ، إلّا أنّ الذين يدركون تلك الآيات هم الذين سمت أرواحهم وصفت نتيجة لتقواهم وبعدهم عن المعاصي ، وهم الذين يقدرون على رؤية وجه الحقيقة وجمال المعشوق.

* * *

ملاحظات

وهنا ملاحظات ينبغي الانتباه لها :

1 ـ هناك نقاش طويل بين المفسّرين في الفرق بين كلمتي الضياء والنور ، فالبعض منهم اعتبرهما مترادفتين وأن معناهما واحدا ، والبعض الأخر قالوا : إنّ الضياء استعمل في ضوء الشمس فالمراد به النور القوي ، أمّا كلمة النور التي استعملت في ضوء القمر فإنّها تدل على النور الأضعف.

الرأي الثّالث في هذا الموضوع هو أنّ الضياء بمعنى النور الذاتي ، أمّا النور فإنّه أعم من الضياء ويشمل الذاتي والعرضي ، وعلى هذا فإنّ اختلاف تعبير الآية يشير إلى هذه النقطة. وهي أنّ الله سبحانه قد جعل الشمس منبعا فوّارا للنور ، في الوقت الذي جعل للقمر صفة الاكتساب ، فهو يكتسب نوره من الشمس.

والذي يبدو أنّ هذا التفاوت مع ملاحظة آيات القرآن ، هو الأصح ، لأنا نقرا في الآية (16) من سورة نوح :( وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً ) وفي الآية (61) من سورة الفرقان ،( وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً ) فإذا لا حظنا أنّ نور السراج ينبع من ذاته ، وهو منبع وعين للنور ، وأن الشمس قد شبهت في الآيتين بالسراج ، سيتّضح أنّ هذا التفاوت مناسب جدا في الآيات مورد البحث.

2 ـ هناك اختلاف بين أهل الكتاب وكتّاب اللغة في أن (ضياء) جمع أم مفرد ،

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409