تربية الطفل في الإسلام

تربية الطفل في الإسلام 50%

تربية الطفل في الإسلام مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 114

تربية الطفل في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 114 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31971 / تحميل: 6784
الحجم الحجم الحجم
تربية الطفل في الإسلام

تربية الطفل في الإسلام

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تربية الطفل في الإسلام

١

مركز الرسالة

سلسلة المعارف الإسلامية (٨)

تربية الطفل في الإسلام

مركز الرسالة

٢

حقوق الطبع محفوظة للناشر شابك (ردمك) ٤ - ٠٣٧ - ٣١٩ - ٩٦٤

٠٣٧٤ - ٣١٩ - ISBN ٩٦٤

الكتاب: تربية الطفل في الإسلام

الناشر: مركز الرسالة الطبعة الأُولى / لسنة ١٤١٨ هـ‍.

المطبعة: مهر - قم الكمية: ٢٠٠٠ نسخة السعر: ١٨٠٠ ريال

إيران - قم - هاتف: ٧٣٠٠٢١، فاكس: ٧٤١٤٢٠، ص. ب: ٧٣٧ / ٣٧١٨٥

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

مقدّمة المركز

حاول علماء التربية، قديماً وحديثاً، أن يهتدوا إلى منهجٍ تربويّ شامل: يُعنى بتحديد الأساليب والقيم والمعايير، الكفيلة بدراسة ما يناسب مرحلة الطفولة والصبا. وقد بذلوا في هذا الصدد جهوداً كبيرة وشاقّة ومتواصلة؛ حتى استطاعوا التوصّل إلى نظرات ومقترحات وتوصيات تُعدُّ ـ من وجهة علمية ـ قيّمة ونافعة، إلاّ أنّهم لم يتمكّنوا ـ مع ذلك ـ من تحديد المنهج الدقيق الذي يمكن الاستناد إليه في معالجة المشاكل المعقّدة، التي تكتنف تلك المرحلة الحسّاسة من عمر الإنسان، كما أخفقوا في حلِّ الصعوبات ـ المتزايدة يوماً بعد آخر ـ التي تواجه الآباء والأُمّهات والمربّين في هذا المجال.

ولعلّ من المؤسف حقّاً أن تتوجّه أنظار كثير من المسلمين ـ وخاصةً العاملين منهم في حقل التربية ـ إلى مدارس الغرب التربوية ليتلقّوا عنهم مناهجهم التربوية، وأن يفوتهم أنّ في الشريعة الإسلامية العلاج الناجع لجميع ما استُعصي عليهم حلُّه، وأنَّ في سيرة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفي سيرة أهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) معيناً لا ينضب من الوصايا والإرشادات، والتعاليم والتوجيهات التي لو استُخدمت في الحقل التربوي، ووظّفت في مجالاته المتعددة، لكانت كفيلة بترسيخ أروع القيم والمثل العليا في نفس الطفل، ولأقامته بناءً سليماً معافىً، ولجعلت منه شخصية سويّة قادرة على القيام بدورها ـ كما ينبغي ـ في بناء المجتمع.

٥

إنَّ المنهج الإسلامي الذي يمكن تحديد معالمه وقواعده بالاستناد إلى القرآن الكريم، والسُنّة النبوية المطهّرة، وما أُثر عن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، يهدف إلى تحقيق تربيةٍ متّزنة للطفل، تبدأ من قبل أن ينعقد جنيناً في رحم الأُم، وتستمر معه إلى أن يشبَّ عن الطوق، مروراً بمرحلة الحمل، والولادة والرضاعة، والطفولة المبكّرة.

والكتاب الذي بين يديك ـ أيُّها القارئ العزيز ـ استطاع أن يحدّد ملامح المنهج التربوي الإسلامي، الذي يُعنى بكيفيّة إعداد الطفل نفسياً وعقلياً وسلوكياً، مستنداً ـ في ذلك ـ إلى آيات القرآن الكريم، وإلى المأثور عن الرسول الأعظم نبيّنا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعن أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام)؛ مستفيداً أيضاً من الدراسات العلمية الحديثة في هذا الإطار.

ويسرّ مركزنا أن يقدّم هذه الدراسة الممتعة والنافعة؛ إسهاماً منه في خدمة الآباء والأُمهات والمشتغلين في أُمور تربية الطفل، وذلك بتيسير أوضح السبل وأكثرها دقّة وأماناً في تنشئة الطفل نشأة قويمة صالحة؛ لكي يؤدّي دوره المنشود.

والله وليّ التوفيق

مركز الرسالة

٦

المقدِّمة

الأُسرة هي المؤسّسة الأُولى والأساسية من بين المؤسّسات الاجتماعية المتعددة المسؤولة عن إعداد الطفل للدخول في الحياة الاجتماعية؛ ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً في إدامتها على أساس الصلاح والخير والبناء الفعّال. والأُسرة نقطة البدء التي تزاول إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني، فهي نقطة البدء المؤثّرة في كلِّ مراحل الحياة إيجاباً وسلباً، ولهذا أبدى الإسلام عناية خاصة بالأُسرة منسجمة مع الدور المكلّفة بأدائه، فوضع القواعد الأساسية في تنظيمها وضبط شؤونها، وتوزيع الاختصاصات، وتحديد الواجبات المسؤولة عن أدائها، وخصوصاً تربية الطفل تربية صالحة، وتربية سليمة متوازنة في جميع جوانب الشخصية الفكرية والعاطفية والسلوكية. ودعى الإسلام إلى المحافظة على كيان الأُسرة وإبعاد أعضائها من عناصر التهديم والتدمير، ومن كلِّ ما يؤدّي إلى خلق البلبلة والاضطراب في العلاقات التي تؤدّي إلى ضياع الأطفال، بتفتيت الكيان الذي يحميهم ويعدّهم للمستقبل الذي ينتظرهم. وجاءت تعليمات الإسلام وإرشاداته لتخلق المحيط الصالح لنمو الطفل جسدياً وفكرياً وعاطفياً وسلوكياً، نموّاً سليماً يطيق من خلاله الطفل، أو إنسان المستقبل مقاومة تقلّبات الحياة والنهوض بأعبائها، ولهذا ابتدأ المنهج الإسلامي مع الطفل منذ المراحل الأُولى للعلاقة الزوجية، مروراً بالولادة والحضانة ومرحلة ما قبل البلوغ، وانتهاءً بالاستقلالية الكاملة بعد الاعتماد

٧

على النفس.

ونوزّع البحث هنا على فصول: نتناول في الفصل الأول: المنهج التربوي العام في العلاقات الأُسرية، ثم نعرض في الفصل الثاني: (مرحلة ما قبل الاقتران ومرحلة الحمل)، ونتناول في الفصل الثالث: (مرحلة ما بعد الولادة مرحلة الرضاعة)، ثم نعرض في الفصل الرابع ما يتعلّق بمرحلة الطفولة المبكّرة، وأخيراً نتناول في الفصل الخامس: المرحلة الأخيرة (مرحلة الصبا والفتوّة)، وسنقوم بالإفادة من الآيات والروايات، خاصة الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، مستفيدين من المعطيات العلمية الحديثة.

ومنه تعالى نستمد العون والتسديد.

٨

الفصل الأول

المنهج التربوي العام في العلاقات الأُسَريّة

العلاقات الأُسرية لها دورٌ كبير في توثيق بناء الأُسرة، وتقوية التماسك بين أعضائها، ولها تأثيراتها على نمو الطفل وتربيته، وإيصاله إلى مرحلة التكامل والاستقلال.

والأجواء الفكرية والنفسية والعاطفية التي تخلقها الأُسرة للطفل؛ تمنحه القدرة على التكيّف الجدّي مع نفسه ومع أُسرته ومع المجتمع، ومن هذا المنطلق فإنّ الأُسرة بحاجة إلى منهج تربوي ينظّم مسيرتها، فيوزّع الأدوار والواجبات، ويحدّد الاختصاصات، للمحافظة على تماسكها المؤثّر في انطلاقة الطفل التربوية.

وتتحدد معالم المنهج التربوي بما يلي:

أولاً: الاتفاق على منهج مشترك

للمنهج المتبنّى في الحياة تأثير على السلوك، فهو الذي يجعل الإيمان والشعور الباطني به حركة سلوكية في الواقع، ويحوّل هذه الحركة إلى عادة ثابتة، فتبقى فيه الحركة السلوكية متفاعلة مع ما يُحدد لها من تعاليم

٩

وبرامج، ووحدة المنهج تؤدّي إلى وحدة السلوك، فالمنهج الواحد هو المعيار والميزان الذي يوزن فيه السلوك، من حيثُ الابتعاد أو الاقتراب من التعاليم والبرامج الموضوعة، فيجب على الوالدين الاتفاق على منهج واحد مشترك يحدّد لهما العلاقات والأدوار، والواجبات في مختلف الجوانب، والمنهج الإسلامي بقواعده الثابتة من أفضل المناهج التي يجب تبنّيها في الأُسرة المسلمة، فهو منهج ربّانّي موضوع من قِبل الله تعالى، المهيمن على الحياة بأسرها، والمحيط بكل دقائق الأُمور وتعقيدات الحياة، وهو منهج منسجم مع الفطرة الإنسانية لا لبس فيه ولا غموض ولا تعقيد ولا تكليف بما لا يُطاق، وهو موضع قبول من الإنسان المسلم والأُسرة المسلمة، فجميع التوجيهات والقواعد السلوكية تستمد قوّتها وفاعليّتها من الله تعالى، وهذه الخاصيّة تدفع الأُسرة إلى الاقتناع باتباع هذا المنهج وتقرير مبادئه في داخلها، فلا مجال للنقاش في خطئه، أو محدوديته، أو عدم القدرة على تنفيذه، فهو الكفيل بتحقيق السعادة الأُسرية التي تساعد على تربية الطفل تربية صالحة وسليمة، وإذا حدث خلل في العلاقات أو تقصير في أداء بعض الأدوار، فإنّ تعاليم المنهج الإسلامي تتدخّل لإنهائه وتجاوزه.

والمنهج الإسلامي وضع قواعد كلّيّة في التعامل والعلاقات والأدوار والسلوك، أمّا القواعد الفرعية أو تفاصيل القواعد الكلّيّة ومصاديقها فإنّها تتغيّر بتغيّر الظروف والعصور، فيجب على الوالدين الاتفاق على تفاصيل التطبيق، وعلى قواعد ومعايير ثابتة ومقبولة من كليهما، سواء في العلاقات القائمة بينهما أو علاقاتهما مع الأطفال والأُسلوب التربوي الذي يجب اتباعه معهم؛ لأنّ الاختلاف في طرق التعامل وفي أُسلوب

١٠

العلاقات يؤدّي إلى عدم وضوح الضوابط والقواعد السلوكية للطفل، فيحاول إرضاء الوالد تارة والوالدة تارة أُخرى فيتّبع سلوكين في آنٍ واحد، وهذا ما يؤدّي إلى اضطرابه النفسي والعاطفي والسلوكي. (فإنّ الأطفال الذين يأتون من بيوت لا يتفق فيها الأب والأُم، فيما يخص تربية أطفالهم، يكونون أطفالاً معضلين أكثر ممن عداهم) (١) .

ثانياً: علاقات المودّة

من واجبات الوالدين إشاعة الودّ والاستقرار والطمأنينة في داخل الأُسرة، قال تعالى: ( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً.. ) (٢) .

فالعلاقة بين الزوج والزوجة أو الوالدين، علاقة مودّة ورحمة، وهذه العلاقة تكون سكناً للنفس، وهدوءاً للأعصاب، وطمأنينة للروح، وراحة للجسد، وهي رابطة تؤدّي إلى تماسك الأُسرة وتقوية بنائها واستمرار كيانها الموحّد، والمودّة والرحمة تؤدّي إلى الاحترام المتبادل، والتعاون الواقعي في حل جميع المشاكل والمعوّقات الطارئة على الأُسرة، وهي ضرورية للتوازن الانفعالي عند الطفل، يقول الدكتور سپوك: (اطمئنان الطفل الشخصي والأساسي يحتاج دائماً إلى تماسك العلاقة بين الوالدين، ويحتاج إلى انسجام الاثنين في مواجهة مسؤوليات الحياة) (٣) .

____________________

(١) علم النفس التربوي، للدكتور فاخر عاقل: ١١١ ـ دار العلم للملايين ١٩٨٥ ط١١.

(٢) الروم ٣٠: ٢١، يراجع الميزان.

(٣) مشاكل الآباء في تربية الأبناء، للدكتور سپوك: ٤٤ ـ المؤسّسة العربية للدراسة والنشر ١٩٨٠ ط٣.

١١

ويجب على الزوجين إدامة المودّة في علاقاتهما في جميع المراحل، مرحلة ما قبل الولادة والمراحل اللاحقة لها، والمودّة فرض من الله تعالى فتكون إدامتها استجابة له تعالى وتقرّباً إليه، وقد أوصى الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) بها فقال: (وأمّا حقّ رعيّتك بملك النكاح، فإن تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقّك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية، فإنّ لها حق الرحمة والمؤانسة، وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابدّ من قضائها وذلك عظيم..) (١) .

وقد رَكّز أهل البيت (عليهم السلام) على إدامة علاقات الحبّ والمودّة داخل الأُسرة، وجاءت توصياتهم موجّهة إلى كلٍّ من الرجل والمرأة.

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي) (٢).

وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): (رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته) (٣) .

وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن اتخذ زوجة فليكرمها) (٤) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أوصاني جبرئيل (عليه السلام) بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي

____________________

(١) تحف العقول، للحرّاني: ١٨٨ ـ المكتبة الحيدرية ـ النجف ١٣٨٠ هـ ط ٥.

(٢) مَن لا يحضره الفقيه، للصدوق ٣: ٢٨١ | ١٤ باب حق المرأة على الزوج.

(٣) مَن لا يحضره الفقيه، للصدوق ٣: ٢٨١ ـ دار صعب ـ بيروت ١٤٠١ هـ.

(٤) مستدرك الوسائل، للنوري ٢: ٥٥٠ ـ المكتبة الإسلامية طهران ١٣٨٣ هـ.

١٢

طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة) (١).

فأقوال أهل البيت (عليهم السلام) وتوصياتهم في الإحسان إلى المرأة وتكريمها، عامل مساعد من عوامل إدامة المودّة والرحمة والحب.

وقد أوصى أهل البيت (عليهم السلام) المرأة بما يؤدّي إلى إدامة المودّة والرحمة والحب إنْ التزمت بها، ومنها طاعة الزوج، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها، وأطاعت بعلها؛ فلتدخل من أي أبواب الجنّة شاءت) (٢) .

وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة، تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله) (٣).

وشجّع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الزوجة على اتباع الحسن في إدامة المودّة والرحمة، بالتأثير على قلب الزوج وإثارة عواطفه (جاء رجل إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقتني، وإذا خرجت شيّعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمّك، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفّل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله همّاً، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (بشّرها بالجنّة وقل لها: إنّك عاملة من عمّال الله ولك في كلِّ يوم أجر سبعين شهيداً) ـ وفي رواية ـ (إنّ لله عزّ وجلّ عمّالاً وهذه من عمّاله، لها نصف أجر الشهيد)) (٤).

____________________

(١) مَن لا يحضره الفقيه، للصدوق ٣: ٢٧٨ | ١ باب حق المرأة على الزوج.

(٢) مكارم الأخلاق، للطبرسي: ٢٠١ ـ منشورات الشريف الرضي ـ قم ١٤١٠ هـ ط٢.

(٣) مكارم الأخلاق، للطبرسي: ٢٠٠ ـ منشورات الشريف الرضي ـ قم ١٤١٠ هـ ط٢.

(٤) مكارم الأخلاق: ٢٠٠.

١٣

وقال الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام): (جهاد المرأة حسن التبعّل) (١) .

ومن العوامل المساعدة على إدامة المودّة والحب وكسب ودّ الزوج، هي الانفتاح على الزوج وإجابته إلى ما يريد، قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): (خير نسائكم التي إذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء، وإذا لبست لبست معه درع الحياء) (٢) .

فهي منفتحة مع زوجها مع تقدير مكانته، وبعبارة أُخرى التوازن بين الاحترام وعدم التكلّف.

وحدّد الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) العوامل التي تعمّق المودّة والرحمة والحب داخل الأُسرة، فقال: (لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها.

ولا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال، وهي: صيانة نفسها عن كلِّ دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلّة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه) (٣).

وعلاقات المودّة والرحمة والحب ضرورية في جميع مراحل الحياة، وخصوصاً في مرحلة الحمل والرضاعة؛ لأنّ الزوجة بحاجة إلى الاطمئنان والاستقرار العاطفي؛ وأنّ ذلك له تأثير على الجنين وعلى

____________________

(١) مَن لا يحضره الفقيه ٣: ٢٧٨ | ٦ باب حق الزوج على المرأة.

(٢) الكافي، للكليني ٥: ٣٢٤ | ٢ باب خير النساء، كتاب النكاح ـ دار التعارف بيروت ١٤٠١ هـ ط٣.

(٣) تحف العقول: ٢٣٩.

١٤

الطفل في مرحلة الرضاع كما سيأتي.

ثالثاً: مراعاة الحقوق والواجبات

وضع المنهج الإسلامي حقوقاً وواجبات على كل من الزوجين، والمراعاة لها كفيل بإشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الأُسرة، فالتقيّد من قِبل الزوجين بالحقوق والواجبات الموضوعة لهم؛ يساهم في تعميق الأواصر وتمتين العلاقات الوديّة، وينفي كلّ أنواع المشاحنات والتوتّرات المحتملة، والتي تؤثّر سلبياً على جو الاستقرار الذي يحيط بالأُسرة، والمؤثّر بدوره على التوازن الانفعالي للطفل.

ومن أهم حقوق الزوج هو حق القيمومة، قال الله تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ.. ) (١) . فالواجب على الزوجة مراعاة هذا الحق؛ لأنّ الحياة الأُسرية لا تسير بلا قيمومة، والقيمومة للرجل منسجمة مع طبيعة الفوارق البدنية والعاطفية لكل من الزوجين، وأن تراعي هذهِ القيمومة في تعاملها مع الأطفال وتشعرهم بمقام والدهم.

وأهم الحقوق بعد حق القيمومة كما في جوابٍ في قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على سؤال امرأة عن حق الزوج على المرأة فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تتصدَّق من بيتها شيئاً إلاّ بإذنه، ولا تصوم تطوعاً إلاّ بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه..) (٢).

____________________

(١) النساء ٤: ٣٤.

(٢) مَن لا يحضره الفقيه ٣: ٢٧٧ | ١ باب حق الزوج على المرأة.

١٥

ومن حقوق الزوج قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (حق الرجل على المرأة إنارة السراج، وإصلاح الطعام، وأن تستقبله عند باب بيتها فترحّب به، وأن تقدّم إليه الطشت والمنديل وأن توضّئه، وأن لا تمنعه نفسها إلاّ من علّة) (١) .

ولأهمية مراعاة هذا الحق قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا تؤدّي المرأة حق الله عزّ وجل حتى تؤدّي حق زوجها) (٢) .

ووضع المنهج الإسلامي حقوقاً للزوجة يجب على الزوج مراعاتها، قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) جواباً على سؤال اسحاق بن عمار عن حق المرأة على زوجها، فقال (عليه السلام): (يشبع بطنها ويكسو جثتها وإن جهلت غفر لها) (٣).

وأجاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على سؤال خولة بنت الأسود حول حق المرأة، فقال: (حقّك عليه أن يطعمك ممّا يأكل، ويكسوك مما يلبس، ولا يلطم ولا يصيح في وجهك) (٤).

ومن حقّها مداراة الزوج لها وحسن صحبته لها، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لمحمد بن الحنفية: (إنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كلِّ حال وأحسن الصحبة لها فيصفو عيشك) (٥) .

ومن حقّ الزوجة وباقي أفراد العائلة هو إشباع حاجاتهم المادية، قال

____________________

(١) مكارم الأخلاق ٢١٥.

(٢) مكارم الأخلاق ٢١٥.

(٣) مَن لا يحضره الفقيه ٣: ٢٧٩ | ٢ باب حق المرأة على الزوج.

(٤) مكارم الأخلاق ٢١٨.

(٥) مكارم الأخلاق ٢١٨.

١٦

رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله) (١) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ملعون ملعون من يضيع من يعول) (٢) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (حقُّ المرأة على زوجها أن يسدَّ جوعتها، وأنْ يستر عورتها، ولا يقبّح لها وجهاً، فإذا فعل ذلك فقد أدّى والله حقّه) (٣).

والالتزام بحقوق الزوج من قِبل الزوجة، وبحقوق الزوجة من قِبل الزوج ضروري لإشاعة الاستقرار في أجواء الأُسرة، فيكون التفاعل ايجابياً، ويدفع كلا الزوجين للعمل من أجل سعادة الأُسرة وسعادة الأطفال، واستقرار المرأة في مرحلة الحمل والرضاعة، ومرحلة الطفولة المبكّرة يؤثّر في استقرار الطفل واطمئنانه، والانطلاق في الحركة على ضوء ما مرسوم له من نصائح وإرشادات وتوجيهات، فينشأ مستقر الشخصية سوّي في أفكاره وعواطفه وسلوكه.

رابعاً: تجنّب إثارة المشاكل والخلافات

المشاكل والخلافات في داخل الأُسرة تخلق أجواءً متوتّرة ومتشنّجة تهدد استقرارها وتماسكها، وقد تؤدّي في أغلب الأحيان إلى انفصام العلاقة الزوجية وتهديم الأُسرة، وهي عامل قلق لجميع أفراد الأُسرة بما فيها الأطفال، حيثُ تؤدّي الخلافات والأوضاع المتشنّجة، بين الوالدين، إلى خلل في الثبات والتوازن العاطفي للطفل في جميع المراحل التي

____________________

(١) عدّة الداعي، لأحمد بن فهد الحلّي: ٧٢ ـ مكتبة الوجداني قم.

(٢) عدّة الداعي، لأحمد بن فهد الحلّي: ٧٢ ـ مكتبة الوجداني قم.

(٣) عدّة الداعي، لأحمد بن فهد الحلّي: ٨١ ـ مكتبة الوجداني قم.

١٧

يعيشها، بدءاً بالأشهر الأُولى من الحمل، والسنين الأُولى من الولادة والمراحل اللاحقة بها.

والأجواء المتوتّرة تترك آثارها على شخصية الطفل المستقبلية، و (إنّ الاضطرابات السلوكية والأمراض النفسية التي تصيب الطفل في حداثته والرجل في مستقبله، تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للأبوين؛ كالاحتكاكات الزوجية التي تخلق الجو العائلي المتوتّر الذي يسلب الطفل الأمن النفسي) (١) .

ويقول العالم جيرارد فوجان: (والأُم التي لا تجد التقدير الكافي إنسانة وأُم وزوجة في المنزل لا تستطيع أن تعطي الشعور بالأمن) (٢) .

فالشعور بالأمن والاستقرار من أهم العوامل في بناء شخصية الطفل بناءً سويّاً متّزناً، وهذا الشعور ينتفي في حالة استمرار الخلافات والعلاقات المتشنّجة، والطفل في حالة مثل هذه يكون متردداً حيراناً لا يدري ماذا يفعل، فهو لا يستطيع إيقاف النزاع والخصام، وخصوصاً إذا كان مصحوباً بالشدّة، ولا يستطيع أن يقف مع أحد والديه دون الآخر، إضافة إلى محاولات كلّ من الوالدين بتقريب الطفل إليهما بإثبات حقّه، واتهام المقابل بإثارة المشاكل والخلافات، وكل ذلك يترك بصماته الداكنة على قلب الطفل وعقله وإرادته.

يقول الدكتور سپوك: (إنّ العيادات النفسيّة تشهد آلاف الحالات من

____________________

(١) أضواء على النفس البشرية، للدكتور الزين عباس عمارة: ٣٠٢ ـ دار الثقافة بيروت ـ ١٤٠٧هـ ط١.

(٢) أضواء على النفس البشرية، للدكتور الزين عباس عمارة: ٣٠٢ ـ دار الثقافة بيروت ـ ١٤٠٧هـ ط١.

١٨

الأبناء الذين نشأوا وسط ظروف عائلية مليئة بالخلاف الشديد، إنّ هؤلاء الأبناء يشعرون في الكبر بأنّهم ليسوا كبقية البشر، وتنعدم فيهم الثقة بالنفس، فيخافون من إقامة علاقات عاطفية سليمة ويتذكّرون أنّ معنى تكوين أُسرة هو الوجود في بيت يختلفون فيه مع طرف آخر ويتبادلون معه الإهانات) (١) ويختلف نوع التشنّجات والخلافات من أُسرة ا أُخرى، ويختلف أُسلوب التعبير عن التشنّجات من أُسرة إلى أُخرى، فقد يكون التعبير بالألفاظ الخشنة البذيئة والإهانات المستمرّة، وقد يكون بالضرب واستخدام العقاب البدني، ويلتقط الأطفال الممارسات التي تحدث أثناء الخلافات فتنعكس على سلوكهم الآني والمستقبلي، فنجد في كثير من العوائل أنّ الابن يهين الأُم أو يضربها، أو يستخدم نفس الأُسلوب مع زوجته حين الكبر.

ومن أجل الوقاية من الخلافات والتشنّجات بين الزوجين، أو التقليل من تأثيراتها النفسية والعاطفية أو تحجيمها وإنهائها، فقد وضع الإسلام منهجاً متكاملاً إزاء الخلافات والتشنّجات، وقد مرّ في النقاط السابقة التأكيد على تعميق المودّة والرحمة داخل الأُسرة، ووضع برنامج للحقوق والواجبات بين الزوجين، والأهم من ذلك وضع برنامجٍ في أُسلوب اختيار الزوج أو الزوجة كما سيأتي. والمنهج الإسلامي يبتني على أُسلوب الحث والتشجيع على الوقاية من حدوث الخلافات، أو معالجة مقدّماتها، أو معالجتها بعد الحدوث، وعلى أُسلوب الردع والذم للممارسات الخلافية أو التي تؤدّي إلى الخلافات.

____________________

(١) مشاكل الآباء في تربية الأبناء: ٤٥.

١٩

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (خير الرجال من أُمتي الذين لا يتطاولون على أهليهم، ويحنّون عليهم ولا يظلمونهم) (١) .

وشجّع الإمام محمد الباقر (عليه السلام) على تحمّل الإساءة؛ لأنّ ردّ الإساءة بالإساءة يوسّع دائرة الخلافات والتشنّجات، فقال (عليه السلام): (مَن احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة؛ أعتق الله رقبته من النار وأوجب له الجنّة) (٢) .

وشجّع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الرجل على الصبر على سوء أخلاق الزوجة، فقال: (مَن صبر على سوء خُلُق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيوب على بلائه) (٣) .

والصبر على الإساءة من الزوجة أمر غير متعارف عليه، لولا أنّه من توجيهات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فيكون محبوباً ومرغوباً من قِبل الزوج المتديّن، وليس فيه أي إهانة لكرامته، فيصبر عن رضا وقناعة.

والاقتداء برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تعامله مع زوجاته يخفّف الكثير من التشنّجات، وكذلك الاقتداء بسيرة أهل البيت (عليهم السلام)، قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): (كانت لأبي ـ عليه السلام ـ امرأة، وكانت تؤذيه وكان يغفر لها) (٤) .

ونهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن استخدام العنف مع الزوجة فقال: (أيُّ رجل لطم امرأته لطمة؛ أمر الله عزّ وجل مالك خازن النيران فيلطمه على حرّ وجهه سبعين لطمة في نار جهنّم) (٥).

____________________

(١) مكارم الأخلاق ٢١٦ ـ ٢١٧.

(٢) مكارم الأخلاق ٢١٦.

(٣) مكارم الأخلاق ٢١٣.

(٤) مَن لا يحضره الفقيه ٣: ٢٧٩ | ٤ باب حق المرأة على الزوج.

(٥) مستدرك الوسائل ٢: ٥٥٠.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

فان كانت موجودة قبل عروض الوجود عليها يكون الوجود العارض عليها قائماً في ماهية موجودة.

وهذا يلزم منه اجتماع المثلين، وهما: المثل الاول: وجود الماهية المفروض قبل عروض الوجود عليها، والمثل الثاني: الوجود العارض عليها.

واجتماع المثلين باطل لانه محال.

وعليه يبطل القول بزيادة الوجود على الماهية، ويثبت اتحادهما، ويكون وجود الماهية هو نفس الماهية.

وان كانت الماهية معدومة قبل عروض الوجود عليها يكون الوجود العارض عليها قائماً في ماهية معدومة، فيجتمع النقيضان وهما عدم الماهية المفروض قبل عروض الوجود عليها، والوجود العارض عليها.

واجتماع النقيضين باطل لانه محال.

فيبطل القول بزيادة الوجود على الماهية، ويثبت اتحادهما فيكون وجود الماهية هو نفس الماهية.

ورُدَّ هذا الاستدلال من قبل اصحاب القول الثاني: بان الماهية من حيث هي وفي واقعها لا موجودة ولا معدومة.

فعروض الوجود عليها انما كان بما هي في واقعها، أي بما هي غير متصفة بالوجود أو العدم.

وعليه لا يلزم من عروضه عليها اجتماع المثلين أو اجتماع النقيضين.

والدليل على ان الماهية من حيث هي لا موجودة ولا معدومة: ان الماهية «لما كانت تقبل الاتصاف بانها موجودة او معدومة، او واحدة أو كثيرة، أو كلية أو مفردة، وكذا سائر الصفات المتقابلة، كانت في حد ذاتها مسلوبة عنها الصفات المتقابلة»(١)

____________________

(١) بدايد الحكمة ٧٥.

٤١

وذهب الآخرون الى القول الثاني.

وفُسر: بان الوجود زائد على الماهية عارض لها.

ومقصودهم من هذا: ان العقل يستطيع «ان يجرد الماهية عن الوجود فيعتبرها وحدها، فيعقلها، ثم يصفها بالوجود وهو معنى العروض، فليس الوجود عيناً للماهية»(١) .

والتغابر بين الماهية والوجود يتحقق في أن كلاً منهما له مفهوم غير مفهوم الآخر.

واستدل لهذا القول بأدلة منها:

أ - صحة الحمل:

وتقريره: إنا نحمل الوجود على الماهية، فنقول: (الماهية موجودة)، فنستفيد منه فائدة معقولة لم تكن حاصلة لنا قبل الحمل، وانما تتحقق هذه الفائدة على تقدير المغايرة {في المفهوم بين الماهية والوجود}، إذ لو كان الوجود نفس الماهية لكان قولنا: (الماهية موجودة) بمنزلة (الماهية ماهية) أو (الموجودة موجودة).

والتالي باطل فكذا المقدم»(٢) .

ب - صحة السلب:

وتقريره: انا قد نسلب الوجود عن الماهية فنقول: (الماهية معدومة) {أو الماهية ليست موجودة}، فلو كان الوجود نفس الماهية لزم التناقض، ولو كان جزء منها لزم التناقض ايضاً، لان تحقق الماهية يستدعي تحقق اجزائها التي من جملتها الوجود، فيستحيل سلبه عنها، وإلا لزم اجتماع النقيضين.

فتحقق انتفاء التناقض يدل على الزيادة»(٣) .

______________________

(١) بدايه الحكمة ١٣.

(٢) كشف المراد ٩.

(٣) م ن.

٤٢

وصحة الحمل، وكذلك صحة السلب دليل التغاير في المفهوم كما هو مقرر في محله.

ويلخص صاحب المنظومة المسألة على القول الثاني ببيته التالي:

ان الوجود عارض الماهيه

تصوراً واتحدا هويه

يقول: ان عروض الوجود على الماهية هو في عالم التصور والتعقل فقط، وهو ما عبرنا عنه بالتغاير في المفهوم.

أما في عالم الواقع الموضوعي الذي عبر عنه بالهوية (وهي حقيقة الشيء من حيث تميزه من غيره) فهما متحدان، أي هما ذات واحدة.

الخلاصة:

ونخلص من كل هذا الى أن الوجود والماهية متغايران مفهوماً متحدان مصداقاً.

٢ - وينسق على مسألتنا المتقدمة مسألة أخرى من مسائل العلاقة بين الوجود والماهية هي مسألة الاصالة والإِعتبارية.

فبعد الفراغ من ثبوت تغاير الوجود والماهية مفهوماً، يتساءل أيهما الاصيل وأيهما الاعتباري؟؟

فهذه المسألة تقوم على ما تقدم من أن العقل يستطيع أن ينتزع من الاشياء الموجودة في الواقع الموضوعي مفهومين متغايرين هما: مفهوم الوجود ومفهوم الماهية.

فمثلاً: الانسان الموجود في الواقع الخارجي يقوى العقل على أن ينتزع منه: أنه انسان، وأنه موجود.

فالانسانية هي الماهية.

والموجودية هي الوجود.

فأي هذين المفهومين هو الأصيل؟ وايهما الاعتباري؟.. وكما اختلف في المسألة السابقة على قولين اختلف في هذه المسألة على قولين أيضاً هما:

٤٣

أ - الوجود هو الأصيل والماهية اعتبارية.

ب - الماهية هي الأصيلة والوجود اعتباري.

قال بالرأي الاول المشاؤون، ونسب القول الثاني الى الاشراقيين.

واستدل للقول الاول بأدلة منها:

ان الماهية من حيث هي، مستوية النسبة الى الوجود والعدم، ولا تخرج من هذا الاستواء الى مستوى الوجود الا بالوجود، وبواسطته تترتب عليها آثارها التي هي قوام حقيقتها وكمال شيئيتها نحو الجنس والفصل والخاصة كالحيوانية والناطقية والضاحكية للانسان.

ولأن الوجود هو المخرج لها من حد الاستواء المشار اليه كان هو الأصيل.

واستدل للقول الثاني:

بأن دعوى أصالة الوجود تستلزم ان يكون الوجود الموجود في الخارج موجوداً بوجود آخر.

وعليه يلزم ان يكون لوجوده وجود، ولوجود وجوده وجود، وهكذا.

فتتسلسل الوجودات الى غير نهاية، وهو محال.

وعندما تبطل دعوى أصالة الوجود يتعين القول باعتباريته وأصالة الماهية.

ورُدَّ: بان الوجود في الخارج موجود بنفس ذاته لا بوجود آخر، فلا تسلسل.

اعتبارات الماهية:

للماهية عند الاستعمال وبلحاظ ما يقصده المستعمل منها من حيث الاطلاق والتقييد ثلاثة أقسام، تسمى في الحكمة، اعتبارات الماهية... وذلك كالتالي:

تنقسم الماهية باعتبار ما أشرت اليه على قسمين: مطلقة ومقيدة.

٤٤

١ - الماهية المطلقة: وهي التي تلحظ اثناء الاستعمال بذاتها أي لا مع شيء زائد عليها.

وبتعبير آخر: تؤخذ مطلقة من التقييد بشيء سواء كان ذلك الشيء وجودياً أو عدمياً.

واصطلح عليها فلسفياً ( الماهية لا بشرط) أي غير المقيدة باشتراط شيء فيها، ولا باشتراط لا شيء فيها.

مثل: (اعتق رقبة)، فالرقبة - وهي الماهية هنا - غير مقيدة لا بوصف وجودي ولا بوصف عدمي.

٢ - الماهية المقيدة: وهي التي تقيد أثناء الاستعمال بشيء.

ولأن الشيء الذي تقيد به قد يكون وجودياً وقد يكون عدمياً قسمت على قسمين، هما:

أ - الماهية بشرط شيء: وهي المقيدة بشيء وجودي. مثل (اعتق رقبة مؤمنة)، فالرقبة هنا مقيدة بوصف وجودي وهو الايمان.

ب - الماهية بشرط لا شيء (وقد تختصر تسميتها فيقال: الماهية بشرط لا): وهي المقيدة بشيء عدمي.

مثل: (اعتق رقبة غير كافرة)، فالرقبة هنا مقيدة بوصف عدمي، وهو عدم الكفر(١) .

______________________

(١) عدلت عن المجردة ممثلاً بالمثال المذكور لأن المجردة لا موطن لها الا الذهن، والقسمة - كما رأينا - قائمة على استعمال له واقع يعايشه الناس.

٤٥

الخلاصة:

الوجود الذهني:

اتفقوا في ان للماهيات وجوداً خارجياً.

وعرّفوه: بانه الوجود الذي تترتب على الماهية فيه آثارها المقومة لحقيقتها والمكملة لشيئيتها.

ولكن اختلفوا في انه هل هناك وجود آخر للماهية وراء الوجود الخارجي؟.

أو أنه ليس للماهية الا هذا الوجود الخارجي.

والمشهور بينهم أن للماهية وجوداً آخر وراء هذا الوجود الخارجي، وهو الوجود الذهني.

وعرّفوه: بأنه الوجود الذي لا تترتب فيه على الماهية آثارها.

بمعنى ان الموجود في الذهن ليس الماهية بلوازمها واحكامها التي هي مترتبة عليها في الوجود الخارجي.

وانما الموجود صورتها ومثالها المجردان عن مالها من آثار ولوازم.

«واحتج المشهور على ما ذهبوا اليه من الوجود الذهني بوجوه: أحدها: أنا نحكم على المعدومات باحكام ايجابية كقولنا: (بحر من زئبق كذا)، وقولنا: (اجتماع النقيضين غير اجتماع الضدين)، الى غير ذلك.

٤٦

والايجاب اثبات، واثبات شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له.

(اذن) فلهذه الموضوعات المعدومة وجود، اذ ليس في الخارج، ففي موطن آخر، ونسميه الذهن.

والثاني: أنا نتصور أموراً تتصف بالكلية والعموم كالانسان الكلي، والحيوان الكلي.

والتصور اشارة عقلية لا تتحقق إلا بمشار اليه موجود، وإذ لا وجود للكلي التلاقي كلي في الخارج فهي موجودة في موطن آخر، ونسميه الذهن.

الثالث: أنا نتصور الصرف من كل حقيقة، وهو الحقيقة محذوفاً عنها ما يكثرها بالخلط والانضمام كالبياض المتصور بحذف جميع الشوائب الاجنبية.

وصرف الشيء لا يتثنى ولا يتكرر، فهو واحد وحدة جامعة لكل ما هو من سنخه.

والحقيقة بهذا الوصف غير موجودة في الخارج، فهي موجودة في موطن آخر، نسميه الذهن»(١) .

المواد الثلاث

كل معقول (وهو الصورة الحاصلة في العقل) اذا قيس الى الوجود الخارجي، أو نسب اليه الوجود الخارجي لا يخلو واقعه من واحد من الاحكام الثلاثة التي عبّر عنها بعضهم بالمواد الثلاث وهي التالية:

١ - إما ان يكون واجب الوجود في الخارج لذاته.

٢ - واما ان يكون ممتنع الوجود في الخارج لذاته.

٣ - واما ان يكون ممكن الوجود في الخارج لذاته.

____________________

(١) بداية الحكمة ٣٦ - ٣٧.

٤٧

ومعنى الوجوب - هنا - : ان يكون الوجود له ضرورياً.

ومعنى الامتناع: ان يكون العدم له ضرورياً.

ومعنى الامكان: ان لا يكون الوجود له ضرورياً، ولا العدم له ضرورياً.

ويمكننا ان نقول في ضوء هذا:

ينقسم المعقول الى قسمين:

١ - موجود.

٢ - معدوم.

وينقسم الموجود الى قسمين أيضاً:

١ - واجب الوجود لذاته.

٢ - ممكن الوجود لذاته.

وينقسم المعدوم الى قسمين أيضاً:

ممتنع الوجود لذاته.

٢ - ممكن الوجود لذاته.

الخلاصة:

٤٨

خصائص الواجب لذاته:

انفرد الموجود الواجب لذاته باوصاف تلزمه، عبّروا عنها ب(خواص الواجب)، وهذه الخواص أو الخصائص هي:

١ - ان يكون وجوده واجباً لذاته.

وذلك لأنه اذا كان وجوده واجباً لغيره أو واجباً لذاته ولغيره معاً يلزم منه ارتفاع وجوده عند ارتفاع ذلك الغير، وعليه لا يكون واجباً لذاته.

٢ - ان يكون وجوده نفس حقيقته وغير زائد عليها.

وذلك لانه اذا كان وجوده زائداً على حقيقته بلزم من هذا افتقاره اليه، والمفتقر ممكن، فلا يكون واجباً لذاته.

٣ - ان لا يكون مركباً.

لان المركب مفتقر الى اجزائه، وجزء الشيء غيره، فيكون محتاجاً الى الغير، والمحتاج الى الغير ممكن فلا يكون واجباً لذاته.

٤ - ان لا يكون جزءاً من غيره.

لانه اذا كان جزءاً من غيره ينفعل بذلك الغير، فيكون ممكناً لاحتياجه اليه، وعليه لا يكون واجباً لذاته.

٥ - ان لا يكون منطبقاً على اثنين.

وذلك «لانهما حينئذٍ يشتركان في وجوب الوجود، فلا يخلو إما ان يتميزا أولا. فان لم يتميزا لم تحصل الاثنينية.

وان تميزوا لزم تركب كل واحد منهما مما به المشاركة ومما به الممايزة.

٤٩

وكل مركب ممكن»(١) .

وعليه: لا يكون واجباً لذاته.

خصائص الممكن:

وكما انفرد الواجب لذاته بخصائص، كذلك انفرد الممكن لذاته بخصائص هي:

١ - ان يكون طرفا الممكن (الوجود والعدم) متساويين بالنسبة اليه، فلا يكون أحدهما أولى به من الآخر.

وذلك لانه ان امكن وقوع غير الاولى لم تكن الاولوية المفروضة كافية في الترجيح.

وان لم يكن وقوع غير الاولى، يكون الاولى - حسب الفرض - واجباً له، فيصبح الممكن - على هذا - اما واجباً او ممتنعاً، وهذا محال.

٢ - ان الممكن محتاج في حدوثه الى مؤثر.

وذلك لأن استواء الوجود والعدم بالنسبة الى ذاته يستدعي استحالة ترجيح احدهما على الآخر الا بمرجح، وهو معنى الاحتياج.

٣ - ان الممكن كما هو محتاج في حدوثه الى مؤثر كذلك هو محتاج في بقائه الى مؤثر.

وذلك لأن الامكان لازم للماهية، ومن المستحيل فصله عنها، لأن فصله عنها يستلزم انقلاب الممكن الى واجب أو الى ممتنع. ولأنه ثبت ان الاحتياج لازم للامكان، والامكان لازم لماهية الممكن.

ولان لازم اللازم لازم.

يكون الاحتياج لازماً لماهية الممكن حدوثاً وبقاء.

_________________________

(١) النافع يوم الحشر ٤١.

٥٠

النسبة الغيرية

هناك من احكام الجواهر والاعراض ما يسمى بالنسبة الغيرية وهي التي تتمثل في المواد التالية:

١ - التماثل:

وهي النسبة بين المعقولين المتساويين في تمام الماهية، نحو البياضين والسوادين، ويعرفان بالمتماثلين.

٢ - التخالف:

وينقسم الى: التلاقي والتقابل.

٣ - التلاقي:

ويقع بين الشيئين الوجوديين اللذين يمكن اجتماعهما إلا أن الافتراق بينهما نشأ بسبب خارج عن ذات الشيء، كافتراق الحلاوة والسواد في السكر والفحم.

ويسميان المتخالفين، وبتعبير أصوب: المتلاقيين.

٤ - التقابل:

ويقع بين المغاير أحدهما للآخر لذاته.

ويقسم الى الاقسام الاربعة التالية:

أ - التضايف:

ويقع بين الشيئين الوجوديين اللذين يعقل كل منهما بالنسبة الى الآخر، نحو الابوة والبنوة.

ويصطلح عليهما بالمتضايفين.

ب - التضاد:

٥١

ويقع بين الشيئين الوجوديين اللذين لا يجتمعان في محل واحد، ولكن يرتفعان عنه، كالسواد والبياض.

ويعرفان بالضدين والمتضادين.

ح - العدم والملكة:

ويقعان في الشيئين اللذين أحدهما وجودي والآخر عدمي من شأنه أن يتصف محله بوجود مقابله.

وبتعبير آخر: فيه قابلية الاتصاف بالملكة، مثل العمى والبصر، فان العمى - هنا - عدم البصر الذي هو الملكة، وفي محله قابلية الاتصاف بالبصر.

وهما كما لا يجتمعان في ذات واحدة لا يرتفعان عنها.

خ - التناقض:

ويقع بين الشيئين اللذين احدهما وجودي والآخر عدمي، يمثل الوجودي طرف الايجاب أو الاثبات، ويمثل العدمي طرف السلب أو النفي، مثل الوجود والعدم.

وكذلك هما لا يجتمعان في ذات واحدة ولا يرتفعان عنها. ويعرفان بالمتناقضين والنقيضين والمتنافيين.

٥٢

الخلاصة:

الوجود الظلي

هو الصادر الأول عن المبدأ الأول عند اصحاب نظرية العقول الطولية.

وهو عقل مجرد، وسمي ظلياً لافتقاره الى الوجود الواجبي وتقومه به، وعدم استقلاله دونه.

الالوهية

- الذات الالهية

- الصفات الالهية

٥٣

٥٤

٥٥

٥٦

الالوهية

الالوهية - لغة - مصدر (أَلَهَ) - بفتح عينه وكسرها، يقال: أَلَهَ وأَلِهَ إلاهة وأُلوهة وأُلوهية.

بمعنى: عَبَدَ.

ومنه قيل: الإِله بمعنى المعبود.

إلا أن الذي يفاد من استعمال كلمة (الاله) في القرآن الكريم أنه - الخالق المدبر، كما في الآية الكريمة: (لو كان فيهما آلهة الا اللّه لفسدتا)، فانها تفيد: أنه لو كان في السموات والارض اكثر من خالق مدبر لفسدتا وبطلتا، لأن كل إله - بما هو إله - له أن يعمل ارادته في الخلق والتدبير فيقع بينهم الاختلاف المؤدي الى فساد الكون.

الا أن يراد من المعبود في التعريف اللغوي: الذي يُعبد لأن منه الخلق وله التدبير.

ومن المظنون قوياً أن المعجم اللغوي أفاد المعنى المذكور للإِله، بأنه المعبود من اطلاق أبناء اللغة - وهم العرب - كلمة إله على ما كانوا يعبدون من الاوثان والاصنام، فعرّفها بالمعبود من دون ان يتنبه للاستعمال القرآني.

فالاصوب أن يقال: الاله: هو الخالق المدبر.

وتعني الالوهية - كلامياً - البحث في موضوع الذات الالهية وما يدور في فلكه من

٥٧

مسائل وقضايا ترتبط بعقيدة التوحيد.

ويعرّف الاله - كلامياً - بانه مبدأ العالم وغايته، أو الذي منه المبدأ واليه المعاد.

ويطلق عليه في البحث الفلسفي مصطلح (الصانع)، وهو مصطلح أطلقه افلاطون في محاورته (طيماوس) على صانع الكون وخالقه(١) .

وتسرب من الفلسفة اليونانية الى البحوث والدراسات الكلامية الاسلامية.

كما يطلق عليه في البحث الكلامي أيضاً (الذات الالهية) أو (الذات) مجردة من القيد، و«المبدأ الاول).

ويبحث موضوع الالوهية في التالي:

١ - اثبات الذات الالهية.

٢ - اثبات الصفات الالهية.

________________________

(١) المعجم الفلسفي: مادة: صانع.

والصانع ليس من أسماء اللّه الحسنى الواردة في الحديث، و لكن وردت مادته في القرآن الكريم، قال تعالى: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع اللّه الذي اتقن كل شيء انه خبير بما تفعلون) - النمل ٨٨ -.

٥٨

٥٩

الذات الالهية

- منهج الاستدلال

- دليل المتكلمين

- الارشاد القرآني للاستدلال

- دليل الحكماء.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114