الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية الجزء ٥

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية12%

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 486

  • البداية
  • السابق
  • 486 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30660 / تحميل: 7615
الحجم الحجم الحجم
الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

فارق الاولى بموت، أو فسخ، او طلاق بائن، او انقضت عدتها حلت الاخرى، (لا عينا، والعمة والخالة) وإن علتا (يجمع بينها، وبين ابنة اخيها، أو اختها) وإن نزلتا (برضاء العمة والخالة، لا بدونه) باجماع اصحابنا، واخبارنا متظافرة به(١) . ثم ان تقدم عقد العمة والخالة توقف العقد الثاني(٢) على اذنهما، فان بادر بدونه(٣) ففي بطلانه، أو وقوفه على رضاهما فان فسخناه(٤) ، بطل أو تخييرهما فيه(٥) وفي عقدهما اوجه. اوسطها(٦) الاوسط، وان تقدم عقد بنت الاخ والاخت وعلمت العمة والخالة بالحال فرضاهما بعقدهما رضا بالجمع، والا(٧) ففي تخييرهما في فسخ عقد انفسهما، أو فيه(٨) وفي عقد السابقة، أو بطلان عقدهما اوجه اوجهها الاول(٩)

___________________________________

(١) أي بالجواز.

(٢) وهو عقد بنت اخيها لو كانت الاولى عمة لها، أو بنت اختها لو كانت خالة لها.

(٣) أي بدون اذن العمة، أو الخالة.

(٤) أي العمة والخالة فسخنا العقد.

(٥) أي تخيير العمة أو الخالة في فسخ عقد بنت الاخ أو بنت الاخت، أو فسخ عقدهما.

(٦) وهو وقوف صحة عقد بنت الاخ، أو الاخت على رضا العمة والخالة.

(٧) اي وإن لم ترضيا بالعقد بعد علمهما.

(٨) أي في عقد انفسهما وفي عقد السابقة.

(٩) وهو فسخ عقد انفسهما.

١٨١

وهل يلحق الجمع بينهما(١) بالوطء في ملك اليمين بذلك وجهان. وكذا لو ملك احديهما وعقد على الاخرى، ويمكن شمول العبارة(٢) لاتحاد الحكم في الجميع.

(وحكم) وطء (الشبهة، والزنا السابق على العقد حكم الصحيح في المصاهرة) فتحرم الموطوء‌ة بهما على أبيه وابنه، وعليه امها وبنتها إلى غير ذلك من حكام المصاهرة، ولو تاخر الوطء فيهما عن العقد، او الملك لم تحرم المعقود عليها، او المملوكة. هذا هوالاصح فيهما(٢) وبه(٤) يجمع بين الاخبار(٥) الدالة على المنع مطلقا(٦) وعلى عدمه(٧) كذلك(٨) .

(وتكره ملموسة الابن ومنظورته) على وجه لا تحل لغيره مسالك

___________________________________

(١) أي بين البنت والعمة، وبين البنت والخالة، لو وطأ العمة أو الخالة بملك اليمين.

(٢) أي عبارة المصنف حيث قال: (والعمة والخالة يجمع بينها وبين ابنة اخيها او أختها) مطلقة تشمل جميع صور الجمع، سواء كان الجمع بالعقد، أو بملك اليمين، أو احدهما بالعقد، والاخرى بملك اليمين.

(٣) أي في صورة تقدم هذه الامور على العقد. وفي صورة تأخرها عنه.

(٤) أي وبما ذكر وهو (التحريم في صورة تقدم الزنا والشبهة على العقد، وعدم التحريم في صورة تأخرهما عنه).

(٥) أي بين هذه الاخبار الواردة في المنع. راجع الوسائل كتاب النكاح باب ٦ من ابواب مايحرم بالمصاهرة الاحاديث.

(٦) سواء كانت هذه الامور متقدمة على العقد ام متأخرة.

(٧) أي وبين تلك الاخبار الدالة على عدم التحريم راجع الوسائل نفس الباب.

(٨) أي مطلقا، سواء كانت هذه الامور متقدمة على العقد ام متأخرة.

١٨٢

الوطء بعقد، او ملك (على الاب، وبالعكس) وهو منظورة الاب وملموسته (تحرم) على ابنه. أما الاول فلان فيه جمعا بين الاخبار التي دل بعضها على التحريم، كصحيحة(١) محمد بن بزيع وغيرها، وبعضها على الاباحة كموثقة(٢) علي بن يقطين عن الكاظم (ع) بنفي البأس عن ذلك، بحمل(٣) النهي على الكراهة. وأما الثاني وهو تحريم منظورة الاب وملموسته على الابن فلصحيحة(٤) محمد بن مسلم عن الصادق (ع) قال: " اذا جرد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحل لابنه "، ومفهومها(٥) الحل لابيه، فإن عمل بالمفهوم، وإلا(٦) فبدلالة الاصل(٧) ، ولما سبق(٨) .

___________________________________

(١) الوسائل كتاب النكاح باب ٣ من ابواب مايحرم بالمصاهرة الحديث ١. ولا يخفى أن الحديث مروي عن (محمد بن اسماعيل) لكن المراد منه محمد ابن اسماعيل بن بزيع.

(٢) الوسائل كتاب النكاح باب ٥ من ابواب مايحرم بالمصاهرة الحديث ٣ والحديث مروي عن (الامام الصادق)عليه‌السلام .

(٣) الجار والمجرور متعلق بقول الشارحرحمه‌الله : (جمعا بين الاخبار). أي طريق الجمع بين هذه الاخبار المشار اليها في الهامش رقم ١ ورقم ٢ هو حمل النهي على الكراهة.

(٤) الوسائل كتاب النكاح باب ٣ من ابواب مايحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

(٥) اي ومفهوم الصحيحة. والمراد من المفهوم مفهوم اللقب وهو (التقييد بالابن) فهو دليل على انها تحل لاب هذا الرجل.

(٦) أي وان لم يعمل بالمفهوم لضعفه، ولعدم القول بكون اللقب ذا مفهوم.

(٧) وهو عدم الحرمة.

(٨) في موثقة (علي بن يقطين) رضوان الله تبارك وتعالى عليه المشار اليها في الهامش رقم ٢ ص ١٨٣ الدالة على الجواز، وعدم الباس في ملموسة الابن للاب.

١٨٣

وفيه(١) نظر، لان صحيحة(٢) ابن بزيع دلت على التحريم فيهما(٣) ورواية علي بن يقطين دلت على نفيه فيهما، فإن وجب الجمع بينهما بالكراهة فالحكم في صحيحة(٤) محمد بن مسلم كذلك(٥) وهذا هو الذي اختاره المصنف في شرح الارشاد وجماعة، أو يعمل بالاولى(٦) ترجيحا للصحيح على الموثق(٧) حيث يتعارضان، أو مطلقا(٨) وتكون صحيحة(٩) محمد بن مسلم مؤبدة لاحد الطرفين. وهو الاظهر، فتحرم فيهما(١٠) ، فالتفصيل غير متوجه. وقيدنا النظر واللمس بكونهما لا يحلان لغيره، للاحتراز عن نظر

___________________________________

(١) أي في هذا التفصيل في ملموسة الابن، ومنظورته فتحلان للاب، دون منظورة الاب وملموسته فانهما لاتحلان للابن.

(٢) المشار اليها في الهامش رقم ١ ص ١٨٣ دالة على التحريم.

(٣) في ملموسة الاب والابن ومنظورتهما على كل منهما.

(٤) أي فالحكم في صحيحة (محمد بن مسلم) المشار اليها في الهامش رقم ٤ ص ١٨٣ كذلك يجب ان يحمل النهي فيها ايضا على الكراهة. جمعا بين هذه الصحيحة، وبين موثقة (علي بن يقطين) المشار اليها في الهامش رقم ٢ ص ١٨٣.

(٥) أي يحمل الصحيحة المذكورة على الكراهة.

(٦) وهي صحيحة (محمد بن بزيع) المشار اليها في الهامش رقم ١ ص ١٨٣.

(٧) وهو المشار اليه في الهامش رقم ٢ ص ١٨٣.

(٨) سواء تعارضا ام لم يتعرضا.

(٩) المشار اليها في الهامش رقم ٤ ص ١٨٣ مؤيدة لاحد الطرفين وهو (التحريم).

(١٠) اي في ملموسة الاب والابن ومنظورتهما.

١٨٤

مثل الوجه والكفين بغير شهوة فانه لا يحرم اتفاقا، وأما اللمس فظاهر الاصحاب وصرح به جماعة منهم تحريمه فيهما(١) مطلقا(٢) فيتعلق به الحكم مطلقا(٣) . نعم يشترط كونهما(٤) بشهوة كما ورد في الاخبار(٥) وصرح به الاصحاب، فلا عبرة بالنظر المتفق، ولمس الطبيب، ونحوهما وان كانت العبارة مطلقة(٦) . هذا حكم المنظورة والملموسة بالنسبة اليهما. وهل يتعدى التحريم إلى امهما وابنتهما في حق الفاعل قولان: مأخدهما(٧) اصالة الحل، واشتراط(٨) تحريم البنت بالدخول بالام في الاية(٩) .

___________________________________

(١) أي في ملموسة الاب والابن.

(٢) أي في الوجه والكفين.

(٣) سواء كان اللمس في الوجه والكفين ام في غيرهما. ومرجع الضمير في به (اللمس).

(٤) أي اللمس والنظر.

(٥) الوسائل كتاب النكاح ابواب مايحرم بالمصاهرة باب ٣ الاحاديث.

(٦) حيث قال المصنف: (وتكره ملموسة الابن ومنظورته على الاب وبالعكس تحرم). فهذه العبارة مطلقة تشمل مطلق اللمس والنظر.

(٧) دليل لجواز العقد على ام الملموسة وبنتها، وكذلك ام المنظورة وبنتها.

(٨) بالرفع دليل ثان لجواز العقد على ام الملموسة وبنتها، وام المنظورة وبنتها.

(٩) وهو قوله تعالى:( وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ) النساء: الآية ٢٣.

١٨٥

ولا قائل بالفرق(١) وصحيحة(٢) محمد بن مسلم عن احدهما (عليهما‌السلام ) الدالة على التحريم. ويمكن الجمع(٣) بحمل النهي على الكراهة. وهو(٤) اولى. واعلم أن الحكم(٥) مختص بنظر المملوكة على ذلك الوجه(٦) . وما ذكرناه من الروايات(٧) دال عليها. وأما الحرة فان كانت زوجة حرمت على الاب والابن بمجرد العقد وان كانت اجنبية ففي تحريمها قولان، ويظهر من العبارة الجزم به(٨) ، لانه فرضها مطلقة، والادلة لا تساعد عليه(٩) .

___________________________________

(١) اي ولا قائل بالفرق بين الام والبنت حتى يقال: إن تحريم البنت مشروط بالدخول بالام فلا تحرم البنت بمجرد النظر واللمس. بخلاف الام حيث يكفي فيها مجرد اللمس والنظر إلى ابنتها.

(٢) دليل لتحريم ام الملموسة والمنظورة وبنت الملموسة والمنظورة في حق الفاعل. راجع التهذيب الطبعة الجديدة ج ٧ ص ٢٨٠ الحديث ٢٣.

(٣) اي بين الآية الكريمة، وبين الصحيحة.

(٤) اي هذا الجمع اولى.

(٥) وهي حرمة الملموسة والمنظورة.

(٦) وهو نظر لايجوز لغير المالك.

(٧) وهي صحيحة (محمد بن بزيع) المشار اليها في الهامش رقم ١ ص ١٨٣، وصحيحة (محمد بن مسلم) المشار اليها في رقم ٤ ص ١٨٣، وموثقة (علي بن يقطين) في الرقم ٢ ص ١٨٣.

(٨) اي بالتحريم حيث قال المصنف: (وبالعكس تحرم).

(٩) اي على التحريم. والمراد من الادلة الروايات المتقدمة في الهامش رقم ٧ ص ١٨٦.

١٨٦

(مسائل عشرون)

(الاولى: لو تزوج الام وابنتها في عقد واحد بطلا) للنهي(١) عن العقد الجامع بينهما، واستحالة الترجيح(٢) ، لاتحاد نسبته اليهما، (ولو جمع بين الاختين فكذلك(٣) ) لاشتراكهما في ذلك(٤) .

(وقيل) والقائل الشيخ وجماعة منهم العلامة في المختلف: (يتخير) واحدة منهما، لمرسلة جميل بن دراج عن احدهما (عليهما‌السلام ) في رجل تزوج اختين في عقد واحد، قال: " هو بالخيار ان يمسك ايتهما شاء، ويخلي سبيل الاخرى(٥) ". وهي مع ارسالها غير صريحة في ذلك(٦) ، لامكان امساك احديهما بعقد جديد. ومثله(٧) مالو جمع بين خمس في عقد، او بين اثنين وعنده

___________________________________

(١) الوسائل كتاب النكاح ابواب مايحرم بالمصاهرة باب ٢٩ - الحديث ٨.

(٢) اي ترجيح احد العقدين على الآخر والحكم بصحة احدهما ترجيح بلا مرجح. اذ نسبة العقد اليهما على حد سواء.

(٣) اي العقدان باطلان، لعدم ترجيح احدهما على الآخر.

(٤) اي في العلة المذكورة وهي النهي المشار اليه في الهامش رقم ١ وللزمه الترجيح بلا مرجح.

(٥) الوسائل كتاب النكاح ابواب مايحرم بالمصاهرة باب ٢٥ - الحديث ٢.

(٦) اي في صحة عقد احديهما، وبطلان الاخرى.

(٧) اي مثل الجمع بين الاختين.

١٨٧

ثلاث، او بالعكس(١) ، ونحوه(٢) ، ويجوز الجمع بين الاختين في الملك، وكذا بين الام وابنتها فيه. وإنما يحرم الجمع بينهما في النكاح وتوابعه من الاستمتاع.

(ولو وطء احدى الاختين المملوكتين حرمت الاخرى حتى تخرج الاولى عن ملكه) ببيع، او هبة، او غيرهما. وهل يكفي(٣) مطلق العقد الناقل للملك ام يشترط لزومه فلا يكفي البيع بخيار، والهبة التي يجوز الرجوع فيها وجهان: من(٤) اطلاق النص اشتراط خروج الاولى عن ملكه وهو حاصل بمطلقة(٥) ، ومن(٦) أنها مع تسلطه(٧) على فسخه بحكم المملوكة. ويضعف بأن غاية التحريم اذا علقت على مطلق الخروج لم يشترط معها(٨) امر آخر، لئلا يلزم جعل ما جعله الشارع غاية ليس بغاية،

___________________________________

(١) كما لو كان عنده اثنتان وجمع بين ثلاثة في عقد واحد.

(٢) كما لو كانت عنده واحدة وعقد على أربع دفعة، أو عقد على خمس زوجات. فحكم هذه الموارد الجمع بين الاختين.

(٣) أي في جواز وطئ الاخرى.

(٤) دليل لكفاية مطلق الخروج عن ملكه، والنص في الوسائل كتاب النكاح ابواب مايحرم بالمصاهرة باب ٢٩ الحديث ٢.

(٥) اي بمطلق العقد الناقل.

(٦) دليل لعدم كفاية مطلق العقد الناقل.

(٧) اي تسلط الواطي. ومرجع الضمير في فسخه (العقد).

(٨) اي مع الغاية.

١٨٨

وقدرته(١) على ردها إلى ملكه لا تصلح للمنع، لانه(٢) بعد الاخراج اللازم متمكن منه دائما على بعض الوجوه بالشراء، والاتهاب، وغيرهما من العقود، فالاكتفاء بمطلق الناقل(٣) أجود. وفي الاكتفاء بفعل ما يقتضي تحريمها عليه كالتزويح(٤) والرهن والكتابة وجهان: منشؤهما(٥) حصول الغرض وهو تحريم الوطء. وانتفاء(٦) النقل الذي هو مورد النص(٧) وهو الاقوى. ولا فرق في تحريم الثانية بين وطي الاولى في القبل والدبر.

___________________________________

(١) دفع للوهم الوارد. وحاصل الوهم: أن الواطي قادر على رد المملوكة إلى ملكه فحينئذ هي بمنزلة مملوكته فاذن لا يجوز له وطي الاخرى. فاجاب الشارحرحمه‌الله ماحاصله: أن مجرد قدرة الواطي على ردها إلى ملكه لا تجعلها بمنزلة مملوكته مالم يفسخ العقد فالقدرة هذه لا تصلح للمنع عن جواز وطي الاخرى.

(٢) اي الواطي. وهو تعليل من الشارحرحمه‌الله لعدم صلاحية هذه القدرة لمنع جواز الوطي. باعتبار أن القدرة على الرد موجودة للواطي دائما مع العقد اللازم، بالشراء، أو الهبة، أو غيرهما. ومرجع الضمير في منه (الرد): اي الواطي قادر دائما على رد المملوكة باي نحو كان بالشراء، أو الهبة أو غيرهما.

(٣) سواء كان جائزا أم لازما.

(٤) اي عقد مملوكته لشخص آخر، أو جعلها رهنا عند آخر.

(٥) دليل لكفاية هذه الامور: التزويج والرهن والكتابة.

(٦) دليل لعدم كفاية هذه الامور.

(٧) الوسائل كتاب النكاح - ابواب مايحرم بالمصاهرة - باب ٢٩ الحديث ٢

١٨٩

وفي مقدماته من اللمس والقبلة والنظر بشهوة نظر من(١) قيامها مقام الوطء كما سلف، وعدم(٢) صدق الوطء بها (فلو وطء الثانية فعل حراما) مع علمه بالتحريم، (ولم تحرم الاولى)، لان الحرام لا يحرم الحلال، والتحريم إنما تعلق بوطء الثانية فيستصحب(٣) ، ولاصالة(٤) الاباحة. وعلى هذا فمتى اخرج احديهما عن ملكه حلت الاخرى، سواء اخرجها للعود اليها ام لا، وان لم يخرج احديهما فالثانية محرمة دون الاولى وقيل: متى وطء الثانية عالما بالتحريم حرمت عليه الاولى ايضا إلى أن تموت الثانية، او يخرجها عن ملكه، لا لغرض العود إلى الاولى فان اتفق اخراجها لا لذلك(٥) حلت له الاولى، وان اخرجها ليرجع إلى الاولى فالتحريم باق، وان وطء الثانية جاهلا بالتحريم لم تحرم عليه الاولى. ومستند هذا التفصيل روايات(٦) بعضها صريح فيه(٧) وخاليه

___________________________________

(١) دليل لكون هذه الامور مثل الوطي في كونها توجب حرمة الاخرى.

(٢) دليل لعدم كون هذه الامور مثل الوطي فلا توجب حرمة الاخرى لان مورد النص الوطئ وأما اللمس والقبلة والنظر فخارجة عنه.

(٣) اي تحريم وطي الثانية.

(٤) اي أصالة الاباحة بالنسبة إلى وطي الاولى حيث يشك في حليته وحرمته فمقتضى قولهعليه‌السلام : " كل شي لك حلال حتى تعرف أنه حرام " حلية الوطي.

(٥) اي لا لغرض العود إلى الاولى. ومرجع الضمير في إخراجها (الثانية).

(٦) الوسائل كتاب النكاح ابواب ما يحرم بالمصاهرة باب ٢٩ الحديث ٧ - ٩ - ١٠.

(٧) اي في هذا التفصيل.

١٩٠

عن المعارض، فالقول به متعين، وبه(١) ينتفي ما عللوه في الاول(٢) ولو ملك أما وبنتها ووطء احديهما حرمت الاخرى مؤبدا، فان وطء المحرمة عالما حد ولم تحرم الاولى وان كان جاهلا، قيل: حرمت الاولى ايضا مؤبدا. ويشكل بانه حينئذ لا يخرج عن وطء الشبهة، أو الزنا وكلاهما لا يحرم لاحقا كما مر(٣) ، وخروج الاخت عن الحكم(٤) للنص،

___________________________________

(١) اي بما ذكر من الروايات.

(٢) اي القول الاول: وهو (عدم تحريم الاولى بوطي الثانية). والمراد من ما عللوه هي (الامور الثلاثة) المتقدمة في قول الشارحرحمه‌الله .

(الاول) أن الحرام لا يحرم الحلال.

(الثاني) الاستصحاب اي استصحاب حرمة وطي الثانية.

(الثالث) أصالة اباحة وطي الاولى. فالحاصل أن التعليلات المذكورة لا وقع لها تجاه الروايات القائمة على خلافها أما التعليل الاول فلانه ليس في نص وارد عن اهل البيت عليهم الصلاة والسلام بل هو وارد في كلمات الفقهاء فلا تقاوم الروايات. وأما التعليل الثاني والثالث فهما أصلان عمليان يسقطان عند وجود الادلة الاجتهادية وهي الروايات على خلافها.

(٣) في قول الشارح (الحرام لا يحرم الحلال) ص ١٩٠.

(٤) دفع وهم. حاصل الوهم: أن وطي الاخت الثانية حال كون الواطي عالما بالتحريم موجب لتحريم وطي الاولى. كذلك فيما نحن فيه وهو (كون وطي الثانية موجبا لتحريم وطي الاولى). فاجاب الشارحرحمه‌الله : أن خروج مسألة الاخت إنما هو بالنص. وقد تقدمت الاشارة اليه راجع الوسائل كتاب النكاح ابواب المصاهرة باب ٢٩ الحديث ٧ - ٩ - ١٠.

١٩١

وإلا كان اللازم منه عدم تحريم الاولى مطلقا(١) كما اختاره هنا.

(الثانية: لا يجوز أن يتزوج امة على حرة إلا باذنها) وهو موضع وفاق، (فلو فعل) بدون اذنها (وقف العقد على اجازتها (ولا يقع باطلا، لعموم الامر بالوفاء بالعقد، وليس المانع هنا إلا عدم رضاها. وهو مجبور(٢) بايقافه على اجازتها، كعقد الفضولي، ولرواية(٣) سماعة عن الصادق (ع). وقيل: يبطل لحسنة(٤) الحلبي: من تزوج امة على حرة فنكاحه باطل. ونحوه روى حذيفة بن منصور عنه (ع) وزاد فيها " أنه يعزر اثني عشر سوطا ونصفا ثمن حد الزاني وهو صاغر(٥) ". وتأويل البطلان(٦) بأنه آيل اليه على تقدير اعتراض الحرة خلاف ظاهره

___________________________________

(١) سواء كان الواطي عالما ام جاهلا. ومرجع الضمير في منه (ما ذكر). اي وكان اللازم من ماذكر وهو (أن الحرام لا يحرم الحلال) وامثاله: عدم تحريم الاولى مطلقا، سواء كان الواطي عالما بالتحريم ام لا.

(٢) الجبر هنا بمعنى الجبران والتدارك.

(٣) الوسائل كتاب النكاح ابواب مايحرم بالمصاهرة باب ٤٧ - الحديث ٣.

(٤) الوسائل كتاب النكاح ابواب ما يحرم بالمصاهرة باب ٤٦ - الحديث ١.

(٥) الوسائل كتاب النكاح ابواب ما يحرم بالمصاهرة باب ٤٧ الحديث ٢.

(٦) دفع وهم حاصل الوهم: أن المراد من البطلان في الرواية مايؤل ويرجع اليه على فرض اعتراض الحرة وعدم قبولها العقد، لا البطلان الفعلي حتى يرد ماذكر. فاجاب الشارحرحمه‌الله أن هذا التوهم باطل، لان الظاهر من لفظ البطلان هو البطلان الفعلي، وتأويله يحتاج إلى دليل ولا دليل في المقام. و (خلاف) بالرفع خبر للمبتدأ وهو قوله: (وتأويل).

١٩٢

ورواية سماعة(١) قاصرة عن معارضته. وعلى البطلان(٢) ينزل عقد الامة منزلة المعدوم. وعلى ايقافه(٣) قيل: للحرة فسخ عقدها(٤) ايضا كالعمة والخالة وهو ضعف في ضعف(٥) . وجواز تزويج الامة باذن الحرة المستفاد من الاستثناء(٦) مختص بالعبد، أو بمن يعجز عن وطء الحرة دون الامة ويخشى العنت، أو مبني على القول بجواز تزويج الامة بدون الشرطين(٧) وان كان الاقوى خلافه(٨) كما نبه عليه بقوله: (و) كذا (لا يجوز للحر أن يتزوج الامة مع قدرته على تزويج

___________________________________

(١) المشار اليها في الهامش رقم ٥ ص ١٩٢ قاصرة عن معارضة حسنة الحلبي المشار اليها في الهامش رقم ٤ ص ١٩٢. وعن معارضة خبر حذيفة بن منصور المشار اليه في الهامش رقم ٥ ص ١٩٢.

(٢) اي وعلى القول بالبطلان.

(٣) اي وعلى القول بايقاف العقد على الاجازة.

(٤) اي فسخ الحرة عقد نفسها.

(٥) اي القول بفسخ الحرة عقد نفسها ضعيف. والقول بتوقف عقد الامة على اجازة الحرة ضعيف ايضا فهذا القول وهو (للحرة فسخ عقدها) ضعف في ضعف.

(٦) في قول المصنفرحمه‌الله : " لا يجوز أن يتزوج امة على حرة إلا باذنها ".

(٧) وهما: العجز عن وطئ الحرة. والخوف من العنت.

(٨) اي وخلاف هذا القول أي (عدم جواز تزويج الامة بدون الشرطين) فلابد من وجودهما حتى يجوز.

١٩٣

الحرة) بأن يجد الحرة ويقدر على مهرها، ونفقتها ويمكنه وطؤها، وهو المعبر عنه بالطول(١) ، (أو مع عجزه اذا لم يخش العنت) وهو(٢) لغة: المشقة الشديدة، وشرعا: الضرر الشديد بتركه بحيث يخاف الوقوع في الزنا، لغلبة الشهوة، وضعف التقوى. وينبغي أن يكون الضرر الشديد وحده كافيا وان قويت التقوى، للحرج، أو الضرر المنفيين(٣) ، واصالة عدم النقل(٤) . وعلى اعتبار الشرطين(٥) ظاهر الآية(٦) .

___________________________________

(١) اي القدرة والغنى.

(٢) اي العنت.

(٣) أما الحرج ففي قوله تعالى: (وماجعل عليكم في الدين من حرج) الحج: ٨٧. وأما الضرر ففي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا ضرر ولا ضرار) الوسائل كتاب التجارة باب ١٧ - الحديث ١ - ٢ - ٣.

(٤) من المعنى اللغوي وهي " المشقة الشديدة " إلى معنى آخر.

(٥) وهما: الطول المراد منه القدرة على مهر الحرة ونفقتها ووطيها. والخوف من العنت.

(٦) وهو قوله تعالى:( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ماملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بايمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولامتخذات أخذان فإذا أحصن فإن اتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصير واخير لكم والله غفور رحيم .) النساء: الآية ٢٤.

حيث إن الآية الشريفة دلت بظاهرها على الشرطين المذكورين في قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا، وقوله: ذلك لمن خشي العنت.

١٩٤

وبمعناها رواية(١) محمد بن مسلم عن الباقر (ع). ودلالتهما(٢) بمفهوم الشرط. وهو(٣) حجة عند المحققين.

(وقيل يجوز) العقد على الامة مع القدرة على الحرة (على كراهة) للاصل(٤) ، وعمومات الكتاب مثل( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) (٥) .( ولامة مؤمنة خير من مشركة ) (٦) .( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) (٧) ( وانكحوا الايامي منكم والصالحين

___________________________________

(١) الوسائل كتاب النكاح ابواب ما يحرم بالمصاهرة باب ٤٥ الحديث ٦.

(٢) الآية الشريفة، والرواية المشار اليها في الهامش رقم ١ بمفهوم الشرط حيث قال تعالى:( ومن لم يستطع منكم طولا ) فمفهومها: من استطاع منكم طولا فلا يجوز له نكاح الاماء، وكذا قوله تعالى: لمن خشي العنت فإن مفهومها: من لم يخش العنت لايجوز له نكاح الاماء. وكذا الرواية المشار اليها في الهامش رقم ١. حيث قالعليه‌السلام بعد سؤال الراوي: الرجل يتزوج المملوكة قال: (اذا اضطر اليها لابأس). فمفهومها عدم الجواز في صورة عدم الاضطرار.

(٣) اي مفهوم الشرط حجة عند المحققين من العلماء.

(٤) اي أصالة الاباحة: (كل شئ لك حلال حتى تعرف أنه حرام).

(٥) المؤمنون: الآية ٧.

(٦) البقرة: الآية ٢٢١.

(٧) النساء: الآية ٢٣.

١٩٥

من عبادكم وامائكم (١) ) ولرواية(٢) ابن بكير المرسلة عن الصادق (ع) " لا ينبغي " وهو ظاهر في الكراهة. ويضعف بأن الاشتراط المذكور(٣) مخصص لما ذكر من العمومات(٤) والرواية(٥) مع ارسالها ضعيفة، وضعف مطلق المفهوم ممنوع(٦) . وتنزيل(٧) الشرط على الاغلب خلاف الظاهر.

(وهو) أي القول بالجواز (مشهور) بين الاصحاب، إلا أن دليله غير ناهض عليه فلذا نسبه إلى الشهرة (فعلى) القول (الاول(٨) لا يباح)

___________________________________

(١) النور: الآية ٣٢.

(٢) الوسائل كتاب النكاح ابواب مايحرم بالمصاهرة باب ٤٥ الحديث ٥.

(٣) وهو اشتراط جواز نكاح الامة بعدم القدرة. وبالخشية عن الوقوع في العنت.

(٤) وهي الآيات الكريمة المذكورة في الهامش رقم ٥ و ٦ و ٧ ص ١٩٥ و ١ ص ١٩٦.

(٥) وهي المشار اليها في الهامش رقم ٢.

(٦) وهو مفهوم الوصف واللقب، دون مفهوم الشرط.

(٧) دفع وهم حاصل الوهم: أن الشرط المذكور في الآية المتقدمة منزل على الغالب اي أن المستطيع غالبا لاينكح الامة، لا أنه لايجوز له تزوج الامة. وكذا من لم يخش العنت منزل على الغالب اي أن الغالب لمن لم يخش العنت عدم اقدامه على زواج الامة، لا أنه لايجوز له نكاح الامة. فاجاب الشارحرحمه‌الله بأن هذاالتوهم باطل لانه خلاف ظاهر الشرط المذكورة في الآية المباركة، ولايصار إلى خلاف هذا الشرط الا بدليل، ولا يوجد دليل في المقام.

(٨) وهو عدم جواز نكاح الامة مع القدرة على التزويج من حرة ومع عدم خوف العنت.

١٩٦

نكاح الامة (إلا بعدم الطول). وهو لغة الزيادة والفضل. والمراد به هنا الزيادة في المال وسعته بحيث يتمكن معها من نكاح الحرة فيقوم بما لا بد منه من مهرها، ونفقتها. ويكفي للنفقة وجوده(١) بالقوة كغلة الملك، وكسب ذي الحرفة( وخوف العنت) بالفتح. واصله انكسار العظم بعد الجبر، فاستعير لكل مشقة وضرر، ولا ضرر اعظم من مواقعة المأثم. والصبر عنها (٢) مع الشرطين افضل، لقوله تعالى:( وأن تصبروا خير لكم (٣) ) (وتكفي الامة الواحدة) لاندفاع العنت بها. وهو(٤) احد الشرطين في الجواز.

(وعلى الثانى) وهو الجواز مطلقا(٥) (يباح اثنتان) لا ازيد كما سيأتي.

(الثالثة: من تزوج امرأة في عدتها بائنة كانت، او رجعية)، أو عدة وفاة، او عدة شبهة، ولعله غلب عليهما(٦) اسم البائنة (عالما بالعدة والتحريم بطل العقد وحرمت) عليه (ابدا)، ولا فرق بين العقد

___________________________________

(١) عدم وجود المال.

(٢) اي عن مواقعة المأثم.

(٣) النور: الآية ٢٤.

(٤) اي العنت.

(٥) مع الخوف وعدمه، ومع القدرة وعدمها.

(٦) اي على عدة الوفاة وعدة الشبهة.

١٩٧

الدائم والمنقطع فيهما(١) لاطلاق النصوص(٢) الشامل لجميع ما ذكر(٣) (وان جهل احدهما): العدة، أو التحريم (أو جهلهما حرمت ان دخل) بها قبلا، او دبرا، (وإلا فلا) ولو اختص العلم باحدهما، د ون الآخر اختص به حكمه(٤) ، وان حرم على الآخر التزويج به من حيث المساعدة على الاثم، والعدوان(٥) . ويمكن سلامته(٦) من ذلك بجهله التحريم، وبأن يخفى عليه عين الشخص المحرم مع علم الآخر، ونحو ذلك. وفي الحكم بصحة العقد على هذا التقدير(٧) نظر(٨) ، ويتعدى التحريم على تقدير الدخول إلى ابيه وابنه كالموطوء‌ة بشبهة مع الجهل والمزني بها مع العلم. وفي الحاق مدة الاستبراء بالعدة فتحرم بوطئها فيها وجهان، اجودهما العدم، للاصل، وكذا الوجهان في العقد عليها مع الوفاة المجهولة ظاهرا

___________________________________

(١) اي في البطلان والتحريم.

(٢) الوسائل كتاب النكاح ابواب مايحرم بالمصاهرة باب ١٧ - الاحاديث.

(٣) وهو العقد الدائم والمنقطع، وعدة الوفاة، والعدة الرجعية، وعدة الشبهة.

(٤) من التحريم المؤبد، وبطلان العقد.

(٥) اشارة إلى قوله تعالى: ولا تعاونوا على الاثم والعدوان.

(٦) اي سلامة الجاهل من تحريم التزويج.

(٧) اي على تقدير خفاء الشخص المحرم بعينه.

(٨) وجه النظر: أن قصده التزويج بغير الشخص المحرم لم يقع، وما وقع وهو التزويج بهذا الشخص المحرم لم يقصد فيلزم (ماقصد لم يقع وماوقع لم يقصد) والعقود تابعة للقصود.

١٩٨

قبل العدة مع وقوعة(١) بعد الوفاة في نفس الامر، أو الدخول مع الجهل والاقوى عدم التحريم، لانتفاء المقتضي له، وهو كونها معتدة او مزوجة(٢) سواء كانت المدة المتخللة بين الوفاة والعدة بقدرها(٣) ، ام ازيد ام انقص، وسواء وقع العقد او الدخول في المدة الزائدة عنها ام لا، لان العدة إنما تكون بعد العلم بالوفاة، أو ما في معناه وان طال الزمان. وفي الحاق ذات البعل بالمعتدة وجهان: من(٤) أن علاقة الزوجية فيها اقوى، وانتفاء(٥) النص. والاقوى أنه مع الجهل، وعدم الدخول لا تحرم، كما أنه لو دخل بها(٦) عالما حرمت، لانه زان بذات البعل، والاشكال فيهما(٧) واه، وانما يقع الاشتباه مع الجهل والدخول، أو العلم مع عدمه(٨) ووجه

___________________________________

(١) اي العقد وقع بعد الوفاة.

(٢) هذا هو المقتضي للتحريم وهو هنا منفي.

(٣) اي يقدر العدة.

(٤) دليل لالحاق ذات البعل بالمعتدة.

(٥) بالجر عطفا على مدخول (من الجارة) اي ومن انتفاء النص في ذات البعل فهو دليل لعدم الالحاق، لان النص مختص بذات العدة.

(٦) اي بذات البعل.

(٧) وهما: أنه مع الجهل بأنها ذات بعل ولم يدخل بها فلم تحرم، والدخول بها عالما بانها ذات بعل فتحرم.

(٨) اي مع عدم الدخول.

١٩٩

الاشكال مع عدم النص عليه(١) بخصوصه، وكون(٢) الحكم بالتحريم هنا اولى للعلاقة(٣) . ولعله اقوى. وحيث لا يحكم بالتحريم(٤) يجدد العقد بعد العدة إن شاء " ويلحق الولد مع الدخول والجهل بالجاهل منهما ان ولد في وقت امكانه منه(٥) ولها مهر المثل مع جهلها بالتحريم، وتعتد منه بعد اكمال الاولى.

(الرابعة: لا تحرم المزني بها على الزاني إلا أن تكون ذات بعل) دواما ومتعة، والمعتدة رجعية بحكمها(٦) ، دون البائن. والحكم فيه(٧) موضع وفاق. وفي الحاق الموطوء‌ة بالملك بذات البعل وجهان مأخذهما: مساواتها(٨)

___________________________________

(١) اي على الحاق ذات البعل، فهو دليل لعدم الحرمة في صورة الجهل مع الدخول. وفي صورة العلم مع عدم الدخول.

(٢) بالجر عطفا على مدخول (من الجارة) فهو دليل للتحريم في الصورتين المذكورتين.

(٣) اي لعلاقة الزوجية في ذات البعل.

(٤) اي بتحريم ذات البعل بدون الدخول.

(٥) مرجع الضمير (الجاهل). كما وأن المرجع في امكانه (الولد) اي مع امكان وضع الولد في ستة اشهر بعد الدخول.

(٦) اي بحكم ذات البعل في أنها زوجة للرجل، دون البائن لقطع علاقة. الزوجية بينهما.

(٧) اي في تحريم ذات البعل على الزاني مؤبدا.

(٨) دليل لالحاق الموطوئة ملكا بذات البعل.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

اشتمال مراتب القرآن على المقدّرات الحادثة في كلّ عام:

وقال: (المسألة الثامنة) في تفسير مفردات هذه الألفاظ، أمّا قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (1) فقد قيل فيه: إنّه تعالى أنزل كلّية القرآن، يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتُدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ونسخة الحروب إلى جبرائيل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، انتهى كلامه.

وقال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: (في تفسير قوله تعالى: ( إنّا أَنْزَلْناهُ ) يعني القرآن، وإن لم يجرِ له ذكر في هذه السورة؛ لأنّ المعنى معلوم، والقرآن كلّه كالسورة الواحدة، وقد قال: ( شَهْرُ رَمَضانُ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ ) ، وقال: ( حم وَالْكِتابِ الْمُبينِ إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (2) يريد: في ليلة القدر.

وقال الشعبي: المعنى إنّا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل: بل نزل به جبريل عليه‌السلام جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى بيت العزّة، وأملاه جبريل على السَفَرة، ثمّ كان جبريل ينزّله على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نُجوماً نُجوماً، وكان بين أوّله وآخره ثلاث وعشرون سنة. قاله ابن عبّاس، وقد تقدّم في سورة البقرة.

وحكى الماوردي عن ابن عبّاس، قال: نزل القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر، في ليلة مباركة جملة واحدة من عند اللَّه، من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجّمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجّمه جبريل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين سنة.

قال ابن العربي: وهذا باطل؛ ليس بين جبريل وبين اللَّه واسطة، ولا بين جبريل

____________________

1) سورة الدخان: 3.

2) سورة الدخان: 1 - 3.

٢٨١

ومحمّد عليهما‌السلام واسطة.

قوله تعالى: ( في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، قال مجاهد: في ليلة الحكم، ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) ، قال ليلة الحكم. والمعنى ليلة التقدير، سمّيت بذلك لأنّ اللَّه تعالى يقدّر فيها ما يشاء من أمره، إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، ويسلّمه إلى مدبّرات الأُمور، وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبريل عليهم‌السلام .

أُمّ الكتاب في القرآن متضمّنة لتقدير كلّ شي‏ء:

وقال: وعن ابن عبّاس، قال: يكتب من أمّ الكتاب ما يكون في السنة من رزق ومطر، وحياة وموت، حتّى الحاجّ. قال عكرمة: يكتب حجّاج بيت اللَّه تعالى في ليلة القدر بأسمائهم وأسماء آبائهم، ما يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم.

وقاله سعيد بن جُبير، وقد مضى في أوّل سورة الدخان هذا المعنى. وعن ابن عبّاس أيضاً: إنّ اللَّه تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان، ويسلّمها إلى أربابها في ليلة القدر. وقيل: إنّما سمّيت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها، من قولهم: لفلان قدر، أي شرف ومنزلة) (1) .

ليلة القدر عوض للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وآلهعليهم‌السلام عن غصب الخلافة:

وقال: (وفي الترمذي عن الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) ، يعني نهراً في الجنّة، ونزلت ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ

____________________

1) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، ج20، ص129 - 130، طبعة القاهرة.

٢٨٢

أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يملكها بعدك بنو أُمية. قال القاسم بن الفضل الحدّاني: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً. قال: حديث غريب.

قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) أي تهبط من كلّ سماء، ومن سدرة المنتهى، ومسكن جبريل على وسطها، فينزلون إلى الأرض ويؤمّنون على دعاء الناس إلى وقت طلوع الفجر، فذاك قوله تعالى ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) .

حقيقة الروح النازل ليلة القدر:

وقال: ( وَالرُّوحُ فِيها بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) (1) ، أي جبرئيل عليه‌السلام ، وحكى القُشيري: أنّ الروح صنف من الملائكة جُعلوا حفظة على سائرهم، وأنّ الملائكة لا يرونهم كما لا نرى نحن الملائكة. وقال مقاتل: هم أشرف الملائكة وأقربهم من اللَّه تعالى.

وقيل: إنّهم جند من جند اللَّه عزّ وجلّ من غير الملائكة، رواه مجاهد عن ابن عبّاس مرفوعاً، ذكره الماوردي، وحكى القُشيري: قيل هم صنف من خلق اللَّه، يأكلون الطعام، ولهم أيدٍ وأرجل وليسوا ملائكة.

وقيل: (الروح) خلق عظيم يقوم صفّاً، والملائكة كلّهم صفّاً. وقيل: (الروح) الرحمة ينزل بها جبريل عليه‌السلام مع الملائكة في هذه الليلة على أهلها، دليله: ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (2) ، أي بالرحمة، (فِيها) أي في ليلة القدر، ( بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) أي بأمره، ( مِن كُلِّ أَمْرٍ ) (3) أمر بكلّ أمر قدّره اللَّه وقضاه في تلك السنة إلى قابل.

وقيل عنه: إنّها رُفعت - يعني ليلة القدر - وإنّها إنّما كانت مرّة واحدة.

____________________

1) سورة القدر: 4.

2) سورة النحل: 2.

3) سورة القدر: 5.

٢٨٣

بقاء ليلة القدر في كلّ عام:

وقال: (والصحيح أنّها باقية... والجمهور على أنّها من كلّ عام من رمضان... وقال الفرّاء: لا يقدّر اللَّه في ليلة القدر إلاّ السعادة والنعم، ويقدّر في غيرها البلايا والنقم) (1) .

وقال الطبري في تفسيره، في ذيل سورة البروج: ( فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) ، بسنده إلى مجاهد: في لوح، قال: ( فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) (2) .

وقال ابن كثير في تفسيره، بعد ما نقل جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، والذي مرّ نقله، قال: (اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأُمم السالفة، أم هي من خصائص هذه الأُمّة؟

فقال الزهري:... وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأُمّة بليلة القدر. وقيل: إنّها كانت في الأُمم الماضين كما هي في أُمّتنا، ثمّ هي باقية إلى يوم القيامة وفي رمضان خاصّة) (3) .

وقال الزمخشري في الكشّاف، بعد ما ذكره جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، في ذيل قوله تعالى: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (4) قال: (وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من المصالح الدينية التي ذكرها، من تنزّل الملائكة والروح، وفصل كلّ أمر حكيم).

وقال في ذيل قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (5) : أي تتنزّل من أجل كلّ أمر قضاه اللَّه لتلك السنة إلى قابل... وروي عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من قرأ سورة القدر أُعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيى ليلة القدر)، وذكر في هامش المطبوع: أنّ الحديث أخرجه الثعلبي، والواحدي، وابن مردويه، بسندهم إلى أُبَيّ ابن كعب.

____________________

1) تفسير القرطبي، ج20، ص133 - 137، في تفسير الجامع لأحكام القرآن طبعة القاهرة.

2) جامع البيان، ج30، ص176.

3) تفسير ابن كثير، ج4، ص 568.

4) سورة القدر: 2.

5) سورة القدر: 5.

٢٨٤

ليلة القدر عوض له صلى‌الله‌عليه‌وآله عن غصب بني أُمية خلافته، وتعدد مصادر الحديث لديهم:

وقال الآلوسي في روح المعاني: (ويستدلّ لكونها مدنية بما أخرجه الترمذي، والحاكم، عن الحسن ابن عليّ (رضي اللَّه تعالى عنهما): (أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (1) ، ونزلت: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (2) .. الحديث). وهو كما قال المزني: حديث منكر، انتهى.

وقد أخرج الجلال هذا الحديث في الدرّ المنثور عن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل أيضاً، من رواية يوسف ابن سعد، وذكر فيه: أنّ الترمذي (3) أخرجه وضعّفه، وأنّ الخطيب أخرج عن ابن عبّاس نحوه، وكذا عن ابن نسيب، بلفظٍ: قال نبي اللَّه: (أُريتُ بني أُمية يصعدون منبري، فشقّ ذلك عليّ فأُنزِلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، ففي قول المزني هو منكر تردّد عندي.

وقد ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ما رواه الكافي بسنده إلى أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (أُري رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه بني أُمية يصعدون على منبره من بعده ويضلّون الناس عن الصراط القهقري، فأصبح كئيباً حزيناً، قال: فهبط عليه جبرئيل فقال: يا رسول اللَّه مالي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: يا جبرئيل إنّي رأيت بني أُمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي، يضلّون الناس عن الصراط القهقري. فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً إنّي ما اطّلعت عليه. فعرّج إلى السماء فلم يلبث أن نزل بآي من القرآن يُؤنسه بها، قال: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (4) ، وأُنزل عليه: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، جعل اللَّه ليلة القدر لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

1) سورة الكوثر: 1.

2) سورة القدر: 1.

3) سنن الترمذي، ج5، ص444، ح 3350.

4) سورة الشعراء: 205 - 207.

٢٨٥

خيراً من ألف شهر ملك بني أُمية) (1) .

وروى الكُليني، عن علي بن عيسى القمّاط عن عمّه، قال: (سمعت أبا عبد اللَّه يقول: هبط جبرئيل عليه‌السلام على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول اللَّه كئيب حزين، فقال: رأيت بني أُمية يصعدون المنابر وينزلون منها. قال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، ما علمت بشي‏ء من هذا. وصعد جبرئيل إلى السماء، ثمّ أهبطه اللَّه جلّ ذكره بآي من القرآن يعزّيه بها قوله: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (2) .

وأنزل اللَّه جلّ ذكره: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) للقوم، فجعل اللَّه ليلة القدر (لرسوله) خير، من ألف شهر) (3) .

وفي سند الصحيفة السجّادية، عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه‌السلام : إنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذته نَعسةٌ وهو على منبره، فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نزو القردة، يردّون الناس على أعقابهم القهقري، فاستوى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً والحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) ، يعني بني أُمية. قال: يا جبرئيل على عهدي يكونون وفي زمني؟

قال: لا، ولكن تدور رحى الإسلام من مُهاجرك فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجِرَك فتلبث بذلك خمساً، ثمّ لابدّ من رحى

____________________

1) الكافي، ج4، ص159.

2) سورة الشعراء:205 - 206.

3) الكافي، ج8، ص223.

٢٨٦

ضلاله هي قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة. قال: وأنزل اللَّه تعالى في ذلك: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يملكها بنو أُمية. فيها ليلة القدر.

قال: فأَطلع اللَّه عزّ وجلّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بني أُمية تملك سلطان هذه الأُمّة وملكها طول هذه المدّة، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها، حتّى يأذن اللَّه تعالى بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا. أخبر اللَّه نبيّه بما يلقي أهل بيت محمّد وأهل مودّتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم) (1) .

وفي تأويل الآيات: (روي عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: قوله عزّ وجلّ: ( خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ) هو سلطان بني أُمية.

وقال: ليلة من إمام عادل خير من ألف شهر ملك بني أُمية.

وقال: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) أيّ من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد، بكلّ أمر سلام) (2) .

وفي تفسير القمّي: بسنده، في معنى سورة: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) فهو القرآن... قوله: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) .

أقول: تكثر الروايات في غصب الخلافة من بني أُمية، وتأذّي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعويضه بليلة القدر، وسيأتي معنى تعويضه بليلة القدر، وتسالم كثير من علماء الجمهور بهذه الروايات، هذا الأمر أحد الأدلّة على أنّ الخلافة في الشريعة الإلهية هي منصب أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فتدبّر تبصُر.

____________________

1) الصحيفة السجّادية الكاملة: 15 - 16.

2) تأويل الآيات، ج2، ص817، ح2.

٢٨٧

حقيقة النازل الذي نزل في ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) : الضمير عند الجمهور للقرآن، وادّعى الإمام فيه إجماع المفسّرين، وكأنّه لم يعتقد بقول من قال منهم برجوعه لجبرئيل عليه‌السلام أو غيره؛ لضعفه. قالوا: وفي التعبير عنه بضمير الغائب مع عدم تقدّم ذكره تعظيم له، أي تعظيم لِما أنّه يشعر بأنّه لعلوّ شأنه كأنّه حاضر عند كلّ أحد.

جهل الخلق بحقيقة ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (1) : لِما فيه من الدلالة على أنّ علوّها خارج عن دائرة دراية الخلق، لا يُعلم ذلك، ولا يَعلم به إلاّ علاّم الغيوب.

حقيقة نزول القرآن جملة واحدة:

ثمّ ذكر جملة في تعدّد نزول القرآن جملةً واحدةً ونجوماً، وذكر في ضمنها هذه الرواية، عن ابن عبّاس: (أُنزل القرآن جملةً واحدة حتّى وضع في بيت العزّة في السماء الدنيا، ونزل به جبريل عليه‌السلام على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بجواب كلام العباد وأعمالهم)... ثمّ نقل الاختلاف بين المفسّرين عندهم في قوله تعالى: ( أَنْزَلْنَاهُ ) من جهة نزول القرآن جملةً واحدة، فهل تضمّن القرآن النازل جملةً واحدة هذه العبارة أم لا؟ فلابدّ من ارتكاب المجاز في الإسناد؛ لأنّه إخبار عمّا وقع فيما مضى، فكيف يكون هذا اللفظ في ضمنه؟

____________________

1) سورة القدر: 2.

٢٨٨

فذكر قولاً للرازي في حلّ الإشكال، وللقرطبي، وابن كثير، وضعّف قولهم. ونقل عن ابن حجر في شرح البخاري أنّه أُنزل جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، بل حكى بعضهم الإجماع عليه، ثمّ نقل جواباً لحلّ الإشكال عن السيد عيسى الصفوي، ثمّ الاختلاف بين الدَّواني وغيره، وأنّه ألّف رسالة في ذلك، في الجواب عن مسألة الحذر الأصمّ.

ثمّ نقل عن الإتقان قول أبي شامة: فإن قلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) إن لم يكن من جملة القرآن الذي نزل جملة، فما نزل جملة؟ وإن كان من الجملة فما وجه هذه العبارة؟

قلت: لها وجهان:

أحدهما: أن يكون المعنى إنّا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به وقدّرناه في الأزل.

والثاني: أنّ لفظ ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) ماضٍ ومعناه على الاستقبال، أي تنزّله جملة في ليلة القدر. ثمّ ذكر عدم ارتضائه لهذا القول وعدم حسنه.

ثمّ نقل أقوالاً أُخر، ثمّ قال: والمراد بالإنزال إظهار القرآن من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، أو إثباته لدى السَفَرة هناك، أو نحو ذلك ممّا لا يشكل نسبته إلى القرآن.

تقدير الأُمور في ليلة القدر على من تُنزّل؟

وقال في معنى ليلة القدر: إنّها ليلة التقدير، وسبب تسميتها بذلك لتقدير ما يكون في تلك السنة من أُمور. قال: المراد إظهار تقديره ذلك للملائكة عليهم‌السلام المأمورين بالحوادث الكونية. ثمّ نقل عن بعض تفسير ذلك: هاهنا ثلاثة أشياء:

الأوّل: نفس تقدير الأُمور، أي تعيين مقاديرها وأوقاتها، وذلك في الأزل.

٢٨٩

الثاني: إظهار تلك المقادير للملائكة عليهم‌السلام بأن تكتب في اللوح المحفوظ، وذاك في ليلة النصف من شعبان.

الثالث: إثبات تلك المقادير في نسخ وتسليمها إلى أربابها من المدبّرات، فتدفع نسخة الأرزاق، والنباتات، والأمطار، إلى ميكائيل عليه‌السلام ، ونسخة الحروب والرياح والجنود والزلازل والصواعق والخسف إلى جبرئيل عليه‌السلام ، ونسخة الأعمال إلى إسرافيل عليه‌السلام ، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، وذلك في ليلة القدر.

وقيل: يقدّر في ليلة النصف الآجال والأرزاق، وفي ليلة القدر الأُمور التي فيها الخير والبركة والسلامة. وقيل: يقدّر في هذه ما يتعلّق به إعزاز الدين وما فيه النفع العظيم للمسلمين، وفي ليلة النصف يكتب أسماء من يموت ويسلّم إلى ملك الموت، واللَّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.

أقول: إنّ المكتوب في ليلة القدر ويقدّر يُفترض أنّ كتابته وتقديره إنّما يُكتب ويقدّر لتسليمه إلى من يوكّل إليه تدبير الأُمور بإذن اللَّه، كالملائكة الموكّلين، فالتنزّل بكلّ هذه التقديرات والكتابة إلى الأرض إلى من يسلّم؟ ومن هو الذي يطّلع على ذلك من أهل الأرض؟ وما هو التناسب بين نزول ما فيه إعزاز الدين والأُمّة، والحديث النبويّ: (إنّ الإسلام لا يزال عزيزاً إلى اثني عشر خليفة... كلّهم من قريش) (1) ؟

أقوال علماء سنّة الجماعة في عِوَضية الليلة له عن غصب الخلافة:

قال في تفسير ( أَلْفِ شَهْرٍ ) : وقد سمعت إلى ما يدلّ أنّ الألف إشارة إلى مُلك بني أُميّة، وكان على ما قال القاسم بن الفضل: ألف شهر، لا يزيد يوماً ولا ينقص

____________________

1) المعجم الكبير للطبراني، ج2، ص232. ولاحظ: إحقاق الحق، ج13، 1 - 49.

٢٩٠

يوماً، على ما قيل: ثمانين سنة، وهي ألف شهر تقريباً؛ لأنّها ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر، ولا يعكّر على ذلك ملكُهم في جزيرة الأندلس بعد؛ لأنّه ملك يسير في بعض أطراف الأرض وآخر عمارة العرب، ولذا لا يعدّ من مَلَكَ منهم هناك من خلفائهم، وقالوا بانقراضهم بهلاك مروان الحمار.

وطعن القاضي عبد الجبّار في كون الآية إشارة لما ذُكر؛ بأنّ أيام بني أُمية كانت مذمومة أي باعتبار الغالب، فيبعد أن يقال في شأن تلك الليلة إنّها خير من ألف شهر مذمومة:

ألم ترَ أنّ السيف ينقص قدره

إذا قيل إنّ السيف خيرٌ من العصا

وأُجيب: إنّ تلك الأيام كانت عظيمة بحسب السعادات الدنيوية، فلا يبعد أن يقول اللَّه تعالى: أعطيتك ليلة في السعادات الدينية أفضل من تلك في السعادات الدنيوية، فلا تبقى فائدة.

ليلة القدر مع الأنبياء في ما مضى فهي مع من في ما بقي:

الروح النازل في ليلة القدر قناة غيبية كانت مع الأنبياء، فهي مع من بعد النبيّ الخاتم؟ قال: وما أشير إليه من خصائص هذه الأُمّة هو الذي يقتضيه أكثر الأخبار الواردة في سبب النزول، وصرّح به الهيثمي وغيره.

وقال القسطَلاني: إنّه معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: (يا رسول اللَّه، أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت. قال: بل هي باقية). ثمّ ذكر أنّ عمدة القائلين بذلك الخبر الذي قدّمناه في سبب النزول من رؤيته صلى‌الله‌عليه‌وآله تقاصر أعمار أُمّته عن أعمار الأُمم، وتعقّبه بقوله هذا محتمل للتأويل، فلا يدفع الصريح في حديث أبي ذر كما قاله الحافظان: ابن كثير في تفسيره، وابن حجر في فتح الباري.

٢٩١

وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافاً كثيراً، وتحصّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولاً، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركتا في إخفاء كلّ منهما ليقع الجدّ في طلبهما:

القول الأوّل: إنّها رُفعت أصلاً ورأساً. حكاه المتولّي في التتمّة عن الروافض، والفاكهاني في شرح العمدة عن الحنفية، وكأنّه خطأ منه، والذي حكاه السروجي أنّه قول الشيعة.

أقول: بل الشيعة الإمامية هم المذهب الوحيد على وجه الأرض القائلون ببقاء الاتّصال بين الأرض والسماء، وأنّ هناك سبب متّصل هو الإمام من عِترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن لم يكن هذا الاتّصال وحياً نبويّاً، وهو الذي يتنزّل عليه الروح الأعظم والملائكة كلّ عام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما المذاهب الإسلامية كلّها حتّى الزيدية، وإن قالوا باستمرار الإمامة السياسية وعدم حصرها بالأئمّة المنصوص عليهم وأنّ الإمامة هي لكلّ من قام بالثورة على الظلم ولا يشترط فيها العصمة، إلاّ أنّهم قائلون بانقطاع الاتّصال أيضاً بين الغيب والشهادة.

وانقطاع الاتّصال ذهبت إليه اليهود بعد النبيّ موسى عليه‌السلام ، كما ذهبت إليه النصارى بعد النبيّ عيسى عليه‌السلام .

وقال: وقد روى عبد الرزّاق من طريق داود بن أبي عاصم، عن عبد اللَّه بن يخنس: قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر رُفعت، قال: كذّب من قال ذلك. ومن طريق عبد اللَّه بن شُريك قال: ذكر الحجاج ليلة القدر فكأنّه أنكرها، فأراد زر بن حُبيش أن يحصبه فمنعه قومه.

الثاني: إنّها خاصّة بسنة واحدة وقعت في زمن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حكاه الفاكهاني أيضاً.

الثالث: إنّها خاصّة بهذه الأُمّة، ولم تكن في الأُمم قبلهم، جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله الجمهور، وحكاه صاحب العدّة من الشافعية ورجّحه،

٢٩٢

وهو معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: قلت: يا رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال: لا، بل هي باقية.

وعمدتهم قول مالك في الموطأ: بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تقاصر أعمار أمّته عن أعمار الأُمم الماضية، فأعطاه اللَّه ليلة القدر، وهذا يحتمل التأويل، فلا يدفع التصريح في حديث أبي ذر (1) .

ليلة القدر يفصل فيها المقدّرات لأحداث كلّ السنة:

وقال الآلوسي في روح المعاني في تفسير قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (2) : أي من أجل كلّ أمر تعلّق به التقدير في تلك السنة إلى قابل وأظهره سبحانه وتعالى لهم، قاله غير واحد. ف)من(بمعنى اللام التعليلية متعلّقة بتنزّل، وقال أبو حاتم: (من) بمعنى الباء، أي تنزّل بكلّ أمر، فقيل: أي من الخير والبركة، وقيل: من الخير والشرّ وجعلت الباء عليه للسببية.

والظاهر على ما قالوا إنّ المراد بالملائكة المدبّرات؛ إذ غيرهم لا تعلّق له بالأُمور التي تعلّق بها التقدير ليتنزّلوا لأجلها على المعنى السابق، وهو خلاف ما تدلّ عليه الآثار من عدم اختصاصهم بالمدبّرات (3) .

ليلة القدر يتحقّقها وتتنزّل على من شاء اللَّه تعالى من عباده:

جاء في شرح صحيح مسلم للنووي قوله: (اعلم أنّ ليلة القدر موجودة... وأنّها تُرى ويتحققّها من شاء اللَّه تعالى من بني آدم كلّ سنة في رمضان، كما تظاهرت عليه الأحاديث... وأخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تُحصر. وأمّا قول القاضي عيّاض عن المهلّب بن أبي صُفرة: لا يمكن رؤيتها حقيقةً. فغلط فاحش

____________________

1) فتح الباري، ص262 - 263، كتاب فضل ليلة القدر.

2) سورة القدر: 6.

3) روح المعاني، ج30، ص196.

٢٩٣

نبهتُ عليه لئلاّ يُغترّ به) (1) .

وقال في ذيل سورة الدخان، في قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) (2) : أي الكتاب المبين الذي هو القرآن على القول المعوّل عليه في ( لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) هي ليلة القدر، على ما روي عن ابن عبّاس وقتادة.

وفي تحفة المحتاج لابن حَجَر الهيتمي: (ليس لرائيها كَتْمها، ولا ينال فضلها - أي كمالها - إلاّ من أطلعه اللَّه عليها)، انتهى.

والظاهر أنّه عَنى برؤيتها: رؤية ما يحصل به العلم له بها، ممّا خُصّت به من الأنوار، وتنزّل الملائكة عليهم‌السلام ، أي: نحوٍ من الكشف ممّا لا يعرف حقيقته إلاّ أهله، وهو كالنصّ في أنّها يراها من شاء اللَّه تعالى من عباده. ثمّ حكى عن ابن شاهين: إنّه لا يراها أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ قال: وفي بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ رؤيتها مناماً وقعت لغيره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي صحيح مسلم وغيره، عن ابن عمر: (إنّ رجالاً من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّياً فليتحرَّها في السبع الأواخر) (3) .

وحُكي نحو قول ابن شاهين عن غيره أيضاً، وغلّط، ففي شرح صحيح مسلم وابن جُبير ومجاهد وابن زيد والحسن، وعليه أكثر المفسّرين والظواهر معهم.. والمراد بإنزاله في تلك الليلة إنزاله فيها جملةً إلى السماء الدنيا من اللوح، فالإنزال المنجّم في ثلاث وعشرين سنة أو أقل كان من السماء الدنيا، وروي هذا عن ابن جرير وغيره، وذكر أنّ المحلّ الذي أُنزل فيه من تلك السماء البيت المعمور، وهو

____________________

1) شرح مسلم، ج8، ص66.

2) سورة الدخان: 3.

3) صحيح مسلم، ج3، ص170.

٢٩٤

مسامِت للكعبة، بحيث لو نزل لنزل عليها.

وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنّه قال: أُنزل القرآن جملةً على جبرئيل عليه‌السلام ، وكان جبرئيل عليه‌السلام يجي‏ء به بعدُ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ليلة القدر في سورة الشورى والنزول الأول للقرآن:

وقال في ذيل قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ... ) (1) : وهو ما أُوحي إليه (عليه الصلاة والسلام)، أو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية. وقيل: أي ومثل الإيحاء المشهود لغيرك، أوحينا أبو القاسم إليك. وقيل: أي مثل ذلك الإيحاء المفصّل، أوحينا إليك، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث، سواء فُسّر الوحي بالإلقاء، أم فُسّر بالكلام الشفاهي.

وقد ذُكر أنّه (عليه الصلاة والسلام) قد أُلقي إليه في المنام كما أُلقي إلى إبراهيم عليه‌السلام ، وأُلقي إليه عليه الصلاة والسلام في اليقظة على نحو إلقاء الزبور إلى داود عليه‌السلام . ففي (الكبريت الأحمر) للشعراني، نقلاً عن الباب الثاني من (الفتوحات المكّية): أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أُعطي القرآن مجملاً قبل جبرئيل عليه‌السلام ، من غير تفصيل الآيات والسور. وعن ابن عبّاس تفسير الروح بالنبوّة. وقال الربيع: هو جبرئيل عليه‌السلام .

وعليه، فأوحينا مضمّن معنى أرسلنا، والمعنى: أرسلناه بالوحي إليك؛ لأنّه لا يقال: أوحى الملك بل أرسله.

ونقل الطبرسي عن أبي جعفر، وأبي عبد اللَّه (رضي اللَّه تعالى عنهما): أنّ المراد بهذا الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصعد

____________________

1) سورة الشورى 52: 42.

٢٩٥

إلى السماء. وهذا القول في غاية الغرابة، ولعلّه لا يصحّ عن هذين الإمامين.

وتنوين (روحاً) للتعظيم، أي روحاً عظيماً (1) ... وقال في ذيل قوله تعالى ( وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ ) : أي الروح الذي أوحيناه إليك. وقال ابن عطية: الضمير للكتاب، وقيل للإيمان، ورجّح بالقرب، وقيل للكتاب والإيمان ووحّد؛ لأنّ مقصدهما واحد فهو نظير ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) (2) .

____________________

1) روح المعاني، ج25، ص 80 - 81.

2) سورة التوبة: 62.

٢٩٦

ليلة القدر

في روايات أهل سنّة الخلافة

دوام ليلة القدر في كلّ عام إلى يوم القيامة:

1 - فقد روى عبد الرزّاق الصنعاني في (المصنّف) بسنده، عن مولى معاوية، قال: (قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر قد رُفعت، قال: كذّب من قال كذلك، قلت: فهي كلّ شهر رمضان استقبله؟ قال: نعم... الحديث) (1) ، ورواه عنه بطريق آخر (2) ، ورواه كنز العمّال أيضاً (3) .

2 - وروى عبد الرزّاق الصنعاني في المصنّف بسنده، عن ابن عبّاس، قال: (ليلةٌ في كلّ رمضان يأتي، قال: وحدّثني يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سُئِل عن ليلة القدر، فقيل له: كانت مع النبيّين ثمّ رُفعت حين قُبضوا، أو هي في كلّ سنة؟ قال: بل هي في كلّ سنة، بل هي في كلّ سنة) (4) .

3 - وروي عن ابن جرير، قال: (حُدّثت: أنّ شيخاً من أهل المدينة سأل أبا ذر بمنى، فقال: رُفعت ليلة القدر أم هي في كلّ رمضان؟ فقال أبو ذر: سألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: يا رسول اللَّه رُفعت ليلة القدر؟ قال: بل هي كلّ رمضان) (5) .

4 - وروى ابن أبي شيبة الكوفي في المصنّف في باب ليلة القدر، بسنده إلى ابن

____________________

1) المصنّف، ج3، ص216، ح 5586.

2) المصنّف، ج3، ص255، ح 7707.

3) كنز العمّال، ج3، ص634، ح 24490.

4) المصنّف، ج4، ص255، ح 7708.

5) المصنّف، ج4، ص255، ح 7709، وأخرجه هق، ج4، ص307، والطحاوي، ج2، ص50.

٢٩٧

أبي مرثد عن أبيه، قال: (كنت مع أبي ذر عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: كان أسأل الناس عنها رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا: ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء فإذا ذهبوا رُفعت؟ قال: لا ولكن تكون إلى يوم القيامة) (1) .

5 - أخرج السيوطي في الدرّ المنثور: (عن محمّد بن نصر، عن سعيد بن المسيّب أنّه سُئل عن ليلة القدر، أهي شي‏ء كان فذهب، أم هي في كلّ عام؟ فقال: بل هي لأُمّة محمّد ما بقي منهم اثنان) (2) .

أقول: وفي هذه الرواية - وإن كانت مقطوعة - دلالةٌ على أن لو بقي في الأرض رجلٌ واحد لكان الثاني هو الحجّة وخليفة اللَّه في الأرض، الذي تنزّل عليه ليلة القدر بمقادير الأُمور، وأنّ ليلة القدر هي من حقائق وخصائص روح الحجّة في الأرض.

6 - وروى الطبري بسنده عن ربيعة بن كلثوم، قال: (قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: نعم، واللَّه الذي لا إله إلاّ هو إنّها لفي كلّ رمضان، وأنّها ليلة القدر، فيها يُفرق كلّ أمر حكيم، فيها يقضي اللَّه كلّ أجل وعمل ورزق إلى مثلها) (3) .

النزول في ليلة القدر وحي للأنبياء، واستمراره بعد الأنبياء:

قال ابن خزيمة في صحيحه (4) : باب ذكر أبواب ليلة القدر، والتأليف بين الأخبار المأثورة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيها ما يحسب كثيراً من حملة العلم، ممّن لا يفهم صناعة العلم، أنّها متهاتِرةٌ متنافية، وليس كذلك هي عندنا بحمد اللَّه ونعمته، بل هي

____________________

1) المصنّف لابن أبي شيبة، ج2، ص394، ح 5، باب 341.

2) الدرّ المنثور، ج6، ص371، في ذيل سورة القدر.

3) جامع البيان، ج25، ص139، ح24000.

4) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

٢٩٨

مختلفة الألفاظ متّفقة المعنى، على ما سأبيّنه إن شاء اللَّه.

قال أيضاً: باب ذكر دوام ليلة القدر في كلّ رمضان إلى قيام الساعة، ونفي انقطاعها بنفي الأنبياء.

7 - وروى بسنده إلى أبي مرثد، قال: (قال: لقينا أبا ذر وهو عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: ما كان أحد بأَسأل لها منّي، قلت: يا رسول اللَّه ليلة القدر أُنزلت على الأنبياء بوحي إليهم فيها ثمّ ترجع؟ فقال: بل هي إلى يوم القيامة.. الحديث) (1) ، ورواه بطريق آخر أيضاً، في باب أنّ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان (2) .

8 - وروى النسائي، والقسطلاني، والهيثمي، وابن حجر في فتح الباري، وابن كثير في تفسيره حديث أبي ذر - في ليلة القدر - قال: (يا رسول اللَّه أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت؟ قال: بل هي باقية).

9 - وروى أحمد بن محمّد بن سلمة في شرح معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده، إلى مالك ابن مرثد عن أبيه، قال: (سألت أبا ذر فقلت: أسألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ليلة القدر؟ قال: نعم، كنت أسأل الناس عنها، قال عكرمة: يعني أشبع سؤلاً، قلت: يا رسول اللَّه، ليلة القدر أفي رمضان هي أم في غيره؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : في رمضان. قلت: وتكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا رُفعوا رُفعت؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة) (3) .

10 - وفي صحيح ابن حِبان، قال في باب ذكر البيان بأنّ ليلة القدر تكون في العشر الأواخر كلّ سنة إلى أن تقوم الساعة، ثمّ روى بسند متّصل رواية أبي ذر

____________________

1) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

2) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص321.

3) شرح معاني الآثار، ج3، ص85.

٢٩٩

المتقدِّمة واللفظ فيها... (تكون في زمان الأنبياء ينزل عليهم الوحي، فإذا قُبضوا رُفعت؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل هي إلى يوم القيامة) (1) .

وروى البيهقي في فضائل الأوقات رواية أبي ذر المتقدّمة بإسناده (2) ، وقال - قبل تلك الرواية -: وليلة القدر التي ورد القرآن بفضيلتها إلى يوم القيامة وهي في كلّ رمضان... ثمّ نقل الخبر المزبور. وروى الهيثمي في موارد الظمآن رواية أبي ذر بسنده (3) .

11 - وروى أحمد بن محمّد بن سَلمة في معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عمر، قال: (سُئل رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: في كلّ رمضان). ففي هذا الحديث أنّها في كلّ رمضان، فقال قوم هذا دليل على أنّها تكون في أوّله وفي وسطه، كما قد تكون في آخره. وقد يحتمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (في كلّ رمضان)، هذا المعنى، ويحتمل أنّها في كلّ رمضان إلى يوم القيامة (4) ، ورواه بطرق أخرى غير مرفوعة.

أقول: هذه الروايات عند العامّة مطابقة لما يأتي من الروايات عند أهل البيت عليهم‌السلام ، من عدّة وجوه، أهمّها:

أوّلاً: ليلة القدر كانت من لَدُن آدم عليه‌السلام ، واستمرّت إلى النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي مستمرّة إلى يوم القيامة نزولاً على خلفاء النبيّ الاثني عشر.

وثانياً: إنّ هذا الروح النازل في ليلة القدر هو قناة ارتباط الأنبياء والأوصياء مع الغيب.

وثالثاً: ممّا يدلّل على عموم الخلافة الإلهية: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ

____________________

1) صحيح ابن حِبّان، ج8، ص438.

2) البيهقي، ص 219.

3) موارد الظمآن، ص 231.

4) شرح معاني الحديث، ج3، ص84.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486