اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)30%

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 199

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
  • البداية
  • السابق
  • 199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135166 / تحميل: 9064
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وقال الميرزا عبد الله الأفندي ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) ـ بعد أن نقل قول المجلسي ـ : وأقول : فعلى قول النجاشي ، فالطبرسي من رواة هذه الرسالة لا أنّه جامعها ، فتأمّل.

ثمّ ذكر ما في أوّل نسخة الطبرسي ، ثمّ قال : ثمّ ليعلم أنّ لكتاب صحيفة الرضا ( عليه السلام ) طرقاً عديدة سوى طريق الشيخ الطبرسي من طرق الخاصّة والعامّة ، ولنذكر في هذا المقام طائفة من طرقها التي وصلت إلينا ممّا يتمّ به في المرام ، ثمّ ذكر أربع طرق أُخرى للصحيفة ، وقال : والظاهر أنّ هؤلاء الرجال كلّهم من طرق العامّة اللهم إلاّ نادراً فليلاحظ. بعدها ذكر طريقين آخرين(١) .

وهذه الأسانيد تنتهي كلّها إلى أبي القاسم عبد الله بن أحمد الطائي ، عن أبيه ، عن الرضا ( عليه السلام )(٢) .

وقال الميرزا النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) : ويعبّر عنه أيضاً بمسند الرضا ( عليه السلام ) كما في مجمع البيان ، وبالرضويّات كما في كشف الغمّة ، وهو من الكتب المعروفة المعتمدة الذي لا يدانيه في الاعتبار والاعتماد كتاب صنّف قبله أو بعده ، وهو داخل في فهرست كتاب الوسائل ، إلاّ أنّ له نسخاً متعدّدة وأسانيد مختلفة ، ويزيد متن بعضها على بعض ، واقتصر صاحب الوسائل على نسخة الشيخ الطبرسي ( قدس سره ) وروايته ، وكأنّه لم يلتفت إلى اختلافها أو لم يعثر على باقيها ، وقد عثرنا على بعضها وأخرجنا منها ما ليس في نسخة الطبرسي ، فرأيت أن أُشير إلى الاختلاف وأذكر الطرق ، فلربّما وقف الناظر على خبر نقلته أو نقل منها ولا يوجد في النسخة المعروفة ، فلا يبادر إلى التخطئة ، وقد جمعها الفاضل الميرزا عبد الله في

____________

١ ـ رياض العلماء ٤ : ٣٤٦ ، ٣٥٠.

٢ ـ الذريعة ١٥ : ١٧ [ ٩٢ ].

٨١

رياض العلماء ، ونحن نسوقها بألفاظه ، ثمّ أورد ما ذكره صاحب الرياض.

ثمّ ذكر أنّه عثر على نسخة السند الأخير الذي ذكره صاحب الرياض ، وأنّ فيها ما ليس في مسند الشيخ الطبرسي ( قدس سره ) ، ثمّ قال : ويأتي في الفائدة الثالثة في ذكر مشايخ عماد الدين الطبري سند آخر إليها ذكره في كتابه بشارة المصطفى(١) .

ثمّ ذكر طريق الطبرسي ( قدس سره ) ، وقال بعده : ولا يخفى أنّ من راجع كتب الصدوق سيّما عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ، وأمالي المفيد ، وترجمة عبد الله وأبيه أحمد الطائي ، وغيرها ، علم أنّ هذه الصحيفة المباركة من الأُصول المشهورة المتداولة بين الأصحاب ، ثمّ أورد ما قاله النجاشي(٢) .

وقال الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة : صحيفة الرضا ، المعبّر عنها بمسند الرضا ، وبالرضويّات أيضاً ، وصحيفة أهل البيت كما يظهر من بعض أسانيده ، وقد أحصى بعض الأصحاب أحاديثها فوجدها ٢٤٠ حديثاً ، وهي منسوبة إلى الإمام على بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، مرويّة عنه بأسانيد متعدّدة(٣) .

وقال المير حامد حسين ( ت ١٣٠٦ هـ ) صاحب عبقات الأنوار : ولا يخفى أنّ كتاب صحيفة الرضا ( عليه السلام ) من الكتب المعروفة المعتمدة ، والأُصول المشهورة المستندة ، وصحّة انتسابها إلى الإمام الرضا ـ عليه أزكى السلام والتحيّة والثناء ـ من خلال أقوال أكابر أعلام وأجلّة عظماء أهل السنّة ظاهر وواضح ، ثمّ أورد بعض أقوال أهل السنّة فيها(٤) .

____________

١ ـ بشارة المصطفى : ٢١٥ ، وذكره في خاتمة المستدرك ٣ : ١٧.

٢ ـ خاتمة المستدرك ١ : ٢١٧.

٣ ـ الذريعة ١٥ : ١٧ [ ٩٢ ].

٤ ـ عبقات الأنوار ( حديث مدينة العلم ، قسم السند ) ٥ : ٢٠ مترجم من الفارسية.

٨٢

والنسخة المطبوعة المحقّقة من قبل الشيخ محمّد مهدي نجف ، هي النسخة المعروفة المشهورة في الأوساط العلميّة بنسخة الطبرسي ( رحمه الله ) ، وسندها : أخبرنا الشيخ الإمام الأجلّ العالم الزاهد الراشد ، أمين الدين ، ثقة الإسلام ، أمين الرؤساء ، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي أطال الله بقاءه ، في يوم الخميس غرّة شهر الله الأصمّ رجب سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، قال : أخبرنا الشيخ الإمام السعيد الزاهد أبو الفتح عبيد الله بن عبد الكريم بن هوازن القشيري أدام الله عِزّه ، قراءة عليه داخل القبّة التي فيها قبر الرضا ( عليه السلام ) غرّة شهر الله المبارك رمضان سنة إحدى وخمسمائة ، قال : حدّثني الشيخ الجليل العالم أبو الحسن علي بن محمّد بن علي الحاتمي الزوزني ، قراءة عليه سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن هارون الزوزني بها ، قال : أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الله بن محمّد ، حفدة العباس بن حمزة النيشابوري ، سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة ، قال : حدَّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة ، قال : حدَّثني أبي سنة ستّين ومائتين ، قال : حدَّثني علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) سنة أربع وتسعين ومائة ، قال : حدّثني أبي موسى بن جعفر(١) .

وهذه النسخة محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة المسجد الأعظم العامرة بقم المشرّفة ضمن المجموعة المرقّمة [ ٢٧٤٥ ](٢) .

وقال المحقّق : امتازت هذه النسخة ، إضافة إلى كونها أقدم نسخة وصلت إلينا من الصحيفة ، برواية الشيخ الطبرسي ( قدس سره ) ، بسنده عن أبي القاسم عبد الله بن أحمد الطائي ، وبقراءة المولى عبد الخالق بن المولى عبد

____________

١ ـ صحيفة الرضا : ٣٩.

٢ ـ صحيفة الرضا : ٢٧ ، وصف الأُصول المعتمدة.

٨٣

العلي البيهقي على العالم الفاضل المولى حسين بن علي البيهقي السبزواري المشتهر بالكاشفي ، في أواخر شعبان سنة ( ٨٧٢ هـ ) ، وبيان طريقه لرواية هذه الصحيفة ، نصّه :

« بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي نوّر شجرة النبوّة بأنوار الهداة ، وزيّن حدائق الولاية بأزهار أسرار الكُمَّل الثقات ، والصلاة على مظهر جوامع الكلم المسلسلات محمّد وآله وعترته عيون المعارف العينيّة المخصّصات.

أما بعد ، فقد قرأ الصحيفة الرضويّة بتمامها المولى المعظّم ، افتخار الصلحاء ، زين الأتقياء ، جامع الصفات الرضويّة ، ومجمع الخلال المرضيّة ، مولانا نظام الملّة والدين عبد الخالق بن المولى الرفيع ، والعارف المنيع ، أُسوة العرفاء ، قدوة الطرفاء ، مولانا تاج الملّة والدين عبد العلي البيهقي أدام الله ظلّهما ، على الفقير الكسير الكثير التقصير حسين بن علي الواعظ المشتهر بالكاشفي ، غفر الله ذنوبه ، وستر عيوبه ، وأنا أرويها عن والدي روّح الله روحه ، وهو يرويه عن الفاضل العلاّمة محمّد بن عبد الله ، وهو عن شيخه الكامل تاج الدين إبراهيم بن القصاع الطبسي ، وهو عن شيخه الكامل مولانا تاج الدين علي تركة الكرماني ، وهو عن شيخه شيخ الإسلام غياث الدين هبة الله بن يوسف ، عن جدّه صدر الدين إبراهيم بن محمّد بن المؤيّد الحموي ، عن ابن عساكر ، عن أبي روح الصوفي الهروي ، عن زاهر بن طاهر ، قال : أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد السكّاكي ، قال : أخبرنا أبوالقاسم بن حبيب ، قال : أخبرنا محمّد بن عبد الله ابن محمّد النيسابوري ، قال : أخبرنا ، أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة ، قال : حدَّثني أبي ، قال : حدَّثني الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا ، عن آبائه إلى حضرة الرسالة ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنا أجزته أن يرويها

٨٤

عنّي بالشرائط المعتبرة ، وكان ذلك في أواخر شعبان سنة اثني وسبعين وثمانمائة »(١) .

وقد ذكر المحقّق في مقدّمته أحد عشر طريقاً آخر غير هذين الطريقين ، منها طريق الشيخ الصدوق ( رضي الله عنه ) في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ، وهو : حدَّثنا أبو الحسن محمّد بن علي بن الشاه الفقيه المروزي بمرو الرود في داره ، قال : حدَّثنا أبو بكر بن محمّد بن عبد الله النيسابوري ، قال : حدَّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر بن سُليمان الطائي بالبصرة ، قال : حدَّثنا أبي في سنة ستّين ومائتين ، قال : حدَّثني علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) سنة أربع وتسعين ومائة(٢) .

ولكنّه لم يذكر الطريقين الآخرين للصدوق ، وهي : وحدَّثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري بنيسابور ، قال : حدَّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن هارون بن محمّد الخوري ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمّد بن زياد الفقيه الخوري بنيسابور ، قال : حدَّثنا أحمد بن عبد الله الهروي الشيباني ، عن الرضا علي بن موسى ( عليهما السلام ).

وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن محمّد الأشناني الرازي العدل ببلخ ، قال : حدَّثنا علي بن محمّد بن مهرويه القزويني ، عن داود بن سُليمان الفرّاء ، عن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، قال : حدّثني أبي موسى بن جعفر(٣) .

وقال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) في ترجمة أحمد بن عامر بن سُليمان

____________

١ ـ صحيفة الرضا ( عليه السلام ) : ٢٧ ، وصف الأُصول المعتمدة.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٨ ح ٤ ، وصحيفة الرضا ( عليه السلام ) : ١٤ ، نحن وأسانيد الصحيفة.

٣ ـ عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٨ ح ٤.

٨٥

الطائي : قال عبد الله ابنه ـ في ما أجازنا الحسن بن أحمد بن إبراهيم ـ حدَّثنا أبي ، قال : حدَّثنا عبد الله ، قال : ولد أبي سنة سبع وخمسين ومائة ، ولقي الرضا ( عليه السلام ) سنة أربع وتسعين ومائة ، رفع(١) إليّ هذه النسخة ( نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ) أبو الحسن أحمد بن محمّد بن موسى الجندي ، شيخنا ( رحمه الله ) ، قرأتها عليه ، حدّثكم أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن عامر ، قال : حدَّثنا أبي ، قال : حدَّثنا الرضا علي بن موسى ( عليه السلام ) ، والنسخة حسنة(٢) .

وكذا قال في ترجمة عبد الله بن أحمد بن عامر : روى عن أبيه ، عن الرضا ( عليه السلام ) نسخة ، قرأت هذه النسخة على أبي الحسن أحمد بن محمّد بن موسى ، أخبركم أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه ، عن الرضا ( عليه السلام )(٣) .

وهذا أبو القاسم عبد الله بن عامر هو الذي تنتهي إليه طرق معظم النسخ.

وقد عرّف المحقّق في مقدّمته عدّة نسخ خطيّة للصحيفة :

منها : ما في خزانة مخطوطات مكتبة البحّاثة المحقّق الأُستاذ فخر الدين نصيري أميني ، وهي بتاريخ ( ٧٦١ هـ ).

ومنها : ما في مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي بقم وتاريخها ( ٨٥١ هـ ).

ومنها : في المكتبة الرضويّة وهي بتاريخ ( ٨٨١ هـ ).

ومنها : النسخة المار ذكرها سابقاً في مكتبة المسجد الأعظم بقم(٤) .

____________

١ ـ في طبعة أُخرى دفع.

٢ ـ رجال النجاشي : ١٠٠ [ ٢٥٠ ].

٣ ـ رجال النجاشي : ٢٢٩ [ ٦٠٦ ].

٤ ـ صحيفة الرضا ( عليه السلام ) : ٢٦ ، وصف الأُصول المعتمدة.

٨٦

وقد طبعت الصحيفة مرّة أُخرى بتحقيق مدرسة الإمام المهدي ( عليه السلام ) على نسخ خطيّة أُخرى إضافة إلى ما اعتمده الشيخ محمّد مهدي نجف ، وزادوا في أسانيد الصحيفة ، وأوصلوها إلى ( ٨٠ ) سنداً(١) .

ولصحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) أسانيد أُخرى تنتهي إلى داود بن سُليمان الغازي ، عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، أفردناها تحت عنوان مسند الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، تمييزاً لها عمّا جاء برواية أحمد بن عامر الطائي.

____________

١ ـ صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) ( بتحقيق مدرسة الإمام المهدي ( عج ) ) ، مقدّمة التحقيق.

٨٧
٨٨

(٥) مسند الإمام الرضا ( عليه السلام ) ( ت ٢٠٣ هـ )

برواية داود بن سليمان الغازي

الحديث :

يقول الشيخ المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) في سند هذا المسند(١) : وجدتُ بخطّ الشيخ محمّد بن علي الجبائي ، نقلا من خطّ الشيخ الشهيد محمّد بن مكّي ـ قدس الله روحهما ـ ما هذه صورته : يروي السيّد الفقيه الأديب النسّابة شمس الدين أبو علي فخّار بن معد جزءاً فيه أحاديث مسندة عن علي بن موسى الرضا الإمام المعصوم ـ عليه الصلاة والسلام ـ قراءة على الشيخ أبي طالب عبد الرحمن بن محمّد بن عبد السميع الهاشمي الواسطي ، وأنّهاه في ذي الحجّة سنة أربع عشرة وستمائة في منزل الشيخ بقرى واسط ، ورأيتُ خطّه له بالإجازة ، وإسناد الشيخ عن أبي الحسن علي بن أبي سعد محمّد بن إبراهيم الخبّاز الأزجي ، بقراءته عليه عاشر صفر سنة سبع وخمسين وخمسمائة ، عن الشيخ أبي عبد الله الحسين ابن عبد الملك بن الحسين الخلاّل ، بقراءة غيره عليه ، وهو يسمع ، في يوم الجمعة رابع صفر سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ، عن الشيخ أبي أحمد حمزة بن فضالة بن محمّد الهروي بهراة ، عن الشيخ أبي إسحاق إبراهيم

____________

١ ـ هذا الحديث منقول من جزء فيه أحاديث وصل إلى العلاّمة المجلسي بخطّ الشيخ محمّد بن علي الجبائي ( الجباعي ).

٨٩

ابن محمّد بن عبد الله بن يزداد بن علي بن عبد الله الرازي ثمّ البخاري ببخارى ، قرئ عليه في داره في صفر سنة سبع وتسعين وثلاثمائة ، قال : حدَّثنا أبو الحسن علي بن محمّد بن مهرويه القزويني بقزوين ، قال : حدّثنا داود بن سليمان بن يوسف بن أحمد الغازي ، قال : حدَّثني علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، عن أبيه عن آبائه بأسمائهم في كلّ سند إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله )

وبهذا الإسناد ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « كأنّي قد دعيت فأجبت ، وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما »(١) .

داود بن سليمان الغازي :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : داود بن سليمان بن جعفر أبو أحمد القزويني ، ذكره ابن نوح في رجاله ، له كتاب عن الرضا ( عليه السلام )(٢) .

وذكره الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في أصحاب الرضا ( عليه السلام ) ، وقال : داود ابن سليمان بن يونس بن أحمد الغازي ، أسند عنه ( عليه السلام ) ، روى عنه ابن مهرويه(٣) .

وذكره ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ ) في قسم الثقات من كتابه ، ونقل قول النجاشي(٤) .

وقال الكاظمي ( القرن الحادي عشر ) : ابن جعفر القزويني

____________

١ ـ البحار ١٠ : ٣٦٦ ح ١٨ ، كتاب الاحتجاج.

٢ ـ رجال النجاشي : ١٦١ [ ٤٢٦ ] ، وانظر : جامع الرواة ١ : ٣٠٤ ، مجمع الرجال ٢ : ٢٨٤ ، معجم رجال الحديث ، ٨ : ١١٣ [ ٤٤٠٧ ] ، منهج المقال : ١٣٥.

٣ ـ رجال الطوسي : ٣٥٧ [ ٥٢٩٢ ] ، في أصحاب الرضا ( عليه السلام ).

٤ ـ رجال ابن داود : ٩٠ [ ٥٨٨ ] ، القسم الأوّل.

٩٠

الممدوح(١) ، وعدّه في الحاوي في الضعفاء(٢) .

وقال المامقاني ( ت ١٣٥١ هـ ) ـ بعد أن نقل عبارة النجاشي ـ : وظاهره كونه إماميّاً ، واستظهر الوحيد من عبارة الجنابذي(٣) كونه عاميّاً ، واستشهد لذلك بكون عادته وصل سنده إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، يعني أنّه يروي عن الرضا ( عليه السلام ) ، عن آبائه ، عن علي ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )(٤) وأنت خبير بأنّ مجرّد نقل الجنابذي كونه ممّن يروي عن الرضا ( عليه السلام ) لا يدلّ على كونه عاميّاً ، مع أنّ الموجود في عبارة الجنابذي كما تسمعها في ترجمة عبد الله بن العبّاس القزويني(٥) إنّما هو سليمان بن داود لا داود بن سليمان ، فسهى قلم الوحيد ( رحمه الله ) في النسبة(٦) ، وأمّا وصله السند إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلا يدلّ على كونه عاميّاً ، إذ لعلّه لإلقاء الحجّة على الخصم ، وإلاّ فالعامّي

____________

١ ـ هداية المحدّثين : ١٩٩.

٢ ـ حاوي الأقوال ٣ : ٤٥٥ [ ١٥٤٨ ].

٣ ـ انظر عبارة الجنابذي في كشف الغمّة ٣ : ٥٨ ، قال بعد أن ترجم للرضا ( عليه السلام ) روى عنه عبد السلام بن صالح الهروي ، وداود بن سليمان ، وعبدالله بن العبّاس القزويني وطبقتهم.

٤ ـ منهج المقال ( مع تعليقة البهبهاني ) : ١٣٥ ، ولكنّه قال بعده : مع احتمال كون حاله مثل حال عبد السلام بن صالح.

وقال في ترجمة عبد السلام بن صالح الهروي أبو الصلت ( ص ١٩٣ ) ـ بعد أن نقل قول الجنابذي أيضاً ـ : ربّما يتوهّم كونه عاميّاً من أمثال هذا ، وذكرنا مراراً أنّ أمثال هؤلاء ظهر من الخارج تشيّعهم ، نعم ، يشعر بأنّه مخالط للعامّة وراو لأحاديثهم كما ذكره ( رحمه الله ) ، أي الاسترابادي.

٥ ـ تنقيح المقال ٢ : ١٩٥ ، منهج المقال ( التعليقة ) : ٢٠٤.

٦ ـ الموجود في كشف الغمّة داود بن سليمان ، وكذا في ترجمة عبد السلام بن صالح أبو الصلت في تعليقة الوحيد ( ص ١٩٣ ) ، فالظاهر أنّه ( رحمه الله ) سهى قلمه في ترجمة عبدالله بن العبّاس القزويني ( ص ٢٠٤ ) وقلب الاسم ، ولم يكن السهو منه في أنّ من ترجم له هو ما ذكره الجنابذي ، فتأمّل.

٩١

الذي لا يقول بإمامتهم لا يعتمد غالباً على روايتهم ( عليهم السلام ) أيضاً. وبالجملة : فلا يرفع اليد عن ظاهر كلام النجاشي الذي أصّلنا في الفائدة التاسعة عشرة دلالة عنوانه للرجل من دون غمز في مذهبه على كونه إماميّاً ، بمثل هذه الأوهام نعم ، لم يرد في الرجل ما يلحقه بالحسان نعم ، في المشتركات أنّه ممدوح ، انتهى(١) .

ولكن المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) قال في الإرشاد : فصل : فممّن روى النصّ على الرضا علي بن موسى ( عليهما السلام ) بالإمامة من أبيه ، والإشارة إليه منه بذلك ، من خاصّته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته : وداود ابن سليمان(٢) .

ثمّ روى عنه وقال : بهذا الإسناد ، عن محمّد بن علي ، عن أبي علي الخزّاز ، عن داود بن سيلمان ، قال : قلت لأبي إبراهيم ( عليه السلام ) : إنّي أخاف أن يحدث حدث ولا ألقاك ، فأخبرني من الإمام بعدك؟ فقال : « ابني فلان » ، يعني أبا الحسن ( عليه السلام )(٣) .

والظاهر أنّه نقلها من الكافي(٤) .

فقال التفرشي ( القرن الحادي عشر ) في ترجمة داود بن سليمان بن جعفر أبي أحمد القزويني : ويحتمل أن يكون هذا هو الذي ذكره المفيد ( رحمه الله ) في إرشاده ، حيث قال : ، ونقل ما في كلام المفيد(٥) .

____________

١ ـ تنقيح المقال ١ : ٤١٠ ، وانظر : أعيان الشيعة ٦ : ٣٧٢.

٢ ـ إرشاد المفيد ( ضمن مصنّفات الشيخ المفيد المجلّد ١١ ) ٢ : ٢٤٨.

٣ ـ إرشاد المفيد ( ضمن مصنّفات الشيخ المفيد المجلّد ١١ ) ٢ : ٢٥١.

٤ ـ الكافي ١ : ٣١٣ ح ٨ ، كتاب الحجّة ، باب : الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ). وعن الكليني ، الطوسي في الغيبة : ٣٨ ، وأيضاً أعلام الهدى ٢ : ٤٦.

٥ ـ نقد الرجال ٢ : ٢١٣ [ ١٨٨٢ ].

٩٢

وعلّق عليه البهبهاني ( ت ١٢٠٥ هـ ) بقوله : واحتمل في نقد الرجال كونه هو الذي وثّقه المفيد ، ولعلّه لا يخلو عن بعد ، فتأمّل(١) .

ونقل الشيخ أبو علي ( ت ١٢١٦ هـ ) عن تعليقة البهبهاني ، قوله : إلاّ أنّ اتّحاد الذي وثّقه المفيد مع المذكور عن النجاشي محلّ نظر ، وإن احتمله فى النقد أيضاً(٢) . وهذه العبارة غير موجودة في التعليقة ، فلعلّها من كلام أبي علي نفسه.

وقال المامقاني ( ت ١٣٥١ هـ ) في ترجمة القزويني في نهاية كلامه الذي أوردناه آنفاً : وأمّا احتمال كون الرجل هو الآتي الذي وثّقه المفيد ( رحمه الله ) ، فهو كما ترى ، فتدبّر.

ثمّ ترجم مباشرة لداود بن سليمان الذي ذكره المفيد ، وساق كلام المفيد وما رواه عنه في النصّ على الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، والرواية التي بعدها عن نصر بن قابوس ، ثمّ قال : فإنّ خبر داود نصّ في كونه إماميّاً ، وقال أيضاً : وعلى كل حال فوثاقة داود بن سليمان ينبغي الإذعان بها بشهادة المفيد ( رحمه الله ) ، واتّحاده مع سابقه غير بعيد ، والله العالم(٣) .

وعلّق في القاموس ، أقول : الأصل في روايته ، الكافي في النصّ عليه ( عليه السلام ) ، وقد نقل الجامع(٤) خبر الكافي في داود بن سليمان الحمّار الكوفي لا القزويني.

فإن قيل : إنّ الحمّار لم ينقل روايته عن غير الصادق ( عليه السلام ).

قلت : القزويني أيضاً لم ينقل روايته عن غير الرضا ( عليه السلام ) أيضاً ، وهذا

____________

١ ـ تعليقة البهبهاني : ١٣٥.

٢ ـ منتهى المقال ٣ : ٢٠١ ، وانظر : خاتمة المستدرك ٧ : ٣٥٨ [ ٨٧٢ ].

٣ ـ تنقيح المقال ١ : ٤١٠.

٤ ـ جامع الرواة ١ : ٣٠٤.

٩٣

روى عن الكاظم ( عليه السلام )(١) .

وقال أيضاً في ترجمة داود بن سليمان الحمّار : بل يتّحد معه أيضاً داود ابن سليمان الآتي عن الإرشاد(٢) .

أقول : هذه الرواية التي رواها الكليني والمفيد ، رواها الصدوق في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ، عن أبي علي الخزاز ، عن داود الرقي ، لا داود بن سليمان ، قال : نصّ آخر : حدَّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رضي الله عنه ) ، قال : حدَّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار ، قال : حدَّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبد الله بن محمّد الحجال وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي علي الخزّاز ، عن داود الرقي ، قال : قلت لأبي إبراهيم ـ يعني موسى الكاظم ( عليه السلام ) ـ : فداك أبي ، إنّي كبرت وخفت أن يحدث بي حدث ولا ألقاك فأخبرني من الإمام من بعدك؟ فقال : « ابني علي ( عليه السلام ) »(٣) .

ولا يخفى أتمّية عبارة هذه الرواية ممّا موجود في الكافي ، ولكن الكافي مقدّم عند الكلّ ، فتأمّل.

وعلى كلّ ، قد دار الاحتمال بين ثلاثة :

فإمّا على كونه داود الرقي ، فلا يكون له علاقة بالمترجم له.

وإمّا على كونه الحمّار ، فإنّ في الرواية : « إنّي أخاف أن يحدث حدث ولا ألقاك » ، ويوضّح ذلك في الرواية الثانية ـ على فرض أنّهما رواية واحدة ـ فإنّ فيها : « إنّي كبرت وخفت أن يحدث بي حدث ولا ألقاك »

____________

١ ـ قاموس الرجال ٤ : ٢٤٤ [ ٢٧٢٩ ].

٢ ـ قاموس الرجال ٤ : ٢٤٣ [ ٢٧٢٧ ].

٣ ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ١ : ٣٣ ح ٨ ، الباب : (٤).

٩٤

فيظهر منه أنّه كان كبير السن ، وخاف الحدث في وقت سؤاله للإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، وكبر سنّه يرجّح كونه قد صحب الإمام الصادق ( عليه السلام ) قبل ذلك ، ثمّ صحب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وسأله عن الإمام بعده.

ومن خلال هذا يتّضح الأمر في الاحتمال الثالث وبُعد كونه الغازي القزويني ، خاصّة وقد عدّه صاحب الجامع الحمّار ، وهو خرّيت الصناعة.

وقد ترجم للغازي الرافعي ( ت ٦٢٣ هـ ) في التدوين ، قال : داود بن سليمان بن يوسف الغازي أبو أحمد القزويني ، شيخ اشتهر بالرواية عن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، ويقال : إنّ علياً كان مستخفياً في داره مدّة مكثه بقزوين ، وله نسخة عنه يرويها أهل قزوين عن داود ، كإسحاق بن محمّد ، وعلي بن محمّد بن مهروية ، وغيرهما(١) .

وقال أيضا في ترجمة الرضا ( عليه السلام ) : قد اشتهر اجتياز علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) بقزوين ، ويقال : إنّه كان مستخفياً في دار داود بن سليمان الغازي ، روى عنه النسخة المعروفة ، روى عنه إسحاق بن محمّد ، وعلي ابن محمّد بن مهرويه ، وغيرهما(٢) .

وقد ضعّفه العامّة وكذّبه الذهبي ، كما ذكر ذلك صاحب الأعيان ، وأجاب عليه : ويظهر ممّا مرّ أنّ تكذيب الذهبي له المعلوم حاله ، إنّما هو لروايته من الفضائل ما لا تقبله عقولهم ، مع أنّه ليس فيما نقلوه من الروايات عنه نكارة ، ولا ما يوجب الجزم بكذبه. وقول ابن حجر عن بعضها : إنّه ركيك اللفظ ، لعلّه من هذا القبيل ، والأحاديث لم تنقل لبيان الفصاحة والبلاغة ، ولو جاءت هذه الأحاديث لبيان ما يوافق الهوى لم

____________

١ ـ التدوين في أخبار قزوين ٣ : ٣

٢ ـ التدوين في أخبار قزوين ٣ : ٤٢٨.

٩٥

يلتفت إلى أنّها ركيكة أو قويّة(١) .

وعلى كلّ حال فالرجل مسكوت عنه في كتبنا لم يذكر بمدح أو قدح ، سوى أنّه من أصحاب الرضا ( عليه السلام ).

مسند الإمام الرضا ( عليه السلام ) برواية داود بن سليمان الغازي :

ذكر النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) أنّ له كتاباً ، قال : له كتاب عن الرضا ( عليه السلام ) ، أخبرني محمّد بن جعفر النحوي ، قال : حدَّثنا الحسين بن محمّد الفرزدق القطعي ، قال : حدَّثنا أبو حمزة بن سليمان ، قال : نزل أخي داود بن سليمان ، وذكر النسخة(٢) .

وقد مرّ عن رجال الطوسي أنّه أسند عن الرضا ( عليه السلام ) ، وروى عنه ابن مهرويه(٣) .

وهناك نسخة مطبوعة برواية ابن مهرويه ، حققّها السيّد محمّد جواد الجلالي ، وقدّم لها السيّد محمّد حسين الجلاّلي مقدّمة ضافية ترجم فيها للغازي القزويني ، وذكر عدّة طرق للنسخة ، وطريقه إليها أيضاً ، ومواصفات وسند النسخة المعتمدة الموجودة في مكتبة آية الله المرعشي النجفي بقم برقم ( ٥٣٥٨ )(٤) .

____________

١ ـ أعيان الشيعة ٦ : ٣٧٣.

٢ ـ رجال النجاشي : ١٦١ [ ٤٢٦ ].

٣ ـ رجال الطوسي : ٣٥٧ [ ٥٢٩٢ ].

٤ ـ انظر مسند الإمام الرضا ( عليه السلام ) برواية داود بن سليمان الغازي ، تحقيق السيّد محمّد جواد الحسيني الجلالي ، المقدّمة التي كتبها السيّد محمّد حسين الحسيني الجلالي للكتاب.

٩٦

أمّا النسخة التي أوردنا منها حديث الثقلين ، فهي جزء فيه أحاديث بخطّ الشيخ محمّد بن علي الجبائي ( الجباعي ) وصلت إلى العلاّمة المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) ، وأوردها في البحار ، قال : وجدت بخطّ الشيخ محمّد بن علي الجبائي نقلاً عن خطّ الشيخ الشهيد محمّد بن مكي ( قدس سرهما ) ما هذه صورته :

يروي السيّد الفقيه الأديب النسّابة شمس الدين أبو علي فخار بن معد ، جزءاً فيه أحاديث مسندة ، عن علي بن موسى الرضا الإمام المعصوم عليه الصلاة والسلام ، قراءة على الشيخ أبي طالب عبد الرحمن بن محمّد ابن عبد السميع الهاشمي الواسطي ، وأنهاه في ذي الحجّة سنة أربع عشرة وستمائة في منزل الشيخ بقرى واسط ، ورأيت خطّه له بالإجازة ، وإسناد الشيخ عن أبي الحسن علي بن أبي سعد محمّد بن إبراهيم الخبّاز الأزجي ، بقراءته عليه عاشر صفر سنة سبع وخمسين وخمسمائة ، عن الشيخ أبي عبد الله الحسين بن عبد الملك بن الحسين الخلاّل ، بقراءة غيره عليه ، وهو يسمع ، في يوم الجمعة رابع صفر سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ، عن الشيخ أبي أحمد حمزة بن فضالة بن محمّد الهروي بهراة ، عن الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن يزداد بن علي بن عبد الله الرازي ثمّ البخاري ببخارى ، قرئ عليه في داره في صفر سنة سبع وتسعين وثلاثمائة ، قال : حدَّثنا أبو الحسن علي بن محمّد بن مهرويه القزويني بقزوين ، قال : حدَّثنا داود بن سليمان بن يوسف بن أحمد الغازي ، قال : حدَّثني علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، عن أبيه ، عن آبائه ( عليهم السلام ) بأسمائهم في كلّ سند إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « الإيمان إقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، وعمل بالأركان ».

٩٧

قال علي بن مهرويه : قال أبو حاتم محمّد بن إدريس الرازي : قال أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي : لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لأفاق ، قال الشيخ أبو إسحاق : سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، يقول : كنت مع أبي بالشام ، فرأيت رجلا مصروعاً ، فذكرت هذا الإسناد ، فقلت : أُجرب هذا ، فقرأت عليه هذا الإسناد ، فقام الرجل ينفض ثيابه ، ومرّ(١) .

____________

١ ـ البحار ١٠ : ٣٦٦.

٩٨

(٦) أصل ( كتاب ) محمّد بن المثنى بن القاسم الحضرمي ( القرن الثالث )

الحديث :

حدَّثنا الشيخ أبو محمّد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري ـ أيّده الله ـ قال : حدَّثنا محمّد بن همام ، قال : حدَّثنا حميد بن زياد الدهقان ، قال : حدَّثنا أبو جعفر أحمد بن زيد بن جعفر الأزدي البزّاز(١) :

قال : حدَّثنا محمّد بن المثنى بن القاسم الحضرمي ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي ، ثمّ أورد عدّة روايات(٢) ، ثمّ بعده :

جعفر بن محمّد ، عن ذريح ، قال : حدَّثني عمر بن حنظلة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) « إنّ رسول الله مرّ على قبر قيس بن فهد الأنصاري

قال : وقال : « نحن ورثة الأنبياء ».

قال : « وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تركت فيكم الثقلين : كتاب الله وأهل بيتي ، فنحن أهل بيته »(٣) .

____________

١ ـ إلى هنا سند رواية أصل الحضرمي ، بطريق هارون بن موسى التلعكبري.

٢ ـ الأُصول الستّة عشر : ٨٣ ، أصل محمّد بن المثنى الحضرمي.

٣ ـ الأُصول الستّة عشر : ٨٧ ـ ٨٨ ، أصل محمّد بن المثنى الحضرمي.

٩٩

محمّد بن المثنى بن القاسم الحضرمي :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : محمّد بن مثنى بن القاسم ، كوفي ، ثقة له كتاب(١) .

وقال العلاّمة ( ت ٧٢٦ هـ ) : محمّد بن مثنى بن القاسم ، كوفي ثقة(٢) . ومثله ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ ) ، ورمز له : لم ( جش )(٣) ، أيّ رجال الشيخ فيمن لم يرو عنهم ( عليهم السلام ) ، والنجاشي.

ولكن الشيخ ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست عنونه : محمّد بن القاسم بن المثنى ، له كتاب(٤) ، ولم يذكره في رجاله بأيّ من العنوانين.

وعلّق على ذلك التفرشي ( القرن الحادي عشر ) في النقد بقوله : ويحتمل أن يكون هذا والذي سيجيء بعنوان : محمّد بن المثنى بن القاسم واحد(٥) ، ونقله البهبهاني في التعليقة ، وأضاف : وهو الظاهر بقرينة الرواة(٦) .

فإنّ طريق النجاشي للكتاب نفس طريق الطوسي ، كما سيأتي.

وأضاف أبو علي الحائري ( ت ١٢١٦ هـ ) : ويؤيّده عدم وجود ابن القاسم بن المثنى في غير الفهرست ، ويعضده وجود مثنى بن القاسم دون القاسم بن المثنى ، فتدبّر(٧) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ٣٧١ [ ١٠١٢ ].

٢ ـ خلاصة الأقوال : ٢٦٤ [ ٩٤١ ] ، القسم الأوّل ، وانظر : حاوي الأقوال ٢ : ٢٧٦ [ ٦٤٠ ] ، منتهى المقال ٦ : ١٧٥ [ ٢٨٤٨ ].

٣ ـ رجال ابن داود : ١٨٢ [ ١٤٩١ ] ، القسم الأوّل ، وانظر : معالم العلماء : ١٠٩ [ ٧٣٤ ] ، وعنونه : محمّد بن القاسم المثنى ، والبلغة : ٤١٤.

٤ ـ فهرست الطوسي : ٤٣١ [ ٦٧٥ ].

٥ ـ نقد الرجال ٤ : ٣٠١ [ ٥٠١٣ ] ، وانظر : تنقيح المقال ٣ : ١٧٥ [ ١١٢٦٩ ].

٦ ـ منهج المقال ( مع تعليقة البهبهاني ) : ٣١٦.

٧ ـ منتهى المقال ٦ : ١٦٣ [ ٢٨٢٩ ].

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

القيام بما تقدم من مهام حفظ المؤمنين ورعايتهم وتسديد العلماء ودفع الأخطار عن الوجود الإيماني وتسيير حركة الأحداث ـ حتى خارج الكيان الإسلامي بما يخدم مهمة التمهيد لظهوره وإعداد العوامل اللازمة له.

الالتقاء بالمؤمنين في غيبته الكبرى

إنّ سيرة الإمام في غيبته الكبرى تفصح بأن لقاءاته فيها لا تنحصر في هذا العدد المحدود من الأولياء المخلصين في كل عصر بل تشمل غيرهم ـ ولو بصورة غير مستمرة ـ فالأخبار الخاصة الدالة على مشاهدته في الغيبة الكبرى كثيرة وعددها يفوق حد التواتر، بحيث نعلم لدى مراجعتها واستقرائها، عدم الكذب والخطأ فيها في الجملة(١) ، فقد نقل الميرزا النوري مائة منها في النجم الثاقب وفي المصادر الأخرى ما يزيد على ذلك بكثير، اضافة الى أن من المؤكد أن هناك مقابلات غير مروية ولا مسجلة في المصادر وإن كانت متناقلة عبر الثقات وأن المهدي ـ عجل الله فرجه ـ يتصل بعدد من المؤمنين في أنحاء العالم في كل جيل مع حرصهم على عدم التفوه بذلك وكتمه الى الأبد، بل يمكن القول بأن المقابلات غير المروية أكثر بكثير من المقابلات المروية.

وتشمل هذه المقابلات قضاء حوائج المؤمنين ـ كما كانت سيرة آبائه الأئمةعليهم‌السلام بمختلف أقسامها المادية والمعنوية، كما تشتمل على توجيه، الوصايا التربوية وتوضيح غوامض المعارف الإلهية أو التنبيه الى الأحكام الشرعية الصحيحة وغير ذلك من مهام الإمام في كل عصر.

ـــــــــــ

(١) راجع تاريخ الغيبة الصغرى: ٦٤٠ وما بعدها وتاريخ الغيبة الكبرى: ١٠٧ وقد ناقش السيد الصدر في هذين الكتابين قضية الالتقاء بالامام في الغيبة الكبرى وعدم تعارضها مع امر الامام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ في توقيعه للشيخ السمري بتكذيب من ادعى المشاهدة في الغيبة الكبرى، كما ناقشها الميرزا النوري في الباب السابع من كتاب النجم الثاقب والعلامة المجلسي في بحار الأنوار وغيرهم كثير واثبتوا جواز الالتقاء بالامام في الغيبة الكبرى.

١٤١

ترسيخ الايمان بوجوده

وتحققت من هذه اللقاءات إضافة لذلك ثمار مهمة تتمحور حول ترسيخ الإيمان بوجودهعليه‌السلام وإزالة التشكيكات المثارة تجاه ذلك في كل عصر بما يعزز مسيرة المؤمنين في التمهيد لظهورهعليه‌السلام ، خاصةً وأن معظم هذه المقابلات تقترن عادة بصدور مالا يمكن صدوره عن غير الإمامعليه‌السلام من ايضاحات علمية دقيقة أو كرامات إعجازية تقطع أي مجال للشك في هويته ـ عجل الله فرجه ـ وهي في معظم الأحوال تكون بمبادرة من الإمام نفسه وبصورة لا يتوقعها الفائز بلقياهعليه‌السلام ، وبعد مدة ـ قد تطول أحياناً ـ من صدق المؤمن في طلب مقابلته والإخلاص لله في القيام بالأعمال الصالحة بهدف الفوز بذلك، كما أنها عادة ما تكون بالمقدار اللازم لقضاء حاجة المؤمن الطالب لها أو تحقيق الإمام للغاية المرجوة منها وغالباً ما ينتبه المؤمن الى أنّ من التقاه هو الإمام المهديعليه‌السلام بعد انتهاء المقابلة، وكل ذلك حفظاً لمبدأ الاستتار في هذه الفترة.

حضور موسم الحج

وتصرح الأحاديث الشريفة بأن من سيرتهعليه‌السلام في غيبته حضور موسم الحج في كل عام، وواضح مافي حضور هذا الموسم السنوي المهم من فرصة مناسبة للالتقاء بالمؤمنين من أنحاء أقطار العالم وإيصال التوجيهات إليهم ولو من دون التعريف بنفسه بصراحة والتعرف على أحوالهم عن قرب دون الحاجة الى أساليب إعجازية.

إنّ الأحاديث الشريفة التي تذكر حضورهعليه‌السلام هذا الاجتماع الإسلامي السنوي العام، ذكرت أنهعليه‌السلام : «يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه»(١) ، ويبدو أن المقصود هو الرؤية مع تحديد هويتهعليه‌السلام ، بمعنى أن يعرفوه أنه هو المهدي، إذْ توجد عدة روايات اُخرى تصرح برؤيته في هذا الموسم وبعضها يصرح بعدم معرفة المشاهدين لهويته على نحو التحديد واقتصار معرفتهم بأنّه من ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

ـــــــــــ

(١) الكافي: ١/ ٣٣٧، ٢٣٩، غيبة النعماني: ١٧٥.

(٢) راجع مثلاً الرواية التي ينقلها الشيخ الصدوق في كمال الدين: ٤٤٤.

١٤٢

الفصل الثالث: تكاليف عصر الغيبة الكبرى

اهتمت الأحاديث الشريفة بقضية تكاليف عصر الغيبة بحكم الأبعاد العملية التي تشتمل عليها فيما يرتبط بتحرك الإنسان في هذه الفترة المتميزة بفتن كثيرة وصعوبات في مواجهتها ناتجة عن عدم الحضور الظاهر لإمام العصر وعدم تيسر الرجوع إليه بسهولة.

في هذا الفصل نذكر على نحو الإيجاز أبرز هذه التكاليف طبق ما حددته الأحاديث الشريفة مع تفصيل الحديث عن أهمها والذي ينطوي على تجسيد التكاليف الأخرى ألا وهو واجب انتظار ظهور الإمام ـ عجل الله فرجه ـ لأنه عُرّض للكثير من أشكال سوء الفهم.

وأبرز التكاليف الاُخرى فكما يلي:

١ ـ ترسيخ المعرفة بإمام العصر ـ عجل الله فرجه ـ وغيبته وحتمية ظهوره وأنه حي يراقب الأمور ويطّلع على أعمال الناس وأوضاعهم وينتظر توفر الشروط اللازمة لظهوره، وإقامة هذه المعرفة على أساس الأدلة النقلية الصحيحة والبراهين العقلية السليمة.

وأهمية هذا الواجب واضحة في ظل عدم الحضور الظاهر للإمام في عصر الغيبة والتشكيكات الناتجة عن ذلك، كما أن لهذه المعرفة تأثيراً مشهوداً في دفع الإنسان المسلم نحو العمل الإصلاحي البنّاء على الصعيدين الفردي والاجتماعي، فهي تجعل لعمله حافزاً إضافياً يتمثل بالشعور الوجداني بأن تحركه يحظى برعاية ومراقبة إمام زمانه الذي يسرّه ما يرى من المؤمنين من تقدم ويؤذيه أي تراجع أو تخلف عن العمل الإصلاحي البناء والتمسك بالأحكام والأخلاق والقيم الإسلامية التي ينتظر توفر شروط ظهوره لإقامة حاكميتها في كل الأرض وإنقاذ البشرية بها.

١٤٣

وقد التقينا في الأحاديث الشريفة التي أخبرت عن غيبة المهدي قبل وقوعها بإشارات صريحة الى هذا الواجب وسنلتقي ضمن الحديث عن واجب الانتظار بنماذج أخرى. يُضاف الى ذلك معظم الأدعية المندوب تلاوتها في عصر الغيبة تحفز على القيام بهذا الواجب وترسيخ المعرفة بالإمام، فمثلاً الكليني في «الكافي» عن زرارة أن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: «إن للقائم غيبة... وهو المنتظر وهو الذي يشكّ الناس في ولادته... )فقال زرارة(: جُعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟ قال: يازرارة متى أدركت ذلك الزمان فلتدع بهذا الدعاء: اللَّهُمَّ عرّفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللَّهُمَّ عرّفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللَّهُمَّ عرّفني حجتك فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللتُ عن ديني...»(١) وفي الحديث إشارة الى الأسس العقائدية للإيمان بإمام العصر وثمار معرفته.

٢ ـ ومن التكاليف المهمة الأخرى التي أكدتها الأحاديث الشريفة لمؤمني عصر الغيبة هو تمتين الارتباط الوجداني بالمهدي المنتظر والتفاعل العملي مع أهدافه السامية والدفاع عنها والشعور الوجداني العميق بقيادته وهذا هو ما تؤكده أيضاً معظم التكاليف التي تذكرها الأحاديث الشريفة كواجبات للمؤمنين تجاه الإمام مثل الدعاء له بالحفظ والنصرة وتعجيل فرجه وظهوره وكبح أعدائه والتصدق عنه والمواظبة على زيارته وغير ذلك مما ذكرته الأحاديث الشريفة وقد جمعها آية الله السيد الإصفهاني في كتابه «مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم» وكتابه «وظائف الأنام في غيبة الإمام».

ـــــــــــ

(١) الكافي: ١/ ٣٣٧، غيبة النعماني: ١٦٦ ـ ١٦٧، كمال الدين: ٢/ ٣٤٢، غيبة الطوسي: ٢٠٢ .

١٤٤

٣ ـ إحياء أمر منهج أهل البيتعليهم‌السلام (١) الذي يمثله ـ عجل الله فرجه ـ بما يعنيه ذلك من العمل بالإسلام النقي الذي دافعوا عنه ونشر أفكارهم والتعريف بمظلوميتهم وموالاتهم والبراءة من أعدائهم والعمل بوصاياهم وتراثهم وما تقدم من تعاليمهم ونبذ الرجوع الى الطاغوت وحكوماته والرجوع الى الفقهاء العدول الذين جعلوهم حجة على الناس في زمن الغيبة والاستعانة بالله في كل ذلك كما ورد في النص:

«وإن أصبحتم لا ترون منهم )الأئمةعليهم‌السلام (أحداً فاستغيثوا بالله عز وجل وانظروا السنة التي كنتم عليها واتبعوها وأحبوا ما كنتم تحبون وابغضوا مَن كنتم تبغضون فما أسرع ما يأتيكم الفرج»(٢) .

٤ ـ تقوية الكيان الإيماني والتواصي بالحق الإسلامي النقي والتواصي بالصبر، وهو من التكاليف التي تتأكد في عصر الغيبة بحكم الصعوبات التي يشتمل عليها; والثبات على منهج أهل البيتعليهم‌السلام : «يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فياطوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان...»(٣) .

ـــــــــــ

(١) المحاسن للبرقي: ١٧٣، الكافي: ٨/ ٨٠، كمال الدين: ٦٦٤ وفي الحديث الشريف ثناء جليل من الإمام الباقر عليه‌السلام على مَن يجند نفسه لأحياء أمر أهل البيت عليهم‌السلام .

(٢) كمال الدين: ٣٢٨ وعنه في بحار الأنوار: ٥١/ ١٣٦.

(٣) كمال الدين: ٣٣٠، بحار الأنوار: ٥٢/ ١٤٥.

١٤٥

هذه عناوين أبرز التكاليف الخاصة بعصر الغيبة وثمة تكاليف خاصة ببعض الحوادث التي تقع فيه أو بعض علائم الظهور مثل مناصرة حركة الموطئة ـ الذين يوطّئون للمهدي سلطانه ـ أو اجتناب فتنة السفياني أو تشديد الحذر عند ظهور بعض العلائم القريبة من أوان الظهور وغير ذلك.

وبعد هذا العرض السريع ننتقل للحديث عن واجب الانتظار الذي يمثل أهم هذه التكاليف ويشتمل العمل به على معظم التكاليف السابقة، ونتناوله ضمن الفقرات التالية.

أهمية الانتظار

تؤكد الأحاديث الشريفة وباهتمام بالغ على عظمة آثار انتظار الفرج; بعنوانه العام الذي ينطبق على الظهور المهدوي كأحد مصاديقه البارزة; وكذلك على انتظار ظهور الإمام بالخصوص. فبعضها تصفه بأنه أفضل عبادة المؤمن كما هو المروي عن الإمام عليعليه‌السلام : «أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله»(١) ، وعبادة المؤمن أفضل بلا شك من عبادة مطلق المسلم، فيكون الانتظار أفضل العبادات الفضلى إذا كان القيام به بنية التعبد لله وليس رغبة في شيء من الدنيا; ويكون بذلك من أفضل وسائل التقرب الى الله تبارك وتعالى كما يشير الى ذلك الإمام الصادقعليه‌السلام في خصوص انتظار الفرج المهدوي حيث يقول: «طوبى لشيعة قائمنا، المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون»(٢) . ولذلك فإن انتظار الفرج هو «أعظم الفرج»(٣) كما يقول الإمام السجادعليه‌السلام ، فهو يدخل المنتظر في زمرةِ أولياء الله.

ـــــــــــ

(١) المحاسن للبرقي وعنه في بحار الأنوار: ٥٢/ ١٣١ .

(٢) كمال الدين: ٣٥٧.

(٣) كمال الدين: ٣٢٠ .

١٤٦

وتعتبر الأحاديث الشريفة أنّ صدق انتظار المؤمن لظهور إمام زمانه الغائب يعزز إخلاصه ونقاء إيمانه من الشك، يقول الإمام الجوادعليه‌السلام : «...له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون..»(١) وحيث إن الانتظار يعزز الإيمان والإخلاص لله عز وجل والثقة بحكمته ورعايته لعباده، فهو علامة حسن الظن بالله، لذا فلاغرابة أن تصفه الأحاديث الشريفة بأنه: «أحب الأعمال الى الله»(٢) ، وبالتالي فهو «أفضل أعمال أمتي»(٣) كما يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الانتظار يرسخ تعلق الإنسان وارتباطه بربه الكريم وإيمانه العملي بأن الله عز وجل غالب على أمره وبأنه القادر على كل شيء والمدبر لأمر خلائقه بحكمته الرحيم بهم، وهذا من الثمار المهمة التي يكمن فيها صلاح الإنسان وطيّه لمعارج الكمال، وهو الهدف من معظم أحكام الشريعة وجميع عباداتها وهو أيضاً شرط قبولها فلا قيمة لها إذا لم تستند الى هذا الايمان التوحيدي الخالص الذي يرسخه الانتظار، وهذا أثر مهم من آثاره الذي تذكره الأحاديث الشريفة نظير قول الإمام الصادقعليه‌السلام : «ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العبادة عملاً إلاّ به... شهادة أن لا اله إلاّ الله وأن محمداً عبدُه ورسوله والاقرار بما أمر الله والولاية لنا والبراءة من أعدائنا ـ يعني الأئمة خاصة ـ والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائمعليه‌السلام ...»(٤) .

ـــــــــــ

(١) كفاية الأثر: ٢٧٩، كمال الدين: ٣٧٨.

(٢) الخصال للشيخ الصدوق: ٢/ ٦١٠، كمال الدين: ٦٤٥، تحف العقول: ١٠٦.

(٣) كمال الدين: ٦٤٤.

(٤) غيبة النعماني: ٢٠٠، إثبات الهداة: ٣/ ٥٣٦.

١٤٧

وتصريح الأحاديث الشريفة بأن التحلي بالانتظار الحقيقي يؤهل المنتظر ـ وبالآثار المترتبة عليه المشار اليها آنفاً ـ للفوز بمقام صحبة الإمام المهدي كما يشير الى ذلك الإمام الصادق في تتمة الحديث المتقدم حيث يقول: «مَن سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر»، وكذلك يجعله يفوز بأجر هذه الصحبة الجهادية وهذا ما يصرح به الصادقعليه‌السلام حيث يقول: «مَن مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائمعليه‌السلام ...»(١) ، ويفوز أيضاً بأجر الشهيد كما يقول الإمام عليعليه‌السلام : «الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله»(٢) ، بل ويفوز بأعلى مراتب الشهداء المجاهدين، يقول الصادقعليه‌السلام : «مَن مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن كان مع القائم في فسطاطه; قال الراوي: ثم مكث هنيئة، ثم قال: لا بل كمن قارع معه بسيفه، ثم قال: لا والله إلاّ كمن استشهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٣) .

والأحاديث المتحدثة عن آثار الانتظار كثيرة ويُفهم منها أن تباين هذه الآثار في مراتبها يكشف عن تباين عمل المؤمنين بمقتضيات الانتظار الحقيقي، فكلما سمت مرتبة الانتظار تزايدت آثارها المباركة وبالطبع فإن الأمر يرتبط بتجسيد حقيقة ومقتضيات الانتظار، ولذلك يجب معرفة معناه الحقيقي، وهذا مانتناوله في الفقرة اللاحقة.

حقيقة الانتظار

الانتظار عبارة عن: «كيفية نفسانية ينبعث منها التهيؤ لما تنتظره; وضده اليأس; فكلما كان الانتظار أشد كان التهيؤ آكد; ألا ترى أنّه اذا كان لك مسافر تتوقع قدومه ازداد تهيؤك لقدومه كلما قرب حينه، بل ربما تبدل رقادك بالسهاد لشدة الانتظار. وكما تتفاوت مراتب الانتظار من هذه الجهة، كذلك تتفاوت مراتبه من حيث حبك لمن تنتظره، فكلما اشتد الحب ازداد التهيؤ للحبيب وأوجع فراقه بحيث يغفل المنتظر عن جميع ما يتعلق بحفظ نفسه ولا يشعر بما يصيبه من الالآم الموجعة والشدائد المفظعة.

ـــــــــــ

(١) كمال الدين: ٦٤٥.

(٢) في الخصال: ٦٢٥ وعنه في بحار الأنوار: ٥٢/ ١٢٣.

(٣) المحاسن للبرقي: ١/٢٧٨، ٢٧٩ ح١٥٣ وعنه في بحار الأنوار: ٥٢/١٢٦ ح ١٨ .

١٤٨

فالمؤمن المنتظر مولاه كلما اشتد انتظاره ازداد جهده في التهيؤ لذلك بالورع والاجتهاد وتهذيب نفسه وتجنّب الأخلاق الرذيلة والتحلّي بالأخلاق الحميدة حتى يفوز بزيارة مولاه ومشاهدة جماله في زمان غيبته كما اتفق ذلك لجمع كثير من الصالحين، ولذلك أمر الأئمة الطاهرونعليهم‌السلام فيما سمعت من الروايات وغيرها بتهذيب الصفات وملازمة الطاعات. بل رواية أبي بصير مشعرة أو دالة على توقف الفوز بذلك الأجر حيث قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «مَن سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل مَن أدركه... ولا ريب أنه كلما اشتد الانتظار ازداد صاحبه مقاماً وثواباً عند الله عز وجل...»(١) .

والانتظار يعني: «ترقب ظهور وقيام الدولة القاهرة والسلطنة الظاهرة لمهدي آل محمدعليهم‌السلام . وإمتلائها قسطاً وعدلاً وانتصار الدين القويم على جميع الأديان كما أخبر به الله تعالى نبيه الأكرم ووعده بذلك، بل بشّر به جميع الأنبياء والأمم; أنه يأتي مثل هذا اليوم الذي لا يعبد فيه غير الله تعالى ولا يبقى من الدين شيء مخفي وراء ستر وحجاب مخافة أحد...»(٢) .

اذن الانتظار يتضمن حالة قلبية توجدها الأصول العقائدية الثابتة بشأن حتمية ظهور المهدي الموعود وتحقق أهداف الأنبياء ورسالاتهم وآمال البشرية وطموحاتها على يديهعليه‌السلام ; وهذه الحالة القلبية تؤدي الى انبعاث حركة عملية تتمحور حول التهيؤ والاستعداد للظهور المنتظر، ولذلك أكدت الأحاديث الشريفة على لزوم ترسيخ المعرفة الصحيحة المستندة للادلة العقائدية بالإمام المهدي وغيبته وحتمية ظهوره كما أشرنا في الواجب الأول.

ـــــــــــ

(١) مكيال المكارم: ٢/ ١٥٢ ـ ١٥٣.

(٢) النجم الثاقب: ٢/ ٤٤٣ من الترجمة العربية.

١٤٩

وعليه يتضح أن الانتظار لا يكون صادقاً إلاّ اذا توفرت فيه: «عناصر ثلاثة مقترنة: عقائدية ونفسية وسلوكية ولولاها لا يبقى للانتظار أي معنى إيماني صحيح سوى التعسف المبني على المنطق القائل:( فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون... ) (١) المنتج لتمني الخير للبشرية من دون أي عمل إيجابي في سبيل ذلك»(٢) .

ولذلك نلاحظ في الأحاديث الشريفة المتحدثة عن قضية الانتظار تأكيدها على معرفة الإمام المهدي ودوره وترسيخ الارتباط المستمر بهعليه‌السلام في غيبته كمظهر للانتظار والالتزام العملي بموالاته والتمسك بالشريعة الكاملة كما اشرنا لذلك في التكاليف السابقة وإعداد المؤمن نفسه كنصير للإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ يتحلى بجميع الصفات الجهادية والعقائدية والأخلاقية اللازمة للمساهمة في إنجاز مهمته الإصلاحية الكبرى، وإلاّ لن يكون انتظاراً حقيقياً.

«إن انتظار الفرج نوعان: انتظار بنّاء باعث للتحرك والالتزام الرسالي، فهو عبادة وأفضل العبادات، وانتظار مخرّب يشل الإنسان عن العمل البنّاء فهو يعتبر نمطاً من أنماط «الإباحية»... إن نوعي الانتظار هذين هما نتيجة لنوعين من الفهم لماهية الظهور التأريخي العظيم للمهدي الموعودعليه‌السلام والبعض يفسّر القضية المهدوية وثورتها الموعودة بأنها ذات صبغة انفجارية لا غير; وأنها نتيجة لانتشار الظلم والتمييز والقمع وغصب الحقوق والفساد... فعندها يقع الانفجار وتظهر يد الغيب لإنقاذ الحق... وعليه فإن أفضل عون يمكن أن يقدمه الإنسان لتعجيل الظهور المهدوي وأفضل أشكال الانتظار هو (السماح بـ) ترويج الفساد...

ـــــــــــ

(١) المائدة (٥): ٢٤ .

(٢) تاريخ الغيبة الكبرى: ٣٤٢.

١٥٠

لكن المستفاد من الآيات أن ظهور المهدي الموعود حلقة من حلقات مجاهدة أنصار الحق لأشياع الباطل التي تكون عاقبتها الانتصار الكامل لأنصار الحق ومشاركة الإنسان في الحصول على هذه السعادة مرهون بأن يدخل عملياً في صفوف أنصار الحق...

ويُستفاد من الروايات الإسلامية أن ظهور المهديعليه‌السلام يقترن ببلوغ جبهتي السعداء والأشقياء ذروة عملهم كل حسب أهدافه لا أن ينعدم السعداء ويبلغ الأشقياء ذروة إجرامهم وظلمهم، وتتحدث الأحاديث الشريفة عن صفوة من أنصار الحق تلتحق بالإمام فور ظهوره... فحتى لو فرضنا أنهم قلة من الناحية الكمية إلاّ أنهم من الناحية الكيفية خيرة أهل الإيمان وبمستوى انصار سيد الشهداءعليه‌السلام ; كما تتحدث عن التمهيد لثورة الإمام المهدي بسلسلة من الانتفاضات التي يقوم بها أنصار الحق... كما تتحدث بعضها عن حكومة يقيمها أنصار الحق وتستمر حتى تفجر ثورة الإمام المهدي»(١) .

إذن يتضح مما تقدم أن للانتظار الشرعي المطلوب جملة من الشروط لا يتحقق بدونها العمل به كأهم تكاليف المؤمنين في عصر الغيبة وقد تحدثت عنها الأحاديث الشريفة وجمعها الإمام السجادعليه‌السلام حيث قال ضمن حديث

ـــــــــــ

(١) النهضة والثورة المهدوية للشهيد المطهري رحمه‌الله : ٦١ ـ ٨١ من الطبعة الفارسية (بتلخيص).

١٥١

له عن القضية المهدوية: «إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة العيان وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً والدعاة الى دين الله عز وجل سراً وجهراً»(١) .

شروط الانتظار

على ضوء هذا النص والتوضيحات الذي تقدمته يمكن إجمال شروط الانتظار في النقاط التالية التي تتضمن أيضاً توضيح السبيل العملي الذي ينبغي للمؤمن انتهاجه لكي يكون منتظراً حقيقياً:

١ ـ ترسيخ معرفة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ والإيمان بإمامته والقيام بمهامها في غيبته ومعرفة طبيعة دوره التأريخي وأبعاده والواجبات التي يتضمنها ودور المؤمنين تجاهه، وترسيخ الارتباط بهعليه‌السلام وبدوره التأريخي. وكذلك الإيمان بأن ظهوره محتمل في أي وقت، الأمر الذي يوجب أن يكون المؤمن مستعداً له في كل وقت. بما يؤهله للمشاركة في ثورته.

ولتحقق هذا الاستعداد اللازم لكي يكون الانتظار صادقاً يجب التحلي بالصفات الأخرى التي يذكرها الإمام السجادعليه‌السلام والتي تمثل في واقعها الشروط الأخرى لتحقق مفهوم الانتظار على الصعيد العملي، كما نلاحظ في الفقرات اللاحقة.

٢ ـ ترسيخ الاخلاص في القيام بمختلف مقتضيات الانتظار وتنقيته من جميع الشوائب والأغراض المادية والنفسية، وجعله خالصاً لله تبارك وتعالى وبنيّة التعبد له والسعي لرضاه، وبذلك يكون الانتظار «أفضل العبادة»، وقد صرّح آية الله السيد محمد تقي الإصفهاني بأنّ توفر هذه النيّة الخالصة شرط في القيام بواجب الانتظار. وعلى أي حال فإنّ توفر هذا الشرط يرتبط بصورة مباشرة بالإعداد النفسي لنصرة الإمام عند ظهوره; لأنّ فقدانه يسلب المنتظر الأهلية اللازمة لتحمل صعاب نصرة الإمام ـ عجل الله فرجه ـ في مهمته الإصلاحية الجهادية الكبرى.

ـــــــــــ

(١) كمال الدين: ٣١٩.

١٥٢

٣ ـ تربية النفس وإعدادها بصورة كاملة لنصرة الإمام من خلال صدق التمسك بالثقلين والتخلق بأخلاقهما ليكون المؤمن بذلك من أتباع الإمام المهديعليه‌السلام حقاً: «وشيعتنا صدقاً» وتتوفر فيه شروط الشخصية الإلهية والجهادية القادرة على نصرة الإمام في طريق تحقيق أهدافه الإلهية، وفي ذلك تمهيد لظهورهعليه‌السلام على الصعيد الشخصي.

٤ ـ التحرك للتمهيد للظهور المهدوي على الصعيد الاجتماعي بدعوة الناس الى دين الله الحق وتربية أنصار الإمام والتبشير بثورته الكبرى، ونلاحظ في حديث الامام السجادعليه‌السلام وصفه للمنتظرين بأنهم «الدعاة الى دين الله عز وجل سرّاً وجهراً»، وفي ذلك إشارة بليغة الى ضرورة استمرار تحرك المنتظرين في التمهيد للظهور ورغم كل الصعاب، فإذا كانت الأوضاع موائمة دعوا لدين الله جهراً وإلاّ كان تحركهم سرياً دون أن يسوّغوا لانفسهم التقاعس عن هذا الواجب التمهيدي تذرّعاً بصعوبة الظروف.

١٥٣

وعلى ضوء ماتقدم يتضح أن الانتظار الحقيقي يتضمن حركة بناء مستمرة واستعداد لظهور المنقذ المنتظر على الصعيدين الفردي والاجتماعي مهما كانت الصعاب والتضحيات، يقول الإمام الخمينيقدس‌سره في آخر بيان أصدره بمناسبة النصف من شعبان قبل وفاته: «سلام عليه (المهدي الموعود) وسلام على منتظريه الحقيقيين، سلام على غيبته وظهوره، وسلام على الذين يدركون ظهوره على نحو الحقيقة ويرتوون من كأس هدايته ومعرفته سلام على الشعب الايراني العظيم الذي يمهد لظهوره بالتضحيات والفداء والشهادة...»(١) .

الانتظار وتوقّع الظهور الفوري

إضافة الى تصريحهم بوجوب إنتظار الامام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ في غيبته استناداً الى كثرة النصوص الشرعية الآمرة بذلك على نحو الفرج الإلهي العام أو الفرج المهدوي على نحو الخصوص، فقد صرحوا بوجوب توقع ظهور الإمام في كل حين استناداً الى النصوص الشرعية أيضاً، يقول السيدالشهيد محمد الصدررحمه‌الله : «من الأخبار الدالة على التكليف في عصر الغيبة مادل على وجوب الانتظار الفوري وتوقع الظهور الفوري في كل وقت بالمعنى الذي سبق أن حققناه»(٢) ، ويقول السيد محمد تقي الإصفهاني بعد نقله لمجموعة من الأحاديث الدالة على وجوب الانتظار الفوري: «المقصود من توقع الفرج صباحا ومساء هو الانتظار للفرج الموعود في كل وقت يمكن وقوع هذا الأمر المسعود ولا ريب في إمكان وقوع ذلك في جميع الشهور والأعوام بمقتضى أمر المدبّر العلام، فيجب الانتظار له على الخاص والعام»(٣) .

وشمولية وجوب الانتظار لجميع المسلمين التي يصرّح بها السيد

ـــــــــــ

(١) صحيفة نور: ٢١.

(٢) تأريخ الغيبة الكبرى: ٤٢٧.

(٣) مكيال المكارم: ٢/ ١٥٨ ـ ١٥٩.

١٥٤

الاصفهاني في ذيل مانقلناه عنه آنفاً يؤكدها السيد الشهيد محمد الصدررحمه‌الله استناداً الى الاتفاق بين المسلمين على حتمية ظهور المهديعليه‌السلام بعد تواتر أحاديثه: «بنحو يحصل اليقين بمدلولها وينقطع العذر عن إنكاره أمام الله عز وجل; وبعد العلم بإناطة تنفيذ ذلك الغرض بإرادة الله تعالى وحده من دون أن يكون لغيره رأي في ذلك، إذن فمن المحتمل في كل يوم أن يقوم المهديعليه‌السلام بحركته الكبرى لتطبيق ذلك الغرض لوضوح احتمال تعلق إرادة الله تعالى به في أي وقت. ولا ينبغي أن تختلف في ذلك الاطروحة الإمامية لفهم المهديعليه‌السلام عن غيرها; إذ على تلك الاطروحة يأذن الله تعالى بالظهور بعد الاختفاء، وأما على الأطروحة القائلة بأن المهديعليه‌السلام يُولد في مستقبل الدهر ويقوم بالسيف، فمن المحتمل أيضاً أن يكون الآن مولوداً ويوشك أن يأمره الله تعالى بالظهور، وهذا الاحتمال قائم في كل وقت»(١) ، ويستند الى الطريقة نفسها في تتمة حديثه للقول بوجوب الانتظار الفوري على كل مَن يؤمن بالمنقذ الموعود من أتباع الديانات الأخرى.

تبقى قضية علائم الظهور التي ذكرت الأحاديث الشريفة أنها تسبق الظهور المهدوي، وتعارضها مع القول بوجوب الانتظار الفوري، وهو تعارض مرفوع بأن انتظار الحتمي منها هو انتظار للظهور في الواقع لأنها جزء كما أنّ زمن وقوع العلائم الحتمية للظهور قريب من موعد الظهور وأما شرائط الظهور وتوفير الأوضاع اللازمة له فإنّ من المحتمل اكتمالها في كل حال. يقول السيد الشهيد محمد الصدررحمه‌الله : «إن العلامات يحتمل وقوعها في أي وقت ويحتمل أن يتبعها ظهور المهديعليه‌السلام بوقت قصير، وأما شرائط الظهور فيحتمل

ـــــــــــ

(١) تأريخ الغيبة الكبرى: ٣٤١ ـ ٣٤٢.

١٥٥

اكتمالها وانجازها في أي وقت أيضاً، وقلنا بأن وجود هذا الاحتمال في نفس الفرد كاف في إيجاد الجو النفسي للانتظار الفوري»(١) .

وهذا الجو النفسي المطلوب في الانتظار الفوري هو الذي يشكل الدوافع المحرضة للمؤمن لكي يسارع في توفير الشروط اللازمة لنصرة إمامه المهدي ـ عجل الله فرجه ـ من خلال إعداد نفسه وغيره بالتهذيب والتربية اللازمة للتحلي بخصال أنصار المهدي.
ومن الضروري استكمالاً للبحث في موضوع وجوب الانتظار كأحد أهم واجبات المسلمين في عصر الغيبة، الإشارة الى حرمة اليأس من الظهور وهو الأصل الذي يستند الى أدلة قرآنية عامة تشكل أحد أدلة وجوب الانتظار، وقد بحث آية الله السيد محمد تقي الإصفهانيرحمه‌الله هذا الموضوع مفصّلاً واستعرض النصوص الشرعية وبيّن دلالاتها والأحكام المستنبطة منها بشأن أقسام اليأس المتصورة بالنسبة الى ظهور المهدي الموعود، وخلص في بحثه الى إثبات حرمة اليأس من ظهوره أصلاً; لاتفاق المسلمين على حتمية تحقق ذلك، وكذلك حرمة اليأس من وقوع الظهور في مدة معيّنة، وكذلك اليأس من قرب ظهوره(٢) .

ـــــــــــ

(١) تاريخ الغيبة الكبرى: ٣٦٢ ـ ٣٦٣.

(٢) مكيال المكارم: ٢ / ١٥٧ ـ ١٦٢.

١٥٦

الباب الخامس: وفيه فصول:

الفصل الأول: علائم ظهور المهديعليه‌السلام .

الفصل الثاني: سيرة الإمام المهديعليه‌السلام عند الظهور .

الفصل الثالث: قبسات من تراث الإمام المهديعليه‌السلام .

الفصل الأول:علائم ظهور الإمام المهديعليه‌السلام

ملاحظات بشأن علائم الظهور

عرفنا من الحديث عن تكاليف المؤمنين في عصر غيبة الإمام ـ عجل الله فرجه ـ أن الأحاديث الشريفة تأمر بانتظار ظهوره وتوقعه في كل آن، وهذا تكليف تربوي يهدف الى جعلهم ساعين باتجاه تحقيق الاستعداد الكامل وباستمرار لنصرته عندما يظهر.

ولكن الى جانب هذا الأمر المؤكد تذكر الأحاديث الشريفة مجموعة من الحوادث والاُمور كعلائم لظهورهعليه‌السلام يهتدي بها المؤمنون لترسيخ وتسريع استعدادهم لنصرته والمساهمة في إنجاز مهمته الإصلاحية الكبرى.

والجمع بين هاتين الطائفتين من الأحاديث الشريفة، هو أن الأمر بتوقع الظهور في كل حين يستند الى إمكان وقوع ذلك متى ما شاءت الإرادة الإلهية، فتعجّل في تحقيق العلائم المذكورة في الطائفة الثانية أو تلغي بعضها لحكمة ربانية في تدبير شؤون العباد إذا علم منهم صدقهم في الاستعداد لنصرته مثلاً، أو أن يكون المقصود من توقع الظهور الفوري توقع تحقق العلائم المذكورة في الأحاديث الشريفة والحتمية الوقوع; لأن وقوعها إعلان ظهور الإمامعليه‌السلام (١) . وقد تقدمت اشارة أخرى الى هذه القضية ضمن الحديث عن واجب الانتظار.

وبهذا تتحصل للمؤمنين الثمار المرجوة من الأمر بوجوب توقع ظهوره ـ عجل الله فرجه ـ في كل حين، وكذلك تتحصل لهم الثمار المرجوة من تعريفهم بعلائم ظهوره لتسريع استعدادهم والقيام بالتكاليف الخاصة ببعض العلائم التي تقرن الأحاديث الشريفة ذكرها بذكر واجبات خاصة بها.

ـــــــــــ

(١) راجع تفصيل السيد الإصفهاني لهذه النقطة في كتابه مكيال المكارم: ٢/ ١٦٠  ومابعدها.

١٥٧

العلائم الحتمية وغير الحتمية

وتذكر الأحاديث الشريفة قسمين رئيسين من علائم ظهور الإمام ـ عجل الله فرجه ـ القسم الأوّل ماهو حتمي الوقوع، والقسم الثاني ماهو غير حتمي بل قد لا يقع إذا اقتضت الحكمة الإلهية ذلك. كما أن بعض هذه العلائم قريبة من زمن الظهور وبعضها سابق له بفترة طويلة.

اللغة الرمزية في أحاديث العلامات

كما تنبغي الإشارة هنا الى أن الأحاديث الشريفة تحدثت عن كثير من علائم الظهور بلغة الرمز والإشارة، لذا من الضروري لمعرفتها على نحو الدقة دراسة هذه اللغة ومعرفتها، كما ينبغي استجماع كل ماورد بشأن كل علامة من تفصيلات في الأحاديث الشريفة ودراستها بعيداً عن التأثر بالقناعات السابقة وبتأنّي وبدقة للتوصل الى مصداقها الحقيقي وعدم الوقوع في التطبيقات العجولة التي تبعد عن الهدف المراد من ذكر هذه العلائم، خاصة وأن اللغة الرمزية بطبيعتها تجعل من الممكن تطبيق كل علامة على أكثر من مصداق وهذا خلاف الهدف المراد من ذكرها أيضاً.

كما أنّ من الضروري الإشارة الى أن بعض الأحاديث الشريفة التي ذكرت علامات الظهور، حددت تكاليف محددة للمؤمنين ـ على نحو التصريح أو الإشارة تجاهها ـ فينبغي عند دراستها السعي للتعرف على هذه التكاليف للحصول على الثمار المرجوة من ذكرها.

وحيث إنّ علائم الظهور ترتبط بقضايا غيبية، لذلك فإنّها تعرضت للكثير من التحريف وداخَلها الوضع، لذا ينبغي التدقيق في هذا الجانب لتمييز الصحيح منها من الموضوع. على أنّ ثمة قضية مهمة اُخرى في هذا المجال هي وجود مجموعة من العلامات التي ذكرتها بعض الأحاديث الشريفة المرسلة أو غير المسندة ثم جاء الواقع التأريخي مصدّقاً لها فهذا دليل صحتها، لأنه أثبت أنه تحدثت عن قضايا قبل وقوعها وهذا مالا يمكن صدوره إلاّ من جهة ينابيع الوحي الإلهي.

١٥٨

أبرز علائم الظهور

والبحث في علائم الظهور طويل لا يسعه هذا المختصر، فنكتفي بعد هذه الملاحظات بنقل مالخّصه الشيخ المفيدرضي‌الله‌عنه من الأحاديث الشريفة مع الإشارة الى أن ثمة علامات أخرى لم يذكرها.

يقولرحمه‌الله : ـ «قد جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام المهديعليه‌السلام وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات: فمنها: خروجُ السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهَدمُ سور الكوفة، وإقبال رايات سود من قِبَلِ خراسان، وخروج اليماني، وظُهور المغربي بمصرَ وتملُّكُه للشامات، ونزول التُرك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرقِ يُضيءُ كما يُضيءُ القمر ثم يَنعطفُ حتى يكاد يلتقي طَرَفاه، وحُمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طُولاً وتبقى في الجوِّ ثلاثة أيّام أو سبعة أيّام، وخلعُ العرب أعنَّتها وتملُّكها البلاد وخُروجُها عن سلطان العجم، وقتلُ أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاثة رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة، وإقبالُ رايات سُود من المشرق نحوها، وبثقٌ في الفرات حتى يدخُل الماءُ أزقّة الكوفة، وخُروجُ ستين كذّاباً كلُّهم يدَّعي النبوة، وخُروج اثني عشر من آل أبي طالب كلُّهم يدّعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر ممّايلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار; وزلزلة حتى ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق، وموت ذريع فيه، ونقص من الأنفس والأموال الثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلاّت، وقلّة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخٌ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد

١٥٩

السادات، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كلُّ أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون.

ثم يُختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتَّصل فتحيا بها الأرض من بعد موتها وتعرف بركاتها، وتزول بعد ذلك كلُّ عاهة عن معتقدي الحقِّ من شيعة المهديعليه‌السلام ، فيعرفون عند ذلك ظُهوره بمكة فيتوجَّهون نحوه لُنصرته. كما جاءت بذلك الأخبار.

ومن جملة هذه الأحداث محتومة ومنها مشترطة، والله أعلم بما يكون، وإنّما ذكرناها على حسب ما ثبت في الاُصول وتضمَّنها الأثر المنقول، وبالله نستعين وإيّاه نسأل التوفيق»(١) .

زوال علل الغيبة

اضافة الى هذه العلامات التي نصت عليها الأحاديث الشريفة; فإنّ المستفاد من الأحاديث الشريفة أن من العلائم المهمة لظهور الإمام المهديـ عجل الله فرجهـ ; زوال العلل والعوامل التي أدت الى غيبته وتوفر الأوضاع المناسبة لقيامه ـ سلام الله عليهـ بمهمته الإصلاحية الكبرى(٢) ، والتي منها:

١ ـ اكتمال عملية التمحيص والغربلة للمؤمنين وتوفر العدد اللازم من الأنصار الأوفياء بمختلف مراتبهم التي أشرنا اليها ضمن الحديث عن علل الغيبة; اي المرتبة العليا من الأنصار الذين يتحلون بالكفاءات القيادية اللازمة لمعاونته في اقامة الحكومة الاسلامية العالمية العادلة وإدارة شؤونها وقبل ذلك إدارة حركة الصراع ضد الكفر والشرك والعبوديات الطاغوتية ودحرها وإزالتها بالكامل.

ـــــــــــ

(١) الإرشاد للشيخ المفيد: ٢/ ٣٦٨ ـ ٣٧٠ .

(٢) تُراجع نصوص الأحاديث الشريفة التي أوردناها في الحديث عن علل الغيبة الكبرى.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199