اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)30%

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 199

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
  • البداية
  • السابق
  • 199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 134869 / تحميل: 9039
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

اعلام الهداية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ومثله ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ )(١) ، وعدّه في حاوي الأقوال في الضعاف(٢) .

وناقش البهبهاني ( ت ١٢٠٥ هـ ) في التعليقة على وقفه ، وقال : الحكم بوقفه لا يخلو من شيء ; لما مرّ في الفوائد ، وأنّ الظاهر أنّ حكم الخلاصة به ممّا ذكر في رجال الكاظم ( عليه السلام ) والكشّي ، وفي الظنّ أنّ ما في رجال الكاظم ( عليه السلام ) ممّا في رجال الكشّي.

وبالجملة : لا يبقى وثوق في عدم كونه منه ، وبعض أشياخ حمدويه غير معلوم الحال ، فليتأمّل ، ورواية ابن أبي عمير عنه تشير إلى وثاقته ، وكذا رواية علي بن الحسين(٣) ، ورواية الجماعة كتابه تشير إلى الاعتماد عليه ، وكذا كونه كثير الرواية ، وكون أكثرها سديدة مضمونها مفتى به ، معمول عليه ، إلى غير ذلك ممّا مرّ في الفوائد(٤) .

وأجاب الشيخ أبو علي ( ت ١٢١٦ هـ ) عليه : فالتوقّف في وقفه بعد شهادة عدلين مرضيين ، بل وعدول مرضيين ، لعلّه ليس بمكانه ، وقوله سلّمه الله : بعض أشياخ ، إلى آخره ، عجيب! إذ لا شكّ في كونه من فقهائنا ( رضي الله عنه ) ، مع أنّه سلّمه الله كثيراً ما يقول في أمثال المقام : إنّ المراد ليس مجرّد نقل القول ، بل الظاهر أنّه للاعتماد عليه والاستناد إليه ، فتأمّل جدّاً.

وما ذكره سلّمه الله من المؤيّدات لا ينافي الوقف أصلاً.

نعم ، لا يبعد إدخال حديثه في القوي ، وخروجه بذلك من قسم

____________

[ ٢٧٤ ].

١ ـ رجال ابن داود : ٢٤٥ [ ١٨٠ ] ، القسم الثاني ، وانظر : نقد الرجال ٢ : ٢٢٤ [ ١٩٠٩ ].

٢ ـ حاوي الأقوال ٣ : ٤٦٠ [ ١٥٥٣ ].

٣ ـ الظاهر أنّ ( الحسين ) تصحيف ( الحسن ).

٤ ـ منهج المقال : ١٣٨ ، الهامش.

٦١

الضعيف(١) ، ومثله المامقاني في تنقيحه(٢) .

وفي خاتمة المستدرك ـ بعد أن عدّ جماعة من الثقات رووا عنه ـ قال : وهؤلاء جماعة وجدنا روايتهم عن درست في الكتب الأربعة ، وفيهم : ابن أبي عمير ، والبزنطي ، اللذان لا يرويان إلاّ عن ثقة ، وفيهم من الذين أجمعت العصابة على تصحيح أخبارهم ، أربعة : هما ، والحسن بن محبوب ، وعبد الله بن بكير ، ويأتي في شرح أصل النرسي أنّ الإجماع المذكور من أمارات الوثاقة.

وفيهم من الثقات الأجلاّء غيرهم ، جماعة : كالوشّاء ، وابن سويد ، وابن نهيك ، وابن مهران ، وابن معبد الذي يروي عنه صفوان بن يحيى ، والحسين بن زيد ، وأبو شعيب المحاملي ، وابن أسباط ، وإبراهيم بن محمّد ابن إسماعيل ، وسعد بن محمّد ، الذين يروي عنهم علي الطاطري ، وقد قال الشيخ ( قدس سره ) : إنّ الطائفة عملت بما رواه الطاطريون.

وبعد رواية هؤلاء عنه لا يبقى ريب في أنّه في أعلى درجة الوثاقة ، ورواياته مقبولة وكتابه معتمد ، وقد تأمّل في التعليقة في وقفيّته ، ولعلّه في محلّه ، ولا حاجه لنا إلى شرحه(٣) .

ثمّ إنّه قد يستظهر من قول الكشّي ( القرن الرابع ) أنّه كان من أصحاب الرضا ( عليه السلام ) ، ولكنّي لم أجد له رواية عن الرضا ( عليه السلام ) ، وظاهر الكشّي لا يلائم قوله بالوقف كما صرّح به الكلّ.

نعم ، روى الكليني ( ت ٣٢٩ هـ ) رواية عن محمّد بن يحيى ، عن

____________

١ ـ منتهى المقال ٣ : ٢١٦ [ ١١٢٥ ].

٢ ـ تنقيح المقال ١ : ٤١٧ [ ٣٨٨٠ ] ، وانظر : أعيان الشيعة ٦ : ٣٩٥ ، قاموس الرجال ٤ : ٢٧٤ [ ٢٧٦٢ ] ، معجم رجال الحديث ٨ : ١٤٤ [ ٤٤٦٤ ].

٣ ـ خاتمة المستدرك ١ : ٤٣ ، وانظر ٤ : ٢٨٨ [ ١١٣ ] ، و ٧ : ٣٦١ [ ٨٨٥ ].

٦٢

محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن عبيد الله الدهقان ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام )(١) ، في باب ( ما لا يؤكل من الشاة وغيرها ).

ولكن هذه الرواية رواها البرقي ( ت ٢٧٤ أو ٢٨٠ هـ ) في المحاسن ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد(٢) .

والطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في التهذيب عن محمّد بن أحمد بنفس سند الكليني(٣) .

والراوندي ( ت ٥٧٣ هـ ) في فقه القرآن(٤) ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) مجرّداً بدون ( الرضا ) ، وهو ينصرف إلى موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) ، بل إنّ الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) ذكرها في الوسائل عن الكليني بدون ( الرضا )(٥) ، فتأمّل.

كما لم أجد رواية أُخرى لإبراهيم بن عبد الحميد عن الرضا ( عليه السلام ) غير ما في الكافي ، وإذا كان هو المُصرّح بوقفه فالمطلوب أوضح.

وبالتالي فإنّ المتيقّن أنّ درست بن أبي منصور كان من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، ولا يعلم أنّه بقي إلى عصر الرضا ( عليه السلام ) أو لا ، أو بالأحرى لا يعلم هل بقي إلى القرن الثالث أو لا ، فلاحظ.

أصل ( كتاب ) درست :

ذكر النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) طريقيه إليه ، وقال : له كتاب يرويه

____________

١ ـ الكافي ٦ : ٢٥٣ ، ح ١ ، باب : ما لا يؤكل من الشاة وغيرها.

٢ ـ المحاسن ٢ : ٢٦٣ [ ١٨٣٦ ].

٣ ـ التهذيب ٩ : ٨٤ [ ٣١٣ ].

٤ ـ فقه القرآن ٢ : ٢٥٨.

٥ ـ الوسائل ٢٤ : ١٧١ ح ١ ، باب ما يحرم من الذبيحة ، وما يكره منها.

٦٣

جماعة ، منهم سعد بن محمّد الطاطري ، عمّ علي بن الحسن الطاطري ، ومنهم محمّد بن أبي عمير ، أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، قال : حدَّثنا أحمد ابن جعفر ، قال : حدَّثنا حُميد بن زياد ، قال : حدَّثنا محمّد بن غالب الصيرفي ، قال : حدَّثنا علي بن الحسن الطاطري ، قال : حدَّثنا عمّي سعد بن محمّد أبو القاسم ، قال : حدَّثنا دُرست بكتابه ، وأخبرنا محمّد بن عثمان ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمّد ، قال : حدَّثنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك ، قال : حدَّثنا محمّد بن أبي عمير عن درست بكتابه(١) .

وطريق الشيخ ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست : أخبرنا بكتابه أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد بن الزبير القرشي ، عن أحمد بن عمر بن كيسبة ، عن علي بن الحسن الطاطري ، عن درست ، ورواه حميد عن ابن نهيك ، عن درست(٢) .

وقال الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) في مشيخته : وما كان فيه عن درست بن أبي منصور ، فقد رويته عن أبي ( رحمه الله ) ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي الوشّا ، عن درست بن أبي منصور الواسطي(٣) .

وطريق الصدوق إليه صحيح ، قاله في الخلاصة(٤) ، وقال النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) : رجال السند من الأجلاّء الثقات(٥) ، وقال : وأمّا طريق الشيخ فهو مجهول في الفهرست بأحمد بن عمر بن كيسبة(٦) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ١٦٢ [ ٤٣٠ ].

٢ ـ فهرست الطوسي : ١٨٦ [ ٢٨٨ ].

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ : ٧٨ شرح مشيخة الفقيه.

٤ ـ خلاصة الأقوال : ٤٤١ ، الفائدة الثامنة ، وانظر : عدّة الرجال ٢ : ١٢٩ ، الفائدة السادسة.

٥ ـ خاتمة المستدرك ٤ : ٢٨٨ [ ١١٣ ].

٦ ـ خاتمة المستدرك ٦ : ١٣٩ [ ٢٧٤ ] ، وانظر : معجم رجال الحديث ٨ : ١٤٦ [ ٤٤٦٤ ].

٦٤

والنسخة التي اعتمد عليها صاحب البحار نسخة قديمة تحتوي على أُصول لرواة آخرين ، قال في أوّل البحار : مع أنّا أخذناهما ( يريد أصل النرسي والزرّاد ) من نسخة قديمة مصحّحة بخطّ الشيخ منصور بن الحسن الآبي ( النصف الأوّل من القرن الخامس ) ، وهو نقله من خطّ الشيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي ( النصف الثاني من القرن الرابع ) ، وكان تاريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، وذكر أنّه أخذها وسائر الأُصول المذكورة(١) بعد ذلك من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسى التلعكبري ( رحمه الله ) ( ت ٣٨٥ هـ )(٢) .

ولكنّه لم يذكر أصل درست ضمن هذه الأُصول في النسخة ، وسببه أنّ أوّل أصل درست كان ساقطاً.

قال النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) في خاتمة مستدركه في الفائدة الثانية : وكتاب درست وأخواته(٣) ، إلى جزء من نوادر علي بن أسباط ، وجدناها مجموعة منقولة كلّها من نسخة عتيقة صحيحة بخطّ الشيخ منصور بن الحسن الآبي ، وهو نقلها من خطّ الشيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي ، وكان تاريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، وذكر أنّه أخذ الأُصول المذكورة من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسى التلعكبري ، وهذه النسخة كانت عند العلاّمة المجلسي ( قدس سره ) ( ت ١١١١ هـ ) ، كما صرّح به في أوّل البحار ، ومنها انتشرت النسخ ، وفي أوّل جملة منها وآخرها يذكر صورة النقل.

____________

١ ـ يذكر ثلاثة عشر أصلا ، ولم يذكر أصل درست ، وسيأتي توضيحه في المتن.

٢ ـ البحار ١ : ٤٣ ، توثيق المصادر.

٣ ـ الأُصول المذكورة في كتاب الأُصول الستّة عشر ، ما عدا كتاب ديّات ظريف : ١٣٤ ، ومختصر علاء : ١٤٩.

٦٥

أمّا كتاب درست : فهو ساقط من أوّله(١) ، وفي آخره : تمّ كتاب درست ، وفرغت من نسخه من أصل أبي الحسن محمّد بن الحسن بن الحسين بن أيوّب القمّي ( النصف الثاني من القرن الرابع ) أيّده الله ، سماعاً له عن الشيخ أبي محمّد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري أيّده الله ، بالموصل ، في يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي القعدة سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، والحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليماً(٢) .

ولكن في المطبوعة لم ترد صورة النقل في أوّلها ، ولم يذكر اسم الشيخ منصور بن الحسن الآبي وإن جاء اسمه في ضمن الكتاب ، وفي آخرها لا توجد جملة ( تمّ كتاب درست ) ، وإنّما يوجد ما بعدها ، والظاهر أنّه سقط من النساخ ; لأنّ الأحاديث الموجودة عن أصل درست مصدّرة باسمه(٣) .

وعلى هذه النسخة خطّ الشيخ الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) ، هكذا : إعلم أنّي تتبّعت أحاديث هذه الكتب الأربعة عشر ـ أي عدا ديّات ظريف ومختصر علاء ـ فرأيت أكثر أحاديثها موجوداً في الكافي ، أو غيره من الكتب المعتمدة ، والباقي له مؤيّدات فيها ، ولم أجد فيها شيئاً منكراً سوى حديثين محتملين للتقيّة وغيرها ، حرّره محمّد العاملي(٤) .

وقال الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة : وهذا الكتاب أيضاً من الكتب الموجودة الباقية على الهيئة الأوّليّة ، وترتيبها أوّله الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليماً ، رأيت نسخة منه في

____________

١ ـ الأُصول الستّة عشر : ١٥٨.

٢ ـ خاتمة المستدرك ١ : ٣٨ ، الفائدة الثانية.

٣ ـ انظر الأُصول الستّة عشر من أوّله ، وصفحة ١٥٨ ، وصفحة ١٦٩ ( الأخيرة ).

٤ ـ كتاب الأُصول الستّة عشر : ١٧٠.

٦٦

كربلاء عند السيّد إبراهيم بن السيّد هاشم القزويني المتوفّى ( ٧ ـ ٢ ـ ١٣٦٠ ) ، وهي بخطّ السيّد علي أكبر بن السيّد حسين الحسيني ، فرغ من الكتابة في النجف ( ١٢٨٦ ) وذكر أنّه استنسخها عن نسخة قوبلت من أصل أبي الحسن محمّد بن الحسن بن الحسين القمّي(١) .

ولكن الجملة المذكورة على أنّها في أوّله غير موجودة في المطبوع ، والظاهر أنّه كذلك في النسخة الخطيّة ، لما عرفت من نصّ النوري على أنّها ساقطة الأوّل ، فقد تكون من زيادات الناسخ ; لأنّ هذه النسخة في كربلاء مأخوذة من تلك النسخة ـ الأصل ـ على أنّ آخر أصل درست فيه هذه الجملة ( والحمد لله رب العالمين ) كما عرفت فيما نقلنا من المطبوع ، فلعلّه كان سبق قلم من العلاّمة الطهراني عندما قال أوّلها ويريد آخرها.

____________

١ ـ الذريعة ٦ : ٣٣٠ ( ١٨٨٩ ) ، وانظر : طبقات أعلام الشيعة ١ ( القرن الرابع ) : ٢٦١ ، ٣٢١ ، ٣٢٩، ٢ ( القرن الخامس ) : ١٩٦.

٦٧
٦٨

(٣) كتاب : الوصيّة

لعيسى بن المستفاد ( النصف الثاني من القرن الثاني )

الحديث :

قال السيّد ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) في الطرف(١) :

عن عيسى بن المستفاد ، قال : حدَّثني موسى بن جعفر ، قال : سألت أبي جعفر بن محمّد ( عليه السلام )(٢) .

وعنه ، عن أبيه ، قال : لمّا حضرت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الوفاة دعا الأنصار ، وقال : « يا معشر الأنصار ، قد حان الفراق ، وقد دُعيت وأنا مجيب الداعي ، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار ، ونصرتم فأحسنتم النصرة ، وواسيتم في الأموال ، ووسعتم في السكنى ، وبذلتم لله مهج النفوس ، والله مجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفى.

وقد بقيت واحدة ، وهي تمام الأمر وخاتمة العمل ، العمل معها مقرون به جميعاً ، إنّي أرى أن لا يفرّق بينهما جميعاً ، لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست ، من أتى بواحدة وترك الأُخرى كان جاحداً للأُولى ، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا ».

قالوا : يا رسول الله ، فأَبنِ لنا نعرفها ، ولا نمسك عنها فنضلّ ونرتدّ

____________

١ ـ كتاب الوصيّة لعيسى بن المستفاد مفقود ، ولا نعرف منه إلاّ ما نقله ابن طاووس في طرفه ، وما أوردناه منه.

٢ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١١٥ ، الطرفة الأُولى.

٦٩

عن الإسلام ، والنعمة من الله ومن رسوله علينا ، فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله ، [ وقد بلّغت ونصحت وأدّيت ، وكنت بنا رؤوفاً رحيماً ، شفيقاً مشفقاً ، فما هي يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله )؟ ](١) .

قال لهم : « كتاب الله وأهل بيتي ، فإنّ الكتاب هو القرآن ، وفيه الحجّة والنور والبرهان ، وكلام الله جديد غضّ طريّ ، شاهد ومحكم عادل ، دولة قائد بحلاله وحرامه وأحكامه ، بصير به ، قاض به ، مضموم فيه ، يقوم غداً فيحاجّ به أقواماً ، فتزلّ أقدامهم عن الصراط ، فاحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي ، فإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

ألا وأنّ الإسلام سقف تحته دعّامة ، ولا يقوم السقف إلاّ بها ، فلو أنّ أحدكم أتى بذلك السقف ممدوداً لا دعّامة تحته ، فأوشك أن يخرّ عليه سقفه فهوى في النار.

أيّها الناس ، الدعّامة دعّامة الإسلام ، وذلك قوله تبارك وتعالى( إليه يصْعَدُ الكَلِمُ الطيّبُ والعَمَلُ الصّالِحُ يرفَعُه ) ، فالعمل الصالح طاعة الإمام وليّ الأمر والتمسّك بحبل الله.

أيّها الناس ، ألا فهمتم ، الله الله في أهل بيتي ، مصابيح الهدى ، ومعادن العلم ، وينابيع الحكم ، ومستقرّ الملائكة ، منهم وصيّي وأميني ووارثي ، ومن هو منِّي بمنزلة هارون من موسى ، علي ( عليه السلام ) ، ألا هل بلّغت؟

والله يا معاشر الأنصار ، [ لتقرُّن لله ولرسوله بما عهد إليكم ، أو ليُضرَبن بعدي بالذلّ.

يا معشر الأنصار ](٢) ألا اسمعوا ومن حضر ، ألا إنّ باب فاطمة بابي ،

____________

١ ـ بين القوسين ساقط في بعض النسخ.

٢ ـ بين القوسين ساقط من بعض النسخ.

٧٠

وبيتها بيتي ، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله ».

قال عيسى بن المستفاد : فبكى أبو الحسن ( عليه السلام ) طويلا ، وقطع عنه بقيّة الحديث ، وأكثر البكاء ، وقال : « هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، وحجاب الله حجاب فاطمة ، يا أُمّه يا أُمّه ، صلوات الله عليها »(١) .

عيسى بن المستفاد :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : عيسى بن المستفاد أبو موسى البجلي الضرير ، روى عن أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ، ولم يكن بذاك(٢) .

وذكره الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست ، وسكت عنه(٣) ، ومثله ابن شهر آشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) في المعالم(٤) .

وقال ابن الغضائري ( ت ٤١١ هـ ) : ذكر له رواياته عن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، وله كتاب الوصيّة لا يثبت سنده ، وهو في نفسه ضعيف(٥) .

ونقل في الخلاصة كلام النجاشي وابن الغضائري ، أورده في القسم الثاني المخصّص للضعاف أو من يردّ قوله أو يتوقّف فيه(٦) ، ولكن ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ ) أورده في القسمين ، ورمز له في أصحاب الباقر ( عليه السلام ) ، ونقل في الأوّل عن رجال الشيخ والفهرست والنجاشي أنّه لم يكن بذاك ، مع أنّه غير مذكور في رجال الشيخ(٧) ، وفي الثاني أعاد ما ذكره أوّلا ، ولكنّه

____________

١ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٤٣ ، الطرفة العاشرة.

٢ ـ رجال النجاشي : ٢٩٧ [ ٨٠٩ ].

٣ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٤ ـ معالم العلماء : ٨٦ [ ٥٩٤ ].

٥ ـ رجال ابن الغضائري : ٨١ [ ١٠٠ ] ، وانظر : مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦.

٦ ـ خلاصة الأقوال : ٣٧٨ [ ١٥٢٠ ] ، القسم الثاني.

٧ ـ رجال ابن داود : ١٤٩ [ ١١٧٦ ].

٧١

نسبه إلى النجاشي فقط(١) .

ثمَّ ترجم في جامع الرواة : ( عيسى الضرير ) و ( عيسى الضعيف ) يرويان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، واستظهر أنّهما واحد لاتّحاد الطريق(٢) ، ووافقه التستري ( ت ١٤١٥ هـ ) في القاموس(٣) ، والسيّد الخوئي ( ت ١٤١٣ هـ ) في المعجم(٤) ، وأمّا المامقاني ( ت ١٣٥١ هـ ) فأستظهر اتّحادهما مع عيسى بن المستفاد أيضاً(٥) ، مع أنّ صاحب القاموس استبعد ذلك(٦) .

أقول : إنّ ( عيسى الضرير ) أو ( عيسى الضعيف ) لم يرد ذكره في رجال الطوسي ولا البرقي في أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، بل لم يرد ذكره أصلا ، لا في هذين الكتابين ولا في بقيّة كتب الرجال ، وإنّما جاء في سند الروايات عن الإمام الصادق ( عليه السلام ).

نعم ، ذكر الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في رجاله في أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) عيسى بن عبد الرحمن السلميّ البجليّ ، كوفي(٧) ، ولم يذكر

____________

١ ـ رجال ابن داود : ٢٦٥ [ ٣٨٤ ].

وانظر : نقد الرجال ٣ : ٣٩٦ [ ٤٠٦٢ ] ، إيضاح الاشتباه : ٢٣٤ [ ٤٥٣ ] ، هداية المحدّثين : ١٢٦ ، منتهى المقال ٥ : ١٦٩ [ ٢٢٥٦ ] ، حاوي الأقوال ٤ : ١٥٠ ، عدّة الرجال ١ : ٢٤٦ ، جامع الرواة ١ : ٦٥٤ ، تنقيح المقال ٢ : ٣٦٣ ، مع بعض الاشتباه نبّه عليه التستري في قاموس الرجال ٨ : ٣٣١ [ ٥٨٢٤ ] ، معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٤ [ ٩٢٤١ ] ، الوجيزة : ٢٧٦ [ ١٣٨٧ ] ، مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦ ، بهجة الآمال ٥ : ٦٤٥.

٢ ـ جامع الرواة ١ : ٦٥١.

٣ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٢ ] و [ ٥٨٠٣ ].

٤ ـ معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٩ [ ٩٢٥٣ ] و [ ٩٢٥٤ ].

٥ ـ تنقيح المقال ٢ : ٣٦١.

٦ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٣ ].

٧ ـ رجال الطوسي : ٢٥٨ [ ٣٦٦٥ ].

٧٢

عيسى بن المستفاد في أصحاب أيّ إمام من الأئمّة ( عليهم السلام ) ، مع أنّه ذكره في الفهرست(١) .

فإذا أخذنا بعين الاعتبار اتّحاد الاسم واللقب ، وأنّ المستفاد يمكن أن يكون لقب لعبد الرحمن ، أمكن القول باتّحادهما ، بل باتّحاد الجميع الضرير أو الضعيف وابن المستفاد وابن عبد الرحمن السلميّ البجليّ ، فإنّ الضعيف ـ كما هو الأصحّ على ما أشار إليه التستري ( ت ١٤١٥ هـ )(٢) ويحتمل العكس ـ قد روى عن الصادق ( عليه السلام ) في الكافي والفقيه والتهذيب(٣) ، مع أنّ الشيخ لم يذكره في رجاله.

وقد يكون من القرينة على ذلك ما رواه الرضي ( ت ٤٠٦ هـ ) في الخصائص بسند ، هو : حدّثني هارون بن موسى ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عمّار العجليّ الكوفي ، قال : حدَّثني عيسى الضرير ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) ، عن أبيه قال : ، وهي الطرفة الخامسة عشر من طرف السيّد ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ )(٤) ، كما وأورد رواية أُخرى بنفس السند ، ولكنّه ذكر الاسم هكذا : أبو موسى عيسى الضرير البجلي ، وهو في الطرفة السادسة عشر من الطرف(٥) .

فاكتفائه في الأوّل بـ ( عيسى الضرير ) ، وأضاف إليه في الثاني ( أبو موسى ) و ( البجلي ) يقرّبنا إلى المراد كما هو واضح ; لأنّ المراد بعيسى الضرير في السند هو ابن المستفاد ، بقرينة ذكر روايته في ضمن الطرف

____________

١ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٢ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٣ ].

٣ ـ الكافي ٧ : ٢٩٥ ح ١ و ٢٧٦ ح ٤ ، من لا يحضره الفقيه ٤ : ٦٩ ح ١٢ ، التهذيب ١٠ : ١٨٧ ح ٣٢ ، كتاب الديّات ، باب : القضايا في الديّات والقصاص.

٤ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٥٧ ، الطرفة الخامسة عشر.

٥ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٦١ ، الطرفة السادسة عشر.

٧٣

التي أكثرها عن ابن المستفاد عن الكاظم ( عليه السلام ).

ويبقى ما انفرد به النجاشي من أنّه من أصحاب أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ، فالظاهر أن لا رواية له عن الجواد ( عليه السلام ) ، فهل يمكن حمل ( الثاني ) على الاشتباه وأنّه أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) ، كما عن ابن داود؟ الله أعلم!

كتاب الوصيّة :

لم يصلنا من كتاب عيسى بن المستفاد إلاّ ما نقله ابن طاووس في طرفه ، ولكنّه لم يصرّح بأنّه من كتاب الوصيّة لعيسى ، وإن استظهر الكلّ أنّه منه ; لأنّهم لم يذكروا لابن المستفاد كتاباً غيره ، ولأنّ ما نقله ابن طاووس ينطبق تماماً على اسم الكتاب ، ألا وهو ( الوصيّة ).

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : له كتاب الوصيّة ، رواه شيوخنا ، عن أبي القاسم جعفر ابن محمّد ، قال : حدَّثنا أبو عيسى عبيد الله بن الفضل بن هلال بن الفضل بن محمّد بن أحمد بن سليمان الصابوني ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن محمّد ، قال : حدَّثنا أبو يوسف الوُحاظي والأزهر بن بسطام بن رستم والحسن بن يعقوب ، قالوا : حدَّثنا عيسى بن المستفاد ، وهذا الطريق طريق مصريّ فيه اضطراب ، وقد أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عمران ، قال : حدَّثنا يحيى بن محمّد القصباني ، عن عبيد الله بن الفضل(١) .

وقال الشيخ ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست : له كتاب ، رواه عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عنه(٢) ، وهو ضعيف بعبيد الله بن عبد الله الدهقان(٣) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ٢٩٧ [ ٨٠٩ ].

٢ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٣ ـ انظر : خاتمة المستدرك ٩ : ٢٤٦ [ ٥٣٢ ] ، معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٤ [ ٩٢٤١ ].

٧٤

وقال ابن الغضائري ( ت ٤١١ هـ ) : وله كتاب الوصيّة لا يثبت سنده(١) .

ولكن المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) قال ـ بعد أن أخرج عدّة روايات من الطرف ـ : انتهى ما أخرجناه من كتاب الطرف ممّا أخرجه من كتاب الوصيّة لعيسى بن المستفاد ، وكتاب خصائص الأئمّة للسيّد الرضي ( رضي الله عنه ) ، وأكثرها مرويّ في كتاب الصراط المستقيم للشيخ زين الدين البياضي ( ت ٨٧٧ هـ ) ، وعيسى وكتابه مذكوران في كتب الرجال ، ولي إليه أسانيد جمّة ، وبعد اعتبار الكليني ( رحمه الله ) الكتاب واعتماد السيّدين عليه لا عبرة بتضعيف بعضهم ، مع أنّ ألفاظ الروايات ومضامينها شاهدة على صحّتها(٢) .

ولا يخلو كلامه ( قدس سره ) من المناقشة.

وذكر الكتاب العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة أيضاً ، واستظهر وجود نسخة منه عند السيّد ابن طاووس من خلال كثرة نقله عنه في الطرف(٣) .

____________

١ ـ رجال ابن الغضائري : ٨١ [ ١٠٠ ] ، مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦.

٢ ـ البحار ٢٢ : ٤٩٥.

٣ ـ الذريعة ٢٥ : ١٠٣ [ ٥٦٥ ] ، و ١٥ : ١٦١ [ ١٠٥٣ ].

٧٥
٧٦

حديث الثقلين عند الإماميّة ( الاثني عشريّة )

القرن الثالث الهجري

٧٧
٧٨

(٤) صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) بسند الطبرسي

للإمام علي بن موسى بن جعفر الرضا ( عليه السلام ) ( ت ٢٠٣ هـ )

الحديث :

حدّثني علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) سنة أربع وتسعين ومائة ، قال : حدّثني أبي موسى بن جعفر ، قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي محمّد بن علي ، قال : حدّثني أبي علي بن الحسين ، قال : حدّثني أبي الحسين بن علي ، قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، قال :

وبإسناده ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « كأنّي دعيت فأجبت ، وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما »(١) .

الراوون عنها :

وعنها الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام )(٢) .

____________

١ ـ صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ٥٩ ح ٨٣. وعنها في إثبات الهداة ١ : ١١٢ ح ٦٢٢ ، فصل (٣١) ، والبحار ٢٣ : ١٤٥ ح ١٠١.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ٢ : ٣٤ ح ٤٠ ، الباب (٣١) : في ما جاء عن الرضا ( عليه السلام ) من أخبار مجموعة ، وفيه : « كأنّي قد دعيت » ، وفيه : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».

٧٩

والقاسم بن محمّد بن علي ( ت ١٠٢٩ هـ ) في الاعتصام بحبل الله المتين(١) .

صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) :

ذكرها الشيخ الحرّ ( ت ١١٠٤ هـ ) في الكتب المعتمدة لديه وقال : رواية أبي علي الطبرسي(٢) ، وذكر طريقه إليها(٣) .

وذكرها المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) في مصادره وقال : المسندة إلى شيخنا أبي علي الطبرسي ( رحمه الله ) بإسناده إلى الرضا ( عليه السلام )(٤) ، وقال في توثيقها : وكتاب الرضا ( عليه السلام ) من الكتب المشهورة بين الخاصّة والعامّة ، وروى السيّد الجليل علي بن طاووس منها بسنده إلى الشيخ الطبرسي ( رحمه الله ) ، ووجدت أسانيد في النسخ القديمة منه إلى الشيخ المذكور ومنه إلى الإمام ( عليه السلام ) ، وقال الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار : كان يقول يحيى بن الحسين الحسيني في إسناد صحيفة الرضا : لو قرئ هذا الإسناد على أُذن مجنون لأفاق ، وأشار النجاشي في ترجمة عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ، وترجمة والده راوي هذه الرسالة إليها ، ومدحها ، وذكر سنده إليها ، وبالجملة هي من الأُصول المشهورة ويصحّ التعويل عليها(٥) .

____________

١ ـ الاعتصام ١ : ١٣٣ ، فصل : فيما ورد من احاديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إنّه ترك في المسلمين كتاب الله تعالى وسنّته وعترته أهل بيته .

وفيه : وفي صحيفة علي بن موسى الرضى عن آبائه ، أباً فأباً ، إسناداً متّصلا عن علي عليه وعليهم السلام ، قال : « وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كأنّي قد دعيت واُجبت » ، وفيه : « كتاب الله عزّ وجلّ حبل . » ، وفيه : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».

٢ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٥٦ [ ٣٥ ] الفائدة الرابعة.

٣ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٨٦ ، الطريق الثاني والأربعون.

٤ ـ البحار ١ : ١١.

٥ ـ البحار ١ : ٣٠.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

القيام بما تقدم من مهام حفظ المؤمنين ورعايتهم وتسديد العلماء ودفع الأخطار عن الوجود الإيماني وتسيير حركة الأحداث ـ حتى خارج الكيان الإسلامي بما يخدم مهمة التمهيد لظهوره وإعداد العوامل اللازمة له.

الالتقاء بالمؤمنين في غيبته الكبرى

إنّ سيرة الإمام في غيبته الكبرى تفصح بأن لقاءاته فيها لا تنحصر في هذا العدد المحدود من الأولياء المخلصين في كل عصر بل تشمل غيرهم ـ ولو بصورة غير مستمرة ـ فالأخبار الخاصة الدالة على مشاهدته في الغيبة الكبرى كثيرة وعددها يفوق حد التواتر، بحيث نعلم لدى مراجعتها واستقرائها، عدم الكذب والخطأ فيها في الجملة(١) ، فقد نقل الميرزا النوري مائة منها في النجم الثاقب وفي المصادر الأخرى ما يزيد على ذلك بكثير، اضافة الى أن من المؤكد أن هناك مقابلات غير مروية ولا مسجلة في المصادر وإن كانت متناقلة عبر الثقات وأن المهدي ـ عجل الله فرجه ـ يتصل بعدد من المؤمنين في أنحاء العالم في كل جيل مع حرصهم على عدم التفوه بذلك وكتمه الى الأبد، بل يمكن القول بأن المقابلات غير المروية أكثر بكثير من المقابلات المروية.

وتشمل هذه المقابلات قضاء حوائج المؤمنين ـ كما كانت سيرة آبائه الأئمةعليهم‌السلام بمختلف أقسامها المادية والمعنوية، كما تشتمل على توجيه، الوصايا التربوية وتوضيح غوامض المعارف الإلهية أو التنبيه الى الأحكام الشرعية الصحيحة وغير ذلك من مهام الإمام في كل عصر.

ـــــــــــ

(١) راجع تاريخ الغيبة الصغرى: ٦٤٠ وما بعدها وتاريخ الغيبة الكبرى: ١٠٧ وقد ناقش السيد الصدر في هذين الكتابين قضية الالتقاء بالامام في الغيبة الكبرى وعدم تعارضها مع امر الامام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ في توقيعه للشيخ السمري بتكذيب من ادعى المشاهدة في الغيبة الكبرى، كما ناقشها الميرزا النوري في الباب السابع من كتاب النجم الثاقب والعلامة المجلسي في بحار الأنوار وغيرهم كثير واثبتوا جواز الالتقاء بالامام في الغيبة الكبرى.

١٤١

ترسيخ الايمان بوجوده

وتحققت من هذه اللقاءات إضافة لذلك ثمار مهمة تتمحور حول ترسيخ الإيمان بوجودهعليه‌السلام وإزالة التشكيكات المثارة تجاه ذلك في كل عصر بما يعزز مسيرة المؤمنين في التمهيد لظهورهعليه‌السلام ، خاصةً وأن معظم هذه المقابلات تقترن عادة بصدور مالا يمكن صدوره عن غير الإمامعليه‌السلام من ايضاحات علمية دقيقة أو كرامات إعجازية تقطع أي مجال للشك في هويته ـ عجل الله فرجه ـ وهي في معظم الأحوال تكون بمبادرة من الإمام نفسه وبصورة لا يتوقعها الفائز بلقياهعليه‌السلام ، وبعد مدة ـ قد تطول أحياناً ـ من صدق المؤمن في طلب مقابلته والإخلاص لله في القيام بالأعمال الصالحة بهدف الفوز بذلك، كما أنها عادة ما تكون بالمقدار اللازم لقضاء حاجة المؤمن الطالب لها أو تحقيق الإمام للغاية المرجوة منها وغالباً ما ينتبه المؤمن الى أنّ من التقاه هو الإمام المهديعليه‌السلام بعد انتهاء المقابلة، وكل ذلك حفظاً لمبدأ الاستتار في هذه الفترة.

حضور موسم الحج

وتصرح الأحاديث الشريفة بأن من سيرتهعليه‌السلام في غيبته حضور موسم الحج في كل عام، وواضح مافي حضور هذا الموسم السنوي المهم من فرصة مناسبة للالتقاء بالمؤمنين من أنحاء أقطار العالم وإيصال التوجيهات إليهم ولو من دون التعريف بنفسه بصراحة والتعرف على أحوالهم عن قرب دون الحاجة الى أساليب إعجازية.

إنّ الأحاديث الشريفة التي تذكر حضورهعليه‌السلام هذا الاجتماع الإسلامي السنوي العام، ذكرت أنهعليه‌السلام : «يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه»(١) ، ويبدو أن المقصود هو الرؤية مع تحديد هويتهعليه‌السلام ، بمعنى أن يعرفوه أنه هو المهدي، إذْ توجد عدة روايات اُخرى تصرح برؤيته في هذا الموسم وبعضها يصرح بعدم معرفة المشاهدين لهويته على نحو التحديد واقتصار معرفتهم بأنّه من ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

ـــــــــــ

(١) الكافي: ١/ ٣٣٧، ٢٣٩، غيبة النعماني: ١٧٥.

(٢) راجع مثلاً الرواية التي ينقلها الشيخ الصدوق في كمال الدين: ٤٤٤.

١٤٢

الفصل الثالث: تكاليف عصر الغيبة الكبرى

اهتمت الأحاديث الشريفة بقضية تكاليف عصر الغيبة بحكم الأبعاد العملية التي تشتمل عليها فيما يرتبط بتحرك الإنسان في هذه الفترة المتميزة بفتن كثيرة وصعوبات في مواجهتها ناتجة عن عدم الحضور الظاهر لإمام العصر وعدم تيسر الرجوع إليه بسهولة.

في هذا الفصل نذكر على نحو الإيجاز أبرز هذه التكاليف طبق ما حددته الأحاديث الشريفة مع تفصيل الحديث عن أهمها والذي ينطوي على تجسيد التكاليف الأخرى ألا وهو واجب انتظار ظهور الإمام ـ عجل الله فرجه ـ لأنه عُرّض للكثير من أشكال سوء الفهم.

وأبرز التكاليف الاُخرى فكما يلي:

١ ـ ترسيخ المعرفة بإمام العصر ـ عجل الله فرجه ـ وغيبته وحتمية ظهوره وأنه حي يراقب الأمور ويطّلع على أعمال الناس وأوضاعهم وينتظر توفر الشروط اللازمة لظهوره، وإقامة هذه المعرفة على أساس الأدلة النقلية الصحيحة والبراهين العقلية السليمة.

وأهمية هذا الواجب واضحة في ظل عدم الحضور الظاهر للإمام في عصر الغيبة والتشكيكات الناتجة عن ذلك، كما أن لهذه المعرفة تأثيراً مشهوداً في دفع الإنسان المسلم نحو العمل الإصلاحي البنّاء على الصعيدين الفردي والاجتماعي، فهي تجعل لعمله حافزاً إضافياً يتمثل بالشعور الوجداني بأن تحركه يحظى برعاية ومراقبة إمام زمانه الذي يسرّه ما يرى من المؤمنين من تقدم ويؤذيه أي تراجع أو تخلف عن العمل الإصلاحي البناء والتمسك بالأحكام والأخلاق والقيم الإسلامية التي ينتظر توفر شروط ظهوره لإقامة حاكميتها في كل الأرض وإنقاذ البشرية بها.

١٤٣

وقد التقينا في الأحاديث الشريفة التي أخبرت عن غيبة المهدي قبل وقوعها بإشارات صريحة الى هذا الواجب وسنلتقي ضمن الحديث عن واجب الانتظار بنماذج أخرى. يُضاف الى ذلك معظم الأدعية المندوب تلاوتها في عصر الغيبة تحفز على القيام بهذا الواجب وترسيخ المعرفة بالإمام، فمثلاً الكليني في «الكافي» عن زرارة أن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: «إن للقائم غيبة... وهو المنتظر وهو الذي يشكّ الناس في ولادته... )فقال زرارة(: جُعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟ قال: يازرارة متى أدركت ذلك الزمان فلتدع بهذا الدعاء: اللَّهُمَّ عرّفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللَّهُمَّ عرّفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللَّهُمَّ عرّفني حجتك فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللتُ عن ديني...»(١) وفي الحديث إشارة الى الأسس العقائدية للإيمان بإمام العصر وثمار معرفته.

٢ ـ ومن التكاليف المهمة الأخرى التي أكدتها الأحاديث الشريفة لمؤمني عصر الغيبة هو تمتين الارتباط الوجداني بالمهدي المنتظر والتفاعل العملي مع أهدافه السامية والدفاع عنها والشعور الوجداني العميق بقيادته وهذا هو ما تؤكده أيضاً معظم التكاليف التي تذكرها الأحاديث الشريفة كواجبات للمؤمنين تجاه الإمام مثل الدعاء له بالحفظ والنصرة وتعجيل فرجه وظهوره وكبح أعدائه والتصدق عنه والمواظبة على زيارته وغير ذلك مما ذكرته الأحاديث الشريفة وقد جمعها آية الله السيد الإصفهاني في كتابه «مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم» وكتابه «وظائف الأنام في غيبة الإمام».

ـــــــــــ

(١) الكافي: ١/ ٣٣٧، غيبة النعماني: ١٦٦ ـ ١٦٧، كمال الدين: ٢/ ٣٤٢، غيبة الطوسي: ٢٠٢ .

١٤٤

٣ ـ إحياء أمر منهج أهل البيتعليهم‌السلام (١) الذي يمثله ـ عجل الله فرجه ـ بما يعنيه ذلك من العمل بالإسلام النقي الذي دافعوا عنه ونشر أفكارهم والتعريف بمظلوميتهم وموالاتهم والبراءة من أعدائهم والعمل بوصاياهم وتراثهم وما تقدم من تعاليمهم ونبذ الرجوع الى الطاغوت وحكوماته والرجوع الى الفقهاء العدول الذين جعلوهم حجة على الناس في زمن الغيبة والاستعانة بالله في كل ذلك كما ورد في النص:

«وإن أصبحتم لا ترون منهم )الأئمةعليهم‌السلام (أحداً فاستغيثوا بالله عز وجل وانظروا السنة التي كنتم عليها واتبعوها وأحبوا ما كنتم تحبون وابغضوا مَن كنتم تبغضون فما أسرع ما يأتيكم الفرج»(٢) .

٤ ـ تقوية الكيان الإيماني والتواصي بالحق الإسلامي النقي والتواصي بالصبر، وهو من التكاليف التي تتأكد في عصر الغيبة بحكم الصعوبات التي يشتمل عليها; والثبات على منهج أهل البيتعليهم‌السلام : «يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فياطوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان...»(٣) .

ـــــــــــ

(١) المحاسن للبرقي: ١٧٣، الكافي: ٨/ ٨٠، كمال الدين: ٦٦٤ وفي الحديث الشريف ثناء جليل من الإمام الباقر عليه‌السلام على مَن يجند نفسه لأحياء أمر أهل البيت عليهم‌السلام .

(٢) كمال الدين: ٣٢٨ وعنه في بحار الأنوار: ٥١/ ١٣٦.

(٣) كمال الدين: ٣٣٠، بحار الأنوار: ٥٢/ ١٤٥.

١٤٥

هذه عناوين أبرز التكاليف الخاصة بعصر الغيبة وثمة تكاليف خاصة ببعض الحوادث التي تقع فيه أو بعض علائم الظهور مثل مناصرة حركة الموطئة ـ الذين يوطّئون للمهدي سلطانه ـ أو اجتناب فتنة السفياني أو تشديد الحذر عند ظهور بعض العلائم القريبة من أوان الظهور وغير ذلك.

وبعد هذا العرض السريع ننتقل للحديث عن واجب الانتظار الذي يمثل أهم هذه التكاليف ويشتمل العمل به على معظم التكاليف السابقة، ونتناوله ضمن الفقرات التالية.

أهمية الانتظار

تؤكد الأحاديث الشريفة وباهتمام بالغ على عظمة آثار انتظار الفرج; بعنوانه العام الذي ينطبق على الظهور المهدوي كأحد مصاديقه البارزة; وكذلك على انتظار ظهور الإمام بالخصوص. فبعضها تصفه بأنه أفضل عبادة المؤمن كما هو المروي عن الإمام عليعليه‌السلام : «أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله»(١) ، وعبادة المؤمن أفضل بلا شك من عبادة مطلق المسلم، فيكون الانتظار أفضل العبادات الفضلى إذا كان القيام به بنية التعبد لله وليس رغبة في شيء من الدنيا; ويكون بذلك من أفضل وسائل التقرب الى الله تبارك وتعالى كما يشير الى ذلك الإمام الصادقعليه‌السلام في خصوص انتظار الفرج المهدوي حيث يقول: «طوبى لشيعة قائمنا، المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون»(٢) . ولذلك فإن انتظار الفرج هو «أعظم الفرج»(٣) كما يقول الإمام السجادعليه‌السلام ، فهو يدخل المنتظر في زمرةِ أولياء الله.

ـــــــــــ

(١) المحاسن للبرقي وعنه في بحار الأنوار: ٥٢/ ١٣١ .

(٢) كمال الدين: ٣٥٧.

(٣) كمال الدين: ٣٢٠ .

١٤٦

وتعتبر الأحاديث الشريفة أنّ صدق انتظار المؤمن لظهور إمام زمانه الغائب يعزز إخلاصه ونقاء إيمانه من الشك، يقول الإمام الجوادعليه‌السلام : «...له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون..»(١) وحيث إن الانتظار يعزز الإيمان والإخلاص لله عز وجل والثقة بحكمته ورعايته لعباده، فهو علامة حسن الظن بالله، لذا فلاغرابة أن تصفه الأحاديث الشريفة بأنه: «أحب الأعمال الى الله»(٢) ، وبالتالي فهو «أفضل أعمال أمتي»(٣) كما يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الانتظار يرسخ تعلق الإنسان وارتباطه بربه الكريم وإيمانه العملي بأن الله عز وجل غالب على أمره وبأنه القادر على كل شيء والمدبر لأمر خلائقه بحكمته الرحيم بهم، وهذا من الثمار المهمة التي يكمن فيها صلاح الإنسان وطيّه لمعارج الكمال، وهو الهدف من معظم أحكام الشريعة وجميع عباداتها وهو أيضاً شرط قبولها فلا قيمة لها إذا لم تستند الى هذا الايمان التوحيدي الخالص الذي يرسخه الانتظار، وهذا أثر مهم من آثاره الذي تذكره الأحاديث الشريفة نظير قول الإمام الصادقعليه‌السلام : «ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العبادة عملاً إلاّ به... شهادة أن لا اله إلاّ الله وأن محمداً عبدُه ورسوله والاقرار بما أمر الله والولاية لنا والبراءة من أعدائنا ـ يعني الأئمة خاصة ـ والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائمعليه‌السلام ...»(٤) .

ـــــــــــ

(١) كفاية الأثر: ٢٧٩، كمال الدين: ٣٧٨.

(٢) الخصال للشيخ الصدوق: ٢/ ٦١٠، كمال الدين: ٦٤٥، تحف العقول: ١٠٦.

(٣) كمال الدين: ٦٤٤.

(٤) غيبة النعماني: ٢٠٠، إثبات الهداة: ٣/ ٥٣٦.

١٤٧

وتصريح الأحاديث الشريفة بأن التحلي بالانتظار الحقيقي يؤهل المنتظر ـ وبالآثار المترتبة عليه المشار اليها آنفاً ـ للفوز بمقام صحبة الإمام المهدي كما يشير الى ذلك الإمام الصادق في تتمة الحديث المتقدم حيث يقول: «مَن سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر»، وكذلك يجعله يفوز بأجر هذه الصحبة الجهادية وهذا ما يصرح به الصادقعليه‌السلام حيث يقول: «مَن مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائمعليه‌السلام ...»(١) ، ويفوز أيضاً بأجر الشهيد كما يقول الإمام عليعليه‌السلام : «الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله»(٢) ، بل ويفوز بأعلى مراتب الشهداء المجاهدين، يقول الصادقعليه‌السلام : «مَن مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن كان مع القائم في فسطاطه; قال الراوي: ثم مكث هنيئة، ثم قال: لا بل كمن قارع معه بسيفه، ثم قال: لا والله إلاّ كمن استشهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٣) .

والأحاديث المتحدثة عن آثار الانتظار كثيرة ويُفهم منها أن تباين هذه الآثار في مراتبها يكشف عن تباين عمل المؤمنين بمقتضيات الانتظار الحقيقي، فكلما سمت مرتبة الانتظار تزايدت آثارها المباركة وبالطبع فإن الأمر يرتبط بتجسيد حقيقة ومقتضيات الانتظار، ولذلك يجب معرفة معناه الحقيقي، وهذا مانتناوله في الفقرة اللاحقة.

حقيقة الانتظار

الانتظار عبارة عن: «كيفية نفسانية ينبعث منها التهيؤ لما تنتظره; وضده اليأس; فكلما كان الانتظار أشد كان التهيؤ آكد; ألا ترى أنّه اذا كان لك مسافر تتوقع قدومه ازداد تهيؤك لقدومه كلما قرب حينه، بل ربما تبدل رقادك بالسهاد لشدة الانتظار. وكما تتفاوت مراتب الانتظار من هذه الجهة، كذلك تتفاوت مراتبه من حيث حبك لمن تنتظره، فكلما اشتد الحب ازداد التهيؤ للحبيب وأوجع فراقه بحيث يغفل المنتظر عن جميع ما يتعلق بحفظ نفسه ولا يشعر بما يصيبه من الالآم الموجعة والشدائد المفظعة.

ـــــــــــ

(١) كمال الدين: ٦٤٥.

(٢) في الخصال: ٦٢٥ وعنه في بحار الأنوار: ٥٢/ ١٢٣.

(٣) المحاسن للبرقي: ١/٢٧٨، ٢٧٩ ح١٥٣ وعنه في بحار الأنوار: ٥٢/١٢٦ ح ١٨ .

١٤٨

فالمؤمن المنتظر مولاه كلما اشتد انتظاره ازداد جهده في التهيؤ لذلك بالورع والاجتهاد وتهذيب نفسه وتجنّب الأخلاق الرذيلة والتحلّي بالأخلاق الحميدة حتى يفوز بزيارة مولاه ومشاهدة جماله في زمان غيبته كما اتفق ذلك لجمع كثير من الصالحين، ولذلك أمر الأئمة الطاهرونعليهم‌السلام فيما سمعت من الروايات وغيرها بتهذيب الصفات وملازمة الطاعات. بل رواية أبي بصير مشعرة أو دالة على توقف الفوز بذلك الأجر حيث قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «مَن سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل مَن أدركه... ولا ريب أنه كلما اشتد الانتظار ازداد صاحبه مقاماً وثواباً عند الله عز وجل...»(١) .

والانتظار يعني: «ترقب ظهور وقيام الدولة القاهرة والسلطنة الظاهرة لمهدي آل محمدعليهم‌السلام . وإمتلائها قسطاً وعدلاً وانتصار الدين القويم على جميع الأديان كما أخبر به الله تعالى نبيه الأكرم ووعده بذلك، بل بشّر به جميع الأنبياء والأمم; أنه يأتي مثل هذا اليوم الذي لا يعبد فيه غير الله تعالى ولا يبقى من الدين شيء مخفي وراء ستر وحجاب مخافة أحد...»(٢) .

اذن الانتظار يتضمن حالة قلبية توجدها الأصول العقائدية الثابتة بشأن حتمية ظهور المهدي الموعود وتحقق أهداف الأنبياء ورسالاتهم وآمال البشرية وطموحاتها على يديهعليه‌السلام ; وهذه الحالة القلبية تؤدي الى انبعاث حركة عملية تتمحور حول التهيؤ والاستعداد للظهور المنتظر، ولذلك أكدت الأحاديث الشريفة على لزوم ترسيخ المعرفة الصحيحة المستندة للادلة العقائدية بالإمام المهدي وغيبته وحتمية ظهوره كما أشرنا في الواجب الأول.

ـــــــــــ

(١) مكيال المكارم: ٢/ ١٥٢ ـ ١٥٣.

(٢) النجم الثاقب: ٢/ ٤٤٣ من الترجمة العربية.

١٤٩

وعليه يتضح أن الانتظار لا يكون صادقاً إلاّ اذا توفرت فيه: «عناصر ثلاثة مقترنة: عقائدية ونفسية وسلوكية ولولاها لا يبقى للانتظار أي معنى إيماني صحيح سوى التعسف المبني على المنطق القائل:( فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون... ) (١) المنتج لتمني الخير للبشرية من دون أي عمل إيجابي في سبيل ذلك»(٢) .

ولذلك نلاحظ في الأحاديث الشريفة المتحدثة عن قضية الانتظار تأكيدها على معرفة الإمام المهدي ودوره وترسيخ الارتباط المستمر بهعليه‌السلام في غيبته كمظهر للانتظار والالتزام العملي بموالاته والتمسك بالشريعة الكاملة كما اشرنا لذلك في التكاليف السابقة وإعداد المؤمن نفسه كنصير للإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ يتحلى بجميع الصفات الجهادية والعقائدية والأخلاقية اللازمة للمساهمة في إنجاز مهمته الإصلاحية الكبرى، وإلاّ لن يكون انتظاراً حقيقياً.

«إن انتظار الفرج نوعان: انتظار بنّاء باعث للتحرك والالتزام الرسالي، فهو عبادة وأفضل العبادات، وانتظار مخرّب يشل الإنسان عن العمل البنّاء فهو يعتبر نمطاً من أنماط «الإباحية»... إن نوعي الانتظار هذين هما نتيجة لنوعين من الفهم لماهية الظهور التأريخي العظيم للمهدي الموعودعليه‌السلام والبعض يفسّر القضية المهدوية وثورتها الموعودة بأنها ذات صبغة انفجارية لا غير; وأنها نتيجة لانتشار الظلم والتمييز والقمع وغصب الحقوق والفساد... فعندها يقع الانفجار وتظهر يد الغيب لإنقاذ الحق... وعليه فإن أفضل عون يمكن أن يقدمه الإنسان لتعجيل الظهور المهدوي وأفضل أشكال الانتظار هو (السماح بـ) ترويج الفساد...

ـــــــــــ

(١) المائدة (٥): ٢٤ .

(٢) تاريخ الغيبة الكبرى: ٣٤٢.

١٥٠

لكن المستفاد من الآيات أن ظهور المهدي الموعود حلقة من حلقات مجاهدة أنصار الحق لأشياع الباطل التي تكون عاقبتها الانتصار الكامل لأنصار الحق ومشاركة الإنسان في الحصول على هذه السعادة مرهون بأن يدخل عملياً في صفوف أنصار الحق...

ويُستفاد من الروايات الإسلامية أن ظهور المهديعليه‌السلام يقترن ببلوغ جبهتي السعداء والأشقياء ذروة عملهم كل حسب أهدافه لا أن ينعدم السعداء ويبلغ الأشقياء ذروة إجرامهم وظلمهم، وتتحدث الأحاديث الشريفة عن صفوة من أنصار الحق تلتحق بالإمام فور ظهوره... فحتى لو فرضنا أنهم قلة من الناحية الكمية إلاّ أنهم من الناحية الكيفية خيرة أهل الإيمان وبمستوى انصار سيد الشهداءعليه‌السلام ; كما تتحدث عن التمهيد لثورة الإمام المهدي بسلسلة من الانتفاضات التي يقوم بها أنصار الحق... كما تتحدث بعضها عن حكومة يقيمها أنصار الحق وتستمر حتى تفجر ثورة الإمام المهدي»(١) .

إذن يتضح مما تقدم أن للانتظار الشرعي المطلوب جملة من الشروط لا يتحقق بدونها العمل به كأهم تكاليف المؤمنين في عصر الغيبة وقد تحدثت عنها الأحاديث الشريفة وجمعها الإمام السجادعليه‌السلام حيث قال ضمن حديث

ـــــــــــ

(١) النهضة والثورة المهدوية للشهيد المطهري رحمه‌الله : ٦١ ـ ٨١ من الطبعة الفارسية (بتلخيص).

١٥١

له عن القضية المهدوية: «إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة العيان وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً والدعاة الى دين الله عز وجل سراً وجهراً»(١) .

شروط الانتظار

على ضوء هذا النص والتوضيحات الذي تقدمته يمكن إجمال شروط الانتظار في النقاط التالية التي تتضمن أيضاً توضيح السبيل العملي الذي ينبغي للمؤمن انتهاجه لكي يكون منتظراً حقيقياً:

١ ـ ترسيخ معرفة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ والإيمان بإمامته والقيام بمهامها في غيبته ومعرفة طبيعة دوره التأريخي وأبعاده والواجبات التي يتضمنها ودور المؤمنين تجاهه، وترسيخ الارتباط بهعليه‌السلام وبدوره التأريخي. وكذلك الإيمان بأن ظهوره محتمل في أي وقت، الأمر الذي يوجب أن يكون المؤمن مستعداً له في كل وقت. بما يؤهله للمشاركة في ثورته.

ولتحقق هذا الاستعداد اللازم لكي يكون الانتظار صادقاً يجب التحلي بالصفات الأخرى التي يذكرها الإمام السجادعليه‌السلام والتي تمثل في واقعها الشروط الأخرى لتحقق مفهوم الانتظار على الصعيد العملي، كما نلاحظ في الفقرات اللاحقة.

٢ ـ ترسيخ الاخلاص في القيام بمختلف مقتضيات الانتظار وتنقيته من جميع الشوائب والأغراض المادية والنفسية، وجعله خالصاً لله تبارك وتعالى وبنيّة التعبد له والسعي لرضاه، وبذلك يكون الانتظار «أفضل العبادة»، وقد صرّح آية الله السيد محمد تقي الإصفهاني بأنّ توفر هذه النيّة الخالصة شرط في القيام بواجب الانتظار. وعلى أي حال فإنّ توفر هذا الشرط يرتبط بصورة مباشرة بالإعداد النفسي لنصرة الإمام عند ظهوره; لأنّ فقدانه يسلب المنتظر الأهلية اللازمة لتحمل صعاب نصرة الإمام ـ عجل الله فرجه ـ في مهمته الإصلاحية الجهادية الكبرى.

ـــــــــــ

(١) كمال الدين: ٣١٩.

١٥٢

٣ ـ تربية النفس وإعدادها بصورة كاملة لنصرة الإمام من خلال صدق التمسك بالثقلين والتخلق بأخلاقهما ليكون المؤمن بذلك من أتباع الإمام المهديعليه‌السلام حقاً: «وشيعتنا صدقاً» وتتوفر فيه شروط الشخصية الإلهية والجهادية القادرة على نصرة الإمام في طريق تحقيق أهدافه الإلهية، وفي ذلك تمهيد لظهورهعليه‌السلام على الصعيد الشخصي.

٤ ـ التحرك للتمهيد للظهور المهدوي على الصعيد الاجتماعي بدعوة الناس الى دين الله الحق وتربية أنصار الإمام والتبشير بثورته الكبرى، ونلاحظ في حديث الامام السجادعليه‌السلام وصفه للمنتظرين بأنهم «الدعاة الى دين الله عز وجل سرّاً وجهراً»، وفي ذلك إشارة بليغة الى ضرورة استمرار تحرك المنتظرين في التمهيد للظهور ورغم كل الصعاب، فإذا كانت الأوضاع موائمة دعوا لدين الله جهراً وإلاّ كان تحركهم سرياً دون أن يسوّغوا لانفسهم التقاعس عن هذا الواجب التمهيدي تذرّعاً بصعوبة الظروف.

١٥٣

وعلى ضوء ماتقدم يتضح أن الانتظار الحقيقي يتضمن حركة بناء مستمرة واستعداد لظهور المنقذ المنتظر على الصعيدين الفردي والاجتماعي مهما كانت الصعاب والتضحيات، يقول الإمام الخمينيقدس‌سره في آخر بيان أصدره بمناسبة النصف من شعبان قبل وفاته: «سلام عليه (المهدي الموعود) وسلام على منتظريه الحقيقيين، سلام على غيبته وظهوره، وسلام على الذين يدركون ظهوره على نحو الحقيقة ويرتوون من كأس هدايته ومعرفته سلام على الشعب الايراني العظيم الذي يمهد لظهوره بالتضحيات والفداء والشهادة...»(١) .

الانتظار وتوقّع الظهور الفوري

إضافة الى تصريحهم بوجوب إنتظار الامام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ في غيبته استناداً الى كثرة النصوص الشرعية الآمرة بذلك على نحو الفرج الإلهي العام أو الفرج المهدوي على نحو الخصوص، فقد صرحوا بوجوب توقع ظهور الإمام في كل حين استناداً الى النصوص الشرعية أيضاً، يقول السيدالشهيد محمد الصدررحمه‌الله : «من الأخبار الدالة على التكليف في عصر الغيبة مادل على وجوب الانتظار الفوري وتوقع الظهور الفوري في كل وقت بالمعنى الذي سبق أن حققناه»(٢) ، ويقول السيد محمد تقي الإصفهاني بعد نقله لمجموعة من الأحاديث الدالة على وجوب الانتظار الفوري: «المقصود من توقع الفرج صباحا ومساء هو الانتظار للفرج الموعود في كل وقت يمكن وقوع هذا الأمر المسعود ولا ريب في إمكان وقوع ذلك في جميع الشهور والأعوام بمقتضى أمر المدبّر العلام، فيجب الانتظار له على الخاص والعام»(٣) .

وشمولية وجوب الانتظار لجميع المسلمين التي يصرّح بها السيد

ـــــــــــ

(١) صحيفة نور: ٢١.

(٢) تأريخ الغيبة الكبرى: ٤٢٧.

(٣) مكيال المكارم: ٢/ ١٥٨ ـ ١٥٩.

١٥٤

الاصفهاني في ذيل مانقلناه عنه آنفاً يؤكدها السيد الشهيد محمد الصدررحمه‌الله استناداً الى الاتفاق بين المسلمين على حتمية ظهور المهديعليه‌السلام بعد تواتر أحاديثه: «بنحو يحصل اليقين بمدلولها وينقطع العذر عن إنكاره أمام الله عز وجل; وبعد العلم بإناطة تنفيذ ذلك الغرض بإرادة الله تعالى وحده من دون أن يكون لغيره رأي في ذلك، إذن فمن المحتمل في كل يوم أن يقوم المهديعليه‌السلام بحركته الكبرى لتطبيق ذلك الغرض لوضوح احتمال تعلق إرادة الله تعالى به في أي وقت. ولا ينبغي أن تختلف في ذلك الاطروحة الإمامية لفهم المهديعليه‌السلام عن غيرها; إذ على تلك الاطروحة يأذن الله تعالى بالظهور بعد الاختفاء، وأما على الأطروحة القائلة بأن المهديعليه‌السلام يُولد في مستقبل الدهر ويقوم بالسيف، فمن المحتمل أيضاً أن يكون الآن مولوداً ويوشك أن يأمره الله تعالى بالظهور، وهذا الاحتمال قائم في كل وقت»(١) ، ويستند الى الطريقة نفسها في تتمة حديثه للقول بوجوب الانتظار الفوري على كل مَن يؤمن بالمنقذ الموعود من أتباع الديانات الأخرى.

تبقى قضية علائم الظهور التي ذكرت الأحاديث الشريفة أنها تسبق الظهور المهدوي، وتعارضها مع القول بوجوب الانتظار الفوري، وهو تعارض مرفوع بأن انتظار الحتمي منها هو انتظار للظهور في الواقع لأنها جزء كما أنّ زمن وقوع العلائم الحتمية للظهور قريب من موعد الظهور وأما شرائط الظهور وتوفير الأوضاع اللازمة له فإنّ من المحتمل اكتمالها في كل حال. يقول السيد الشهيد محمد الصدررحمه‌الله : «إن العلامات يحتمل وقوعها في أي وقت ويحتمل أن يتبعها ظهور المهديعليه‌السلام بوقت قصير، وأما شرائط الظهور فيحتمل

ـــــــــــ

(١) تأريخ الغيبة الكبرى: ٣٤١ ـ ٣٤٢.

١٥٥

اكتمالها وانجازها في أي وقت أيضاً، وقلنا بأن وجود هذا الاحتمال في نفس الفرد كاف في إيجاد الجو النفسي للانتظار الفوري»(١) .

وهذا الجو النفسي المطلوب في الانتظار الفوري هو الذي يشكل الدوافع المحرضة للمؤمن لكي يسارع في توفير الشروط اللازمة لنصرة إمامه المهدي ـ عجل الله فرجه ـ من خلال إعداد نفسه وغيره بالتهذيب والتربية اللازمة للتحلي بخصال أنصار المهدي.
ومن الضروري استكمالاً للبحث في موضوع وجوب الانتظار كأحد أهم واجبات المسلمين في عصر الغيبة، الإشارة الى حرمة اليأس من الظهور وهو الأصل الذي يستند الى أدلة قرآنية عامة تشكل أحد أدلة وجوب الانتظار، وقد بحث آية الله السيد محمد تقي الإصفهانيرحمه‌الله هذا الموضوع مفصّلاً واستعرض النصوص الشرعية وبيّن دلالاتها والأحكام المستنبطة منها بشأن أقسام اليأس المتصورة بالنسبة الى ظهور المهدي الموعود، وخلص في بحثه الى إثبات حرمة اليأس من ظهوره أصلاً; لاتفاق المسلمين على حتمية تحقق ذلك، وكذلك حرمة اليأس من وقوع الظهور في مدة معيّنة، وكذلك اليأس من قرب ظهوره(٢) .

ـــــــــــ

(١) تاريخ الغيبة الكبرى: ٣٦٢ ـ ٣٦٣.

(٢) مكيال المكارم: ٢ / ١٥٧ ـ ١٦٢.

١٥٦

الباب الخامس: وفيه فصول:

الفصل الأول: علائم ظهور المهديعليه‌السلام .

الفصل الثاني: سيرة الإمام المهديعليه‌السلام عند الظهور .

الفصل الثالث: قبسات من تراث الإمام المهديعليه‌السلام .

الفصل الأول:علائم ظهور الإمام المهديعليه‌السلام

ملاحظات بشأن علائم الظهور

عرفنا من الحديث عن تكاليف المؤمنين في عصر غيبة الإمام ـ عجل الله فرجه ـ أن الأحاديث الشريفة تأمر بانتظار ظهوره وتوقعه في كل آن، وهذا تكليف تربوي يهدف الى جعلهم ساعين باتجاه تحقيق الاستعداد الكامل وباستمرار لنصرته عندما يظهر.

ولكن الى جانب هذا الأمر المؤكد تذكر الأحاديث الشريفة مجموعة من الحوادث والاُمور كعلائم لظهورهعليه‌السلام يهتدي بها المؤمنون لترسيخ وتسريع استعدادهم لنصرته والمساهمة في إنجاز مهمته الإصلاحية الكبرى.

والجمع بين هاتين الطائفتين من الأحاديث الشريفة، هو أن الأمر بتوقع الظهور في كل حين يستند الى إمكان وقوع ذلك متى ما شاءت الإرادة الإلهية، فتعجّل في تحقيق العلائم المذكورة في الطائفة الثانية أو تلغي بعضها لحكمة ربانية في تدبير شؤون العباد إذا علم منهم صدقهم في الاستعداد لنصرته مثلاً، أو أن يكون المقصود من توقع الظهور الفوري توقع تحقق العلائم المذكورة في الأحاديث الشريفة والحتمية الوقوع; لأن وقوعها إعلان ظهور الإمامعليه‌السلام (١) . وقد تقدمت اشارة أخرى الى هذه القضية ضمن الحديث عن واجب الانتظار.

وبهذا تتحصل للمؤمنين الثمار المرجوة من الأمر بوجوب توقع ظهوره ـ عجل الله فرجه ـ في كل حين، وكذلك تتحصل لهم الثمار المرجوة من تعريفهم بعلائم ظهوره لتسريع استعدادهم والقيام بالتكاليف الخاصة ببعض العلائم التي تقرن الأحاديث الشريفة ذكرها بذكر واجبات خاصة بها.

ـــــــــــ

(١) راجع تفصيل السيد الإصفهاني لهذه النقطة في كتابه مكيال المكارم: ٢/ ١٦٠  ومابعدها.

١٥٧

العلائم الحتمية وغير الحتمية

وتذكر الأحاديث الشريفة قسمين رئيسين من علائم ظهور الإمام ـ عجل الله فرجه ـ القسم الأوّل ماهو حتمي الوقوع، والقسم الثاني ماهو غير حتمي بل قد لا يقع إذا اقتضت الحكمة الإلهية ذلك. كما أن بعض هذه العلائم قريبة من زمن الظهور وبعضها سابق له بفترة طويلة.

اللغة الرمزية في أحاديث العلامات

كما تنبغي الإشارة هنا الى أن الأحاديث الشريفة تحدثت عن كثير من علائم الظهور بلغة الرمز والإشارة، لذا من الضروري لمعرفتها على نحو الدقة دراسة هذه اللغة ومعرفتها، كما ينبغي استجماع كل ماورد بشأن كل علامة من تفصيلات في الأحاديث الشريفة ودراستها بعيداً عن التأثر بالقناعات السابقة وبتأنّي وبدقة للتوصل الى مصداقها الحقيقي وعدم الوقوع في التطبيقات العجولة التي تبعد عن الهدف المراد من ذكر هذه العلائم، خاصة وأن اللغة الرمزية بطبيعتها تجعل من الممكن تطبيق كل علامة على أكثر من مصداق وهذا خلاف الهدف المراد من ذكرها أيضاً.

كما أنّ من الضروري الإشارة الى أن بعض الأحاديث الشريفة التي ذكرت علامات الظهور، حددت تكاليف محددة للمؤمنين ـ على نحو التصريح أو الإشارة تجاهها ـ فينبغي عند دراستها السعي للتعرف على هذه التكاليف للحصول على الثمار المرجوة من ذكرها.

وحيث إنّ علائم الظهور ترتبط بقضايا غيبية، لذلك فإنّها تعرضت للكثير من التحريف وداخَلها الوضع، لذا ينبغي التدقيق في هذا الجانب لتمييز الصحيح منها من الموضوع. على أنّ ثمة قضية مهمة اُخرى في هذا المجال هي وجود مجموعة من العلامات التي ذكرتها بعض الأحاديث الشريفة المرسلة أو غير المسندة ثم جاء الواقع التأريخي مصدّقاً لها فهذا دليل صحتها، لأنه أثبت أنه تحدثت عن قضايا قبل وقوعها وهذا مالا يمكن صدوره إلاّ من جهة ينابيع الوحي الإلهي.

١٥٨

أبرز علائم الظهور

والبحث في علائم الظهور طويل لا يسعه هذا المختصر، فنكتفي بعد هذه الملاحظات بنقل مالخّصه الشيخ المفيدرضي‌الله‌عنه من الأحاديث الشريفة مع الإشارة الى أن ثمة علامات أخرى لم يذكرها.

يقولرحمه‌الله : ـ «قد جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام المهديعليه‌السلام وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات: فمنها: خروجُ السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهَدمُ سور الكوفة، وإقبال رايات سود من قِبَلِ خراسان، وخروج اليماني، وظُهور المغربي بمصرَ وتملُّكُه للشامات، ونزول التُرك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرقِ يُضيءُ كما يُضيءُ القمر ثم يَنعطفُ حتى يكاد يلتقي طَرَفاه، وحُمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طُولاً وتبقى في الجوِّ ثلاثة أيّام أو سبعة أيّام، وخلعُ العرب أعنَّتها وتملُّكها البلاد وخُروجُها عن سلطان العجم، وقتلُ أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاثة رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة، وإقبالُ رايات سُود من المشرق نحوها، وبثقٌ في الفرات حتى يدخُل الماءُ أزقّة الكوفة، وخُروجُ ستين كذّاباً كلُّهم يدَّعي النبوة، وخُروج اثني عشر من آل أبي طالب كلُّهم يدّعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر ممّايلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار; وزلزلة حتى ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق، وموت ذريع فيه، ونقص من الأنفس والأموال الثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلاّت، وقلّة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخٌ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد

١٥٩

السادات، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كلُّ أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون.

ثم يُختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتَّصل فتحيا بها الأرض من بعد موتها وتعرف بركاتها، وتزول بعد ذلك كلُّ عاهة عن معتقدي الحقِّ من شيعة المهديعليه‌السلام ، فيعرفون عند ذلك ظُهوره بمكة فيتوجَّهون نحوه لُنصرته. كما جاءت بذلك الأخبار.

ومن جملة هذه الأحداث محتومة ومنها مشترطة، والله أعلم بما يكون، وإنّما ذكرناها على حسب ما ثبت في الاُصول وتضمَّنها الأثر المنقول، وبالله نستعين وإيّاه نسأل التوفيق»(١) .

زوال علل الغيبة

اضافة الى هذه العلامات التي نصت عليها الأحاديث الشريفة; فإنّ المستفاد من الأحاديث الشريفة أن من العلائم المهمة لظهور الإمام المهديـ عجل الله فرجهـ ; زوال العلل والعوامل التي أدت الى غيبته وتوفر الأوضاع المناسبة لقيامه ـ سلام الله عليهـ بمهمته الإصلاحية الكبرى(٢) ، والتي منها:

١ ـ اكتمال عملية التمحيص والغربلة للمؤمنين وتوفر العدد اللازم من الأنصار الأوفياء بمختلف مراتبهم التي أشرنا اليها ضمن الحديث عن علل الغيبة; اي المرتبة العليا من الأنصار الذين يتحلون بالكفاءات القيادية اللازمة لمعاونته في اقامة الحكومة الاسلامية العالمية العادلة وإدارة شؤونها وقبل ذلك إدارة حركة الصراع ضد الكفر والشرك والعبوديات الطاغوتية ودحرها وإزالتها بالكامل.

ـــــــــــ

(١) الإرشاد للشيخ المفيد: ٢/ ٣٦٨ ـ ٣٧٠ .

(٢) تُراجع نصوص الأحاديث الشريفة التي أوردناها في الحديث عن علل الغيبة الكبرى.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199