رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي37%

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي مؤلف:
تصنيف: رسائل وأطاريح جامعية
الصفحات: 152

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي
  • البداية
  • السابق
  • 152 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133528 / تحميل: 10161
الحجم الحجم الحجم
رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي

مؤلف:
العربية

رسالة ماجستير

المدّعي والمدّعى عليه في الفقه الإمامي

ناجي مظلوم المياحي

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

المركز العالمي للدراسات الإسلامية

جامعة آل البيتعليهم‌السلام العالمية

المدّعي والمدّعى عليه في الفقه الإمامي

(ضوابط، وحدود، ووظائف)

الإستاذ المشرف

الشيخ موسى سويدان

الإستاذ المعاون

السيد مشتاق الحلو

إعداد الطالب

ناجي مظلوم الميّاحي

العام الدراسي: ١٤٢٨ ه-. ق - ١٣٨٥ ه-. ش - ٢٠٠٧ م

٣

عن ربّه [الإمام] أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (في كتاب عليعليه‌السلام : أن نبيّاً من الأنبياء شكا إلى فقال: يا ربِّ كيف أقضي فيما لم أشهد ولم أر؟ قال: فأوحى الله تعالى إليه احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي تحلفهم به، وقال: هذا لمن لم تقم له بيّنة) (الكافي ٧: ٤١٥ ح٤).

قال الله تعالى :( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) (النساء:٥٨).

٤

الإهداء

إلى مَنْ ولد في البيت الحرام، ونصّبه الله بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله سيداً للأنام …

إلى أبي الأرامل والأيتام، ومَنْ فدى نفسه لرسول الإسلام …

إلى مَنْ ضرب بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وقاتل ببدر وحنين …

إلى مَنْ أفضل من صام وصلّى، وحجّ ولبَى، وجاهد وزكّى، وأمر بالحسنى …

إلى مَنْ لولاه لما قامت للإسلام قائمة، ولا وصلت لنا معالمه …

إلى مَنْ حكمه فصل وعدل، وشهد له بذلك الكل …

إلى مَنْ يدور الحق معه حيث ما دار، وسُمّيَ بحيدرة الكرار …

إلى إمام المتقين، وسيد الوصيين، سيدي ومولاي أمير المؤمنين، أعني به أسد الله الغالب علي بن أبي طالبعليه‌السلام

أهدي هذا الجهد المتواضع عسى أن يقبلني من محبيه وشيعته ومواليه …

وأن تنالني شفاعته يوم الورود، في ذلك اليوم الموعود، إنّ الله سميع ودود.

٥

كلمة الشكر

أنّ من فضل الله تعالى علينا أن جعلنا ممّن سلك سبل التعليم، كي نكون في المستقبل من دعاة الدين العظيم، فمن حقه علينا الحمد والشكر والتعظيم، فله الحمد وله الشكر على كل حال.

ولا ننسى أيضاً مَنْ جعلهم الوسيلة إليه، أعني بهم: أئمة الهدى والصلاح، وأهل الفلاح والنجاح، الذين هم لمن يريد الهدى نور ومصباح، أهل بيت النبوة والرسالة، وهم نبي الرحمة وعترته الطاهرة المطهّرة صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

كما أشكر والديّ العزيزين لما زرعاه في قلبي من حبّ وولاء لهذه النخبة الطاهرة.

ولا يفوتني أن أشكر أخويّ العزيزين المحترمين، الإستاذ المشرف حجة الإسلام والمسلمين الشيخ موسى سويدان، ومعاون المشرف السيد الأجل مشتاق الحلو على ما بذلاه من جهد خلال كتابة هذا البحث.

كما أشكر إدارة جامعتنا الموقرة (جامعة آل البيتعليهم‌السلام العالمية ) بكل كوادرها، وكل مَنْ ساعدني بتقديم مصدر من المصادر، أو الإرشاد إليها، أو سمح لي بالتجوال في مكتبته.

سائلاً المولى العلي القدير أن يوفقنا وإياهم جميعاً لما فيه خير الأمة الإسلامية إنه سميع مجيب.

٦

ملخص البحث

عنوان بحثنا هو: (المدّعي والمدّعى عليه في الفقه الإمامي. ضوابط، حدود، وظائف).

إن لهذا البحث أهمية كبيرة في حياتنا اليومية لأن الفقه يحمل بديلاً اجتماعياً عن الأنظمة الوضعية، ويهدف إلى إدارة المجتمع فمن الضروري أن يقوم بأعباء القضاء، وحل النزاعات في الخصومات التي قد تحدث في المجتمع، ومن أهم الأمور التي يجب أن تتحدد في المسائل القضائية هي طرفي الدعوى، أي المدّعي والمدّعى عليه.ولم أعثر لحد الآن على كتاب في الفقه الإمامي يتحدث بشكل مستقل عن هذه المسألة، نعم تطرق إليه الكثير بشكل متفرقات في كتاب القضاء وغيره.ومن أهم أهداف هذا البحث هو التحديد العلمي وفق الفقه الإمامي لمفهومي المدّعي والمدّعى عليه في باب القضاء، كي تساعد هذه العملية الفقه في مجال التطبيق الاجتماعي، وأخذ دوره الطبيعي في المجتمع، وإن استخراج مسائل هذا البحث من متفرقات مباحث الفقه، وتنظيمها، وتبويبها، وتهذيبها، وتسليط الضوء عليها، من أهم ما استجد فيه.إنّ أهم قنوات تجميع المعلومات هي المصادر الفقهية، سواء ما كان مطبوعاً منها أو ما يتوفر في شبكة المعلومات والأقراص الليزرية، وكذلك الاستعانة باستشارات الأساتذة والأصدقاء، وانتهجنا في تجميعها وبيانها النهج الوصفي.كما إنه لا يحدد نفسه في إطار معين من ناحية الزمان والمكان، وإنما يتناول جميع المصادر المتوفرة منذ صدر الإسلام وإلى يومنا هذا.ولقد انطلقنا في بحثنا هذا من خلال السؤال الأساسي التالي:(ما هي ضوابط تمييز المدّعي عن المدّعى عليه وفق الفقه الإمامي؟).

وللإجابة على هذا السؤال افترضنا الفرضية التالية: (بأنّ المدّعي هو الذي يقوم بطلب مقاضاة المدّعى عليه، وإذا ترك تُرِكَ، والمدّعى عليه بخلافه).

ولأجل اختبار صدق هذه الفرضية بدأنا في البحث من الفصل الأول والذي تعرضنا فيه إلى التعاريف العامة التي لها علاقة بالبحث كتعريف الدّعوى والمدّعي والمدّعى عليه وغيرها، ثم بالفصل الثاني والذي ذكرنا فيه شروط المدّعي والمدّعى عليه والمدّعى به ومحل النزاع، وبعدها استمر البحث في الفصل الثالث والذي يتناول شروط الدّعوى وأنواعها، ثم الفصل الرابع الذي تطرقنا فيه إلى وسائل الإثبات والإنكار لقبول الدّعوى وردّها، ثم الفصل الأخير وهو الخامس الذي ذكرنا فيه جواب المدّعى عليه وما هي حقوقه، وفي نهاية هذا الفصل ذكرنا فصل الخطاب وهو البت في الحكم بين المدّعيين، ومن ثم خاتمة البحث التي ذكرنا فيها ملخص ما توصلنا إليه من استنتاجات.

ومن خلال هذا البحث وبعد استخراج مسائله المتفرقة في مختلف الأبواب الفقهية، وتنظيمها، وتبويبها، وتهذيبها، ومناقشتها توصلنا إلى صدق الفرضية وإثباتها.

٧

بسم الله الرحمن الرحيم

مدخل البحث

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، وخاتم النبيّين والمرسلين، سيدنا ونبيّنا ومولانا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

إنّ من نعم الله تعالى على الإنسان أن وهبه عقلاً يفكّر به، ويميّز به بين الخير والشرّ، ومع هذا لم يتركه وحيداً في دوامة الحياة، بل أرسل إليه الرسل، وبعث إليه الأنبياء، كي يعينوه على معرفة الأحكام التي تناط به، وتطبيقها على أرض الواقع.

ومن خلال تطبيق هذه الأحكام تسود العدالة بين أفراد المجتمع، بل بين شعوب العالم أجمع.

وبما أننا بصدد كتابة رسالة الماجستير، والتي تحمل عنواناً فقهيّاً (المدّعي والمنكر في الفقه الإمامي، ضوابط، حدود، وظائف) والذي يعدّ من أهم المواضيع التي تساير الإنسان في حياته اليومية، فلابد من معرفة أحكامه وتدوينها بشكل يتاسب وشروط الرسالة.

علماً أن هذه الأحكام كثيرة لذا اقتصرنا على بعض منها بسبب مستوى المرحلة التي نكتب فيها، وإلاّ فهي تحتاج إلى جهد أكبر بكثير من هذا، نسأل الله تعالى أن يوفقنا للكتابة فيه في المراحل القادمة إنه سميع مجيب.

٨

المقدّمة

بيان الموضوع

عنوان الرسالة هو (المدّعي والمدّعى عليه في الفقه الإمامي، ضوابط، حدود، وظائف).

يتناول هذا الموضوع مسألة المدّعي والمدّعى عليه في الفقه الإمامي، التعاريف المختلفة التي وردت في الفقه لكل منهما وملابسات تمييز أحدهما عن الآخر.

وننطلق في البحث من السؤال الأساسي التالي:

ما هي ضوابط تمييز المدّعي عن المدّعى عليه وفق الفقه الإمامي ؟

ونبحث عن جواب هذا السؤال، ضمن الإجابة على الأسئلة الفرعية التالية:

مَن هو المدّعي والمنكر لغة واصطلاحاً ؟

ما هي شروط المدّعي والمدّعى عليه والمدّعى به ومحل النزاع بينهما ؟

ما هي شروط الدّعوى وأنواعها ؟

ما هي وسائل الإثبات والإنكار لقبول الدعوى وردها ؟

ما هو جواب المنكر وما هي حقوقه ؟

وأما الفرضية التي يمكن طرحها كإجابة افتراضية على السؤال الأساسي فهي: أن المدّعي هو الذي يقوم بطلب مقاضاة المدّعى عليه، وإذا ترك تُرِكَ، والمدّعى عليه بخلافه.

أهمية البحث

أن لهذا البحث أهمية كبيرة في حياتنا اليومية لأن الفقه يحمل بديلاً اجتماعياً عن الأنظمة الوضعية، ويهدف إلى إدارة المجتمع فمن الضروري أن يقوم بأعباء القضاء، وحل النزاعات

في الخصومات التي قد تحدث في المجتمع، ومن أهم الأمور التي يجب أن تتحدد في المسائل القضائية هي طرفي الدعوى، أي المدّعي والمدّعى عليه.

٩

سابقة البحث وأهدافه لم أعثر لحد الآن على كتاب في الفقه الإمامي يتحدث بشكل مستقل عن هذه المسألة، نعم تطرق إليه الكثير بشكل متفرقات في كتاب القضاء وغيره. فمثلاً: (كتاب الخلاف) للشيخ الطوسي، يذكر في ضمنه تحت عنوان: (كتاب آداب القضاء) بعض المسائل الخاصة في هذا المجال مع ذكر آراء فقهاء المذاهب الأخرى، مبتدئاً ب- (شروط القاضي) حيث يقول: (مسألة ١: لا يجوز أن يتولى القضاء إلاّ من كان عالماً… إلى آخره) ويذكر الدليل عليها، ثم يتسلسل ببقية المسائل الأخرى، لكنه لم يتطرّق إليها بشكل مفصّل، بل أدرج بعضها هنا - أي في كتاب آداب القضاء - وذكر الباقي منها تحت عناوين أخرى من هذا الكتاب - أي الخلاف - ، وفي كتب أخرى غيره ك- (النهاية، والمبسوط). ولو أخذنا نظرة أخرى على كتاب آخر مثل: (كتاب الناصريات) للشريف المرتضى لوجدناه قد قسّمه إلى عدّة كتب ذاكراً فيها مسائل تتعلّق ب- (المدّعي والمدّعى عليه) ، ولم يذكرها في كتاب القضاء، علماً أنه بدأ فيه ب- (المسألة الثامنة والتسعون والمائة) والتي يذكر فيها كيفية القضاء بشاهد ويمين المدّعي، وكان الأولى به أن يتطرّق إلى (تعريف المدّعي والمدّعى عليه وما يتعلّق بهما من قبيل تعريف الدّعوى وغيرها) ، لكنه كما ترى بدأ في هذه المسألة وكأن تعريف المدّعي والمدّعى عليه مفروغ منه، مع أنه من المسائل الخلافية بين الفقهاء. وكذلك لو نظرنا في كتاب (المهذّب) للقاضي ابن البرّاج، لوجدناه يتحدث تحت عنوان (كتاب الدعوى والبينات) عن واجبات الحاكم وآداب القضاء وشروط القاضي وما إلى ذلك ولم يتعرّض إلى المدّعي والمدّعى عليه بشكل مفصّل. نعم تطرق إلى بعض مسائله الجزئية الضئيلة جداً، مثل: (فإن أقرّ - أي المدّعى عليه - عند ذلك بالحق ألزمه القيام لخصمه) وما إلى ذلك، ولم يتطرّق إلى مسائل الخصومات الأخرى أو تعريفهما، وكيفية التمييز بينهما في الدّعوى - أي مَنْ هو المدّعي، ومَنْ هو المدّعى عليه) وغيرها من المسائل المهمّة. ثم إنه ذكر كتاب (الشهادة) قبل كتاب (الدعوى والبينات) ، بل جعله آخر بحث في كتابه، وهذا غير متعارف عند الفقهاء في تسلسل البحوث. وفي الختام نذكر كتاباً لبعض فقهاء زماننا ألا وهو كتاب (القضاء في الفقه الإسلامي) للسيد كاظم الحائري، الذي يذكر فيه فصولاً خمسة وهي: (وجوب القضاء، شخصية القاضي، طرق الإثبات لدى القاضي، الحكم على الغائب، مدى نفوذ حكم القاضي) وقد نهج نفس النهج الذي ذكره مَنْ تقدّمه من العلماء، إلاّ أن هناك ثمّة تغيرات طرأ لا تفي بالغرض مثل: (المقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي في جملة من المسائل) ، ولم يتطرّق إلى المسائل الهامة التي تكون محل ابتلاء بين أفراد المجتمع مثل: مسائل الخصومات بين الزوجين والبائعين وما إلى ذلك، وكان الأولى أن يتطرّق مَنْ كتب في هذا المجال إلى هذه المسائل، وجعلها تحت عنوان واحد، لا بين مسائل متفرقة في عناوين مختلفة.

وعلى هذا الأساس تمّ اخيتار هذا البحث من بين بحوث كثيرة، يعد لها ثقل كبير في حياتنا اليومية، ولكن لا تصل إلى ما هو فيه من الأهمية، لأنه لو لم توجد الحلول المناسبة للخصومات لأضطربت الحياة بين أفراد المجتمع الواحد، بل بين الأسرة الواحدة. ومن أهم أهداف هذا البحث هو التحديد العلمي وفق الفقه الإمامي لمفهومي المدّعي والمنكر في باب القضاء، كي تساعد هذه العملية الفقه في مجال التطبيق الاجتماعي، وأخذ دوره الطبيعي في المجتمع.

١٠

الجنبة الجديدة في البحث وطريقته

إن استخراج مسائل هذا البحث من متفرقات مباحث الفقه، وتنظيمها، وتبويبها، وتهذيبها، وتسليط الضوء عليها، من أهم ما استجد فيه.

ونحن في بحثنا هذا قد سلكنا فيه أولاً في البحث حول تعريف موضوعه والمفردات ذات العلاقة التي يمكن أن تبحث معه، ومن ثم رأينا أن من المناسب البحث في الشرائط التي ترتبط فيه، لأن أي شيء تريد أن تقدم عليه لابد وأن تعرف شروطه فإن وافقتك قدمت عليه وإلاّ تركته، كذلك توجد شروط تتعلق بالمدّعي والمنكر وغيرهما من المواضيع ذات العلاقة فلابد من درجها ثانياً، وبعدها أركان الدّعوى وأنواعها، ومن ثم الطرق أو الوسائل الموصلة لإعطاء كل ذي حق حقه، وذكر أدلة مشروعيتها، والمحطة الأخيرة التي هي خاتمة المطاف ذكر أجوبة الطرفين لكي يتم البت في الحكم لأحدهما، كي تنتهي بذلك المهمة لجميع الأطراف المشاركة في هذه القضية.

قنوات جمع المعلومات ومحدوديته

إنّ أهم قنوات تجميع المعلومات هي المصادر الفقهية، سواء ما كان مطبوعاً منها أو ما يتوفر في شبكة المعلومات والأقراص الليزرية، وكذلك الاستعانة باستشارات الأساتذة والأصدقاء، وانتهجنا في تجميعها وبيانها النهج الوصفي.

كما إنه لا يحدد نفسه في إطار معين من ناحية الزمان والمكان، وإنما يتناول جميع المصادر المتوفرة منذ صدر الإسلام وإلى يومنا هذا.

١١

ملاحظات

وفي الختام من المناسب أن نشير إلى بعض الملاحظات حول المنهج الذي اتبعته في كتابة البحث:

١ - روعي تسلسل الفصول بما يتناسب وموضوع الرسالة.

٢ - حرصنا على أن تكون الآيات القرآنية الكريمة معربة حسب ما هو وارد في القرآن الكريم، ووضعها بين معقوفتين () مميزتين عن بقية المعقوفات الأخرى التي تخص الأحاديث التي هي بهذا الشكل ( ) وأقوال العلماء التي هي بهذا الشكل ( ).

٣ - أن هذه المعلومات التي ذكرناها في هذا البحث كانت في مواضع متفرقة بين طيّات كتب العلماء، فحرصنا على جمعها وتبويبها بما يتناسب وموضوعها.

٤ - ذكرنا كلمة (بتصرف، أو مفاده) دلالة على أن هناك عبارات للفقهاء متّحدة المعنى ومختلفة الألفاظ فكان تصرفنا هو الجمع بين هذه الألفاظ بما رأيناه مناسباً للعبارة (الفقرة).

٥ - ذكرنا كلمة (راجع كتاب كذا أو مقتبس من كتاب كذا) دلالة على أن العبارة ليست نصاً من صاحب الكتاب، وإنما صيغت من قبلنا.

٦ - ذكرنا كلمة (وكذلك، وأيضاً) ثم اسم مُؤَلَفٍ بعدها دليل على أن المُؤَلَفَ هو لنفس المُؤَلِف الذي ذُكِرَ للمُؤَلَفِ الذي سبقه في نفس الهامش.

وفي الختام نسأل الله تعالى لكم ولنا خالص الأعمال والتوفيق لخدمة الدين الحنيف إنه نعم المولى ونعم النصير.

١٢

الفصل الأول: التعاريف العامّة

يتضمن هذا الفصل عدّة مباحث، هما :

المبحث الأول: تعريف الدّعوى.

المبحث الثاني: تعريف المدّعي والمنكر (المدّعى عليه).

المبحث الثالث: تعريف الإقرار والمُقِرِّ والمُقَرِّ له والمُقَرِّ به.

المبحث الرابع: تعريف البينة.

المبحث الخامس: تعريف اليمين.

المبحث السادس: تعريف الإنكار.

المبحث السابع: تعريف النكول والسكوت.

المبحث الثامن: تعريف القرعة.

١٣

المبحث الأول: تعريف الدّعوى

وفيه عدّة مطالب، منها:

المطلب الأول: التعريف اللغوي

الدّعوى: والفعل فيها: ادعى، والمصدر: ادعاء، فهي اسم وليست مصدراً، وجمعها: دعاوى، كفتوى وفتاوى، وادّعيت الشيء: زعمته لي، حقاً كان أو باطلاً، وقوله تعالى:( هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ) (١) أي تكذّبون، وتأويله في اللغة: هذا الذي كنتم من أجله تدّعون الأباطيل والأكاذيب، ويجوز أن يكون تفتعلون من الدعاء، وتفتعلون من الدّعوى(٢) .

يقول صاحب كتاب (مفتاح الكرامة)(٣) : (الدّعوى لغة: هي الطلب، قال الله تعالى( وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ) (٤) ).

____________________

(١) سورة الملك: آية ٢٧.

(٢) لسان العرب لابن منظور ١٤: ٢٦١، المصباح المنير للمقري الفيومي ١: ١٩٥، المطلع على أبواب المقنع لمحمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي: ٤٠٣، تهذيب اللغة للأزهري٣: ١٢٠، الصحاح للجوهري ٦: ٢٣٣٦ - ٢٣٣٧، تاج العروس للزبيدي١٠: ١٣٧، القاموس المحيط للفيروزآبادي ٤: ٣٢٨، المحكم والمحيط الأعظم ٢: ٣٢٧، القاموس الفقهي لحسين مرعي: ٨٧.

(٣) مفتاح الكرامة - كتاب القضاء - للمحقق الحسيني العاملي: ١٠٩.

(٤) سورة يس: آية ٥٧.

١٤

من خلال ما مرّ في اللغة يمكن أن نستنتج أن الدّعوى: هي عبارة عن طلب يتقدم به إنسان،

لإضافة شيءٍ إلى نفسه، حال المسالمة والمنازعة، بزعمه أنّه له، سواء كان ذلك الشيء حقّاً أو باطلاً.

وهذه الكلمة قد استعملت لعدة معان في اللغة غير الطلب، نجملها بما يلي:

١ - الإخبار: يقال فلان يدعي الكرم، أي يخبر بذلك عن نفسه(١) .

٢ - الدعاء: وقد ذكر أهل اللغة أن بعض معاني الدعاء التمني، كقوله تعالى:( وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ) (٢) أي ما يتمنون(٣) .

٣ - الزعم الباطل أو الكاذب الذي لا يؤيده دليل، ومنه قوله تعالى:( وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ) (٤) أي تكذبون، فيقال: تدعي الباطل وتدعي ما لا يكون. ويكون تفسير الآية: هذا الذي كنتم من أجله تدعون الأباطيل والأكاذيب(٥) .

٤ - طلب الشيء زاعماً ملكه، فيقال: ادعى كذا، زعم أنه له، حقاً أو باطلاً، ومنه كذلك قول الفقهاء في كتبهم الدّعوى في اللغة: إضافة الشيء إلى نفسه مطلقاً(٦) .

____________________

(١) المصباح المنير للمقري الفيومي ١: ١٩٥.

(٢) سورة يس: آية ٥٧.

(٣) انظر: تهذيب اللغة ٣: ١١٩ - ١٢٠، لسان العرب لابن منظور ١٤: ٢٦٠.

(٤) سورة الملك: آية ٢٧.

(٥) انظر: تهذيب اللغة ٣: ١١٩ - ١٢٠، لسان العرب لابن منظور ١٤: ١٦١.

(٦) انظر: المطلع البعلي الحنبلي: ٤٠٣، القاموس المحيط للفيروزآبادي ٤: ٣٣٨.

١٥

المطلب الثاني: التعريف الاصطلاحي

للفقهاء في تعريف الدّعوى عدة أقوال نذكر بعضاً منها ثم نختار تعريفاً للدّعوى يكون معتمداً في هذا البحث:

نسب صاحب كتاب (مفتاح الكرامة)(١) هذا التعريف إلى القيل حيث يقول: (الدّعوى شرعاً إضافة الإنسان إلى نفسه شيئاً، بل إلى غيره، ملكاً كان أو حقاً، في يد غيره أو ذمّته).

ويقول صاحب كتاب (القاموس الفقهي)(٢) : (الدّعوى في القضاء: هو قول يطلب به الشخص إثبات حق على غيره).

ونستخلص إلى القول بأن الدّعوى هي: (طلب يقدّمه الشخص إلى القضاء، يقصد به إضافة حقٍ أو ملكٍ، زاعماً أنّه له، أو لمن يمثله ).

____________________

(١) مفتاح الكرامة - كتاب القضاء - للمحقق الحسيني العاملي: ١٠٩.

(٢) القاموس الفقهي لحسين مرعي: ٨٧.

١٦

المطلب الثالث: بيان مفردات التعريف

١ - الأصل في الطلب هو القول، ولكن يجوز أن تنوب عنه الكتابة أو الإشارة. وهذا ما هو جارٍ الآن في المحاكم، وأما الإشارة فهي لمن لا يقدر على التلفظ أو الكتابة.

٢ - نقصد بالشخص: هو مطلق الشخص سواء كان حقيقياً أوحقوقياً، لا فرق بينهما. ونقصد بالحقيقي هنا: ما يقوم بالطلب فعلاً وواقعاً خارجاً، ونقصد بالحقوقي: ما يكون عنواناً لا شخصاً، كما هو الحال في المؤسسات العامة، والبنوك، وغيرها.

٣ - قيدنا تعريف الدّعوى في مجلس القضاء لتخرج الدّعوى في اللغة لأنها مطلقة ولكي لا يغبن حق عند من لا يكون له أهلية قضائية، كما هو المتعارف في الأحكام العرفية والعشائرية.

٤ - وقيدناه ب- (طلب حقٍ أو ملك له، أو لمن يمثله) لكي يدخل في ذلك دعوى الولي والوصي والوكيل أو الحاكم ونائبه لمن ليس له أحد هؤلاء الثلاثة.

١٧

المبحث الثاني: تعريف المدّعي والمدّعى عليه

مقدمة

ليس بالأمر السهل واليسير معرفة المدّعي والمنكر (المدّعى عليه)، كما يعتقده بعضنا، فربّما يكون في بعض الأحيان المدّعي منكراً والمنكر مدّعياً، عندما تنقلب الدّعوى، وذلك عندما يدفع المدّعى عليه الدّعوى، فإنّ دفعه هذا يعتبر دعوى يكون فيها الدافع مدّعياً، وهذا يتكون في تشكيل كل دعوى في بدايتها، وحتى صدور الحكم في النهاية.

فإذا غفل القاضي عن التمييز بين المدّعي والمنكر (المدّعى عليه) فإنّ نتيجة الدّعوى ستكون معكوسة إثر غفلته.

ولهذا ربّما يتوجه اليمين إلى غير صاحبه، وهذا الأمر ليس من العدالة في شيء، لأنّ الغرض من تشكيل القضاء هو إحياء العدالة بين أفراد المجتمع الواحد - بل بين أفراد العالم أجمع -.

من هنا اختلفت كلمات الفقهاء في تعريف المدّعي والمنكر (المدّعى عليه) لغة واصطلاحاً. ونحن نذكر بعض المطالب في هذا البحث، منها:

المطلب الأول: التعريف اللغوي للمدّعي

هناك تعاريف مختلفة في اللغة للمدّعي، أو ما يسمى ب- (الزاعم)، أو (صاحب الدّعوى)، أو (الشاكي)، نذكر أهمها:

١ - المدّعي: هو من لا يجبر على الخصومة(١) .

٢ - المدّعي: هو من ادعى الشيء لنفسه، سواء ادعى شيئاً في يده، أو شيئاً في يد غيره، أو في ذمة غيره(٢) .

٣ - المدّعي: هو الزاعم، والمتظاهر، والمطالب، وصاحب الدّعوى(٣) .

٤ - المدّعي: هو الشاكي الذي يتقدّم بتحرير شكوى ضد المشكو منه في مجلس القضاء.

ونرى أن الجمع بين هذه التعاريف أكمل، وأجمل، وأكثر دقة ومعنىً، فنقول:

المدّعي: هو الشاكي الذي قدّم طلباً، مدعياً فيه حقّاً، أو ملكاً مطلقاً، ولا يجبر على الخصومة إن ترك.

ونقصد بالإطلاق هنا: سواء كان ذلك الحقّ أو الملك في يده، أو يد الغير، أو ذمته. وسواء كان لنفسه، أو لمن له حقّ الدّعوى عنه، كأن يكون وليّاً، أو وكيلاً، أو وصياً، أو حاكماً، أو نائبه إن لم يكن للمدّعى عنه أحد هؤلاء الثلاثة. وسواء كان ذلك الحقّ حقّاً مادياً كالدين، أومعنوياً كالنسب مثلاً. وسواء كان الملك معيناً، كأن يقول: هذه الدار، أو غير معيّن فيحتاج إلى وصف، كأن يقول: غصبت داري.

____________________

(١) التعريفات للجرجاني: ٢٦٥، معجم لغة الفقهاء لمحمد القلعجي: ٤١٨.

(٢) المبسوط للشيخ الطوسي ٨: ٢٥٦.

(٣) معجم ألفاظ الفقه الجعفري للدكتور أحمد فتح الله: ٣٧٧.

١٨

المطلب الثاني: التعريف الاصطلاحي للمدّعي

لقد اختلفت كلمات الفقهاء في تعريف المدّعي اصطلاحاً، ونحن نذكر بعضاً منها:

١ - المدّعي في الشرع: من ادّعى شيئاً على غيره، في يده، أو في ذمته، فإن كان الشيء في يده فادعاه فلا يقال له في الشرع مدّعٍ(١) .

٢ - المدّعي: هو الذي يُتْرَكُ لو تَرَكَ الخصومة، أو الذي يدّعي خلاف الظاهر، أو خلاف الأصل(٢) .

٣ - المدّعي: هو الذي يُتْرَكُ لو تَرَكَ الخصومة، وقيل: هو الذي يدّعي خلاف الأصل، أو أمراً خفيّاً(٣) .

قال صاحب الجواهر: (وقيل: إنّه هو المشهور)(٤) أي هذا التعريف القائل: بأن المدّعي يُتْرَكُ لو تَرَكَ الخصومة هو المشهور.

وقال أيضاً: (يُعطي نفس المعنى ما قد يقال(٥) : أن المدّعي هو الذي يُخلّى وسكوته)(٦) .

٤ - وقد وردت في بعض عبائر صاحب كتاب (الجواهر)(٧) : (أنّ المراد به - يعني المدّعي - الذي قام به إنشاء الخصومة في حقّ له، أو خروج من حقّ عليه، سواء وافق الظاهر والأصل بذلك، أو خالفهما، وسواء تُرِكَ مع سكوته، أو لم يُترَك، فإنّ المدّعي عرفاً لا يختلف باختلاف ذلك).

٥ - المدّعي: هو كلّ مَنْ أطلق عليه العرف المدّعي، يحكم عليه بما هي وظيفته شرعاً، سواء وافق قوله الأصل والظاهر أو خالفهما، أو وافق أحدهما وخالف الآخر(٨) .

٦ - المدّعي: هو مَنْ يرى العرف بشأنه أنّ عليه مؤونة الإثبات(٩) .

____________________

(١) المبسوط للشيخ الطوسي ٨: ٢٥٦.

(٢) قواعد الأحكام للعلامة الحلي ٣: ٤٣٦، إيضاح الفوائد لابن العلامة ٤: ٣٢٣.

(٣) شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٩٣، كشف الرموز للفاضل الآبي ٢: ٥٠٤، المهذب البارع لابن فهد الحلي ٤: ٤٨١، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٤: ٥٩.

(٤) الجواهر للشيخ الجواهري ٤٠: ٣٧١.

(٥) رسائل الكركي للمحقق الكركي ٢: ٣١٢.

(٦) الجواهر للشيخ الجواهري ٤٠: ٣٧٥.

(٧) ن. م: ٣٧٦.

(٨) القضاء للمحقق الآشتياني: ٣٣٦.

(٩) مباني تكملة المنهاج للسيد الخوئي ١: ٤٢.

١٩

٧ - وقال صاحب كتاب (تحرير الوسيلة)(١) : (أنّ تشخيص المدّعي والمنكر عرفيّ كسائر الموضوعات العرفية، وليس للشارع الأقدس اصطلاح خاص فيهما).

المطلب الثاني: التعريف اللغوي للمدّعى عليه

للمدّعى عليه، أو ما يسمى ب- (المتهم)، أو (المنكر)، أو (المشكو منه)، تعاريف عدّة، نذكر بعضاً منها:

١ - المدّعى عليه: هو من يجبر على الخصومة(٢) .

٢ - المدّعى عليه: هو من ادّعي عليه شيء في يده، أو في ذمته، فهو المدّعى عليه لغة وشرعاً(٣) .

٣ - المدّعى عليه: هو من في حقّه الدّعوى(٤) .

٤ - المدّعى عليه - الذي يطلق عليه أحياناً المنكر -: وهو الذي يخالف قوله قول الشاكي، حيث يقول صاحب كتاب (المحكم والمحيط الأعظم): (نكر الأمر نكيراً، ونكراً: جهله، والصحيح: أن الإنكار: المصدر، والنكر: الإسم، والإنكار: الاستفهام عما يُنكره، وذلك إذا أنكرت أن تثبت رأي السائل على ما ذكر، أو تنكر رأيه على خلاف ما ذكر)(٥) .

ويقول صاحب كتاب (معجم ألفاظ الفقه الجعفري)(٦) : (المنكر: هو الناكر، المدّعى عليه في دعوى قضائية، وأنكر صحة دعوى المدّعي).

وهناك لفظة أخرى أيضاً وهي: المتّهم: وهو الظنين الذي تظن به التهمة(٧) .

____________________

(١) تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٢: ٤١٠.

(٢) التعريفات للجرجاني: ٢٦٥، معجم لغة الفقهاء لمحمد القلعجي: ٤١٨.

(٣) المبسوط للشيخ الطوسي ٨: ٢٥٦.

(٤) معجم ألفاظ الفقه الجعفري للدكتور أحمد فتح الله: ٣٧٧.

(٥) المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده ٦: ٨٠٤.

(٦) معجم ألفاظ الفقه الجعفري للدكتور أحمد فتح الله: ٤١٢.

(٧) راجع لسان العرب لابن منظور ١٣: ٢٧٣.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

والمغيّ غير الغاية والغاية موصوفة وكلُّ موصوف مصنوع وصانع الأشياء غير موصوف

________________________________________________________

الأوّل: أنّ تكون الغاية بمعنى الغرض والمقصود، أي كلمة الجلالة مقصود من جعله مقصودا، وذريعة من جعله ذريعة، أي كلّ من كان له مطلب وعجز عن تحصيله بسعيه يتوسل إليه باسم الله، والمغيّى بالغين المعجمة والياء المثناة المفتوحة أي المتوسل إليه بتلك الغاية غير الغاية، أو بالياء المكسورة أي الّذي جعل لنا الغاية غاية هو غيرها، وفي بعض النسخ والمعنى بالعين المهملة والنّون، أي المقصود بذلك التوسّل، أو المعنى المصطلح، غير تلك الغاية التي هي الوسيلة إليه.

الثاني: أنّ يكون المراد بالغاية النهاية، وبالله: الذّات لا الاسم أي الرّب تعالى غاية آمال الخلق يدعونه عند الشدائد بأسمائه العظام، والمغيى بفتح الياء المشددة المسافة ذات الغاية، والمراد هنا الأسماء فكأنها طرق ومسالك توصل الخلق إلى الله في حوائجهم، والمعنى أنّ العقل يحكم بأنّ الوسيلة غير المقصود بالحاجة، وهذا لا يلائمه قوله والغاية موصوفة إلّا بتكلف تام.

الثالث: أنّ يكون المراد بالغاية العلامة وصحفت غاياه بغاياته، وكذا في بعض النسخ أيضا، أي علامة من علاماته، والمعنى أي المقصود، أو المغيى أي ذو العلامة غيرها.

الرابع: أنّ يكون المقصود أنّ الحقّ تعالى غاية أفكار من جعله غاية وتفكر فيه، والمعنى المقصود أعنّي ذات الحقّ غير ما هو غاية أفكارهم، ومصنوع عقولهم، إذ غاية ما يصل إليه أفكارهم ويحصل في أذهانهم موصوف بالصّفات الزائدة الإمكانيّة وكلّ موصوف كذلك مصنوع.

الخامس: ما صحّفه بعض الأفاضل حيث قرأ: عانة من عاناه أي الاسم ملابس من لابسه، قال في النهاية: معاناة الشيء ملابسته ومباشرته، أو مهّم من اهتمّ به من قولهم عنيت به فأنا عان، أي اهتممت به واشتغلت أو أسير من أسَره، وفي النهاية العاني الأسير، وكلّ من ذلّ واستكان وخضع فقد عنا يعنو فهو عان، أو محبوس من حبسه، وفي النهاية وعنوا بالأصوات أي احبسوها، والمعنى أي المقصود بالاسم غير

٤١

بحدّ مسمّى لم يتكوَّن فيعرف كينونيّته بصنع غيره ولم يتناه إلى غاية إلّا كانت غيره لا يزلُّ من فهم هذا الحكم أبداً وهو التّوحيد الخالص فارعوه وصدّقوه

________________________________________________________

العانة أي غير ما نتصورّه ونعقله.

ثمّ اعلم أنّه على بعض التقادير يمكن أنّ يقرأ والله بالكسر، بأنّ يكون الواو للقسم.

قوله: غير موصوف بحدّ، أي من الحدود الجسمانية أو الصّفات الإمكانية، أو الحدود العقلية، وقوله: مسمّى صفة لحد، للتعميم كقوله تعالى «لَمْ يَكُنْ شيئاً مَذْكُوراً »(١) ويحتمل أنّ يكون المراد أنه غير موصوف بالصّفات التي هي مدلولات تلك الأسماء، وقيل: هو خبر بعد خبر أو خبر مبتدإ محذوف.

قوله: لم يتكوّن فيعرف كينونته(٢) بصنع غيره قيل: المراد أنه لم يتكون فيكون محدثا بفعل غيره، فتعرف كينونته وصفات حدوثه بصنع صانعه كما تعرف المعلولات بالعلل.

أقول: لعل المراد أنه غير مصنوع حتّى يعرف بالمقايسة إلى مصنوع آخر، كما يعرف المصنوعات بمقايسة بعضها إلى بعض، فيكون الصنع بمعنى المصنوع وغيره صفة له، أو أنه لا يعرف بحصول صورة هي مصنوعة لغيره، إذ كلّ صورة ذهنية مصنوعة للمدرك، معلولة له.

قوله: ولم يتناه، أي هو تعالى في المعرفة أو عرفانه أو العارف في عرفانه إلى نهاية إلّا كانت تلك النهاية غيره تعالى ومباينة له غير محمولة عليه.

قولهعليه‌السلام : لا يزل، في بعض النسخ بالذال، أي ذل الجهل والضلال من فهم هذا الحكم وعرف سلب جميع ما يغايره عنه، وعلم أنّ كلـمّا يصل إليه أفهام الخلق فهو غيره تعالى.

__________________

(١) سورة الإنسان: ١.

(٢) كذا في النسخ، وفي المتن « كينونيّته ».

٤٢

وتفهّموه بإذن الله من زعم أنّه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك لأنَّ حجابه ومثاله وصورته غيره وإنّما هو واحد متوحّد فكيف يوحّده من زعم

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : من زعم أنّه يعرف الله بحجاب أي بالأسماء التي هي حجب بين الله وبين خلقه، ووسائل بها يتوسّلون إليه، بأنّ زعم أنه تعالى عين تلك الأسماء أو الأنبياء أو الأئمةعليهم‌السلام ، بأن زعم أنّ الربّ تعالى اتحدّ بهم أو بالصّفات الزائدة فإنها حجب عن الوصول إلى حقيقة الذّات الأحديّة أو بأنه ذو حجاب كالمخلوقين « أو بصورة » أي بأنه ذو صورة كما قالت المشبهة، أو بصورة عقلية زعم أنها كنه ذاته وصفاته تعالى « أو بمثال » أي خيالي أو بأنّ جعل له مماثلا ومشابها من خلقه « فهو مشرك » لـمّا عرفت مرارا من لزوم تركبه تعالى وكونه ذا حقائق مختلفة، وذا أجزاء، تعالى الله عن ذلك.

ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنّه لا يمكن الوصول إلى حقيقته تعالى بوجه من الوجوه لا بحجاب ورسول يبيّن ذلك، ولا بصورة عقلية ولا خيالية، إذ لا بد بين المعرف والمعرف من مماثلة وجهة اتحاد، وإلّا فليس ذلك الشيء معرفا أصلاً، والله تعالى مجرد الذّات عن كلّ ما سواه، فحجابه ومثاله وصورته غيره من كلّ وجه، إذ لا مشاركة بينه وبين غيره في جنس أو فصل أو مادة أو موضوع أو عارض، وإنّما هو واحدّ موحدّ فرد عمّا سواه، فإنما يعرف الله بالله إذا نفي عنه جميع ما سواه، وكلـمّا وصل إليه عقله كما مرّ أنه التّوحيد الخالص.

وقال بعض المحققّين: من زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال أي بحقيقة من الحقائق الإمكانية كالجسم والنور أو بصفة من صفاتها التي هي عليها كما أسند إلى القائلين بالصورة أو بصفة من صفاتها عند حصولها في العقل كما في قول الفلاسفة في رؤية العقول المفارقة فهو مشرك، لأنّ الحجاب والصورة والمثال كلّها مغايرة له غير محمولة عليه، فمن عبد الموصوف بها عبد غيره، فكيف يكون موحّداً له عارفاً به، إنما عرف الله من عرفه بذاته وحقيقته المسلوب عنه جميع ما يغايره، فمن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما يكون يعرف غيره.

٤٣

أنّه عرفه بغيره وإنّما عرف الله من عرفه بالله فمن لم يعرفه به فليس يعرفه إنّما يعرف غيره ليس بين الخالق والمخلوق شيء والله خالق الأشياء لا من شيء كان

________________________________________________________

أقول: لا يخفى أنّ هذا الوجه وما أوردته سابقاً من الاحتمالات التي سمحت بها قريحتي القاصرة لا يخلو كلّ منها من تكلّف، وقد قيل فيه وجوه أخر أعرضت عنها صفحاً، لعدم موافقتها لأصولنا، والأظهر عندي أنّ هذا الخبر موافق لـمّا مرّ، وسيأتي في كتاب العدل أيضاً من أنّ المعرفة من صنعه تعالى وليس للعباد فيها صنع، وأنه تعالى يهبها لمن طلبها ولم يقصر فيما يوجب استحقاق إفاضتها، والقول بأنّ غيره تعالى يقدر على ذلك نوع من الشرك في ربوبيّته وإلهيته، فأنّ التّوحيد الخالص هو أنّ يعلم أنّه تعالى مفيض جميع العلوم والخيرات، والمعارف والسعادات كما قال تعالى:

«ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ »(١) فالمراد بالحجاب إمّا أئمة الضّلال وعلماء السوء الذين يدّعون أنّهم يعرفونه تعالى بعقولهم ولا يرجعون في ذلك إلى حجج الله تعالى، فإّنهم حجب يحجبون الخلق عن معرفته وعبادته تعالى، فالمعنى أنّه تعالى إنما يعرّف بما عرف نفسه للناس لا بأفكارهم وعقولهم، أو أئمة الحقّ أيضاً فإنه ليس شأنهم إلّا بيأنّ الحقّ للناس فأما إفاضة المعرفة والإيصال إلى البغية فليس إلّا من الحقّ تعالى كما قال سبحانه: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ »(٢) ويجري في الصّورة والمثال ما مرّ من الاحتمالات، فقولهعليه‌السلام : ليس بين الخالق والمخلوق شيء، أي ليس بينه تعالى وبين خلقه حقيقة أو مادّة مشتركة حتّى يمكنهم معرفته من تلك الجهة، بل أوجدهم لا من شيء كان، ويؤيّد هذا المعنى ما ذكره في التّوحيد تتمّة لهذا الخبر: والأسماء غيره والموصوف غير الواصف، فمن زعم أنه يؤمن بما لا يعرف فهو ضالّ عن المعرفة، لا يدرك مخلوق شيئاً إلّا بالله، ولا يدرك معرفة الله إلّا بالله، والله خلو من خلقه وخلقه خلو منه، وإذا أراد شيئاً كان كما أراد بأمره من غير نطق، لا ملجأ لعباده ممّا قضى، ولا حجة لهم فيما ارتضى

__________________

(١) سورة النساء: ٧٩.

(٢) سورة القصص: ٥٦.

٤٤

والله يسمّى بأسمائه وهو غير أسمائه والأسماء غيره

________________________________________________________

لم يقدروا على عمل ولا معالجة ممّا أحدث في أبدانهم المخلوقة إلّا بربّهم، فمن زعم أنه يقوى على عمل لم يرده الله عزّ وجلّ فقد زعم أنّ إرادته تغلب إرادة الله «تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » ووجه التأييد ظاهر لمن تأمّل فيها.

تذييل:

اعلم أنّ المتكلّمين اختلفوا في أنّ الاسم هل هو عين المسمّى أو غيره، فذهب أكثر الأشاعرة إلى الأوّل والإماميّة والمعتزلة إلى الثاني، وقد وردت هذه الأخبار ردا على القائلين بالعينية وأول بعض المتأخرين كلامهم لسخافته وأنّ كانت كلماتهم صريحة فيما نسب إليهم.

قال شارح المقاصد: الاسم هو اللفظ المفرد الموضوع للمعنى على ما يعم أنواع الكلمة، وقد يقيد بالاستقلال والتجرد عن الزمان، فيقابل الفعل والحرف على ما هو مصطلح النحاة، والمسمّى هو المعنى الّذي وضع الاسم بإزائه، والتسمية هو وضع الاسم للمعنى وقد يراد بها ذكر الشيء باسمه كما يقال يسمّى زيداً ولم يسمّ عمروا، فلا خفاء في تغاير الأمور الثلاثة، وإنّما الخفاء فيما ذهب إليه بعض أصحابنا من أنّ الاسم نفس المسمى، وفيما ذكره الشيخ الأشعريّ من أنّ أسماء الله تعالى ثلاثة أقسام ما هو نفس المسمّى مثل « الله » الدّال على الوجود، أي الذّات، وما هو غيره كالخالق والرازق ونحو ذلك ممّا يدّل على فعل، وما لا يقال إنه هو ولا غيره كالعالم والقادر وكلّ ممّا يدّل على الصّفات، وأمّا التسمية فغير الاسم والمسمى.

وتوضيحه: أنهم يريدون بالتسمية اللفظ وبالاسم مدلوله كما يريدون بالوصف قول الواصف، وبالصفة مدلوله، وكما يقولون: أنّ القراءة حادثة والمقر وقديم، إلّا أنّ الأصحاب اعتبروا المدلول المطابقي فأطلقوا القول بأنّ الاسم نفس المسمّى للقطع بأنّ مدلول الخالق شيء ماله الخلق لا نفس الخلق، ومدلول العالم شيء ما له العلم لا نفس العلم، والشيخ أخذ المدلول أعم، واعتبر في أسماء الصّفات المعاني المقصودة،

٤٥

( باب معاني الأسماء واشتقاقها )

١ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن تفسير

________________________________________________________

فزعم أنّ مدلول الخالق الخلق وهو غير الذّات، ومدلول العالم العلم وهو لا عين ولا غير « انتهى ».

باب معاني الأسماء واشتقاقها

الحديث الأوّل: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : الباء بهاء الله، يظهر من كثير من الأخبار أنّ للحروف المفردة أوضاعاً ومعاني متعدّدة لا يعرفها إلّا حجج اللهعليه‌السلام ، وهذه إحدى جهات علومهم واستنباطهم من القرآن، وقد روت العامة في « الم » عن ابن عباس أنّ الألف آلاء الله واللام لطفه والميم ملكه، والبهاء الحسن، والسناء بالمدّ: الرفعة، والمجد: الكرم والشّرف.

وأقول: يمكن أنّ يكون هذا مبنيا على الاشتقاق الكبير والمناسبة الذاتيّة بين الألفاظ ومعانيها، فالباء لـمّا كانت مشتركة بين المعنى الحرفي وبين البهاء فلا بد من مناسبة بين معانيهما، وكذا الاسم والسناء لـمّا اشتركا في السين فلذا اشتركا في معنى العلوّ والرّفعة، وكذا الاسم لـمّا اشترك مع المجد والملك فلا بد من مناسبة بين معانيها، وهذا باب واسع في اللغة يظهر ذلك للمتتبع بعد تتبع المباني والمعاني، فالمراد بقولهعليه‌السلام والسّين سناء الله، أنّ هذا الحرف في الاسم مناط لحصول هذا المعنى فيه، وكذا البواقي، والتأمل في ذلك يكسر سورة الاستبعاد عن ظاهر هذا الكلام، وهذا ممّا خطر بالبال في هذا المقام.

ولعلّه أقرب ممّا أفاده بعض الأعلام، حيث قال: لـمّا كان تفسيره بحسب معنى حرف الإضافة، ولفظ الاسم غير محتاج إلى البيان للعارف باللغة أجابعليه‌السلام بالتفسير

٤٦

بسم الله الرحمن الرحيم قال: الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم مجد الله وروى بعضهم الميم ملك الله والله إله كلّ شيء الرحمن بجميع خلقه والرحيم بالمؤمنين خاصّة.

________________________________________________________

بحسب المدلولات البعيدة، أو لأنّه لـمّا صار مستعملاً للتبرّك مخرجاً عن المدلول الأوّل ففسّره بغيره ممّا لوحظ في التبرك، والمراد بهذا التفسير إما أنّ هذه الحروف لـمّا كانت أوائل هذه الألفاظ الدّالة على هذه الصّفات أخذت للتبرك أو أنّ هذه الحروف لها دلالة على هذه المعاني إمّا على أنّ للحروف مناسبة مع المعاني بها وضعت لها، وهي أوائل هذه الألفاظ فهي أشد حروفها مناسبة وأقواها دلالة لمعانيها أو لأنّ الباء لـمّا دلت على الارتباط والانضياف ومناط الارتباط والانضياف إلى شيء وجدان حسن مطلوب للطالب، ففيها دلالة على حسن وبهاء مطلوب لكلّ طالب، وبحسبها فسرت ببهاء الله، ولـمّا كان الاسم من السمو الدّال على الرفعة والعلو والكرم والشرف، فكلّ من الحرفين بالانضمام إلى الآخر دال على ذلك المدلول فنسبت الدلالة على السناء بحسب المناسبة إلى السين، وفسرها بسناء الله والدلالة على المجد أو الملك بحسبها إلى الميم، وفسرها بالمجد أو الملك على الرواية الأخرى « والله إله كلّ شيء » أي مستحق للعبودية لكلّ شيء والحقيق بها، والرحمن لجميع خلقه.

اعلم أنّ الرحمن أشد مبالغة من الرحيم، لأنّ زيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى، وذلك إنّما يعبر تارة باعتبار الكمية وأخرى باعتبار الكيفية، فعلى الأوّل قيل: يا رحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكافر، ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن وعلى الثاني قيل: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما بتخصيص الأوّل بجلائل النعم والثاني بغيرها، والثاني أيضاً يحتمل أنّ يكون محمولا على الوجه الأوّل، أي رحمن الدارين بالنعم العامة، والرحيم فيهما بالنعم الخاصّة بالهداية والتوفيق في الدنيا والجنة ودرجاتها في الآخرة، والأخير في هذا الخبر أظهر.

٤٧

٢ - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أسماء الله واشتقاقها الله ممّا هو مشتقٌّ فقال يا هشام الله مشتق من إله وإله يقتضي مألوها والاسم غير المسمّى فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد اثنين ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التّوحيد أفهمت يا هشام قال قلت زدني قال لله تسعة وتسعون اسماً فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كلّ اسم منها إلها ولكن الله معنى يدّل عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره يا هشام الخبز اسم للمأكول والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا المتخذين مع الله عزّ وجلّ غيره قلت نعم فقال نفعك الله به وثبتك يا هشام قال فو الله ما قهرني أحدّ في التّوحيد حتّى قمت مقامي هذا.

٣ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقيّ، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام قال سئل عن معنى

________________________________________________________

الحديث الثاني: حسن وقد مرّ بعينه متناً وسنداً في باب المعبود فلا نعيد شرحه.

الحديث الثالث: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : استولى، لعلّه من باب تفسير الشيء بلازمه، فأنّ معنى الإلهية يلزمه الاستيلاء على جميع الأشياء دقيقها وجليلها، وقيل: السؤال إنما كان عن مفهوم الاسم ومناطه، فأجابعليه‌السلام بأنّ الاستيلاء على جميع الأشياء مناط المعبودية بالحقّ لكلّ شيء.

أقول: الظاهر أنه سقط من الخبر شيء، لأنه مأخوذ من كتاب البرقيّ وروي في المحاسن بهذا السند بعينه عن القاسم عن جدّه الحسن عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام وسئل عن معنى قول الله «عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى »(١) فقال: استولى على

__________________

(١) سورة طه: ٥.

٤٨

الله فقال استولى على ما دقّ وجلَّ.

٤ - عليُّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن العبّاس بن هلال قال سألت الرّضاعليه‌السلام عن قول الله «اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »(١) فقال هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض وفي رواية البرقيّ هدى من في السماء وهدى من في الأرض.

٥ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوأنّ بن يحيى، عن فضيل بن عثمان، عن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ «هُوَ الأوّل وَالْآخِرُ »(٢) وقلت أما الأوّل فقد عرفناه وأمّا الآخر فبين لنا تفسيره فقال إنه ليس شيء إلّا يبيد أو يتغيّر أو يدخله التغيّر والزوال أو ينتقل من لون إلى لون ومن هيئة إلى هيئة ومن صفة إلى صفة ومن زيادة إلى نقصان ومن

________________________________________________________

ما دقّ وجلّ، وروى الطّبرسي في الاحتجاج أيضاً هكذا، فلا يحتاج إلى هذه التكلّفات إذ أكثر المفسّرين فّسروا الاستواء بمعنى الاستيلاء، وقد حقّقنا في مواضع من كتبنا أنّ العرش يطلق على جميع مخلوقاته سبحانه وهذا أحدّ إطلاقاته لظهور وجوده وعلمه وقدرته في جميعها، وهذا من الكليني غريب ولعله من النسّاخ.

الحديث الرابع: ضعيف على المشهور وآخره مرسل.

قولهعليه‌السلام : هاد لأهل السماء أقول: النور ما يكون ظاهراً بنفسه وسببا لظهور غيره، والله سبحانه هو الموجود بنفسه، الموجد لغيره، والعالم بذاته المفيض للعلوم على من سواه، فهو هاد لأهل السماء وأهل الأرض، وهدى لهم بما أوجد وأظهر لهم من آيات وجوده وعلمه وقدرته، وبما أفاض عليهم من العلوم والمعارف.

الحديث الخامس: صحيح.

قولهعليه‌السلام : يبيد، أي يهلك، والرفات: المتكسّر من الأشياء اليابسة، والرّميم ما بلى من العظام، والبلح محرّكة بين الخلال والبسر، قال الجوهري: البلح قبل البسر لأنّ أول التمرّ طلع، ثمّ خلال ثمّ بلح ثمّ بسر ثمّ رطب. أقول: الغرض أن

__________________

(١) سورة النور: ٣٥.

٤٩

نقصأنّ إلى زيادة إلّا ربّ العالمين فإنه لم يزل ولا يزال بحالة واحدة هو الأوّل قبل كلّ شيء وهو الآخر على ما لم يزل ولا تختلف عليه الصّفات والأسماء كما تختلف على غيره مثل الإنسان الّذي يكون ترابا مرَّة ومرَّة لحماً ودماً ومرَّة رفاتاً ورميماً وكالبسر الّذي يكون مرَّة بلحاً ومرَّة بُسراً ومرَّة رطباً ومرَّة تمراً فتتبدَّل عليه الأسماء والصّفات والله جلَّ وعزَّ بخلاف ذلك.

٦ - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة، عن محمّد بن حكيم، عن ميمون البان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام وقد سئل عن الأوّل والآخر فقال الأوّل لا عن أول قبله ولا عن بدء سبقه والآخر لا عن نهاية كما يعقل من صفة المخلوقين ولكن قديم أول آخر لم يزل ولا يزول بلا بدء ولا نهاية لا يقع عليه الحدوث ولا يحول من حال إلى حال «خالِقُ كلّ شَيْءٍ ».

٧ - محمّد بن أبي عبد الله رفعه إلى أبي هاشم الجعفريّ قال كنت عند أبي جعفر

________________________________________________________

دوام الجنّة والنّار وأهلهما وغيرها لا ينافي آخريته تعالى واختصاصها به فأنّ هذه الأشياء دائماً في التغيّر والتبدل وبمعرض الفناء والزوال، وهو سبحانه باق من حيث الذّات والصّفات، أزلاً وأبداً بحيث لا يعتريه تغيّر أصلاً، فكلّ شيء هالك وفأنّ إلّا وجهه تعالى، وقيل: آخريّته سبحانه باعتبار أنه تعالى يفنى جميع الأشياء قبل القيامة ثمّ يعيدها كما يدّل عليه ظواهر بعض الآيات وصريح بعض الأخبار، وقد بسطنا القول في ذلك في الفرائد الطريفة في شرح الدعاء الأوّل.

الحديث السادس: مجهول ومضمونه قريب من الخبر السابق.

« لا عن أول قبله » أي سابق عليه بالزمأنّ أو علة « ولا عن بدء » بالهمز أي ابتداء أو بدئ على فعيل أي علة « لا عن نهاية » أي من حيث الذّات والصّفات كما مرّ « لا يقع عليه الحدوث » ناظر إلى الأوّلية « ولا يحول » ناظر إلى الآخريّة.

الحديث السابع: مرفوع.

٥٠

الثانيعليه‌السلام فسأله رجلٌ فقال أخبرني عن الرب تبارك وتعالى له أسماء وصفات في كتابه وأسماؤه وصفاته هي هو فقال أبو جعفرعليه‌السلام أنّ لهذا الكلام وجهين أنّ كنت تقول هي هو أي إنه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك وأنّ كنت تقول هذه الصّفات والأسماء لم تزل فأنّ لم تزل محتمل معنيين فأنّ قلت لم تزل عنده في علمه وهو مستحقّها فنعم وأنّ كنت تقول لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع

________________________________________________________

قوله: له أسماء وصفات: الظّاهر أنّ المراد بالأسماء ما دل على الذّات من غير ملاحظة صفة، وبالصّفات ما دل على الذّات مع ملاحظة الاتّصاف بصفة فأجابعليه‌السلام بالاستفسار عن مراد السائل وذكر محتملاته وهي ثلاثة، وينقسم بالتقسيم الأوّل إلى احتمالين، لأنّ المراد به إما معناه الظاهر أو مأول بمعنى مجازي، لكون معناه الظاهر في غاية السخافة، فالأوّل وهو معناه الظاهر: أنّ يكون المراد كون كلّ من تلك الأسماء والحروف المؤلفة المركبة عين ذاته تعالى، وحكم بأنه تعالى منزه عن ذلك لاستلزامه تركبه وحدوثه وتعدده تعالى الله عن ذلك.

الثاني: أنّ يكون قوله: « هي هو » كناية عن كونها دائما معه في الأزل فكأنها عينه وهذا يحتمل معنيين:

« أحدهما » أنّ يكون المراد أنه تعالى كان في الأزل مستحقا لإطلاق تلك الأسماء عليه، وكون تلك الأسماء في علمه تعالى من غير تعدد في ذاته تعالى وصفاته ومن غير أنّ يكون معه شيء في الأزل فهذا حق.

« وثانيهما » أنّ يكون المراد كون تلك الأسماء والحروف المؤلفة دائما معه في الأزل فمعاذ الله أنّ يكون معه غيره في الأزل، وهذا صريح في نفي تعدد القدماء ولا يقبل تأويل القائلين بمذاهب الحكماء، وقولهعليه‌السلام : تصويرها، أي إيجادها بتلك الصوّر والهيئات، وهجاؤها، أي التكلم بها، وفي القاموس: الهجاء ككساء تقطيع اللفظ بحروفها، وهجيت الحروف وتهجيته « انتهى ».

فقوله: وتقطيع حروفها، كالتفسير له، ثمّ أشارعليه‌السلام إلى حكمة خلق الأسماء

٥١

حروفها فمعاذ الله أن يكون معه شيء غيره بل كان الله ولا خلق ثمّ خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرَّعون بها إليه ويعبدونه وهي ذكره وكان الله ولا ذكر والمذكور بالذكر هو الله القديم الّذي لم يزل والأسماء والصّفات مخلوقات والمعاني والمعنّي بها هو الله الّذي لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف وإنّما يختلف ويأتلف المتجزّئ

________________________________________________________

والصّفات بأنّها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرّعون بها إليه ويعبدونه، « وهي ذكره » بالضمير أي يذكر بها، والمذكور بالذكر قديم، والذكر حادث، ومنهم من قرأ بالتاء قال الجوهري: الذِّكر والذِّكرى نقيض النسيان، وكذلك الذّكرة.

قولهعليه‌السلام : والأسماء والصّفات مخلوقات، أقول: ههنا اختلفت نسخ الحديث ففي توحيد الصّدوق مخلوقات المعاني، أي معانيها اللغويّة ومفهوماتها الكلية مخلوقة وفي احتجاج الطبرسيّ ليس لفظ المعاني أصلاً، وفي الكتاب والمعاني بالعطف، فالمراد إمّا مصداق مدلولاتها، ويكون قوله والمعنىّ بها عطف تفسير له، أو هي معطوفة على الأسماء، أي والمعاني وهي حقائق مفهومات الصّفات مخلوقة، أو المراد بالأسماء الألفاظ وبالصّفات ما وضع أسماؤها له، وقوله: مخلوقات والمعاني خبران للأسماء والصّفات، أي الأسماء مخلوقات والصّفات هي المعاني والمعنىّ بها هو الله أي المقصود بها المذكور بالذكر، ومصداق تلك المعاني المطلوب بها هو ذات الله تعالى، والمراد بالاختلاف تكثّر الأفراد أو تكثّر الصّفات، أو الأحوال المتغيّرة أو اختلاف الأجزاء وتباينها بحسب الحقيقة، أو الانفكاك والتحلل وبالائتلاف التركّب من الأجزاء أو اتفاق الأجزاء في الحقيقة، وحاصل الكلام أنّ ذات الله سبحانه ليس بمؤتلف ولا مختلف لأنه واحد حقيقي، وكلّ ما يكون واحداً حقيقيّاً لا يكون مؤتلفاً ولا مختلفاً، إمّا أنه واحدّ حقيقي فلقدمه، ووجوب وجوده لذاته.

وإمّا أنّ الواحد لا يصحّ عليه الائتلاف والاختلاف، لأنّ كلّ متجزّءِ أو متوهّم بالقلة والكثرة مخلوق، ولا شيء من المخلوق بواحد حقيقيّ لمغايرة الوجود والمهيّة وللتحلل إلى المهيّة والتشخص، فلا شيء من الواحد بمتجزّي ولا شيء من

٥٢

فلا يقال الله مؤتلف ولا الله قليل ولا كثير ولكنّه القديم في ذاته لأنَّ ما سوى الواحد متجزئ والله واحدّ لا متجزّئُ ولا متوهّم بالقلة والكثرة وكلّ متجزّئ أو متوهّم بالقلة والكثرة فهو مخلوق دال على خالق له فقولك أنّ الله قدير - خبّرت أنّه لا يعجزه شيء فنفيت بالكلمة العجز وجعلت العجز سواه وكذلك قولك عالمٌ إنّما نفيت بالكلمة الجهل وجعلت الجهل سواه وإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصورة والهجاء والتقطيع ولا يزال من لم يزل عالماً.

________________________________________________________

المتجزّىء بواحد، وقولهعليه‌السلام : فقولك أنّ الله قدير، بيان لحال توصيفه سبحانه بالصّفات كالقدرة والعلم، وأنّ معانيها مغايرة للذّات، فمعنى قولك: أنّ الله قدير خبرت بهذا القول إنّه لا يعجزه شيء، فمعنى القدرة فيه نفي العجز عنه لا صفة وكيفية موجودة، فجعلت العجز مغايراً له منفيّاً عنه، ونفي المغاير للشيء مغاير له كالمنفيّ عنه، وكذا العلم وسائر الصّفات.

وقولهعليه‌السلام : فإذا أفنى الله الأشياء استدلال على مغايرته تعالى للأسماء وهجائها وتقطيعها، والمعاني الحاصلة منها من جهة النهاية، كما أنّ المذكور سابقاً كان من جهة البداية.

والحاصل أنّ علمه تعالى ليس عين قولنا عالم، وليس اتّصافه تعالى به متوقّفاً على التكلّم بذلك، وكذا الصوّر الذهنيّة ليست عين حقيقة ذاته وصفاته تعالى، وليس اتّصافه تعالى بالصّفات متوقّفاً على حصول تلك الصوّر إذ بعد فناء الأشياء تفنى تلك الأمور مع بقائه تعالى متصفا بجميع الصّفات الكمالية، كما أنّ قبل حدوثها كان متصفا بها، وهذا الخبر ممّا يدّل على أنه سبحانه يفنى جميع الأشياء قبل القيامة.

ثمّ اعلم أنّ المقصود بما ذكر في هذا الخبر وغيره من أخبار البابين هو نفي تعقل كنه ذاته وصفاته تعالى، وبيان أنّ صفات المخلوقات مشوبة بأنواع النقص والعجز والله تعالى متّصف بها، معرى عن جهات النقص والعجز، كالسمع فإنّه فينا العلم بالمسموعات بالحاسّة المخصوصة، ولـمّا كان توقف علمنا على الحاسّة لعجزنا وكان حصولها لنا من

٥٣

فقال الرَّجل فكيف سميّنا ربّنا سميعاً فقال لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس وكذلك سمّيناه بصيراً لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك ولم نصفه ببصر لحظة العين وكذلك سمّيناه لطيفاً لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأخفى من ذلك وموضع

________________________________________________________

جهة تجسّمنا وإمكاننا ونقصنا، وأيضاً ليس علمنا من ذاتنا لعجزنا وعلمنا حادث لحدوثنا، وليس علمنا محيطاً بحقائق ما نسمعه كما هي، لقصورنا عن الإحاطة، وكلّ هذه نقائص شابت ذلك الكمال، فلذا أثبتنا له سبحانه ما هو الكمال، وهو أصل العلم ونفينا عنه جميع تلك الجهات التي هي سمات النقص والعجز، ولـمّا كان علمه سبحانه غير متصوّر لنا بالكنه، ورأينا الجهل فينا نقصاً فنفيناه عنه، فكأنا لم نتصوّر من علمه تعالى إلّا عدم الجهل، فإثباتنا العلم له تعالى إنما يرجع إلى نفي الجهل، لأنا لم نتصوّر علمه تعالى إلّا بهذا الوجه، وإذا وفيت في ذلك حق النظر وجدته نافياً لـمّا يدعيه القائلون بالاشتراك اللفظي في الوجود وسائر الصّفات لا مثبتاً له، وقد عرفت أنّ الأخبار الدّالة على نفي التّعطيل ينفي هذا القول.

قولهعليه‌السلام : بالسمع المعقول في الرأس، أي الّذي نتعقله في الرأس ونحكم بأنه فيه، واللطيف قد يكون بمعنى رقيق القوام أو عديم اللون من الأجسام أو صغير الجسم، وفيه سبحانه لا يتصوّر هذه الأمور لكونها من لوازم الأجسام، فقد يراد به التجرّد مجازاً أو بمعنى لطيف الصنعة أو العالم بلطائف الأمور كما فسّر به في هذا الخبر.

وموضع النشو منها، أي الموادّ التي جعلها في أبدانها وبها ينمو وموضع نمو كلّ عضو وقدر نموّها بحيث لا يخرج عن التناسب الطبيعي بين الأعضاء، والنشوء بالهمزة: النموّ، وربّما يقرأ بكسر النون والواو خبراً بمعنى شم الريح، جمع نشوة أي يعلم محل القوّة الشامّة منها، وفي التوحيد: موضع الشبق أي شهوة الجماع، وفي الاحتجاج: موضع المشي والعقل، أي موضع قواها المدركة، والحدب محرّكة التعطف، ويمكن عطفه على موضع النشو وعلى النشو.

٥٤

النشوء منها والعقل والشهوة للسفاد والحدب على نسلها وإقام بعضها على بعض ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمفاوز والأودية والقفار فعلمنا أنّ خالقها لطيف بلا كيف وإنّما الكيفية للمخلوق المكيّف وكذلك سميّنا ربّنا قويّاً لا بقوّة البطش المعروف من المخلوق ولو كانت قوّته قوَّة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيّادة وما احتمل الزيّادة احتمل النقصان وما كان ناقصاً

________________________________________________________

وإقام بعضها، الإقام مصدر بمعنى الإقامة كقوله تعالى «أَقامَ الصَّلاةَ »(١) حذفت التاء المعوضة عن العين [ الساقطة من إقوام ] وأقيمت الإضافة مقامها، ويمكن عطف هذه الفقرة على علمه وعلى المعلومات، والفقرات الآتية تؤيد الثاني، والقفار جمع القفر وهو مفازة لا نبات فيها ولا ماء.

قولهعليه‌السلام : لوقع التشبيه قال بعض الأفاضل: أبطل كون قوّته قوّة البطش المعروف من المخلوقين بوجهين:

« أحدهما » لزوم وقوع التشبيه وكونه مادّياً مصوراً بصورة المخلوق « وثانيهما » لزوم كونه سبحانه محتملا للزيادة لأنّ الموصوف بمثل هذه الكيفية لا بد لها من مادة قابلة لها متقومة بصورة جسمانية، موصوفة بالتقدر بقدر، والتناهي والتحدّد بحدّ لا محالة فيكون لا محالة حينئذ موصوفاً بالزيّادة على ما دونه من ذوي الأقدار وكلّ موصوف بالزيّادة الإضافيّة موصوف بالنقصان الإضافي لوجهين:

« أحدهما » أنّ المقادير الممكنة لأحدّ لها تقف عنده في الزيادة، كما لأحدّ لها في النقصان، فالمتقّدر بمقدار متناه يتّصف بالنقص الإضافيّ بالنسبة إلى بعض الممكنات، وأنّ لم يدخل في الوجود.

« وثانيهما » أنّه يكون حينئذ لا محالة موصوفاً بالنقص الإضافيّ بالنسبة إلى مجموع الموصوف بالزيّادة الإضافية، والمقيس إليه، فيكون أنقص من مجموعهما، وما كان ناقصاً بالنسبة إلى غيره من الممكنات لا يكون قديماً واجب الوجود لذاته

__________________

(١) سورة الأنبياء: ٧٣.

٥٥

كان غير قديم وما كان غير قديم كان عاجزاً ؛ فربّنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضدّ ولا ندّ ولا كيف ولا نهاية ولا تبصار بصر ومحرَّمٌ على القلوب أنّ تمثله وعلى

________________________________________________________

لأنّه علّة ومبدء لكلّ ما يغايره، والمبدأ المفيض أكمل وأتمّ من المعلول الصادر عنه المفاض عليه منه، فكلّ ناقص إضافيّ أحقّ بالمعلوليّة من المبدئيّة لـمّا هو أكمل وأزيد منه، وهذا ينافي ربوبيّته ويتمّ به المطلوب لكنّه لـمّا أراد إلزام ما هو أظهر فساداً وهو لزوم عجزه عن قوّته ضم إليه قوله: وما كان غير قديم كان عاجزاً، لأنّه كان معلولا لعلّته ومبدئه، مسخّراً له غير قويّ على مقاومته.

إذا عرفت ذلك فربّنا تبارك وتعالى لا شبه له لأنّ شبه الممكن ممكن، ولا ضدّ له لأنّ الشيء لا يضاد علته، ومقتضى العليّة والمعلولية الملازمة والاجتماع في الوجود، فلا يجامع المضادّة ولا ندّ له، لأنّ المثل المقاوم لا يكون معلولاً ولا قديم سواه بدليل التوحيد، ولا كيف له لكونه تامّاً كاملاً في ذاته، غير محتمل لـمّا يفقده ولا نهاية له لتعاليه عن التقدّر والقابليّة لـمّا يغايره.

ولا يبصار بصر، وفي بعض النسخ ولا تبصار بالتاء، أي التبصّر بالبصر، ومحرم على القلوب أن تمثّله أي أن يجعل حقيقته موجوداً ظليّاً مثاليّاً، ويأخذ منه حقيقة كلية معقولة لكونه واجب الوجود بذاته لا تنفك حقيقته عن كونه موجوداً عينيّاً شخصيّاً، وعلى الأوهام أنّ تحده لعجزها عن أخذ المعاني الجزئية عمّا لا يحصل في القوي والأذهان، ولا يحاط بها فلا تأخذ منه صورة جزئيّة، وعلى الضمائر أن تكوّنه الضمير السرّ وداخل الخاطر والبال، ويطلق على محله كما أنّ الخاطر في الأصل ما يخطر بالبال ويدخله، ثمّ أطلق على محله، والتكوين التحريك، والمعنىّ أنّه محرّم على ما يدخل الخواطر أنّ يدخله، وينقله من حال إلى حال، لاستحالة قبوله لـمّا يغايره، أو المراد بالضمائر خواطر الخلق وقواهم الباطنة، وأنّه يستحيل أنّ يخرجه من الغيبة إلى الحضور والظهور عليهم، أي ليس لها أنّ تجعله بأفعالها متنزّلاً إلى مرتبة الحضور عندهم.

٥٦

الأوهام أن تحدَّه وعلى الضمائر أن تكوّنه جلَّ وعزَّ عن أداة خلقه وسمات بريّته وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.

٨ - عليُّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب عمّن ذكره، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رجلَّ عنده الله أكبر فقال الله أكبر من أيّ شيء فقال من كلّ شيء فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام حددته فقال الرَّجل كيف أقول قال قل الله أكبر من أنّ يوصف.

٩ - ورواه محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن مروك بن عبيد، عن جميع بن عمير قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام أيّ شيء الله أكبر فقلت الله أكبر من

________________________________________________________

اقول: ويحتمل أن يكون دليلاً على امتناع حصوله في المعقول والضمائر، لأنّه يلزم أنّ يكون حقيقته سبحانه مكوّنة مخلوقة ولو في الوجود الذهني، وهو متعال عن ذلك « عن أداة خلقه » أي آلتهم التي بها يفعلون ويحتاجون في أفعالهم إليها و « سمات بريّته » أي صفاتهم.

الحديث الثامن: ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : من أيّ شيء، هذا استعلام عن مراد القائل أنّه هل أراد اتّصافه سبحانه بالشدّة أو الزيّادة في الكبر الّذي يعقل في المخلوقين، فيلزم اتّصافه بالكبر الإضافيّ أو أراد نفي اتّصافه سبحانه بما يعقل عن الصفات في المخلوقات، ولـمّا أجاب القائل بقوله: من كلّ شيء، علم أنّه أراد الأوّل فنبّه على فساده بقوله حدّدته، لأنّ المتّصف بصفات الخلق محدود بحدود الخلق، غير خارج عن مرتبتهم، فلـمّا علم القائل خطاءه قال: كيف أقول؟ فأجابعليه‌السلام بقوله: قل: الله أكبر من أنّ يوصف، ومعناه اتّصافه بنفي صفات المخلوقات عنه وتعاليه عن أنّ يتّصف بها.

الحديث التاسع: مجهول.

قولهعليه‌السلام : أيّ شيء الله أكبر؟ أيّ ما المراد به وما معناه؟

٥٧

كلّ شيء فقال وكان ثَمَّ شيء فيكون أكبر منه فقلت وما هو قال الله أكبر من أنّ يوصف.

١٠ - عليُّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن هشام بن الحكم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن سبحان الله فقال أنفة لله.

١١ - أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن عليّ بن أسباط، عن سليمان مولى طربال، عن هشام الجواليقيّ قال - سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلَّ «سبحان اللهِ » ما يعنى به قال تنزيهه.

١٢ - عليُّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً، عن أبي هاشم الجعفريّ قال: سألت أبا جعفر الثانيعليه‌السلام ما معنى الواحد فقال إجماع الألسن عليه بالوحدانيّة كقوله تعالى «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : وكان ثمّ شيء؟ استفهام للإنكار أيّ أكان في مرتبة تداني مرتبته سبحانه، ويصحّ فيها النسبة بينه وبين غيره شيء، والحاصل أنّه يضمحلّ في جنب عظمته وجلاله كلّ شيء، فلا وجه للمقايسة، أو المعنى أنّه لم يكن في الأزل شيء، وكانت هذه الكلمة صادقة في الأزل، والأوّل أعلى وأظهر.

الحديث العاشر: صحيح.

قولهعليه‌السلام : أنفة لله، أيّ براءة وتعال وتنزّه له سبحانه عن صفات المخلوقات ونصب سبحان على المصدر، أيّ أسبّح الله سبحاناً يليق به ويقال: أنف منه أيّ استنكف.

الحديث الحادي عشر: ضعيف.

الحديث الثاني عشر: صحيح.

قولهعليه‌السلام : إجماع الألسن، أيّ معنى الواحد في أسمائه وصفاته سبحانه ما أجمع عليه الألسن من وحدانيّته وتفرّده بالخالقيّة والألوهيّة، كقوله: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ » أيّ جميع الخلق إذا راجعوا إلى أنفسهم وجانبوا الأغراض الفاسدة الّتي صرفتهم

٥٨

مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ »(١)

( باب آخر وهو من الباب الأوّل)

( إلّا أنّ فيه زيادة وهو الفرق ما بين المعاني الّتي تحت أسماء الله )

( وأسماء المخلوقين )

١ - عليّ بن إبراهيم، عن المختار بن محمّد بن المختار الهمدانيّ ومحمّد بن الحسن، عن عبد الله بن الحسن العلويّ جميعاً، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال سمعته يقول : وهو اللّطيف الخبير السميع البصير الواحد الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، لو كان كما يقول المشبّهة لم يعرف

________________________________________________________

عن مقتضى عقولهم، أو المراد به مشركو مكّة، فأنّ شركهم كان في المعبوديّة لا الخالقيّة، ويحتمل أنّ يكون الواحد في الله سبحانه موضوعاً شرعاً لهذا المعنى، أيّ من أجمعت الألسن على وحدانيّته.

باب آخر وهو من الباب الأوّل إلّا أنّ فيه زيادة، وهو الفرق ما بين

المعاني تحت أسماء الله وأسماء المخلوقين.

الحديث الأوّل: مجهول، وأبو الحسنعليه‌السلام يحتمل الثاني والثالثعليهما‌السلام قال ابن الغضائري: اختلفوا في أنّ مسئول فتح بن يزيد هو الرّضاعليه‌السلام أم الثالث، وصرّح الصّدوق بأنّه الرضاعليه‌السلام .

قولهعليه‌السلام : لم يعرف الخالق، في التّوحيد هكذا «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحدّ »، منشئ الأشياء ومجسّم الأجسام ومصوّر الصور، ولو كان كما يقولون لم يعرف » وهو أصوب، والمعنىّ أنّه لو كان قول المشبّهة حقّاً لم يتميّز الخالق من المخلوق، لاشتراكهما في الصّفات الإمكانيّة، وعلى ما في الكتاب: المعنى: لا يمكن معرفة الخالق من المخلوق، وبالمقايسة إليه، إذ ليس المخلوق ذاتيّاً لخالقه ولا مرتبطاً به

__________________

(١) سورة الزمر: ٣٨.

٥٩

الخالق من المخلوق ولا المنشئ من المنشأ لكنّه المنشئ فرَّق بين من جسّمه وصوَّره وأنشأه إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئاً قلت أجل جعلني الله فداك لكنّك قلت الأحد الصمد وقلت لا يشبهه شيء والله واحدٌ والإنسان واحدٌ أليس قد تشابهت الوحدانيّة قال يا فتح أحلت ثبّتك الله إنّما التشبيه في المعاني فأمّا في الأسماءِ فهي واحدةٌ وهي دالّة على المسمّى وذلك أنّ الإنسان وإن قيل واحدٌ

________________________________________________________

ارتباطاً يصحّح الحمل والقول عليه، والمراد بالخلق إمّا مطلق الإيجاد، فقوله: ولا المنشئ، من المنشأ كالمفسّر والمؤكّد له، أو المراد به التقدير والتصوير، فقوله: ولا المنشأ تعميم، والضمير في لكنّه إمّا للشأنّ أو راجع إليه سبحانه.

قوله: فرق، إمّا اسم أيّ الفرق والامتياز لازم بينه سبحانه وبين من جسّمه أيّ أوجدّه جسماً، أو أعطاه حقيقة الجسميّة، وصوّره أيّ أوجدّه متصوراً بصورة خاصّة وأنشأه من العدم، فقوله: إذ كان تعليل لعدم المعرفة أو الفرق، أو فعل، أيّ فرق وباين بين المهيات وصفاتها ولوازمها، وجعل لكلّ منها حقيقة خاصّة وصفة مخصوصة فقوله: « إذ » يحتمل الظرفية والتعليل، فعلى الأوّل، المعنى: أنّه خلقها في وقت لم يكن متصفاً بشيء من تلك الحقائق والصّفات، ولم يكن في شيء منها شبيهاً بالمخلوقات وعلى الثاني لعل المعنى أنّه أعطى المخلوقات المهيات المتباينة والصّفات المتضادّة لأنّه لم يكن يشبهه شيئاً منها، إذ لو كان متّصفاً بأحدّ تلك الأضداد لم يكن معطياً لضدّها، إذ لو كان حاراً مثلاً لم يكن معطياً ومفيضاً للبرودة، فلـمّا لم يكن متصفاً بشيء منهما صار علّة لكلّ منهما فيما يستحقّه من الموادّ، وأيضاً لو كان مشاركاً لبعضها في المهيّة لم يكن معطياً تلك المهيّة غيره، وإلّا لزم كون الشيء علّة لنفسه.

قولهعليه‌السلام : أحلت، أيّ أتيت بالمحال وقلت به، ثبتّك الله، أيّ على الحق.

قولهعليه‌السلام : إنّما التشبيه بالمعاني، أيّ التشبيه الممنوع منه إنّما هو تشبيه معنى حاصل فيه تعالى بمعنى حاصل للخلق، لا محض إطلاق لفظ واحد عليه تعالى، وعلى الخلق بمعنيين متغايرين، أو المعنى أنّه ليس التشبيه هنا في كنه الحقيقة والذّات،

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152