• البداية
  • السابق
  • 43 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21677 / تحميل: 6375
الحجم الحجم الحجم
الحجاب في القرآن

الحجاب في القرآن

مؤلف:
العربية

* كلمة الناشر:

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

في كلّ ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، كنّا على موعد مع توجيهات سامية، يتفضّل بها سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الأعلى الإمام السيّد محمّد الحسيني الشيرازي (دام ظلّه) في ديوانيّته العامرة بالكويت.

وكانت مجالسه تزدحم ليليّاً بالشباب المؤمن.. وكانت أحاديث سماحته برامج تربويّة، تخلق من المستمع الواعي شخصية رساليّة ملتزمة.. فأسلوبه واضح جذّاب، غنيّ بالشواهد والأمثلة والقصص، ممّا يُشوِّق السامع ويشجّعه على الاقتناع والالتزام.

وفي الليلة الخامسة من شهر رمضان المبارك (عام ١٣٩٨هـ) كان الحديث حول الحجاب بشكل جميل ومقنع، أزال من الأذهان بعض الشبهات والأسئلة التي يدأب الاستعمار ودعاة الفساد على نشرها..

فرأينا من المناسب جدّاً كتابة كرّاس يشتمل على هذه المحاضرة القيِّمة مع بعض الإضافات اللازمة، فقَبِل سماحة الإمام المؤلّف (دام ظلّه) هذا الاقتراح، فكان هذا الكتيّب، حتّى تتداوله أيدي الشباب والشابّات، عسى أنْ يكون لهم هداية وتذكرة.. ومن الله التوفيق والتسديد.

مركز الرسول الأعظم (ص) للتحقيق والنشر

بيروت - لبنان             

١

الحمد لله ربّ العالمين

والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

الحجاب في القرآن

وردتْ في القرآن الكريم آيات عديدة حول الحجاب:

منها قوله تعالى: ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) (١) .

ومنها قوله سبحانه: ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) (٢) .

والخمار: هو الغطاء الذي يوضع على الرأس، فيغطّي الأذن والصدر والرقبة (٣) .

ومنها قوله عزّ وجل: ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) (٤) .

____________________

١ - سورة الأحزاب: آية: ٥٣.

٢ - سورة النور: آية: ٣١.

٣ - (الخُمُر) بضمّتَين: جمع خمار: وهو ما تغطّي به المرأة رأسَها و ينسدل على صدرها، والمراد بالجيوب: الصدور، والمعنى: ولْيُلْقِيْنَ بأطراف مقانعهنّ على صدورهنّ ليَسْتِرْنَهَا بها. وفي مجمع البحرين، مادّة (خمر): أي مقانعهنّ، جمع خمار وهي الـمَقْنَعَة.

٤ - سورة الأحزاب: آية: ٣٣.

٢

لماذا الحجاب؟

ولكن: لماذا الحجاب؟

هكذا يتساءل الكثير من الشبّان والشابات..

لماذا الحجاب؟

أليس الحجاب تقييداً لحرِّيَّة المرأة؟

وأساساً ما هي العوامل التي جعلتْ الإسلام يُشرّع الحجاب؟

٣

والجواب يتلخّص في الأمور التالية:

* أوّلاً: بقاء المحبّة الزوجيّة:

ينوّه (علم النفس) أنّ الزوجة المحجّبة تستقطب حبّ الزوج واهتمامه أكثر من غيرها.. لماذا؟ (١) .

ذلك لأنّ (الإنسان حريص على ما مُنِع) فالمرأة المحجّبة - عادةً - أقرب إلى قلب الزوج من المرأة المتبرّجة.. إذ المرأة بلا عباءة التي يراها الرجل من الرأس إلى القدم يوميّاً عشرات المرّات.. قد تفقد إغراءها نهائيّاً.. عكس المرأة المحجّبة التي تظلّ مجهولة، ومثيرة بالنسبة إلى الزوج..

ولذا نجد أنّ المرأة الريفيّة المحجّبة أقرب إلى قلب زوجها من المرأة العاديّة غير المحجّبة. إنّ المرأة في الريف تتعاون مع زوجها، تذهب في الصباح إلى الحقل لتزرع، وتطحن وتخبز، وتغسل، وتقوم بسائر المهام الملقاة على عاتقها وهي بحجابها ومن دون أنْ تختلط بالأجانب،

____________________

١ - راجع كتب علم النفس.

٤

وعندما تعود في الليل إلى الكوخ، إذا بالزوج ينظر إليها كملاك أو حوريّة، ويبدي حبّه تجاهها، لماذا؟ لأنّه بقي في هذه المرأة الإغراء.

هذا، ومن المكروهات في الإسلام: ذهاب الزوجين إلى الفراش عاريين، إذ في هذه الحالة لا تبقى في جسد الزوجة مناطق إغراء مجهولة نهائيّاً (١) .

إضافةً إلى أنّ الرجل يشعر بأنّ الزوجة المحجّبة تخصّه دون سائر الرجال، عكس المرأة غير المحجّبة فإنّها لا تختصّ بزوجها، بل يراها الجميع.

ولهذا السبب نرى: أنّ آباءنا كانوا يتزوّجون ويعيشون سنين طويلة دون أنْ تجري على شفاههم كلمة (الطلاق)، إذ إنّهم كانوا يجدون في زوجاتهم - اللاتي كُنَّ يَرْتَدِيْنَ الحجاب - الإغراء والجاذبيّة.

____________________

١ - راجع موسوعة الفقه (ج٦٢، ص١٢١ - ١٢٢) كتاب النكاح، في مكروهات المقاربة وفيه: ويكره الجماع وهو عريان.. وفي الحديث عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه عليهم السلام، عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: (إذا تجامع الرجل والمرأة فلا يتعرّيان) الحديث. وسائل الشيعة: ج١٤، ص٨٤، ب٥٨ من أبواب مقدّمات النكاح، ح٣.

٥

* ثانياً: الحفاظ على الحياة الزوجيّة:

عندما تكون المرأة محجّبة، تستمرّ الحياة الزوجيّة، إذ في هذه الحالة لا يرى الزوج غير زوجته، ولذلك فهو قانع بها، ولا ترى الزوجة غير زوجها، ولذلك فهي قانعة به.

لكن، عندما تكون النساء سافرات، وعندما يكون هناك اختلاط، فمن الطبيعي أنْ يرى الزوج نساءً أجمل من زوجته، وأنْ ترى الزوجة رجالاً أجمل من زوجها، وهذا ما يؤدِّي كثيراً إلى تَرَدِّي العلاقات الزوجيّة، وفي النهاية: إلى الطلاق!

٦

مثلاً:

- في أميركا وحدها يوجد (٧ ملايين) طلب طلاق، كما جاء في بعض الصحف (١) .

- وفي الاتّحاد السوفيتي يقول تقرير نشرتْه إحدى الصحف الرسميّة: إنّ حالة واحدة من كلّ تسع حالات زواج تنتهي بالطلاق في الاتحاد السوفيتي!

لماذا تصل نسبة الطلاق في هذه البلدان هذا الحد؟

ببساطة: لأنّ الرجل رأى امرأة أجمل من زوجته في السينما، أو الجامعة، أو الشارع، أو في أيّ مكان آخر، فعاد إلى البيت ولم يكتف بزوجته، فأثّر على سلوكه وسلوكها، فطلّق زوجتَه لكي يتزوّج غيرها.

____________________

١ - صحيفة البراقدا.

٧

* ثالثاً: توقّي الانحرافات الجنسيّة:

كم من الانحرافات والاتصالات الجنسيّة غير المشروعة تحدث في المجتمع في الوقت الحاضر!

أَلاَ يلعب السفور والتبرّج دوراً أساسياً في ذلك؟

أَلاَ تسيل المرأة المتبرِّجة لُعَاب الرجال لكي يركضوا خلفها، ويحاولوا الحصول منها على الـمُتَع المحرّمة؟

وأَلَيس الحجاب هو الأفضل لتوقّي هذه الانحرافات؟

وهل من الصحيح أنْ يرمي الصائغ ذَهَبَهُ ومجوهراته في الطريق؟

أَلاَ يعني ذلك تعرّضها للسرقة من اللصوص؟

وكذلك المرأة المتبرّجة كثيراً ما تكون عرضة لـ (سُرَّاق الأعراض) (١) .

____________________

١ - ومن أبشع الجرائم في الغرب تجارة النساء، فمنذ بداية الثمانينات عرفت تجارة النساء تطوّراً لا سابق له، وفي أيّامنا هذه تُصدَّر الآلاف من نساء العالم إلى أوروبّا عن طريق تجّار جنس يجبروهنّ على ممارسة الدعارة، راجع للتفصيل كتاب: (تجارة النساء في أوروبّا) تأليف كريس دي ستووب.

٨

ولنلقي هنا نظرة سريعة على واقع المجتمعات الغربيّة، يقول أحد القضاة في أميركا (١) :

إنّ (٤٥%) من فتيات المدارس المختلطة يدنِّسن أعراضهن قبل خروجهنّ منها، وترتفع هذه النسبة كثيراً في مراحل التعليم التالية (٢) :

- كما دلّت الإحصاءات التي أُجريت على حقائب طالبات المدارس في بريطانيا: أنّ (٨٠%) منهنّ يحملن معهنّ الأقراص المانعة من الحمل، وهذا يكشف عن أنّهنّ مهيّئات نفسيّاً لممارسة الدعارة والفجور في أوّل لحظة، مهيّئات للاستجابة لأوّل طلب، وإنّهن يَقْدِمْنَ على حمل هذه الأقراص هروباً من التبعات الثقيلة (٣) .

- وأخيراً فإنّ للتبرّج والسفور دوراً كبيراً في حوادث الاغتصاب والقتل.. وما أشبه ذلك، فقد نشرت بعض الصحف الغربيّة (٤) : أنّ تقارير البوليس الأميركي تُشير إلى ارتفاع نسبة جرائم الاغتصاب عاماً بعد عام، ففي واشنطن فقط تقع جريمة اغتصاب كل (١٥ دقيقة).

والواقع:

أنّ مظاهر الميوعة التي تنتشر في أميركا وغيرها من بلاد الغرب ذات أثر بالغ في ازدياد حالات الاغتصاب، وفي كثير من الأحيان تحدث حالات قتل بسبب امتناع الفتاة من تسليم نفسها أو ما أشبه (٥) .

____________________

١ - هو القاضي (لندسي) .

٢ - هذا بالإضافة إلى ما يجري من الفضائح في النوادي الليليّة ونوادي العُرَاة، راجع للتفصيل كتاب: (تجارة النساء في أوروبّا) ، تأليف كريس دي ستووب.

٣ - كانتشار بعض الأمراض الخطيرة القاتلة من أمثال الإيدز.. فقد نقلت (المجلّة) في ملحق عددها (٩٠٥) أنّ: (٨٥٠٠ شخص جديد) يصابون كلّ يوم بالإيدز، بينهم (ألف طفل تحت سن ١٥ عاماً)، وأكثر من (٨ ملايين طفل) فقدوا أمّهاتهم بسبب الإصابة بالإيدز، وحوالي (٨ ملايين) شخص أُصيبوا منذ بداية انتشار المرض وتوفّي (٦ ملايين) آخرين.

٤ - صحيفة الغارديان البريطانيّة.

٥ - ونقلت مجلّة (النبأ) الصادرة عن المستقبل للثقافة والإعلام في بيروت في عددها (١٧ - ١٨ رجب وشعبان ١٤١٨هـ، ص٣٧) تحت عنوان (المرأة البريطانية إذا حكت) : في استفتاء شمل (٥٠٠ امرأة بريطانيّة) تبيّن أنّ نصف البريطانيّات اعترفن بعلاقات مع الرجال =

٩

____________________

=

خارج حياتهنّ الزوجيّة، وغالبيّتهنّ كشفْنَ أنّهن غير نادمات على ذلك، الاستفتاء الذي أُعْلِنَ عنه في حفلة توزيع جوائز (امرأة العالم) في لندن شمل نساء يمارسْنَ:

السياسة، والصحافة، والرياضة، والتجارة

والإدارة، والطب، والمحاماة، والمقاولة، والجمعيّات الخيريّة

وكشف الاستفتاء أنّ (٤٢%) اعترفن بالزنا وأعمارهنّ بين (٥١ و ٦٤ سنة) و (٣٩% مطلّقات) و (٦٠%) لديهنّ أولاد، الثلثان منهنّ اعترفْنَ بأنّهنّ لَسْنَ أمّهات جيّدات لأسباب عدّة، منها: غياب الوقت الكافي للجلوس مع العائلة والأنانيّة والتعب في العمل الذي ينعكس سلباً على البيت وفقدان الوقت لبحث قضايا مهمّة مع الأزواج.

ويذكر (كريس دي ستووب) في كتابه (تجارة النساء في أوروبّا):

في الوقت الحالي تُعدّ إيطاليا إحدى أكثر الدول المتأثّرة بالدعارة، حيث تزرع العاهرات الأفريقيّات والمخنّثون البرازيليّون الشوارع المحيطة بـ (روما و تيران و بولون و فلورانس و بادم..).

وهناك أكثر من (تسعة آلاف) عاهرة سوداء قَدِمْنَ على الأخص من نيجيريا، لقد أتوا دون توقّف منذ منتصف الثمانينات حينما انهار الاقتصاد النيجري، إنّ (تسعين بالمئة) من (الفِيَز) الممنوحة من السفارة الايطاليّة بنيجيريا هي لفتيات تتراوح أعمارهنّ بين (١٨ و٣٠ عاماً) ، كما تملك إيطاليا شبكة كبيرة من نوادي الجنس وراقصات التعرّي، ولكنّ العاهرات النيجيريّات يمثّلن الشكل الأسوأ: فقد كنّ يُقْتَلْنَ ويُعَذَّبْنَ ويُغْتَصَبْنَ =

١٠

____________________

= كلّ أُسبوع، كما اكتشفتْ جثّة مومس مقتولة بطعنة سكّين تحت جسر في (لنزا) ، واكتشف قبر فيه جثث خمس نيجيريّات في (نابولي) ، كما اكتشف في (تورين) جثث أربع فتيات مخنوقات ومرميّات في بئر..

وقامت المومسات البيض في ربيع (١٩٩٢م) في (بيللا شمال تورين) باحتجاج ضدّ أسعار السوداوات المنخفضة، إنّ بعض العاهرات واقعات تحت نير الديون، وإذا قُمْنَ بخرق الاتّفاق فإنّهن يتعرّضْنَ للضرب الوحشي أو الإهانات الشديدة بحسب الطريقة المتّبعة، ولكنّ المافيا الإيطاليّة تدخل أيضاً في هذه التجارة التي تُقَدَّر عائداتها بالمليارات، وحسب بعض التقديرات فإنّ هذه التجارة تجلب ما يقارب (مليار فرنك فرنسي) سنويّاً، إنّ ممارسة الدعارة في إيطاليا لا تُعَدّ جريمة ولكنّها بالطبع ممنوعة على المهاجرات غير النظاميّات.

وفي إسبانيا كما في إيطاليا، ثمة عشرات الآلاف من الفيليبّينيّات اللواتي قَدِمْنَ إلى البلاد كخادمات أو للعمل مقابل إقامتهنّ وطعامهنّ فقط، واللواتي يعشنَ بشكل مُزْرٍ وبرواتب زهيدة، وقد تّمّ مؤخّراً استبدالهنّ بالدومينيكانيّات اللواتي يُتْقِنَّ اللّغة الإسبانيّة، ويمكن اليوم رؤية المئات منهنّ

في منطقة (مونكلو) وغيرها، وقد تمّ تدمير منزل تعيش فيه (ثمانون امرأة) منهنّ بسبب شكاوي الجيران. والتوافد الحالي والمتزايد للدومينيكانيات الى البلاد يعود إلى وجود نوادٍ للجنس حتّى في أصغر القرى الإسبانيّة، ويُقدّر عدد العاهرات في هذا البلد بحوالي (خمسمئة ألف امرأة!!) وفي عام (١٩٩٢م) تمّ الكشف عن عصابة ترغم الغواتيماليّات على الدعارة في ملاهي برشلونة.

وفي باريس يمكن مشاهدة العاهرات يذرعنَ شارع (سان دنيس) والمخنّثين القادمين من (جنوب أمريكا) ، وهم متوزّعون في غابة (بولونيا) ، بينما أصبحت منطقة (البيجال) مملوءة بالسوداوات أكثر فأكثر.

كما يقبض (مركز مكافحة الاتّجار بالجنس البشري) في فرنسا كلّ عام على (١٥٠٠ شخص) من المتورّطين في هذه التجارة، و (٢٥%) منهم من النساء، فإنّ الدعارة - بحدّ ذاتها في فرنسا - غير ممنوعة، ولكن كلّ مَن يستغل أو يشغل امرأة لحسابه يلاحقه القانون ويتعرّض للعقوبة. كما تشكّل فرنسا - أحياناً - محطّة (ترانزيت) لفتيات (جنوب أمريكا، وإسبانيا، والبرتغال) ، حيث يُدَرَّبْنَ

١١

أمثلة من الواقع

وهنا لا بدّ أنْ نذكر بعض الأمثلة من الواقع عن الحجاب والتبرّج، إكمالاً للفائدة وإتماماً للغرض:

____________________

= ويُرْسَلْنَ لاحقاً إلى (بلجيكا واللوكسمبورغ وهولندا) ، فغالباً ما يستعمل تجّار النساء في (غانا) ، فرنسا مركزاً أوّليّاً لنقل نسائهم إلى أُوروبّا.

إمّا (سويسرا) فتُدْعَى (جنّة فتيات الملاهي) التي تقدّم رقص التعرّي … وهنّ - غالبا آتيات - من (جمهورية الدومينيكان والبرازيل وتايلاند) ، مع أنّ الأيدي العاملة الأجنبيّة غير مسموح لها بالدخول للبلاد، إلاّ إذا كانت من (أمريكا الشماليّة أو كندا أو أوروبّا) ، ولكنّ هنالك استثناء للعاملات في الكاباريهات وتعطيهنّ الدولة إذنَ العمل الصالح لمدّة (ثمانية أشهر) في السنة، وإذا استمرّت الواحدة منهنّ بالعمل مدّة (سنتين متواصلتَين) فإنّها تحصل على إذن جديد لـ (ثمانية عشر شهراً) .. وهنالك حوالي (٨٠٠ فتاة ملهى ) بشكل دائم في سويسرا، وبالإضافة إلى هؤلاء النسوة هناك الكثير من المقيمات بشكلٍ غير شرعي ممّن يعملْنَ في تجارة الجنس المنظّمة، والتي تَدُرّ للدولة سنويّاً ما يقارب (٢ - ٣) مليون فرنك سويسري...

إنّ قمّة الدعارة في أوروبّا هي في ريبرباهن في هامبورغ، حيث يبلغ عدد التايلانديّات العاملات في الكاباريهات وبيوت الهوى المئات.

وفي (فرانكفورت) تصارع منظمة آجسترا منذ عام (١٩٨٣) تجارة النساء، ويقع مكتبها في المنطقة التي تُعدّ مملكة العاهرات، حيث تقف التايلانديات والكولومبيّات على باب عمارة فيها مئات الشقق المخصّصة (كبيوت هوى) لجلب (الزبُن) وهنّ يصفرْنَ ويصطدْنَ الرجال الذين يأتون ليختاروا إحداهنّ، ويراوحون بين الشباب الصغار إلى رجال الأعمال، فإنّ هناك في ألمانيا بحدود (٢٠٠ - ٤٠٠) ألف مومس.

كما قدّرت الشرطة عدد بنات الليل في (بلجيكا) لعام (١٩٨٠م) بـ (أربعة عشر) ألف امرأة!! ويقدّر عدد البغايا في هولندا بـ (عشرين ألف امرأة) .

وفي خلال الثمانينات عرفت تجارة الجنس في أوروبّا تطوّراً وانتشاراً واسعاً، حيث أصبحت النساء مواداً للتفاوض والاستثمار في صناعة بلا حدود، وهذا الأمر يسير بشكل دائري، فالفتيات يذهبْنَ من نادٍ ليلي إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى، ومن بلد لآخر. للتفصيل الأكثر راجع

كتاب: (تجارة النساء في أوروبّا) لمؤلّفه: (كريس دي ستووب) .

١٢

* نظرة السوء:

١ - جاء في التفاسير:

إنّ شابّاً من الأنصار استقبل في طريقه امرأة حسناء متسامِحة في حجابها، مظهِرة محاسنها، فاستهوتْ فؤادَه.. فأتبعها النظر ومشى خلفها بصورة لاشعوريّة..

فكلّما سلكتْ طريقاً سلكه، حتّى دخلتْ في زقاق وهو خلفها، فاعترضتْ وجهه زجاجة أو ما شابه، مثبَّتة في الحائط، فشقّتْ وجهه وهو لا يشعر، فسالتْ الدماء على صدره، ولم يشعر بما أصابه إلاّ بعد أنْ توارت المرأة في بيتها.

فجاء إلى النبي صلّى الله عليه وآله وشكا له أمر الفتاة، وحكى القصّة، فنزلتْ قوله تعالى:

( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) (١) .

____________________

١ - سورة النور: آية: ٣٠.

١٣

* أحبلني ميكائيل!!

٢ - حدث مَرّة:

أنّ فتاة حملت، فظنّ أهلها أنّ سبب ذلك هو تكوّن غازات أو ما أشبه في بطنها.. فذهبوا بها إلى الطبيب ليكشف عليها.. وبعد الفحص قال الطبيب: إنّ الفتاة حامل!!

ففوجئ الأهل بذلك.. كيف حملت وهي لم تتزوّج بعد؟!!

وعندما طرحوا عليها هذا السؤال.. أجابت الفتاة: أحبلني ملك الله ميكائيل!!

وعندما واجهتْ استنكار العائلة، قالت في إصرار: هل ذلك أمر عجيب، أَلَمْ يحبل جبرائيل مريم ابنة عمران؟؟

وبعد الفحص والبحث تبيّن أنّ صاحب دكّان في الحيّ نفسه هو الذي مارس معها الجنس.. بعد أنْ أُعجب بجمالها السافر، وبعد أنْ أغراها؛ وذلك لعدم حجابها بشكل جيّد.

قال الشاعر:

نَظْرَةٌ فَابْتِسَامَةٌ فَسَلامُ

فَكَلامٌ فَمَوْعِدٌ فَلِقَاءُ

١٤

* من آثار عدم الحجاب:

٣ - في إحدى البلاد:

كانت تعيش امرأة، وكان لها زوج، ولها منه أربعة أولاد، وكانا يعيشان بانسجام كامل، رغم أنّ الزوج كان يكبر زوجته بسنوات عديدة.

وكان على قرب بيتهما كاسب خبيث.. وكان يرى جمال هذه المرأة التي كانت شبه سافرة ولم تحفظ حجابها بشكل جيّد، فطمع فيها.. فأخذ يغريها ويقول لها: أنت فتاة جميلة وصغيرة فكيف ترضين بالعيش مع هذا الرجل الكبير السن؟

وما زال بها كذلك.. حتّى غّيرت الزوجة سلوكها مع زوجها واضطرّ الزوج تحت ضغط زوجته المخدوعة أنْ يطلّقها حتّى تتزوّج من ذلك الشاب الخبيث!.. وهكذا هدم السفورُ بيتَ الزوجيّة وفرّق بين الزوجين وضيّع الأطفال.

١٥

* برصيصا العابد:

٤ - كان عابد في بني إسرائيل (١) :

ومِن شِدّة عبادته لله أصبح مستجاب الدعوة، وذات يوم جاءه إخوان أربعة كانت لديهم أُخت خرساء جميلة حتّى يدعو الله لكي يحلّ عقدة لسانها.

بيد أنّ العابد كان مشغولاً بالتعبّد داخل الصومعة، فقد ترك الإخوان الأربعة أُختَهم الخرساء عند الباب لكي يدعو لها العابد، وفي الصباح فتح العابد الباب لِيُفَاجَأ بهذه الفتاة الجميلة الرائعة غير المحجّبة، فسحره جمالها.. وبَيَّتَ في نفسه أمراً، بعد طرح عنيف بين شهواته وعقله، فأخذ الفتاة إلى الداخل.. وزنى بها.. إلاّ أنّه خاف من الفضيحة.. فوسوتْ له نفسه لكي يقتلها.. وفعلاً قتلها ودفنها!!

وعندما جاء الإخوان الأربعة لأَخْذ أُخْتِهم لم يجدوها.. فسألوا عنها.. فأنكر العابد علمه بها.. فأخذ الإخوان الأربعة بالبحث عن أُختهم حتّى عثروا في نهاية المطاف على بقعة من الأرض مبعثرة.. فحفروها.. وإذا بهم يجدون في داخلها جثّة أُختهم.. وأخذوا العابد إلى البلد..

____________________

١ - اسمه: (برصيصا) .

١٦

فاعترف بجريمته البشعة.. وعندما التفّ حبل المشنقة حول عنقه، تمثّل له الشيطان قائلا: إنّني أنا الذي أوصلتُك إلى هذه الحالة، وإنني أستطيع أنْ أُنجيك.. ولكن بشرط!

فقال العابد في لهفة: ما هو الشرط؟

أجاب الشيطان: أنْ تسجد لي.

فقال العابد: لا أستطيع السجود وأنا بهذه الحالة.

فقال الشيطان: اسجد لي بعينك.

وفعلاً: أومأ العابد بعينيه كرمز للسجود للشيطان. وإذا بالحبل يلتف حول عنقه وينتقل إلى نار جهنّم: زانياً، قاتلاً، كافراً (١) !!

إنّ في هذه القصص التي ذكرناها - وهي قليل من كثير - دلائل واضحة على العواقب الوخيمة التي يؤدّي إليها السفور والتبرّج، فهل هناك مَن يعتبر؟!!

____________________

١ - راجع: بحار الأنوار: ج١٤، ص٤٨٦، ب٣٢ (بيان العلاّمة المجلسي) عن تفسير الطبرسي عن ابن عبّاس...

١٧

خاتمة

ثمّ إنّ ممّا يجب أنْ يُذَكَّر به هو:

* المرأة وطلب العلم:

١ - إنّ الإسلام لا يمنع من العلم ولا من تعلّم المرأة (١) ولا يمنع من عمل المرأة أعمالاً تناسب شرفها وعفافها، وإنّما الذي يمنع عنه الإسلام هو الاختلاط و السفور وحضور الفتيان والفتيات المحلاّت المريبة.

____________________

١ - بل يؤكّد على ذلك ويعتبره فريضة، كما قال (صلّى الله عليه وآله): (طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة)، راجع: بحار الأنوار: ج١، ص١٧٧، ب١، ح٥٤. وفي البحار: ج٢، ص٣١، ب٩، ح٢٠، عن الصادق (عليه السلام). وعنه (عليه السلام) في البحار: ج٦٧، ص٦٨، ب٤٥، ح١٤. والبحار: ج٦٧، ص١٤٠، ب٥٢، ح٥، (ضمن بيان العلاّمة المجلسي). والبحار: ج١٠٥، ص١٥. هذا بالإضافة إلى العمومات الدالّة على طلب العلم الشاملة للذكر والأنثى.. راجع كتاب: (منية المريد) للشهيد الثاني (قده).

١٨

* الزواج المبكر:

٢ - إنّ الإسلام يحرّض على الزواج المبكّر، فالفتاة ذات العَشْر سنوات الرشيدة يستحبّ زواجها، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مِن سعادة الرجل أنْ لا تحيض ابنته في بيته) (١) .

كما أنّ الولد إذا بلغ - وبلوغه غالباً بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة - يستحب زواجه.

ومن المستحبّ الأكيد: تقليل المهر، وتسهيل رسوم الزواج، فقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أفضل نساء أمتي. .. أقلهنّ مَهْراً) (٢) .

وفي الحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (نزل جبرئيل على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول: إنّ الأبكار من النساء بمنزلة الثمر على الشجر، فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلاّ اجتناؤه، وإلاّ أفسدتْه الشمس وغيّرتْه الريح،

____________________

١ - مكارم الأخلاق: ص٢١٩. وفقه القرآن: ج٢، ص١٤٥. وبحار الأنوار: ج١٠١، ص٩٢، ب٢، ح١٣.

٢ - دعائم الإسلام: ج٢، ص١٩٧. ونوادر الراوندي: ص ٣٦. وروضة الواعظين: ص٣٧٥.

١٩

وإنّ الأبكار إذا أدركنَ ما تُدْرِك النساء فلا دواء لهنّ إلاّ البعول، وإلاّ لم يؤمَنْ عليهنّ الفتنة.

فصعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنبر فخطب الناس ثمّ أعلمهم ما أمرهم الله به.

فقالوا ممّن يا رسول الله؟

فقال: الأكفّاء.

فقالوا: ومَن الأكفّاء؟

فقال: المؤمنون بعضهم أكفّاء بعض، ثمّ لم ينزل حتّى زوّج ضِبَاعةَ المقدادَ بن الأسود، ثمّ قال: أيّها الناس إنّما زوّجتُ ابنة عمّي المقداد ليتّضع النكاح) (١) .

____________________

١ - علل الشرائع: ص٥٧٨. وبحار الأنوار: ج٢٢، ص٤٣٧، ب١٣، ح١.

٢٠

عن ثبوته عليه.

ثم إنه يحتمل أن تكون الرواية مخصوصة بإثبات عهدة العين إلى غاية الاداء من دون تعرض لحكم صورة التلف، وثمرة إثبات العهدة لزوم أدائها.

فإن قلت: إنه لا معنى حينئذ لجعل الاداء غاية لوجوب الاداء، لانه من توضيح الواضح، لثبوت كل شئ إلى أن يرتفع، وثبوت كل حكم إلى أن يمتثل.

قلت: القضية غير مسوقة بمدلولها المطابقي لوجوب الاداء حتى تكون الغاية ثابتة له، بل إنما مدلولها المطابقي هو: الحكم بثبوت العين في العهدة، وسيقت الغاية غاية لهذا الثبوت، ولايخفى أن ارتفاع ثبوت العين فيها بالاداء، ليس من الواضحات ولا مما حكم به العقل، إذ من الممكن ثبوتها فيها على وجه الدوام غير ممتد إلى غاية، إلا أنه حكم الشرع الشريف بارتفاعه عند الاداء.

ولازم هذا الوجه ; أنه لوتلفت العين ; فالعهدة باقية إلى يوم القيامة ولا تسقط بشئ لانحصار الغاية المجعولة في الاداء وإن قلنا بلزوم أداء المثل والقيمة لو قام عليه دليل، إذ الرواية حينئذ ساكتة عن حكم صورة التلف.

لكن الانصاف: أن اللوازم المذكورة مما لا يلتزم به الفقيه، لوضوح إمكان تفريغ العهدة عند الفقهاء، وأنه لامستند لهم في تضمين المثل والقيمة في كثير من الموارد إلا الحديث المذكور بل ترى منهم أنهم استفادوا منه خصوص صورة التلف، فتدبر.

ويحتمل أن تكون مخصوص العين بمرتبتها الشخصية، بل تعمها بجميع مراتبها، الاقرب فالاقرب، والامثل فالامثل، فتكون الرواية بمدلولها المطابقي دالة على ثبوت المراتب في العهدة، وهذا هو المناسب لكلمات الاصحاب، والاعتماد

٢١

عليها لحكم صورة التلف في أغلب الابواب ولباب التضمين ; ويشهد له أن العرف لايعدون مالية المال أمرا مباينا عنه، بل النظر الاصلي في مهم الاموال على ماليتها، وإن كانت لشخصيتها أيضا مدخلية في أغراضهم الخاصة، فيكون توضيح معناها ; ان العين بجميع مراتبها ثابتة في العهدة حتى يؤديها إلى ربها، فإذا أداها إليه فرغت العهدة بمقداره، فإن كان المؤدى عينا حصل الفراغ التام، وإن كان المثل أو القيمة فقد فرغت عن المالية وبقيت مشغولة لشخصية المال، لانها أيضا كانت مثبوتة فيه ولها دخل في الاغراض.

ثم إن الفراغ عن المالية أيضا يختلف بحسب أداء الفرد من النوع أو الجنس أو المساوي في القيمة ; وعليه فلا حاجة في الحكم بوجوب أداء المثل والقيمة، بل ولا في تقديم المثل على القيمة: إلى التماس دليل من خارج، وهذا هو فارق بين هذا الوجه والوجه السابق.

فإن قلت: فعلى هذا صح أداء المثل والقيمة بحكم الرواية مع وجود العين ويحصل معه الخروج عن عهدة المالية ولاينبغي أن يتفوه به أحد.

قلت: ليس ثبوت مراتب العين على نحو واحد، بل ولا عن سبب واحد، بل المقصود أن المفهوم من الرواية ; كون العين بواسطة الاخذ بإذنه بجميع مراتبها في العهدة على نحو التعدد المطلوبي.

فنفس الاخذ سبب لثبوت العين ويترتب عليه وجوب أدائها، وهو مع التلف سبب لثبوت المثل فيها، وهما مع تعذر أداء المثل سبب لثبوت القيمة فيها.

إلا أن الانصاف، أن الالتزام بتعدد السبب مشكل، إذ الرواية غير متعرضة إلا لاثبات ماتسبب عن الاخذ دون ما تسبب عنه شئ آخر.

٢٢

فالوجه أن يقال: إن السبب واحد وهو نفس الاخذ، وإنما يتسبب عنه أمور مترتبة في الوجود، نظير الملكية الحاصلة لمراتب الموقوف عليهم على الترتيب بالجعل الاولي من المالك، بل وأمر المقام أوجه منها ; لان المراتب حاصلة بنفس الحصول الاولي على نحو من الحصول.

غاية الامر أن اختصاص الاداء إنما يحصل بعد تعذر المراتب الفوقانية وهذا كله واضح للمتدبر العارف بوجوه المعاني أو صروف الكلام.

فإن قلت: إن التي تشتمل عليها العين من الحصة أو المالية فهي مقيدة بها متعذر أداؤها بتعذر أدائها، وأما الحصة الاخرى والمالية المطلقة الموجودة في فرد آخر، فثبوتها ووجوب أدائها يحتاج إلى دليل آخر لمغايرتها لما هي الثابتة بثبوت العين.

قلت: لو سلمنا المغايرة عند التدقيق العقلي، فلا يخفى عدمها عند العرف كما عرفت، ومن أن نظرهم الاصلي إلى المالية المطلقة، لاخصوص ماهي القائمة منها بالعين، والرواية مسوقة لاثبات العين مع مراتبها المحكومة في العرف أنها من مراتبها في العهدة، هذا كله.ولكن الانصاف أن هذا الوجه أيضا لا يخلو عن تعسف.

ويحتمل أن تكون مخصوصة بحسب الدلالة المطابقية بعهدة العين، ودلت على وجوب أداء المثل والقيمة بالالتزام العرفي، إذ عهدة الشئ يلازم عندهم لوجوب أداء العين مع بقائه، والمثل عند تلفه.فالغاية إنما سيقت لعهدة العين فقط.

لايقال: لو عمت العهدة صورة التلف فلا يعقل أن يكون الاداء غاية لها، إذ

٢٣

يعتبر فيها إمكان حصولها ويمتنع الاداء مع التلف: لانا نقول: الغاية إنما تصح في مابقي فيه الموضوع، وأما مع ارتفاعه فلاتختص بدلالة الاقتضاء بصورة بقاء العين.ثم مع أن فرض التلف قد عرفت أنه ليس في حقيقة العهدة، بل إنما هو من لوازم العهدة.هذا، ولكن يرد على هذا الوجه لو سلمنا الملازمة العرفية أن مقتضاه ثبوت وجوب أداء المثل والقيمة من دليل خارج، وهذا خلاف ماعليه طريقة الاصحاب من الاعتماد بالحديث لوجوب أداء المثل والقيمة.

إلا أن يقال: إنه بعد ماثبت أن الحكم من لوازم الموضوع عرفا، فإثبات الموضوع جعلا أو إمضاء إثبات لحكمه كذلك، فتدبر.هذا كله في الوجوه المحتملة وقد عرفت أن خيرها أخيرها ثم أوسطها.ثم إنه ينبغي التنبيه على أمور راجعة إلى حال الاخذ والآخذ والمأخوذ، وأما المأخوذ منه فلا تتفاوت فيه الحالات والصفات إلا من جهة الاسلام والكفر، فإن المعتبر فيه أن يكون مسلما أو من بحكمه من أولى الذمة، وأما مال الحربي بشروطه فهو مما ينتقل إلى صاحب اليد بالاخذ على الوجه المقرر في محله.أما ما يرجع إلى الاخذ فأمور.

الاول: قد يتوهم اختصاص الاخذ بالعدوان والقهر بحسب الاستعمالات العرفية كما يدعى ظهوره فيه بالتتبع في مواردها وعليه ; فيختص مورد التضمين بالغصب وهو فاسد لعموم الوضع وعدم حصول النقل العرفي ولا الانصراف المعتدبه.

٢٤

نعم في بعض المقامات لخصوصية المقام يستفاد العدوان والقهر، وعليه ; فتكون قاعدة اليد أعم من الغصب، بل وهو كذلك قطعا لان مدار رحى(١) باب الضمانات يدور غالبا عليها فيدخل المقبوض بالسوم(٢) والمقبوض بالعقود الفاسدة مجانية كانت أو معوضة، بل وجميع الايدي المأذونة بالاذن الشرعي، بل والمالكي في وجه كما سيجئ إن شاء الله.

ومنه يد الغاصب بعد إذن المالك وغيرها، وهذا واضح للمتدبر والمتتبع في باب الضمانات.

الثاني: قد عرفت عدم اعتبار عنوان القهر على المالك، وهل يعتبر القصد أم لا؟ فنقول: أما القصد إلى عنوان أنه مال الغير فغير معتبر قطعا، لصدق أخذ مال الغير بدونه، وعدم مدخلية القصد والعلم في الحكم الوضعي، فيعم الاخذ السهوي والنسياني والخطائي.

نعم قد يقال: يعتبر القصد إلى عنوان الاخذ، فلو لم يكن قاصدا عنوانه لم يحكم بالعهدة لظهور إرشاد العقل في كونه مقصودا، بل وكونه اختياريا، فلو كان على وجه الاضطرار لم يؤثر، وضعفه واضح لمنع اعتبار القصد والاختيار في نسبة العقل، نعم لو كان الاضطرار بحيث لا يصدق الاستيلاء العرفي أمكن منع التضمين - كما سيأتي إن شاء الله من أن المفهوم هو الاستيلاء العرفي، وعلى هذا فيشمل القاعدة بحكم عموم الخبر فلاخذ المجنون والصغير والمضطر ما لم يبلغ إلى ذلك الحد المشار إليه، بل وربما يمكن دعوى شمولها لمثل يد النائم ولكن لم أجد في كتب الاصحاب في مسألة ضمان النائم من حيث التلف السماوي تصريحا بل

___________________

١ - " الرحى " بفتح الراء والالف المقصورة، الدائرة التي تطحن الحب.

٢ - سام - سوما وسواما - السلعة: عرضها وذكر ثمنها.

٢٥

ولا تلويحا إلا من بعض الطبقة الثالثة(١) في مطاوي كلمات عناوينه، حيث يستفاد منه القبول ; ومن الشيخ في بعض أبواب جواهره حيث يستشم منه المنع.وربما يقرب القبول بعد ما عرفت من عدم اعتبار القصد والاختيار في صدق الاخذ، أن الظاهر عدم الريب عندهم في ضمان ما أتلفه النائم، وليس المدرك فيه إلا عموم قوله: من أتلف، فإذا صدق الاتلاف منه فليصدق الاخذ، هذا مع أنه يمكن دعوى القصد منه ولو من وجه فتدبر، والمسألة محل إشكال.

الثالث: وهل تختص الرواية بالاخذ الحدوثي أو تعمه والاستمراري، فلو كان على غير وجه الضمان من أول الامر، كما لو كان مالا لذي اليد، ثم إنه انتقل بالاسباب القهرية كحلول الحول في الزكاة، أو الاختيارية، أو كان مال الغير ولم يكن مضمونا بأن يكون وديعة أو غيرها ; فيحكم بالعهدة وجهان.والذي يقتضيه النظر هو الاخير.

وتوضيح ذلك ; أنه لا ريب أن الاخذ بخصوص الجارحة المخصوصة وهي اليد ليس له خصوصية، بل نقطع بعدم اعتباره، بل وكذلك الاخذ بمطلق الجوارح، فلابد من الخروج عن الظاهر البدوي ; إما بالتزام أو مجاز مرسل، وحينئذ فقد يتوهم أنه كناية عن الاستيلاء المطلق وهو ضعيف، لانه مع عدم كونه أقرب إلى المعنى الحقيقي ; مستلزم لان يكون كل على التصرف ضامنا كالسلطان القادر على التصرف في ما بأيدي رعاياه، وكالقوي القادر على ما في أيدي الضعفاء وهو بديهي البطلان، مخالف للاجماع بل الضرورة، بل التحقيق أنه كناية عن التسلط الفعلي الصادق عليه الاخذ عرفا، وهو يختلف باختلاف المقامات، فقد يحتاج إلى

___________________

١ - المراد هو متأخري المتأخرين.

٢٦

التقليب والتحريك وقد لايحتاج إليه نظير القبض المختلف في المنقولات وغيرها، وهذا ليس اختلافا في معنى الاخذ والقبض، بل لهما حقيقتان وجدانيتان، وإنما الاختلاف بحسب خصوصيات المقام، فالمال المطروح في صندوقه الذي بيده مفتاحه ; مقبوض ومأخوذ بلا تحريك، بل ولا قصد مثل المطروح في جيبه، وأما المطروح في الصحراء مثلا فيحتاج في صدق الاخذ عليه غالبا إلى نحو من التقليب والتحريك، ولا يكفي فيه القصد فضلا عن عدمهما، وقد يكفي ف يه القصد ولا يحتاج إلى تحريك وتقليب، فالاوجه إحالة المصاديق إلى العرف، فإن ضبطها على الوجه الكلي متعسر بل متعذر.والميزان هو ما عرفت من صدق الاستيلاء الفعلي.

إذا عرفت هذا، فنقول: قد يتوهم ظهور الاخذ في الحدوثي من جهة أن الماضي بهيئته ظاهر فيه، وهو ممنوع، ولو سلمناه فهو ظهور بدوي لا اعتداد به بعد ما يستفاد من الحديث ومن سائي الاخبار المتفرقة في الابواب ; في أن المناط في التضمين هو الاستيلاء على مال الغير.

والانصاف ; أن هذا الظهور كظهور كون الاخذ على وجه العدوان لو سلمناه في بعض المقامات، فإنما هو لخصوصيات فيها.فالمرجع في المقام هو العموم يعني الحكم بتضمين مطلق الاخذ، عدوانيا كان أو غيره، حدوثيا أو استمراريا بمقتضى الظهور الوضعي بعد منع الانصراف، نعم قد يقال: إن في الاستيلاء الاستمراري يعتبر القصد إلى الاستمرار لعدم صدق الاخذ مع عدمه، إذ يعتبر فيه بحسب تفاهم العرف جهة اتصال إلى المالك وفيه تأمل، لاختلاف الاستمرار بحسب المقامات، فما كان في حدوثه لايحتاج إلى القصد كالمقبوض

٢٧

باليد ; لايحتاج إليه في الاستمرار، إذ الاخذ أمر مستمر على الفرض، وإنما المعتبر هو عنوان كونه ماله أو مال الغير وهو غير محتاج إلى القصد حاصل في نفسه، وأما انتساب الاخذ إليه كما هو ظاهر الخبر فهو أيضا حاصل بدون القصد، وإن قلنا بأن نسبة الفعل ظاهر في الاختيار، إذ الاستمرار تابع للحدوث فتأمل.والحاصل أن حال الاخذ في الحدوث والاستمرار واحد، وإن اختلف بحسب موارد صدقه.ثم إن ما ذكرناه من شمول اليد للاستمرار والحدوث مما اتفقت عليه كلمة الاصحاب في مطاوي الابواب، فإن بناء‌هم في أبواب الامانات كلية على أن الامين إذا تعدى أو فرط يضمن وإن لم يكن التلف مستندا إلى فعله، بل إلى الآفة السماوية، بل ويضمنون الودعي بمجرد قصد الخيانة لزوال أمانته به.

إلا أن يقال: إن الاخذ كما سيأتي يقتضي الضمان حتى في الامناء، وإنما خرجت بالدليل، فإذا زال المانع وهو الامانة فلا مانع من تأثير الاخذ الاولي، وهذا بخلاف ما إذا كان المال أولا مال الآخذ به فإن أخذ مال الغير يقتضي الضمان لامال نفسه، وفيه مع ما يجئ من منع الاقتضاء على وجه العموم أولا، وعدم معنى لتأثير الاخذ الاولي ثانيا كما لايخفى، إن حكمهم بضمان قيمة يوم الخيانة أو يوم التلف ينافي أن يكون المؤثر هو الاخذ الحدوثي فتدبر، ومن هنا يمكن تطبيق حكمهم بأن تلف المبيع، بل وكل مقبوض قبل القبض من مال بائعه على القاعدة من وجه، وإن كان ينافيه التضمين بخصوص الثمن فتأمل.هذا في حال الاخذ، وأما ما رجع إلى الآخذ فأمور:

الاول: لا إشكال في شمول الخبر لاخذ من لم يكن مأذونا من المالك، ولم يقع الاخذ برضاه، وإنما الكلام والاشكال في مقامين:

الاول: أنه هل يعم المأذون أيضا

٢٨

فيكون خروج ماخرج من الايدي المأذونة من باب التخصيص أو لايعمه؟ والثاني: أن الخارج تخصيصا أو تخصصا مطلق اليد المأذونة، بل وما كانت برضا المالك كالاخذ بشاهد الحال ونحوه أو خصوص الامين.

أما المقام الاول ; فمقتضى ظاهر قالب ألفاظ الخبر في نفسه كما عرفت هو الشمول لجميع الايادي.

لكن يمكن أن يقال: إنه لا يشمل مثل يد الامين، وتوضيح ذلك يحتاج إلى بسط في الكلام فنقول: قد يدعى أن أيدي الامناء منزلة منزلة يد المالك، فإن حقيقة الاستيمان استنابة عن المالك ومعه فخروج الامناء يساوق خروج المالك في أنه خروج موضوعي، إلا أن الدعوى المذكورة لاشاهد لها الفقد الدليل العام الدال على التنزيل وما ثبت من الاستنابة، فإنما هي في خصوص الحفظ وما عنه من التقليب والتحريك، مع أنها لو سلمناها فإنما هي مختصة بمثل يد الوكيل والودعي، وأما سائر الامناء كالمستأجر والمستعير وغيرهما فدعوى الاستنابة فيها ساقطة جدا، والحاصل أن في اغلب الموارد ليست حقيقة الاستيمان استنابة، ولم يدل دليل شرعي أو عقلي من خارج أيضا على التنزيل.

فالاوجه، أن يقال: إن إطلاق الرواية منصرف إلى غير الامين.

والسر فيه أن أسباب الانصراف كثيرة ومن جملتها المناسبات الحكمية، فإن مناط الحكم وإن كان ظنيا ; قد يوجب الانصراف كما عليه بنائهم في كثير من الموارد ومنها: اعتبار الملاقات، ونجاسة الماء القليل مع إطلاق مفهوم قولهعليه‌السلام " إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ "(١) وعلى هذا فيمكن دعوى أن المناط في تضمين الآخذ لمال

___________________

١ - الوسائل: ج ١، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق، الحديث: ١ وغيره.

٢٩

الغير، ولو بالتلف السماوي، إما مراعاة عدم وقوع الضرر على المالكين من جهة أنه لو انحصر المضمن في الاتلاف والتعدي لكان طريق إثبات الاتلاف والتعدي مسدودا غالبا، لصعوبة إثباتهما، وإما من جهة مال المسلم وأن وقوع اليد عليه يوجب الغرامة صيانة لماله وكلا الوجهين لا يأتيان في أيدى الامناء إذ بعد تسليط المالك الغير على ماله على وجه الاطمينان به كما هو مفاد الاستيمان لا وجه للملاحظتين لانه المسلط غيره على ماله.

وإن شئت توضيح ذلك بوجه أمتن، فنقول: إذا فرض تسليط المالك غيره على ماله على عنوان الاطمينان به كما عليه بناء العقود الاستيمانية فإن القبض فيها على هذا العنوان وإن كان للتغير محل لايثق به المالك فالاطمينان المذكور وإن كان لايقتضى إلا الفراغ عن جهة التعدي والتفريط إلا أن إعطاء‌ه على هذا الوجه يلازم عرفا لرفع اليد عن نفس تلفه أي عن جهة احترام ماله من حيث التلف السماوي إذ لا معنى لرفع التعدي والتفريط بملاحظة الاطمينان مع كون التلف ولو بدونهما مضمنا إذ عليه فهو ضامن على كل تقدير، فلاثمرة في الملاحظة المذكورة، فهي إنما تنفع بعد رفع اليد عن الجهات الاخر.

وربما يشهد لهذا المعنى الاخبار الواردة في أبواب الاستيمان وتعليلاتها، مثل ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سأته عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ فقال: ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا(١) فإن نفي الغرم عن المستبضع على الاطلاق وتعليله بأنه أمين إما أن يشمل التغريم مطلقا ولو من جهة التلف السماوي كما هو فرض السؤال، أو يختص بدعوى التعدى والتفريط، كما هو المناسب للتعليل فيكون

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ١ من أبواب أحكام العارية، الحديث: ٨.

٣٠

عدم الضمان من جهة التلف السماوي مفروغا عنه بين السائل والمسؤول عنهعليه‌السلام من حيث إن من المركوزات عند العقلاء أن الاستبضاع ونحوه من الاستيمانات، ليس فيها اقتضاء من جهة التلف.

ومثل قولهعليه‌السلام : ليس لك أن تتهم من قد ائتمنته.(١) فإن النهي عن الاتهام لا يناسب مع كون التلف مضمنا، فدل على أن عدم الضمان بالتلف أمر لا حاجة إلى بيانه لفراغ العقلاء عنه بعد الاستيمان.

ومثل قولهعليه‌السلام : في مكاتبة القاساني بعد السوال عن رجل أمر رجلا أن يشتري له متاعا أو غير ذلك، فاشتراه فسرق أو قطع عليه الطريق من مال من ذهب المتاع من مال الآمر أو من مال المأمور؟ فكتبعليه‌السلام : من مال الآمر.(٢) فإن الظاهر منه أن الامر والتسليط ينافي التطمين.ومثل قولهعليه‌السلام -: صاحب الوديعة والعارية مؤتمن.(٣) بالتقريب المتقدم.إلى غير ذلك من الاخبار التي تشهد له بالتقريبات المتقدمة مما قدمناها.

هذا تمام ما يمكن في توجيه دعوى الانصراف في الحديث الشريف للمناسبة الحكمية، تارة بالرجوع إلى الوجدان، وأخرى باستكشافها من كلمات من علمهم الله جل جلاله الحكمة والبيان ونزل عليهم القرآن والفرقان، عليهم صلوات الله الملك المنان.

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ٤ من أبواب أحكام الوديعة، الحديث: ١٠.

٢ - المصدر نفسه: الباب ٣٠ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث: ١٥.

٣ - المصدر نفسه: الباب ١ من أبواب احكام العارية، الحديث: ٦.

٣١

ولكن الانصاف، أن النفس بعد في تزلزل من ذلك إذ نعلم مناط اقتضاء اليد على مال الغير، أن يكون عليه تلفه حتى يدعى انتفاؤه في الامين، إذ من الممكن، أن يكون الوجه أمرا ساريا في جميع الايادي، ومجرد الستنباط مناط لم يعلم كونه مظنونا فضلا عن كونه معلوما لا يوجب صرف الاطلاق بعد احراز كونه في مقام البيان، لان الانصراف في قوة التقييد بل هو تقييد لبي لا يصار إليه إلا بعد ثبوت المقيد على الوجه المعتب ولا يكفي الاحتمال فيه.

وأما الاخبار الواردة، فممنوعة، بشهادتها على التقييد اللبي، سواء كان نفي الضمان المسبب عن التلف السماوي مدلوله التضمني أو الالتزامي، أو لعله من جهة مفروغيته من جهة الشرع، هذا ولكن مع هذا ليس دعوى الانصراف بذلك البعيد، فتدبر.

المقام الثاني: قد يتوهم أن الخارج من قاعدة اليد مطلق الايادي المأذونة، من المالك أو من قام مقامه، بل وما كان برضاه وإن لم يكشف عنه فعل، ولا لفظ كالاخذ بشاهد الحال، وربما يؤيده تعليل كثير من الاصحاب في كثير من الابواب لعدم الضمان، بأنها مأذونة، بل ربما يدعى أن الامين الذي علل به عدم الضمان في الاخبار وفي كلمات الاخيار هو مطلق المأذون إذ ليس المعتبر، الوثاقة الواقعية، بل كونه أمينا، من جهة تسليط المالك إياه على وجه الاطمينان وهذا موجود في موارد الاذن كلها، إذ العاقل لا يسلط على ماله أحدا إلا على وجه الاطمينان ببقائه، وعدم إتلافه وعليه، فالخارج من القاعدة، بمقتضى استيناس الحكم وأخبار الامين ومعاقد الاجماعات، هو المأذون من المالك المساوي في الصدق مع الامين.وأورد عليه، بانتقاض ذلك بموارد كثيرة، حكموا بالضمان، مع وجود الاذن

٣٢

كالمقبوض بالسوم والمقبوض بالعقد الفاسد والغاصب الذي أذن له المالك ومع عدم التوكيل في القبض، والطبيب والصائغ، والملاح والمكاري والاجير وغير ذلك.

أقول: ولا يخفى عدم ورود أكثر موارد النقض كالمقبوض بالعقد الفاسد الذي أذن المالك فيه على وجه الضمان وكالطبيب والصائغ وغيرهما إذ الحاكم بالضمان فيها لو قلنا به، فإنما هو للاخبار الواردة فيها ولاغرو في ثبوت المخصص في اليد المأذونة إذ ليس مما يدعى عدم قابليته للتخصيص، نعم يبقى مثل المقبوض بالسوم والغاصب المأذون لو قلنا فيها بالضمان.

فالتحقيق في المقام، بحيث يرتفع عنه غواشي الاوهام أن يقال: إن الثابت من الادلة وهي الاجماعات المحكية البالغة حدا يمكن تحصيل الاجماع منها، والاخبار المعللة المستفيضة والمتفرقة في أبواب الاستيمانات التي سنتلو عليك طائفة منها، هو خروج الامين، ولم يدل دليل على خروج المأذون بهذا العنوان إلا دعوى الانصراف للمناسبة الحكمية التي لو سلمناها فهي مقصورة على الامين.

ودعوى أن مطلق المأذون أمين مدفوعة، بوضوح الفرق بين الاستيمان والاذن، فإن الاذن ليس إلا إعلام الرضا ورفع المنع، والاستيمان تسليط الغير على المال على وجه الابانة أي المعاملة معه معاملة الامين، ومن المعلوم أن الثاني أخص من الاول إذ لم يؤخذ في الاول تسليط فضلا عن كونه على وجه الاطمينان.

توضيح ذلك، أن معنى كون العقود الاستيمانية مثل الاجارة والوكالة والرهن والمضاربة والمساقات ونحوها استيمانات، أنها بحقائقها تقتضى تسليط الغير على المال، إذ به تتحقق الانتفاعات المقصودة بالاصالة، وهذا معاملة مع

٣٣

الغير معاملة الامين، لانه سلطه على أن ينتفع ويثقه، وإلا فليس المعتبر فيها أن يكون الغير أمينا موثوقا به قطعا، وأما مطلق الاذن فهو عبارة عن رفع المنع عن التصرف، نظير الامانة الشرعية، ومن المعلوم أن هذا المقدار ليس تسلطا فضلا عن كونه على الوجه الخاص، ولا منافاة بينه وبين القسمين، وإنما المسلم، لو تنزلنا منافاته مع تسليطه.

والحاصل، أنه لاينبغي الريب في أن المالك لو صرح " بأبي لا أمنعك عن التصرف " وقد ارتفع من جانبه المنع من التصرف، فلا يقتضي ذلك لرفع اليد عما تقتضيه اليد من الضمان، عند التلف وليس هذا استيمانا حتى يتمسك بذيل أدلة الامين، نعم لو سلطه ببعثه على الاخذ، أمكن القول بالمنافاة، نظرا إلى ما عرفت من أن من لوازمه عرفا رفع اليد عما تقتضيه اليد مراعاة للمالك وأنه استيمان، وقد اطلعت على كلمات كثيرة من الاصحاب تشهد بما ادعيناه من مغايرة الاذن والاستيمان وإن كانت كثيرة منها تشهد بخلافه، حيث صرحوا في باب العارية بأن حقيقته الاذن وأنه لا يعتبر فيها لفظ خاص ولا مطلق اللفظ، قال في التذكرة: " ويكفي قرينة الاذن بالانتفاع من غير لفظ دال على الاعارة أو الاستعارة "(١) وإن كان ربما يستشكلون في مثل الفراش المبسوطة للانتفاع، إلا أنه من جهة اعتبارهم الاذن لشخص خاص، لالعدم كفاية الاذن فتسالمهم على أن العارية إذن وأنها لاضمان فيها لانها استيمان يكشف عن أن الاستيمان عندهم مساوق للاذن.

ومما يشهد لما ادعيناه ما صرح به في التذكرة أيضا في باب الوكالة " إذا تعدى

___________________

١ - التذكرة: ج ٢، كتاب العارية، ص ٢١٠.

٣٤

الوكيل أو فرط مثل أن يلبس الثوب الذي دفعه الموكل ليبيعه، ضمن إجماعا لان الوكالة تضمنت شيئين الامانة والاذن في التصرف فإذا تعدى زالت الامانة وبقي الاذن بحاله "(١) .

وهذا صريح في أن الاذن بنفسه لا يقتضي سقوط الضمان، فلابد من تأويل في ظاهر كلامه السابق من إرادة الاذن الخاص، فتأمل، وإن أبيت عن ذلك فكلماتهم تسبب التشويش ولا يصح الاعتماد عليها، ولا يحسب ما هو المتيقن منها من التسليطات الخاصة الحاصلة في العقود الاستيمانية، ولو تنزلنا فمطلق التسليط، وأما مطلق الاذن فلا دليل عليه لما عرفت من تشويش كلمات الاصحاب ومعاقد الاجماع، ولقد اطلعت على كلام شيخنا الاستاذ الاكبر في مطاوي كلامه، في قاعدة " مالا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده " ينطبق على بعض ما قررناه " قال: فإن قلت: إن الفاسد وإن لم يكن له دخل في الضمان إلا أن مقتضى عموم " على اليد " هو الضمان خرج منه المقبوض بصحاح العقود التي تكون مواردها غير مضمونه وبقي الباقي، قلت: ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود يخرج به المقبوض بفاسدها وهي عموم مادل " أن من لم يضمنه المالك سواء ملكه إياه بغير عوض أو سلطه على الانتفاع به، أو استأمنه عليه لحفظه أو دفعه إليه لاستيفاء حقه أو تصرفه بلا أجرة أو معها، إلى غير ذلك فهو غير ضامن " أما في غير التمليك بلا عوض، أعني: الهبة فإنه مثل المخصص لقاعدة الضمان، عموم مادل على أن من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن بل ليس لك أن تتهمه، وأما في الهبة الفاسدة، فيمكن الاستدلال على خروجها بفحوى ما ذكر - إلى أن قال -

___________________

١ - التذكرة: ج ٢، كتاب الوكالة، ص ١٢٩.

٣٥

فحاصل أدلة عدم ضمان المتأمن، أن في دفع المالك إليه ملكه على وجه لايضمنه بعوض واقعي، أعني: المثل والقيمة ولاجعلي، فليس عليه نماؤه، انتهى كلامه ".وفيه مواقع للتأمل.

فبالحري ذكر الاخبار التي عثرت عليها في الابواب المتفرقة مما يدل على عدم ضمان الامين لانه أمين، تيمنا بها ولعله يستفاد منها ما يغنينا عن هذه الكلمات بالمرة فإن كلامهم - عليهم السلام - نور للقلب وضياء للباصرة.

فمنها: ما رواه القاساني: كتبت إليه - يعني: أباالحسن - عليه السلام - - وأنا بالمدينة سنة إحدى وثلاثين ومائتين: جعلت فداك رجل أمر رجلا أن يشتري له متاعا أو غير ذلك فاشتراه فسرق منه أو قطع عليه الطريق من مال من ذهب المتاع؟ من مال الآمر أو من مال المأمور؟ فكتبتعليه‌السلام : من مال الآمر.(١) ويمكن أن يستفاد من هذا الخبر أن مطلق التسليط والبعث، موجب لصرف الضمان.

ومنها: مارواه يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يبيع للقوم بالآجر وعليه ضمان مالهم؟ قال: إنما كره ذلك من أجل أني أخشى أن يغرموه أكثر مما يصيب عليهم فإذا طابت نفسه فلا بأس.(٢) أقول: تعلق الضمان على طيب النفس مما لا يصح إلا بأن يراد السؤال عن اشتراط الضمان فليس هذا بذلك البعيد خصوصا بعد ما عرفت وعليه فلا دخل للرواية بالمقام إلا من جهة مفروغية عدم ضمان الاجير للتلف.

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ٣٠ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث: ١٥.

٢ - المصدر نفسه: الباب ٢٩ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث: ١٥.

٣٦

ومنها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق، أعلى صاحبه ضمان؟ فقال: ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا.(١) أقول: قولهعليه‌السلام " بعد أن يكون الرجل أمينا " يحتمل أن يكون شرطا للحكم في قوة القول، بأنه ليس عليه غرم إذا كان أمينا، ويحتمل أن يكون علة للحكم في قوة القول، بأنه كذا لانه أمين أي من جهة استبضاعه الذي وضع على الاستيمان، فيدل على أن الامين لا يدخله التغريم، لكن غير بعيد ظهوره في الوجه الاول كما يشهد له جملة من الاخبار في أبواب الاستيمانات، مثل قولهعليه‌السلام : إذا كان عدلا مسلما فليس عليه ضمان.(٢) وقولهعليه‌السلام : لاغرم على مستعير عارية إذا هلكت، إذا كان مأمونا.(٣) وقولهعليه‌السلام : العامل إن كان مأمونا فليس عليه شئ وإن كان غير مأمون فهو ضامن.(٤) إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع في الابواب، ولكن يبعده، أن الظاهر نفي الضمان بحسب الواقع وهذا لا يدخل للامانة والعدالة فيه إلا إذا كان المراد الضمان من جهة التعدي والتفريط، مع أن الضمان من جهتهما أيضا تابع لواقعهما فلابد أن يراد بالنفي نفي التغريم بلا بينة من مدعيهما فيكون معنى النذي تقديم قوله في مقام الدعوى، ويؤيده، العدول في التعبير عن الضمان إلى الغرم، ولكن مع هذا لا ينفع لاستفادة كلية عدم ضمان الامين بالتلف السماوي

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ١ من أبواب أحكام العارية، الحديث ٨.

٢ - المصدر نفسه: الحديث: ٢.

٣ - المصدر نفسه: الحديث: ٣.

٤ - المصدر نفسه: الباب ٢٩ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث ١١.

٣٧

منه إلا من جهة المفروغية التي تطابق عليها الاخبار عند الانصاف، وإلا فالاخبار المتقدمة مع شهادة ما عرفت منها في التصريح باشتراط الامانة ظاهرة في دعوى التفريط والتعدي فحمل على الكراهة، وإلا فدعوى التعدي والتفريط، مسموعة حتى على الامين العادل.

ومنها: قول الصادقعليه‌السلام في رواية الحلبي: صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان.(١) أقول: وهذا أحسن روايات الباب من جهة دلالتها على أن الايتمان أمر مفروغ عنه بحسب الحكم بحيث يغني ذكر موضوعه عن حكمه، ولكن فيها ما عرفت فيما تقدم من أنها لا تدل على أزيد من أن الامين يقدم قوله في دعوى التعدي والتفريط، فإنها ناظرة إلى المرسلة المشهورة: ليس على الامين إلا اليمين.نعم هي كسوابقها تدل على عدم الضمان بالتلف السماوي من جهة المفروغية وأنه لاوجه لنفي توجه شئ عليه إلا اليمين، مع كون تلفه مضمنا مطلقا، والحاصل، أن القدر المتيقن من آثار الامانة هي ما عرفت وهو المناسب لعنوان الامانة.

ومنها: مارواه السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليعليه‌السلام في رهن اختلف فيه الراهن والمرتهن فقال الراهن: هو بكذا وكذا، وقال المرتهن: هو بأكثر، قال عليعليه‌السلام : يصدق المرتهن حتى يحيط بالثمن لانه أمينه.(٢) أقول: مع ضعف سندها وإعراض الاصحاب غير الاسكافي عنها لبنائهم على تقديم قول الراهن الموافق للاصل في وجه للاخبار المدعى في محكي جامع

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ٤ من أبواب أحكام الوديعة، الحديث: ١.

٢ - المصدر نفسه: الباب ١٧ من أبواب أحكام الرهن، الحديث: ٤.

٣٨

المقاصد تواترها وموافقتها للتقية أنه لا يلائم التعليل لعدم اقتضاء الامانة لتصديق المرتهن فيما على الرهن لعدم رجوع الدعوى إلى أمر ينافي الامانة، فلذا يحتمل قويا أن يكون المراد الامانة والوثاقة لا الاستيمان العقدي، فتأمل، وعلى كل حال فلايستفاد منها ما ينفع للمقام كما لايخفى.

ومنها: قولهعليه‌السلام : وصاحب العارية والوديعة مؤتمن(١) وقد تقدم الكلام في نظيرها.

ومنها: قولهعليه‌السلام : ليس لك أن تتهم من قد ائتمنته ولا تأمن الخائن.(٢) وفيها أيضا ماعرفت مرارا.

ومنها: قولهعليه‌السلام كان أميرالمؤمنينعليه‌السلام يضمن القصار والصائغ احتياطا للناس كان أبي يتطول عليه إذا كان مأمونا.(٣) ومنها: الاخبار الكثيرة الواردة في باب القصار والحمال والجمال والملاح، من أنه كان مأمونا فلا يضمنه وأنه ضامن إلا أن يكون ثقة مأمونا، وفيها ما عرفت من أنها لاتنفع في المقام بوجه.

أقول: والانصاف أن الاخبار المذكورة بحسب الدلالة المطابقية غير واردة إلا في مقام دعوى التعدي والتفريط، نعم بحسب الالتزام تدل على في الضمان عن الامين بسبب التلف السماوي إذ لولاه لكان نفي الضمان على الوجه المذكور لغوا.

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ١ من أبواب أحكام العارية، الحديث: ٦.

٢ - المصدر نفسه: الباب ٩ من أبواب أحكام العارية، الحديث: ١.

٣ - المصدر نفسه: الباب ٢٩ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث: ٤.

٣٩

ثم إن الظاهر منها أن المفروغية المذكورة، نظرا إلى منافاة الاستيمان مع التضمين، ليست من جهة وضوح الحكم بحسب الشرع، وإلا لكان في تلك الاخبار بكثرتها سؤالا عنه بل من جهة وضوحه عند العقلاء، على نحو ما عرفت فتكون نفس تلك الاخبار قرينة على ماتقدم من دعوى الانصراف في حديث إلى غير الامين، ومما قررناه في تضاعيف ذكر الاخبار وما بعده ظهر ما في كلام شيخنا الاستاذ الاكبر، من التسمك بعموم أدلة الاستيمان لقاعدة " ما لا يضمن " في غير التمليك بلا عوض وبفحواه فيه، فتأمل، ثم إن المستخرج منها إما بالمطابقة أو الالتزام، ليس إلا الامين الذي قد عرفت أنه أخص من عنوان المأذون.

ولو فرضنا التمسك في الخارج، وأنه خصوص الامين أو الاعم منه ومن المأذون فإن اعتمدنا في الخروج على الادلة اللفظية، وقلنا بأن عنوان الامين مجمل فالمرجع هو اطلاق دليل " اليد " لدوران التقييد المنفصل بين الاقل والاكثر فيقتصر على الاقل، وإن اعتمدنا على الدليل اللبي، أعني: حكم العقل من جهة الاستيناس بالحكم، فالاقوى سريان الاجمال إلى الاطلاق ووجوب الرجوع إلى الاصول العملية.

ودعوى أن القضايا العقلية كما علم في محله معلومة الموضوع، فكيف يفرض فيها الاجمال الساري، مع أنه لو فرض الاجمال فيها فهي في حكم التقييد المنفصل لاستقلاله في الحكم فلا وجه للحكم بالسريان، مدفوعة بأن المقصود من الحكم العقلي في المقام ماعرفت مرارا هو إدراكه الظني لمناط الحكم الموجب لانصراف المطلق، وهذا قابل لان يدخل فيه الشك والتردد في الموضوع، كما لايخفى.وأما حديث الانفصال، فهو حق في العقل المستقل، وأما في مثل المقام

٤٠

٤١

٤٢

٤٣