• البداية
  • السابق
  • 43 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21666 / تحميل: 6370
الحجم الحجم الحجم
الحجاب في القرآن

الحجاب في القرآن

مؤلف:
العربية

* كلمة الناشر:

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

في كلّ ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، كنّا على موعد مع توجيهات سامية، يتفضّل بها سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الأعلى الإمام السيّد محمّد الحسيني الشيرازي (دام ظلّه) في ديوانيّته العامرة بالكويت.

وكانت مجالسه تزدحم ليليّاً بالشباب المؤمن.. وكانت أحاديث سماحته برامج تربويّة، تخلق من المستمع الواعي شخصية رساليّة ملتزمة.. فأسلوبه واضح جذّاب، غنيّ بالشواهد والأمثلة والقصص، ممّا يُشوِّق السامع ويشجّعه على الاقتناع والالتزام.

وفي الليلة الخامسة من شهر رمضان المبارك (عام ١٣٩٨هـ) كان الحديث حول الحجاب بشكل جميل ومقنع، أزال من الأذهان بعض الشبهات والأسئلة التي يدأب الاستعمار ودعاة الفساد على نشرها..

فرأينا من المناسب جدّاً كتابة كرّاس يشتمل على هذه المحاضرة القيِّمة مع بعض الإضافات اللازمة، فقَبِل سماحة الإمام المؤلّف (دام ظلّه) هذا الاقتراح، فكان هذا الكتيّب، حتّى تتداوله أيدي الشباب والشابّات، عسى أنْ يكون لهم هداية وتذكرة.. ومن الله التوفيق والتسديد.

مركز الرسول الأعظم (ص) للتحقيق والنشر

بيروت - لبنان             

١

الحمد لله ربّ العالمين

والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

الحجاب في القرآن

وردتْ في القرآن الكريم آيات عديدة حول الحجاب:

منها قوله تعالى: ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) (١) .

ومنها قوله سبحانه: ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) (٢) .

والخمار: هو الغطاء الذي يوضع على الرأس، فيغطّي الأذن والصدر والرقبة (٣) .

ومنها قوله عزّ وجل: ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) (٤) .

____________________

١ - سورة الأحزاب: آية: ٥٣.

٢ - سورة النور: آية: ٣١.

٣ - (الخُمُر) بضمّتَين: جمع خمار: وهو ما تغطّي به المرأة رأسَها و ينسدل على صدرها، والمراد بالجيوب: الصدور، والمعنى: ولْيُلْقِيْنَ بأطراف مقانعهنّ على صدورهنّ ليَسْتِرْنَهَا بها. وفي مجمع البحرين، مادّة (خمر): أي مقانعهنّ، جمع خمار وهي الـمَقْنَعَة.

٤ - سورة الأحزاب: آية: ٣٣.

٢

لماذا الحجاب؟

ولكن: لماذا الحجاب؟

هكذا يتساءل الكثير من الشبّان والشابات..

لماذا الحجاب؟

أليس الحجاب تقييداً لحرِّيَّة المرأة؟

وأساساً ما هي العوامل التي جعلتْ الإسلام يُشرّع الحجاب؟

٣

والجواب يتلخّص في الأمور التالية:

* أوّلاً: بقاء المحبّة الزوجيّة:

ينوّه (علم النفس) أنّ الزوجة المحجّبة تستقطب حبّ الزوج واهتمامه أكثر من غيرها.. لماذا؟ (١) .

ذلك لأنّ (الإنسان حريص على ما مُنِع) فالمرأة المحجّبة - عادةً - أقرب إلى قلب الزوج من المرأة المتبرّجة.. إذ المرأة بلا عباءة التي يراها الرجل من الرأس إلى القدم يوميّاً عشرات المرّات.. قد تفقد إغراءها نهائيّاً.. عكس المرأة المحجّبة التي تظلّ مجهولة، ومثيرة بالنسبة إلى الزوج..

ولذا نجد أنّ المرأة الريفيّة المحجّبة أقرب إلى قلب زوجها من المرأة العاديّة غير المحجّبة. إنّ المرأة في الريف تتعاون مع زوجها، تذهب في الصباح إلى الحقل لتزرع، وتطحن وتخبز، وتغسل، وتقوم بسائر المهام الملقاة على عاتقها وهي بحجابها ومن دون أنْ تختلط بالأجانب،

____________________

١ - راجع كتب علم النفس.

٤

وعندما تعود في الليل إلى الكوخ، إذا بالزوج ينظر إليها كملاك أو حوريّة، ويبدي حبّه تجاهها، لماذا؟ لأنّه بقي في هذه المرأة الإغراء.

هذا، ومن المكروهات في الإسلام: ذهاب الزوجين إلى الفراش عاريين، إذ في هذه الحالة لا تبقى في جسد الزوجة مناطق إغراء مجهولة نهائيّاً (١) .

إضافةً إلى أنّ الرجل يشعر بأنّ الزوجة المحجّبة تخصّه دون سائر الرجال، عكس المرأة غير المحجّبة فإنّها لا تختصّ بزوجها، بل يراها الجميع.

ولهذا السبب نرى: أنّ آباءنا كانوا يتزوّجون ويعيشون سنين طويلة دون أنْ تجري على شفاههم كلمة (الطلاق)، إذ إنّهم كانوا يجدون في زوجاتهم - اللاتي كُنَّ يَرْتَدِيْنَ الحجاب - الإغراء والجاذبيّة.

____________________

١ - راجع موسوعة الفقه (ج٦٢، ص١٢١ - ١٢٢) كتاب النكاح، في مكروهات المقاربة وفيه: ويكره الجماع وهو عريان.. وفي الحديث عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه عليهم السلام، عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: (إذا تجامع الرجل والمرأة فلا يتعرّيان) الحديث. وسائل الشيعة: ج١٤، ص٨٤، ب٥٨ من أبواب مقدّمات النكاح، ح٣.

٥

* ثانياً: الحفاظ على الحياة الزوجيّة:

عندما تكون المرأة محجّبة، تستمرّ الحياة الزوجيّة، إذ في هذه الحالة لا يرى الزوج غير زوجته، ولذلك فهو قانع بها، ولا ترى الزوجة غير زوجها، ولذلك فهي قانعة به.

لكن، عندما تكون النساء سافرات، وعندما يكون هناك اختلاط، فمن الطبيعي أنْ يرى الزوج نساءً أجمل من زوجته، وأنْ ترى الزوجة رجالاً أجمل من زوجها، وهذا ما يؤدِّي كثيراً إلى تَرَدِّي العلاقات الزوجيّة، وفي النهاية: إلى الطلاق!

٦

مثلاً:

- في أميركا وحدها يوجد (٧ ملايين) طلب طلاق، كما جاء في بعض الصحف (١) .

- وفي الاتّحاد السوفيتي يقول تقرير نشرتْه إحدى الصحف الرسميّة: إنّ حالة واحدة من كلّ تسع حالات زواج تنتهي بالطلاق في الاتحاد السوفيتي!

لماذا تصل نسبة الطلاق في هذه البلدان هذا الحد؟

ببساطة: لأنّ الرجل رأى امرأة أجمل من زوجته في السينما، أو الجامعة، أو الشارع، أو في أيّ مكان آخر، فعاد إلى البيت ولم يكتف بزوجته، فأثّر على سلوكه وسلوكها، فطلّق زوجتَه لكي يتزوّج غيرها.

____________________

١ - صحيفة البراقدا.

٧

* ثالثاً: توقّي الانحرافات الجنسيّة:

كم من الانحرافات والاتصالات الجنسيّة غير المشروعة تحدث في المجتمع في الوقت الحاضر!

أَلاَ يلعب السفور والتبرّج دوراً أساسياً في ذلك؟

أَلاَ تسيل المرأة المتبرِّجة لُعَاب الرجال لكي يركضوا خلفها، ويحاولوا الحصول منها على الـمُتَع المحرّمة؟

وأَلَيس الحجاب هو الأفضل لتوقّي هذه الانحرافات؟

وهل من الصحيح أنْ يرمي الصائغ ذَهَبَهُ ومجوهراته في الطريق؟

أَلاَ يعني ذلك تعرّضها للسرقة من اللصوص؟

وكذلك المرأة المتبرّجة كثيراً ما تكون عرضة لـ (سُرَّاق الأعراض) (١) .

____________________

١ - ومن أبشع الجرائم في الغرب تجارة النساء، فمنذ بداية الثمانينات عرفت تجارة النساء تطوّراً لا سابق له، وفي أيّامنا هذه تُصدَّر الآلاف من نساء العالم إلى أوروبّا عن طريق تجّار جنس يجبروهنّ على ممارسة الدعارة، راجع للتفصيل كتاب: (تجارة النساء في أوروبّا) تأليف كريس دي ستووب.

٨

ولنلقي هنا نظرة سريعة على واقع المجتمعات الغربيّة، يقول أحد القضاة في أميركا (١) :

إنّ (٤٥%) من فتيات المدارس المختلطة يدنِّسن أعراضهن قبل خروجهنّ منها، وترتفع هذه النسبة كثيراً في مراحل التعليم التالية (٢) :

- كما دلّت الإحصاءات التي أُجريت على حقائب طالبات المدارس في بريطانيا: أنّ (٨٠%) منهنّ يحملن معهنّ الأقراص المانعة من الحمل، وهذا يكشف عن أنّهنّ مهيّئات نفسيّاً لممارسة الدعارة والفجور في أوّل لحظة، مهيّئات للاستجابة لأوّل طلب، وإنّهن يَقْدِمْنَ على حمل هذه الأقراص هروباً من التبعات الثقيلة (٣) .

- وأخيراً فإنّ للتبرّج والسفور دوراً كبيراً في حوادث الاغتصاب والقتل.. وما أشبه ذلك، فقد نشرت بعض الصحف الغربيّة (٤) : أنّ تقارير البوليس الأميركي تُشير إلى ارتفاع نسبة جرائم الاغتصاب عاماً بعد عام، ففي واشنطن فقط تقع جريمة اغتصاب كل (١٥ دقيقة).

والواقع:

أنّ مظاهر الميوعة التي تنتشر في أميركا وغيرها من بلاد الغرب ذات أثر بالغ في ازدياد حالات الاغتصاب، وفي كثير من الأحيان تحدث حالات قتل بسبب امتناع الفتاة من تسليم نفسها أو ما أشبه (٥) .

____________________

١ - هو القاضي (لندسي) .

٢ - هذا بالإضافة إلى ما يجري من الفضائح في النوادي الليليّة ونوادي العُرَاة، راجع للتفصيل كتاب: (تجارة النساء في أوروبّا) ، تأليف كريس دي ستووب.

٣ - كانتشار بعض الأمراض الخطيرة القاتلة من أمثال الإيدز.. فقد نقلت (المجلّة) في ملحق عددها (٩٠٥) أنّ: (٨٥٠٠ شخص جديد) يصابون كلّ يوم بالإيدز، بينهم (ألف طفل تحت سن ١٥ عاماً)، وأكثر من (٨ ملايين طفل) فقدوا أمّهاتهم بسبب الإصابة بالإيدز، وحوالي (٨ ملايين) شخص أُصيبوا منذ بداية انتشار المرض وتوفّي (٦ ملايين) آخرين.

٤ - صحيفة الغارديان البريطانيّة.

٥ - ونقلت مجلّة (النبأ) الصادرة عن المستقبل للثقافة والإعلام في بيروت في عددها (١٧ - ١٨ رجب وشعبان ١٤١٨هـ، ص٣٧) تحت عنوان (المرأة البريطانية إذا حكت) : في استفتاء شمل (٥٠٠ امرأة بريطانيّة) تبيّن أنّ نصف البريطانيّات اعترفن بعلاقات مع الرجال =

٩

____________________

=

خارج حياتهنّ الزوجيّة، وغالبيّتهنّ كشفْنَ أنّهن غير نادمات على ذلك، الاستفتاء الذي أُعْلِنَ عنه في حفلة توزيع جوائز (امرأة العالم) في لندن شمل نساء يمارسْنَ:

السياسة، والصحافة، والرياضة، والتجارة

والإدارة، والطب، والمحاماة، والمقاولة، والجمعيّات الخيريّة

وكشف الاستفتاء أنّ (٤٢%) اعترفن بالزنا وأعمارهنّ بين (٥١ و ٦٤ سنة) و (٣٩% مطلّقات) و (٦٠%) لديهنّ أولاد، الثلثان منهنّ اعترفْنَ بأنّهنّ لَسْنَ أمّهات جيّدات لأسباب عدّة، منها: غياب الوقت الكافي للجلوس مع العائلة والأنانيّة والتعب في العمل الذي ينعكس سلباً على البيت وفقدان الوقت لبحث قضايا مهمّة مع الأزواج.

ويذكر (كريس دي ستووب) في كتابه (تجارة النساء في أوروبّا):

في الوقت الحالي تُعدّ إيطاليا إحدى أكثر الدول المتأثّرة بالدعارة، حيث تزرع العاهرات الأفريقيّات والمخنّثون البرازيليّون الشوارع المحيطة بـ (روما و تيران و بولون و فلورانس و بادم..).

وهناك أكثر من (تسعة آلاف) عاهرة سوداء قَدِمْنَ على الأخص من نيجيريا، لقد أتوا دون توقّف منذ منتصف الثمانينات حينما انهار الاقتصاد النيجري، إنّ (تسعين بالمئة) من (الفِيَز) الممنوحة من السفارة الايطاليّة بنيجيريا هي لفتيات تتراوح أعمارهنّ بين (١٨ و٣٠ عاماً) ، كما تملك إيطاليا شبكة كبيرة من نوادي الجنس وراقصات التعرّي، ولكنّ العاهرات النيجيريّات يمثّلن الشكل الأسوأ: فقد كنّ يُقْتَلْنَ ويُعَذَّبْنَ ويُغْتَصَبْنَ =

١٠

____________________

= كلّ أُسبوع، كما اكتشفتْ جثّة مومس مقتولة بطعنة سكّين تحت جسر في (لنزا) ، واكتشف قبر فيه جثث خمس نيجيريّات في (نابولي) ، كما اكتشف في (تورين) جثث أربع فتيات مخنوقات ومرميّات في بئر..

وقامت المومسات البيض في ربيع (١٩٩٢م) في (بيللا شمال تورين) باحتجاج ضدّ أسعار السوداوات المنخفضة، إنّ بعض العاهرات واقعات تحت نير الديون، وإذا قُمْنَ بخرق الاتّفاق فإنّهن يتعرّضْنَ للضرب الوحشي أو الإهانات الشديدة بحسب الطريقة المتّبعة، ولكنّ المافيا الإيطاليّة تدخل أيضاً في هذه التجارة التي تُقَدَّر عائداتها بالمليارات، وحسب بعض التقديرات فإنّ هذه التجارة تجلب ما يقارب (مليار فرنك فرنسي) سنويّاً، إنّ ممارسة الدعارة في إيطاليا لا تُعَدّ جريمة ولكنّها بالطبع ممنوعة على المهاجرات غير النظاميّات.

وفي إسبانيا كما في إيطاليا، ثمة عشرات الآلاف من الفيليبّينيّات اللواتي قَدِمْنَ إلى البلاد كخادمات أو للعمل مقابل إقامتهنّ وطعامهنّ فقط، واللواتي يعشنَ بشكل مُزْرٍ وبرواتب زهيدة، وقد تّمّ مؤخّراً استبدالهنّ بالدومينيكانيّات اللواتي يُتْقِنَّ اللّغة الإسبانيّة، ويمكن اليوم رؤية المئات منهنّ

في منطقة (مونكلو) وغيرها، وقد تمّ تدمير منزل تعيش فيه (ثمانون امرأة) منهنّ بسبب شكاوي الجيران. والتوافد الحالي والمتزايد للدومينيكانيات الى البلاد يعود إلى وجود نوادٍ للجنس حتّى في أصغر القرى الإسبانيّة، ويُقدّر عدد العاهرات في هذا البلد بحوالي (خمسمئة ألف امرأة!!) وفي عام (١٩٩٢م) تمّ الكشف عن عصابة ترغم الغواتيماليّات على الدعارة في ملاهي برشلونة.

وفي باريس يمكن مشاهدة العاهرات يذرعنَ شارع (سان دنيس) والمخنّثين القادمين من (جنوب أمريكا) ، وهم متوزّعون في غابة (بولونيا) ، بينما أصبحت منطقة (البيجال) مملوءة بالسوداوات أكثر فأكثر.

كما يقبض (مركز مكافحة الاتّجار بالجنس البشري) في فرنسا كلّ عام على (١٥٠٠ شخص) من المتورّطين في هذه التجارة، و (٢٥%) منهم من النساء، فإنّ الدعارة - بحدّ ذاتها في فرنسا - غير ممنوعة، ولكن كلّ مَن يستغل أو يشغل امرأة لحسابه يلاحقه القانون ويتعرّض للعقوبة. كما تشكّل فرنسا - أحياناً - محطّة (ترانزيت) لفتيات (جنوب أمريكا، وإسبانيا، والبرتغال) ، حيث يُدَرَّبْنَ

١١

أمثلة من الواقع

وهنا لا بدّ أنْ نذكر بعض الأمثلة من الواقع عن الحجاب والتبرّج، إكمالاً للفائدة وإتماماً للغرض:

____________________

= ويُرْسَلْنَ لاحقاً إلى (بلجيكا واللوكسمبورغ وهولندا) ، فغالباً ما يستعمل تجّار النساء في (غانا) ، فرنسا مركزاً أوّليّاً لنقل نسائهم إلى أُوروبّا.

إمّا (سويسرا) فتُدْعَى (جنّة فتيات الملاهي) التي تقدّم رقص التعرّي … وهنّ - غالبا آتيات - من (جمهورية الدومينيكان والبرازيل وتايلاند) ، مع أنّ الأيدي العاملة الأجنبيّة غير مسموح لها بالدخول للبلاد، إلاّ إذا كانت من (أمريكا الشماليّة أو كندا أو أوروبّا) ، ولكنّ هنالك استثناء للعاملات في الكاباريهات وتعطيهنّ الدولة إذنَ العمل الصالح لمدّة (ثمانية أشهر) في السنة، وإذا استمرّت الواحدة منهنّ بالعمل مدّة (سنتين متواصلتَين) فإنّها تحصل على إذن جديد لـ (ثمانية عشر شهراً) .. وهنالك حوالي (٨٠٠ فتاة ملهى ) بشكل دائم في سويسرا، وبالإضافة إلى هؤلاء النسوة هناك الكثير من المقيمات بشكلٍ غير شرعي ممّن يعملْنَ في تجارة الجنس المنظّمة، والتي تَدُرّ للدولة سنويّاً ما يقارب (٢ - ٣) مليون فرنك سويسري...

إنّ قمّة الدعارة في أوروبّا هي في ريبرباهن في هامبورغ، حيث يبلغ عدد التايلانديّات العاملات في الكاباريهات وبيوت الهوى المئات.

وفي (فرانكفورت) تصارع منظمة آجسترا منذ عام (١٩٨٣) تجارة النساء، ويقع مكتبها في المنطقة التي تُعدّ مملكة العاهرات، حيث تقف التايلانديات والكولومبيّات على باب عمارة فيها مئات الشقق المخصّصة (كبيوت هوى) لجلب (الزبُن) وهنّ يصفرْنَ ويصطدْنَ الرجال الذين يأتون ليختاروا إحداهنّ، ويراوحون بين الشباب الصغار إلى رجال الأعمال، فإنّ هناك في ألمانيا بحدود (٢٠٠ - ٤٠٠) ألف مومس.

كما قدّرت الشرطة عدد بنات الليل في (بلجيكا) لعام (١٩٨٠م) بـ (أربعة عشر) ألف امرأة!! ويقدّر عدد البغايا في هولندا بـ (عشرين ألف امرأة) .

وفي خلال الثمانينات عرفت تجارة الجنس في أوروبّا تطوّراً وانتشاراً واسعاً، حيث أصبحت النساء مواداً للتفاوض والاستثمار في صناعة بلا حدود، وهذا الأمر يسير بشكل دائري، فالفتيات يذهبْنَ من نادٍ ليلي إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى، ومن بلد لآخر. للتفصيل الأكثر راجع

كتاب: (تجارة النساء في أوروبّا) لمؤلّفه: (كريس دي ستووب) .

١٢

* نظرة السوء:

١ - جاء في التفاسير:

إنّ شابّاً من الأنصار استقبل في طريقه امرأة حسناء متسامِحة في حجابها، مظهِرة محاسنها، فاستهوتْ فؤادَه.. فأتبعها النظر ومشى خلفها بصورة لاشعوريّة..

فكلّما سلكتْ طريقاً سلكه، حتّى دخلتْ في زقاق وهو خلفها، فاعترضتْ وجهه زجاجة أو ما شابه، مثبَّتة في الحائط، فشقّتْ وجهه وهو لا يشعر، فسالتْ الدماء على صدره، ولم يشعر بما أصابه إلاّ بعد أنْ توارت المرأة في بيتها.

فجاء إلى النبي صلّى الله عليه وآله وشكا له أمر الفتاة، وحكى القصّة، فنزلتْ قوله تعالى:

( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) (١) .

____________________

١ - سورة النور: آية: ٣٠.

١٣

* أحبلني ميكائيل!!

٢ - حدث مَرّة:

أنّ فتاة حملت، فظنّ أهلها أنّ سبب ذلك هو تكوّن غازات أو ما أشبه في بطنها.. فذهبوا بها إلى الطبيب ليكشف عليها.. وبعد الفحص قال الطبيب: إنّ الفتاة حامل!!

ففوجئ الأهل بذلك.. كيف حملت وهي لم تتزوّج بعد؟!!

وعندما طرحوا عليها هذا السؤال.. أجابت الفتاة: أحبلني ملك الله ميكائيل!!

وعندما واجهتْ استنكار العائلة، قالت في إصرار: هل ذلك أمر عجيب، أَلَمْ يحبل جبرائيل مريم ابنة عمران؟؟

وبعد الفحص والبحث تبيّن أنّ صاحب دكّان في الحيّ نفسه هو الذي مارس معها الجنس.. بعد أنْ أُعجب بجمالها السافر، وبعد أنْ أغراها؛ وذلك لعدم حجابها بشكل جيّد.

قال الشاعر:

نَظْرَةٌ فَابْتِسَامَةٌ فَسَلامُ

فَكَلامٌ فَمَوْعِدٌ فَلِقَاءُ

١٤

* من آثار عدم الحجاب:

٣ - في إحدى البلاد:

كانت تعيش امرأة، وكان لها زوج، ولها منه أربعة أولاد، وكانا يعيشان بانسجام كامل، رغم أنّ الزوج كان يكبر زوجته بسنوات عديدة.

وكان على قرب بيتهما كاسب خبيث.. وكان يرى جمال هذه المرأة التي كانت شبه سافرة ولم تحفظ حجابها بشكل جيّد، فطمع فيها.. فأخذ يغريها ويقول لها: أنت فتاة جميلة وصغيرة فكيف ترضين بالعيش مع هذا الرجل الكبير السن؟

وما زال بها كذلك.. حتّى غّيرت الزوجة سلوكها مع زوجها واضطرّ الزوج تحت ضغط زوجته المخدوعة أنْ يطلّقها حتّى تتزوّج من ذلك الشاب الخبيث!.. وهكذا هدم السفورُ بيتَ الزوجيّة وفرّق بين الزوجين وضيّع الأطفال.

١٥

* برصيصا العابد:

٤ - كان عابد في بني إسرائيل (١) :

ومِن شِدّة عبادته لله أصبح مستجاب الدعوة، وذات يوم جاءه إخوان أربعة كانت لديهم أُخت خرساء جميلة حتّى يدعو الله لكي يحلّ عقدة لسانها.

بيد أنّ العابد كان مشغولاً بالتعبّد داخل الصومعة، فقد ترك الإخوان الأربعة أُختَهم الخرساء عند الباب لكي يدعو لها العابد، وفي الصباح فتح العابد الباب لِيُفَاجَأ بهذه الفتاة الجميلة الرائعة غير المحجّبة، فسحره جمالها.. وبَيَّتَ في نفسه أمراً، بعد طرح عنيف بين شهواته وعقله، فأخذ الفتاة إلى الداخل.. وزنى بها.. إلاّ أنّه خاف من الفضيحة.. فوسوتْ له نفسه لكي يقتلها.. وفعلاً قتلها ودفنها!!

وعندما جاء الإخوان الأربعة لأَخْذ أُخْتِهم لم يجدوها.. فسألوا عنها.. فأنكر العابد علمه بها.. فأخذ الإخوان الأربعة بالبحث عن أُختهم حتّى عثروا في نهاية المطاف على بقعة من الأرض مبعثرة.. فحفروها.. وإذا بهم يجدون في داخلها جثّة أُختهم.. وأخذوا العابد إلى البلد..

____________________

١ - اسمه: (برصيصا) .

١٦

فاعترف بجريمته البشعة.. وعندما التفّ حبل المشنقة حول عنقه، تمثّل له الشيطان قائلا: إنّني أنا الذي أوصلتُك إلى هذه الحالة، وإنني أستطيع أنْ أُنجيك.. ولكن بشرط!

فقال العابد في لهفة: ما هو الشرط؟

أجاب الشيطان: أنْ تسجد لي.

فقال العابد: لا أستطيع السجود وأنا بهذه الحالة.

فقال الشيطان: اسجد لي بعينك.

وفعلاً: أومأ العابد بعينيه كرمز للسجود للشيطان. وإذا بالحبل يلتف حول عنقه وينتقل إلى نار جهنّم: زانياً، قاتلاً، كافراً (١) !!

إنّ في هذه القصص التي ذكرناها - وهي قليل من كثير - دلائل واضحة على العواقب الوخيمة التي يؤدّي إليها السفور والتبرّج، فهل هناك مَن يعتبر؟!!

____________________

١ - راجع: بحار الأنوار: ج١٤، ص٤٨٦، ب٣٢ (بيان العلاّمة المجلسي) عن تفسير الطبرسي عن ابن عبّاس...

١٧

خاتمة

ثمّ إنّ ممّا يجب أنْ يُذَكَّر به هو:

* المرأة وطلب العلم:

١ - إنّ الإسلام لا يمنع من العلم ولا من تعلّم المرأة (١) ولا يمنع من عمل المرأة أعمالاً تناسب شرفها وعفافها، وإنّما الذي يمنع عنه الإسلام هو الاختلاط و السفور وحضور الفتيان والفتيات المحلاّت المريبة.

____________________

١ - بل يؤكّد على ذلك ويعتبره فريضة، كما قال (صلّى الله عليه وآله): (طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة)، راجع: بحار الأنوار: ج١، ص١٧٧، ب١، ح٥٤. وفي البحار: ج٢، ص٣١، ب٩، ح٢٠، عن الصادق (عليه السلام). وعنه (عليه السلام) في البحار: ج٦٧، ص٦٨، ب٤٥، ح١٤. والبحار: ج٦٧، ص١٤٠، ب٥٢، ح٥، (ضمن بيان العلاّمة المجلسي). والبحار: ج١٠٥، ص١٥. هذا بالإضافة إلى العمومات الدالّة على طلب العلم الشاملة للذكر والأنثى.. راجع كتاب: (منية المريد) للشهيد الثاني (قده).

١٨

* الزواج المبكر:

٢ - إنّ الإسلام يحرّض على الزواج المبكّر، فالفتاة ذات العَشْر سنوات الرشيدة يستحبّ زواجها، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مِن سعادة الرجل أنْ لا تحيض ابنته في بيته) (١) .

كما أنّ الولد إذا بلغ - وبلوغه غالباً بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة - يستحب زواجه.

ومن المستحبّ الأكيد: تقليل المهر، وتسهيل رسوم الزواج، فقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أفضل نساء أمتي. .. أقلهنّ مَهْراً) (٢) .

وفي الحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (نزل جبرئيل على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول: إنّ الأبكار من النساء بمنزلة الثمر على الشجر، فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلاّ اجتناؤه، وإلاّ أفسدتْه الشمس وغيّرتْه الريح،

____________________

١ - مكارم الأخلاق: ص٢١٩. وفقه القرآن: ج٢، ص١٤٥. وبحار الأنوار: ج١٠١، ص٩٢، ب٢، ح١٣.

٢ - دعائم الإسلام: ج٢، ص١٩٧. ونوادر الراوندي: ص ٣٦. وروضة الواعظين: ص٣٧٥.

١٩

وإنّ الأبكار إذا أدركنَ ما تُدْرِك النساء فلا دواء لهنّ إلاّ البعول، وإلاّ لم يؤمَنْ عليهنّ الفتنة.

فصعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنبر فخطب الناس ثمّ أعلمهم ما أمرهم الله به.

فقالوا ممّن يا رسول الله؟

فقال: الأكفّاء.

فقالوا: ومَن الأكفّاء؟

فقال: المؤمنون بعضهم أكفّاء بعض، ثمّ لم ينزل حتّى زوّج ضِبَاعةَ المقدادَ بن الأسود، ثمّ قال: أيّها الناس إنّما زوّجتُ ابنة عمّي المقداد ليتّضع النكاح) (١) .

____________________

١ - علل الشرائع: ص٥٧٨. وبحار الأنوار: ج٢٢، ص٤٣٧، ب١٣، ح١.

٢٠

* المرأة كاملة لا نقص فيها:

3 - ما يَظهر من بعض الفوارق الجزئيّة بين الرجل والمرأة في الخِلْقَة والإحساسات لا يكون نقصاً في أحدهما، بل إنّ مَثَل المرأة والرجل مثل السيّارة الصغيرة المُعَدَّة لحمل المسافرين، والسيّارة الكبيرة المُعَدّة لحمل الحديد والأحجار - إنْ صحّ التعبير - فقد جُعِلَتْ كلّ واحدة منهما لشأن، فلا نقص في أحدهما، وإنّما اختلافهما هو لمصلحة.

فإنّ المرأة خُلِقَتْ عاطفيّة أكثر من الرجل؛ لدورها في تربية الأطفال، والرجل خُلق عقلانيّاً أكثر؛ وذلك لاحتياج المجتمع إلى كلا الأمرين، فَجَعْل التساوي المطلق بينهما خلاف تركيب خلقهما.

فلو أُلقي عمل الرجل على المرأة أو عمل المرأة على الرجل كان ذلك كما إذا حملتْ السيّارةُ الصغيرة الحديدَ والحجارة، أو حملتْ السيارةُ الكبيرة الركابَ، ففي الأوّل عطب السيّارة، وفي الثاني عطب المسافرين.

٢١

* مشروع الزواج:

4 - ينبغي أنْ يكون في كلّ بلد (صندوق الزواج) ليُعين على تزويج العزّاب والعازبات، ومساعدتهم في تكوين عشّ الزوجيّة، قال تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) (1) .

ونرى أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يهتمّ لتزويج مَن لم يكن متزوّجاً.. وكذلك الإمام أمير المؤمنين، وسائر الأئمّة الطاهرين (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

فقد روي عن الصادق (عليه السلام): (أنّ رسول الله زوّج المقداد بن الأسود ضِبَاعة ابنة الزبير بن عبد المطّلب، وإنّما زوّجه لتتّضع المناكح، وليتأسّوا برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وليعلموا أنّ أكرمهم عند الله أتقاهم) (2) .

كما أمر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتزويج جويبر في قصّة مفصّلة (3) .

____________________

1 - سورة المائدة: آية: 2.

2 - بحار الأنوار: ج22، ص437، ب13، ح2.

3 - راجع بحار الأنوار: ج22، ص117، ب37، ح89، وفيه: عن محمّد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة الثمالي قال:

كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) إذ استأذن عليه رجل فأَذِنَ له، فدخل عليه فسلّم، فرحّب به أبو جعفر (ع) وأدناه وساءله، فقال الرجل:

جُعِلتُ فداك إنّي خطبتُ إلى مولاك فلان بن أبي رافع ابنته فلانة فردني ورغب عنّي وازدرأني لدمامتي وحاجتي وغربتي، وقد دخلني من ذلك غضاضة، هجمة عض لها قلبي تمنّيت عندها الموت.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): (اذهب فأنت رسولي إليه، وقل له: يقول لك محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): زوّج منحج ابن رياح مولاي ابنتك فلانة ولا تردّه).

قال أبو حمزة: فوثب الرجل فرحاً مسرعاً برسالة أبي جعفر (عليه السلام)، فلمّا أنْ توارى الرجل قال أبو جعفر: ( ‎ إنّ رجلاً كان من أهل اليمامة يُقال له: جويبر أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منتجعاً للإسلام فأسلم وحسن إسلامه، وكان رجلاً قصيراً دميماً محتاجاً عارياً، وكان من قِبَاح السودان، فضمّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لحال غربته وعراه، وكان يجري عليه طعامه صاعاً من تمر بالصاع الأوّل، وكساه شملتين، وأمره أنْ يلزم المسجد ويرقد فيه بالليل، فمكث بذلك ما شاء الله حتّى كثر الغرباء ممّن يدخل في الإسلام من أهل =

٢٢

____________________

= الحاجة بالمدينة وضاق بهم المسجد، فأوحى الله عزّ وجل إلى نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنْ طهّر مسجدك، وأخرج من المسجد مَن يرقد فيه بالليل، ومُرْ بسدّ أبواب كلّ مَن كان له في مسجدك باب إلاّ باب علي ومسكن فاطمة (عليها السلام)، ولا يمرّنَّ فيه جُنُب، ولا يرقد فيه غريب).

قال: فأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بسدّ أبوابهم إلاّ باب علي (عليه السلام)، وأقرّ مسكن فاطمة (صلّى الله عليها) على حاله.

قال: ثمّ إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمر أنْ يتّخذ للمسلمين سقيفة، فعُمِلَتْ لهم وهي الصفة، ثمّ أمر الغرباء والمساكين أنْ يظلّوا فيها نهارهم وليلهم، فنزلوها واجتمعوا فيها، فكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتعاهدهم بالبُرّ والتمر والشعير والزبيب، إذا كان عنده، وكان المسلمون يتعاهدونهم ويرقونهم لرقّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويصرفون صدقاتهم إليهم.

فإنّ رسول الله نظر إلى جويبر ذات يوم برحمةٍ منه له ورقّة عليه، فقال: (يا جويبر، لو تزوّجتَ امرأة فعفّفتَ بها فرجَك وأعانتك على دنياك وآخرتك.

فقال له جويبر: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي، مَن يرغب فيّ؟ فو الله ما مِن حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال، فأيّة امرأة ترغب فيّ؟

فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا جويبر، إنّ الله قد وضع بالإسلام مَن كان في الجاهليّة شريفاً، وشرف بالإسلام مَن كان في الجاهليّة وضيعاً، وأعزّ بالإسلام مَن كان في الجاهليّة ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان مِن نخوة الجاهليّة وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلّهم: أبيضهم وأسودهم، وقُرَشِيِّهم وعربيّهم وعجميّهم من آدم، وإنّ آدم خلقه الله من طين، وإنّ أحبّ الناس إلى الله عزّ وجل يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلاً إلاّ لِمَنْ كان أتقى لله منك وأطوع.

ثمّ قال له: انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد، فإنّه مِن أشرف بني بياضة حَسَبَاً فيهم، فقل له: إنّي رسول رسول الله إليك وهو يقول لك: زوّج جويبر ابنتك الدلفاء.

قال: فانطلق جويبر برسالة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى زياد بن لبيد وهو في منزله وجماعة من قومه عنده، فاستأذن، فأُعلم، فأُذن له وسلّم عليه، ثمّ قال: يا زياد بن لبيد: إنّي رسول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إليك، في حاجة فأبوح بها، أمْ أسرّها إليك؟ =

٢٣

____________________

=

فقال له زياد: بل بح بها فإنّ ذلك شرف لي وفخر.

فقال له جويبر: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول لك: زوّج جويبر ابنتك الدلفاء.

فقال له زياد: أَ رسول الله أرسلك إليّ بهذا يا جويبر؟

فقال له: نعم، ما كنتُ لأكذب على رسول الله (ص)؟

فقال له زياد: إنا لا نزوّج فَتَيَاتِنَا إلاّ أكفّاءنا مِن الأنصار، فانصرف يا جويبر حتّى ألقى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأُخبره بعذري.

فانصرف جويبر وهو يقول: والله ما بهذا أُنزل القرآن، ولا بهذا ظهرتْ نبوّة محمّد ‎ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

فسمعت مقالته الدلفاء بنت زياد وهي في خدرها، فأرسلتْ إلى أبيها: ادخل إليّ، فدخل إليها، فقالت له: ما هذا الكلام الذي سمعتُه منك تحاور به جويبراً؟

فقال لها: ذكر لي أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أرسله، وقال: يقول لك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): زوّج جويبراً ابنتك الدلفاء.

فقالت له: والله ما كان جويبر ليكذب على رسول الله (ص) بحضرته، فابعث الآن رسولاً يردّ عليك جويبراً.

فبعث زياد رسولاً فلحق جويبراً، فقال له زياد: يا جويبر، مرحباً بك، اطمئن حتّى أعود إليك، ثمّ انطلق زياد إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال له بأبي أنت وأمّي إنّ جويبراً أتاني برسالتك، وقال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: زوّج جويبراً ابنتك

الدلفاء، فلم أَلِنْ له في القول، ورأيتُ لقاءك، ونحن لا نزوّج إلاّ أكفّاءنا من الأنصار.

فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا زياد، جويبر مؤمن، والمؤمن كفؤ للمؤمنة، والمسلم كفؤ للمسلمة، فزوّجه يا زياد ولا ترغب عنه.

قال: فرجع زياد إلى منزله ودخل على ابنته، فقال لها ما سمعه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

فقالتْ له: إنّك إنْ عصيتَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كفرتَ، فزوّج جويبراً.

فخرج زياد فأخذ بيد جويبر، ثمّ أخرجه إلى قومه، فزوّجه على سُنّة الله وسُنَّة رسوله، وضمن صداقها.

قال: فجهَّزها زياد وهيّأها ثمّ أرسلوا إلى جويبر فقالوا له: ألك منزل فنسوقها إليك؟

فقال: والله مالي من منزل.

قال: فهيَّئوها وهيّئوا لها منزلاً وهيّئوا فيه فراشاً ومتاعاً وكسوا جويبراً ثوبّين، وأُدْخِلَتْ الدلفاء في بيتها وأُدخل جويبر عليها معتماً، فلمّا رآها نظر إلى بيت ومتاع وريح طيّبة، قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتّى طلع الفجر، فلمّا سمع النداء خرج وخرجتْ زوجته إلى الصلاة فتوضّأت وصلّتْ الصبح، فسُئلت: هل مَسَّكِ؟ =

٢٤

____________________

=

فقالت: مازال تالياً للقرآن وراكعاً وساجداً حتّى سمع النداء فخرج.

فلمّا كانت الليلة الثانية فعل مثل ذلك، وأَخْفَوا ذلك من زياد، فلمّا كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك، فأُخْبِرَ بذلك أبوها، فانطلق إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال له: بابي أنت وأمّي يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَمَرْتَنِي بتزويج جويبر، ولا والله ما كان من مناكحنا، ولكن طاعتك أوجبتْ عليّ تزويجه.

فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): فما الذي أنكرتم منه؟

قال: إنّا هيّأنا له بيتاً ومتاعاً، وأُدْخِلَتْ ابنتي البيت وأُدخل معها معتماً، فما كلّمها ولا نظر إليها ولا دنا منها، بل قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتّى سمع النداء فخرج، ثمّ فعل مثل ذلك في الليلة الثانية، ومثل ذلك في الليلة الثالثة، ولم يَدْنُ منها ولم يكلّمها إلى أنْ جِئْتُكَ، وما نراه يريد النساء، فانْظُر في أمرنا؟

فانصرف زياد، وبعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى جويبر، فقال له: أَمَا تقرب النساء؟

فقال له جويبر: أو ما أنا بفحل؟! بلى يا رسول الله إنّي لَشَبِق نَهِم إلى النساء.

فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

قد خبّرت بخلاف ما وصفتَ به نفسك، قد ذكروا لي أنّهم هيّؤوا لك بيتاً وفراشاً ومتاعاً وأُدخلتْ عليك فتاة حسناء عطرة، وأتيت معتماً فلم تنظر إليها ولم تكلّمها ولم تَدْنُ منها، فما دهاك إذن؟

فقال له جويبر: يا رسول الله دخلتُ بيتاً واسعاً، ورأيتُ فراشاً ومتاعاً وفتاةً حسناء عطرة، وذكرتُ حالي التي كنتُ عليها، وغربتي وحاجتي وضيعتي وكينونتي مع الغرباء والمساكين، فأحببتُ إذْ أَوْلاَنِي الله ذلك أنْ أشكره على ما أعطاني، وأتقرّب إليه بحقيقة الشكر، فنهضتُ إلى جانب البيت، فلم أزل في صلاتي تالياً للقرآن راكعاً وساجداً أشكر الله حتّى سمعتُ النداء فخرجتُ، فلمّا أصبحتُ رأيتُ أنْ أصوم ذلك اليوم ففعلتُ ذلك ثلاثة أيّام وليالها، ورأيتُ ذلك في جنب ما أعطاني الله يسيراً ولكنّي سأرضيها وأرضيهم الليلة إنْ شاء الله.

فأرسل رسول الله (ص) إلى زياد، فأتاه وأعلمه ما قال جويبر، فطابتْ أنفسهم.

قال: وَفَى لهم جويبر بما قال، ثمّ إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خرج في غزوة له ومعه جويبر فاستشهد رحمه الله، فما كان في الأنصار أَيِّم أنفق منها بعد جويبر.

٢٥

وقد زوّج أمير المؤمنين (عليه السلام) من بيت المال الشابّ الأعزب الذي استمنى (1) .

و في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (جاء رجل إلى أبي، فقال له: هل لك من زوجة؟

قال: لا.

فقال أبي: ما أُحب أنّ لي الدنيا وما فيها، وإنِّي بتّ ليلة وليستْ لي زوجة.

ثمّ قال: الركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره، ثمّ أعطاه أبي سبعة دنانير، ثمّ قال: تزوّج بهذه.

ثمّ قال أبي: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): اتّخذوا الأهل فإنّه أَرْزَقُ لكم) (2) .

____________________

1 - فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

(إنّ أمير المؤمنين أُتي برجل عبث بذكره حتّى أنزل، فضرب يدَه حتّى احمرّتْ، ثمّ زوّجه من بيت المال)، راجع: غوالي اللئالي: ج2، ص356 و 357، ح35 و 36، باب الحدود.

2 - وسائل الشيعة: ج14، ص7، ب2 من أبواب مقدّمات النكاح، ح5.

٢٦

* الزواج ومواصلة الدراسة:

5 - يلزم إلغاء العادة الغربيّة القاضية بعدم زواج الطلاّب والطالبات إلى حين التخرّج، وكذلك القاضية بعدم زواج الجندي إلى حين إتمامه دورة التدرب.. فإنّ معنى ذلك فتح دور الدعارة وفساد الشباب والفتيات، وتعميم العادة السرِّيَّة الضارّة بالصحّة، وإعطاء الفرصة للبغاء والانحراف الجنسي..

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إذا جاءكم مَن ترضون خُلُقَه ودِيْنَه فزوِّجوه، وأنْ لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) (1) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إذا أتاكم مَن ترضَون دينه وأمانته فزوّجوه، فإنْ لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) (2) .

ثمّ إنّ المتزوّج أقدر على الدراسة والخدمة من الأعزب، إذ اشتغال الفكر بقضايا الجنس يمنع الإنسان عن التركيز في الدراسة أو الخدمة..

____________________

1 - غوالي اللئالي: ج3، ص340، باب النكاح، ح252. بحار الأنوار: ج100، ص373، ب21، ح9.

2 - نوادر الراوندي: ص12. وبحار الأنوار: ج100، ص374، ب21، ح15.

٢٧

قال تعالى: ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (1) .

وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (النكاح سنّتي، فَمَنْ رَغِبَ عن سُنَّتي فليس منِّي) (2) .

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : (ركعتان يُصلّيهما متزوّج أفضل من سبعين ركعة يُصلّيهما غير متزوّج) (3) .

وعن الصادق (عليه السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (تزوّجوا، فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: مَن أحبّ أنْ يتّبع سُنَّتي فإنّ سُنَّتي التزويج) (4) .

وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ما بُنِيَ بناء أحبّ إلى الله عزّ وجل من التزويج) (5) .

وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن تزوّج أحرز نصف دينه، فليتَّق الله في النصف الآخر) (6) .

____________________

1 - سورة النور: آية: 32.

2 - جامع الأخبار: ص101، الفصل52. وبحار الأنوار: ج100، ص220، ب1، ح23.

3 - ثواب الأعمال: ص40، ثواب صلاة المتزوّج. و بحار الأنوار: ج100، ص219، ب1، ح15.

4 - وسائل الشيعة: ج14، ص6، ب1 من أبواب مقدّمات النكاح، ح14.

5 - وسائل الشيعة: ج14، ص3، ب1 من أبواب مقدّمات النكاح، ح4.

6 - وسائل الشيعة: ج14، ص5، ب1 من أبواب مقدّمات النكاح، ح11.

٢٨

وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (المتزوّج النائم أفضل عند الله من الصائم القائم العزب) (1) .

وفي قبال ذلك قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ‎ (رُذَّال موتاكم العزّاب) (2) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أكثر أهل النار العزّاب) (3) .

____________________

1 - مستدرك الوسائل: ج4، ص155، ب2 من أبواب مقدّمات النكاح، ح3.

2 - وسائل الشيعة: ج14، ص7، ب2 من أبواب مقدّمات النكاح، ح3.

3 - وسائل الشيعة: ج14، ص8، ب2 من أبواب مقدّمات النكاح، ح7.

٢٩

* المرأة في المجتمع الغربي (1) :

المرأة موضوع كَثُر الكلام حوله، وغالب الكتّاب الإسلاميِّين - الداعين إلى الفضيلة والعفاف - يقارنون بين حال المرأة قبل الإسلام وحال المرأة في ظلّ الإسلام، وهي مقارنة صحيحة.. لكنّ الكلام لا ينتهي عند هذا الحدّ، وإنّنا بحاجة إلى الفرق بين المرأة في المجتمع الإسلامي وبين المرأة في المجتمع الغربي.

ولا نريد الإسهاب في هذا الموضوع، وإنّما نريد عَرْض طرف من أحوال المرأة في المجتمَعَين، لنرى هل تتوفّر راحة المرأة جسديّاً وفكريّاً، وصحّتها وثقافتها، ونظافة سمعتها، وإشباع غرائزها، وطهارة المجتمع الذي تعيش فيه.. في ظلّ الإسلام أمْ في ظلّ الكفر؟

تعيش المرأة في ظلّ الإسلام ولها من الحقوق والواجبات مثل ما للرجل من الحقوق والواجبات.. فهي شق له في كلّ شيء.. إلاّ بعض الأمور التي استُثنيتْ من جهة عدم المقتضي أو وجود المانع.

____________________

1 - نقلنا هذا المبحث عن كتاب (في ظلّ الإسلام) للإمام الشيرازي.

٣٠

* فهي تشارك الرجل في:

الصلاة، والصيام، والخُمس، والزكاة، والحج..

ولكن، حيث إنّ لها وظائف بيتيّة، بالإضافة إلى خشونة الجهاد التي لا يناسب ضعفها ودقّة جهازها ووفرة مشاعرها الرقيقة، لا يحمّلها الإسلام الجهاد على الإطلاق، بل في ضرورة الضرورة فقط، كما هو مشروح في كتب الفقه (1) . كما تشاركه في:

الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وولاية الصالحين، والبراءة من المجرمين..

هذا بالنسبة إلى العبادة..

____________________

1 - راجع: موسوعة الفقه: ج47 - ج48 كتاب الجهاد للإمام المؤلّف.

٣١

* أمّا المعاملة بمعناها الوسيع، فلها:

التجارة، والرهن، والضمان، والوديعة، والمزارعة

والمساقاة، والمضاربة، والشركة، والصلح، والعارية، والإجارة

والوكالة، والوقف، والهِبَة، والوصيّة، كما يجري عليها الحَجْر والفلس

* ولها:

النكاح والطلاق - إذا اشترطت - والنذر، والحلف، والعهد

والعتق، والتدبير، والمكاتبة، والإقرار، والجُعَالة، والصيد، والذباحة

والشُفْعَة، وإحياء الموات، واللقطة، والشهادة، والديات، والقصاص، والإرث..

٣٢

كما أنّ الطعام والشراب بالنسبة إليها، كسائر الرجال، وغير ذلك.

نعم لها بعض الأحكام الخاصّة في بعض هذه الأبواب لأمور خارجة، مثلاً:

في الإرث لها أقل من حقّ الرجل؛ لأنّ الرجل هو القائم بالنفقة، وعليه تَبِعَة المسكن والمَلْبَس، وليس الطلاق بيدها، لأنّ حقّ القيّمومة للرجل، وذلك لأنّ إدارة البيت لا بدّ وأنْ توكل إلى واحد، وحَزْم الرجل أكثر من المرأة؛ ولذا جُعِلَتْ إليه، وفي قبال هذا الواجب جُعِلَ حقّ الطلاق؛ لتكافئ الحقوق والواجبات. وهكذا.. وهكذا..

قد كانت المرأة في ظلّ الإسلام تعيش آمنة سعيدة مرفّهة، لها حقوقها، وعليها واجباتها.. حتّى جاء الغرب فرآها محرومة من حقوقها!! فدافع بكلّ ما أوتي من حول وطول لإرجاع الحقوق إليها!! وجنّد لذلك كلّ عميل وذَنَب بإمكانيّاته المنتفخة.. فشوّقها للذهاب والإيّاب إلى المراقص والملاهي ودور السينما والمسابح والمدارس المختلطة، كما جعل من حقّها التبرّج والسفور واتّخاذ الأخدان والحضور في الحفلات الساهرة

٣٣

وتعاطي اللذّة البريئة: النظر، والكلام المتكسّر، والملامسة، والأمر الأخير!! واعتبر كلّ دعوة إلى الحشمة والوقار، والحياء والعفاف والفضيلة والأخلاق.. دعوة رجعيّة تنافي الحرِّيَّة!

فالمرأة إلى أين وصلتْ حالتُها في ظلّ النُظُم الغربيّة، بعدما كان لها كلّ تجلّة واحترام في ظلّ النُظُم الإسلاميّة، لنرى كيف انهارت المرأة وانهارت معها الحياة العائليّة، مِن جرّاء الدساتير الكافرة التي لا تدين بالله واليوم الآخر.

وبعد هذا نسأل حماة الغرب: هل المرأة في ظلّ أنظمتكم أرفه حالاً و أهنأ عيشاً وأكثر سعادة، أمْ في ظلّ الإسلام؟

ولقد شهد المنصفون من الأجانب بما للإسلام من فضل على المرأة (1) :

* يقول (سيديو):

والقرآن - وهو دستور المسلمين - رفع شأن المرأة بدلاً من خفضها، فقد جعل محمّد حصّة البنت في الميراث تعدل نصف حصّة أخيها،

____________________

1 - انظر: الإسلام بين الإنصاف والجحود.

٣٤

مع أنّ البنات كنّ لا يَرِثْنَ في زمن الجاهليّة، ومحمّد - وان جعل الرجال قوّامين على النساء - بيد أنّ للمرأة حقّ الرعاية والحماية على زوجها.

* ويقول (غوستاف لوبون):

والإسلام قد رفع حال المرأة الاجتماعي وشأنها رفعاً عظيماً، بدلاً من خفضها، خلافاً للمزاعم المُكَرَّرة على غير هدى، والقرآن قد منح المرأة حقوقاً إرثيّة أحسن ممّا في أكثر قوانيننا الأوروبِّيّة.

ويقول: هنا نستطيع أنْ نكرّر إذن قولنا: إنّ الإسلام الذي رفع المرأة كثيراً، بعيد من خفضها، ولم يقتصر فضل الإسلام على رفع شأن المرأة، بل نضيف إلى هذا: أنّه أوّل دين فعل مثل ذلك، ويسهل إثبات هذا ببياننا: إنّ جميع أديان الأمم التي جاءت قبل العرب أساءت إلى المرأة.

٣٥

وهنا مقتطفات من كتاب (الحجاب) للمودودي، للبرهنة على مدى انحطاط المرأة في ظلّ الكفر وما يسمّى بالديمقراطيّة، ونكتفي هنا بالنقل من دون ذكر المصادر التي نقلها الكتاب عنها.. واليك النصوص:

- (وجاء قوم، فمهّدوا الأسباب لإكراه النساء، وتقدّموا بِحِرْفَة البغاء، إلى أنْ أصبحت تجارة دوليّة منظّمة).

- (أمر الإجهاض.. ليس هناك قطر من الأقطار إلاّ وتقترف فيه هذه الشنيعة علناً وعلى نطاق واسع، فهذه إنكلترا يسقط فيها تسعون ألف حمل في كلّ سنة على أقل تقدير، وتكون في كلّ مئة من المتزوّجات فيها خمس وعشرون - على الأقل - إمّا يُبَاشرْنَ الإسقاط بأيديهنّ، أو يَسْتَعِنّ عليه بالمتخصِّصين، وترتفع هذه النسبة فوق هذا في غير المتزوّجات، فقد أُنشئتْ في بعض المدن هناك نوادٍ منظّمة للإسقاط.. ويكثر في لندن عدد دور التمريض التي تكون معظم المريضات فيها من المسقطات).

٣٦

- (وفي فرنسا: نشر قائد لبعض الفِرَق العسكريّة إعلاناً للجنود التابعة له، جاء فيه: قد بلغنا أنّ عامّة الرجّالة والخيّالة يشتكون من تزاحم رجال البنادق على دور بغاء الجنديّة.. وأنّ مكتب القيادة لا يزال يسعى لزيادة عدد النساء؛ حتّى يكفينَ لجميع الجنود، ولكن قبل أنْ يتمّ ذلك نوصي رجال البنادق أنْ لا يطيلوا مكثهم داخل تلك الدور ويتعجّلوا بقضاء شهواتهم ما استطاعوا).

- (وفي فرنسا: ليس على مَن كان يريد الاتصال بآنسة من الآنسات إلاّ أنْ يُعْلِم الوكالة - الوكالة البغائيّة - بعنوان تلك الآنسة، وعلى الوكالة بعد ذلك أنْ تراود الآنسة على الأمر، ودلّتْ سجلاّت هذه الوكالة على أنّه لم تكن طبقة من طبقات المجتمع الفرنسي إلاّ وعامل كثير من أناسها هذه الوكالة وتمتّعوا بخدماتها).

- (لم يعد الآن من الغريب الشاذ وجود العلاقات الجنسيّة بين الأقارب في النسب: كالأب والبنت، والأخ والأخت، في بعض الأقاليم الفرنسيّة).

٣٧

- (ولقد كان عدد النساء اللواتي كنّ يحترفن البغاء قبل الحرب العالميّة الأولى: نصف مليون).

* وصرّح (مسيو فردينان دريفوس) أحد أعضاء المجلس الفرنسي منذ بضع سنوات:

إنّ حرفة البغاء لم تُعَدُّ الآن عملاً شخصيّاً بل قد أصبحت تجارة رئيسيّة، وحرفة منظّمة، بفضل ما تجلب وكالاتها من الأرباح الغزيرة، فلها في هذه الأيّام وكلاء يهيّئون (المواد الخام) وآخرون يتجوّلون في البلاد، ولها الآن أسواق منظّمة تستورد فيها وتصدّر منها الفتيات والصبايا كالأموال التجاريّة، وأكثر ما يُطلب في هذه الأسواق من الأموال هو بنات دون العاشرة.

وربّما تبلغ البهيميّة في القائمين بها أقصى حدود الظلم والقساوة، فيقال: إنّ محافظ بلديّة في شرقي فرنسا اضطرّ إلى التدخّل في هذا الأمر؛ لنجدة فتاة كانت قد فرغت في يومها من سبعة وأربعين وارداً، وكان عدد منهم بَعْدُ بالباب يترقّبون!

٣٨

وجاءت الحرب العالميّة الأولى، فابتدعتْ بدعة (البغاء المتطوّع) علاوة على (البغاء التجاري) .. فجعلت هؤلاء النساء يتعاطين بصورة منظّمة، وأصبح تشجيعهنّ وإعانتهنّ فضيلة خُلُقِيَّة، عند أولي الدعارة والفجور، وعنيتْ الجرائد اليوميّة الكبرى عناية بالغة باستمالة رجال العمل إليهنّ.. وقد نشرت جريدة واحدة في عدد واحد (199 إعلاناً) عن أمرهنّ.

يقول (بول بيورو): إنّ جميع الأزواج المتزوّجون في مجتمعاتنا قوم خونة متجرّدون من الوفاء اللازم للعِشْرَة الزوجيّة.

وقد نجم عن هذه الموبقات الأمراض السرِّيَّة الفتَّاكة، فقد أعفتْ الحكومة الفرنسيّة في السنتَين الأوّلين من سِنِيّ الحرب العالميّة الأُولى خمسة وسبعين ألفاً؛ لكونهم مصابين بمرض الزهري، وابتلي بهذا المرض وحده (242 جنديّاً) في آن واحد في ثكنة متوسّطة.

* ويقول الدكتور الفرنسي (ليريد):

إنّه يموت في فرنسا (ثلاثون ألف نسمة بالزهري) وما يتبعها من الأمراض الكثيرة في كلّ سنة (1) .

____________________

1 - الإسلام بين الإنصاف والجحود.

٣٩

ولهذه الأمور رغبت الرجال عن النكاح، فبقيت النساء والرجال - على حدّ سواء - يتعاطون البغاء، وفسد النظام العائلي.

فسبعة أو ثمانية في الألف هو معدّل الرجال والنساء الذين يتزوّجون في فرنسا اليوم.

وكثر الطلاق كثرة مدهشة، حتّى إنّ محكمة الحقوق بمدينة (سين) فسختْ (294 نكاحاً) في يوم واحد.

إلى كثير.. وكثير.. من أمثال هذه المآسي التي حلّت على البشريّة من جرّاء إعطاء المرأة هذه الحرِّيَّة!!

فهل في ذلك خدمة للمرأة؟

أو للرجل؟

أو للمجتمع؟

٤٠

41

42

43