الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين19%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 254180 / تحميل: 14627
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام زين العابدين

السيد زهير الأعرجي

١

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى :( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا ) (١) .

وعن الإمام الرضاعليه‌السلام قال : (رحم الله عبداً أحيى أمرنا) قيل له : كيف يحيي أمركم ؟ قالعليه‌السلام : (يتعلم علومنا ويعلمها الناس ، فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لا تبعونا )(٢) .

ــــــــــــــــ

(١) سورة الأحزاب : الآية ٣٣ .

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ص ١٧١ .

٢

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على محمدٍ رسول الله ، وعلى آله الطيبين الطاهرين .

وبعد .

هذا الكتاب يتناول سيرة الإمام الرابع من أئمة أهل البيت علي بن الحسينعليه‌السلام ، وخصائصه الشخصية ، وآثاره في العلم والحكمة والموعظة .

وشخصية علي بن الحسينعليه‌السلام المعروف بالسجاد وزين العابدين لها أهمية تأريخية وعقائدية متميزة لسببين :

الأول : إمتلاكه اللياقة التامة الكاملة لمنصب الإمامة الكبرى وهو منصب إلهي مجعول من قبل الله تعالى ، كما أشار القرآن الكريم :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً ) (١) وتلك اللياقة تعني حيازة الفضائل الإنسانية والكمالات الروحية والعلمية والجسدية واللياقة لا تكتمل إلا بعلمٍ رباني وفيضٍ إلهي يحيط بجميع شؤون ولاية الإمامعليه‌السلام ، وبمَلَكَة روحية تصونه عن الخطأ والنسيان ، والجهل والعصيان .

ــــــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآية ١٢٤ .

٣

الثاني : طرق البيان اللفظي الرائع التي تميز بها السجادعليه‌السلام في زمن حفَلَ بالأدب والبلاغة والشعر ولكن لم يرقَ إلى نثر أهل البيتعليه‌السلام الديني الرائع غير أدبهم ، ولم تسمو إلى تلك المفاهيم المترابطة غير ألسنتهم الناطقة بالحق والصدق فقد أطنب الإمامعليه‌السلام في أدعيته ومناجاته ومواعظه وحكمه ودروسه في وصف الجنة والنار ، والنعيم والعذاب ، والآخرة والدنيا ، والخير والشر ، والإيمان والفسوق ، تشويقاً وتهويلاً ولا شك ان الإطناب في فلسفة اللغة من أرقى أساليب البلاغة ومن أروع صورها ووجوهها .

وبكلمة ، فقد مثَّلَ زين العابدينعليه‌السلام المنار الشامخ للخير والهداية في زمن عمَّ فيه الظلم والظلام وكلماته البليغة وسيرته العطرة سوف تبقى نموذجاً لشمولية الإسلام لكل جوابن الرحمة والمحبة في حياة الإنسان .

وله سبحانه وتعالى الشكر على إتمام النعمة ، وقبول العمل ، وغفران الزلل ، وحسن العاقبة في المبدأ والمآل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير .

زهير طالب الأعرجي

الأول من محرم الحرام ١٤٢٥ هـ

الحوزة العلمية

٤

محتويات الكتاب :

الفصل الأول : الترجمة التأريخية

الفصل الثاني : الخصائص الشخصية

الفصل الثالث : المعالم الإجتماعية

الفصل الرابع : الآثار المدوَّنة

الفصل الخامس : نصوصٌ منتقةُ

الفصل الأول : الترجمة التأريخية

ولادة علي بن الحسين عليه‌السلام

إذا أراد المؤرخ أن يؤرخ لحياة الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام ، فلابد أن يرجع قليلاً الى الوراء ، وبالتحديد الى فتح بلاد فارس زمن الخليفة الثاني فقد فتحت بلاد الفرس في السنة السادسة عشرة من الهجرة ، الا ان ملكها (يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز) هرب من عاصمة مملكته بعد سقوط المدائن بيد المسلمين ، وبقي متخفياً في أرياف فارس أربعة عشر عاماً حتى قتل سنة ٣٠ هجرية في مرو وصادف مقتله السنة السادسة من خلافة عثمان بن عفان .

وتشير الروايات التاريخية الى ان يزدجرد وصل الى المُلك سنة ١٦ هـ (بعد تمصير البصرة) أي بعد أربع سنوات فقط من تملك أبيه شهريان الذي أعتلى عرش فارس سنة ١٢ هـ أما جدهم كسرى أبرويز فقد قتل سنة وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي سنة ٣٦ هـ ، وهي السنة التي تصدى فيها علي بن أبي طالبعليه‌السلام للخلافة ، أرسلعليه‌السلام حريث بن جابر والياً على جانب المشرق ، فظفر بابنتي يزدجرد بن شهريار ، وبعثهما اليهعليه‌السلام وهو بالكوفة فنحل الامامعليه‌السلام شاه زنان الى ولده الحسين سيد شباب اهل الجنةعليه‌السلام فولدت له علي بن الحسينعليه‌السلام في الخامس من شهر

٥

شعبان سنة ٣٨ هـ(١) في الكوفة ، وقيل في المدينة وهو بعيد ونحل الأخرى إلى محمد بن أبي بكر ، فولدت له القاسم ، وهو فقيه معروف(٢) ونُسب إلى الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام انه كان يرى أن بنات الملوك ينبغي ان لا يعاملن معاملة الأسرى ولو كن كافرات(٣) ، وسنناقش دلالة ما نُسب إليهعليه‌السلام عما قليل .

وعندما قدمها أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام إلى الحسينعليه‌السلام أوصاه بالإحسان إليها ، وسماها فاطمة تكريماً لها وتنبأعليه‌السلام نبوءته الصادقة : (يا أبا عبد الله لتلدن لك خير أهل الأرض ).

وهكذا كان ، فقد انجبت له زين العابدينعليه‌السلام وكان فعلاً خير أهل الأرض في ذلك الزمان ومواصفات فاضلة كتلك ، جعل تلك المرأة الكريمة تستحق لقب (سيدة النساء) حيث كانت تعرف به(٤) وهو لا يتعارض مع لقب فاطمة الزهراءعليه‌السلام ففاطمةعليه‌السلام في الحديث المستفيض عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين و(شاه زنان) سيدة نساء زمانها فلا تعارض في اللقبين .

ــــــــــــــــ

(١) مطالب السؤول ج ٢ ص ٤١ والفصول المهمة لابن الصباغ ص ٢٠١ .

(٢) الإرشاد للمفيد ص ٢٨٤ وبحار الانوار ج ٤٦ ص ١٢ ح ٢٣ وعوالم العوالم ج ١٨ ص ٩ ح ٥.

(٣) تجد روايات فريبة من ذلك في الكافي ج ١ ص ٤٦٦ ح ١ وبصائر الدرجات ص ٣٣٥ ح ٨ .

(٤) نور الابصار للشبلنجي ص ١٢٦ .

٦

وحدثٌ بهذا الوزن لابد ان يؤرخه الشعراء ، فتصدى لذلك الصحابي التابعي أبو الاسود الدؤلي ( ت ٦٧ هـ ) في بيتٍ شعري رائع :

وإنّ وليداً بين كسرى وهاشمٍ

لأكرمُ من نيطت عليه التمائمُ(١)

ولم تمكث سيدة النساء بعد وضع وليدها الا قليلاً ، فقد أصابتها حمى النفاس فتوفيت (رض) على أثر ذلك فبقي الوليد يتيماً من جهة الأم فأوكل الإمام الحسينعليه‌السلام حضانته إلى إحدى النساء من أهل الصلاح والتقوى .

ــــــــــــــــ

(١) بحار الانوار ج ٤٦ ص ١٦٦ نيطت : علّقت والتمائم : خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين وقد زعم بعض الباحثين بأن خلو ديوان أبي الأسود الدؤلي (تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين ، بغداد ١٩٥٤ م) من هذا البيت يرجح عدم صحة القصة ولكن هذا ترجيح بدون مرجح ، لأ، خلو الديوان لا يعني عدم صحة نسبة البيت الى الدؤلي خصوصاً وان من يجمع الديوان بعد وفاة الشاعر قد يحذف بعض المواد حسبما يرتأيه فكره وعقيدته وذوقه وعلى أية حال فقد ورد قريباً من لفظ هذا البيت في شعر الرماح ين يزيد المري المشهور بابن ميادة ( ت ١٣٦ هـ ) لما فخر بنفسه أباً واماً فقال :

انا ابن أبي سلمى وجدي ظالم

وأمي حصان حصنتها الأعاجمُ

أليس غلام بين كسرى وظالم

بأكرم من نيطت عليه التمائم ؟

٧

الأم الموحدة ودلالة ( لتلدن لك خير أهل الأرض )

وقد يثار تساؤل هنا ، وهو : كيف تمكنت امرأة وثنية على الظاهر ، غير عربية ، بنت أحد الملوك الذين بقوا على وثنيتهم ، من السمو إلى تلك الدرجة الكريمة لتكون أماً لإمام طاهر معصوم من أئمة المسلمين ؟

وجواب ذلك نرتبه في نقاط تالية :

١ ـ ان التوحيد قد رفع أفراداً كانوا يعيشون في أمم جاهلية تعبد الأوثان ؛ فكان الموحدون يخفون عقيدتهم أو يلوذون بالصمت أمام تيار الشرك والافتراض الصحيح ان سيدة النساء كانت امرأة موحدة في أمة كافرة ، لم تلوثها أوساخ الوثنية وهي ليست بمعزل عن أ÷ل التوحيد في ذلك الزمان فقد عاش الموحدون من بني هاشم في مجتمع قريش الوثني ، ولم يلوثهم درن الوثنية الجاهلية .

وأكثر ما استطاع الأمويون تزويره في هذا النطاق هو الزعم بان أم السجادعليه‌السلام كانت من سبايا كابل ، كما أرسلها اليعقوبي في تاريخه دون تدقيق(١) والخطأ واضح لان فتح كابل كان في سنة ثلاث واربعين للهجرة على يد عبدالرحمن بن سمرة الأموي من قبل

ــــــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٤٦ طبعة النجف .

٨

معاوية والسجادعليه‌السلام ولد سنة ٣٨ للهجرة بالاتفاق فلا يصح ذلك الزعم .

٢ ـ من المحتمل قوياً أن أمر إيمان ابنيّ ( يزجرد ) بالله عزوجل وبمبدأ التوحيد كان شائعاً في ذلك الزمان وإلاّ ، فان الإمام علياًعليه‌السلام لايمكن أن يتسرع في نحل امرأة لايعرف عن ماضيها وحاضرها شيئاً لابنه الحسينعليه‌السلام ، ويوعده بانها ستكون من أفضل نساء زمانها وستلد له خير أهل الأرض خصوصاً إذا لحظنا تأكيد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حسن إختيار الزوجة ، مثل كون الخال أحد الضحيعين فاختاروا لنطفكم(١) ، وتوقوا على أولادكم من لبن البغي والمجنونة فان اللبن يعدي(٢) ، والنهي عن استرضاع الحمقاء لأن الولد ينزع إلى اللبن(٣) ، ونحوها من الأخبار .

وحتى ما قيل عن رأهعليه‌السلام من ان بنات الملوك لا يعاملن معاملة الأسرى ، لاتفسر مغزى قولهعليه‌السلام للحسين : ( يا أبا عبدالله لتلدن لك خير أهل الأرض ) ومجرد اطلاق عنوان السلطة الوارثية والأمارة السياسية دون افتراض الصلاح والتقوى والإيمان ، لايمكن ان يوّلد خيراً على الأرض .

ــــــــــــــــ

(١) تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي .

(٢) المقنعة للشيخ المفيد ص ٦١ .

(٣) نوادر الراوندي ص ١٣ .

٩

ولكننا نميل إلى ان ما قالهعليه‌السلام في سيدة النساء يدل دلالة قوية على انها كانت امرأة استثنائية فهو على الأقل يعلم انها امرأة موحدة مؤمنة بلاله عزوجل وهذا ليس غريباً ، فالتاريخ ينقل لنا قصص مشابهة لنساء مؤمنات في أسر كافرة ، منها : امرأة فرعون الموحدة المؤمنة التي دعت الله عزوجل ان يبني لها بيتاً في الجنة وان ينجيها من فرعون وعمله ولا يشك أحد بكفر فرعون وظلمه وتعديه على حقوق الخلق وخالق .

قال المجلسي في ( بحار الأنوار )(١) : ان أم السجادعليه‌السلام رأت فاطمة الزهراءعليه‌السلام وأسلمت قبل ان يأخذها عسكر المسلمين ولها قصة وهي أنها قالت : رأيت في النوم ـ قبل ورود عسكر المسلمين ـ كأن محمداً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل دارنا ، وجلس مع الحسينعليه‌السلام وخطبني له وزوّجني منه ، فلما أصبحت كان ذلك يؤثر في قلبي وما كان لي خاطر غير هذا فلما كان في الليلة الثانية رأيت فاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أتتني وعرضت عليّ الإسلام فأسلمت ثم قالتعليه‌السلام : (إن الغلبة تكون للمسلمين ، وإنك تصلين عن قريب الى ابني الحسين سالمة لا يصيبك بسوء أحد ) قالت : وكان من الحال أني خرجت الى المدينة ما مسّ يدي انسان .

ــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ١١ نقلاً عن كتاب الخرائج .

١٠

ونقل الشيخ المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) ان أمير المؤمنينعليه‌السلام سأل شاه زنان حين أسرّت : ( ما حفظت عن أبيك بعد وقعة الفيل ؟ ) قالت : حفظت عنه انه كان يقول : إذا غلب الله على أمر ذلت المطامع دونه ، وإذا انقضت المدة كان الحتف في الحيلة فقالعليه‌السلام : ( ما أحن ما قال أبوك ! تذلّ الأمور للمقادير ، حتى يكون الحتف في التدبير )(١) .

أقول : وربما كان المقصود من لفظ ( أبيك ) في قول الإمامعليه‌السلام هو جدها كسرى لإحتمال وجوده في الملك عام الفيل وعلى أية حال فان ذلك القول يدلّ على حسن نظر وقوة رأي .

٣ ـ لو لم تكن سيدة النساء موحّدة ومؤمنة ومن أهل الصلاح ومعروفة بذلك ، لما ترك يزيد ذلك الأمر عندما واجه الإمام زين العابدينعليه‌السلام في بلاط الخلافة في الشام بعد أقل من شهر من واقعة كربلاء سنة ٦١ هـ وقد أنتقص من كان على شاكلة ( يزيد ) ابن الأمة ، أو زوج الأمة بعد عتقها ولنا في ذلك قرائن تاريخية تؤيد ما ذهبنا إليه :

أ ـ فقد عيّر هشام بن عبد الملك زيداً بن علي بانه ابن أمة مع ان الله عزوجل حلل الأماء قال هشام لزيد : أنت المؤهّل نفسك للخلافة ، الراجي لها ؟ وما أنت وذاك لا أمّ لك ، وإنما أنت ابن أمةٍ فقال زيد

ــــــــــــــــ

(١) الإرشاد ص ١٦٠ .

١١

 (رض) : (اني لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند الله من نبي بعثه وهو ابن أمة فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث ، وهو إسماعيل بن إبراهيمعليه‌السلام فالنبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام ؟ وبعد فما يقصر برجل أبو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن علي بن ابي طالبعليه‌السلام ؟ ) وفي ذلك دلالة على ان أمر الأمة كان محل انتقاص عند العرب زمن الجاهلية ، ومن بقي عليها زمن الإسلام .

ب ـ وحاول عبدالملك بن مروان الانتقاص من الإمام زين العابدينعليه‌السلام لانه اعتق أمة ثم تزوجها على سنة الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأجابه الإمامعليه‌السلام بعد ان ذكّره بسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأمر : (... وقد رفع الله بالسلام الخسيسة ، وتمم به النقيصة )(١) وهذه الرواية على شاكلة سابقتها في كون الإماء من موارد الانتقاص عند العرب زمن الجاهلية .

وسكوت يزيد أقوى دليل على ان أم الإمام زين العابدينعليه‌السلام كانت من الإيمان والاصلاح ما كان معروفاً ومشهوراً في ذلك الزمان .

وإن كان هذا ينطبق على سيدة النساء ، فانه بالدلالة التاريخية ينطبق على أختها أم القاسم ، زوجة محمد بن أبي بكر .

ــــــــــــــــ

(١) الكافي على هامش مرآة العقول ج ٣ ص ٤٤٨ .

١٢

٤ ـ لم يظهر من الأحاديث المروية في الكتب الرواثية عن ان ابنيّ يزدجرد كانتا من سبايا الفرس ، عدا رواية ابن جرير الطبري في دلائل الإمامة ص ٨١ ولا نعمل مدى صحة رواية الطبري ، خصوصاً وانها تذكر بانهما دخلتا على عمر بن الخطاب في المدينة وهو غير صحيح ، لان يزدجرد كان حياً في زمن عمر ، و لم يقتل حتى سنة ٣٠ هـ ، وكان ذلك في خلافة عثمان ودخولها الى معسكر المسلمين كان بعد مقتل أبيها فرواية الطبري ساقطة تاريخياً .

اذن نستنتج بانهما لم يكونا من سبايا الفرس ، وربما كان رغبتهما للإتصال بالمسلمين زمن الإمام العادل علي بن ابي طالبعليه‌السلام دعاؤه لوالديه ، ويشمل أمه بالدلالة التضمنية ، هو دليل آخر على إيمانها ولو كانت مشركة لما جاز له الدعاء لها .

وكان للامام الحسينعليه‌السلام أمة ربّت السجادعليه‌السلام واشتهرت بانها أمّه وعنها قيل للسجادعليه‌السلام : أنت من أبر الناس ولا نراك تأكل مع أمك فقالعليه‌السلام : (اني أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فاكون قد عققتها )(١) وأرادعليه‌السلام بلزوم رعاية حق المربية ، وأطلق على مخالفتها اسم العقوق فهنا جملة أمور :

ــــــــــــــــ

(١) الكامل للمبرد ج ١ ص ١٦١ وعيون الاخبار لابن قتيبة ج ٣ ص ٩٧ .

١٣

أ ـ انهعليه‌السلام لم يتعمد مخالفتها وانما تخوف من سبق يده لما سبقت عينها اليه .

ب ـ انها لم تكن أمه البيولوجية ( التكوينية ) ، بل كان أمه الاعتبارية التي نزلت بمنزلة الأم من حيث الرعاية .

ج ـ ينبغي ، مفهوماً حسبما يستفاد من هذه الرواية ، ان يكون حال الولد مع أمه التكوينية ـ وهي التي حملته تسعة اشهر وتحملت مشاق الولادة والرضاعة من أجله ـ أعظم وأكبر .

والخلاصة ، انه لايمكن حمل عقيدة والدة الإمام زين العابدينعليه‌السلام إلاّ على محمل الإيمان بالله عز وجل ومبدأ التوحيد ونحلها للحسينعليه‌السلام كان قد شرّفها ، ووضعها في المحل الطاهر الذي كانت تأمله كل موحّدة بالله لم تتهيأ لها الظروف لإعلان إسلامها أمام الملأ الواسع العريض .

مراحل حياة الإمام علي بن الحسين ( ٣٨ ـ ٩٥ هـ )

ويمكننا تقسيمن حياة الإمام السجادعليه‌السلام إلى ثلاث مراحل متصلة ومتضافرة بعضها مع الآخر الأولى : وتمتد من سنة ٣٨ هجرية ن وهو تاريخ ولادته بالكوفة الى بداية سنة ٦١ ، وهي السنة التي شهدت واقعة كربلاء واستشهاد والده الحسينعليه‌السلام مع من

١٤

صرع في أرض الطف والثانية : وتمتد من سنة ٦١ هجرية وحتى سنة ٦٧ هـ ، وهي الفترة الواقعة بين مقتل الحسينعليه‌السلام ومقتل قاتليه ، والثالثة : تمتد من سنة ٦٧ هـ وحتى استشهاد سنة ٩٥ هـ على يد الوليد بن عبدالملك بن مروان وفترة إمامة السجادعليه‌السلام الدينية والاجتماعية تغطي المرحلتين الثانية والثالثة ، وهي أربع وثلاثين عاماً وعاصر في مدة إمامته : يزيد بن معاوية ، ومعاوية بن يزيد ، ومروان بن الحكم ، وعبدالملك بن مروان ، والوليد بن عبدالملك وسوف نبحث الآن المرحلة الأولى من حياتهعليه‌السلام بصورة مفصّلة .

المرحلة الأولى : ( سنة ٣٨ ـ ٦١ هـ )

قضى السجادعليه‌السلام هذه الفترة من حياته ، وهي من تاريخ ولادته وحتى استشهاد والده الحسينعليه‌السلام في كربلاء ، حياةً اسرية طبيعية تلقى فيها صنوف التربية الروحية من والدهعليه‌السلام بالخصوص لكنه عاش فترة مضطربة سياسياً ، على المستوى الاجتماعي فقد عاصرعليه‌السلام وهو في الثانية من عمره استشهاد جده علي أمير المؤمنينعليه‌السلام في الكوفة وعاصر ، وهو في الثالثة عشرة من عمره استشهاد عمه الإمام الحسنعليه‌السلام في المدينة المنورة ورافق أباه الحسينعليه‌السلام تمام مدة إمامته وهي عشر سنوات ، وحضر واقعة كربلاء حيث استشهد والده واخوته وعمه العباس وابناء عمومته ، وهو في الثالثة والعشرين من عمره .

١٥

وقد أعتاد أئمة أهل البيتعليه‌السلام بوصية من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإذعان للإمام الحيعليه‌السلام والصمت بمعنى أنهم كانواعليه‌السلام لا يدلون برأي شرعي او مسألة فقهية أو حكم للناس ، وإمام منصوص عليه موجودٌ بينهم ، بل كانوا يتركون ذلك للإمام المنصوص عليه فلم ينهض الحسنعليه‌السلام بأعباء الإمامة بحضرة والده الإمام عليعليه‌السلام ، ولم ينهض الحسينعليه‌السلام بأعباء الإمامة بحضرة أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام فلا غرابة ان نلمس صمت زين العابدينعليه‌السلام في حضرة والده الامام الحسينعليه‌السلام الى ان استشهد في كربلاء سنة ٦١ هـ وعنهدا جاء دورهعليه‌السلام في إرشاد الناس .

ومرحلة الإعداد تلك تبدأ بالولادة ، ثم الطفولة ، والشباب ، والزواج ، وحتى الذهاب الى كربلاء وما حصل فيها .

الاحتفاء بالمولود

لايخفى ان ولادة علي بن الحسينعليه‌السلام في ٥ شعبان سنة ٣٨ هـ(١) كانت مورداً للاحتفاء عند آل البيتعليه‌السلام لسببين :

ــــــــــــــــ

(١) مطالب السؤول ج ٢ ص ٤١ ونور الأبصار ص ١٥٣ .

١٦

الأول : كرامة المولود التي عبرت عنها روايات متواترة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت قد تنبأت بمولودٍ يملأ الدنيا عبادة وسجوداً ، وتضرعاً وخشوعاً منها : ما رواه الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : كنت جالساً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحسين في حجره وهو يلاعبه ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا جابر ، يولد له مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ليقم سيد العابدين ، فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد ، فان أنت أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام )(١) وداوم جابر على التقرب من أهل البيتعليه‌السلام ، وكانت له علاقة متميزة بالامام زين العابدينعليه‌السلام ، وكان يصلي وراءهعليه‌السلام .

وكان الزهري(٢) إذا حدّث عن علي بن الحسينعليه‌السلام ، قال : حدثني ( زين العابدين ) علي بن الحسين فقال له سفيان بن عيينة :ولم تقول له زين العابدين ؟ قال : لأّني سمعت سعيد بن المسيب يحدّث

ــــــــــــــــ

(١) هذا الحديث وفي لفظه أحاديث أخرى أخرجها في إحقاق الحق ج ١٢ ص ١٣ ـ ١٦ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٩ ص ١٠٦ .

(٢) كان محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ( ٥٨ ـ ١٢٤ هـ ) من حاشية آل مروان ، فكان معلماً لأولاد هشام بن عبدالملك ( تهذيب التهذيب ج٩ ص ٤٤٩ ) حيث أمره هشام أن يملي على أولاده أحاديث فأملى عليهم أربعمائة حديث مما لا يتصل بفضائل أهل البيتعليه‌السلام فأطراه علماء العامة ورفعوه فوق مستوى العلم والفضيلة قال أبو علي الحائري في منتهى المقال في ترجمته : لا ريب في عداوته ونصبه لأمير المؤمنينعليه‌السلام أدرجه العلامة الحلي وابن داود في رجالهما في الضعفاء ، ولم يعتد به الشيخ محمد طه نجف ، حيث لم يأت على ذكره في ( اتقان المقال ) .

١٧

عن ابن عباس أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ أين زين العابدين ؟ فكأني أنظر الى ولدي علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب يخطر بين الصفوف )(١) .

الثاني : الجمع عند علي بن الحسينعليه‌السلام بين ملامح عنصرين هما صلب العرب وترائب العجم وهو أمرٌ جديد على وجه التقريب إلا إذا أخذنا بنظر الإعتبار هنا زواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ماريا القبطية المهداة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حاكم الاسكندرية القبطي إلا ان ماريا كانت عربية من الأقباط ، بينما كانت سيدة النساء من العجم .

ولا نجد غرابة اذن في أن يطلق الإمام الجسينعليه‌السلام على ابنه عليعليه‌السلام لقب : ابن الخيرتين فخيرته من العرب قريش ( ومن قريش بني هاشم ) ومن العجم أهل فارس ، وهم أقرب الأقوام بعد العرب آنذاك إلى الإسلام .

ولا غرابة في أن ينشد أبو الأسود الدؤلي :

وان وليداً بين كسرى وهاشم

لأكرم من نيطت عليه التمائم

ــــــــــــــــ

(١) علل الشرائع ج ١ ص ٢٦٩ والامالي ص ٣٣١ .

١٨

في الأسرة

والمشهور شهرة عظيمة ان السجادعليه‌السلام كان أكبر أولاد الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام ومن الضروري توضيح الفكرة القائلة بأن الإمامة لا علاقة لها بالولد الأكبر أو الأصغر ، بل هي بالنص والوصية فالإمامة من الله عزوجل يودعها حيث يشاء من عباده :( وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (١) ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (٢) وسوف نفصّل هذا الموضوع في الفصل الثاني باذنه تعالى .

عاش السجادعليه‌السلام في أسرة مكونة من تسعة أفراد : أبوه الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأخويه علي الأصغر الذي يسمى خطأ بعلي الأكبر ( وأمه ليلى بنت أبي مرة الثقفية ) ، وجعفر ( وأمه قضاعيه ) وأختيه : سكينة ( وأمها الرباب بنت امرئ القيس ) ، وفاطمة ( وأمها أم إسحاق بنت طلحة وهي تميمية )(٣) ثم ولد للحسينعليه‌السلام عبدالله ( الرضيع ) وأمه الرباب قبل أشهر من واقعة

ــــــــــــــــ

(١) سورة القصص : الآية ٦٨ .

(٢) سورة الأحزاب : الآية ٣٦ .

(٣) إرشاد المفيد ج٢ ص١٣٥ ، والمناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٧٧ .

١٩

الطف وذبح فيها وتوفي جعفر في حياة أبيه الحسينعليه‌السلام ، واستشهد علي الأصغر في كربلاء سنة ٦١ للهجرة .

ترعرع السجادعليه‌السلام في المدينة ، بعد استشهاد جده الإمام عليعليه‌السلام في الكوفة سنة ٤٠ هـ فقد رجع الهاشميون إلى مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن مكثوا مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في الكوفة أربع سنوات وأشهراً وكان اسمراً ، نحيفاً ، رقيقاً من كثرة العبادة .

تزوجعليه‌السلام في هذه الفترة من حياته ( سنة ٥٤ للهجرة على الإرجح ) من ابنة عمه : فاطمة بنت الإمام الحسين بن علي بن ابي طالبعليه‌السلام ، فيكون زواجه منها وهو في السادسة عشرة من عمره فأنجبت له محمد الباقرعليه‌السلام ، وهو الإمام الخامس من أئمة أهل البيتعليه‌السلام ، سنة ٥٨ هـ ثم تزوج لاحقاً بأمهات أولاد فولدن له أولاداً ذكوراً وإناثاً ، أبرزهم زيد بن علي وعبدالله الباهر وكانا معروفين بالفضل والجهاد في الاسلام ومجموع أولاد زين العابدينعليه‌السلام حسب الروايات خمشة عشر ولداً : أحد عشر من الذكور وأربعة من الأناث وكان للباقرعليه‌السلام يوم الطف ثلاث سنين .

وكان السجادعليه‌السلام كثيراً ما يدعو لاولاده ، فيقول : (اللهم ومنّ عليّ ببقاء ولدي ، وبإصلاحهم لي ، وبامتاعي بهم آلهي أمدد لي في أعمارهم ، وزد في آجالهم ، وربّ لي صغيرهم ، وقوّ لي ضعيفهم ، وأصح لي ابدانهم وأديانهم وأخلاقهم ، وعافهم في أنفسهم ، وفي جوراحهم ، وفي كل ما عنيت به من أمرهم ، وأدرر لي وعلى يدي ارزاقهم ، واجعلهم أبراراً أتقياء بصراء سامعين ، مطيعين لك ، ولأوليائك محبين ناصحين ، ولجميع اعدائك معاندين ) .

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

اشترى للقراض وقع الشراء له ، ووجب الثمن عليه ، وإذا تلفت بعد الشراء فقد وقع الشراء للقراض ، ومَلَكه ربّ المال ، وإذا تلف الثمن كان الثمن على مالكه يسلّم إليه ألفاً أُخرى ليدفعها ، فإن هلكت أيضاً سلّم إليه أُخرى ، وعلى هذا.

واختلفوا في رأس مال القراض.

منهم مَنْ قال : إنّ الألفين الأوّلة والثانية تكونان رأس المال.

ومنهم مَنْ قال : الثانية خاصّةً ، والاولى انفسخ القراض فيها(١) .

وقال ابن سريج : إنّ الشراء يقع للعامل ، سواء تلفت الألف قبل الشراء أو بعده ، وحمل كلام الشافعي على عمومه(٢) .

وإنّما كان كذلك ؛ لأنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض ، فإن اشترى قبل تلفها فقد صحّ الشراء للقراض ، إلّا أنّ إذنه تناول الشراء بها أو بعدها في الثمن ، فإذا تعذّر ذلك ، فقد حصل الشراء على غير الوجه الذي أذن ، فيصير الشراء للعامل.

قال : وهذا مثل أن يعقد الحجّ عن غيره ، فيصحّ الإحرام عنه ، فإذا أفسده الأجير ، صار عنه ؛ لأنّه خالف في الإذن ، كذا هنا.

لا يقال : لو وكّل وكيلاً ودفع إليه ألفاً ليشتري له سلعةً فاشتراها وقبل أن يدفع الثمن هلك في يده ، أليس يكون الشراء للموكّل والألف عليه؟

لأنّا نقول : قال ابن سريج : في ذلك وجهان :

____________________

(١) راجع : بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، وحلية العلماء ٥ : ٣٤٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

١٢١

أحدهما : إنّه يلزم الوكيل ، كمسألتنا.

والثاني : إنّه يلزم الموكّل(١) .

والفرق بينهما : إنّه أذن العاملَ في التصرّف في ألفٍ واحدة على أنّه لا يزيد عليها ؛ لأنّ إذنه تناول المال ، ولا يلزمه أن يزيد على ذلك ، وفي الوكالة تعلّق إذنه بشراء العبد وقد اشتراه له ، فكان ثمنه عليه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ - ٢٣١.

١٢٢

١٢٣

الفصل الرابع : في التنازع‌

مسألة ٢٧٧ : لو ادّعى العامل التلفَ ، صُدّق باليمين وعدم البيّنة ، سواء ادّعاه قبل دورانه في التجارة أو بعدها(١) ؛ لأنّه أمين في المال ، كالمستودع.

والأصل فيه : إنّه يتصرّف في مال غيره بإذنه ، فكان أميناً ، كالوكيل.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم أنّه سأل الباقرَعليه‌السلام عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ قال : « ليس عليه غُرْمٌ بعد أن يكون الرجل أميناً »(٣) .

وبه قال الشافعي(٤) ، وفرّق بين العامل وبين المستعير حيث ذهب إلى أنّ المستعير ضامن(٥) : بأنّ المستعير قبضه لمنفعة نفسه خاصّةً بغير استحقاقٍ ، وهنا معظم المنفعة لربّ المال.

وفرّق أيضاً بين العامل وبين الأجير المشترك ، فإنّه عنده - على أحد القولين - ضامن ؛ لأنّ المنفعة تعجّلت له ، فكان قبضه للمال لمنفعةٍ حصلت‌

____________________

(١) الظاهر : « بعده ».

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٩٣ / ٨٧٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٩٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٨ - ٢٣٩ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٨٤ / ٨١٢.

(٤) مختصر المزني : ١٢٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٤ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، البيان ٧ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٥) راجع : ج ١٦ - من هذا الكتاب - ص ٢٧٣ ، الهامش (٤)

١٢٤

له ، وهنا لم تحصل له بالقبض منفعة معجّلة ، فافترقا(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ قوله مقبول في التلف ، سواء ادّعى التلف بسببٍ ظاهر أو خفيّ أو لم يذكر سبباً ، وسواء أمكنه إقامة البيّنة على السبب أو لا.

وللشافعي تفصيل(٢) تقدّم مثله في الوديعة(٣) .

مسألة ٢٧٨ : لو اختلف المالك والعامل في ردّ المال ، فادّعاه العامل وأنكره المالك ، فالأقوى : تقديم قول المالك - وهو قول أحمد ، وأحد وجهي الشافعيّة(٤) - لأنّه قبض المال لنفع نفسه ، فلم يقبل قوله في ردّه إلى المالك ، كالمستعير ، ولأنّ صاحب المال منكر والعامل مدّعٍ ، فيُقدَّم قول المنكر مع اليمين إذا لم تكن هناك بيّنة.

والوجه الثاني لأصحاب الشافعي : إنّه يُقدَّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّه أمين ، ولأنّ معظم النفع لربّ المال ، والعامل كالمستودع(٥) .

ونمنع أنّه أمين في المتنازع ، ولا ينفع في غيره.

والفرق بينه وبين المستودع ظاهر ؛ فإنّ المستودع لا نفع له في الوديعة البتّة.

ونمنع أنّ معظم النفع لربّ المال. سلّمنا ، لكنّ العامل لم يقبضه إلّا لنفع نفسه ، ولم يأخذه لنفع ربّ المال.

____________________

(١) راجع : البيان ٧ : ٢٠٤.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) راجع : ج ١٦ - من هذا الكتاب - ص ٢١٢ ، المسألة ٦٢.

(٤ و ٥) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٤ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، البيان ٧ : ٢٠٣ - ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

١٢٥

مسألة ٢٧٩ : لو اختلفا في الربح ، فالقول قول العامل مع يمينه وعدم البيّنة - سواء اختلفا في أصله وحصوله بأن ادّعى المالك الربحَ وأنكر العامل وقال : ما ربحتُ شيئاً ، أو في مقداره بأن ادّعى المالك أنّه ربح ألفاً وادّعى العامل أنّه ربح مائة - لأنّه أمين.

وكذا لو قال : كنتُ ربحتُ كذا ثمّ خسرتُ وذهب الربح ، وادّعى المالك بقاءه في يده ، قُدّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّه أمين ، كما لو ادّعى المستودع التلفَ ، وكما لو ادّعاه العامل في أصل المال فكذا في ربحه ، ولأنّه أمين يُقبل قوله في التلف فيُقبل في الخسارة ، كالوكيل ، وبه قال الشافعي وغيره(١) .

وأمّا لو قال العامل : ربحتُ ألفاً ، ثمّ قال : غلطتُ في الحساب ، وإنّما الربح مائة ، أو تبيّنتُ أنّه لا ربح هنا ، أو قال : كذبتُ في الإخبار بالربح خوفاً من انتزاع المال من يدي فأخبرتُ بذلك ، لم يُقبل رجوعه ؛ لأنّه أقرّ بحقٍّ عليه ثمّ رجع عنه ، فلم يُقبل ، كسائر الأقارير ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال مالك : إن كان بين يديه موسم يتوقّع فيه ربح ، قُبِل قوله : كذبتُ ليترك المال في يدي فأربح في الموسم ، بخلاف ما إذا قال : خسرتُ بعد الربح الذي أخبرتُ عنه ، فإنّه لا يُقبل ، كما لو ادّعى عليه وديعة ، فقال له : ما أودعتَ عندي شيئاً ، ثمّ قامت البيّنة بالإيداع ، فادّعى التلف ، لم يُقبل قوله ، أمّا لو قال : ما تستحقّ علَيَّ شيئاً ، ثمّ قامت البيّنة بالإيداع ، فادّعى‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٥ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٦.

(٢) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

١٢٦

التلف ، كان القولُ قولَه مع يمينه ؛ لأنّه ليس فيه تكذيب لقوله الأوّل ، كذا هنا(١) .

هذا إذا كانت دعوى الخسران في موضعٍ يُحتمل بأن عرض في الأسواق كساد ، ولو لم يُحتمل لم يُقبل.

مسألة ٢٨٠ : إذا اشترى العامل سلعةً فظهر فيها ربح ثمّ اختلفا ، فقال صاحب المال : اشتريتَه للقراض ، وقال العامل : اشتريتُه لنفسي ، قُدّم قول العامل مع اليمين ، وكذا لو ظهر خسران فاختلفا ، فادّعى صاحب المال أنّه اشتراه لنفسه ، وادّعى العامل أنّه اشتراه للقراض ، قُدّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّ الاختلاف هنا في نيّة العامل ، وهو أبصر بما نواه ، ولا يطّلع على ذلك من البشر أحد سواه ، وإنّما يكون مال القراض بقصده ونيّته - وهو أحد قولَي الشافعي(٢) - ولأنّ في المسألة الأُولى المال في يد العامل ، فإذا ادّعى ملكه فالقول قوله.

وقد ذكر الشافعي في الوكيل والموكّل إذا اختلفا في بيع شي‌ءٍ أو شراء شي‌ءٍ ، فقال الموكّل : ما بعتَه ، أو قال : ما اشتريتَه ، وقال الوكيل : بعتُ أو اشتريتُ ، قولين(٣) .

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦.

(٢) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، الوسيط ٣ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، و ٧ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٤ - ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.

١٢٧

واختلف أصحابه.

فمنهم مَنْ قال هنا أيضاً : قولان ، يعني في المسألة الثانية التي ظهر فيها الخسران :

أحدهما : القول قول ربّ المال ؛ لأنّ الأصل أنّه ما اشتراه لمال القراض ، والأصل عدم وقوعه للقراض ، كأحد القولين فيما إذا قال الوكيل : بعتُ ما أمرتني ببيعه ، أو اشتريتُ ما أمرتني بشرائه ، فقال الموكّل : لم تفعل.

والثاني : القول قول الوكيل ؛ لأنّه أعلم بما نواه.

ومنهم مَنْ قال هنا : القول قول العامل قولاً واحداً ، بخلاف مسألة الوكالة.

والفرق بينهما : إنّ الموكّل والوكيل اختلفا في أصل البيع والشراء ، وهنا اتّفقا على أنّه اشتراه ، وإنّما اختلفا في صفة الشراء ، فكان القولُ قولَ مَنْ باشر الشراء(١) .

ولو أقام المالك بيّنةً في الصورة الثانية ، ففي الحكم بها للشافعيّة وجهان ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه قد يشتري لنفسه بمال القراض متعدّياً ، فيبطل البيع ، ولا يكون للقراض(٢) .

مسألة ٢٨١ : لو اختلفا في قدر حصّة العامل من الربح ، فقال المالك : شرطتُ(٣) لك الثلث ، وقال العامل : بل النصف ، فالقول قول المالك مع‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، البيان ٧ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٦ ، البيان ٧ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « اشترطتُ ».

١٢٨

يمينه وعدم البيّنة ، عند علمائنا - وبه قال الثوري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ المالك منكر لما ادّعاه العامل من زيادة السدس ، والقول قول المنكر مع اليمين.

وقال الشافعي : يتحالفان ؛ لأنّهما اختلفا في عوض العقد وصفته ، فأشبه اختلاف المتبايعين في قدر الثمن ، وكالإجارة ، فإذا حلفا فسخ العقد ، واختصّ الربح والخسران بالمالك ، وللعامل أُجرة المثل عن عمله ، كما لو كان القراض فاسداً - وفيه وجه : إنّها إن كانت أكثر من نصف الربح فليس له إلّا قدر النصف ؛ لأنّه لا يدّعي أكثر منه(٢) - ولو حلف أحدهما ونكل الآخَر حُكم للحالف بما ادّعاه(٣) .

وعن أحمد رواية ثانية : إنّ العامل إذا ادّعى أُجرة المثل وزيادة يتغابن الناس بمثلها فالقول قوله ، وإن ادّعى أكثر فالقول قوله فيما وافق أُجرة المثل(٤) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٤ / ١٧٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٨٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٠٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ / ٣٤٨٣ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، الوجيز ١ : ٢٢٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٤ / ١٧٣٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ / ٣٤٨٥.

(٤) المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥.

١٢٩

والمعتمد ما قلناه ؛ لأنّ المالك منكر ، ولأنّه اختلاف في فعله ، وهو أبصر به وأعرف ، ولأنّ الأصل تبعيّة الربح للمال ، فالقول قول مَنْ يدّعيه ، وعلى مَنْ يدّعي خلافَه البيّنةُ.

مسألة ٢٨٢ : لو اختلفا في قدر رأس المال ، فقال المالك : دفعتُ إليك ألفين هي رأس المال ، وقال العامل : بل دفعتَ إلَيَّ ألفاً واحدة هي رأس المال ، قُدّم قول العامل مع اليمين.

قال ابن المنذر : أجمع كلّ مَنْ يُحفظ عنه من أهل العلم أنّ القول قول العامل في قدر رأس المال ، كذلك قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي(١) .

لأنّ المالك يدّعي عليه قبضاً وهو ينكره ، والقول قول المنكر ، والأصل عدم القبض إلّا فيما يُقرّ به ، ولأنّ المال في يد العامل وهو يدّعيه لنفسه ربحاً ، وربّ المال يدّعيه لنفسه ، فالقول قول صاحب اليد.

ولا فرق عندنا بين أن يختلفا وهناك ربح أو لم يكن ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّ الأمر كذلك إن لم يكن هناك ربح ، وإن كان تحالفا ؛ لأنّ قدر الربح يتفاوت به ، فأشبه الاختلاف في القدر المشروط من‌

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٣ ، المغني ٥ : ١٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٤ - ١٧٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ - ٥٩٥ / ٣٤٨٦ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٠٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٩١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ و ٣٥٥ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣.

١٣٠

الربح(١) .

والحكم في الأصل ممنوع على ما تقدّم ، مع أنّ الفرق ظاهر ؛ فإنّ الاختلاف في القدر المشروط من الربح اختلاف في كيفيّة العقد ، والاختلاف هنا اختلاف في القبض ، فيُصدَّق فيه النافي ، كما لو اختلف المتبايعان في قبض الثمن ، فإنّ المصدَّق البائع.

مسألة ٢٨٣ : لو كان العامل اثنين وشرط المالك لهما نصفَ الربح بينهما بالسويّة وله النصف ، وتصرّفا واتّجرا فنضّ المال ثلاثة آلاف ، ثمّ اختلفوا فقال ربّ المال : إنّ رأس المال ألفان ، فصدّقه أحد العاملين وكذّبه الآخَر وقال : بل دفعتَ إلينا ألفاً واحدة ، لزم الـمُقرّ ما أقرّ به ، ثمّ يحلف المنكر ؛ لما بيّنّا من تقديم قول العامل في قدر رأس المال ، ويُقضى للمنكر بموجب قوله ، فالربح بزعم المنكر ألفان وقد استحقّ بيمينه منهما خمسمائة ، فتُسلّم إليه ، ويأخذ المالك من الباقي ألفين عن رأس المال ؛ لاتّفاق المالك والـمُقرّ عليه ، تبقى خمسمائة تُقسَّم بين المالك والمصدِّق أثلاثاً ؛ لاتّفاقهم على أنّ ما يأخذه المالك مِثْلا ما يأخذه كلّ واحدٍ من العاملين ، وما أخذه المنكر كالتالف منهما ، فيأخذ المالك ثلثي خمسمائة والمصدِّق ثلثها ؛ لأنّ نصيب ربّ المال من الربح نصفه ، ونصيب المصدِّق الربع ، فيقسّم بينهما على ثلاثة أسهم ، وما أخذه الحالف كالتالف ، والتالف في المضاربة يُحسب من الربح.

ولو كان الحاصل ألفين لا غير ، فادّعاها المالك رأسَ المال ، فصدّقه أحدهما وكذّبه الآخَر وادّعى أنّ رأس المال ألف والألف الأُخرى ربح ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ - ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٥ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣.

١٣١

صُدّق المكذِّب بيمينه ، فإذا حلف أخذ ربعها مائتين وخمسين الزائدة على ما أقرّ به ، والباقي يأخذه المالك.

مسألة ٢٨٤ : لو اختلفا في جنس مال القراض ، فادّعى المالك أنّ رأس المال كان دنانير ، وقال العامل : بل دراهم ، فالقول قول العامل مع يمينه ؛ لما تقدّم من أنّه أمين.

ولو اختلفا في أصل القراض ، مثل : أن يدفع إلى رجلٍ مالاً يتّجر به ، فربح ، فقال المالك : إنّ المال الذي في يدك كان قراضاً والربح بيننا ، وقال التاجر : بل كان قرضاً علَيَّ ، ربحه كلّه لي ، فالقول قول المالك مع يمينه ؛ لأنّه ملكه ، والأصل تبعيّة الربح له ، فمدّعي خلافه يفتقر الى البيّنة ، ولأنّه ملكه فالقول قوله في صفة خروجه عن يده ، فإذا حلف قُسّم الربح بينهما.

وقال بعض العامّة : يتحالفان ، ويكون للعامل أكثر الأمرين ممّا شُرط له أو أُجرة مثله ؛ لأنّه إن كان الأكثر نصيبه من الربح ، فربّ المال يعترف له به ، وهو يدّعي كلّه ، وإن كان أُجرة مثله أكثر ، فالقول قوله مع يمينه في عمله ، كما أنّ القول قول ربّ المال في ماله ، فإذا حلف قُبِل قوله في أنّه ما عمل بهذا الشرط ، وإنّما عمل لعوضٍ لم يسلم له ، فتكون له أُجرة المثل(١) .

ولو أقام كلٌّ منهما بيّنةً بدعواه ، فالأقوى : إنّه يُحكم ببيّنة العامل ؛ لأنّ القول قول المالك ، فتكون البيّنة بيّنة العامل.

وقال أحمد : إنّهما يتعارضان ، ويُقسّم الربح بينهما نصفين(٢) .

ولو قال ربّ المال : كان بضاعةً فالربح كلّه لي ، وقال العامل : كان قراضاً ، فالأقرب : إنّهما يتحالفان ، ويكون للعامل أقلّ الأمرين من نصيبه‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٧.

(٢) المغني ٥ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٧ - ١٧٨.

١٣٢

من الربح أو أُجرة مثله ؛ لأنّه لا يدّعي أكثر من نصيبه من الربح ، فلا يستحقّ زيادةً عليه وإن كان الأقلّ أُجرة مثله ، فلم يثبت كونه قراضاً ، فيكون له أُجرة عمله.

ويحتمل أن يكون القول قولَ العامل ؛ لأنّ عمله له ، فيكون القولُ قولَه فيه.

ولو قال المالك : كان بضاعةً ، وقال العامل : كان قرضاً علَيَّ ، حلف كلٌّ منهما على إنكار ما ادّعاه خصمه ، وكان للعامل أُجرة عمله لا غير.

ولو خسر المال أو تلف ، فقال المالك : كان قرضاً ، وقال العامل : كان قراضاً أو بضاعةً ، فالقول قول المالك.

وكذا لو كان هناك ربح فادّعى العامل القراضَ والمالك الغصبَ ، فإنّه يُقدّم قول المالك مع يمينه.

* * *

١٣٣

الفصل الخامس : في التفاسخ واللواحق‌

مسألة ٢٨٥ : قد بيّنّا أنّ القراض من العقود الجائزة من الطرفين ، كالوكالة والشركة ، بل هو عينهما ؛ فإنّه وكالة في الابتداء ، ثمّ قد يصير شركةً في الأثناء ، فلكلّ واحدٍ من المالك والعامل فسخه والخروج منه متى شاء ، ولا يحتاج فيه إلى حضور الآخَر ورضاه ؛ لأنّ العامل يشتري ويبيع لربّ المال بإذنه ، فكان له فسخه ، كالوكالة ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : يعتبر الحضور كما ذكر في خيار الشرط(٢) .

والحكم في الأصل ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإن فسخا العقد أو أحدهما ، فإن كان قبل العمل عاد المالك في رأس المال ، ولم يكن للعامل أن يشتري بعده.

وإن كان قد عمل ، فإن كان المال ناضّاً ولا ربح فيه أخذه المالك أيضاً ، وكان للعامل أُجرة عمله إلى ذلك الوقت ، وإن كان فيه ربح أخذ رأس ماله وحصّته من الربح ، وأخذ العامل حصّته منه.

وإن لم يكن المال ناضّاً ، فإن كان دَيْناً بأن باع نسيئةً بإذن المالك ، فإن كان في المال ربح كان على العامل جبايته ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٣) .

____________________

(١) البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٧٧ و ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٩ ، المغني ٥ : ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٣٤

وإن لم يكن هناك ربح ، قال الشيخرحمه‌الله : يجب على العامل جبايته أيضاً(١) ، وبه قال الشافعي ؛ لأنّ المضاربة تقتضي ردّ رأس المال على صفته ، والديون لا تجري مجرى المال الناضّ ، فيجب(٢) عليه أن ينضّه إذا أمكنه ، كما لو كانت عروضاً فإنّه يجب عليه بيعها(٣) .

والأصل فيه : إنّ الدَّيْن ملك ناقص ، والذي أخذه كان ملكاً تامّاً ، فليردّ كما أخذ.

وقال أبو حنيفة : إن كان في المال ربح كان عليه أن يجبيه ، وإن لم يكن فيه ربح لم يجب عليه أن يقتضيه ؛ لأنّه إذا لم يكن فيه ربح لم يكن له غرض في العمل ، فصار(٤) كالوكيل(٥) .

والفرق : إنّ الوكيل لا يلزمه بيع العروض ، والعامل يلزمه.

مسألة ٢٨٦ : لو فسخ المالك القراض والحاصل دراهم مكسّرة وكان رأس المال صحاحا ، فإن قدر على إبدالها بالصحاح وزناً أبدلها ، وإلّا باعها بغير جنسها من النقد ، واشترى بها الصحاح.

ويجوز أن يبيعها بعرضٍ ويشتري به الصحاح ؛ لأنّه سعي في إنضاض المال ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه قد‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٤٦٣ - ٤٦٤ ، المسألة ١٠ من كتاب القراض.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « فوجب ».

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٩ ، البيان ٧ : ١٩٨ و ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، المغني ٥ : ١٨٠ - ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٤) في النُّسَخ الخطّيّة : « فكان » بدل « فصار ».

(٥) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٩ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، البيان ٧ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، المغني ٥ : ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٣٥

يتعوّق عليه بيع العرض(١) .

ولو كان رأس المال دنانير والحاصل دراهم ، أو بالعكس ، أو كان رأس المال أحد النقدين والحاصل متاع ، فإن لم يكن هناك ربح فعلى العامل بيعه إن طلبه المالك.

وللعامل أيضاً بيعه وإن كره المالك - وبه قال الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق(٢) - لأنّ حقّ العامل في الربح لا يظهر إلّا بالبيع.

ولا يجب على المالك الصبر وتأخير البيع إلى موسم رواج المتاع - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ حقّ المالك معجَّل.

وقال مالك : للعامل أن يؤخّر البيع إلى الموسم(٤) .

ولو طلب المالك أن يأخذه بقيمته ، جاز ، وما يبقى بعد ذلك بينهما يتقاسمانه.

وإن لم يطلب ذلك ، وطلب أن يباع بجنس رأس المال ، لزم ذلك ، ويباع منه بقدر رأس المال ، ولا يُجبر العامل على بيع الباقي.

ولو قال العامل : قد تركتُ حقّي منه فخُذْه على صفته ولا تكلّفني البيع ، فالأقرب : إنّه لا يُجبر المالك على القبول ؛ لأنّ له طلب ردّ المال كما أخذه ، وفي الإنضاض مشقّة ومئونة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

(٢) المغني ٥ : ١٧٩ - ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ - ٢١٩.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٤) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ - ٢٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠.

١٣٦

إنّه يجب على المالك القبول(١) .

وقد اختلفت الشافعيّة في مأخذ الوجهين هنا وفي كيفيّة خروجهما.

فقال بعضهم : إنّ هذا مبنيّ على الخلاف في أنّه متى يملك العامل الربحَ؟ إن قلنا بالظهور ، لم يلزم المالك قبول ملكه ، ولم يسقط به طلب البيع ، وإن قلنا بالقسمة ، أُجيب ؛ لأنّه لم يبق له توقّع فائدةٍ ، فلا معنى لتكليفه تحمّل مشقّةٍ(٢) .

وقال بعضهم : بل هُما مفرَّعان أوّلاً على أنّ حقّ العامل هل يسقط بالترك والإسقاط؟ وهو مبنيّ على أنّ الربح متى يملك؟ إن قلنا بالظهور ، لم يسقط كسائر المملوكات ، وإن قلنا بالقسمة ، سقط على أصحّ الوجهين ؛ لأنّه مَلَك أن يملك ، فكان له العفو والإسقاط كالشفعة ، فإن قلنا : لا يسقط حقّه بالترك ، لم يسقط بتركه المطالبة بالبيع ، وإذا قلنا : يسقط ، ففيه خلاف - سيأتي - في أنّه هل يُكلّف البيع إذا لم يكن في المال ربح؟(٣) .

ولو قال المالك : لا تبع ونقتسم العروض بتقويم عَدْلين ، أو قال : أُعطيك نصيبك من الربح ناضّاً ، فالأقوى : إنّ للعامل الامتناع ؛ لأنّه قد يجد زبوناً(٤) يشتريه بأكثر من قيمته.

وللشافعيّة وجهان بناهما قومٌ منهم على أنّ الربح متى يملك؟ إن قلنا بالظهور ، فله البيع ، وإن قلنا بالقسمة ، فلا ؛ لوصوله إلى حقّه بما يقوله المالك(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ - ٤١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١.

(٤) راجع : ج ١٤ - من هذا الكتاب - ص ١٦١ ، الهامش (٥)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٧

وقطع بعضهم على الثاني ، وقال : إذا غرس المستعير في أرض العارية ، كان للمعير أن يتملّكه بالقيمة ؛ لأنّ الضرر مندفع عنه بأخذ القيمة ، فهنا أولى(١) .

والأصل ممنوع.

ثمّ اختلفوا ، فالذي قطع به محقّقوهم أنّ الذي يلزمه بيعه وإنضاضه قدر رأس المال خاصّةً ، أمّا الزائد فحكمه حكم عرضٍ آخَر يشترك فيه اثنان ، لا يكلّف واحد منهما بيعه ؛ لأنّه في الحقيقة مشترك بين المالك والعامل ، ولا يلزم الشريك أن ينضّ مال شريكه ، ولأنّ الواجب عليه أن ينضّ رأس المال ليردّ عليه رأس ماله على صفته ، ولا يوجد هذا المعنى في الربح.

وإذا باع بطلب المالك أو بدونه ، باع بنقد البلد إن كان من جنس رأس المال ، ولو لم يكن من جنسه باعه بما يرى من المصلحة إمّا برأس المال أو بنقد البلد ، فإن اقتضت بيعه بنقد البلد باعه به ، وحصل به رأس المال(٢) .

مسألة ٢٨٧ : لو لم يكن في المال ربح ، ففي وجوب البيع على العامل وإنضاض المال لو كلّفه المالك إشكال ينشأ : من أنّ غرض البيع أن يظهر الربح ليصل العامل إلى حقّه منه ، فإذا لم يكن ربح وارتفع العقد لم يحسن تكليفه تعباً بلا فائدة ، ومن أنّ العامل في عهدة أن يردّ المال كما أخذه ؛ لئلّا يلزم المالك في ردّه إلى ما كان مئونة وكلفة.

وللشافعيّة وجهان(٣) كهذين.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٨

وهل للعامل البيع لو رضي المالك بإمساك المتاع؟ إشكال ينشأ : من أنّه قد يجد زبوناً يشتريه بزيادةٍ ، فيحصل له ربحٌ ما ، ومن أنّ المالك قد كفاه مئونة البيع ، وهو شغل لا فائدة فيه.

وللشافعيّة وجهان(١) .

والثاني عندي أقوى ؛ لأنّ المضارب إنّما يستحقّ الربح إلى حين الفسخ ، وحصول راغبٍ يزيد إنّما حصل بعد فسخ العقد ، فلا يستحقّها العامل.

وقال بعضهم : إنّ العامل ليس له البيع بما يساويه بعد الفسخ قطعاً ، وله أن يبيع بأكثر ممّا يساويه عند الظفر بزبونٍ(٢) .

وتردّد بعضهم في ذلك ؛ لأنّ هذه الزيادة ليست ربحاً في الحقيقة ، وإنّما هو رزق يساق إلى مالك العروض(٣) .

وعلى القول بأنّه ليس للعامل البيع إذا أراد المالك إمساك العروض أو اتّفقا على أخذ المالك العروض ثمّ ظهر ربح بارتفاع السوق ، فهل للعامل نصيبٌ فيه ؛ لحصوله بكسبه ، أو لا ؛ لظهوره بعد الفسخ؟ الأقوى : الثاني ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٤) .

مسألة ٢٨٨ : يرتفع القراض بقول المالك : « فسختُ القراض » و « رفعتُه » و « أبطلتُه » وما أدّى هذا المعنى ، وبقوله للعامل : « لا تتصرّف بعد هذا » أو « قد أزلتُ يدك عنه » أو « أبطلتُ حكمك فيه » وباسترجاع المال من العامل لقصد رفع القراض.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٩

ولو باع المالك ما اشتراه العامل للقراض ، فإن قصد بذلك إعانة العامل لم يرتفع ، وإن قصد رفع حكم العامل فيه ارتفع ، كما أنّ الموكّل لو باع ما وكّل في بيعه ، فإنّ الوكيل ينعزل ، كذا العامل هنا ؛ لأنّه في الحقيقة وكيلٌ خاصّ ، ولو لم يقصد شيئاً منهما احتُمل حمله على الأوّل وعلى الثاني.

وللشافعيّة وجهان(١) .

ولو حبس العامل ومنعه من التصرّف ، أو قال : لا قراض بيننا ، فالأقرب : الانعزال.

مسألة ٢٨٩ : القراض من العقود الجائزة يبطل بموت المالك أو العامل أو جنون أحدهما أو إغمائه أو الحجر عليه للسفه ؛ لأنّه متصرّف في مال غيره بإذنه ، فهو كالوكيل.

ولا فرق بين ما قبل التصرّف وبعده.

فإذا مات المالك ، فإن كان المال ناضّاً لا ربح فيه أخذه الوارث ، وإن كان فيه ربح اقتسماه.

وتُقدَّم حصّة العامل على جميع الغرماء ، ولم يأخذوا شيئاً من نصيبه ؛ لأنّه يملك الربح بالظهور ، فكان شريكاً للمالك ، وليس لربّ المال شي‌ء من نصيبه ، فهو كالشريك ، ولأنّ حقّه متعلّق بعين المال دون الذمّة ، فكان مقدَّماً ، كحقّ الجناية ، ولأنّه متعلّق بالمال قبل الموت ، فكان أسبق ، كحقّ الرهن.

وإن كان المال عرضاً ، فالمطالبة بالبيع والتنضيض كما في حالة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413