الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين19%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 256056 / تحميل: 14818
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

القسم السابع

الأحاديث الواردة عنهمعليهم‌السلام في

أن ما بأيدي الناس هو القرآن النازل من عند الله

وصريح جملة من الأحاديث الواردة عن أئمّة أهل البيت، أنهمعليهم‌السلام كانوا يعتقدون في هذا القرآن الموجود بأنّه هو النازل من عند الله سبحانه على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه الأحاديث كثيرة ننقل هنا بعضها:

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

«كتاب ربّكم فيكم، مبيّناً حلاله وحرامه، وفرائضه وفضائله، وناسخه ومنسوخه، ورخصه وعزائمه، وخاصّه وعامّه، وعبره وأمثاله، ومرسله ومحدوده، ومحكمه ومتشابهه، مفسّراً مجمله، ومبيّناً غوامضه، بين مأخوذ ميثاق في علمه، وموسّع على العباد في جهله، وبين مثبت في الكتاب فرضه، ومعلوم في السنّة نسخه، وواجب في السنّة أخذه، ومرخّص في الكتاب تركه، وبين واجب بوقته، وزائل في مستقبله، ومباين بين محارمه، من كبير أوعد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه، وبين مقبوله في أدناه، موسّع في أقصاه»(1) .

وقالعليه‌السلام : «أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟ أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصّر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تبليغه وأدائه؟ والله سبحانه يقول:( ما فرّطنا في الكتاب من شيء ) وقال:

__________________

(1) نهج البلاغة 44 | 1.

٤١

( فيه تبيان لكل شيء ) وذكر أنّ الكتاب يصدّق بعضه بعضاً، وأنّه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه:( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) وإن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تكشف الظلمات إلاّ به»(1) .

وعن الريان بن الصلت قال: «قلت للرضاعليه‌السلام يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن؟

فقال: كلام الله، لا تتجاوزوه، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا»(2) .

وجاء فيما كتبه الإمام الرضاعليه‌السلام للمأمون في محض الإسلام وشرائع الدين:

«وإنّ جميع ما جاء به محمد بن عبدالله هو الحق المبين، والتصديق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه.

والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) وأنه المهيمن على الكتب كلّها، وأنه حق من فاتحته إلى خاتمته، نؤمن بمحكمه ومتشابهه، وخاصّه وعامّه، ووعده ووعيده، وناسخه ومنسوخه، وقصصه وأخباره، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله»(3) .

وعن علي بن سالم عن أبيه قال: «سألت الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام فقلت له: يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن؟

__________________

(1) نفس المصدر 61 / 18.

(2) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق 2: 57. الأمالي 546.

(3) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق 2: 130.

٤٢

فقال: هو كلام الله، وقول الله، وكتاب الله، ووحي الله وتنزيله، وهو الكتاب العزيز الذي( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) »(1) .

(3)

قول عمر بن خطاب: حسبنا كتاب الله

ومن الرزايا العظيمة والكوارث الفادحة التي قصمت ظهر المسلمين وأدّت إلى ضلال أكثرهم عن الهدى الذي أراده لهم الله ورسوله، ذلك الخلاف الذي حدث عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي اللحظات الأخيرة من عمره الشريف، بين صحابته الحاضرين عنده في تلك الحال.

ومجمل القضية هو: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما حضرته الوفاة وعنده رجال من صحابته - فيهم عمر بن الخطاب - قال: هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، وفي لفظ آخر: إئتوني بالكتف والدواة - أو: اللوح والدواة - أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً.

فقال عمر: إنّ النبي قد غلب عليه الوجع(2) ، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله.

وفي لفظ آخر: فقالوا: إنّ رسول الله يهجر. - من دون تصريح

__________________

(1) الأمالي: 545.

(1) قال سيدنا شرف الدين: «وقد تصرّفوا فيه: فنقوله بالمعنى، لأنّ لفظه الثابت: إنّ النبي يهجر. لكنهم ذكروا أنّه قال: إنّ النبي قد غلب عليه الوجع، تهذيباً للعبارة، واتقاء فظاعتها ...» النصّ والإجتهاد: 143.

٤٣

باسم المعارض -!

فاختلف الحاضرين، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر!

فلما أكثروا ذلك عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم: قوموا عنّي(1) .

وليس نحن الآن بصدد محاسبة هذا الرجل على كلامه هذا الذي غيّر مجرى التأريخ، وحال دون ما أراده الله والرسول لهذه الامة من الخير والصلاح والرشاد، إلى يوم القيامة، حتى أنّ ابن عباس كان يقول - فيما يروى عنه -:

«يوم الخميس وما يوم الخميس» ثم يبكي(2) .

وكان رضي الله عنه يقول:

«إنّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين كتابه»(3) .

وإنّما نريد الإستشهاد بقوله: «إن عندنا القرآن، حسبنا كتاب الله» الصريح في وجود القرآن عندهم مدوّناً مجموعاً حينذاك، ويدل على ذلك أنّه لم يعترض عليه أحد - لا من القائلين قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً، ولا من غيرهم - بأنّ سور القرآن وآياته متفرقة مبثوثة، وبهذا تم لعمر بن الخطاب والقائلين مقالته ما أرادوا من الحيلولة بينهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين كتابة الكتاب.

__________________

(1) راجع جميع الصحاح والمسانيد والتواريخ والسير وكتب الكلام، تجد القضية باختلاف ألفاظها وأسانيدها.

(2) صحيح البخاري 2: 118.

(3) نفس المصدر ج 1 كتاب العلم، باب كتابة العلم.

٤٤

(4)

الإجماع

ومن الأدلّة على عدم نقصان القرآن: إجماع العلماء في كل الأزمان كما في كشف الغطاء وفي كلام جماعة من كبار العلماء، وهو ظاهر كلمة «إلينا» أي «الإمامية» في قول الشيخ الصدوق «ومن نسب إلينا فهو كاذب».

وقال العلاّمة الحلّي: «واتّفقوا على أنّ ما نقل إلينا متواتراً من القرآن، فهو حجة لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مكلّفاً بإشاعة ما نزل عليه من حجة لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مكلّفاً بإشاعة ما نزل عليه من القرآن إلى عدد التواتر، ليحصل القطع بنبوّته في أنّه المعجزة له. وحينئذ لا يمكن التوافق على ما نقل مما سمعوه منه بغير تواتر، وراوي الواحد إن ذكره على أنّه قرآن فهو خطأ والإجماع دلّ على وجوب إلقائهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عدد التواتر، فإنه المعجزة الدالّة على صدقه، فلو لم يبلغه إلى حدّ التواتر انقطعت معجزته، فلا يبقى هناك حجّة على نبوّته»(1) .

وقال السيّد العاملي: «والعادة تقضي بالتواتر في تفاصيل القرآن من أجزائه وألفاظه وحركاته وسكناته ووضعه في محلّة، لتوفّر الدواعي على نقله من المقر لكونه أصلاً لجميع الأحكام، والمنكر لإبطاله لكونه معجزاً. فلا يعبأ بخلاف من خالف أو شك في المقام»(2) .

وقال الشيخ البلاغي: «ومن أجل تواتر القرآن الكريم بين

__________________

(1) نهاية الوصول - مبحث التواتر.

(2) مفتاح الكرامة 2: 390.

٤٥

 عامة المسلمين جيلاً بعد جيل، استمرت مادته وصورته وقراءته المتداولة على نحو واحد، فلم يؤثّر شيئاً على مادّته وصورته ما يروى عن بعض الناس من الخلاف في قراءته من القراء السبع المعروفين وغيرهم»(1) .

ومن المعلوم أنّ الإجماع حجّة لدى المسلمين، أمّا عند الإمامية فلأنّه كاشف عن رأي المعصومعليه‌السلام (2) بل عدم النقصان من الضروريّات كما في كلام السيد المرتضى، وقد نقل بعض الأكابر عباراته ووافقه على ما قال.

 (5)

تواتر القرآن

ومن الأدلّة على عدم نقصان القرآن تواتره من طرق الإماميّة بجميع حركاته وسكناته، وحروفه وكلماته، وآياته وسورة، تواتراً قطعياً عن الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام عن جدّهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (3) .

فهم يعتقدون بأن هذا القرآن الموجود بأيدينا هو المنزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا زيادة ولا نقصان. قال الصّدوق: «إعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو ما بين الدفّتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشر سورة ...».

__________________

(1) آلاء الرحمن - الفصل الثالث من المقدمة.

(2) يراجع بهذا الصدد كتب اصول الفقه.

(3) أجوبة مسائل جار الله لشرف الدين، مجمع البيان عن السيد المرتضى.

٤٦

(6)

إعجاز القرآن

ومن الأدلّة على عدم التحريف هو: أنّ التحريف ينافي كون القرآن معجزاً، لفوات المعنى بالتحريف، لأنّ مدار الإعجاز هو الفصاحة والبلاغة الدائرتان مدار المعنى، ومن المعلوم أنّ القرآن معجز باق.

وهذه عبارة «بشرى الوصول» في الوجه الثالث من الوجوه التي ذكرها على عدم تحريف القرآن.

وقد جاءت الإشارة إلى هذا الوجه في كلام السيد المرتضى حيث قال في استدلاله: «لأنّ القرآن معجزة النبوّة» وفي كلام العلاّمة الحلّي:

«إنّ القول بالتحريف يوجب التطرّق إلى معجزة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنقولة بالتواتر».

وفي كلام كاشف الغطاء: «إنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي ...».

٤٧

 (7)

صلاة الإمامية

ومن الأدلّة على اعتقاد الإماميّة بعدم سقوط شيء من القرآن الكريم: صلاتهم، لأنّهم يوجبون قراءة سورة كاملة(1) . بعد الحمد في الركعة الاولى والثانية(2) من الصلوات الخمس اليوميّة من سائر سور القرآن عدا الفاتحة، ولا يجوز عند جماعة كبيرة منهم القران منهم القران بين سورتين(3) .

قال السيد شرف الدين:

«وصلاتهم بهذه الكيفيّة والأحكام دليل ظاهر على اعتقادهم بكون سور القرآن بأجمعها زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على ما هي عليه الآن، وإلاّ لما تسنّى لهم هذا القول»(4) .

__________________

(1) أجوبة مسائل جار الله، وهذا هو المشهور بين الفقهاء، بل ادّعى جماعة عليه الإجماع، أنظر مفتاح الكرامة 2: 350.

(2) أما في الثالثة والرابعة فهو بالخيار إن شاء قرأ الحمد وان شاء سبح إجماعاً، وإن اختلفوا في أفضليّة أحد الفردين.

(3) جواهر الكلام والرياض وغيرهما. وقد ذكر جماعة من قدعاء الفقهاء والمفسرين إستثناء سورتي (الضحى وألم نشرح) وسورتي (الفيل والأيلاف) من هذا الحكم، مصرّحين بوجوب قران كل سورة منها بصاحبتها. أنظر مفتاح الكرامة 2: 385.

(4) أجوبة مسائل جار الله: 28.

٤٨

(8)

كون القرآن مجموعاً على عهد النبي (ص)

ومن الأدلّة على عدم وجود النقص في القرآن ثبوت كونه مجموعاً على عهد الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، موجوداً كذلك بين المسلمين كما يدل على ذلك من الأخبار في كتب الفريقين، ومن ذلك أخبار أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقراءة القرآن وتدبّره وعرض ما يروى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه وقد تقدم بعضها، وإنّ جماعة من الصحابة ختموا القرآن على عهده، وتلوه، وحفظوه، يجد أسماءهم من راجع كتب علوم القرآن، وإنّ جبرئيل كان يعارضهصلى‌الله‌عليه‌وآله به كل عام مرة، وقد عارضه به عام وفاته مرتين(1) .

وكل هذا الذي ذكرنا دليل واضح على أنّ القرآن الموجود بين أيدينا هو نفس القرآن الذي كان بين يدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وصحابته على عهده فما بعد، من غير زيادة ولا نقصان.

وقد ذكر هذا الدليل جماعة.

__________________

(1) روى ذلك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع الكتب الحديثيّة وغيرها، حتى كاد يكون من الأمور الضرورية.

٤٩

(9)

اهتمام النبي (ص) والمسلمين بالقرآن

وهل يمكن لأحد من المسلمين إنكار إهتمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرآن؟!

لقد كان حريصاً على نشر سور القرآن بين المسلمين بمجرد نزولها، مؤكداً عليهم حفظها ودراستها وتعلّمها، مبيناً لهم فضل ذلك وثوابه وفوائده في الدنيا والآخرة.

فحثّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وترغيبه بحفظ القرآن في الصدور والقراطيس ونحوها، وأمره بتعليمه وتعلّمه رجالاً ونساءً وأطفالاً، مما ثبت بالضرورة بحيث لا يبقى مجال لإنكار المنكر وجدال المكابر.

وأمّا المسلمون، فقد كانت الدواعي لديهم لحفظ القرآن والعناية به متوفّرة، ولذا كانوا يقدّمونه على غيره في ذلك، لأنّه معجزة النبوة الخالدة ومرجعهم في الأحكام الشرعيّة والامور الدينيّة، فكيف يتصور سقوط شيء منه والحال هذه؟!

نعم، قد يقال: إنّه كما كانت الدواعي متوفّرة لحفظ القرآن وضبطه وحراسته، كذلك كانت الدواعي متوفّرة على تحريفه وتغييره من قبل المنافقين وأعداء الإسلام والمسلمين، الذين خابت ظنونهم في أن يأتوا بمثله أو بمثل عشر سور منه أو أية من أياته.

ولكن لا مجال لهذا الاحتمال بعد تأييد الله سبحانه المسلمين في العناية والإهتمام بالقرآن، وتعهّده بحفظه بحيث( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) .

٥٠

الفصل الثالث

أحاديث التحريف في كتب الشّيعة

قد ذكرنا في الفصل الأول شطراً من تصريحات كبار علماء الإمامية في القرون المختلفة في أنّ القرآن الكريم الموجود بين أيدينا مصون من التحريف، وهناك كلمات غير هذه لم نذكره اختصاراً، وربما تقف على تصريحات أو أسماء لجماعة آخرين منهم في غضون البحث.

وعرفت في الفصل الثاني أدلّة الإمامية على نفي التحريف وهي:

1 - آيات من القرآن العظيم.

2 - أحاديث عن النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام، وهي على أقسام.

3 - قول عمر بن الخطاب: حسبنا كتاب الله.

4 - الإجماع.

5 - تواتر القرآن.

6 - إعجاز القرآن.

7 - صلاة الإمامية.

٥١

8 - كون القرآن مجموعاً على عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

9 - عناية القرآن مجموعاً على عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا، ولم ينكر أحد من أولئك الأعلام وجود أحاديث في كتب الشيعة، تفيد بظاهرها سقوط شيء من القرآن، بل نصّ بعضهم على كثرتها - كما توجد في كتبهم روايات ظاهرة في الجبر والتفويض، وفي التشبيه والتجسيم، ونحو ذلك - لكنهم أعرضوا عن تلك الأحاديث ونفوا وقوع التحريف في القرآن، بل ذهب البعض منهم إلى قيام إجماع الطائفة على ذلك، ومجرد إعراضهم عن حديثٍ يوجب سقوطه عن درجة الإعتبار، كما تقرّر في علم اصول الفقه.

ونحن في هذا المقام نوضّح سبب إعراضهم عن أخبار التحريف وندلّل على حصته ونقول:

تعيين موضوع البحث

هناك في كتب الإمامية روايات ظاهرة في تحريف القرآن، لكنّ دعوى كثرتها لا تخلو من نظر، لأنّ الذي يمكن قبوله كثرة ما دلّ على التحريف بالمعنى الأعم(1) وقد جاء هذا في كلام الشيخ أبي جعفر

 __________________

(1) يطلق لفظ التحريف ويراد منه عدّة معان على سبيل الإشتراك:

أ - نقل الشيء عن موضعه وتحويله إلى غيره.

ب - النقص أو الزيادة في الحروف أو في الحركات مع حفظ القرآن وعدم ضياعه، وإن لم يكن متميزاً في الخارج عن غيره.

جـ - النقص أو الزيادة بكلمة أو كلمتين مع التحفّظ على نفس القرآن المنزل.

٥٢

الطوسي، فإنّه - بعد أن استظهر عدم النقصان من الروايات - قال: «غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع».

وأما ما دلّ على التحريف بالمعنى الأخصّ الذي نبحث عنه وهو «النقصان» فلا يوافق على دعوى كثرته في كتب الامامية، ومن هنا وصفت تلك الروايات في كلمات بعض المحقّقين كالشيخ جعفر كاشف الغطاء والشيخ محمد جواد البلاغي بالشذوذ والندرة.

وروايات الشيعة في هذا الباب يمكن تقسيمها إلى قسمين:

الأول: الرويات الضعيفة أو المرسلة أو المقطوعة. وبكلمة جامعة: غير المعتبرة سنداً. والظاهر أنّ هذا القسم هو القسم هو الغالب فيها، ويتضح ذلك بملاحظة أسانيدها، ويكفي للوقوف على حال أحاديث الشيخ الكليني منها - ولعلّها هي عمدتها - مراجعة كتاب (مرآة العقول) للشيخ محمد باقر المجلسي، الذي هو من أهمّ كتب الحديث لدى الإماميّة، ومن أشهر شروح «الكافي» وأهمّها.

ومن الأعلام الذين دقّقوا النظر في أسانيد هذه الروايات ونصّوا على عدم اعتبارها: الشيخ البلاغي في (آلاء الرحمن) والسيد الخوئي

__________________

 د - التحريف بالزيادة والنقصية في الآية والسورة مع التحفّظ على القرآن المنزل.

هـ - التحريف بالزيادة، بمعنى أنّ بعض المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل.

و - التحريف بالنقيصة، بمعنى أنّ المصحف الذي بأيدينا لا يشتمل على جميع القرآن المنزل.

وموضوع بحثنا هو التحريف بالمعنى الأخير، ونعني بالمعني الأعمّ ما يعمّ جميع المعاني المذكورة.

٥٣

في (البيان) والسيد الطباطبائي في (الميزان). ومن المعلوم عدم جواز الإستناد إلى هكذا روايات في أيّ مسألة من المسائل، فكيف بمثل هذه المسألة الاصولية الإعتقادية؟!

والثاني: الروايات الواردة عن رجال ثقات وبأسانيد لا مجال للخدش فيها.

ولكن هذا القسم يمكن تقسيمه إلى طائفتين:

الاولى: ما يمكن حمله وتأويله على بعض الوجوه، بحيث يرتفع التنافي بينها وبين الروايات والأدلّة الاخرى القائمة على عدم التحريف.

والثانية: ما لا يمكن حمله وتوجيهه.

وبهذا الترتيب يتّضح لنا أنّ ما روي من جهة الشيعة بنقصان آي القرآن قليل جداً، لانّ المفروض خروج الضعيف سنداً والمؤوّل دلالة عن دائرة البحث.

إنّها مصادمة للضرورة

وأوّل ما في هذه الروايات القليلة أنّها مصادمة للضرورة، ففي كلمات عدّة من أئمة الإمامية دعوى الضرورة على كون القرآن مجموعاً على عهد النبّوة، فقد قال السيد المرتضى: «إنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة إنّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة»(1) .

وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء: «لا عبرة بالنادر، وما ورد

__________________

(1) المسائل الطرابلسيات، نقلاً عن مجمع البيان للطبرسي 1: 15.

٥٤

من أخبار النقص تمنع البديهة من العمل بظاهرها»(1) .

وقال السيد شرف الدين العاملي: «إنّ القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوة، مؤلفاً على ما هو عليه الآن وهذا كلّه من الامور الضرورية لدى المحقّقين من علماء الإمامية»(2) .

وقال السيد الخوئي: «إنّ من يدّعي التحريف يخالف بداهة العقل»(3) .

إنها مخالفة لظاهر الكتاب

فإن نوقش في هذا، فلا كلام في مخالفة روايات التحريف لظاهر الكتاب حيث قال عزّ من قائل:( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) ليكون قدوة للامة وبرنامجاً لأعمالها، ومستقى لأحكامها ومعارفها، ومعجزة خالدة. ومن المعلوم المتسالم عليه: سقوط كل حديث خالف الكتاب وإن بلغ في الصحّة وكثرة الأسانيد ما بلغ، وبهذا صرّحت النصوص عن النبي والأئمةعليهم‌السلام ، ومن هنا أعرض علماء الإمامية الفطاحل - الأصوليّون والمحدّثون - عن هذه الأحاديث قال المحدّث الكاشاني في (الصافي): «إنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذّب له فيجب ردّه»(4) .

فإن نوقش في هذا أيضاً فقيل بأنّه استدلال مستلزم للدور، أو

__________________

(1) كشف الغطاء في الفقه، ونقله عنه شرف الدين في أجوبة المسائل: 33.

(2) أجوبة مسائل جار الله: 30.

(3) البيان: 27.

(4) تفسير الصافي 1: 46.

٥٥

قيل بأن الضمير في «له» عائد إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن هذه الروايات تطرح لما يلي:

إنها موافقة لأخبار العامة

أولاً: إنّها موافقة للعامة، فإنّ القول بالتحريف منقول عن الذين يقتدون بهم من مشاهير الصحابة، وعن مشاهير أئمتهم وحفاظهم، وأحاديثه مخرّجة في أهمّ كتبهم وأوثق مصادرهم كما سيأتي في بابه، وهذا وجه آخر لسقوط أخبار التحريف عند فرض التعارض بينها وبين روايات العدم، كما تقرّر ذلك في علم اصول الفقه.

إنها نادرة

ثانياً: إنّها شاذة ونادرة، والروايات الدالّة على عدم التحريف مشهورة أو متواترة، كما في كلمات الأعلام كالشيخ كاشف الغطاء وغيره، وسيأتي الجواب عن شبهة تواتر ما دلّ على التحريف، فلا تصلح لمعارضة تلك الروايات، بل مقتضى القاعدة المقرّرة في علم الاصول لزوم الأخذ بما اشتهر ورفع اليد به عن الشاذ النادر.

إنها أخبار آحاد

ثالثاً: إنّه بعد التنزّل عن كلّ ما ذكر، فلا ريب فلا ريب في أنّ روايات التحريف أخبار آحاد، وقد ذهب جماعة من أعلام الإمامية إلى عدم حجّية الآحاد مطلقاً ومن يقول بحجّيتها لا يعبأ بها في المسائل الإعتقادية، وهذا ما نصّ عليه جماعة.

٥٦

من اخبار التحريف

وبعد، فلا بأس بذكر عدد من أهمّ الروايات الموجودة في كتاب الإمامية - التي ادّعى بعض العلماء ظهورها في النقصان - وعلى هذه فقس ما سواها.

ولا بدّ من عرض تلك الأحاديث بنصوصها، ثم الكلام عليها بالنظر إلى اسانيدها وفي مدى دلالتها على المدعى، وما يترتّب عليها من شبهات ووجوه الجواب عنها.

وأهمّ الأحاديث التي قد يستند إليها للقول بتحريف القرآن هي الأحاديث التالية:

1 - عن جابر، قال:

«سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما أنزل إلاّ كذّاب، وما جمعه وحفظه كما أنزل الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام والأئمّة من بعدهعليهم‌السلام »(1) .

2 - عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام إنّه قال:

«ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء»(2) .

3 - عن سالم بن سلمة، قال:

«قرأ رجل على أبي عبداللهعليه‌السلام - وأنا أسمع - حروفاً من

__________________

(1) الكافي 1: 178، ورواه الصّفار في بصائر الدرجات: 13.

(2) الكافي 1: 178، بصائر الدرجات: 213.

٥٧

القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبداللهعليه‌السلام :

مه، كفّ عن هذه القراءة، إقرأ كما يقرأ الناس، حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله تعالى على حدّه وأخرج المصحف الذي كتبه عليعليه‌السلام .

وقال: أخرجه علي إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله تعالى كما أنزله على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد جمعته بين اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه. فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنّما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه»(1) .

4 - عن ميسر، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال:

«لولا أنّه زيد في كتاب الله ونقص عنه، ما خفي حقّنا على ذي حجا، ولو قد قام قائمنا فنظق صدّقه القرآن»(2) .

5 - عن الأصبغ بن نباتة، قال:

«سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا وفي عدوّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام»(3) .

وعن أبي عبداللهعليه‌السلام قال:

«إنّ القرآن نزل أربعة أرباع: ربع حلال، وربع حرام، وربع سنن وأحكام، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم، وفصل ما بينكم»(4) .

__________________

(1) الكافي 2: 462.

(2) تفسير العياشي 10: 13.

(3) الكافي 2: 459.

(4) الكافي 2: 459.

٥٨

وعن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال:

«نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدوّنا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام»(1) .

6 - عن محمد بن سليمان، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال:

«قلت له: جعلت فداك، إنّا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟

فقال: لا، إقرؤوا كما تعلّمتم، فسيجيئكم من يعلّمكم»(2) .

7 - عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال:

«إنّ في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن، كانت فيه أسماء الرجال فالقيت، إنّما الإسم الواحد منه في وجوه لا تحصى، يعرف ذلك الوصاة»(3) .

8 - عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال:

«لو قد قرئ القرآن كما انزل لألفينا فيه مسمّين»(4) .

9 - عن البزنطي، قال: «دفع إليّ أبو الحسنعليه‌السلام مصحفاً فقال - وقال -: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه( لم يكن الذين كفروا ... ) فوجدت فيه - فيها - اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم

__________________

(1) الكافي 2: 459.

(2) الكافي 2: 453.

(3) تفسير العياشي 1: 12.

(4) تفسير العياشي 1: 13.

٥٩

وأسماء آبائهم، قال: فبعث إليّ: إبعث إليّ بالمصحف»(1) .

10 - عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، قال:

«نزل جبرئيل بهذه الآية على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا:( وإن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا - في علي -فأتوا بسورة من مثله ) (2) .

11 - عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال:

«من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأزواجه، ثم قال: سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم، يا ابن سنان: إنّ سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من سورة البقرة، ولكن نقصوها وحرّفوها»(3) .

12 - عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال:

«أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم، فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب»(4) .

13 - عن ابن نباتة قال:

«سمعت علياًعليه‌السلام يقول: كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلّمون الناس القرآن كما انزل، قلت: يا أمير المؤمنين أو ليس هو كما انزل؟

فقال: لا، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء

__________________

(1) الكافي 2: 461، وانظر البحار 92: 54.

(2) الكافي 1: 345.

(3) ثواب الاعمال: 100، وعنه في البحار 89: 50.

(4) رجال الكشي 247، وعنه في البحار 89: 54.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وكانت صحيفة أعماله مسوّدة بقتل الحسينعليه‌السلام ، وإباحة المدينة ، وحرق الكعبة المشرفة.

حركة التوابين : سنة ٦٥ هـ

وندم أهل الكوفة على عدم نصرة الحسينعليه‌السلام وهم الذين دعوه إليهم في بداية الأمر ، وقد أظهربيوا ندمهم بعد واقعة الطف سنة ٦١ هـ مباشرة وأرادوا التكفير عن ذنبهم عبر الخروج المسلح على بني أمية فبدأوا فترة إعداد تسليحي أستمر أربع سنوات ، وانتخبوا سليمان بن صرد الخزاعي زعيماً لحركتهم فاجتمع للحركة عدد من المقاتلين قدّر بأربعة آلاف رجل مع سلاح وعدة حرب .

وقرروا زيارة قبر الحسينعليه‌السلام وهم يتلون قوله تعالى : (( فَتُوبُوا إِلَى‏ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ ) ...)(١) . وكان تأويلهم للآية أن توبتهم لا تقبل إلا بقتال عدوهم والموت من أجل إظهار الحق ، وأطلق على هؤلاء بالتوابين .

وعسكر هؤلاء المقاتلون ، الذين كان شعارهم المطالبة بدم الحسينعليه‌السلام ، بالنخيلة قرب كربلاء ثم ساروا حتى انتهوا إلى قرقيسيا من شاطئ الفرات ، ومنها إلى عين الوردة بينما توجه الجيش الأموي بقيادة عبيدالله بن زياد في ثلاثين ألفاً والتقى الطرفان في ربيع الأول من سنة ٦٥ هـ في معركة دامية غير متكافئة في عين الوردة وظل القتال مستمراً اياماً ، حتى قتل معظم التوابين ، ولحق من بقي منهم بأمصارهم .

ــــــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآية ٥٤ .

٨١

يقول أعشى همدان في رثائهم(١)

فجائعم جمع من الشام بعده

جموع كموج البحر من كل جانب

فما برحوا حتى أبيدت جموعهم

ولم ينج منهم ثم غير عصائب

وغودر أهل الصبر صرعى اصبحوا

تعاورهم ريح الصبا والجنائب

وحول هذا التحرك ، لا يجد المؤرخ مفراً من تسجيل الدلالات التالية :

١ ـ ان هذه الحركة كانت نتيجة طبيعية لمظلومية أهل بيت النبوةعليه‌السلام بل انها كشفت حقيقة مهمة وهي ان جذوة حب أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا زالت تعمل أوارها في نفوس الناس ومع ان عدد التوابين كان محدوداً ( ٤ آلاف مقاتل ) نسبة إلى جيش بني أمية ( ٣٠ ألف مقاتل ) ، إلا ان الحركة والمعركة حركتا مشاعر الناس نحو حق آل البيتعليه‌السلام المهدور .

ــــــــــــــــ

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ١٠٠ ـ ١٠٤ .

٨٢

٢ ـ كان موقف الإمام زين العابدينعليه‌السلام منسجم مع سياسته العامة بعدم الاشتراك المباشر حفظاً على الدين ، ولكن وجودهعليه‌السلام كان حاسماً في استلهام معاني الثورة ضد الظلم .

٣ ـ تمرّد عبد الله بن الزبير في مكة على بني أمية في حدود سنة ٦٤ هـ وبادر بعد موت يزيد بن معاوية إلى بسط سلطانه فاستقطب البصرة والكوفة ومصر .

وعند موت يزيد ، تولى ابنه معاوية الثاني الحكم لأيام معدودة ، ثم نزع نفسه من الخلافة وقام خطيباً فقال :

ايها الناس ! ما أنا بالراغب في التأمر عليكم ، ولا بالآمن لكراهتكم ، بل بلينا بكم وبليتم بنا إلاّ أن جدي معاوية نازع الأمر من كان أولى بالأمر منه في قدمه وسابقته علي بن أبي طالب ، فركب جدي منه ما تعلمون ، وركبتم معه ما لا تجهلون ، حتى صار رهين عمله ، وضجيع حفرته ، تجاوز الله عنه .

ثم صار الأمر إلى أبي ، ولقد كان خليقاً أن لا يركب سننه ، إذ كان غير خليق بالخلافة فركب ردعه(١) ، واستحسن خطأه ، فقلّت مدته ، وانقطعت آثاره ، وخمدت ناره ، ولقد أنسانا الحزن به الحزن عليه ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ثم أخفت يترحم على أبيه .

ــــــــــــــــ

(١) أي لم يرتدع .

٨٣

ثم قال : وصرت انا الثالث من القوم ، الزاهد فيما لديّ أكثر من الراغب ، وما كنت لأتحمّل آثامكم شأنكم وأمركم ، خذوا من شئتم ولايته فولوه ! فقام إليه مروان بن الحكم فقال : يا أبا ليلى ! سنّة عمرية ؟ فقال له : يا مروان ! تخدعني عن ديني ، ائتني برجال كرجال عمر أجعلها بينم شورى ثم قال : والله ! إن كانت الخلافة مغنماً فقد أصبنا منها حظاً ، ولئن كانت شراً فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها ثم نزل فقالت له أمه : ليتك كنت حيضة ، فقال : وأنا وددت ذلك ، ولم أعلم أن لله ناراً يعذب بها من عصاه وأخذ غير حقه(١)

حركة المختار : سنة ٦٦ هـ

خرج المختار بن أبي عبيدة الثقفي سنة ستٍ وستين من الهجرة في الكوفة ، داعياً الناس للطلب بثارات الحسينعليه‌السلام فقام بثلاثة أمور :

الأول : كاتب المختار الإمام السجادعليه‌السلام ومحمد بن الحنفية ( عم السجاد ) بشأن التحرك ضد بني أمية ولم يصرح السجادعليه‌السلام تأييده للمختار بشكل علني ، كما هي سياسته العامة التي ذكرناها آنفاً .

ــــــــــــــــ

(١) تنبيه الخواطر ص ٥١٨ .

٨٤

أما محمد بن الحنفية فقد صرح للوفد الكوفي المرسل من قبل المختار قائلاً : ( أما ما ذكرتم من دعاء من دعاكم الى الطلب بدمائنا فوالله لوددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه )(١) ففهم الوفد تأييد ابن الحنفية لحركة المختار .

وفي رواية البحار ان محمد بن الحنفية عندما دخل عليه وفد الكوفة ، قال لهم : قوموا بنا إلى إمامي وإمامكم علي بن الحسين فلما دخلوا عليه وأخبروه خبرهم الذي جاؤوا لأجله ، قالعليه‌السلام لمحمد بن الحنفية : ( يا عم ، لو أن عبداً زنجياً تعصّب لنا أهل البيت لوجب على الناس مؤازرته ، وقد وليتك هذا الأمر فاصنع ماشئت ) فخرجوا وهم يقولون : قد أذن لنا زين العابدين ومحمد بن الحنفية(٢)

الثاني : طرد المختار والي عبد الله بن الزبير على الكوفة وكان عبد الله بن الزبير قد صعّد حملته ضد الشام بعد موت يزيد بن معاوية ، ودعا أهل الحجاز لمبايعته كخليفة فاستجابوا لذلك ، فعيّن والياً له على الكوفة .

الثالث : قتل المختار اغلب قتلة الحسينعليه‌السلام عبر تتبعهم في الكوفة وما حولها وكان نداؤه : من اغلق بابه فهو آمن ، الا من اشترك في قتال آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقتل عمر بن سعد ، ذلك الرجس الخائن الذي ظن أنه بقتله الحسينعليه‌السلام وأهل بيته الأطهار التنعم بملك الري وقتل حرملة بن كاهل الذي ذبح عبد الله الرضيع في حجر أبيه الحسينعليه‌السلام فدعا عليه علي بن الحسينعليه‌السلام : ( اللهم أذقه حر الحديد ، اللهم أذقه حر النار ) فأمر المختار بتقطيعه أرباً أرباً وإلقاء أوصاله في النار فكان ذلك العقاب الالهي المحتوم استجابةً لدعاء السجادعليه‌السلام

ــــــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري ج ٦ ص ١٢ ـ ١٤ .

(٢) بحار الأنوار ج ٤٥ ص ٣٦٥ .

٨٥

وأرسل المختار جيشاً بقيادة إبراهيم بن مالك الأشتر لمقاتلة جيش بني أمية وقائده عبيد الله بن زياد فالتقيا في الثامن من ذي الحجة سنة ست وستين بالقرب من الموصل في معركة دامية وقتل عبيد الله بن زياد في العاشر من محرم سنة سبع وستين على يد إبراهيم بن مالك الأشتر وقطعوا رأسه وأرسلوه الى المختار فأرسله المختار إلى علي بن الحسينعليه‌السلام في المدينة ولم يمتد نزول العقاب الإلهي على قتلة الحسينعليه‌السلام أكثر من ست سنوات بل كان في واقع الأمر ست سنوات كاملة فقد قطعوا رأس الحسينعليه‌السلام في العاشر من محرم سنة ٦١ هـ ، وقطعت رؤوسهم في العاشر من محرم سنة ٦٧ هـ فقال السجادعليه‌السلام : ( الحمد لله الذي لم يمتني حتى أنجز ما وعد ، وأدرك ثأري من عدوي )(١)

ــــــــــــــــ

(١) الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٢٦٤ .

٨٦

ولكن حكم المختار الثقفي لم يدم طويلاً فقد قضى عبد الله بن الزبير ، الذي سيطر على الحجاز مدة تسع سنين ، على المختار الثقفي إلاّ أن آل مروان جيشّوا الجيوش للقضاء على آل الزبير ، وكان لهم ذلك وعادوا للسيطرة على الحجاز مرة اخرى وبسط عبد الملك بن مروان سلطته على الحجاز والعراق وولى الحجاج بن يوسف الثقفي على الكوفة لينتقم من شيعة آل البيتعليه‌السلام شر انتقام .

المرحلة الثالثة : ( سنة ٦٧ ـ ٩٥ هـ)

يقول ابن أبي الحديد المدائني : ( وولي عبد الملك بن مروان ، فاشتد على الشيعة حين ولى الحجاج بن يوسف فتقرب الناس اليه ببغض عليعليه‌السلام ، وموالاة أعدائه ، وموالاة من يدعي قوم من الناس أنهم أيضا أعداؤه فاكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم واكثروا من البغض من عليعليه‌السلام وعيبه ، والطعن فيه ، والشنآن له )(١)

أبصر الإمام السجادعليه‌السلام مجتمع المسلين يذوب في الطغيان والفساد ، ولا يهمّ الأمراء والسلاطين إلا نوادي الطرب ومجالس الغناء ، والناس على دين ملوكهم وحيث ان صعوبة الوقت وحراجة الزمان قد حجبته عن ارتقاء المنابر وإرشاد المسلمين ، فقد اتخذ لنفسه منهجاً آخر للبيان والإرشاد ، وهو اسلوب الدعاء والمناجاة وعبادة الله عز وجل فكانت أدعيته وثائق ثقافية دينية تعلّم الناس اسلوب الرجوع إلى الله تعالى ، وتلهب الروح ، وتملئ القلب حباً لله وخشية منه عزّ وجلّ وكتب رسالة في الحقوق ، أوضح فيها حقوق العباد على ضوء الشريعة وكانت مناجاته الرقيقة مع خالقه ومولاه العظيم تنقّي أرواح المؤمنين من أدران الدنيا ، وتهيّج اشتياقهم لملاقاته .

ــــــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة ج ٣ ص ١٥ .

٨٧

والى ذلك ينقل الزهري مناجات علي بن الحسين سيد العابدينعليه‌السلام محاسباً نفسه وداعياً ربه بالقول : ( يا نفس حتى متى إلى الدنيا غرورك ؟ وإلى عمارتها ركونك ؟ أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك ، ومن وارته الأرض من الافك ؟ وفجعت بن من إخوانك ، ونقل إلى البلاء من أقرأنك(١) ؟

فهم في بطون الأرض بعد ظهورها

محاسنهم فيها بوال دواثر

خلت دورهم منها وأقوت عراصهم

وساقتهم نحو المنايا المقادر

خلوا عن الدنيا وما جمعوا لها

وضمتهم تحت التراب الحفائر

ــــــــــــــــ

(١) أمالي الصدوق ص ٤٥٢ ( طبعة النجف ١٣٨٩ هـ)

٨٨

في أيام عبدالملك بن مروان ( ٧٣ ـ ٨٦ هـ)

استقرت الخلافة لعبد الملك بن مروان سنة ثلاث وسبعين للهجرة وهي سنة مقتل عبدالله بن الزبير ومات سنة ست وثمانين أي دام ملكه ثلاث عشرة سنة واشتهر بشرب الخمر وسفك الدماء والغدر ، بعد أن كان يتصنع العلم والعبادة .

قال نافع : لقد رأيت المدينة وما بها شاب أشدّ تشميراً ولا أفقه ولا أنسك ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان ! ولكن ما أن أفضيّ الأمر إليه والمصحف في حجره ، إلاّ أطبقه وقال : ( هذا آخر العهد بك ) وكان عبدالملك بن مروان كثيراً ما يجلس الى أم الدرداء ، فقالت له مرة : بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت الطلاء(١) بعد النسك والعبادة ، قال : ( إي والله والدماء قد شربتها [ أيضاً ] )(٢)

وكانت من أعظم مساوئه محاربة زين العابدينعليه‌السلام واقعاً والتظاهر بأمرٍ آخر أقلّه المودة الكاذبة لذلك الإمام الربانيعليه‌السلام ، وكذلك تولية الحجّاج الثقفي على العراق يذلّ المسلمين والصحابة

ــــــــــــــــ

(١) الطلاء : الخمر .

(٢) تأريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢١٤ ـ ٢٢٢ طبعة مصر .

٨٩

قتلاً وضرباً وشتماً وحبساً والمشهور عنه انه أوصى ولده ( الوليد ) بالحجّاج وقال له : أكرمه فانه هو الذي وطّأ لكم المنابر .

عبدالملك بن مروان والإمام زين العابدينعليه‌السلام

وهنا جملة من الأمور التي واجهت الإمام زين العابدينعليه‌السلام في عهد عبدالملك بن مروان:

أولاً : محاولات عبدالملك الحط من شأن الإمامعليه‌السلام : كان عبد الملك بن مروان يرى في شخصية الإمام زين العابدينعليه‌السلام منافساً قوياً نحو الخلافة وكان الناس ترى السجادعليه‌السلام إماماً معصوماً من ائمة أهل البيتعليه‌السلام ومن ذرية المصطفى ؛ وعهد الناس بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قريب تأريخياً وكان سلوك الإمام السجادعليه‌السلام يثبت واقع كونه إماماً واجب الطاعة .

إلاّ ان عبدالملك حاول التقليل من شأن السجادعليه‌السلام رابع أئمة أهل البيتعليه‌السلام والإنتقاص من قدره وكان يزعجهعليه‌السلام في كل فرصة تسنح له فكان يرسل إلى عامله بالمدينة أن يحملهعليه‌السلام إلى الشام مثقلاً بالحديد أكثر من مرة فحمل الإمامعليه‌السلام إلى الشام على ظهر دابة مكبلاً بالقيود ، فيراه الزهري على تلك الحال في بعض

٩٠

المنازل ، فيتألم ويتضجر ولكن الإمامعليه‌السلام يشير عليه بان ذلك ينبغي ان لا يكربه ، بل ان ثقل الحديد يذكّر العبد بعذاب الله عزّ وجلّ(١)

وما ان يصل دمشق حتى يدخلوه على عبدالملك كي يرعبوه بهيبة السلطان وجبروته ولكن هيهات فان عرش السلطنة لا يرعب ولي الله بل خلافاً لتوقعهم ، فان الخليفة هو الذي ارتعب من الإمام السجادعليه‌السلام ويمثّله قول عبد الملك الخليفة في سياق حديث للزهري جواباً عن سؤالٍ عن السجادعليه‌السلام : ( ثم خرج ـ أي زين العابدين ـ فو الله لقد أمتلئ ثوبي منه خيفةً )(٢)

ونستفيد من ذلك ، أنها كانت موعظة للزهري وعبد الملك معاً :

١ ـ ان عذاب الله تعالى أمرٌ عظيم تهون دونه جميع الأمور ، والأسر والقيد وسائل لتذكير الإنسان بعذاب الله تعالى .

٢ ـ ان حال الأسر والقيد ينبغي ان لا يكربا المؤمن ، طالما كان الأمر بيد الله ، وهو قادر سبحانه على ان يغير الأمور ويقلبها .

٣ ـ ان الخالق سبحانه و تعالى منح الكرامة والفيض الالهي لأئمة أهل البيتعليه‌السلام ، فكانوا قادرين على إنزال الرعب بالطغاة .

ثانياً : عبد الملك والمصير إليه : وعندما خرج عبد الملك إلى الحج سنة خمس وسبعين للهجرة وأراد الكعبة ، رمى ببصره إلى زين العابدينعليه‌السلام .

ــــــــــــــــ

(١) حلية الاولياء لابن نعمي ج ٣ ص ١٣٥ .

(٢) المناقب ج ٣ ص ٢٧٥ .

٩١

تعلوه الهيبة العلوية ونور الإمامة وهو يرتعد من خشية الهل عز وجل فلم يلتفت الإمامعليه‌السلام إلى عبد الملك وهو الخليفة والأمير والسلطان فحزّ في نفسه إعراض السجادعليه‌السلام عنه فقال عبد الملك لمن حضر عنده : رده إليّ يقصد باستدعاء زين العابدينعليه‌السلام إلى محضره فلما جيء بهعليه‌السلام إليه ، قال له عبد الملك : اني لست قاتل أبيك ، فما يمنعك من المصير إليّ ؟

فقال الإمامعليه‌السلام : (ان قاتل أبيعليه‌السلام أفسد دنياه عليه بما فعله ، وأفسد أبي عليه بذلك أخرته فإن أحببت ان تكون مثله ، فكن)

قال عبد الملك : كلا ولكن صر إلينا لتنال من دنيانا .

ولكن الإمام زين العابدينعليه‌السلام لم يكن بحاجة الى دنياه(١) ، وملكه الزائل أهون عليه من شسع نعله .

وفي رواية الزهري قال : دخلت مع علي بن الحسينعليه‌السلام على عبدالملك بن مروان ، فاستعظم عبدالملك ما رأى من أثر السجود بين عيني علي بن الحسينعليه‌السلام ، فقال : يا أبا محمد ! لقد بيّن عليك الاجتهاد ، ولقد سبق لك من الله الحسنى ، وأنت بضعة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قريب النسب ، وكيد السبب ، وإنك لذو فضل عظيم على أهل بيتك وذوي عصرك ، ولقد أوتيت من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك ولا قبلك ، إلاّ من مضى من سلفك وأقبل يثني عليه ويطريه فقال علي بن الحسينعليه‌السلام ( كلما ذكرته ووصفته من فضل الله سبحانه وتأييده وتوفيقه ، فأين شكره على ما أنعم ؟ كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقف في الصلاة حتى تورم قدماه ، ويظمأ في الصيام حتى يعصب [ أي يجفّ ] فوه ، فقيل له : يا رسول الله ! ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أفلا أكون عبداً شكوراً ، لله على ما أولى وأبلى ، وله الحمد في الآخرة والأولى )

ــــــــــــــــ

(١) الخرائج ص ١٩٤ .

٩٢

والله لو تقطعت أعضائي ، وسالت مقلتاي على صدري ، لن أقوم لله جل جلاله بشكر عشر العشير من نعمة واحدة من جميع نعمة التي لا يحصيها العادّون ، ولا يبلغ حد نعمة منها على جميع حمد الحامدين ، لا والله لا يشغلني شيء عن شكره وذكره ، في ليل ولا نهار ، ولا سر ولا علانية .

ولولا أن لأهلي عليّ حقاً ، ولسائر الناس من خاصّهم وعامهم عليّ حقوقاً لا يسعني إلا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى أؤديها إليهم ، لرميت بطرفي إلى السماء ، وبقلبي إلى الله ، ثم لم أرددهما حتى يقضي الله على نفسي وهو خير الحاكمين ) وبكىعليه‌السلام ، وتباكى عبد الملك وقال : شتان بين عبد طلب الآخرة وسعى لها سعيها ، وبين من طلب الدنيا من أين جاءته ، ما له في الآخرة من خلاق ! ثم أقبل يسأله عن حاجاته وعما قصد له ، فشفعه فيمن شفع(١)

ثالثاً : الإمام السجادعليه‌السلام وسياسة الروم : حاولت دولة الروم في الربع الأخير من القرن الأول الهجري التعرض لدولة المسلمين ـ على ما فيها من فساد إداري ـ وإهانتها وابتزازها ، وقد نقل لنا التأريخ حادثتان لهما أهمية تأريخية ودينية :

١ ـ تحدى ملك الروم المسلمين بعدما كتب عبد الملك بن مروان في صدور الطوامير ( قل هو الله أحد ) مشفوعة بذكر النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومؤرخة بتأريخ تلك الفترة فكتب ملك الروم : إنكم أحدثتم في طواميركم شيئاً من ذكر نبيكم ، فاتركوه وإلاّ أتاكم من دنانيرنا ذكر ما تكرهون فعظم ذلك على المسلمين فاستشار عبد الملك الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، فأشارعليه‌السلام عليه بأن يحرّم على المسلمين التعامل بدنانير أهل الروم ، ويضرب للمسلمين سككاً فيها ذكر الله وذكر رسوله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضربت الدنانير الإسلامية سنة خمس وسبعين .

٢ ـ ملك الروم توعد عبد الملك بن مروان بالمسير لحربه بجنود لا قبل له بها ، وقال في كتابه : أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة لاغزونك بجنود مائة ألف ومائة ألف(٢) فكتب عبدالملك الى

ــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٥٧ عن فتح الأبواب .

(٢) المناقب لابن شهر اشوب ج ٢ ص ٢٥٩ .

٩٣

الحجاج ان يوقف علي بن الحسينعليه‌السلام على الكتاب ويسأله الجواب ويتهدده إن أبى فأمتثل الحجاج أمر سيده عبدالملك فقال السجادعليه‌السلام للحجاج : ( ان لله تعالى لوحاً محفوظاً يلحظه في كل يوم ثلثمائة لحظة ، ليس فيها لحظة الا يحيي فيها ويميت ، ويعزّ ويذلّ ، ويفعل ما يشاء واني لأرجو أن يكفيك منها لحظة واحدة ) فكتب الحجاج بهذه الموعظة إلى عبد الملك ، فكتبها إلى ملك الروم فلما قرأ الكتاب قال : ( ما خرج هذا الكلام إلاّ من معدن النبوة ) وكفّ عن المسير لحرب المسلمين(١) ودلالة الموقفين نجملهما كالتالي :

أ ـ ان السجادعليه‌السلام اثبت بهذين الموقفين أنه الأمين على الدين ، وحافظ الشريعة ، والناصح لأمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمع كل فساد عبد الملك وانحرافه ، إلاّ ان الإمامعليه‌السلام كان مكلفاً بتقديم النصيحة من أجل حفظ دولة المسلمين .

ب ـ الظاهر ان كلمات الإمام السجادعليه‌السلام في الموقف الثاني كان لها واقع علمي في الكتب الدينية لأهل الروم ولذلك اضطرب الملك القاهر ، فتفككت نيته عن غزو بلاد الاسلام .

رابعاً : وارث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حاول عبد الملك بن مروان الإنتساب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق تملك سلاحهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقرر شراء سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودرعه .

ــــــــــــــــ

 (١) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٤٧ .

٩٤

فكتب إليهعليه‌السلام يطلب منه ذلك ويهدده إن لم يفعل فكتب زين العابدينعليه‌السلام إليه : ( أما بعد ، ان الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون ، والرزق من حيث لا يحتسبون ، وقال جلّ ذكره : (...( إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ كُلّ خَوّانٍ كَفُورٍ ) )(١) فانظر أينّا أولى بهذه الآية )(٢)

ولكن عبد الملك لم يقتنع بذلك ، فكتب الى عامله في الكوفة الحجاج بن يوسف يأمره ان يشتريهما له فأرسل الحجاج على علي بن الحسينعليه‌السلام واغتصب منهعليه‌السلام ) درعاً وسيفاً ينسبان الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )

ولما حج عبد الملك تلك السنة ، واجتمع بزين العابدينعليه‌السلام ، سألهعليه‌السلام رد السيف والدرع المغصوبين منه ، وعرّفه بأنّ الحجاج أخذهما بالقهر منه فزاده عبد الملك في الثمن دراهماً ، فأبىعليه‌السلام من البيع فأقسم عليه عبد الملك أن يمضي البيع فقالعليه‌السلام : على شريطة أن تكتب كتاباً تشهد فيه قبائل قريش بأني وارث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان الدرع والسيف له دون كل هاشمي وهاشمية ، فأجابه عبد الملك الى ذلك ، وكان نصل الكتاب :

ــــــــــــــــ

(١) سورة الحج : الآية ٣٨ .

(٢) المناقب ج ٣ ص ٣٠٢ .

٩٥

 ( بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشتراه عبد الملك بن مروان من علي بن الحسين وارث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اشترى درع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيفه اللذان ورثهما منه بمائة ألف درهم وقد قبض علي بن الحسين الثمن وقبض عبد الملك الدرع والسيف ولا حق ولا سبيل لأحد من بني هاشم ، ولا لأحدٍ من العالمين ( وأحضر قبائل قريش قبيلة قبيلة ، وأشهدهم على ما جرى بينه وبين علي بن الحسينعليه‌السلام وأخذ زين العابدينعليه‌السلام الكتاب والمال .

فكانت قريش يقول بعضهم لبعض ان عبد الملك أجهل الخلق ، يقرّ لعلي بن الحسينعليه‌السلام انه وارث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون الناس جميعاً ، ويتسمى بأمرة المؤمنين ويصعد على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أحق به منه ، أن هذا لهو الخسران المبين(١) وبذلك سجّل الإمامعليه‌السلام على عبد الملك بن مروان دليلاً على اغتصابه الخلافة الشرعية من أهلها .

خامساً : عبد الملك وآثار الجاهلية : ولم يهدأ لعبد الملك بال ، بل كان يتحين الفرص للإيقاع بزين العابدينعليه‌السلام في الموارد التي كان يعتقد أنها منقصة للدين والشرف ، ومنها : تزويج الإمامعليه‌السلام مربيته من مولى له ، وزواجهعليه‌السلام من مولاة له كان قد أعتقها .

ــــــــــــــــ

(١) مدينة المعاجز ص ٣١٨ عن هداية الحضيني .

٩٦

أ ـ فقد كان لزين العابدينعليه‌السلام مربية كريمة شريفة كان يطلق عليها لقب ( أمي ) ووالدته توفيت في نفاسها كما ذكرنا ذلك سابقاً ، إلاّ انهعليه‌السلام أ،زل مربيته منزلة أمه وقد زوجها بأحد عتقائه فكتب إليه عبد الملك يعيّره بذلك : ( بلغني انك زوجت أمك [ وهي المربية المقصودة ] من مولاك وقد وضعت شرفك وحسبك)

فكتب إليه زين العابدينعليه‌السلام : ( ان الله رفع بالإسلام كل خسيسة ، وأتم به الناقصة ، وأذهب به اللؤم فلا لؤم على مسلم إنما اللؤم الجاهلية واما تزويجي أمي ، فانما أردت بذلك برّها ) فلما انتهى الكتاب الى عبد الملك قال : لقد صنع علي بن الحسينعليه‌السلام أمرين ما كان يصنعهما أحد ، وزاد بذلك شرفاً(١) ويفهم من تلك الرواية :

١ ـ أن الأمرين الشريفين اللذان أشار إليهما عبد الملك هما : الأول : عتقهعليه‌السلام أحد الرقيق والثاني : تكريم المعتوق بتزويجه المربية التي ربت الإمامعليه‌السلام وسماها أمّه .

٢ ـ انه ساهمعليه‌السلام في تزوج مربيته ، من أجل البر بها وهذا خلقٌ عظيم .

ــــــــــــــــ

(١) التهذيب للطوسي ج ٢ ص ٢٢٦ .

٩٧

٣ ـ انه استلهمعليه‌السلام من الدين الحنيف شرف المساواة بين البشر فساوى بين السادة والعبيد ، وعتقعليه‌السلام العبيد وزوجهم من ماله الخاص .

ب ـ وبلغ عبد الملك بن مروان ان علياً بن الحسينعليه‌السلام تزوج مولاة له ، فكتب اليه : ( انك علمت ان في اكفائك من قريش من تتمجد به في الصهر وتستنجبه في الولد ، فلا لنفسك تظرت ولا على ولدك أبقيت ) .

فكتب اليه السجادعليه‌السلام : ( اما بعد فقد بلغني كتابك تعنفني فيه بتزويجي مولاتي ، وتزعم انه كان في قريش من أتمجد به في الصهر واستنجبه في الولد وانه ليس فوق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرتقى في مجدٍ ولا مستزادٍ في كرم وكانت هذه الجارية ملك يميني ، خرجت مني إرادةً لله عز وجل بأمرٍ ألتمس فيه ثوابه ثم ارتجعتها على سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن كان زكياً في دين الله تعالى ، فليس يخلّ به شيء من أمره ، وقد رفع الله بالاسلام الخسيسة وتمم به النقيصة ، واذهب اللؤم فلا لؤم على امرئ مسلم وانما اللؤم لؤم الجاهلية والسلام)

فلما وقف عبد الملك على الكتاب رمى به الى ولده سليمان وبعد ان قرأه ، قال : يا أمير لشد ما فخر عليك علي بن الحسينعليه‌السلام فقال : ( يا بني لا تقل ذلك ، فانه ألسن بني هاشم التي

٩٨

تفلق الصخر ، وتغرف من بحر ، ان علي بن الحسين يا بني يرتفع من حيث يتضع الناس )(١)

ودلالتها :

١ ـ ان السجادعليه‌السلام أعتق أمة كانت له ثم تزوجها فاعتبر عبد الملك ذلك من موارد الانتقاص .

٢ ـ ولكن السجادعليه‌السلام استشهد بعمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو حجة لا يقبل الرد والإنكار وقد اعتق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صفية بنت حي بن أخطب وتزوجها ، وأنكح عبده زيد بن حارثة بنت عمته زينب بنت جحش(٢) ( وكانت أمها أميمة ابنة عبد المطلب سيد البطحاء ) ثم طلّق زيد بن حارثة زوجته زينب فتزوجها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣ ـ كان مبدأ بني أمية : القومية والقبلية وكان مبدأ السجادعليه‌السلام : الإسلام ولذلك قالعليه‌السلام : (وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة وتمم به النقيصة واذهب اللؤم فلا لؤم على امرئ مسلم وانما اللؤم لؤم الجاهلية ) ، وتلك الكلمات القليلة كانت كافية في الرد على رواسب الجاهلية التي كانت تعتمل في نفس عبد الملك بن مروان .

سادساً : رسالة الإمامعليه‌السلام : وكتب الإمام السجادعليه‌السلام رسالة موعظة إلى عبد الملك وفيها : ( أما بعد فانك أعزّ ما تكون بالله ،

ــــــــــــــــ

(١) الكافي على هامش مرآة العقول ج ٣ ص ٤٤٨ باب المؤمن كفؤ المؤمن .

(٢) وفيات الأعيان لابن خلكان ج ٣ ص ٣٣ .

٩٩

وأحوج ما تكون إليه ، فإن عززت به فاعف له ، فإنك به تقدر ، وإليه ترجع ، والسلام )(١)

في أيام الوليد بن عبد الملك ( ٨٦ ـ ٩٦ هـ)

ولي الوليد بن عبد الملك الخلافة سنة ست وثمانين للهجرة وتوفي سنة ست وتسعين ، أي مدة خلافته عشر سنوات وكان الوليد جباراً ظلوماً(٢) وكان يغلب عليه اللحن ، وقد خطب في المسجد النبوي ، فقال : يا أهل المدينة ( بالضم ) مع ان القاعدة هي ان ( أهل ) منادى مضاف ، فلابد أن ينصب فعاتبه أبوه على إلحانه ، وأشار عليه : أنه لا يلي العرب إلا من يحسن كلامهم فجمع أهل النحو ليعلموه قواعد اللغة ، إلا انه خرج بعد فترة وهو أجهل من قبل(٣)

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن شوذب قال : قال عمر بن عبد العزيز [ عندما ولي الوليد الخلافة ] ( وكان الوليد بالشام ،

ــــــــــــــــ

(١) البصائر والذخائر ـ لأبي حيان التوحيدي ص ٢١٧ .

(٢) تأريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٢٣ .

(٣) تأريخ ابن الأثير ج ٤ ص ١٣٨ .

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413