أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم0%

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 182

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 182
المشاهدات: 72046
تحميل: 8709

توضيحات:

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 182 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72046 / تحميل: 8709
الحجم الحجم الحجم
أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بل قصرّوا شيئاً فيهما .

ج -سابق بالخيرات بإذن اللّه ، هم الجماعة المثلى أدّوا وظائفهم بالحفظ والعمل على النحو الأتم ، فلذلك سبقوا إلى الخيرات كما يقول سبحانه :(  سابِقُوا إلى الخَيرات بِإِذْنِ رَبِّهِمْ   ) وعلى هذا ورثة الكتاب في الحقيقة هم الطائفة الثالثة أعني الذين سبقوا بالخيرات وأمّا ما هو المراد من الطائفة الثالثة فيتكفَّل الحديث لبيان ملامحها

روى الكليني عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في تفسير الآية أنّه قال: (السابق بالخيرات الإمام ، والمقتصد العارف بالإمام ، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام ) وروي نفس الحديث عن الإمام الرضاعليه‌السلام وهناك روايات أُخرى تؤيّد المضمون فمن أراد فليراجع .(١)

ثمّ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أوضح ورثة الكتاب في حديثه المعروف الذي اتّفق على نقله أصحاب الصحاح والمسانيد

أخرج مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه ، قال : قام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فينا خطيباً ، بماء يدعى خُمّاً بين مكّة والمدينة ، فحمد اللّه تعالى ، وأثنى عليه ووعظ وذكّر ، ثمّ قال :

( أمّا بعد : ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب اللّه ، استمسكوا به ) ، فحثّ على كتاب اللّه ورغَّبَ فيه ، ثمّ قال : ( وأهل بيتي ، أذكِّركم اللّه في أهل بيتي ، أذكِّركم اللّه في أهل بيتي ، أذكِّركم اللّه في أهل

١ - البرهان في تفسير القرآن : ٣ / ٣٦٣ .

١٢١

بيتي ) .(١)

هذا ما أخرجه مسلم ، و من الواضح انّه لم ينقل على وجه دقيق ؛ وذلك لأنّ مقتضى قوله : أوّلهما ، أنّ يقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ثانيهما أهل بيتي مع أنّه لم يذكر كلمة : (ثانيهما) وقد رواها الإمام أحمد بصورة أفضل ممّا سبق ، كما رواه النسائي في فضائل الصحابة كذلك .

أخرج أحمد في مسنده عن أبي الطفيل ، عن زيد بن الأرقم ، قال : لما رجع رسول اللّه عن حجّة الوداع ونزل غدير خُم ، أمر بدوحات فقمّمن ، ثمّ قال :( كأنّي قد دعيت فأجبت : إنّي قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ؛ فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) .

ثمّ قال : ( إنّ اللّه مولاي ، وأنا ولي كلّ مؤمن ) ، ثمّ أخذ بيد عليّ ، فقال : ( من كنت وليّه فهذا وليّه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) .(٢)

هذه إلمامة سريعة بحديث الثقلين ، ومن أراد أن يقف على أسانيده ومتونه فعليه أن يرجع إلى الكتب المؤلَّفة حوله ، وأبسط كتاب في هذا الموضوع ما ألفه السيد المجاهد مير حامد حسين حيث خصّ أجزاءً من كتابه (العبقات) لبيان تفاصيل أسانيده ومضمونه ، وقد طبع ما يخصَّ بالحديث في ستَّة أجزاء .

كما بسط الكلام في أسانيده وأسانيده غيره سيد مشايخنا البروجردي (١٢٩٢ - ١٣٨٠ه -) في كتابه (جامع أحاديث الشيعة) ، فقال بعد استيفاء

١ - صحيح مسلم : ٤ / ١٨٧٣ برقم ٢٤٠٨ ، ط عبد الباقي .

٢ - مسند أحمد : ١ / ١١٨ .

١٢٢

نصوص الحديث وأسانيده : وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوجب على الأمّة قاطبة التمسُّك بالعترة الطيبة في الأمور الشرعية والتكاليف الإلهية ، وأكَّد وجوبه وشدَّده وأوثقه وكرَّره بكلمات عديدة وألفاظ مختلفة بحيث لا يمكن إنكاره ولا يجوز تأويله ، و قد اكتفينا بذلك وأنّ كثيراً من طرق الحديث قد ضمّن - مضافاً إلى المذكورات - ما يدل على حجّية أقوالهم ووجوب اتّباعهم وحرمة مخالفتهم .(١)

والجدير بالمسلمين التركيز على مسألة تعيين المرجع العلمي بعد رحيل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ لا يسوغ في منطق العقل أن يترك صاحب الرسالة ، الأمّة المرحومة بلا راع ، وهو يعلم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برحيله سوف يواجه المسلمون حوادث مستجدة ووقائع جديدة تتطلّب أحكاماً غير مبيّنة في الكتاب والسنَّة ، فلا محيص من وجود مرجع علمي يحُلُّ مشاكلها ويذلّل أمامها الصعاب ، وقد قامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببيان من يتصدّى لهذا المنصب بحديث الثقلين .

ومن العجب أنّ كثيراً من المسلمين يطرقون كلّ باب إلاّ باب أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، مع أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يذكر شيئاً ممّا يرجع إلى غير هؤلاء ، فلا أدري ما هو وجه الإقبال على غيرهم والإعراض عنهم ؟!

قال السيد شرف الدين العاملي : والصحاح الحاكمة بوجوب التمسّك بالثقلين متواترة ، وطرقها عن بضعٍ وعشرين صحابياً متضافرة وقد صدع بها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواقف له شتى .

تارة يوم غدير خُم كما سمعت ، وتارة يوم عرفة في حجّة الوداع ، وتارة بعد انصرافه من الطائف ، ومرّة على منبره في المدينة ، وأُخرى في حجرته المباركة في

١ - جامع أحاديث الشيعة :١ / ١٣١ - ١٣٢ .

١٢٣

مرضه ، والحجرة غاصَّة بأصحابه ، إذ قال :( أيّها الناس يوشك أن ُأقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي ، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ، ألا إنّي مخلّف فيكم كتاب اللّه عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي ) ، ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها ، فقال :( هذا عليّ مع القرآن ، والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض ) .

وقد اعترف بذلك جماعة من أعلام الجمهور ، حتى قال ابن حجر : ثمّ اعلم أنّ لحديث التمسّك بهما طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً .

قال : ومرّ له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه ، وفي بعض تلك الطرق أنّه قال ذلك بحجّة الوداع بعرفة ، وفي أُخرى أنّه قاله بالمدينة في مرضه ، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ، وفي أُخرى أنّه قال : ذلك بغدير خُم ، وفي أُخرى أنّه قال : ذلك لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف .

قال : ولا تنافي ؛ إذ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة .

وحسب أئمّة أهل العترة الطاهرة أن يكونوا عند اللّه ورسوله بمنزلة الكتاب ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وكفى بذلك حجّة تأخذ بالأعناق إلى التعبُّد بمذهبهم ، فانّ المسلم لا يرتضي بكتاب اللّه بدلاً ، فكيف يبتغي عن أعداله حِولاً(١)

١ - المراجعات : المراجعة رقم ٨ .

١٢٤

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٨ - حرمة الصدقةُ عليهم

اتّفق الفقهاء على أنّه لا تحلّ الصدقة المفروضة على بني هاشم الواردة في الآية المباركة ، أعني : قوله سبحانه :(  خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ   ) (١) ؛ وذلك لأنّ التطهير والتزكية إنّما يتعلَّق بما فيه وسخ ، وأهل البيت أعلى من أن يعيشوا بأوساخ الناس .

قال ابن قدامة : ( لا نعلم خلافاً في أنّ بني هاشم لا تحلُّ لهم الصدقة المفروضة) (٢) . وقد تضافرت الروايات على ذلك وجمعها ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام ، نقتبس منها ما يلي :

١ - عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ، قال : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد ، إنّما هي أوساخ النّاس ) .(٣)

وفي رواية : ( وإنّها لا تحلُّ لمحمّد ولا لآل محمّد) ، رواه مسلم .(٤)

١ - التوبة : ١٠٣ .

٢ - المُغني : ٢ / ٥٤٧ .

٣ - بلوغ المرام : ١٢٩ ، برقم ٦٦٥ .

٤ - بلوغ المرام : ١٢٩ ، برقم ٦٦٥ .

١٢٥

٢ - روى أبو هريرة ، قال : أخذ الحسن بن عليّعليهما‌السلام تمرة من تمر الصدقة ، فجعلها في فيه ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( كخٍ ، كخٍ ) ليطرحها ، ثمّ قال :( أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة ) ، رواه الشيخان البخاري ومسلم ولمسلم :أما علمت أنّا لا تحل لنا الصدقة .(١)

٣ - عن أنسٍ : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّ بتمرة في الطريق ، وقال :( لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها ) رواه مسلم وأبو داود .(٢)

٤ - عن عائشة ، قالت : أُتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلحم ، فقلت : هذا ما تُصدِّق به على بريرة ، فقال :( هو لها صدقة ، ولنا هدية ) رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود .(٣)

٥ - كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه ، فإن قيل : هدية ، أكل منها ، وإن قيل : صدقة ، لم يأكل منها رواه الترمذي ومسلم .(٤)

٦ - عن عبد اللّه بن حرث الهاشمي ، وساق حديثاً حتى قال :إنّ هذه الصدقات إنّما هي أوساخ الناس وإنّها لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد رواه مسلم والنسائي .(٥)

٧ - عن أبي رافع أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم ، فقال لأبي رافع : اصحبني فإنّك تصيب منها ، قال : حتى آتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأسأله ، فأتاه فسأله ، فقال :مولى القوم من أنفسهم وإنّا لا تحلُّلنا الصدقة أخرجه أبو داود والترمذي وصححه .(٦)

١ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٢ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٣ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٤ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٥ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

٦ - التاج الجامع للأصول : ٢ / ٣٠ - ٣١ ، ط الثانية .

١٢٦

الفصل الثالث: حقوق أهل البيتعليهم‌السلام في القرآن الكريم

قد عرفت مَن هم أهل البيتعليهم‌السلام في الآيات والروايات الواردة على لسان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما جادت به القرائح العربية حولهم من قصائد وأراجيز ، كما عرفت سماتهم وخصوصياتهم .

وحان البحث لبيان حقوقهم على المسلمين الَّتي نزل بها الوحي في الكتاب العزيز ، وها نحن نذكر بعض حقوقهم :

١٢٧

١٢٨

من حقوق أهل البيتعليهم‌السلام

١ - ولاية أهل البيتعليهم‌السلام

قد دلّت الروايات المتضافرة على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتحل وقد نصب عليّاًعليه‌السلام للولاية والخلافة ، فأبان ولايته وولاية من بعده من الأئمّة في مواقف مختلفة ، نذكر منها موقفين :

الأوّل : أنّ سائلاً أتى مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّعليه‌السلام راكع ، فأشار بيده للسائل ، أي اخلع الخاتم من يدي ، فنزل قوله سبحانه :(  إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُوَْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُون   ) .(١)

وقد تضافرت الروايات على نزول الآية في حقّ عليّعليه‌السلام و نقلها الحفّاظ ، منهم : ابن جرير الطبري(٢) ، والحافظ أبو بكر الجصّاص الرازي(٣) ، والحاكم النيسابوري(٤) ، والحافظ أبو الحسن الواحدي النيسابوري(٥) ، وجار اللّه الزمخشري(٦) ، إلى غير ذلك من أئمّة الحفّاظ و كبار المفسِّرين ربّما ناهز عددهم السبعين وهم بين

____________________

١ - المائدة : ٥٥ .

٢ - تفسير الطبري : ٦ / ١٨٦ .

٣ - أحكام القرآن : ٢ / ٥٤٢ .

٤ - معرفة أُصول الحديث : ١٠٢ .

٥ - أسباب النزول : ١١٣

٦ - الكشّاف : ١ / ٤٦٨ .

١٢٩

محدِّث ومفسّر ومؤرِّخ .

والذي يجب التركيز عليه هو فهم معنى الولي الوارد في الآية المباركة والذي وقع وصفاً للّه سبحانه ولرسوله ومن جاء بعده المراد من الولي في الآية هو الأولوية الواردة في قوله سبحانه : (  النَّبيُّ أولى بِالمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ   ) .(١)

فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم فهو بما أنّه زعيم المسلمين ووليّهم ، يتصرّف فيهم حسب ما تقتضيه المصالح في طريق حفظ كيان الإسلام وصيانة هويَّتهم والدفاع عن أراضيهم ولغاية نشر الإسلام .

وليست الغاية من هذه الولاية الموهوبة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي حفظ مصالح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشخصية ، بل الغاية كما عرفت هو صيانة مصالح الإسلام والمسلمين .

فالولاية بهذه المعنى هي المراد من قوله سبحانه :(  إِنَّما وَليّكُمُ اللّهَ وَرَسُولُه   ) والقرائن الدالَّة على تعُّين هذا المعنى كثيرة ، نذكر منها ما يلي :

الأُولى * : إذا كان المراد من الوليّ هو الزعامة يصحّ تخصيصها باللّه سبحانه و رسوله ومن أعقبه ، وأمّا لو كان المراد منه هو الناصر و المحب ، فهو ليس مختصاً بهوَلاء ، لاَنّ كلّموَمن محب للآخرين أو ناصر لهم كما يقول سبحانه:(  وَالمُوَْمِنُونَ وَالمُوَْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَولياءُ بَعْضٍ   ) .(٢)

الثانية: أنّ ظاهر الآية أنّ هناك أولياء وهناك مولى عليهم ، ولا يتحقّق التمايز إلاّ بتفسير الولاية بمعنى الزعامة حتى يتميّز الزعيم عن غيره ، وهذا بخلاف ما لو فسّرناه بمعنى الحبّ والود أو النصر ، فتكون الطوائف الثلاث على حدّ سواء

____________________

* جاء تعداد القرائن في الكتاب بصيغة المذكر : (الأوّل ، الثاني ...) فغيّرنا الصيغة إلى صيغة المؤنّث ؛ لأنّه أوفق بالسياق ، ولكي لا يشتبه بتعداد المواقف السابق عليه [ شبكة الإمامين الحسنين / قسم التقويم ]

١ - الأحزاب: ٦ .

٢ - التوبة: ٧١ .

١٣٠

الثالثة : إذا كان المراد من الولي هو الزعيم ، يصحّ تخصيصه بالمؤمن المؤدّي للزكاة حال الصلاة ، وأمّا لو كان المراد بمعنى المحبّ والناصر وما أشبهها يكون القيد زائداً ، أعني : إعطاء الزكاة في حال الصلاة ، فإنّ شرط الحبّ هو إقامة الصلاة وأداء الزكاة ، وأمّا تأديتها في حال الركوع فليس من شرائط الحبّ والنصرة ، وهذا دليل على أنّ المراد فرد أو جماعة خاصة يوصفون بهذا الوصف لا كلّ المؤمنين .

الرابعة : أنّ الآية التالية تفسّر معنى الولاية ، يقول سبحانه:(  ومَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُون   ) .(١)

فإنّ لفظة :(  وَالّذينَ آمَنُوا   ) في هذه الآية هو الوارد في الآية المتقدّمة ، أعني :(  وَالّذينَ آمَنُوا الّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاة   ) ، وعلى هذا يكون المراد من القول أخذهم زعيماً وولياً بشهادة أنّ حزب اللّه لا ينفك من زعيم يدبِّر أمرهم .

إلى هنا تبيّن أنّ الإمعان في القرائن الحافَّة بالآية تفسّر معنى الولي وتعّين المعنى وتثبت أنّ المقصود هو الزعيم ، لكن من نكات البلاغة في الآية أنّه سبحانه صرّح بولايته وولاية رسوله ومَن جاء بعده وعلى ذلك صارت الولاية للثلاثة ، وكان اللازم عندئذٍ أن يقول : إنّما أولياؤكم ، بصيغة الجمع ، لكنّه أتى بصيغة المفرد إشارة إلى نكتة ؛ وهي أنّ الولاية بالأصالة للّه سبحانه وأمّا ولاية غيره فبإيهاب من اللّه سبحانه لهم ، ولذلك فرّد الكلمة ولم يجمعها ، لكنّ هذه الولاية لا تنفكّ من آثار ، وقد أُشير إلى تلك الآثار في آيات مختلفة ، وإليك بيانها :

١ -(  أَطيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ   ) .(٢)

فإنّ لزوم إطاعة اللّه والرسول وغيرهما من آثار ولايتهم وزعامتهم ، فالزعيم

____________________

١ - المائدة : ٥٦ .

٢ - النساء : ٥٩

١٣١

يجب أن يكون مطاعاً .

٢ -(  وَما كانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤْمِنَة إِذا قَضى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ   ) .(١)

فينفذ قضاؤه سبحانه والَّذي هو من آثار الزعامة ، ونظيره قوله سبحانه :(  إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الكِتابَ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ   ) .(٢)

٣ -(  فَلْيَحْذَرِ الّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرهِ أنْ تُصيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَو يُصيبَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ   ) .(٣) فحرمة مخالفة أمر اللّه ورسوله من توابع زعامتهم وولايتهم .

فهذه الحقوق ثابتة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنصِّ القرآن الكريم ، ولمن بعده بحكم أنّهم أولياء بعد النبيّ فإنّ ثبوتها للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأجل ولايته فإذا كانت الولاية مستمرّة بعده فيتمتّع كلّ وليٍّ بهذه الحقوق .

وبهذا تبيَّنت دلالة الآية على ولاية عليّعليه‌السلام وأنّها حقّ من حقوقهم لصالح الإسلام والمسلمين .

نعم ، بعض من لا تروقهم ولاية أهل البيتعليهم‌السلام وزعامتهم حاولوا تضعيف دلالة الآية بشبهات واهية واضحة الرد ، وقد أجبنا عنها في بعض مسفوراتنا فلنكتف في المقام بهذا المقدار .

غير أنّا نركّز على نكتة وهي أنّ الصحابة الحضور لم يفهموا من الآية سوى الولاية ؛ ولذلك صبَّ شاعر عهد الرسالة حسّان بن ثابت ما فهمه من الآية بصفاء ذهنه في قالب الشعر ، وقال :

____________________

١ - الأحزاب : ٣٦ .

٢ - النساء : ١٠٥ .

٣ - النور : ٦٣ .

١٣٢

فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيد

و يا خير شار ثمّ يا خير بايع

فأنزل فيك اللّه خير ولاية

و بينّها في محكمات الشرائع(١)

والظاهر ممّا رواه المحدّثون أنّ الأمّة الإسلامية سيُسألون يوم القيامة عن ولاية عليعليه‌السلام ، حيث ورد السؤال في تفسير قوله سبحانه :(  وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ   ) .(٢)

روى ابن شيرويه الديلمي في كتاب (الفردوس) في قافية الواو ، باسناده عن أبي سعيد الخدري ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(  وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ   ) عن ولاية علي بن أبي طالب .(٣)

ونقله ابن حجر عن الديلمي ، وقال :(  وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ   ) أي عن ولاية عليّ وأهل البيت ؛ لأنّ اللّه أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعرّف الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلاّ المودّة في القربى ، والمعنى إنّهم يسألون : هل والَوهم حقّ الموالاة كما أوصاهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة ؟(٤)

الثاني (٥) : من تلك المواقف هو يوم الغدير وهو أوضحها وآكدها وأعمّها وقد صدع بها في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام في منصرفه من حجّة الوداع ، وقد قام في محتشد كبير بعد ما خطب خطبة مفصَّلة وأخذ من الناس الشهادة على التوحيد والمعاد ورسالته وأعلن انّه فرط على الحوض ، ثمّ ذكر الثقلين وعرَّفهما ، بقوله :( الثقل الأكبر ، كتاب اللّه ، والآخر الأصغر : عترتي ؛ وأنّ اللطيف

____________________

١ - مناقب الخوارزمي : ١٧٨ كفاية الطالب للكنجي : ٢٠٠ تذكرة ابن الجوزي : ٢٥ .

٢ - الصّافات : ٢٤ .

٣ - شواهد التنزيل للحَسَكاني : ٢ / ١٠٦ .

٤ - الصواعق المحرقة : ١٤٩ .

٥ - تقدّم الأوّل في صفحة : ١٢٩ .

١٣٣

الخبير نبَّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) ، ثمّ قال :( أيّها النّاس مَن أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ ) قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال :( إنّ اللّه مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ) ، ثمّ قال :( اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ، ألاّ فليبلغ الشاهد الغائب ) .

ففي هذه الواقعة الفريدة من نوعها أعلن النبيّ ولاية عليّعليه‌السلام للحاضرين وأمرهم بإبلاغها للغائبين ، ونزل أمين الوحي بآية الإكمال ، أعني : قوله سبحانه :(  الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي   ) .(١)

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اللّه أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الربّ برسالتي ، والولاية لعليّ من بعدي ) .

ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنينعليه‌السلام و ممَّن هنَّأه في مقدّم الصحابة : الشيخان أبو بكر وعمر ، كلّ يقول : بخٍ بخٍ لك يابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة .

وقد تلقّى الصحابة الحضور أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوجب ولايته على المؤمنين ، وقد أفرغ شاعر عهد الرسالة حسّان بن ثابت ما تلقّاه عن الرسول ، في قصيدته وقال :

فقال له قم يا عليّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له أنصار صدق موالياً

قد ذكرنا مصادر الخطبة والأبيات عند البحث عن الإمامة فراجع .(٢)

____________________

١ - المائدة : ٣ .

٢ - راجع مفاهيم القرآن : الجزء العاشر .

١٣٤

مِن حقوق أهل البيتعليهم‌السلام

٢ - أهل البيتعليهم‌السلام وضرورة إطاعتهم

أمر سبحانه باطاعة الرسول وأُولي الأمر ، وقال :(  يا أَيُّهَاالّذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللّه والرَّسُول إِنْ كُنْتُمْ تُْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخر ذلِكَ خَيرٌ وَأَحْسَنُ تَأْويلاً   ) .(١)

تأمر الآية بإطاعة اللّه كما تأمر بإطاعة الرسول وأُولي الأمر لكن بتكرار الفعل ، أعني :(  وأَطيعُوا الرَّسُول   ) ، وما هذا إلاّ لأنّ سنخ الإطاعتين مختلف ، فإطاعته سبحانه واجبة بالذات ، و إطاعة النبيّ وأُولي الأمر واجبة بإيجابه سبحانه .

والمهم في الآية هو التعرُّف على المراد من أُولي الأمر ، فقد اختلف فيه المفسّرون على أقوال ثلاثة :

١ - الأمراء ٢ - العلماء ٣ - صنف خاص من الأمّة ، وهم أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

____________________

١ - النساء : ٥٩ .

١٣٥

وبما انّه سبحانه أمر بإطاعة أُولي الأمر إطاعة مطلقة غير مقيدة بما إذا لم يأمروا بالمعصية ، يمكن استظهار أنّ أولي الأمر المشار إليهم في الآية والذين وجبت طاعتهم على الإطلاق ، معصومون من المعصية والزلل ، كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى اقترنوا في لزوم الطاعة في الآية .

وبعبارة أُخرى : أنّه سبحانه أوجب طاعتهم على الإطلاق ، كما أوجب طاعته ، وطاعة رسوله ، ولا يجوز أن توجب طاعة أحد على الإطلاق إلاّ من ثبتت عصمته ، وعلم أنّ باطنه كظاهره ، وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح ، وليس ذلك بحاصل في الأمراء ، ولا العلماء سواهم ، جلّ اللّه عن أن يأمر بطاعة من يعصيه ، أو بالانقياد للمختلفين في القول والفعل ، لأنّه محال أن يطاع المختلفون ، كما أنّه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه .(١)

وقد أوضحه الرازي في تفسيره ، وذهب إلى أنّ المقصود من أُولي الأمر هم المعصومون في الأمّة ، وإن لم يخض في التفاصيل ، ولم يستعرض مصاديقهم ، لكنّه بيّن المراد منهم بصورة واضحة ، وقال :

والدليل على ذلك أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع ، لا بدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللّه بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأً منهي عنه ، فهذا يُفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وأنّه

____________________

١ - مجمع البيان : ٣ / ١٠٠ .

١٣٦

محال .

فثبت أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أنّ كلّ مَن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم ، وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ ، فثبت قطعاً أنّ أُولي الأمر المذكورون في هذه الآية لا بدّ وأن يكونو معصومين .(١)

وقد أوضح السيد الطباطبائي دلالة الآية على عصمة أُولي الأمر ببيان رائق وإليك نصّه ، قال : الآية تدلّ على افتراض طاعة أُولي الأمر هؤلاء ، ولم تقيده بقيد ولا شرط ، وليس في الآيات القرآنية ما يقيد الآية في مدلولها حتى يعود معنى قوله :(  وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأمْر مِنْكُمْ   ) إلى مثل قولنا : وأطيعوا أُولي الأمر منكم فيما لم يأمروا بمعصية أو لم تعلموا بخطئهم ، فإن أمروكم بمعصية فلا طاعة عليكم ، وإن علمتم خطأهم فقوِّموهم بالردّ إلى الكتاب والسنّة ، وليس هذا معنى قوله :(  وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأمْرِمِنْكُمْ   ) .

مع أنّ اللّه سبحانه أبان ما هو أوضح من هذا القيد فيما هو دون هذه الطاعة المفترضة ، كقوله في الوالدين :(  وَوَصَّيْنَا الإنْسان بِوالِدَيهِ حُسناً وَإِنْ جاهَداكَ لتشرِكَ بِي ما لَيْسَلَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما   ) .(٢) فما باله لم يُظهر شيئاً من هذه القيود في آية تشتمل على أُس أساس الدين ، وإليها تنتهي عامة أعراق السعادة الإنسانية .

على أنّ الأية جمع فيها بين الرسول و أُولي الأمر ، وذكر لهما معاً طاعة واحدة ، فقال :(  وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ   ) ، ولا يجوز على الرسول أن يأمر

____________________

١ - التفسير الكبير : ١ / ١١٤ .

٢ - العنكبوت : ٨ .

١٣٧

بمعصية أو يغلط في حكم ، فلو جاز شيء من ذلك على أُولي الأمر ، لم يسع إلاّ أن يذكر القيد الوارد عليهم فلا مناص من أخذ الآية مطلقة من غير أن تقيّد ، ولازمه اعتبار العصمة في جانب أُولي الأمر ، كما اعتُبر في جانب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير فرق .(١)

وبذلك تبَّين أنّ تفسير أُولي الأمر بالخلفاء الراشدين أو أُمراء السرايا أو العلماء أمر غير صحيح ؛ لأنّ الآية دلَّت على عصمتهم ولا عصمة لهؤلاء ، فلا بدّ في التعرُّف عليهم من الرجوع إلى السنَّة التي ذكرت سماتهم ولا سيّما حديث الثقلين حيث قورنت فيه العترة بالكتاب ، فإذا كان الكتاب مصوناً من الخطأ ، فالعترة مثله أخذاً بالمقارنة .

ونظيره حديث السفينة : ( مَثَل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ) .(٢)

إلى غير ذلك من الأحاديث التي تنصُّ على عصمة العترة الطاهرة ، فإذاً هذه الأحاديث تشكّل قرينة منفصلة على أنّ المراد من أُولي الأمر هم العترة أحد الثقلين .

بل يمكن كشف الحقيقة من خلال الإمعان في آية التطهير ، وقد عرفت دلالتها على عصمة أهل البيت الذين عيَّنهم الرسول بطرق مختلفة .

وعلى ضوء ذلك فآية التطهير ، وحديث الثقلين ، وحديث السفينة ، إلى غيرها من الأحاديث الواردة في فضائل العترة الطاهرة ، كلّها تدلّ على عصمتهم .

هذا من جانب و من جانب آخر دلَّت آية الإطاعة على عصمة أُولي الأمر ،

____________________

١ - الميزان : ٤ / ٣٩١ .

٢ - المستدرك للحاكم : ٣ / ١٥١ أخرجه مسنداً إلى أبي ذر .

١٣٨

فبضم القرائن الآنفة الذكر إلى هذه الآية يتّضح المرادمن أُولي الأمر الذين أمر اللّه سبحانه بطاعتهم و قرن طاعتهم بطاعة الرسول .

وأمّا الرواية عن النبيّ: فقد روى ابن شهراشوب عن تفسير مجاهد أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنينعليه‌السلام حين خلّفه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة ، فقال:( يا رسول اللّه ، أتخلفّني بين النساء والصبيان ؟ ) فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا عليّ ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، حين قال له : (  اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ   ) ، فقال بلى واللّه ) .

(  وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ   ) ، قال : علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولاّه الله أمر الأمّة بعد محمّد حين خلّفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة فأمر العباد بطاعته وترك خلافه ) .(١)

وأمّا ما رُوي عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام حول الآية فحدّث عنها ولا حرج ، فلنقتصر في المقام على رواية واحدة نقلها الصدوق باسناده عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري .

قال : لمّا أنزل اللّه عزّ وجلّ على نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ   ) قلت : يا رسول اللّه ، عَرَفنا اللّه ورسوله ، فمن أولوا الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( هم خلفائي يا جابر وأئمّة المسلمين من بعدي ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ سَمِيِّ محمّد

____________________

١ - المناقب لابن شهراشوب : ٣ / ١٥ ، ط المطبعة العلميّة .

١٣٩

وكنيتي ، حجّة اللّه في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ ، ذاك الذي يفتح اللّه تعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيه على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان ) .

قال جابر ، فقلت له : يا رسول اللّه فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاّها سحاب يا جابر هذا من مكنون سرّ اللّه ومخزون علم اللّه ، فاكتمه إلاّ عن أهله ) .(١)

____________________

١ - البرهان في تفسير القرآن : ١ / ٣٨١ .

١٤٠