مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة12%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 477

الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 268080 / تحميل: 9363
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

نبيه؟ قال : يا روح الله وکلمته قد کان والله ما قلته فاسأل الله أن يذهب به عني فدعا له عيسی عليه السلام فتفضل الله عليه وصار فيط أهل بيته، کذلک نحن أهل البيت لا يقبل الله عمل عبد وهو يشک في ولايتنا(١) .

وجری في ظلمه أي استمر، وفي الکامل(٢) وأجری ظلمه، والمراد بالمؤسس هو يزيد بن معاوية(٣) خاصة أو من سبقه ممن ابتدأ بغصب الخلافة عن أهل بيت النبوة.

__________________

١ ـ راجع البحار ج ٢٧، ص ١٩١، ح ٤٨، وأمالي المفيد ص ٢، ح٢، وروی مثله الشيخ الصدوق في العلل ج٢، ص٣٣٢، باب النوادر.

وروي في کتاب صحيفة الأبرار ص ٧٠ قال صلی الله عليه وآله : (انظر إلى علِي بن أبي طالب عبادة وذکره عبادة ولا يقبل إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه).

ونقلا عن الخوارزمي قال : إن الرسول صلی الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام : يا علي لو عاش عبد عمر نوح تعبد فيه، وأنفق في سبيل الله ذهبا بقدر جبل آحد، وحج بيت الله ألف مرة، وقتل مظلوما بين الصفا والمروة، ولم يقبل ولايتک فلن يشم رائحة الجنة).

وإلی هذا المعنی أشار العارف الکبير نصير الدين الطوسي في شعره المعروف :

لو انّ عبدا بالصالحات غدا

وود ّکلّ نبي مرسل ووليّ

وصام ماصام صوّاما بلا ضجر

وقام ما قدم قواما بلا ملل

وحجّ ما حجّ من فرض ومن سنن

وطاف ما طاف حاف غير منتعل

وطار في الجوّ لا ياوی إلى أحد

وغاص في البحر مامونا من البلل

يکسو اليتامی من الديباج کلّهم

ويطعم الجائعين البر بالعسل

وعاش في الناس الافا مؤلفة

عار من الذنب معصوما من الزلل

ما کان في الحشر عندالله منتفعا

الاّ بحب أمير المؤمنين عليّ

٢ ـ کامل الزيارات لابن قولويه ص ١٧٧، ط : النجف.

٣ ـ هو يزيد بن معاوية، وينسب معاوية إلى اربعة رجال عمر بن مسافر، وعمارة بن الوليد، والعباس بن عبد المطلب، ورجل اسود يدعی الصباح، وکانت هند جدة يزيد مغرمة بحب

٨١

فاسل الله الذي اکرمني بمعرفتکم، ومعرفة أوليائکم ،

ورزقني البراءة من أعدائکم، ان يجعلني معکم في الدنيا والآخرة ،

المراد بمعرفتهم ان يعرف بالدليل، ويعتقد بالاعتقاد الجازم الذي لا يزول بالتشکيک (انهم أهل بيت النبوة وموضوع الرسالة ومختلف الملائکة ومهبط الوحي ومعدن الرحمة وخزان العلم ومنتهی العلم واصول الکرم واولياء النعم وعناصر الابرار ودعائم الاخيار إلى آخر ما ذکر في الجامعة)(١) .

وحاصله : انهم عليهم السلام أفضل الخلق بعد محمد صلی الله عليه وآله الذي لا أفضل منه في عالم الامکان، وبمعرفة اوليائهم ان يعرف ويعتقد کذلک انهم هم الفرقة الناجية(٢) ، وانهم خاصة أهل الجنة، وانهم هم المفلحون الفائزون يوم القيامة(٣) ،

__________________

السود، وما نسب معاوية أحد ممن يعرف حالها إلى أبي سفيان، لانها وضعته بعد زواجها منه بثلاثة اشهر.

وهند هذه هي التي اکلت کبد الحمزة عم الرسول صلی الله عليه واله.

وام يزيد هي ميسون بنت عبد الرحمن بن بجدل الکلبي، مکنت عبدا لابيها من نفسها، وحملت بيزيد.

وجده أبو سفيان اعدی اعداء الله ورسوله، وهو الذي قاد الحرب ضد الاسلام والقران في بدر واحد والاحزاب. (راجع ربيع الابرار للزمخشري)

١ ـ هذا مقطع من الزيارة الجامعة، وللفائدة راجع شروحها.

٢ ـ راجع کتاب الفرقة الناجية لسلطان الواعظين، ترجمة وتحقيق فاضل الفراتي.

٣ ـ اشارة إلى الاية القرانية في النبية(٧) قوله تعالی : (ان الذين امنوا وعملوا الصالحات اولئک هم خير البرية) وبخصوص هذه الاية راجع تفسير الدر المنثور للسيوطي ج٦، ص ٣٧٩.

٨٢

وان محبتهم محبة الله وعداوتهم عداوة الله(١) . وفي حديث جابر عن الباقر عليه السلام قال : يا جابر عليك بالبيان والمعاني، قال : فقلت : ومالبيان وما المعاني؟ قال : قال علي عليه السلام : اما البيان فهو ان تعرف أن الله ليس کمثله شیء فتعبده ولا تشرک به شيئا، وأما المعاني فنحن معانيه ونحن جنبه ويده ولسانه وأمره وحکمه وعلمه وحقه إذا شئنا شاء الله، ويريد الله ما نريد، إلى أنْ قال : يا جابر أو تدري ما المعرفة؟ المعرفة إثبات التوحيد أوّلا ثم معرفة المعاني ثانيا ثم معرفة الأبواب ثالثا ثم معرفة الإمام رابعا ثم معرفة الأرکان خامسا ثم معرفة النقباء سادسا ثم معرفة النجباء سابعا(٢) .

ويجعله معهم في الدنيا توفيقه لمتابعتهم حذو النعل بالنعل کما هو مقام الشيعة الکامل، وفي الآخرة حشره معهم في درجتهم کما ورد في الروايات الکثيرة(٣) .

__________________

١ ـ إشارة إلى الحديث الشريف : (يا علي حربک حربي وحرب علي حرب الله).

٢ ـ البحار ج٢٦، ص١٣، والقطرة ج، مناقب الإمام الباقر عليه السلام ص٣٢٨، وعيون المعجزات ص٧٨ ولهذه الرواية ذيل طويل.

٣ ـ راجع البحار ج٢٧، ص١٠٠، ط : طهران.

٨٣

وأن يثبت لي عندکم قدم صدق في الدنيا والآخرة ،

وأساله أن يبلغني المقام المحمود لکم عند الله ،

وأن يرزقني طلب ثاري مع امام مهدي ظاهر ناطق منکم ،

الايمان النافع هو ما يموت عليه المرء ولذا لا ينجي المرتد ولا يفلح الا مع التوبظ مطلقا أو فط الجملة، فالثبات علی الايمان هو المطلوب لا مجرده. نعم، قد يقال: إنّ الايمان إذا حصل بحقيقته فلا زوال له، الارتداد کاشف عن عدم تحققه أوّلا وما ظهر ليس الا صورة من الايمان لا حقيقة لها، ولکن الحق خلافه کما قرر في محله، ولبعض الاصحاب في هذه المسالة رسالة مفردة فمن اراد التفصيل فليرجع اليها. والتثبيت : الادامة علی الحالة السابقة وعدم الازاغة، وفي الدعاء : (اللهم ثبتنا علی دينک ودين نبيك ولاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا ...)(١) وفي الجامعة(٢) : (فثبتني الله أبدا ما حييث علی موالاتکم ومحبتکم ودينکم، وقفني لطاعتکم، ورزقني شفاعتکم، وجعلني من خيار مواليکم). وقدم صدق بالاضافة کلسان صدق هوالاثرة الحسنة، والقدم هو السابقة في الامر(٣) يقال : له قدم في الهجرة أي سابقة، والاضافة محتملة لتقدير من أو في. وامراد بها المحبة الخالصة، والطاعة التي لا يشوبها عصيان، کما ان المراد بلسان الصدق هو الذکر الحسن والثناء الجميل، وتخصيص التثبيت بالدنيا لکونها محل التغير والتبدل، والمراد بالمقام المحمود الشفاعة الخاصة بهم(٤) ، وفي اضافة الثار الی

__________________ ـ

١ ـ راجع دعاء يوم الجمعة من ادعية الاسبوع.

٢ ـ الزيارة الجامعة المروية عن الامام الهادي عليه السلام وهذا مقطع منها.

٣ ـ راجع المصباح المنير للفيومي ص ٤٩٣.

٤ ـ راجع تفسير القمي ج١، ص ٤١٥، ط : الاعلمي، تفسير سورة الاسراء.

٨٤

ضمير النفس اشارة إلى أنْ کل مؤمن ولي هذا الدم فهو ثاره الذي يطلبه فلا ينافي ذلك اضافته إلى ضمير الخطاب(١) لاختلاف الحيثية، والظاهر : خلاف المستور، ويحتمل ان يکون بمعنی الغالب يقال ظهر عليه إذا غلب عليه.

__________________

١ ـ هذه اشارة إلى اختلاف النسخ، لان في بعض ماصادر الزيارة مثل کامل الزياراة مثل کامل الزيارت بدل (ثاري) (ثارکم).

٨٥

وأسال الله بحقّکم، وبالشّان الذی لکم عنده ان يعطينطي

بمصابي بکم أفضل ما يعطي مصابا بمصيبة(١) ، مصيبة ما اعظمها

وأعظم رزيتها في الاسلام، وفي جميع السماوات والارض.

حقّهم أعظم الحقوق وشأنهم أعلی الشؤون، فالسؤال بهما اقرن بالاجابة، ويستفاد من حديث سلمان وغيره انه لا يرد دعاء إذا سئل فيه بهم عليهم السلام(٢) ، والمصائب الاول مصدر ميمي بمعنی المصيبة والثاني بمعنی من اصابته المصيبة وقد تقرر في محله ان زنة المصدر الميمي من المزيد علی زنة اسم المفعول منه، ومصيبة الثاني اما بدل(٣) أو عطف بيان أو توکيد لمصابي، فالاعراب الکسر وکذالو جعلناه تابعا للاول، ويحتمل النصب علی المفعولية لفعل محذوف(٤) . وفي الکامل(٥) بعد قوله بمصيبته «اقول : انا الله وانا اليه راجعون مصيبة ما اعظمها» والاخبار الواردة في عظم اجر المصائب اکثر من ان تحصي.

__________________

١ ـ في بعض النسخ (بمصيبه) بدون هاء الضمير.

٢ ـ ذکر العلامة المجلسي في زالبحار ج١٠، ص ٩٢، ط : بيروت، عن الامام علي عليه السلام قال : (صلوا علی محمد وآل محمد فان الله عزّ وجل يقبل دعائکم عند ذکر محمد ...).

واخرج الديلمي عن مسند أحمد ج٦، ص ٣٢٣، ان النبي صلی الله عليه وآله قال : (الدعاء محجوب حتی يصلی علی محمد واهل بيته).

٣ ـ بدل من المصيبة الاولی، والبدل يتبع المبدل منه بالاعراب.

٤ ـ ويحتمل ان يکون حکمها النصب علی انها مفعول به لفعل محذوف تقديره (اقول).

٥ ـ کامل الزيارات ص ١٧٧، ط : النجف.

٨٦

قال الباقر عليه السلام : (ان الله إذا احب عبدا اغته بالبلاء غتا وشجه بالبلاء شجا فاذا دعاه قال : لبيک عبدي لئن عجلت لك ما سألت اني علی ذلك لقادر، ولئن اخرت لك فما ادخرت لك خيرلک)(١) .

وقال الصادق عليه السلام : (لو يعلم المؤمن ما له من الاجر في المصائب لتمنی انه قرض بالمقاريض)(٢) .

وفي روايظ النخعي عن الصادق عليه السّلام قال : (من اصيب بمصيبة فليذکر مصابه بالنبي صلی الله وعليه وآله فانه من اعظم المصائب)(٣) .

وفي رواية انه قال : لما اصيب أمير المؤمنين عليه السلام نعی الحسن إلى الحسين وهو بالمدائن فلما قرا الکتاب قال : يالها من مصيبة ما اعظمها مع ان رسول الله صلی الله وعليه وآله قال : من اصيب منکم بمصيبة فليذکر مصابه بي فانه لن يصاب بمصيبة اعظم منها وصدق رسول الله صلی الله وعليه وآله(٤) فتدبر. فان مصيبة الحسين عليه السلام من جملة مصائب النبي صلی الله وعليه واله، وکذا مصائب غيره من الائمة عليهم السلام، فمصيبة النبي صلی الله عليه وآله اعظم المصائب، ولا ينافيه ان مصيبة الحسين عليه السلام اعظمها.

وقوله : ما اعضمها وصف لمصيبة علی تقدير مقول في حقها فان فعل التعجب انشاء، والجملة الانشائية لا تقع صفة کما لا تقع خبرا علی المشهور بين النحاة(٥) نظرا إلى أنْ الخبر ما يحتمل الصدق والکذب، والانشاء لايکون ثابتا في نفسه

__________________ ـ

١ ـ راجع اصول الکافي ج ٢، ص ١٩٧، ح ٧.

٢ ـ نفس المصدر ص ١٩٨، ح ١٥.

٣ ـ راجع وسائل الشيعة للحر العاملي ج٦، ص ٣١٤.

٤ ـ اصول الکافي ج٣، ص ٢٢٠.

٥ ـ راجع قطر الندي، وکتاب شرح ابن عقيل، والنحو الوافي.

٨٧

فلا يثبت لغيره.

وفي الوجهين نظر فان الحد المذکور حد للمقابل للانشاء لا لخبر المبتدا والغرض من الکلام الطلبي وهو ثابت في نفسه وغير الثابت هو المطلوب. نعم، هذا الطلب قائم بالمتکلم وليس من احوال المبتدا وانما المقصود من ذکر الخبر بيان حال من احوال المبتدا ليکون جزء متما للفائدة.

قال بعض المحققين قدس سره : فاذا قلت : زيد اضربه فطلب الضرب صفة قائمة بالمتکلم وليس حالا من احوال زيد الا باعتبار تعلقه به أو کونه مقولا في حقه أو استحقاقه ان اضربه زيد مطلوب ضربه أو تقول في حقه ذلك وهو جيد متين کما لا يخفی.

٨٨

أللّهم اجعلني في مقامي هذا ممن تناله منك صلوات ورحمة

ومغفرة. أللهمَّ اجعل محياي محيا محمّد وآل محمّد ،

ومماتي ممات محمّد وآل محمّد.

مقامي أي لزيارة الحسين. تناله من النيل وهو الاصابة(١) . يقال : نال خيرا إذا اصابه، والامر منه نل بفتح النون کما في المجمع(٢) ، لا من النوال وهو الاجر والحظ ومنه النوال للعطاء(٣) والفعل منه نال ينول والامر نل بضم النون.

ممن تناله أي من الذين يستحقون ذلك بالمحبة والمعرفة بحقهم فان زائري الحسين العارفين بحقّه تنالهم من الصلوات والرحمة والمغفرة ما لا يحصي، کما لا يخفی علی من تتبع الأخبار الواردة في باب زيارته(٤) ، ففي جملة منها : ان من زار الحسين عليه السلام کان کمن زار الله فوق عرشه(٥) . وفي بعضها کتبه الله في عليين(٦) . وفي بعضها : غفر الله له جميع ذنوبه ولو کانت مثل زبد

__________________ ـ

١ ـ راجع لسان العرب والصحاح.

٢ ـ مجمع البحرين للطريحي.

٣ ـ راجع المصباح المنير للفيومي ص ٦٣١.

٤ ـ راجع کامل الزيارات لابن قولويه، وکتاب البحار وکتاب نور العين في المشي إلى زيارة الحسين عليه السلام للاصطهباني.

٥ ـ راجع البحار ج ٠١ ونور العين في المشي إلى زيارة الحسين عليه السلام : عن الحسين بن محمد القمي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : (من زار قبر أبي عبدالله عليه السلام بشط الفرات کان کمن زار الله فوق عرشه).

٦ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٤٧، ط : النجف، عن عيينة بياع القصب عن أبي عبدالله عليه السلام قال :

(من اتی قبرالحسين عليه السلام عارفا بحقه کتبه الله في اعلی عليين).

٨٩

البحر، فاستکثروا من زيارته یغفرالله لکم ذنوبکم(١) . وفي بعضها : اعقته الله من النار(٢) ، وامنه يوم الفزع الاکبر(٣) ، ولم يسال الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة الا اعطاه(٤) ، وفي بعضها : انه أفضل ما يکون من الاعمال(٥) ، وفي بعضها : ان زوار الحسين يدخلون الجنة قبل الناس باربعين عاما وسائر الناس في الحساب(٦) ، وفي بعضها : ما من أحد يوم القيامة الاوهو يتمنی انه من زوار

__________________

١ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٣٨، منها : عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيی عن ابن مسکان عن أبي عبدالله عليه السلام قال : (من اتی قبرالحسين عليه السلام عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تاخر).

٢ ـ راجع نور العين، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه ـ في حديث ـ ان رسول الله صلی الله وعليه بکی بکاء شديدا فلم يساله أحد منا احلالا واعظاماله، فقال له الحسين : لم بکيت؟ فقال : يا ابة فما لمن زار قبورنا علی تشتتها؟ فقال : يا بنی اولئک طوائف من امتي يزورونکم فيلتمسون بذلك البرکة وتلقاه الملائکة بالبشارة يقال له : لا تخف ولا تحزن هذا يومک الذي فيه فوزک.

٣ ـ راجع البحار ج١٠١، عن زرارة قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : ما تقول فيمن زار اباک علی خوف؟ قال : يؤمنه الله يوم الفزع الاکبر وتلقاه الملائکة بالبشارة ويقال له : لا تخف ولا تحزن هذا يومک الذي فيه فوزک.

٤ ـ راجع نورالعين ص ١٤٩، عن علي بن الحسين عليهم السلام قال : یغفر الله له ـ لزائر الحسين عليه السلام ـ ذنوبه ويقضي حوائجه، ثم قال : تقضي له الف حاجة ؛ ستمائة حاجة للاخرة واربعنائة للدنيا.

٥ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٤٦، ط : النجف، عن أبي خديجة عن أبي عبدالله قال : سالته عن زيارة قبر الحسين عليه السلام، قال : (افضل ما يکون من الاعمال).

٦ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٣٧، عن زرارة قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : ان لزوار

٩٠

الحسين بن علي عليهم السلام لما يري لما يصنع بزوار الحسين عليه السلام من کرامتهم علی الله(١) .

والتنکير في الالفاظ الثلاثة(٢) للتعظيم، أو التکثير، أو النوعية، والفرق بينها ان الصلوات تختص بمن لا ذنب له والمغفرة بمن له ذنب والرحمة تشملها(٣) فليتامل.

وفي بعض الأخبار : من اتی قبر الحسين عليه السلام ماشيا کتب الله له بکل خطوة الف حسنة ومحا عنه الف سيئة ورفع له الف درجة(٤) .

قوله (محياي محيی ..) أي حياتي مثل مماتهم في استحقاق الصلاة والرحمة والفوز بالسعادات الدائمة.

قال الطريحي(٥) : قوله محياي ومماتي لله : قد يفسران بالخيرات التي تقع في حال الحياة منجزة والتي تصل إلى الغير بعد الموت کالوصية للفقراء بشيء، أو معناه ان الذي اتيته في حياتي واموت عليه من الايمان والعمل الصالح لله خالصا.

__________________ ـ

الحسين بن علي عليهم السلام يوم القيامة فضلا علی الناس، قلت : وما فضلهم؟ قال : يدخلون الجنة قبل الناس باربعين عاما وسائر الناس في الحساب والموقف.

١ ـ راجع کتاب نور العين وکامل الزيارات، عن عبدالله الطحان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته وهو يقول : مامن أحد يوم القيامة الا وهو يتمنی انه من زوار الحسين لمل يری مما يصنع بزوار الحسين عليه السلام من کرامتهم علی الله تعالی.

٢ ـ وهي (صلوات ورحمة ومغفرة).

٣ ـ يعني ان الرحمة اعم من الصلاة والمغفرة لانها تشمل المذنب وغيره.

٤ ـ راجع ثواب الاعمال للصدوق، وکامل الزيارات.

٥ ـ في کتابه مجمع البحرين.

٩١

وفي رواية عن النبي صلی الله وعليه وآله قال : (من سره ان يحيی حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن قضب غرسه ربي بيده فليتول عليا والاوصياء من بعده وليسلم لفضلهم فانهم الهداة المرضيون)(١) .

فهما(٢) مصدارن ميميان ويحتمل کونهما اسمي زمان أي اجعلني بحيث احيی في زمان حياتهم وهو زمان الرجعة(٣) واموت في زکمان مماتهم أي عند رفعهم إلى السماء بعد انقضاء الدنيا، فليتامل.

__________________ ـ

١ ـ واخرج القندوزي بلفظ آخر ينابيع المودة ص ١٥١، الباب ٤٣ : (قال رسول الله صلی الله وعليه وآله : «من سره ان يحيی حياتي ويموت مماتي ويسکن جنات عدن التي غرس فيها قضيبا ربي، فليوال عليا وليوال وليه، وليقتد بالئمة من ولده من بعده، فانهم فانهم عترتي خلقوا من طينتي، وزرقوا فهما وعلما، وويل للمکذبين بفضلهم من امتي، القاطعين فيهم صلتي، لا انالهم الله شفاعتي».

٢ ـ محياي ومماتي.

٣ ـ لقد تقدمت الاشارة إلى الايات والروايات التي علی الرجعة.

٩٢

اللهم ان هلاا يوم تبركت به بنو امية وابن أكلة اكباد ،

اللعين ابن اللعين، علی لسانك ولسان نبيك صلّی الله عليه وآله

في کل موطن وموقف وقف فيه نبيّك صلّی الله عليه وآله.

إنَّ هذا أي هذا اليوم المسمّي بعاشوراء يوم تبرکوا به لمکان قتل الحسين عليه السّلام، وفي الکامل(١) : (أللّهم إنّ هذا يوم تنزل فيه اللعنة علی آل زياد وآل أميّة وابن آکلة الاکباد الخ).

فيا عجبا کيف تبرکوا بهذا اليوم وهو يوم مصيبة وحزن، وقد قتلوا فيه سبط الرسول، وسبوا نسائه، وانتهبوا ثقله. وکانت أهل الجاهلية فيما مضي يحرمون فيه الظلم والقتال؟

قال الرضا عليه السلام : (من ترک السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضي الله له حوائج الدنيا والاخرة، ومن کان يوم عاشوراء يوم مصيبة وحزنه بکائه جعل الله يوم القيامة يوم فرحه وسروره ف وقرت بنا في الجنان عينه، ومن سمی يوم عاشوراء يوم برکة وادخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادخر، وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد لعنه الله(٢) إلى اسفل درک من النار)(٣) .

وفي رواية عبدالله بن الفضل قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : يابن رسول الله کيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبکاء دون اليوم الذي قبض فيه

__________________

١ ـ کامل الزيارات ص ١٧٨، ط : النجف.

٢ ـ في الاصل (لعنهم الله).

٣ ـ نقل هذه الرواية صاحب مفاتيح الجنان في مفاتيحه ص ٣٧٤ عن کامل الزيارات.

٩٣

رسول الله صلی الله عليه واله، واليوم الذي ماتت فيه فاطمة واليوم الذي قتل أمير المؤمنين عليه السلام واليوم الذي قتل فيه الحسن بالسم؟ فقال : ان يوم قتل الحسين عليه السلام اعظم مصيبة من جميع سائر الايام(١) ، وذلک ان أصحاب الکساء الذين هم کانوا اکرم الخلق علی الله کانوا خمسة فلما مضي عنهم النبي صلی الله عليه وآله بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين فکان فيهم للناس عزاء وسلوة، فلما مضي الحسن کان للناس في الحسين عزاء وسلوة، فلما قتل الحسين عليه السلام لم يکن بقي من أصحاب الکساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة فکان ذهابه کذهاب جميعهم کما کان بقائه کبقاء جميعهم، فلذلک صار يومه اعظم الايام مصيبة. إلى أنْ قال : قال عبدالله بن الفضل، فقلت له : يابن رسول الله صلی الله عليه وآله فکيف سمت العامة يوم العاشوراء يوم برکة؟ فبکی ثم قال : لما قتل الحسين عليه السلام تقرب الناس بالشام إلى يزيد فوضعوا له الاخبار، واخذوا عليها الجوائز من الاموال فکان مما وضعوا له امر هذا اليوم وانه يوم برکة ليعدل الناس فيه من الجزع والبکاء والمصيبة والحزن إلى الفرح والسرور والتبرک(٢) ، حکم الله بيننا وبينهم)(٣) .

وآکلة الاکباد هي هند ام معاوية ارادت ان تاکل کبد حمزة عم الرسول صلی الله عليه وله

__________________

١ ـ ويدل علی هذا قول الامام الصادق عليه السلام : (لايوم کيومک يا با عبدالله).

وقول الامام رضا عليه السلام : (فعلی مثل الحسين فليبک الباکون ان يوم الحسين اقرح جفوننا واذل عزيزنا بارض کرب وبلاء).

٢ ـ اشار إلى هذا المعنی أحد اشعراء بقوله :

(کانت ماتم بالعراق تعدها

امية بالشام من اعيادها)

٣ ـ اخرج هذه الرواية الشيخ الاجل الصدوق في علله ج ١ ص ٢٦٤، ط : الاعملي.

٩٤

وحکايتها المعروفة(١) ، والمراد بابنها في هذه الفقرة يزيد بن معاوية لا معاوية، لانه لم يکن حيا في هذه الوقعة(٢) ، واللعين الاول وصف ليزيد، والثاني لابيه معاوية أو أبي سفيان وکانا ملعونين علی لسان النبي صلی الله عليه وآله(٣) ف کما کان يزيد لعينا لاهل السماوات والارض. ومن کلام الحسن عليه السلام في مجلس معاوية، وانتم في رهط قريب من عدة اولئک لعنوا علی لسان رسول الله صلی الله عليه واله، فاشهد لکم واشهد عليکم انکم لعناء الله علی لسان نبيه صلی الله عليه وآله کلکم(٤) . وانشدکم بالله هل تعلمون ان رسو الله بعث إليك لتکتب (له)(٥) لبني خزيمة؟

__________________

١ ـ راجع السيرة الحلبية ج٢، ص ٢٤٤، (لما جاءت هند بنت عتبة إلى مصرع حمزة فمثلت به وحدعت انفه وقطعت اذنيه ومذاکيره، ثم جعلت ذلك کالسوار في يديها وقلائد في عنقها، وانها يقرت بطن حمزة واستخرجت کبده فلاکتها، فلم تستطع ان تسيغها فقال النبي زصلی الله عليه وآله لما بلغه اخرجها کبد حمزة : هل اکلت منه شيئا؟ قالوا : لا، قال صلی الله عليه وآله : ان الله قد حرم علی النار ان تذوق من لحم حمزة شيئا ابدا.

وقال الامام الصادق عيله السلام : أبي الله ان يدخل شيئا من بدن حمزة النار.

٢ ـ وهي معرکة الطف الخالدة التي وقعت في عام (٦١هـ) بين الحق المتجسد بالامام الحسين عليه السلام، والباطل الکفر المتجسد بيزيد واعوانه الظلمة.

٣ ـ ذکر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج ج٤، ص ٧٩، ط : دار احياء الکتاب العربي : (روی شيخنا أبو عبد الله البصري المتکلم عن نصره بن عاصم الليثي عن أبيه قال : اتيت مسجد رسول الله صلی الله عليه وآله والناس يقولون : نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله فقلت : ما هذا؟ قالوا : معاوية قام الساعة فاخذ بيد أبي سفيان فخرجنا من المسجد فقال رسول الله صلی الله عليه وآله : لعن الله التابع والمتبوع رب يوم لامتي من معاوية ذي الاستاه.

وقال : روی العلاء بن حريز القشيري ان رسول الله صلی اله عليه وآله قال لمعاوية : لتتخذن يا معاوية البدعة سنة والقبح حسنا اکلک کثير وظلمک عظيم

٤ ـ في المصدر : کلکم أهل البيت.

٥ ـ بين القوسين في المصدر غير موجود.

٩٥

(١) إلى أنْ قال : انشدکم الله هل تعلمون ان ما اقول حق(٢) انّك يا معاوية کنت تسوق بابيك علی جمل احمر، ويقوده أخوك هذا القاعد، وهذا يوم الاحزاب، فلعن رسول الله القائد والراکب والسائق فکان أبوك الراکب وأنت يا ازرق السائق واخوك هذا القاعد القائد. ثم (قال)(٣) : انشدکم بالله هل تعلمون ان رسول الله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن؟

أوّلهن : حين خرج من مکة إلى مدينة، وأبو سفيان جاء من الشام فوقع فيه أبو سفيان فسبه وأوعده وهمّ أنْ يبطش به، ثمّ صرفه الله(٤) عنه.

والثاني : يوم العير حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله.

والثالث : يوم احد، يوم قال رسول الله : (الله مولانا ولا مولی لکم)، وقال أبو سفيان : (لنا العزی ولا عزی لکم)، فلعنه الله وملائکته ورسوله والمؤمنون أجمعون.

والرابع : يوم حنين، يوم جاء أبو سفيان يجمع قريش وهوازن إلى آخر الحديث وهو طويل(٥) .

__________________ ـ

١ ـ «بني خزيمة، حين ااصابهم خالد بن الوليد، فانصرف اليه الرسول فقال : هو ياکل، فاعاد الرسول إليك ثلاث مرات، کل ذلك يتصرف الرسول ويقول هو ياکل، فقال رسول الله : «اللهم لاتشبع بطنه، فهي والله في نهمتک واکلک إلى يوم القيامة».

٢ ـ في المصدر : (انما اقول حقا ...).

٣ ـ بين القوسين في المصدر غير موجود.

٤ ـ في المصدر (الله عزّ وجل عنه).

٥ ـ (وجاء عيينة بغطفان واليهود فردهم الله عزّ وجل بغيظهم لم ينالوا خيرا هذا قول الله عزّ وجل له في سورتين في کلتيهما يسمي أبا سفيان واصحابه کفارا، وأنت يا معاوية يومئذ

٩٦

أللّهم العن ابا سفيان، ومعاوية بن أبي سفيان(١) ، ويزيد بن

معاوية، عليهم منك(٢) اللعنة أبد الآبدين

الاخبار في فضل اللعن علی اعداء آل الرسول سيما قتلة ذريته متواترة : ففي رواية الريان بن شبيب عن الرضا عليه السلام : (يابن شبيب ان سرک ان تسکن الغرف المبنية في الجنة فالعن قتلة الحسين)(٣) .

__________________

مشرک علی راي ابيک بمکة، وعلي يومئذ مع رسول الله وعلی رايه ودينه.

والخامس : قول الله عزّ وجل : (والهدي معکوفا ان يبلغ محله) وصددت أنت وابوک ومشرکوا قريش، رسول الله صلی الله عليه وآله فلعنه الله لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة.

والسادس : يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش، وجاء عيينة بن حصن ابن بدر بغطفان، فلعن ورسول الله القادة والاتباع والساقة إلى يوم القيامة فقيل : يارسول الله اما في الاتباع مؤمن؟ فقال : لا تصيب اللعنة مؤمنا من الاتباع، واما القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولاناج.

والسابع : يوم الثنية، يوم شد علی رسول الله اثني عشر رجلا، سبعة منهم من بني امية، وخمسة من سائر قريش، فلعن الله تبارک وتعالی وروسله من حل الثنية غير النبي وسائقه وقائده. (راجع الاستيعاب بذيل الاصابة ج٤، ص ٨٧).

١ ـ في کامل الزيارات (وعلی يزيد بن معاوية).

٢ ـ (عليهم منک) هذه غير موجودة في کامل الزيارت.

٣ ـ وهذا نص الرواية عن البحار ج ٤٤، ص ٢٨٥ :

عن الريان بن شبيب قال : دخلت علی الرضا عليه السلام في اول يوم من المحرم فقال لي : ياابن شبيب اصائم انت؟ فقلت : لا، فقال : ان هذا اليوم الذي دعا فيه زکريا ربه عزّ وجل فقال : (رب هب لی من لدنک ذرية طيبة انّك سميع الدعاء) فاستجب الله له وامر الملائکة فنادت زکريا وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرک بيحيی فمن صام هذا اليوم ثم دعا

٩٧

وفي رواية الفضل عنه عليه السّلام : (من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذکر الحسين عليه السلام وليلعن يزيد وآل يزيد، يمحو الله بذلك ذنوبه ولو کانت کعدد النجوم)(١) .

وفي الرواية عن النبي صلی الله عليه وآله قال : (الا ولعن الله قتلة الحسين عليه السّلام ومحبيهم وناصريهم والساکتين عن لعنهم من غير تقية تستکهم)(٢) .

__________________

الله عزّ وجل استجاب الله له کما استجاب لزکريا عليه السلام، ثم قال : يا ابن شبيب ان المحرم هو الشهر الذي کان أهل الجاهلية فيما مضي يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته فما عرفت هذه الامة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها، لقد قتلوافي هذا الشهر ذريته وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله فلا غفرالله لهم ذللک ابدا، ياابن شبيب ان کنت باکين لشيء فابک للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فانه ذبح کما يذبح الکبش وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الارض شبيهون ولقد بکت السماوات سبع والارضون لقتله ولقد نزل إلى الارض من الملائکة اربعة الاف لنصره فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعث غبر إلى أنْ يقوم القائم فيکونون من أنصاره وشعارهم يا لثارات الحسين، ياابن شبيب لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده انه لما قتل جدي الحسين امطرت السماء دما وترابا احمر، يا ابن شبيب ان بکيت علی الحسين حتی تصير دموعک علی خديک غفرالله لك کل ذنب عليك فزر الحسين عليه السلام، ياابن شبيب ان سرک ان تسکن الغرف المبنية في الجنة مع النبي صلی الله عليه وآله فلعن قتلة الحسين، ياابن شبيب ان سرک ان يکون لك من الثواب مثل مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متی ما ذکرته : ياليتني کنت معهم فافوز فوزا عظيما، ياابن شبيب ان سرک ان تکون معنا في الدرجات العلی من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليک بولايتنا فلو ان رجلا تولی حجرا لحشره الله معه يوم القيامة).

١ ـ راجع البحار ج ٤٤، ص ٢٩٩ الرواية ٢ ـ الباب ٣٦

٢ ـ البحار ج ٤٤، ص ٣٠٤، الرواية ١٧ ـ الباب ٣٦، واليک نص الرواية :

٩٨

وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان بقتلهم الحسين

صلوات الله عليه ،

ونسخة الکامل(١) خالية عن هذه الفرقة ولکنها موجودة في اثر الکتب، وحکايات فرحهم بقتل الحسين عليه السلام سيما حين ورود أهل بيته الکوفة مشهورة مسطورة في کتب المقاتل(٢) . لعنهم الله فقد حمدوا الله وشکروه علی قتله بقولهم لأهل البيت عليهم السلام : الحمد لله الذي قتلکم وأهلککم وأراح البلاد من رجالکم وأمکن أمير المؤمنين يزيد منکم : وقال ابن زياد لزينب عليها السلام : الحمد لله الذي فضحکم وأکذب أحدوثتکم، وقال لما صعد المنبر : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين وأشياعه وقتل الکذاب ابن الکذاب(٣) .

__________________

قال رسول الله صلی الله عليه وآله : لما نزلت : (واذا اخذنا ميثاقکم لا تسفکون) الاية في اليهود أي الذين نقضوا عهد الله وکذبوا رسل الله وقتلوا اولياء الله، افلا انبئکم بمن يضاهيهم من يهود هذه الامة؟ قالوا : بلی يا رسول الله، قال : قوم من امتي ينتحلون انهم من أهل ملتي يقتلون افاضل ذريتي واطائب ارومتي يبدلون شريعتي وسنتي ويقتلون ولدي الحسن والحسين کما قتل اسلاف اليهود زکريا ويحيی، الا وان الله يلعنهم وکما لعنهم ويبعث علی بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف اوليائه إلى نار جهنم، الا لعن الله قتلة الحسين عليهم السلام ومحبيهم وناصريهم والساکتين عن لعنهم من غير تقية يسکتهم الا وصلی الله علی الباکين علی الحسين رحمة وشفقة والاعنين لاعدائهم والممتلئين عليهم غيظا وحنقا، الا وان الراضين بقتل الحسين شرکاء قتلته، الا وان قتلته واعوانهم واشياعهم والمقتدين بهم براء من دين الله.

١ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٧٨، ط : النجف.

٢ ـ راجع الدمعة الساکبة ومقتل المقرمص ٣١٠، واللهوف ص ٨١.

٣ ـ اللهوف لابن طاووس ص ٢٠١ ـ ٢٠٣، مقتل المقرم ص ٣٢٤ ـ ٣٢٧.

٩٩

أللّهم فضاعف عليهم اللعن منك والعذاب الاليم.

أللّهم اني اتقرب إليك في هذا اليوم، وفي موقفي هذا ،

وأيّام حياتي، بالبراءة منهم، واللعنة عليهم، وبالموالاة

لنبيّك وآل نبيّك عليه وعليهم السّلام.

وفي الکامل(١) : (أللّهم فضاعف عليهم اللعنة أبدا بقتلهم(٢) الحسين اني اتقرب إليك في هذا اليوم في موقفي هذا وأيّام حياتي بالبراءة منهم وباللعن عليهم وبالموالاة لنبيك واهل بيت نبيك صلی الله عليه ...).

دعا عليهم بمضاعفة اللعن والعذاب ليکون عذابهم مثل عذاب جميع أهل النار، لما روي عن النبي صلّی الله عليه وآله انه قال : (إنَّ قاتل الحسين بن علي عليه السّلام في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا، وقد شد يداه ورجلاه بسلاسل من نار منکس في النار حتی يقع في قعر جهنم وله ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدة نتنه، وهو فيها خالد ذائق العذاب الاليم مع جميع من شايع علی قتله، کلّما نضجت جلودهم بدّل الله عليهم الجلود حتّی يذوقوا العذاب الاليم، لا يفتر عنهم ساعة ويسقون من حميم جهنّم، فالويل لهم لهم عذاب النار)(٣) .

وفي رواية عنه صلّی الله عليه وآله قال : (إنَّ في النار منزلة لم يکن يستحقها أحد من الناس إلّا بقتل الحسين بن علي ويحيی بن زکريا)(٤) .

__________________

١ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٧٨.

٢ ـ في الاصل (لقتلهم).

٣ ـ راجع البحار ج ٤٥، ص ٣١٤، الرواية ١٤، الباب ٤٦.

٣ ـ اخرجها المجلسي في البحار ج ٤٤، ص ٣٠١، باب ٣٦، ط : طهران.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

خطابُ زهير بن القين (رض)

لم تحدّد المصادر التاريخية الأساسية التي روت خطاب زهير بن القين (رض) قبل بدء القتال موقع هذا الخطاب بدقة، أي هل كان قبل خطاب الإمامعليه‌السلام أم بعده، أم كان في أثنائه، وهل كان قبل خطاب برير (رض) أم بعده؟

يروي الطبري عن كثير بن عبد الله الشعبي أنّه قال: (لمّا زحفنا قِبَل الحسين خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنب، شاكٍ في السلاح، فقال: يا أهل الكوفة، نذارِ لكم من عذاب الله نذار، إنّ حقّاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتّى الآن إخوة، وعلى دين واحدة وملّة واحدة، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منّا أهلٌ فإذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنّا أمّة وأنتم أمّة.

إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد؛ فإنّكم لا تُدركون منهما إلاّ بسوء عُمُر سلطانهما كلّه! ليُسملان أعينكم ويُقطّعان أيديكم وأرجلكم، ويمثّلان بكم، ويرفعانكم على جذوع النخل، ويقتلان أماثلكم وقُرّاءكم، أمثال: حُجر بن عدي وأصحابه، وهانئ بن عروة وأشباهه.

قال: فسبّوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له، وقالوا: والله، لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومَن معه، أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله سِلماً.

فقال لهم: عبادَ الله، إنّ وِلْدَ فاطمة رضوان الله عليها أحقّ بالودّ والنصر من ابن سميّة، فإنْ لم تنصروهم فأُعيذكم بالله أن تقتلوهم، فخلّوا بين هذا الرجل وبين ابن عمّه يزيد بن معاوية، فلعمري إنّ يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين.

قال: فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم وقال: اُسكتْ، أَسكتَ الله نامتك!

٢٦١

أبرمْتنا بكثرة كلامك.

فقال له زهير: يا بن البوّال على عقِبَيه، ما إيّاك أُخاطب إنّما أنت بهيمة، والله ما أظنّك تُحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم.

فقال له شمر: إنّ الله قاتلك وصاحبك عن ساعة.

قال: أفبالموت تخوّفني؟ فو الله للَمَوت معه أحبّ إليَّ من الخُلد معكم.

قال: ثمّ أقبلَ على النّاس رافعاً صوته فقال: عبادَ الله، لا يغرّنكم من دينكم هذا الجلَف الجافي وأشباهه، فو الله لا تنال شفاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله قوماً أهرقوا دماء ذرّيته وأهل بيته، وقتلوا مَن نصرهم وذبَّ عن حريمهم.

قال: فناداه رجل فقال له: إنّ أبا عبد الله يقول لك:(أقبِل، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النُصح والإبلاغ) (١) .

الحرّ بن يزيد الرياحي.. والموقف الخالد

قال الشيخ المفيد (ره): (فلمّا رأى الحرّ بن يزيد أنّ القوم قد صمّموا على قتال الحسينعليه‌السلام ، قال لعمر بن سعد:أَيْ عُمر، أمُقاتلٌ أنت هذا الرجل؟!

قال: إي والله، قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.

قال:أفما لكم فيما عرضهُ عليكم رضا؟!

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٠، وانظر: الكامل في التاريخ: ٣: ٢٨٨ باختصار، وكذلك أنساب الأشراف: ٣: ٣٩٧.

٢٦٢

قال عمر: أمَا لو كان الأمرُ إليَّ لفعلتُ! ولكنّ أميرك قد أبى.

فأقبل الحرُّ حتى وقف من الناس موقفاً، ومعه رجل من قومه يُقال له قُرّة بن قيس، فقال: يا قُرّة هل سقيتَ فرسك اليوم؟

قال: لا.

قال: فما تريد أن تسقيه؟

قال قُرّة: فظننتُ والله أنّه يُريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال، ويكره أن أراه حين يصنع ذلك، فقلت له: لمْ أسقِه، وأنا منطلق فأسقيه.

فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه، فو الله لو أنّه أطلعني على الذي يُريد لخرجت معه إلى الحسين بن عليّعليه‌السلام (١) .

فأخذ يدنو من الحسين قليلاً قليلاً، فقال له المهاجر بن أوس: ما تريد يا بن يزيد، أتريد أن تحمل؟

فلم يجبه وأخذهُ مثل الأفكل - وهي الرعدة - فقال له المهاجر: إنّ أمرك لمريب، والله، ما رأيتُ منك في موقف قطُّ مثلَ هذا، ولو قيل لي: مَن أشجع أهل الكوفة ما عَدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟

____________________

(١) كان الحرّ (رض) يعلم أنّ قرّة بن قيس لعنه الله ليس ممّن يتأسّى بالأحرار لنصرة الحق وأهله، بل هو من المشلولين نفسيّاً الذين يكذبون حتّى على أنفسهم، والأقوى أنّ الحرّ (رض) خشي من قُرَّة - لو أطلعه على نيّته وعزمه - أن يُفشي أمره ويمنعه من تحقيق غايته؛ ولذا كتمَ عليه نيّته وعزمه.

والدليل على كذب قُرّة بن قيس: نفسُ بقائه في جيش ابن سعد حتّى بعد التحاق الحرّ (رض) بالإمامعليه‌السلام ، بل لقد أصرّ قُرّة هذا على مناصرة وحماية أهل الضلال حتّى بعد تزعزع كيانهم، فقد بعثهُ مسعود بن عمرو الأزدي على رأس مئة من الأزد لحماية ابن زياد حتّى القدوم به إلى الشام، بعد أن طرده أهل البصرة منها (راجع: الإمام الحسينعليه‌السلام في مكّة المكرّمة: ٣٤).

٢٦٣

فقال له الحرّ:إنّي والله أُخيِّر نفسي بين الجنّة والنار، فو الله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطِّعتُ وحُرّقت.

ثمّ ضربَ فرسه فلَحِق بالحسينعليه‌السلام فقال له: جُعلت فداك يا بن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعتُ بك في هذا المكان، وما ظننتُ أنّ القوم يردّون عليك ما عرضتهُ عليهم، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، والله، لو علمتُ أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت، وإنّي تائب إلى الله ممّا صنعتُ، فترى لي من ذلك توبة؟(١)

فقال له الحسينعليه‌السلام :(نعم، يتوب الله عليك، فانزِل (٢) .

قال: أنا لك فارساً خير منّي راجلاً، أُقاتلهم على فرَسي ساعة، وإلى النزول ما يصير آخر أمري.

فقال له الحسينعليه‌السلام :فاصنع يرحمك الله ما بدا لك).

فاستقدمَ أمام الحسينعليه‌السلام (٣) ثمّ قال:

____________________

(١) في تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٠: (... والله الذي لا إله إلاّ هو، ما ظننتُ أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبداً، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، فقلت في نفسي: لا أبالي أن أطيع القوم في بعض أمرهم ولا يرون أنّي خرجت من طاعتهم، وأمّا هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم، ووالله لو ظننتُ أنّهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، وإنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي، ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك، أفترى ذلك لي توبة؟).

(٢) في تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٠:(.. نعم، يتوب الله عليك ويغفر لك، ما اسمك؟ قال: أنا الحرُّ بن يزيد، قال:أنت الحرّ كما سمّتك أُمّك، أنت الحرُّ في الدنيا والآخرة، انزِل...) .

(٣) في المصدر (الإرشاد: ٢: ١٠٠): (فاستقدم أمام الحسينعليه‌السلام ، ثمّ أنشأ رجل من أصحاب الحسينعليه‌السلام يقول:

لنعِم الحرُّ حرُّ بني رياحِ

وحُرٌّ عند مختلف الرماحِ

=

٢٦٤

يا أهل الكوفة، لأُمِّكم الهَبَلُ والعَبَرُ، أدَعوتم هذا العبد الصالح حتّى إذا أتاكم أسلمتموه؟ وزعمتم أنّكم قاتِلوا أنفسكم دونه ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه؟! أمسكتم بنفسه، وأخذتم بكظمه، وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه في بلاد الله العريضة(١) ، فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضرّاً، وحلأتموه ونساءَه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهود والنصارى والمجوس، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه! وهاهم قد صرعهم العطش! بئس ما خلفتم محمّداً في ذرّيته، لا سقاكم الله يوم الظمأ الأكبر(٢) .

فحمل عليه رجال يرمونه بالنبْل، فأقبلَ حتّى وقف أمام الحسينعليه‌السلام )(٣) .

هل التحق ثلاثون رجلاً بالإمامعليه‌السلام يوم عاشوراء؟

يقول ابن عبد ربّه الأندلسي: (وكان مع عمر بن سعد ثلاثون رجلاً من أهل الكوفة فقالوا: يعرض عليكم ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث خصال فلا تقبلون منها شيئاً؟! فتحوّلوا مع الحسين فقاتلوا معه)(٤) .

____________________

=

ونِعمَ الحرُّ إذْ نادى حسينٌ

وجاد بنفسه عند الصباحِ

ولكنّ الطبري لم يورد هذه الأبيات داخل سياق التحاق الحرّ (رض) بالإمامعليه‌السلام ، كما أنّ المشهور أنّ هذه الأبيات قيلت بعد مصرعه (رض).

(١) في تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٠: (.. فمنعتموه التوجّه في بلاد الله العريضة حتّى يأمن ويأمن أهل بيته، وأصبح في أيديكم كالأسير..).

(٢) وكذلك في تاريخ الطبري: (.. لا سقاكم الله يوم الظمأ إنّ لم تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه، فحملت عليه رجّالة لهم ترميه بالنبل...).

(٣) الإرشاد: ٢: ٩٩ - ١٠١.

(٤) العقد الفريد: ٥: ١٢٨، وانظر: تهذيب ابن عساكر: ٤: ٣٣٨، والإمامة والسياسة: ٢: ٦، وسير أعلام =

٢٦٥

إشارة:

إنّ المتأمّل في متون المصادر التاريخية(١) - التي ذكرت قضيّة تحوّل والتحاق ثلاثين رجلاً من جيش ابن سعد بالإمامعليه‌السلام - يجد أنّ هذه المتون لا تُشخّص ساعة وزمان التحاقهم بالتحديد، لكنّ ظاهر هذه المتون يوحي بأنّ هذا الالتحاق كان قد حصلَ يوم عاشوراء.

ولذا فإنّ بعض المؤرّخين المتأخرين - أخذاً بهذا الظاهر - ذكرَ قضيّة هذا الالتحاق بعد ذكره التحاق الحرّ (رض) بالإمامعليه‌السلام (٢) ، بل ذهب آخر إلى القول: (ولا شكّ في أنّ موقف الحرّ بن يزيد كان له أعمق الأثر في نفوس الكثيرين من جيش ابن زياد،... ولذلك لم يلبث أن انحاز إلى الحرّ بن يزيد في انتصاره للحسين جماعة من أعيان الكوفة وفرسانها يُقدّر عددهم بثلاثين فارساً)(٣) ، فهذا الكاتب يصرّح بأنّ التحاق هؤلاء الثلاثين كان نتيجة التأثّر بالتحاق الحرّ (رض) بالإمامعليه‌السلام صبيحة عاشوراء.

ولنا هنا ملاحظات في هذا الصدد:

١ - ليس هناك دليل تاريخي يفيد أنّ التحاق هؤلاء الثلاثين (رض) كان بعد التحاق الحرّ (رض) أو كان نتيجة له.

٢ - هناك مصادر تاريخية أخرى تروي أنّ عملية التحوّل والالتحاق

____________________

= النبلاء: ٣: ٣١١، وتاريخ الخميس: ٢: ٢٩٨، وذخائر العقبى: ١٤٩، والمحن، ١٣٣، وانظر: حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام / ٣: ١٩٨ عن تهذيب التهذيب: ١: ١٥٢، وفي ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي (ره)، ص٦٩ (وأتاهم من الجيش عشرون رجلاً).

(١) التي ذكرناها في الحاشية.

(٢) راجع: حياة الإمام الحسين بن عليّعليهما‌السلام : ٣: ١٩٨.

(٣) سيّد شباب أهل الجنّة: ٢٧٧.

٢٦٦

بالإمامعليه‌السلام من قِبل مجموعة من جيش ابن سعد كانت قد تمّت ليلة العاشر، فهذا السيّد ابن طاووس (ره) يروي قائلاً: (وبات الحسينعليه‌السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دويٌّ كدويّ النحل، ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فعبَر عليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلاً..)(١) .

٣ - إنّ هذه الخصال أو الشروط التي تتحدّث مصادر تاريخية أنّ الإمامعليه‌السلام عرضها على ابن سعد ورُدَّت عليه(٢) - على فرض أنّها عُرضت يوم عاشوراء أيضاً - كانت قد عُرضت أيضاً قبل يوم عاشوراء، وبالتحديد بعد إحكام الحصار على معسكر الإمامعليه‌السلام ، أي في اليوم السابع أو الثامن، وقد وردت هذه الخصال المزعومة في رسالة ابن سعد إلى ابن زياد(٣) ، ولا شكّ أنّ أمر هذه الرسالة ومحتواها - على فرض صحّة خبرها - كان قد انتشر في صفوف جيش ابن سعد؛ لأهميتها البالغة.

٤ - تذكر كتب التراجم والتواريخ أسماء مجموعة من الأنصار قد تحوّلوا إلى معسكر الإمامعليه‌السلام في سواد ليلة عاشوراء - بعد ردّ الجيش الأموي ما عرضه الإمامعليه‌السلام - ومن هؤلاء الأنصار (رض) على سبيل المثال لا الحصر: جوين بن مالك بن قيس بن ثعلبة التميمي (رض)، وزهير بن سليم الأزدي (رض)، والنعمان بن عمرو الأزدي الراسبي (رض)، وأخوه الحُلاس (رض)(٤) .

بل تذكر كتب التراجم والتاريخ: أنّ بعض هؤلاء الأنصار (رض) كان قد تحوّل

____________________

(١) اللهوف: ٤١.

(٢) راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣١٢، وقد تمَّ إثبات أنّ هذه الخصال الثلاث أو الشروط المزعومة هي أُكذوبة افتراها عمر بن سعد في رسالته إلى ابن زياد.

(٣) راجع: تاريخ الطبري، ٣: ٣١٢.

(٤) راجع: إبصار العين، ١٩٤ و ١٨٦ و ١٨٧.

٢٦٧

إلى معسكر الإمامعليه‌السلام - بعد ردّ ما عرضهُ الإمامعليه‌السلام - دون أن تُشخّص أنّ هذا التحوّل كان ليلة عاشوراء، ممّا يفيد أنّ هذا الالتحاق ربّما كان قبل ليلة عاشوراء، ومن هؤلاء على سبيل المثال: عمرو بن ضبيعة الضبعي (رض)(١) ، والحارث بن امرئ القيس الكندي (رض)(٢) .

إذاً فالصحيح: أنّ تحوّل والتحاق مجموعة من رجال جيش ابن سعد إلى معسكر الإمامعليه‌السلام قد بدأ ليلة العاشر - أو قبل ذلك على احتمال - ثمّ استمرت عمليّة التحوّل هذه حتى يوم عاشوراء، إلى أن تمّ في يوم عاشوراء عدد الرجال الذين تحوّلوا إلى معسكر الإمام الحسينعليه‌السلام ثلاثين أو يزيدون، وهذا ما ذهب إليه أيضاً المحقّق السماوي (ره) في تلخيصه لمجريات وقائع نهضة الإمامعليه‌السلام ، حيث يقول: (.. فقطعَ - أي عمر بن سعد - المراسلات بينه وبين الحسين، وضيّق عليه ومنع عليه ورود الماء، وطلب منه إحدى الحالتين النزول أو المنازلة، فجعلَ يتسلّل إلى الحسين من أصحاب عمر بن سعد في ظلام الليل الواحد أو الاثنان، حتى بلغوا في اليوم العاشر زهاء ثلاثين ممّن هداهم الله إلى السعادة ووفّقهم إلى الشهادة)(٣) .

____________________

(١) راجع: إبصار العين: ١٩٤، ووسيلة الدارين: ١٧٧ رقم ١١٢.

(٢) راجع: وسيلة الدارين: ١١٦ - ١١٧ رقم ٢٦.

(٣) إبصار العين: ٣٠ - ٣١.

٢٦٨

بدايةُ الحرب - الحملة الأولى

عُمَر بن سعد: اشهدوا أنّي أوّلُ مَن رمى

قال الشيخ المفيد (ره): (ونادى عمر بن سعد: يا ذويد(١) ، أَدْنِ رايتك، فأدناها، ثمّ وضع سهمه في كبد قوسه، ثمّ رمى، وقال: اشهدوا أنّي أوّل مَن رمى، ثمّ ارتمى النّاس وتبارزوا...)(٢) .

وروى الخوارزمي قائلاً: (وزحفَ عمر بن سعد، فنادى غلامه دريداً: قدِّمْ رايتك يا دريد، ثمَّ وضع سهمه في كبد قوسه، ثمّ رمى به وقال: اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل مَن رمى، فرمى أصحابه كلّهم بأجمعهم في أثره رشقة واحدة، فما بقيَ من أصحاب الحسين أحدٌ إلاّ أصابه من رميتهم سهم)(٣) .

الإمامعليه‌السلام يأذن لأنصاره (رض) بالقتال

وقال السيد ابن طاووس (ره): (فتقدّم عمر بن سعد فرمى نحو عسكر الحسينعليه‌السلام بسهم، وقال: اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل مَن رمى، وأقبلت السهام من القوم كأنّها القطَْر، فقالعليه‌السلام لأصحابه:(قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابدّ منه، فإنّ هذه السهام رُسل القوم إليكم) ، فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة، حتّى قُتل من أصحاب الحسينعليه‌السلام جماعة.

____________________

(١) مرَّ في نفس كتاب الإرشاد: ٢: ٩٦ أنّ اسم هذا الغلام دريد.

(٢) الإرشاد: ٢: ١٠١، وانظر: تاريخ الطبري: ٣: ٣٢١، والكامل في التاريخ: ٣: ٢٨٩، وإعلام الورى: ٢: ٤٦١، والدرّ النظيم: ٥٥٤، وقال الدينوري في الأخبار الطوال: ٢٥٦: (ونادى عمر بن سعد مولاه زيداً أن قدِّم الراية، فتقدّم بها، وشبّت الحرب).

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ١١، وتسلية المجالس: ٢: ٢٧٨.

٢٦٩

قال: فعندها ضرب الحسينعليه‌السلام بيده إلى لحيته، وجعل يقول:

(اشتدّ غضب الله تعالى على اليهود إذ جعلوا له ولداً، واشتدّ غضب الله تعالى على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة، واشتدّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه، واشتدّ غضبه على قوم اتّفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيّهم، أمَا والله، لا أُجيبهم إلى شيء ممّا يريدون حتّى ألقى الله تعالى وأنا مُخضّب بدمي) (١) .

وقال الخوارزمي: (قال أبو مخنف: فلمّا رموهم هذه الرمية قلّ أصحاب الحسينعليه‌السلام ، فبقيَ في هؤلاء القوم الذين يُذكرون في المبارزة، وقد قُتل منهم ما يُنيف على خمسين رجلاً...)(٢) .

النصرُ يرفرف على رأس الحسينعليه‌السلام

روى الشيخ الكليني (ره) عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال:(أنزلَ الله تعالى النصر على الحسين عليه‌السلام حتى كان ما بين السماء والأرض، ثمّ خُيِّر: النصر أو لقاء الله، فاختار

____________________

(١) اللهوف: ١٥٨ وفي مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ١١ - ١٢: (.. فعندها ضرب الحسينعليه‌السلام بيده إلى لحيته، فقال:(هذه رُسل القوم - يعني السهام - ثمّ قال:اشتدّ غضب الله على اليهود والنصارى إذ جعلوا له ولداً، واشتدّ غضب الله على المجوس إذ عبدت الشمس والقمر والنار من دونه، واشتدّ غضب الله على قوم اتفقت آراؤهم على قتل ابن بنت نبيّهم، والله، لا أجيبهم إلى شيء ممّا يريدونه أبداً حتّى ألقى الله وأنا مخضّب بدمي، ثمّ صاحعليه‌السلام :أمَا من مغيثٍ يُغيثنا لوجه الله تعالى؟ أمَا من ذابّ يذبّ عن حُرَم رسول الله؟).

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ١١، وتسلية المجالس: ٢: ٢٧٨، وانظر: مثير الأحزان: ٥٦، ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٣٧.

٢٧٠

لقاء الله) (١) .

وينقلها السيّد ابن طاووس (ره) عن معالم الدين للنرسي هكذا: (لمّا التقى الحسينعليه‌السلام وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب، أُنزل النصر حتّى رفرف على رأس الحسينعليه‌السلام ، ثمَّ خُيِّر بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله تعالى، فاختار لقاء الله تعالى)(٢) .

المبارزةُ التي وقعت قبل الحملة الأولى

عبد الله بن عمير الكلبي (رض)... والموقف البطولي

لمّا أدنى عمر بن سعد رايته ورمى بالسهم معلناً بداية الحرب ارتمى الناس (فلمّا ارتموا خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان، وسالم مولى عبيد الله بن زياد، فقالا: مَن يُبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم.

قال: فوثب حبيب بن مظاهر، وبرير بن خضير، فقال لهما الحسين:(اجلسا.

فقام عبد الله بن عمير الكلبي فقال: أبا عبد الله، رحمك الله، ائذن لي فلأَخرج إليهما.

فرأى حسين رجلاً آدم طويلاً، شديد الساعدين، بعيد ما بين المنكبين، فقال حسين:إنّي لأحسبهُ للأقران قتّالاً، اُخرج إنْ شئت) .

____________________

(١) الكافي: ١: ٢٦٠ باب (أنّ الأئمةعليهم‌السلام يعلمون متى يموتون، وأنّه لا يموتون إلاّ باختيار منهم)، حديث رقم ٨.

(٢) اللهوف: وقد مرَّ في الجزء الأوّل (الإمام الحسينعليه‌السلام في المدينة المنوّرة) كيف نفهم أحد أبعاد هذه الرواية في ضوء (منطق الشهيد الفاتح) - فضلاً عن بُعدها العرفاني - فراجع ذلك في مضانّه من الجزء الأوّل: ص١٦٥ - ١٦٦.

٢٧١

قال: فخرج إليهما، فقالا له: مَن أنت؟

فانتسبَ لهما، فقالا: لا نعرفك، ليخرج إلينا زهير بن القين، أو حبيب بن مظاهر، أو برير بن خضير.

ويسار مستنتل أمام سالم، فقال له الكلبي: يا بن الزانية، وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس؟ ويخرج إليك أحد من الناس إلاّ وهو خيرٌ منك؟ ثمّ شدَّ عليه فضربه بسيفه حتى برد، فإنّه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شدَّ عليه سالم، فصاح به أصحابه: قد رهقك العبد، فلم يأبه له حتى غشيه فبدرهُ الضربة، فاتّقاه الكلبي بيده اليسرى، فأطار أصابع كفّه اليسرى، ثمّ مالَ عليه الكلبيّ فضربه حتّى قتله، وأقبلَ الكلبيّ مرتجزاً وهو يقول وقد قتلهما جميعاً:

إنْ تُـنكروني فأنا ابن كلب

حسبي ببيتي في عُلَيْمٍ حسبي

إنّـي امرؤٌ ذو مِرَّةٍ وعصبِ

ولـستُ بالخوّار عند النّكبِ

إنّـي زعـيمٌ لـكِ أُمَّ وهبِ

بالطعن فيه مُقدماً والضربِ

ضرب غُلامٍ مؤمنٍ بالربِّ

فأخذت أمّ وهب امرأته عموداً، ثمَّ أقبلت نحو زوجها تقول له: فداك أبي وأمّي، قاتِل دون الطيبين ذرّية محمّد.

فأقبل إليها يردّها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه(١) ، ثمّ قالت: إنّي لن أدعك دون أن أموت معك، فناداها حسينٌ فقال:

(جُزيتم من أهل بيت خيراً، ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهنّ، فإنّه ليس على النساء قتال) ، فانصرفت إليهنّ)(٢) .

____________________

(١) وإنّ يمينه سدكت على السيف، ويساره مقطوعة أصابعها، فلا يستطيع ردّ امرأته. (راجع: إبصار العين: ١٨٠).

(٢) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٣، وانظر: الإرشاد: ٢: ١٠١.

٢٧٢

بعضُ تفاصيل الحملة الأولى

يظهر من المتون التاريخية أنّ الحملة الأولى كان قد شنّها جيش عمر بن سعد على جيش الإمامعليه‌السلام ، عقيب المبارزة التي قَتل فيها عبد الله بن عمير الكلبي (رض) كُلاًّ من يسار مولى زياد بن أبيه، وسالم مولى عبيد الله بن زياد، يروي الطبري بداية الحملة الأولى فيقول: (وحملَ عمرو بن الحجّاج(١) وهو على ميمنة الناس في الميمنة(٢) ، فلمّا أن دنا من حسين جثوا على الرُكَبِ وأشرعوا الرماح نحوهم، فلم تَقدم خيلهم على الرماح، فذهبت الخيل لترجع، فرشقوهم بالنبل فصرعوا منهم رجالاً وجرحوا منهم آخرين..)(٣) .

وروى الطبري عمّن سمع عمرو بن الحجّاج حين دنا من أصحاب الحسينعليه‌السلام أنّه كان يقول: (يا أهل الكوفة، الزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل مَن مرَقَ من الدين وخالف الإمام!

فقال له الحسين:(يا عمرو بن الحجّاج، أعَليَّ تُحرّض الناس؟ أنحن مَرَقنا

____________________

(١) مرّت بنا ترجمة موجزة لعمرو بن الحجّاج لعنه الله في الجزء الثاني من هذه الدراسة (مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة) في ص٣٤٣ منه، ونضيف إليها هنا ما يتعلّق بنهاية هذا الظالم الآثم: يقول الدينوري:

(وهرب عمرو بن الحجّاج وكان من رؤساء قتلة الحسين يريد البصرة، فخافَ الشماتة، فعدلَ إلى سراف فقال له أهل الماء: ارحل عنّا، فإنّا لا نأمن المختار، فارتحلَ عنهم، فتلاوموا وقالوا: قد أسأنا، فركبت جماعة منهم في طلبه ليردّوه، فلمّا رآهم من بعيد ظنّ أنّهم من أصحاب المختار، فسلكَ الرّمل في مكان يُدعى (البُيَيْضَة) وذلك في حمّارة القيظ، هي فيما بين بلاد كلب وبلاد طي، فقال فيها فقتلهُ ومَن معه العطش). (الأخبار الطوال: ٣٠٣).

(٢) أي في ميمنة جيش عمر بن سعد، والظاهر أنّ الأصل أن تهجم الميمنة على ميسرة الجيش المقابل؛ لأنّها تكون المقابلة لها.

(٣) تاريخ الطبري، ٣: ٣٢٣، وانظر: الإرشاد: ٢: ١٠٢.

٢٧٣

وأنتم ثبتُّم عليه؟ أمَا والله، لتعلمُنَّ لو قد قُبضت أرواحكم ومِتُّمُ على أعمالكم أيّنا مرَق من الدين، ومَن هو أَولى بصَليِ النّار؟!...).

ثمَّ إنَّ عمرو بن الحجّاج حملَ على الحسين في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات فاضطربوا ساعة، فصُرع مسلم بن عوسجة الأسدي، أوّل أصحاب الحسين، ثمّ انصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه، وارتفعت الغبرة فإذا هم به صريع، فمشى إليه الحسين فإذا به رمق، فقال:(رحمك ربّك يا مسلم بن عوسجة ( فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) ).

ودنا منه حبيب بن مظاهر فقال:عزَّ عليَّ مصرعك يا مسلم، أبشِر بالجنّة.

فقال له مسلم قولاً ضعيفاً:بشّرك الله بخير.

فقال له حبيب: لولا أنّي أعلم في أثرك لاحقٌ بك من ساعتي هذه لأحببتُ أن توصيني بكلّ ما أهمَّك، حتى أحفظك في كلّ ذلك بما أنت أهل له في القرابة والدين.

قال: بل أنا أوصيك بهذا رحمك الله - وأهوى بيده إلى الحسين - أن تموت دونه.

قال: أفعلُ وربّ الكعبة.

قال: فما كان بأسرع من أن مات بأيديهم.

وصاحت جارية له فقالت: يا بن عوسجتاه! يا سيّداه!

فتنادى أصحاب عمرو بن الحجّاج: قتلنا مسلم بن عوسجة!

فقال شبث لبعض مَن حوله مِن أصحابه: ثكلتكم أمّهاتكم، إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتذلّلون أنفسكم لغيركم، تفرحون أن يُقتل مثل مسلم بن

٢٧٤

عوسجة؟! أمَا والذي أسلمتُ له، لرُبَّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم سَلق آذربيجان قتلَ ستّة من المشركين قبل أن تتامّ خيول المسلمين، أفيُقتل منكم مثله وتفرحون؟!

قال: وكان الذي قتل مسلم بن عوسجة: مسلم بن عبد الله الضبّابي، وعبد الرحمان بن أبي خُشكارة البجلي...)(١) .

زيارة الناحية المقدّسة تؤيّد أنّ مسلم بن عوسجة (رض) أوّل شهداء الحملة الأولى، أي أوّل شهداء الطفّ رضوان الله تعالى عليهم، فقد ورد فيها السلام على مسلم بن عوسجة هكذا:

(السلام على مسلم بن عوسجة الأسديّ، القائل للحسين وقد أذِن له في الانصراف: أنحن نخلّي عنك؟ وبمَ نعتذر عند الله من أداء حقّك؟ لا والله، حتى أكسِر في صدورهم رمحي هذا، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولا أُفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، ولم

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٦، وانظر: الإرشاد: ٢: ١٠٣ - ١٠٤، والمنتظم لابن الجوزي: ٥: ٣٣٩، والبداية والنهاية لابن كثير: ٨: ١٨٢، وجواهر المطالب للباعوني: ٢: ٢٨٦، وأمّا ما ورد في مناقب ابن شهرآشوب: ٤: ١٠١ ((ثمّ برزَ مسلم بن عوسجة مرتجزاً:

إنْ تـسألوا عنّي فإنّي ذو لبد

من فرع قوم في ذرى بني أسد

فـمَن بـغانا حائدٌ عن الرشد

وكـافر بـدين جـبّار صمد

وفي اللهوف: ١٦١: (ثمّ خرجَ مسلم بن عوسجة فبالغَ في قتال الأعداء، وصبر على أهوال البلاء حتى سقط إلى الأرض وبه رمق، فمشى إليه الحسينعليه‌السلام ...).

فلا دلالة فيه على أنَّ مسلماً (رض) قُتل مبارزة بعد الحملة الأولى، بل إنّ (ثُمّ) الموجودة في بعض كتب التواريخ والمقاتل لا تدلّ على ترتيب وقائع الأحداث فعلاً، ولعلّ المتأمّل في سياقات كتاب اللهوف خاصة يرى هذه الحقيقة واضحة.

٢٧٥

أُفارقك حتى أموت معك، وكُنت أوّل مَن شرى نفسه، وأوّل شهيد شهد لله وقضى نحبه، ففزتَ وربّ الكعبة، شكر الله استقدامك ومواساتك إمامك، إذ مشى إليك وأنت صريع فقال: يرحمك الله يا مسلم بن عوسجة، وقرأ: ( فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) ، لعنَ الله المشتركين في قتلك: عبد الله الضبّابي، وعبد الله بن خُشكارةَ البجلي، ومسلم بن عبد الله الضبّابي) (١) .

شمر بن ذي الجوشن.. يواصل الحملة في الميسرة

ونعود إلى رواية الطبري - التي ذكرت مصرع مسلم بن عوسجة (رض) في حملة عمرو بن الحجّاج في ميمنة جيش ابن سعد - فنقرأ فيها أيضاً: (وحملَ شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة، فثبتوا له فطاعنوه وأصحابه..)(٢) .

ثمّ صارت الحملة من كلّ جانب

وتقول نفس رواية الطبري: (وحُمِلَ على حسين وأصحابه من كلّ جانب)(٣) .

____________________

(١) البحار: ٤٥: ٦٩ - ٧٠.

(٢) و (٣) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٤ - ٣٢٥، وهذا أيضاً ما استفاده المحقّق السماوي (ره) من جملة روايات الطبري في تاريخه، فقد قال في كتابه إبصار العين: ٣٥: (وأمر عمر بن سعد الناس بالحرب، فتقدّم سالم ويسار فوقعت مبارزات، ثمّ صاح الشمر بالناس وعمرو بن الحجّاج بأنّ هؤلاء قوم مستميتون فلا يبارزنّهم أحد، فأحاطوا بهم من كلّ جانب وتعطّفوا عليهم، وحمل الشمر على الميسرة، وعمرو على الميمنة، فثبتوا لهم وجثوا على الرُكب حتى ردّوهم، وبانت القلّة في أصحاب الحسينعليه‌السلام بهذه الحملة التي تسمّى الحملة الأولى، فإنّ الخيل لم يبقَ منها إلاّ =

٢٧٦

فقُتل الشهيد الثاني عبد الله بن عمير الكلبي (رض)

وتتابع رواية الطبري وصف تفاصيل هذه الحملة فتقول: (فقُتِل الكلبيّ وقد قَتَل رجلين بعد الرجلين الأوّلَيْن، وقاتل قتالاً شديداً، فحمل عليه هانئ بن ثُبَبيت الحضرمي، وبُكَير بن حيّ التيمي من تيم الله بن ثعلبة فقتلاه، وكان القتيل الثاني من أصحاب الحسين)(١) .

خيلُ الإمامعليه‌السلام تحمل على الأعداء

تواصل رواية الطبري وصف تفاصيل الحملة الأولى فتقول: (وقاتلهم أصحاب الحسين قتالاً شديداً، وأخذت خيلهم تحمل - وإنّما هم اثنان وثلاثون فارساً - وأخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلاّ كشفتهُ، فلمّا رأى ذلك عزرة بن قيس هو على خيل أهل الكوفة - أنّ خيله تنكشف من كلّ جانب - بعث إلى عمر بن سعد عبد الرحمان بن حصن، فقال: أمَا ترى ما تلقى خيلي مذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة؟ ابعث إليهم الرجال والرماة...)(٢) .

____________________

= القليل، وذهب من الرجال ما يناهز الخمسين رجلاً)، وراجع أيضاً كتاب إبصار العين: ١٨١.

(١) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٥.

(٢) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٥، وتذكر نفس هذه الرواية أنّ عمر بن سعد لمّا أراد أن يبعث الرجال والرماة قال لشبث بن ربعي: (ألا تَقدم إليهم؟ فقال: سبحان الله! أتعمد إلى شيخ مصر وأهل مصر عامّة تبعثه في الرماة؟ لم تجد مَن تندب لهذا ويجزي عنك غيري؟!

قال: وما زالوا يرون من شبث الكراهة لقتاله.

وقال أبو زهير العبسي: فأنا سمعته - يعني شبث بن ربعي - في إمارة مصعب يقول: لا يعطي الله أهل هذا المصر خيراً أبداً ولا يسدّدهم لرشد، ألا تعجبون أنّا قاتلنا مع عليّ بن أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين، ثمّ عَدَونا على ابنه - وهو خير أهل الأرض - نقاتله =

٢٧٧

مشهدٌ كريم من مشاهد بطولة الحرّ (رض)

روى الطبري، عن أبي مخنف، عن النضر بن صالح العبسي: أنّ الحرّ بن يزيد الرياحي (رض) لمّا لحق بالإمام الحسينعليه‌السلام ، قال رجل من بني تميم من بني شقرة، وهم بنو الحارث بن تميم، يُقال له يزيد بن سفيان: أمَا والله، لو أنّي رأيتُ الحرّ بن يزيد حين خرج لأتبعتهُ السِنان!

... فبينا النّاس يتجاولون ويقتتلون، والحرّ بن يزيد يحمل على القوم مقدماً ويتمثّل قول عنترة:

ما زِلتُ أرميهم بثغرة نحره

ولبانه حتّى تسربل بالدّمِ

.. وإنّ فرسه لمضروب على أُذنيه وحاجبه، وإنّ دماءه لتسيل.. فقال الحصين بن تميم(١) - وكان على شرطة عبيد الله، فبعثه إلى الحسين، وكان مع عمر بن سعد، فولاّه عمر مع الشرطة المجفّفة(٢) - ليزيد بن سفيان: هذا الحرّ بن يزيد الذي كنت تتمنّى، قال: نعم، فخرجَ إليه، فقال له: هل لك يا حرّ بن يزيد في المبارزة؟ قال: نعم، قد شئتُ، فبرز له.

قال (الراوي): فأنا سمعتُ الحصين بن تميم يقول: والله، لبرز له، فكأنّما كانت نفسه في يده، فما لبثَ الحرّ حين خرج إليه أن قتله)(٣) .

____________________

= مع آل معاوية وابن سميّة الزانيّة! ضلال يا لكَ من ضلال).

(١) يُذكر في بعض المصادر باسم (الحصين بن نمير)، راجع مثلاً: الكامل في التاريخ: ٣: ٢٩١.

(٢) أي ولاّه قيادة المجففّة مع قيادته الشرطة، والمجفّفة جماعة من الجيش يحملون دروعاً أو متاريس كبيرة، تقيهم وتقي الرماة معهم نبال ورماح الأعداء.

(٣) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٤.

٢٧٨

مقتلُ مجموعة عمرو بن خالد الصيداوي (رض)

قال الطبري: (فأمّا الصيداوي عمرو بن خالد، وجابر(١) بن الحارث السلماني، وسعد مولى عمرو بن خالد، ومجمّع بن عبد الله العائذي(٢) ، فإنّهم قاتلوا في أوّل القتال، فشدّوا مُقدمين بأسيافهم على الناس، فلمّا وغلو عطفَ عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم، وقطعوه من أصحابهم غير بعيد، فحملَ عليهم العبّاس بن عليّ فاستنقذهم، فجاءوا قد جُرّحوا، فلمّا دنا منهم عدوّهم شدّوا بأسيافهم، فقاتلوا في أوّل الأمر حتّى قُتلوا في مكان واحد)(٣) .

رُماة ابن سعد يعقرون خيل الإمامعليه‌السلام

وتواصل رواية الطبري خبر هذه الحملة فتقول: (ودعا عمر بن سعد الحصين بن تميم، فبعث معه المجفّفة(٤) وخمسمئة من المرامية، فأقبلوا حتّى إذا دنَوا من الحسين وأصحابه رشقوهم بالنبل، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم، وصاروا رجًّالة كلّهم)(٥) .

____________________

(١) هو جنادة بن الحرث المذحجي المرادي السلماني الكوفي على ضبط المحقّق السماوي (ره) في إبصار العين: ١٤٤، وكذلك في رجال الشيخ الطوسي: ٩٩ رقم ٩٨٦، وغيرهم، ولعلّ (جابر) من تصحيف النسّاخ.

(٢) وابنه عائذ بن مجمع بن عبد الله، فقد كان معهم أيضاً (راجع: إبصار العين: ١٤٦).

(٣) تاريخ الطبري، ٣: ٣٣٠، وقال المحقّق السماوي (ره): (قال أهل السيَر: وكانوا أربعة نفر، وهم: عمرو بن خالد، وجنادة، ومجمع، وابنه، وواضح مولى الحرث، وسعد مولى عمرو بن خالد، فكأنّما لم يعدّوا المولَيَين واضحاً وسعداً..). (إبصار العين: ١٤٦ - ١٤٧).

(٤) المجفّفة: جماعة (فِرقة) من الجيش يحملون دروعاً ومتاريس كبيرة تقيهم وتقي الرماة منهم نبال ورماح الأعداء.

(٥) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٤.

٢٧٩

ويروي الطبري أيضاً: أنّ أيّوب بن مشرح الخيواني كان يقول: (أنا والله عقرتُ بالحرّ بن يزيد فرَسه، حَشأته سهماً فما لبث أن أرعد الفرس واضطرب وكبَا، فوثبَ عنه الحرّ كأنّه ليث، والسيف في يده وهو يقول:

إن تعقِروا بي فأنا ابن الحُرّ

أشجع من ذي لَبَدٍ هِزَبْرِ

فما رأيتُ أحداً قطُّ يفري فريه)(١) .

اشتدادُ القتال حتّى منتصف النهار

ويروي الطبري أيضاً فيقول: (وقاتلوهم حتى انتصف النهار أشدّ قتالٍ خلَقه الله، وأخذوا لا يقدرون على أن يأتوهم إلاّ من وجه واحد؛ لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض، قال: فلمّا رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجالاً يقوّضونها عن أيمَانهم وعن شمائلهم؛ ليحيطوا بهم.

قال: فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخلّلون البيوت فيشدّون على الرجل وهو يقوِّض وينتهب، فيقتلونه ويرمونه من قريب ويعقرونه، فأمرَ بها عمر بن سعد عند ذلك فقال: احرقوها بالنّار ولا تدخلوا بيتاً ولا تقوّضوه، فجاءوا بالنار فأخذوا يُحرقون.

فقال حسينٌ:

(دَعوهم فليُحرقوها؛ فإنّهم لو قد حرَقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها).

وكان ذلك كذلك وأخذوا لا يقاتلونهم إلاّ من وجه واحد)(٢) .

____________________

(١) نفس المصدر: ٣: ٣٢٤.

(٢) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٥.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477