مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٥

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة16%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 228

الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 228 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135128 / تحميل: 8984
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٥

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

مُقدِّمة مركز الدراسات الإسلاميّة

التابع لممثليّة الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، ودليلاً على نعمه وآلائه. والصلاة والسلام على أشرف الخلائق محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين.

وبعد:

فهذا الكتاب: (وقائع الطريق من كربلاء إلى الشام) هو الجزء الخامس من دراستنا التاريخية التفصيليّة الموسعة، الموسومة بـ (مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة)، نُقدّمه إلى القُرّاء الكرام، والمحقّقين الأفاضل؛ لينضمّ إلى مجموعة الأجزاء الصادرة من هذه الموسوعة من قبْله، وهي:

١ - الإمام الحسينعليه‌السلام في المدينة المنوّرة.

٢ - الإمام الحسينعليه‌السلام في مكّة المكرّمة.

٣ - وقائع الطريق من مكّة إلى كربلاء.

٤ - الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء.

وكتابنا هذا (الجزء الخامس) يواصل مُتابعة حركة أحداث النهضة الحسينية، ما بعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، وقراءة ما جرى على بقيّة أهل البيتعليهم‌السلام - في حركة الركب الحسيني من كربلاء إلى الكوفة، ثمّ منها إلى الشام - قراءة تحليلية نقديّة، تتلمس الاستفسار والإجابة الصحيحة عن كلّ مُشكل مُهمّ في مسار هذه المتابعة.

٥

ولا ندّعي شططاً إذا قلنا - كما قلنا بحقّ الأجزاء السابقة -: إنّ هذا الكتاب، قد حوى من التحقيقات والنظرات والإشارات الجديدة، ما وفّقه لسدّ جملة من ثغرات كثيرة، في تاريخ النهضة الحسينية المقدّسة، كانت قبل ذلك مُبهمة غامضة، لم تنل قسطها اللازم من التحقيق، ولم تتوفّر الإجابة الوافية بشأنها.

وهنا لابدّ من أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى مؤلّف هذا الجزء، سماحة الشيخ المحققّ محمّد جعفر الطبسي؛ لِما بذله من جهد كبير، في إعداد مادّة هذا البحث القيّم.

ويحسن هنا - أيضاً - أن نُنوِّه، أنّ سماحة المؤلّف قد تكفّل من قبل، ببحث حركة أحداث (المقتل) وإعداد مادّة بحثه ضمن الجزء الرابع، كما حقّق كتاب (إبصار العين في أنصار الحسينعليه‌السلام ) للمرحوم الشيخ المحققّ محمّد السماوي، والذي صدر - هو الآخر - عن مركزنا هذا، ولشيخنا المؤلّف مؤلَّفات أُخرى أيضاً(١) .

كما ينبغي هنا، أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى فضيلة الأستاذ المحقّق علي الشاوي، الذي تولّى العناية بهذا البحث، مُراجعةً ونقداً، وتنظيماً وتكميلاً، كعنايته من قبل بالأجزاء: الثاني، والثالث، والرابع - فضلاً عن تأليفه الجزء الأوّل من هذه الموسوعة - داعين له بمزيد من الموفقيّة في ميدان التحقيق ومؤازرة المحقّقين.

مركز الدراسات الإسلامية          

التابع لممثليّة الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

____________________

(١) منها: رجال الشيعة في أسانيد السنّة (مجلّد واحد)، وتحقيق كتاب مسالك الإفهام إلى تنقيح شرايع الإسلام - من الطهارة إلى المضاربة (٤ مجلّدات) - وكان الشيخ المؤلّف أيضاً أحد مجموعة المحقّقين الذين قاموا بإنجاز موسوعة (مُعجم أحاديث المهديعليه‌السلام ).

٦

مُقدِّمة المؤلّف

(الدور التبليغي المتمِّم للنهضة المقدَّسة)

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريّته محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى أهل بيته الطاهرين، سيّما سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسينعليه‌السلام .

لا شكّ ولا ريب، في أنّ الدَّور التبليغي، الذي قمْنَ به النساء عامّة، قبل وحين وبعد واقعة الطف، وعقائل الوحي خاصة، كان له أكبر الأثر والدَّور في توعية الناس وتعريفهم بحقيقة الأمور.

وبدأ هذا الدور من الكوفة، عند ورود سفير الحسينعليه‌السلام ، وخذلان أهلها إيّاه إلاّ المرأة التي كانت تُسمّى (طوعة) رضي الله عنها، حيث سمحت لنفسها أن تُدخِل مسلماً دارها وتُضيّفه بأحسن وجه.

ثمّ تلك المرأة التي تأمر ولدها أن ينصر الإمامعليه‌السلام وتقول له:

اُخرج فقاتل بين يدي ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى تُقتل.

فقال: أفعل.

فخرج. وقال له الحسينعليه‌السلام :(هذا شابٌّ قُتِل أبوه، ولعلّ أمّه تكره خروجه) .

فقال الشابّ: إنّ أمّي أمرتني يا بن رسول الله(١) .

____________________

(١) راجع مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢٥:٢.

٧

وفي هذا الإطار - إطار الفداء والتضحية - يذكر تاريخ كربلاء: أنّ أُمّ وهب بن عبد الله بن حبّاب الكلبي كانت في كربلاء، وكانت تُخاطب ولدها: قمّ يا بني، فانصر ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فلم يزل يُقاتل ثمّ قُطعت يداه، وأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول: فداك أبي وأمّي! قاتل دون الطيِّبين حُرَم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد أن قُتل ذهبت إليه تمسح الدم عن وجهه، فبصر بها شمْر، فأمر غلاماً له، فضربها بعمود كان معه فشدخها وقتلها وهي أوّل امرأة قُتلت في عسكر الحسينعليه‌السلام (١) .

ولم تزل المرأة الحسينية الغيورة تبدي وفاءها لسيّد شباب أهل الجنّةعليه‌السلام ، ففي يوم عاشوراء، وبعدما قُتِل ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخذ العدوّ يهجم على بنات العترة ويسلب النساء، وقفت امرأة من بكر بن وائل، وصرخت في وجوه آل بكر، وهي تقول: أتُسلبُ بنات رسول الله؟! لا حُكم إلاّ لله! يا لثارات المصطفى(٢) .

إنّ شعار (يا لثارات المصطفى)، الذي رفعته هذه المرأة من قبيلة بكر بن وائل شعارٌ مُهمٌّ جدّاً تأريخياً وسياسياً؛ ذلك لأنّ هذه المرأة الغيورة، أدركت أنّ حقيقة المواجهة هي بين الأُموية المنافقة وبين الإسلام الذي جاء به المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهذا أوّل خيوط الفتح الحسيني، وهو فصل الأُموية عن الإسلام.

وعندما سلب مالك بن نسر (بشير) الكندي بُرنس الإمامعليه‌السلام ، وأتى به إلى أهله؛ لتَغسله، قالت له زوجه - أمّ عبد الله بنت الحارث -: أتَسلُب ابن بنت رسول

____________________

(١) راجع: البحار: ١٦:٤٥ - ١٧، وفي الملهوف لابن طاووس ١٦١: وخرج وهب بن حباب الكلبي وكان معه زوجته ووالدته.

(٢) راجع: مُثير الأحزان: ٧٧، ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٣٠١، والمجالس الفاخرة: ٢٣٦، والفتوح: ٥: ١١٧.

٨

الله بُرنسه وتدخل بيتي؟! اُخْرُج عنّي حشا الله قبرك ناراً!(١) .

هذا البحث له مصاديق مليئة في واقعة الطفّ، لسنا بصدد استيعابها.

دَور نسوة بني هاشم:

وأمّا دَور نساء بني هاشم - أعمّ من العقيلة زينب وفاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وأمّ كلثوم - فلهنّ كلّ الدَّور في تبليغ الرسالة الخالدة، التي كُنَّ يستشعرن مسؤوليتهنّ في وجوب الدفاع عنها.

إنّ الشيء المهمّ الذي كان بنو أُميّة يهتمُّون به، هو أن يُعرّفوا للنّاس الإمام الحسينعليه‌السلام أنّه رجل خارجي، خرج على يزيد في العراق، وسعى ليشُقَّ عصا الطاعة، وليُفرّق كلمة الأمّة كان الأُمويون يسعون لترسيخ هذه الفكرة في النفوس الضعيفة بعد واقعة كربلاء.

وكان يزيد وعبيد الله بن زياد، يُصرّان عامدَين على وصف الإمامعليه‌السلام بأنّه كذّاب

فهذا عبيد الله بن زياد يُخاطب الأسرى من بني هاشم في قَصره، ويقول: بأنّ الله نصر يزيد وقتل الكذّاب.

فتقوم زينبعليها‌السلام وتقول - ردّاً على أراجيفه -:

الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وطهّرنا من الرّجس تطهيراً، وإنّما يُفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا والحمد لله(٢) .

من ثَمّ ننتقل لهاتين الفكرتين: فكرة بني أُميّة، بأنّ الحسينعليه‌السلام كاذب في دعواه! وفكرة العقيلة زينبعليها‌السلام ، بأنّ الإمامعليه‌السلام من شجرة أهل بيت طهّرهم الله تطهيراً.

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٣٤:٢.

(٢) الإرشاد: ١١٥:٢، تذكرة الخواص: ٢٣٢، اللهوف: ٢٠١، إعلام الورى: ٤٧١:١.

٩

فنرى أنّ زينب (سلام الله عليها) بعد واقعة الطفّ، قامت بكلّ وجودها أمام الطُّغاة من بني أُميّة؛ لتكشف النقاب عن تلك الوجوه الممسوخة، ولتُثبت للناس بأنّ الحسين ابن بنت رسول الإسلامعليهما‌السلام ، وليس كما يزعم الناس بأنّه خارجي خرج على يزيد.

والجدير بالذِّكْر، أنّ عمّال بني أُميّة حينما حملوا رؤوس شهداء الطفّ مع السبايا إلى الشام، كانوا كثيراً ما يقولون للنّاس: بأنّ الحسينعليه‌السلام خارجي خرج على يزيد(١) . وبهذا أرادوا قلْب الحقائق للناس، وقد حقّقوا بالفعل تلك النتيجة، ولكن لفترة قصيرة جدّاً.

مواصلة الرسالة التبليغية في دمشق:

كانت دمشق تُعَدُّ مركزاً أساسياً لبني أُميّة؛ إذ كان يزيد قد اتّخذها عاصمة له، وكان قد أمر بجمع الناس، وأدخلوا سبايا الحسينعليه‌السلام بوضع فجيع، وكان يزيد يُريد أن يستثمر تلكم الحال ضدّ أهل البيتعليهم‌السلام ، لكنّ زينبعليها‌السلام أدّت رسالتها الخالدة، فقامت في نفس المجلس، وهوت إلى جَيبها فشقّته!! ثمّ نادت بصوت حزين يُقرح القلوب:يا حسيناه! يا حبيب المصطفى! يا بن فاطمة الزهراء!

يقول الراوي: فأبكت - والله - كلّ مَن كان حاضراً في المجلس! ويزيد ساكت!(٢) .

وفي الشام أيضاً يروي الشيخ الصدوق (ره) عن فاطمة بنت عليّعليها‌السلام (٣) ، أنّها قالت: (لما أُجْلِسنا بين يدي يزيد بن معاوية، رقّ لنا أوّل شيء وألطفنا، ثمّ إنّ رجلاً

____________________

(١) راجع البحار: ٤٥: ١١٤.

(٢) اللهوف: ٢١٣ وعنه في نفس المهموم: ٤٤٢.

(٣) قال المزِّي: فاطمة بنت علي بن أبي طالب القرشية الهاشمية، وهي فاطمة الصغرى، توفِّيت سنة سبع عشرة ومئة. (راجع: تهذيب الكمال: ٣٥: ٢٦١، رقم ٧٩٠٣).

١٠

من أهل الشام أحمر قام إليه فقال: يا أمير المؤمنين، هَبْ لي هذه الجارية تُعينني - وكنتُ جارية وضيئة - فأُرعبت وفَرِقت وظننت أنّه يفعل ذلك! فأخذتُ بثياب أُختي وهي أكبر منِّي وأعقل، فقالت:كذبتَ - والله - ولُعنتَ ما ذاك لك ولا له.

فغضب يزيد فقال: بل كذبتِ! والله، لو شئت لفعلته.

قالت:لا والله، ما جعل الله ذلك لك، إلاّ أن تخرج من ملّتنا وتدين بغير ديننا.

فغضب يزيد، ثم قال: إياي تستقبلين بهذا؟! إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك.

فقالت:بدين الله ودين أبي وأخي وجدّي اهتديت، أنت وجدّك وأبوك.

قال: كذبتِ يا عدوّة الله.

قالت:أميرٌ يشتم ظالماً ويقهر بسلطانه.

قالت: فكأنّه لعنه الله استحيى، فسكت ...)(١) .

فزينب حقّاً من أبرز مصاديق( الّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالاَتِ اللّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاّ اللّهَ ) (٢) ، فهي لم تخَفْ من أحدٍ في مجالس الحُكّام الطغاة، وكان هدفها إيصال الرسالة المجيدة بأحسن وجه وصورة، ولقد استطاعت أن تُبلّغ رسالات الله إلى أعداء الله من بني أُميّة، فهذا الصراخ والعويل استطاع أن يُغيّر كلّ شيء! وما استطاع العدوّ أن يصل إلى أهدافه الشرّيرة!

إذن؛ لنا أن نقول: لولا وجود زينب، وأمّ كلثوم، وفاطمة بنت الحسين(٣) ، ولولا

____________________

(١) أمالي الصدوق: ١٣٩، المجلس ٣١، ح ٢، الإرشاد ٢: ١٢١.

(٢) سورة الأحزاب: الآية ٣٩.

(٣) قال المزّي: (فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، القرشية الهاشمية المدنيّة، أخت علي =

١١

خُطَبهنّ الساخنة في الكوفة والشام؛ لأخمد بنو أميّة صوت العدالة الإنسانية، التي رفعها الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء يوم عاشوراء، بحيث لم يبقَ شيء اسمه كربلاء ولا حسينعليه‌السلام إلى يومنا هذا!

الإمام السجّاد ودَوره في كربلاء:

لا شكّ في أنّ عليّ بن الحسينعليه‌السلام كان مريضاً في كربلاء؛ وذلك لمصالح أشرنا إلى بعضها في هذا الكتاب، ولكنّ ما تجدر الإشارة إليه هو الدور الإعلامي والتبليغي، الذي قام به الإمام السجّادعليه‌السلام بعد قتل أبيه الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ للتعريف بالنهضة الحسينية خلال خطاباته في الكوفة والشام.

فقد كانعليه‌السلام في الكوفة جنْباً إلى جنْب مع عمّته العقيلة زينبعليها‌السلام في الدفاع عن كيان النهضة الحسينية، ومواجهة الإعلام الأُموي الكاذب، الذي كان مُنتشراً في آفاق العالم ضدّ أهل البيتعليهم‌السلام .

فحينما دخل الكوفة مع الأسرى، ورأى أهلها يضجّون ويبكون، خاطبهم قائلاً:(أتَنوحون وتبكون من أجلنا؟! فمَن قتلنا؟!) (١) .

ويقفعليه‌السلام أمام الحشود الكثيرة في الكوفة؛ ليؤدّي رسالته الخالدة، فيقول:(أيّها الناس، مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا أُعرّفه بنفسي، أنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذُحل ولا تِرات! أنا ابن مَن انتُهك حريمه، وسُلب نعيمه، وانتُهب ماله، وسُبي عياله! أنا ابن مَن قُتل صبراً وكفى بذلك فخراً ...

____________________

= بن الحسين زين العابدين وكانت فيمَن قدم دمشق بعد قتل أبيها، ثمّ خرجت إلى المدينة.) (راجع: تهذيب الكمال: ٣٥: ٢٥٤: رقم ٧٩٠١).

(١) البحار: ٤٥: ١٠٨ عن اللهوف: ١٩٢.

١٢

فتبّاً لِما قدّمتم لأنفسكم وسوءاً لرأيكم! بأيّة عين تنظرون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حُرمتي، فلستم من أمّتي؟!) (١) .

كانت هذه الكلمات تصدر عنهعليه‌السلام ، والإمام الحسينعليه‌السلام كان ما يزال مطروحاً في أرض المعركة! لقد أراد الإمام السجّادعليه‌السلام أن يوجِّه أنظار الكوفيين إلى عُظم الجُرم الذي ارتكبه بنو أُميّة؛ وليقف بكلّ وجوده أمام دعوى أنّ الحسينعليه‌السلام خارجي خرج على يزيد، ويُعرِّف أباه الإمام الحسينعليه‌السلام بأنّه ليس كما يزعم بنو أُميّة، بل هو من أهل بيت النبّوة ومعدن الرسالة.

الإمام السجّاد في مجلس الطاغية ابن زياد:

لما أُدخل الإمامعليه‌السلام مع أسرى أهل بيت النبّوة، على عبَيد الله بن زياد في الكوفة، وكانعليه‌السلام مغلولاً بالحبْل(٢) ، وأراد الملعون قتْله، ودارت المشاجرة بين زينب وابن زياد، قالعليه‌السلام لعمّته زينبعليها‌السلام :(اسكُتي - يا عمّة - حتّى أُكلِّمه) .

ثمّ أقبل إليه فقال:(أبالقتل تُهدّدني يا ابن زياد؟! أما علمت أنّ القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة؟!) (٣) .

بهذا المنطق وقفعليه‌السلام أمام تفرْعُن ابن زياد وتجبّره وطغيانه ...

____________________

(١) اللهوف: ١٩٩.

(٢) قال الخوارزمي في (مقتل الحسينعليه‌السلام : ٢: ٤٥): وساق القوم حُرَم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما تُساق الأُسارى، حتى إذا بلغوا بهم الكوفة وعليّ بن الحسين مريض، مغلول مُكبّل بالحديد قد نهكته العلّة ...).

(٣) راجع: اللهوف: ٢٠٢.

١٣

الإمام السجاد في الشام:

دعا يزيد بن معاوية خاطِبه وأمره أن يصعد المنبر، فصعد الخاطب، فذمّ الإمام الحسينعليه‌السلام ، وبالغ في ذمّ أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، فقام إليه الإمام السجّادعليه‌السلام وقال له:(ويلك! أيُّها الخاطب، اشتريت مَرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النار!) (١) .

أمّا في مجلس يزيد فيقول الخوارزمي: (فتقدّم عليّ بن الحسين، حتّى وقف بين يدي يزيد وقال:

لا تطمعوا أن تُهينونا ونُكرمكم

وأن نكفَّ الأذى عنكم وتؤذونا

فالله يـعـلم أنّـا لا نُـحبُّكم

ولا نـلومكم إن لـم تُـحبّونا

فقال يزيد: صدقت! ولكن أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرَين، فالحمد لله الذي قتلهما وسفك دماءهما!

ثمّ قال: يا عليّ، إنّ أباك قطع رحِمي، وجهل حقّي، ونازعني في سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت!(٢) .

وفي تفسير علي بن إبراهيم القمِّي: قال الصادقعليه‌السلام :(لما أُدخل رأس الحسين عليه‌السلام على يزيد لعنه الله، وأُدخل عليه علي بن الحسين عليه‌السلام وبنات أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان علي بن الحسين مُقيَّداً مغلولاً، فقال يزيد: يا علي بن الحسين، الحمد لله الذي قتل أباك. فقال علي بن الحسينعليه‌السلام :لعن الله مَن قتل أبي . قال: فغضِب يزيد وأمر بضرب عُنقه عليه‌السلام . فقال علي بن الحسينعليه‌السلام :فإذا قتلتني فبنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مَن يردُّهم إلى منازلهم وليس لهم محرَم غيري؟ فقال: أنت تردُّهم إلى منازلهم. ثمّ دعا بمُبرد، فأقبل يبرد الجامعة من عنقه ليَده. ثمّ قال له: يا علي بن الحسين، أتدري ما الذي أريد

____________________

(١) راجع: اللهوف: ٢١٩.

(٢) مقتل الحسين للخوارزمي ٢/٧٠.

١٤

بذلك؟ قال:بلى تُريد أن لا يكون لأحد عليَّ منّة غيرك . فقال يزيد: هذا - والله - ما أردت فِعله. ثمّ قال يزيد: يا علي بن الحسين:( مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) . فقال علي بن الحسينعليه‌السلام :كلاَّ، ما هذا فينا نزلت، إنّما نزلت فينا: ( مَا أَصَابَ مِن مُصِيَبةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنّ ذلِكَ عَلَى‏ اللّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى‏ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) ، فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا ولا نفرح بما آتانا) (١) .

قال الخوارزمي: فقال علي بن الحسينعليه‌السلام :

(يا بن معاوية وهند وصخر! لم تزل النبّوة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولَد، ولقد كان جدّي عليّ بن أبي طالب في يوم بدر وأُحد والأحزاب، في يده راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبوك وجدّك في أيديهما رايات الكفّار) .

ثمّ جعل عليّ بن الحسينعليه‌السلام يقول:

مـاذا تقولون إذ قال النبيّ لكم

مـاذا فـعلتم وأنتم آخِر الأُمم

بـعـترتي وبأهلي بعد مُفتقدي

منهم أُسارى ومنهم ضُرِّجوا بدم

ثمّ قال عليّ بن الحسينعليه‌السلام :

(ويلك! يا يزيد، إنّك لو تدري ماذا صنعت، وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي، إذن لهربت إلى الجبال، وافترشت الرمال، ودعوت بالويل والثبور، أيكون رأس أبي الحسين بن عليّ وفاطمة منصوباً على باب مدينتكم وهو وديعة رسول الله فيكم؟! فأبشر - يا يزيد - بالخزي والندامة! إذا جُمع الناس غداً ليوم القيامة!) (٢) .

____________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم القمِّي ٢/٣٥٢.

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٧٠.

١٥

تلك المواقف البطولية، هي التي استطاعت أن تقف أمام التيّارات الهدّامة، فبنو أُميّة أرادوا مسخ الإسلام الأصيل، وتوهّموا أنّهم بلغوا ذلك الهدف بقتل سيّد شباب أهل الجنّةعليه‌السلام !

ولكنّ مواقف السيّدة زينب، وأمّ كلثوم وفاطمة بنت الحسين سلام الله عليه وعليهنّ، وعلى رأسهم سيّد الساجدينعليه‌السلام منعت العدوّ من أن يصل إلى هدفه الشيطاني.

وهذا الكتاب

يتناول الوقائع المؤلمة بعد مقتل سيد الشهداءعليه‌السلام ، حتى ورود الركْب الحسيني أرض الشام.

والبحث في مقصدين.

المقصد الأوّل: ويشتمل على استدراك ما فات في المجلّد الرابع، غير ما ذكرناه هناك، وهو يكون على فصلَين:

الفصل الأوّل: ويشتمل على آيات وتجلّيات الغضب الإلهي في السماء والأرض؛ لمقتل سيد الشهداءعليه‌السلام .

الفصل الثاني: ويشتمل على الوقائع المتأخّرة عن قتلهعليه‌السلام .

المقصد الثاني: ويشتمل على وقائع الطريق حتى ورود الركب الحسيني أرض الشام، وهو يكون على فصلين:

الفصل الأول: ويشتمل على وقائع حركة الركب الحسيني من كربلاء إلى الكوفة، والأحداث التي جرت على أهل البيت في الكوفة نفسها.

الفصل الثاني: ويشتمل على وقايع حركة الركب الحسيني من الكوفة إلى الشام.

نسأل الله أن يوفِّق الجميع لخدمة الدين الحنيف، إنّه سميع الدعاء.

محمّد جعفر الطبسي

١٦

المقصد الأوّل

وهو يشتمل على استدراك ما فات في المجلّد الرابع غير ما ذكرناه هناك ويشتمل على فصلَين:

الفصل الأول

تجلّيات الغضب الإلهي لمقتل سيّد الشهداءعليه‌السلام

١٧

١٨

الفصل الأوّل

تجلّيات الغضب الإلهي لمقتل سيّد الشهداءعليه‌السلام

(السلام عليك يا حجّة الله وابن حجّته، السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله، السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره، السلام عليك يا وِتر الله الموتور في السموات والأرض، أشهد أنّ دمك سكن في الخُلد، واقشعرّت له أظلّة العرش، وبكى له جميع الخلائق، وبكت له السموات السبْع والأرضون السبْع، وما فيهنّ، وما بينهنّ، ومَن يتقلّب في الجنّة والنار مَن خلْق ربِّنا، وما يُرى وما لا يُرى ...) (١) .

لقد انعكس الغضب الإلهي لمقتل سيّد الشهداء أبي عبد اللهعليه‌السلام ، في مرايا عوالم الكائنات في صور منوَّعة عديدة، ولقد رؤيت آيات هذا الغضب الإلهي في عالم الشهادة في السماء وفي الأرض، وفي النبات وفي الحيوان، وفي البحر وفي البَرّ، وعرف بعض الناس علّة هذا الآيات في أقطار، وجهلِها آخرون في أقطار أُخرى.

ويمكننا أن نُتابع - من خلال الآثار الروائيّة - آيات هذا الغضب الإلهي على

____________________

(١) الكافي: ٤: ٥٧٥ - ٥٧٦، ح٢ / وهذا المقطع المبارك جزء من الزيارة التي علّمها الإمام الصادقعليه‌السلام ليونس بن ظبيان، بحضور الحسين بن ثوير، والمفضل بن عمر، وأبي سلمة السرّاج.

١٩

النحو التالي:

الآيات السماوية:

ورد ذكر الآيات السماوية، الكاشفة عن غضب الله تعالى لمقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، في المصادر السنّيّة والشيعيّة، الحديثية والتاريخية على حدٍّ سواء، ولم يتعرّض لإنكارها إلاّ شرذمة قليلون من عديمي الإيمان والمعرفة(١) ، ومن الآثار الروائية والتاريخية في هذا الصدد:

____________________

(١) يقول الكاتب حسين محمّد يوسف في كتابه سيّد شباب أهل الجنّة الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، في ص ٥٥٢: (ومن الخرافات والأكاذيب الموضوعة، ما روي عن كسوف الشمس لمقتل ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )، ويقول في ص٥٥٤: (إنّ الاعتقاد أنّ السماء أَمطرت دماً، أو أنّه لم يُرفع حجَر في الشام إلاّ رؤي تحته دم عبيط، أو أنّه لما جيء برأس الحسينعليه‌السلام إلى دار ابن زياد سالت حيطانها دماً، كلّها من عقائد الشيعة الغلاة ومن أباطيلهم!). وادّعى هذا الكاتب أيضاً: (أنّ أكثر هذه الروايات أُخذت من رواية أبي مخنفّ لوط بن يحيى!).

ولا شكّ أنّ هذا الكاتب قد استوحى زعمه الباطل هذا، من كبيرهم الذي علّمهم السحر، وهو ابن كثير المعروف بتخرُّصاته ضدّ الشيعة الإماميّة، وإلاّ، فإنّ أحاديث هذه الآيات السماوية والأرضية، قد رويت في كُتب أهل السنّة عن أئمّة حفّاظ أحاديثهم كابن أبي شيبة، وابن سعد، وابن جرير، وابن عساكر، وابن حجر، وابن الجوزي، بل إنّ ابن كثير نفسه، قد نقل حديث احمرار السماء في تفسيره ولم يقل فيه شيئاً!

إنّ ممّا يُثير العجب، أن تهون فاجعة عاشوراء في أعيُن بعض مَن يُحسبون من المسلمين، في حين تعظم هذه الفاجعة في أعيُن بعض النصارى، ممّن اطّلع على تأريخ المسلمين، كمثل جرجي زيدان، حيث يقول في ص١٧٣ وص١٧٩ من كتابه تأريخ الإسلام: (لو علم القمر بموقع أشعّته تلك الليلة لحبسها؛ ليستر ذلك الجرم الذي لم يُرتكب مثله في تاريخ العمران ولو أدرك ذلك التراب فضاعة ما جرى في ذلك السبت المهول؛ لفضّل الظمأ على الارتواء!).

٢٠

١ - صرخة جبرئيلعليه‌السلام :

روى ابن قولويه بسنده، عن الحلبي، عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:

(إنّ الحسين لما قُتل أتاهم آتٍ وهم في العسكر، فصرخ فزُبِر، فقال لهم: وكيف لا أصرخ ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائم ينظر إلى الأرض مرّة وإلى حزبكم مرّة، وأنا أخاف أن يدعو الله على أهل الأرض فأهلكُ فيهم، فقال بعض لبعض:

هذا إنسان مجنون! فقال التوّابون: تا الله، ما صنعنا لأنفسنا؟! قتلنا لابن سميّة سيّد شباب أهل الجنّة!! فخرجوا على عبيد الله بن زياد، فكان من أمرهم ما كان).

قال: فقلت له: جُعلت فداك! مَن هذا الصارخ؟

قال:(ما نراه إلاّ جبرئيل عليه‌السلام ، أما إنّه لو أُذِن له فيهم لصاح بهم صيحة يخطف به أرواحهم من أبدانهم إلى النار، ولكن أُمهل لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب أليم ...) (١) .

____________________

(١) كامل الزيارات: ٣٣٦ باب ١٠٨، ح ١٤، وقد علّق المرحوم المحقّق السيّد المقرّم على هذه الرواية قائلاً: (بلى، لقد حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المعركة، وشاهد ذلك الجمع المتألّب على استئصال أهله من جديد الأرض! وبمرأى منه عويل الأيامى ونشيج الفاقدات وصراخ الصِّبْيَة من الظمأ! وقد سمع العسكر صوتاً هائلاً: ويلَكم يا أهل الكوفة! إنيّ أرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينظر إلى جمعكم مرّة وإلى السماء أُخرى، وهو قابض على لحيته المقدّسة!! لكنّ الهوى والضلال المستحكم في نفوس ذلك الجمع، المغمور بالأطماع أوحى إليهم أنّه صوت مجنون!!) (مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٩٦).

ومن الجدير بالذكر هنا، أنّه قد مرّت بنا في أواخر الجزء الرابع من هذه الدراسة هذه الرواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام :(لما ضُرب الحسين بن عليّ عليه‌السلام بالسيف، ثمّ ابتدر ليقطع رأسه، نادى منادٍ من قِبَل ربّ العِزّة تبارك وتعالى، من بَطنان العرش، فقال: ألا أيّتها الأمّة المتحيّرة الظالمة بعد نبيّها! لا وفّقكم الله لأضحى ولا فِطر!) . =

٢١

٢ - كسوف الشمس:

روى الحافظ الطبراني في مُعجمه الكبير، قال: (حدّثنا قيس بن أبي قيس البخاري، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا ابن لهيعة، عن أبي قبيل(١) قال: لما قُتل الحسين بن عليّ رضي الله عنه، انكسفت الشمس كسفة حتى بدت الكواكب نصف النهار، حتى ظننّا أنّها هي!)(٢) .

ورواه ابن عساكر، في ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام بسنده عن أبي قبيل أيضاً(٣) .

____________________

= قال: ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام :(لا جَرَم والله، ما وفِّقوا ولا يوفّقون أبداً حتّى يقوم ثائر الحسين عليه‌السلام ) (أمالي الصدوق: ١٤٢، المجلس ٣١، حديث رقم ٥، والكافي: ٤: ١٧٠، حديث رقم ٣).

(١) أبو قبيل هذا ممّن روى له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي وابن ماجة، واسم أبي قبيل: حيّ بن هاني، وعن يحيى بن معين وأبي زرعة: أنّه ثقة.

وقال أبو حاتم: صالح الحديث. (راجع: تهذيب الكمال: ٧: ٤٩٢، والجرح والتعديل: ٣: ٢٧٥ رقم ١٢٢٧).

(٢) المعجم الكبير: ٣: ١١٤ رقم ٢٨٣٨، وانظر: مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٨٩، ومجمع الزوائد: ٩: ١٩٧، والصواعق المحرقة: ١٩٤، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: ٢٠٧، وينابيع المودّة: ٣٢١.

(٣) تاريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / تحقيق المحمودي: ٣٥٧، رقم ٢٩٦.

ولا غرابة في وقوع ذلك، كما نصّ عليه الزرقاني في شرح المواهب اللدنيّة: ٢: ٢١٢، والجزري في أُسد الغابة: ١: ٣٩، والعيني في عُمدة القاري في شرح صحيح البخاري: ٢: ٤٧٢.

ولا يُعارَض هذا الحديث بالحديث المشهور الضعيف، القائل: (بأنّ الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد!). ذلك؛ لأنّ هذا الأخير مردّه إلى قيس بن أبي حازم، والرجل مُختلَف فيه، فعن يحيى بن سعيد أنّه مُنكَر الحديث، وقال يعقوب السدوسي: تكلّم فيه أصحابنا، فمنهم مَن حمل عليه، وقال: له مناكير! (راجع: ميزان الاعتدال: ٣: ٣٩٢، رقم ٦٩٠٨).

٢٢

٣ - اسوداد السماء:

روى ابن عساكر بسند عن خلف بن خليفة(١) ، عن أبيه(٢) ، قال: (لما قُتل الحسين اسودّت السماء، وظهرت الكواكب نهاراً، حتّى رأيت الجوزاء عند العصر، وسقط التراب الأحمر!)(٣) .

وروى ابن أعثم الكوفي، في وصف ساعة مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام وسلبه، يقول: (وارتفعت في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مُظلمة، فيها ريح أحمر، لا يرى فيها أثر عين ولا قدم، حتى ظنّ القوم أنّه قد نزل بهم العذاب، فبقوا كذلك ساعة، ثمّ انجلت عنهم)(٤) .

٤ - إحمرار السماء:

روى الشيخ المفيد (ره)، عن سعد الإسكاف(٥) ، قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام :(كان قاتل

____________________

(١) هو خلف بن خليفة بن صاعد بن برام الأشجعي كان بالكوفة، ثمّ انتقل إلى واسط فسكنها مرّة، ثمّ تحوّل إلى بغداد فأقام بها إلى حين وفاته، وقال ابن سعد: كان ثقة. ومات ببغداد سنة ١٨١ هـ. (راجع: تهذيب الكمال: ٨: ٢٨٤ و٢٨٨).

(٢) هو خليفة بن صاعد بن برام الأشجعي، مولاهم الكوفي، ثمّ الواسطي، والد خلف بن خليفة، عدّه ابن حبّان في الثقات. (راجع: تهذيب الكمال: ٨: ٣١٩).

(٣) تاريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / تحقيق المحمودي: ٣٥٤ رقم ٢٨٨، وانظر تهذيب التهذيب لابن حجر: ٢: ٣٠٥، والحدائق الوردية: ٢٤، وتاريخ مدينة ١١: ٢٢٦.

(٤) الفتوح: ٥: ١٤٧، وانظر: مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٤٢ وفيه: (حتى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم، لبثوا بذلك ساعة، ثمّ انجلت عنهم)، وانظر أيضاً: اللهوف: ١٧٧، والبحار: ٤٥: ٥٧.

(٥) قال الشيخ الطوسي: (سعد بن طريف الحنظلي الإسكاف، مولى بني تميم الكوفي وهو صحيح الحديث) (راجع: رجال الشيخ: ١١٥ رقم ١١٤٧).

٢٣

يحيى بن زكريا ولَد زنا، وقاتل الحسين بن علي عليه‌السلام ولَد زنا، ولم تحمرّ السماء إلاّ لهما!) (١) .

وروى ابن سعد في طبقاته، عن عليّ بن مُدرك، عن جدّه الأسود بن قيس قال: (احمرّت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستّة أشهُر، يُرى ذلك في آفاق السماء كأنّها الدّم! قال: فحدّثت بذلك شريكاً، فقال لي: ما أنت من الأسود؟ قلت: هو جدّي أبو أمّي. قال: أما والله، إن كان لصدوق الحديث عظيم الأمانة مُكرِماً للضيف)(٢) .

وروى ابن سعد أيضاً، عن محمّد بن سيرين قال: (لم تكن تُرى هذه الحُمرة في السماء عند طلوع الشمس وعند غروبها، حتى قُتل الحسين رضي الله عنه!)(٣) .

وروى أيضاً، عن عمرو بن عاصم الكلابي(٤) ، قال: (حدّثنا خلاّد - صاحب السمسم، وكان ينزل بني جحدر - قال: حدّثتني أمّي قالت: كنّا زماناً بعد قتل الحسين، وإنّ الشمس تطلع مُحمرّة على الحيطان والجدران بالغداة والعشي. قالت:

____________________

(١) الإرشاد: ٢: ١٣٢.

(٢) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله / من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد / تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي (ره): ٩١ رقم ٣٢٨.

ورواه ابن عساكر أيضاً بسنده إلى ابن سعد (راجع: تاريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام : ٣٥٥ رقم ٢٩٢) والأسود بن قيس العبدي، وقيل: العجلي. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال: العجلي حسن الحديث ثقة. (راجع: تهذيب الكمال: ٣: ٢٣٠)، وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: حوادث سنة ١٢١، ص ٣٧٨: مُجمع على ثقته، وانظر: تاريخ الإسلام: حوادث سنة ٦١ هـ، ص ١٥).

(٣) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله / من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد: ٩١، رقم ٣٢٧، وانظر الحديث رقم ٣٢٦.

(٤) قال الذهبي: صدوق من علماء التابعين مات سنة ٢١٣هـ (ميزان الاعتدال: ٣: ٢٦٩).

٢٤

وكانوا لا يرفعون حجراً إلاّ وجدوا تحته دماً!).(١)

وروى ابن عساكر بأسناد عن عليّ بن مُسهّر قال: (حدّثتني جدّتي قالت: كنت أيّام الحسين جارية شابّة، فكانت السماء أيّاماً عَلَقة!)(٢) .

وروى الشيخ الصدوق (ره) بسنده عن جبلّة المكّيّة قالت: (سمعت ميثم التمّار يقول: والله، لتقتلنَّ هذه الأمّة ابن نبيّها في المحرّم لعشر مضين منه يا جبلّة، إذا نظرت إلى الشمس حمراء كأنّها دم عبيط، فاعلمي أنّ سيّدك الحسين قد قُتل!

قالت جبلّة: فخرجت ذات يوم، فرأيت الشمس على الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة! فصحتُ حينئذٍ وبكيت وقلت: قد - والله - قُتِل سيّدنا الحسين بن عليّعليه‌السلام !)(٣) .

وروى ابن شهر آشوب، عن حمّاد بن زيد، عن هشام، عن محمّد قال: (تعلم هذه الحمرة في الأفق ممَّ هي؟! ثمّ قال: من يوم قُتِل الحسين!)(٤) .

وعن الأسود بن قيس: (لما قُتل الحسين ارتفعت حمرة من قِبَل المشرق، وحمرة من قِبَل المغرب، فكادتا تلتقيان في كبد السماء ستّة أشهُر!)(٥) .

٥ - بكاء السماء:

روى ابن قولويه (ره) بسنده عن كليب بن معاوية، عن الإمام أبي عبد الله

____________________

(١) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله / من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد: ٩١ رقم ٣٢٥ / ورواه ابن عساكر أيضاً بسنده عن ابن سعد (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من تاريخ ابن عساكر / تحقيق المحمودي: ٣٥٥ قم ٢٩١).

(٢) أمالي الصدوق: ١١٠ المجلس ٢٧ حديث رقم ١ / والملاحف المعصفرة: أي المصبوغة بلون نبات العصفر وهو لون أحمر.

(٣) و (٤) و (٥) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام : ٤: ٥٤، وانظر: سير أعلام النبلاء: ٣: ٣١٢.

٢٥

الصادقعليه‌السلام أنّه قال:(كان قاتل يحيى بن زكريا ولَد زنا، وكان قاتل الحسين عليه‌السلام ولَد زنا، ولم تبكِ السماء إلاّ عليهما!) (١) .

وروى أيضاً بسنده عن الحسين بن ثوير، ويونس بن ظبيان، وأبي سلمة السرّاج، والمفضّل بن عمر، كلّهم قالوا: سمعنا أبا عبد الله يقول:

(إنّ أبا عبد الله الحسين بن عليّ عليهما‌السلام لما مضى، بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع، وما فيهنّ وما بينهنّ، ومَن ينقلب عليهنّ، والجنّة والنّار، وما خلق ربُّنا، وما يُرى وما لا يُرى) (٢) .

وروى أيضاً بسنده عن زرارة قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام :

(يا زرارة، إنّ السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم، وإنّ الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد، وإنّ الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحُمرة، إنّ الجبال تقطّعت وانتثرت، وإنّ البحار تفجّرت ...) (٣) .

معنى بكاء السماء:

قال ابن حجر: (وأخرج الثعلبي أنّ السماء بكت وبكاؤها حُمرتها!)(٤) .

وروى ابن قولويه (ره) بسنده عن عبد الله بن هلال قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول:(إنّ السماء بكت على الحسين بن عليّ، ويحيى بن زكريا، ولم تبكِ على

____________________

(١) كامل الزيارات: ٧٩ - ٨٠ باب ٢٥ حديث رقم ١ / ورواه عنه أيضاً بسند آخر، وانظر أيضاً الحديث رقم ١١ في نفس الباب، وانظر أيضاً: الخطّ المقريزية: ٢: ٢٨٩، ونظم درر السمطين: ٢٢٢.

(٢) كامل الزيارات: ٨٠، باب ٢٦ حديث رقم ٣ / ورواه أيضاً بسند آخر أيضاً.

(٣) نفس المصدر: ٨٠، باب ٢٦ حديث رقم ٦.

(٤) الصواعق المحرقة: ١٩٤؛ عن الكشف والبيان للثعلبي: ٨: ٣٥٣ / دار إحياء التراث العربي.

٢٦

أحدٍ غيرهما). قلت: وما بكاؤها؟ قال:(مكثت أربعين يوماً تطلع الشمس بحُمرة وتغرب بحُمرة!) .قلت: فذاك بكاؤها؟ قال:(نعم) (١) .

وينقل ابن البطريق عن صحيح مسلم في ذيل قوله تعالى:( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ ) (٢) ، عن السدّي أنّه قال: (لما قُتل الحسين بن عليعليهما‌السلام بكت السماء، وبكاؤها حُمرتها)(٣) .

إشارة:

تحدّثت روايات كثيرة عن بعض المشتركات بين شخصيّة الإمام الحسينعليه‌السلام وما جرى عليه، وشخصيّة يحيى بن زكريّاعليهما‌السلام وما جرى عليه، منها على سبيل المثال:

* ما روي عن ابن عبّاس أنّه قال: أوحى الله إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله :(إنّي قتلت بيحيى ابن زكريا سبعين ألفاً، وإنّي قاتل بابن فاطمة سبعين ألفاً) (٤) .

* أنّ رأس يحيى بن زكرياعليهما‌السلام أُهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل، كما أشار إلى ذلك مراراً الإمام الحسينعليه‌السلام نفسه حيث قال:(ومن هوان الدنيا على الله، أنّ رأس يحيى بن زكريا عليه‌السلام أُهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل!) (٥) .

____________________

(١) كامل الزيارات: ٨٩، باب ٢٨، حديث رقم ٤.

(٢) سورة الدخان: ٢٩.

(٣) العُمدة: ٤٦٧، وانظر: الطرائف لابن طاووس (ره): ٢٠٣.

(٤) تذكرة الخواص: ٢٥٢، فردوس الأخبار: ٣: ١٨٧ حديث رقم ٤٥١٥، وأورده السيد ابن طاووس (ره) في الطرائف: ٢٠٢ حديث رقم ٢٩٠، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: ١: ١٤٢، والحاكم في المستدركات على الصحيحين: ٣: ٢٧٨، وأبو نعيم في حلية الأولياء: ٣: ١٢٠، مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي ٢: ١٠٩.

(٥) الإرشاد: ٢: ١٣٢، وانظر: تأويل الآيات: ٢٩٤، ومجمع البيان: ٥: ٧٧٩.

٢٧

وكذلك، فقد حُمل رأس الإمام الحسينعليه‌السلام إلى ابن مرجانة وإلى يزيد(١) .

* روى ابن قولويه (ره) بسنده عن زرارة، عن عبد الخالق بن عبد ربّه قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول:( لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً ) ،(الحسين بن عليّ عليهما‌السلام لم يكن له من قبلُ سَميّاً، ويحيى بن زكريّا عليهما‌السلام لم يكن له من قبلُ سَميّاً ...) (٢) .

* وروي أنّ مُدّة حمْل زوج زكريا بيحيى كانت ستّة أشهُر، وكذلك كانت مُدّة حمْل مولاتنا فاطمةعليها‌السلام بالإمام الحسينعليه‌السلام (٣) .

* وأنّ قاتل يحيىعليه‌السلام كان ولَد زنا، وكذلك كان قاتل الإمام الحسينعليه‌السلام (٤) .

* وأنّ السماء لم تبكِ إلاّ عليهما(٥) .

* وأنّ رأس يحيىعليه‌السلام صُلب على باب جيرون في الشام، وكذلك صُلب رأس الحسينعليه‌السلام في الشام في نفس المكان(٦) .

____________________

(١) قال السيّد محمّد بن أبي طالب، في كتابه تسلية المجالس: ١: ١٣٤: (وحُمل رأس يحيى بن زكريّا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل، وكذلك حُمل رأس الحسين إلى نجل بغيّة من بغايا قريش، ولم تبكِ السماء إلاّ عليهما، بكت أربعين صباحاً).

(٢) كامل الزيارات: ٩٥، باب ٢٨، حديث رقم ٨، والآية في سورة مريم: ٧.

(٣) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ٧٦، وجلاء العيون: ٢٧٨.

(٤) مرّت بنا قبل هذا رواية ابن قولويه (ره) بسنده عن كليب بن معاوية، عن الإمام أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّه قال:(كان قاتل يحيى بن زكريا ولَد زنا، وكان قاتل الحسين عليه‌السلام ولَد زنا، ولم تبكِ السماء إلاّ عليهما) (كامل الزيارات: ٧٩ - ٨٠، باب ٢٥ حديث رقم ١).

(٥) انظر في رواية كامل الزيارات السابقة، والرواية رقم ١١ من نفس الباب في نفس المصدر.

(٦) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام / للمقرّم: ٣٤٨ / الحاشية: في ما نقله عن كتاب صورة الأرض لابن حوقل، ص ١٦١؛ (صُلب على هذا الباب (جيرون) رأس يحيى بن زكريا وصُلب على باب جيرون رأس الحسين بن علي في موضع الذي صُلب فيه رأس يحيى بن زكريا).

٢٨

٦ - إمطار السماء دماً:

كانت السماء بعد مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام قد مطرت الناس دماً، وكانت هذه الآية السماوية الكاشفة عن غضب الله تعالى قد شاهدها الناس، وكانت من البينات الإلهية التي لا يمكن إنكارها، حتّى احتجّت بها مولاتنا زينب الكبرىعليها‌السلام على أهل الكوفة في خُطبتها حين قالت:(أفَعجِبتم أن تمطر السماء دماً، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تُنصرون؟!) (١) .

والروايات التي تُخبر عن هذه الآية السماوية مُستفيضة، منها على سبيل المثال:

ما رواه الشيخ الطوسي بسنده، عن عمّار بن أبي عمّار قال: (أَمطرت السماء يوم قُتل الحسينعليه‌السلام دماً عبيطاً)(٢) .

وروى ابن سعد في طبقاته، عن أمّ شوق العبدية قالت: حدّثتني نضرة الأزدية قالت: (لما قُتل الحسين بن علي مطرت السماء دماً، فأصبحت خيامنا وكلّ شيء منّا مُلئ دماً!)(٣) .

وروى البيهقي هذا أيضاً عن نضرة الأزدية(٤) .

وروى ابن سعد، عن سليم القاص قال: (مُطرنا دماً يوم قُتِل الحسين)(٥) .

____________________

(١) اللهوف: ١٩٣.

(٢) أمالي الشيخ الطوسي: ٣٣٠ المجلس ١١، حديث رقم ٦٥٩ / ١٠٦.

(٣) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد / تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي: ٩٠، رقم ٣٢١.

(٤) دلائل النبوّة: ٦: ٤٧١، وانظر: ذخائر العقبى: ١٠، سُبل الهُدى والسلام ١١: ٨٠.

(٥) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد / =

٢٩

وروى ابن طلحة بسنده المتَّصل إلى هلال بن ذكوان قال: (لما قُتل الحسين مكثنا شهرين أو ثلاثة، كأنّما لُطّخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس.

قال: وخرجنا في سفر فمُطرنا مطراً بقي أثره في ثيابنا مثل الدم!)(١) .

وروى البلاذري بسنده، عن أبي حصين قال: (لما قُتل الحسين مكثوا شهرين أو ثلاثة، وكأنّما تُلطّخ الحيطان بالدم من حين صلاة الغداة إلى طلوع الشمس!)(٢) .

وروى أيضاً بسنده، عن سالم القاص قال: (مُطرنا أيّام قتل الحسين دماً!)(٣) .

وروى القاضي نعمان المصري، عن أمّ سالم قالت: (لما قُتل الحسين بن عليّعليه‌السلام مطرت السماء مطراً كالدم، احمرّت منه البيوت والحيطان، فبلغ ذلك البصرة والكوفة والشام وخراسان، حتى كنّا لا نشكُّ أنّه سينزل العذاب!)(٤) .

٧ - وأَمطرت السماء رماداً أيضاً!

في رواية الشيخ الصدوق (ره) بسند عن المفضّل بن عمر، عن الإمام الصادق، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام :

(أنّ الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام دخل يوماً إلى الحسن عليه‌السلام ، فلما نظر إليه بكى، فقال له: ما يُبكيك يا أبا عبد الله؟!

قال: أبكي لما يُصنع بك! فقال له الحسنعليه‌السلام : إنّ الذي يؤتى إليَّ سمٌّ يدسّ إليّ فأُقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله! يزدلف إليك ثلاثون ألف رجُل

____________________

= تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي: ٩٠، رقم ٣٢٢، وراجع البيان والتعريف ٨: ٣٥٣

(١) مطالب السؤول: ١٥٥.

(٢) أنساب الأشراف: ٣: ٤١٣.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) شرح الأخبار: ٣: ١٦٦، الحديث ١٠٩٩، وفي هامش الكتاب عن الأصل: أمّ سلمة.

٣٠

يدّعون أنّهم من أُمّة جدّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك فعندها تحلّ ببني أُميّة اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلَوات والحيتان في البحار) (١) .

وروي عن عليّ بن عاصم، عن حصين قال: (جاءنا قتل الحسين بن عليّ، فمكثنا ثلاثاً كأنّ وجوهنا طُليت رماداً! قلت: مثل مَن أنت يومئذٍ؟ قال: رجل متأهّل)(٢) .

٨ - بكاء الملائكة وصلاتهم على الإمام الحسينعليه‌السلام :

روى ابن قولويه (ره) بسنده إلى أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام :(إنّ أربعة آلاف ملَك هبطوا يُريدون القتال مع الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، لم يؤذَن لهم في القتال، فرجعوا في الاستيذان، فهبطوا وقد قُتل الحسين عليه‌السلام ، فهم عند قبره شُعثٌ غُبرٌ يبكونه إلى يوم القيامة، رئيسهم مَلك يُقال له: منصور) (٣) .

وروى أيضاً بسند إلى أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال:(وكّل الله تعالى بالحسين عليه‌السلام سبعين ألف مَلك، يُصلّون عليه كلّ يوم، شُعثاً غُبراً منذ يوم قُتل إلى ما شاء الله - يعني بذلك قيام القائمعليه‌السلام -)(٤) .

____________________

(١) أمالي الصدوق: ١٠١، المجلس ٢٤، حديث رقم ٣.

(٢) تهذيب الكمال: ٦: ٥٢٣ / وحصين هو: حصين بن عبد الرحمان السلمي، أبو هذيل الكوفي (تهذيب الكمال: ٦: ٥١٩).

(٣) كامل الزيارات: ٨٣ باب ٢٧ حديث رقم ٢، وراجع بقيّة أحاديث هذا الباب.

(٤) كامل الزيارات: ٨٤ باب ٢٧ حديث رقم ٥، وراجع بقيّة أحاديث هذا الباب.

٣١

٩ - عجيج السماوات والأرض والملائكة لمقتلهعليه‌السلام :

وروى الكليني (ره) بسنده عن كرّام قال: (حلفت فيما بيني وبين نفسي، أن لا آكل طعاماً بنهارٍ أبداً حتّى يقوم قائم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: فقلت له: رجل من شيعتكم جعل لله عليه أن لا يأكل طعاماً بنهار أبداً حتّى يقوم قائم آل محمّد! قال:

(فصمْ - إذن - يا كرام، ولا تَصُمْ العيدين، ولا ثلاثة أيّام التشريق، ولا إذا كنت مسافراً، ولا مريضاً، فإنّ الحسين عليه‌السلام لما قُتل عجّت السماوات والأرض ومَن عليهما، والملائكة، فقالوا: يا ربّنا، ائذن لنا في هلاك الخلْق، حتى نجدّهم عن جديد الأرض بما استحلّوا حُرمتك، وقتلوا صفوتك!

فأوحى الله إليهم: يا ملائكتي، ويا سماواتي، ويا أرضي، اسكنوا. ثمّ كشف حجاباً من الحُجب، فإذا خلفه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله واثنا عشر وصيّاً له عليهم‌السلام ، وأخذ بيد فلان القائم من بينهم، فقال: يا ملائكتي، ويا سماواتي، ويا أرضي، بهذا انتصر لهذا. قالها ثلاث مرّات) (١) .

الآيات الأرضيّة:

فضلاً عمّا تقدّم من بكاء الأرض مع السماء لمقتل سيد الشهداءعليه‌السلام ، وأنّهما لم تبكيا إلاّ له وليحيى بن زكرياعليه‌السلام ، وكذلك عجيج الأرض مع السماء والملائكة لتلك الفاجعة، تُحدّثنا مجموعة مُستفيضة من الروايات أنّه ما رُفع حجَر إلاّ ووجِد تحته دم عبيط، وبعض هذه الروايات يذكر مطلق الأرض، وبعضها يذكر أرض

____________________

(١) الكافي: ١: ٥٣٤، حديث رقم ١٩.

٣٢

الشام، وبعض آخر يذكر أرض بيت المقدس.

روى ابن سعد، عن محمد بن عمر قال: حدّثني عمر بن محمّد بن عمر بن عليّ، عن أبيه، قال: أرسل عبد الملك إلى ابن رأس الجالوت، فقال: هل كان في قتل الحسين علامة؟ قال ابن رأس الجالوت: ما كُشِف يومئذٍ حجَر إلاّ وجِد تحته دم عبيط!)(١) .

وروى أيضاً، عن محمّد بن عمر قال: حدّثني نجيح، عن رجل من آل سعيد يقول: سمعت الزهري يقول: سألني عبد الملك بن مروان فقال: ما كان علامة مقتل الحسين؟

قال: لم تُكشف يومئذ حجراً إلاّ وجِدت تحته دماً عبيطاً! فقال عبد الملك: أنا وأنت في هذا غريبان)(٢) .

أمّا الروايات التي اختصّت بأرض بيت المقدس ...

فقد روى ابن عساكر بسنده، عن أمّ حيّان أنّها قالت: (ولم يُقلَب حجرٌ ببيت المقدس إلاّ أصبح تحته دمٌ عبيط!)(٣) .

____________________

(١) و (٢) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد / تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي: ٩٠ - ٩١، حديث رقم ٣٢٤ ورقم ٣٢٣ / وروى الحديث الأخير: الطبراني في المعجم الكبير: ٣: ١٢٧ رقم ٢٨٥٦، وانظر: الصواعق المحرقة: ١٩٤، وتذكرة الخواص: ٢٨٤، ونظم دُرر السمطين: ٢٢٠، وينابيع المودّة: ٣٥٦، ومقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٩٠، وكشف الغمّة: ٢: ٢٧٥، تاريخ مدينة دمشق ١١: ٢٣٠.

(٣) تاريخ مدينة دمشق: ١٤: ٢٢٩، وراجع: البحار ٤٥: ٢١٦، وكامل الزيارات: ٩٣ باب ٢٩ حديث ٢٠، ومقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ١٠٢.

٣٣

وروى الخوارزمي عن حمّاد بن زيد(١) قال: (أوّل ما عُرِف الزهري أن تكلَّم في مجلس الوليد بن عبد الملك، قال الوليد: أيّكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قُتل الحسين؟

فقال الزهري: أنّه لم يُقلب حجَرٌ إلاّ وجِد تحته دم عبيط!)(٢) .

وروى الشيخ الصدوق بسنده، عن فاطمة بنت عليّعليهما‌السلام أنّها قالت: (ثمّ إنّ يزيد

____________________

(١) هو حمّاد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضي، أبو إسماعيل الأزرق. قال ابن سعد: وكان عثمانياً ولِد سنة ٩٨ هـ وتوفِّي ١٧٩ هـ (راجع: تهذيب الكمال: ٧: ٢٣٩، والطبقات الكبرى: ٧: ٢٨٦).

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ١٠٢ رقم ١٨، وانظر: سير أعلام النبلاء: ٣: ٣١٤، والمعجم الكبير للطبراني: ٣: ١١٣ حديث رقم ٢٨٣٤، والإتحاف بحُبّ الأشراف: ٢٤، وتاريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / تحقيق المحمودي: ٣٦٢ رقم ٣٠١ و ٣٠٢، راجع تاريخ مدينة دمشق ١٤: ٢٩.

وقد روى ابن عبد ربَّه عن الزهري - في قصّة مُفصّلة - كيف قدم هو وقتيبة على عبد الملك بن مروان في إيوان له، وكيف أجاب الزهري عن سؤال عبد الملك بن مروان: (هل بلغكم أيّ شيء أصبح في بيت المقدس ليلة قُتل الحسين بن علي؟) أو (ما أصبح ببيت المقدس يوم قُتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب؟)، حيث أجابه الزهري قائلاً: (نعم، حدّثني فلان - لم يُسمِّه - أنّه لم يُرفع تلك الليلة التي صبيحتها قُتِل علي بن أبي طالب، والحسين بن علي، حجر في بيت المقدس إلاّ وجِد تحته دم عبيط! فقال عبد الملك: صدقت، حدّثني الذي حدّثك، وإنّي وإيّاك في هذا الحديث لغريبان! ..). (راجع: العقد الفريد: ٤: ٣٨٦).

ويلاحَظ في مثل هذه الروايات، اهتمام الحُكّام الأُمويين بآيات الغضب الإلهي لمقتل سيد الشهداءعليه‌السلام ! ولكن هل ردعهم العلم بهذه الآيات عن مواصلة قتل الأئمّة من ذرِّية الحسينعليه‌السلام بالسمّ، أو اضطهادهم وقهرهم والتضييق عليهم؟! أبداً؛ لأنّ طلاّب العلوّ والفساد في الأرض مُعرِضون عن آيات الله المنتقم الجبّار!.

٣٤

لعَنه الله أمَر بنساء الحسينعليه‌السلام فحُبِسنَ مع عليّ بن الحسينعليه‌السلام في محبس لا يُكنُّهم من حرٍّ ولا قَرٍّ، حتّى تقشّرت وجوههم، ولم يُرفع ببيت المقدس حجر عن وجه الأرض إلاّ وجِد تحته دم عبيط! وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء، كأنّها الملاحف المعصفرة! إلى أن خرج عليّ بن الحسينعليه‌السلام بالنسوة، وردّ رأس الحسين إلى كربلاء)(١) .

أمّا الروايات التي تذكر أرض الشام، فقد روى الطبراني بسند عن ابن شهاب قال: (ما رُفع بالشام حجَر يوم قتل الحسين بن عليّ إلاّ عن دم!! رضي الله عنه)(٢) .

إشارة:

روى ابن قولويه في كامل الزيارات بسنده، عن الحسين بن ثوير، ويونس بن ظبيان، وأبي سلمة السّراج، والمفضّل بن عمر، قالوا: سمعنا أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول:(لما مضى الحسين بن عليّ عليهما‌السلام بكى عليه جميع ما خلق اللهُ إلاّ ثلاثة أشياء: البصرة، ودمشق، وآل عثمان!) (٣) ، وفي بعض الروايات:(وبنو أميّة!) (٤) .

أمّا استثناء بني أُميّة من البكاء على الإمام الحسينعليه‌السلام فلِعلّة واضحة؛ وهي أنّهم أعداء الله ورسوله وأهل البيتعليهم‌السلام وأعداء الإسلام، وهم الذين سفكوا دم الإمامعليه‌السلام ، ولقد اشتفوا بقتله، هذا ابن زياد يُخاطب زينبعليها‌السلام قائلاً:

(لقد شفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك!)(٥) .

____________________

(١) أمالي الصدوق: ١٤٢، المجلس ٣١، حديث رقم ٥.

(٢) المعجم الكبير ٣: ١١٣ ح٢٨٣٥، راجع ذخائر العقبى ص١٤٥، وسُبل الهدى والرشاد ١١: ٨٠ ونفس المهموم: ٤٨٥.

(٣) كامل الزيارات: ٨٠، باب ٢٦، حديث رقم ٤.

(٤) المنتخب للطريحي: ٣٩.

(٥) الإرشاد: ٢: ١١٥.

٣٥

وهذا يزيد يُصرّح بكفره وتشفِّيه بمقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ حيث أنشد مُتمثّلاً بأبيات ابن الزبعرى:

لـيت أشـياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقْع الأسل

لأهـلُّـوا واسـتهلّوا فـرحاً

ثـمّ قـالوا يـا يزيد لا تُشل

قـد قـتلنا القَرْم من ساداتهم

وعـدَلـناه بـبدرٍ فـاعتدل

لـعبت هـاشم بـالملك فـلا

خـبرٌ جـاء ولا وحـيٌ نزل

لـست من خِندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعَل(١)

ويقول:

لما بدت تلك الحمول أشرقت

تلك الرؤوس على شفا جيرون

نعب الغراب فقلت قُلْ أولا تقُلْ

فقد اقتضيت من الرسول ديوني(٢)

فهذا وذاك وغيرهما كثير؛ ممّا يكشف عن مدى حقد هذه الشجرة الملعونة على أهل البيتعليهم‌السلام وفرحتهم بمقاتلهم.

وأمّا دمشق، فلولائها لبني أميّة؛ إذ كفى أهلها عاراً وشناراً أنّهم أوقفوا بقيّة الركب الحسينيّ عند باب الساعات، وقد خرجوا إليهم بالدفوف والمزامير والبوقات، في حال من الفرح والسرور والابتهاج بمقتل ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته وأصحابه.

وأمّا البصرة آنذاك، فإنّ أغلب أهلها عثمانيو الرأي والهوى، فلا عجب أن تُستثنى البصرة آنذاك من بقيّة بقاع الأرض التي بكت على الإمام الحسينعليه‌السلام (٣) .

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٣٥٧، وراجع اللهوف: ٢١٤.

(٢) نفس المصدر: ٣٤٨.

(٣) ممّا خاطب به أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام أهل البصرة يومذاك:(فما ظنّكم يا أهل البصرة، وقد نكثتم بيعتي، وظاهرتم عليَّ عدوّي؟). =

٣٦

نَوْحُ الجِنّ:

هناك مجموعة من الروايات التي تُحدِّث عن نَوح الجنّ لمقتل سيّد الشهداءعليه‌السلام ، نذكر منها على سبيل المثال:

روى الشيخ ابن قولويه (ره) بسندٍ عن أمّ سلمةرضي‌الله‌عنه زوجة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّها قالت: (ما سمعت نَوح الجنّ منذ قَبض الله نبيّه إلاّ الليلة، ولا أراني إلاّ وقد أُصبت بابني الحسين.

قالت: وجاءت الجِنيّة منهم وهي تقول:

أيا عيناي فانهملا بجُهد

فمَن يبكي على الشهداء بعدي

على رهطٍ تقودهم المنايا

إلى متجبّرٍ من نسل عبدِ)(١)

وروى (ره) أيضاً بسندٍ عن عبد الله بن حسّان الكناني قال:

(بكت الجنّ على الحسين بن عليّعليهما‌السلام فقالت:

ماذا تـقولون إذ قـال الـنبيّ لـكم

ماذا فـعـلتم وأنـتم آخِـر الأُمـم

بـأهـل بـيتي وإخـواني ومـكرمتي

من بين أسرى وقتلى ضُرِّجوا بدم)(٢)

____________________

= فقام إليه رجل فقال: نظنّ خيراً ونراك قد ظفرت وقدرت، فإن عاقبت فقد اجترمنا ذلك، وإن عفوت فالعفو أحبُّ إلى الله.

فقال:(قد عفوت عنكم، فإيّاكم والفتنة، فإنّكم أوّل الرعيّة نكث البيعة وشقّ عصا هذه الأمّة!) (الإرشاد: ١: ٢٥٧).

لقد تمكّنت عائشة وطلحة والزبير وابنه عبد الله ومن ورائهم عصبة أُخرى من المنافقين - ممّن تخلّفوا عن بيعة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام - من أمثال عبد الله بن عمر، وسعد بن أبي وقّاص، ومحمّد بن سلمة، من خداع أهل البصرة وكسب رأي جُلّ أهلها إلى صالحهم بدعوى مظلوميّة عثمان، فقاتلت البصرة آنذاك عليّاًعليه‌السلام ، وكان قد قتل منهم مقتلة عظيمة في الجَمل، الأمر الذي ترك أثره الواضح في مَيل جُلِّ أهلها إلى الهوى والرأي العثماني.

(١) كامل الزيارات: ٩٣، باب ٢٩، حديث رقم ١.

(٢) كامل الزيارات: ١٠١ - ١٠٢، باب ٢٩، حديث رقم ٦.

٣٧

وروى (ره) أيضاً بسندٍ عن داود الرقّي، قال: (حدّثتني جدّتي أنّ الجنّ لما قُتل الحسينعليه‌السلام بكت عليه بهذه الأبيات:

يا عـين جـودي بـالعَبر

وابـكـي فـقد حـقَّ الـخبر

ابـكي ابـن فـاطمة الـذي

ورد الـفـرات فـما صـدر

الـجـنُّ تـبـكي شـجْـوها

لـمّـا أتى مـنه الـخبر

قُـتِـل الـحـسين ورهـطه

تـعـساً لـذلـك مـن خـبر

فـلأبـكـيـنّك حرقة

عـنـد الـعـشاء وبـالسحَر

ولأبـكـينّك ما جرى

عِرقٌ وما حمل الشجر) (١) .

الطيور:

روى الخوارزمي بسند متّصل إلى المفضّل بن عمر الجعفي قال: (سمعت جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول:

(حدّثني أبي محمد بن عليّ عليهما‌السلام ، حدّثني أبي عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قال: لما قُتل الحسين جاء غراب فوقع في دمه، ثمّ تمرّغ، ثمّ طار فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين وهي الصغرى، فرفعت رأسها إليه فنظرته فبكت ...) (٢) .

وينقل العلاّمة المجلسيّ (ره) عن (بعض مؤلّفات أصحابنا) أنّه روي من طريق أهل البيتعليهم‌السلام أنّه:

(لما استُشهد الحسين عليه‌السلام بقي في كربلاء صريعاً، ودمه على الأرض مسفوحاً، وإذا بطائرٍ أبيض قد أتى وتمسّح بدمه، وجاء والدم يقطر منه، فرأى طيوراً تحت الظلال على الغصون والأشجار، وكلّ منهم يذكر الحَبّ والعلَف والماء،

____________________

(١) كامل الزيارات: ٩٧، باب ٢٩، حديث ١١.

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام ، للخوارزمي: ٢: ٩٢.

٣٨

فقال لهم ذلك الطير المتلطّخ بالدّم: يا ويلكم! أتشتغلون بالملاهي وذِكْر الدنيا والمناهي، والحسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ مُلقىً على الرمضاء ظامئ مذبوح ودمه مسفوح، فعادت الطيور كلٌّ منهم قاصداً كربلاء، فرأوا سيّدنا الحسين مُلقىً في الأرض جثّة بلا رأس، ولا غُسل ولا كفن، قد سفت عليه السوافي وبدنه مرضوض قد هشّمته الخيل بحوافرها، زوّاره وحوش القِفار، وندبته جنّ السهول والأوعار، قد أضاء التراب من أنواره، وأزهر الجوّ من إزهاره .

فلما رأته الطيور تصايحن وأعلنّ بالبكاء والثبور، وتواقعن على دمه يتمرَّغن فيه، وطار كلّ واحدٍ منهم إلى ناحية، يُعلِم أهلها عن قتل أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام ...) (١) .

وروى الخوارزمي بسنده عن المشطاح الورّاق، قال: (سمعت الفتح بن سحرف(٢) ، العابد يقول: كنت أفتّ الحَبّ للعصافير كلّ يوم فكانت تأكل، فلما كان يوم عاشوراء فتتُّ لها فلم تأكل، فعلمت أنّها أمتنعت لقتل الحسين بن عليّعليهما‌السلام !)(٣) .

____________________

(١) البحار: ٤٥: ١٩١، ومدينة المعاجز: ٤: ٧٢، والعوالم: ١٧ ٥١٢ ح١.

(٢) في سير أعلام النبلاء ١٣: ٩٣ و ٨: ٣٨٧: الفتح بن شخرف، والظاهر أنّه توفِّي سنة ٧٣ هـ وفي تاريخ بغداد: ١٢: ٣٨٤: كان أحد العبّاد السيّاحين، ثمّ سكن بغداد وكان من المشهورين بالورع والصلاح إلى آخر عمره.

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٩١، وفي بغية الطلب في تاريخ حلب ٦: ٢٦٥٧ لأحمد بن أبي جرادة الحلبي المتوفَّى سنة ٦٦٠ هـ: (عن أبي الفضل بن عبد السميع المنصوري يقول: سمعت الفتح بن شرف يقول: كنت أفتّ للنمل الخبز كلّ يوم، فلما كان يوم عاشوراء لم يأكلوه!).

٣٩

تحوُّل الورس رماداً! وامتلاء اللحم ناراً ومرارة!

روى ابن شهر آشوب عن أحاديث ابن الحاشر قال: (كان عندنا رجل فخرج على الحسين، ثمّ جاء بجَمل وزعفران، فكلّما دقّوا الزعفران صار ناراً، فلطخت امرأته على يديها فصارت برصاء.

وقال: ونحر البعير، فكلّما جزّوا بالسكّين صار مكانها ناراً! فقطعوه فخرج منه النار! قال: فطبخوه ففارت القِدْر ناراً!)(١) .

وروى ابن عساكر بسنده، عن أبي حميد الطحّان قال: (كنت في خزاعة فجاؤوا بشيء من تركة الحسين، فقيل لهم: ننحر أو نبيع فنُقسّم؟

قالوا: انحروا. قال: فنُحر، فجُعل على جفْنة، فلما وضعت فارت ناراً!)(٢) .

وعنه أيضاً، بإسناده عن حمّاد بن زيد: حدّثني جميل بن مرّة قال: أصابوا إبلاً في عسكر الحسين يوم قُتل، فطبخوا منها، فصارت كالعلْقم!)(٣) .

ونقل الذهبي، عن يحيى بن معين: حدّثنا جرير، عن يزيد بن أبي زياد(٤) قال: قُتِل الحسين ولي أربع عشرة سنة، وصار الوَرْس الذي كان في عسكرهم رماداً! واحمرّت آفاق السماء! ونحروا ناقة في عسكرهم، فكانوا يرون في لحمها

____________________

(١) مناقب آل أبي طالبعليه‌السلام : ٣: ٢١٥، والبحار: ٤٥: ٣٠٢، والعوالم: ١٧: ٦١٧.

(٢) تاريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / تحقيق المحمودي: ٣٦٦، رقم ٣٠٨.

(٣) تاريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / تحقيق المحمودي: ٣٦٦ - ٣٦٧، رقم ٣٠٩، وانظر: سير أعلام النبلاء: ٣: ٣١٣.

(٤) قال محمد بن فضيل: كان من أئمّة الشيعة الكبار! وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود: لا أعلم أحداً ترك حديثه!

وقال محمّد بن عبد الله الحضرمي: مات سنة سبع وثلاثين ومئة. (راجع: تهذيب الكمال: ٣٢: ١٣٨ - ١٣٩).

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228