مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٥

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة50%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 228

الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 228 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135123 / تحميل: 8983
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٥

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

المقدّمة

الحمد لله الأوّل قبل الإنشاء ، والآخر بعد تمام الأشياء ، والصلاة والسلام على النور الممجّد ، والنبيّ المؤيّد ، سيّدنا ومولانا أبي القاسم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى آله وعترته الهداة المهديّين ، واللعائن الدائمة على أعدائهم أعداء الله أجمعين ، حتى قيام يوم الدين.

لقد منّ الله علينا بخيرة أهل الأرض محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعترتهعليهم‌السلام وأخرجنا من ظلمات الجهل إلى أنوار العلم ، وذلك ببيان ما نحتاجه في حياتنا اليومية من أحكام عمليَّة ، وقد وصل إلينا هذا الفيض الإلهي عن طريق علمائنا الأعلام ، رحم الله تعالى السابقين وحفظ الباقين منهم ، وشكر مساعيهم وأياديهم التي لا تنسى.

وقد ارتأيتُ أن أحمل على عاتقي مهمّة توضيح ما ورد في الرسالة العملية لآية الله العظمى السيد علي السيستاني ( دام ظلّه ) وجعل الله فيئه وارفاً على رؤوس المؤمنين ، وقد جعلتُ عملي مقصوراً على أحكام المرأة والاُسرة ، وذلك للحاجة الماسّة في مجتمع النساء والأُسر لمعرفة الحكم الشرعي وتطبيقه كما هو ، وقد مرّ هذا العمل بمراحل عدّة :

1 ـ استقراء فتاوى آية الله العظمى السيد علي السيستاني ـ حفظه الله ـ في منهاج الصالحين ، والمسائل المنتخبة ، وبعض الاستفتاآت الخطيّة الصادرة بقلمه الشريف ، وبعض المصادر الحاوية على رأيه.

2 ـ استخراج الأحكام المرتبطة بالمرأة والاُسرة.

3 ـ توضيح الأحكام بأُسلوب سلس يفهمه عامّة المكلّفين.

٤

4 ـ بيان المعاني اللغوية للكلمات الصعبة ، وذلك اعتماداً على المصادر اللغويّة المعتبرة.

5 ـ إرسال الأحكام الموضّحة إلى لجنة الاستفتاآت في مكتب سماحته بقم المقدّسة وقد تمّ مراجعة الأحكام وبيان بعض الملاحظات عليها.

شكر وتقدير

ختاماً أتقدّم بجزيل شكري وتقديري إلى كلّ من ساهم في هذا الجهد المبارك ، وأخصّ بالذّكر سماحة حجّة الإسلام والمسلمين السيد جواد الشهرستاني ، الذي كان هو المشجّع الأوّل على هذا المشروع ، وزوجي سماحة حجّة الإسلام الشيخ محمّد الحسّون الذي استفدتُ من إرشاداته العلميّة وخبراته التحقيقيّة في هذا العمل ، وسماحة حجّة الإسلام السيد محسن الهاشمي ، مسؤول لجنة الاستفتاآت في مكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ دام ظلّه ـ الذي بذل مجهوداً كبيراً في مراجعة الأحكام ، وبيان بعض ما تحتاج إليه من ملاحظات ، والأخوات الفاضلات في دار الزهراءعليها‌السلام الثقافيّة : الحاجة ماجدة الخوانساري ، والاُخت سرور الموسوي ، والاُخت اُم علاء الحسون اللواتي ساهمن في صفّ الحروف وتصحيح الأخطاء المطبعيّة ، جزاهم الله تعالى جميعاً خير الجزاء ، وأثابهم بما يحبّ ويرضى ، إنّه خير مدعوّ ومجيب.

اُم علي مشكور

صفر 1426 ه‍

٥

التقليد

1 ـ المرأة التي بلغت مرحلة الاجتهاد وتمكّنت من استنباط الحكم الشرعي ، لا يجوز لها التقليد ويلزمها العمل باجتهادها أو بالاحتياط.

٦

كتاب الطهارة

أحكام التخلّي

1 ـ يجب تطهير مخرج البول بغسله بالماء ، وتكفي المرّة الواحدة بالقليل ، وكذا موضع الغائط إذا تعدّى المخرج أو أصاب المخرج نجاسة اُخرى من الخارج أو الداخل كالدم ، نعم لا يضرّ تنجّسه بالبول في النساء ، وفي غير ذلك يجوز غسله بالماء حتى ينقى ومسحه بحجر أو خرقة أو قرطاس أو محارم ونحوها من الأجسام القالعة للنجاسة.

2 ـ لا يجب على المرأة أن تستبرئ من البول ، وما يخرج منها من بلل مشتبه في كونه بولاً أو لا يُحكم بطهارته ، ولا يجب عليها الوضوء ، والأفضل للمرأة أن تصبر قليلاً وتتنحنح وتعصر فرجها عرضاً ثمّ تغسله.

الوضوء

1 ـ لا بدّ من رفع المانع عند الوضوء ، فلو كان الكحلُ مانعاً وجب رفعه ، وكذلك الوسمة أو الخطاط الذي له جرم.

٧

2 ـ تُطيل بعض النساء أظافرها للجمال ، وتضع دواءً عليها حفظاً لها من التكسّر ، فإذا كان هذا الدواء حاجباً من الوضوء أو الغسل ، أو شكّ في حاجبيّته فلابدّ من إزالته ، ولا يكون هذا السبب مبرّراً لعدم رفعه(1) .

3 ـ لا يجوز المسح على الشعر المكوّر والمجمّع على الناصية ـ الذي يتجاوز بمدّه حدّ الربع المقدّم من الرأس من جميع جوانبه ـ عند الوضوء ، ولذا فلابدّ من فتحه ثمّ المسح على أُصوله في الربع المقدّم ، أو على مقدار منه لا يخرج بمدّه عن حدّ المقدّم من جميع الأطراف.

4 ـ يستحبّ للمرأة في غسل اليدين في الوضوء أن تبدأ بباطن ذراعيها في الغسلة الأُولى الواجبة ، وبظاهرهما في الغسلة الثانية المستحبّة.

الجنابة

1 ـ للمرأة جنابة كما للرجل ، فالماء الخارج منها بشهوة بما يصدق معه الإنزال وهو ما لا يحصل عادة إلاّ مع شدة التهيّج الجنسي فهو بحكم المني دون البلل الموضعي الذي لا يتجاوز الفرج ويحصل بالإثارة الجنسيّة الخفيفة فإنه لا يوجب شيئاً ، كما وتتحقّق الجنابة أيضاً بالجماع في القبل أو الدبر وإن لم تنزل.

2 ـ إذا كان على المرأة أغسال متعدّدة ، كغسل الجنابة والجمعة والحيض وغيرها ، جاز لها أن تغتسل غسلاً واحداً بقصد الجميع ويجزئها ذلك ، كما يجوز لها أن تنوي خصوص غسل الجنابة وهو أيضاً يجزئ عن غيره ، وكذا إذا نوت غير غسل الجنابة فإنّه يجزئها عمّا نوته وعن غيره ، ولكن في إجزاء أيّ غسل عن غسل الجمعة من دون قصده ولو إجمالاً إشكال.

__________________

(1) أي ليس إطلاء الأظافر بالدواء كي لا تتكسّر سبباً مبرّراً لعدم الرفع.

٨

3 ـ الثقب في الأُذن ـ وهو موضع الحلقة أو الخزامة ـ لا يجب غسل باطنه بل يجب غسل الظاهر ، سواء كانت الحلقة موجودة فيه أو لا.

الحيض

1 ـ الحيض : دم تعتاده النساء كلّ شهر في الغالب ، ويعتبر فيه الاستمرار ـ ولو في فضاء الفرج ـ في الثلاثة الاُولى ، وكذا فيما يتوسطها من الليالي ، فلو لم يستمر الدم لم تجر عليه أحكام الحيض ، نعم فترات الانقطاع اليسيرة المتعارفة ـ ولو في بعض النساء ـ لا تخلّ بالاستمرار المعتبر فيه ، كما يعتبر التوالي في الأيام الثلاثة المذكورة وأن يكون بعد البلوغ(1) وقبل سنّ الستّين.

ويجتمع الحيض مع الحمل قبل ظهوره وبعد ظهوره ، نعم الأحوط وجوباً أن تجمع الحامل ذات العادة الوقتية بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة في صورة واحدة ، وهي ما إذا رأت الدم بعد مضيّ عشرين يوماً من أوّل عادتها وكان الدم بصفات الحيض ، وفي غير هذه الصورة حكم الحامل وغير الحامل على حدّ سواء.

2 ـ إذا كانت المرأة ممّن لها عادة وقتية فتتحيّض بمجرّد رؤية الدم في أيام عادتها وإن لم يكن بصفات الحيض ، وكذا إذا رأت الدم قبل العادة بيوم أو يومين أو أزيد ما دام يصدق عليه تعجيل الوقت والعادة بحسب عرف النساء.

وأمّا إذا رأت الدم قبل العادة بزمان أكثر ممّا تقدّم أو رأته بعدها ولو قليلاً فترجع إلى الصفات ، فإن كان واجداً للصفات ـ من الحمرة والحرارة ـ تحيّضت به ، وأمّا مع عدم الصفات فلا تتحيّض إلاّ من حين العلم باستمراره ثلاثة أيام وإن كان ذلك قبل إكمال الثلاثة. ولو كانت تحتمل بقاءه ثلاثة أيام فالأحوط وجوباً لها الجمع

__________________

(1) أي بعد بلوغ تسع سنين قمريّة كاملة.

٩

بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة ، كترك مسّ لفظ الجلالة والآيات ودخول المساجد والمشاهد المشرّفة للمعصومينعليهم‌السلام وغير ذلك ، وتأتي بالصلاة طبق وضعها من الاستحاضة.

ثمّ إنّه إن زاد الدم على الثلاثة ولم يتجاوز عن العشرة جعلت الزائد حيضاً أيضاً وإن كان أزيد من عادتها ، وأمّا إذا تجاوز العشرة فعليها أن ترجع في العدد إلى عادتها ، وأمّا في الوقت فإن كان لها تمييز(1) بالصفات يوافق عدد العادة رجعت إليه ، وإن كان مخالفاً له رجعت إليه أيضاً ، لكن تزيد عليه مع نقصانه عن عدد العادة حتى تبلغ العدد وتنقص عنه مع زيادته على عدد العادة حتى تبلغه ، فالنتيجة إنّ الصفات تحدّد الوقت فقط دون العدد ، ومع عدم التمييز بالصفات تجعل العدد في أوّل أيام الدم.

3 ـ إذا انقطع دم الحيض قبل انقضاء أيام العادة وجب عليها الغسل والصلاة حتى إذا ظنّت عود الدم بعد ذلك ، فإذا عاد قبل انقضائها أو عاد بعده ثمّ انقطع في اليوم العاشر أو دونه من أوّل زمان رؤية الدم فهو حيض ، وإذا تجاوز العشرة فما رأته في أيام العادة ـ ولو بعد النقاء المذكور ـ حيض والباقي استحاضة ، وأمّا النقاء المتخلّل بين الدمين(2) من حيض واحد فالأحوط وجوباً فيه الجمع بين أحكام الطاهرة والحائض.

4 ـ من كانت عادتها دون العشرة وتجاوز الدم أيامها ، فإن علمت بانقطاع الدم

__________________

(1) إذا استطاعت المرأة أنّ تشخّص أن هذا الدّم دم حيض أو دم استحاضه من خلال الصفات فإنّها تسمّى ذات تمييز.

(2) كما إذا رأت الدم وانقطع ثمّ رأته مرّة اُخرى فتسمّى المدّة الفاصلة بين الدمين بالنقاء المتخلّل بينهما.

١٠

قبل تجاوز العشرة حُكم بكونه حيضاً ، وإن علمت بالتجاوز عنها وجب عليها بعد مضيّ أيام العادة أن تغتسل وتعمل عمل المستحاضة ، وإن لم تعلم شيئاً من الأمرين بأن احتملت الانقطاع في اليوم العاشر أو قبله فالأحوط الأولى(1) أتستظهر بيوم ثمّ تغتسل من الحيض وتعمل عمل المستحاضة ، ولها أن تستظهر أزيد منه إلى تمام العشرة من أوّل رؤية الدم. ( والاستظهار : هو الاحتياط بترك العبادة ).

وجواز الاستظهار إنّما ثبت في الحائض التي تمادى(2) بها الدم كما هو محلّ الكلام ، ولم يثبت في المستحاضة التي اشتبه عليها أيام حيضها ، فإنّ عليها أن تعمل عمل المستحاضة بعد انقضاء أيام العادة.

5 ـ إذا شكّت المرأة في انقطاع دم الحيض وجب عليها الفحص ، ولم يجز لها ترك العبادة بدونه ، وكيفيّة الفحص أن تُدخل قطنة وتتركها في موضع الدم ، وتصبر أزيد من الفترة اليسيرة التي يتعارف انقطاع الدم فيها مع بقاء الحيض ثمّ تخرجها ، فإن كانت نقية فقد انقطع حيضها فيجب عليها الاغتسال والإتيان بالعبادة ، وإلاّ فلا. وإذا اغتسلت من دون فحص حُكم ببطلان غسلها ، إلاّ إذا انكشف أنّ الغسل كان بعد النقاء وقد اغتسلت برجاء أن تكون نقية.

6 ـ إذا رأت الدم قبل أيام العادة واستمر إليها(3) وزاد المجموع على العشرة ، فإن كان في أيام العادة فهو حيض وإن كان بصفات الاستحاضة ، وما كان قبلها استحاضة وإن كان بصفات الحيض ، وإذا رأته أيام العادة وما بعدها وتجاوز المجموع

__________________

(1) الاحتياط هنا استحبابي يجوز تركه.

(2) تمادى أي استمر.

(3) أي واستمر إلى أن أتى وقت عادتها.

١١

العشرة كان ما بعد العادة(1) استحاضة حتى فيما كان منه في العشرة بصفات الحيض ولم يتجاوزها بهذه الصفة.

7 ـ ما تراه المبتدئة(2) أو المضطربة(3) من الدم إذا تجاوز العشرة ، فإمّا أن يكون واجداً للتمييز بأن يكون الدم المستمر بعضه بصفة الحيض وبعضه بصفة الاستحاضة ، وإمّا أن يكون فاقداً له بأن يكون ذا لون واحد وإن اختلفت مراتبه كما إذا كان الكلّ بصفة دم الحيض وإن كان بعضه أسود وبعضه أحمر ، أو كان الجميع بصفة دم الاستحاضة ـ أي أصفر ـ وإن كان مع اختلاف درجات الصفرة :

ففي القسم الأول تجعل الدم الفاقد لصفة الحيض استحاضة ، كما تجعل الدم الواجد لها حيضاً مطلقاً عشرة أيام إذا لم يلزم من ذلك محذور عدم فصل أقلّ الطهر ـ أي عشرة أيام ـ بين حيضتين مستقلّتين ، وإلاّ فعليها جعل الثاني استحاضة أيضاً ، هذا إذا لم يكن الواجد أقلّ من ثلاثة أيام ولا أكثر من العشرة ، وأمّا مع كونه أقلّ أو أكثر فلا بدّ في تعيين عدد أيام الحيض من الرجوع إلى أحد الطريقين الآتيين في القسم الثاني بتكميل العدد إذا كان أقلّ من ثلاثة ، بضمّ بعض أيام الدم الفاقد لصفة الحيض وتنقيصه إذا كان أكثر من العشرة بحذف بعض أيام الدم الواجد لصفة الحيض ولا يحكم بحيضيّة الزائد على العدد.

وأمّا في القسم الثاني فالمبتدئة تقتدي ببعض نسائها(4) في العدد ، ويعتبر في من تقتدي بها أمران :

__________________

(1) أي ما بعد أيام العادة.

(2) المبتدئة : هي التي ترى الدم لأوّل مرّة.

(3) المضطربة : هي التي لم تستقر لها عادة لا من ناحية الوقت ولا العدد.

(4) أي النساء من أقربائها كالأُمّ والاُخت والخالة والعمّة ، وهكذا.

١٢

الأوّل : عدم العلم بمخالفتها معها في مقدار الحيض ، فلا تقتدي المبتدئة بمن كانت قريبة من سنّ اليأس مثلاً.

الثاني : عدم العلم بمخالفة عادة من تريد الاقتداء بها مع عادة من يماثلها من سائر نسائها(1) .

وإذا لم يمكن الاقتداء ببعض نسائها فالظاهر أنّها مخيّرة في كلّ شهر في التحيّض فيما بين الثلاثة إلى العشرة.

ولكن ليس لها أن تختار عدداً تطمئن بأنّه لا يناسبها ، والأحوط استحباباً اختيار السبع إذا لم يكن غير مناسب لها.

وأمّا المضطربة فالأحوط وجوباً أن ترجع أوّلاً إلى بعض نسائها ، فإن لم يمكن رجعت إلى العدد على النحو المتقدّم فيهما ، هذا كلّه فيما إذا لم تكن المضطربة ذات عادة أصلاً ، وأمّا إذا كانت ذات عادة ناقصة بأن كان لأيام دمها عدد ( فوق الثلاثة ) لا ينقص عنه ـ كأن لم تكن ترى الدم أقلّ من خمسة أيام ـ أو كان لها عدد ( دون العشرة ) لا تزيد عليه ـ كأن لم تكن ترى الدم أكثر من ثمانية أيام ـ ، أو كان لها عدد من كلا الجانبين ( قلّة وكثرة ) كأن لم تكن ترى الدم أقلّ من خمسة ولا أكثر من ثمانية فليس لها أن تأخذ بأحد الضوابط الثلاثة في مورد منافاتها مع تلك العادة الناقصة.

8 ـ إذا لم تر الدم في أيام العادة أصلاً ورأت الدم قبلها ثلاثة أيام أو أكثر وانقطع يحكم بكونه حيضاً ، وكذا إذا رأت بعدها ثلاثة أيام أو أزيد ، وإذا رأت الدم قبلها وبعدها فكل من الدمين حيض إذا كان النقاء بينهما لا يقلّ عن عشرة أيام.

__________________

(1) أي يجب أن لا تعلم بمخالفة عادة من تريد الاقتداء بها من قريباتها.

١٣

9 ـ ذات العادة : هي المرأة التي ترى الدم مرّتين متماثلتين من حيث الوقت والعدد من غير فصل بينهما بحيضة مخالفة ، كأن ترى الدم في شهر من أوّله إلى اليوم السابع ، وترى في الشهر الثاني مثل الأوّل.

10 ـ لا تصح من الحائض الصلاة الواجبة والمستحبة ، ولا قضاء لما يفوتها من الصلوات حال الحيض ، حتى الآيات(1) والمنذورة في وقت معيّن. ولا يصح منها الصوم أيضاً ، لكن يجب عليها أن تقضي ما يفوتها من الصوم في شهر رمضان ، والأحوط وجوباً قضاء المنذور في وقت معيّن. ولا يصح منها أيضاً الاعتكاف ، ولا الطواف الواجب ، وهكذا الطواف المندوب على الأحوط وجوباً.

ويحرم عليها كلّ ما يحرم على الجنب من مسّ لفظ الجلالة ، وكذا سائر أسمائه تعالى وصفاته المختصّة به على الأحوط وجوباً ، ويلحق به مسّ أسماء المعصومينعليهم‌السلام على الأحوط الأولى(2) ، وكذا يحرم عليها مسّ كتابة القرآن ، والدخول في المساجد وإن كان لأخذ شيء منها ، ويلحق بها المشاهد المشرّفة على الأحوط وجوباً(3) ، وكذا يحرم المكث في المساجد ووضع شيء فيها على الأحوط وجوباً وإن كان في حال الاجتياز أو من الخارج ، وكذا دخول المسجد الحرام ومسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان على نحو الاجتياز ، ويحرم أيضاً قراءة إحدى آيات العزائم الأربع(4) .

11 ـ يحرم وطء الحائض في قبلها أيام الدم ، ويكره الاستمتاع بما تحت المئزر ممّا بين السرّة والركبة. وإذا نقيت المرأة من الدم جاز وطؤها وإن لم تغتسل ،

__________________

(1) أي حتى صلاة الآيات.

(2) الاحتياط هنا استحبابي.

(3) أي مشاهد المعصومينعليهم‌السلام .

(4) وهي آيات السجدة الواجبة في سورة حم السجدة ، والم السجدة ، والنجم ، والعلق.

١٤

والأحوط وجوباً ان يكون ذلك بعد غسل الفرج.

12 ـ لا يصح طلاق الحائض ، إلاّ إذا استبان حملها فلا بأس به حينئذ. ولو طلّقت على أنّها حائض فتبيّن أنّها طاهرة صح طلاقها ، ولو كان العكس بطل.

13 ـ لا يجوز وطء الحائض وغيرها في الدبر على الأحوط وجوباً إذا لم تكن راضية به ، ويكره كراهة شديدة مع رضاها.

14 ـ غسل الحيض كغسل الجنابة من حيث الترتيب والارتماس(1) ، والظاهر إغناؤه عن الوضوء وإن كان الأحوط الأفضل الوضوء قبله.

15 ـ لو كانت المرأة حائضاً وكان عليها غسل جنابة ، واغتسلت للجنابة حينها ، صح غسلها وتصح منها الأغسال المستحبة والوضوء ، وفي صحة غسل الجمعة منها قبل النقاء إشكال.

الاستحاضة

1 ـ وهي الدم الذي تراه المرأة حسب ما يقتضيه طبعها غير الحيض والنفاس ، فكلّ دم لا يكون حيضاً ، ولا نفساً ، ولا يكون من دم البكارة ، أو القروح أو الجروح فهو استحاضة.

والغالب في دم الاستحاضة أن يكون أصفراً بارداً رقيقاً ، يخرج بلا لذع وحرقة ، عكس دم الحيض ، ولعلّه يكون بصفة دم الحيض لكنّه في غير أيام الحيض.

ولا يوجد حدّ لقليله ولا لكثيره ولا للمدّة التي ينقطع بها ثمّ يعود مرّة أُخرى ،

__________________

(1) أي يمكن الإتيان به ارتماسيّاً أو ترتيبيّاً بغسل الرأس والرقبة ثمّ الطرف الأيمن ثمّ الأيسر من البدن.

١٥

ولا تراه إلاّ المرأة البالغة. وفي تحقّقه بعد سنّ الستّين إشكال ، والأحوط وجوباً العمل فيه بوظائف المستحاضة.

2 ـ الاستحاضة على ثلاثة أقسام ، لكلّ قسم منها حكم خاصّ به ، وهي : الكثيرة ، والمتوسّطة ، والقليلة.

والكثيرة : هي أن يغمس الدم القطنة التي تحملها المرأة ويتجاوزها إلى الخرقة(1) ويلوّثها.

والمتوسّطة : هي أن يغمسها الدم ولا يتجاوزها إلى الخرقة التي فوقها.

والقليلة : هي التي يكون الدم فيها قليلاً بحيث يلوّث القطنة فقط.

3 ـ المستحاضة تختبر حالها قبل الصلاة على الأحوط وجوباً ، حتى تعرف من أي أنواع المستحاضة هي ، وإذا صلّت من دون اختبار بطلت صلاتها ، إلاّ إذا طابق عملها الوظيفة اللازمة لها ، فإن كانت قليلة توضّأت لكلّ صلاة ، والمتوسّطة يجب عليها أن تتوضّأ لكلّ صلاة ، والأحوط وجوباً أن تغتسل غسلاً واحداً في كلّ يوم ، والغسل يكون قبل الوضوء.

وأمّا وقت الغسل فهو لكلّ صلاة حدثت قبلها ، فإذا حدثت الاستحاضة المتوسّطة قبل صلاة الفجر اغتسلت ثمّ توضّأت وصلّت ، وإذا حدثت قبل صلاة الظهر اغتسلت وتوضّأت لها ، وصلّت غيرها من الصلوات بالوضوء ، وإذا حدثت قبل العصر اغتسلت وتوضّأت لها وصلّت ، وهكذا ...

وإذا حدثت قبل صلاة الصبح ولم تغتسل عمداً أو سهواً اغتسلت للظهرين ، والأحوط وجوباً لها إعادة صلاة الصبح.

__________________

(1) أي الحفّاظة.

١٦

وأمّا الكثيرة فيجب عليها إذا كان الدم صبيباً(1) ثلاثة أغسال لصلاة الصبح وللظهرين وللعشاءين تجمع بينهما ، وأمّا إذا كان بروزه على القطنة متقطّعاً بحيث تتمكن من الاغتسال والإتيان بصلاة واحدة أو أزيد قبل بروز الدم عليها مرّة اُخرى فالأحوط وجوباً الاغتسال عند بروز الدم ، وعلى ذلك فلو اغتسلت وصلّت ثم برز الدم على القطنة قبل الصلاة الثانية وجب عليها الاغتسال لها ، ولو برز الدم في أثنائها أعادت الصلاة بعد الاغتسال.

4 ـ إذا انتقلت الاستحاضة من الأدنى إلى الأكثر ، كأن كانت متوسّطة وصارت كثيرة ، أو كانت قليلة وصارت متوسّطة ، فعليها أن تعمل عمل التي انتقلت إليها للصلاة الآتية ، وإذا صار انتقال عادتها بعد غسلها للصبح فتعيد الغسل ، ولو ضاق الوقت للغسل تيمّمت ، وإن ضاق الوقت عن التيمّم فالأحوط استحباباً أن تستمر على عملها ، ويجب عليها قضاء الصلاة.

5 ـ حكم المرأة في الاستحاضة القليلة حكم الطاهرة ، وهكذا في الاستحاضة المتوسّطة والكثيرة ، فلا يعتبر الغسل في صحة صومها وإن كان الأحوط استحباباً أن تراعيا فيه الإتيان بالأغسال النهاريّة التي للصلاة.

ولا يحرم وطء المستحاضة ، ولا دخول المساجد ، ولا وضع شيء فيها ولا المكث فيها ، ولا قراءة آيات السجدة قبل طهارتها بالوضوء أو الغسل ، ولكن يحرم عليها مسّ المصحف ونحوه قبل تحصيل الطهارة ، والأحوط(2) أن لا تمسّه قبل

__________________

(1) الصبيب : الدم ، الصحاح 1 : 161 « صَبَبَ ». والظاهر أنّ المقصود منه هنا هو كون الدم مستمراً في جريانه.

(2) الاحتياط هنا استحبابي.

١٧

إتمام صلاتها دون ما بعدها ، أي ما بعد الصلاة.

النفاس

1 ـ وهو الدم الذي يقذفه الرحم بالولادة معها ، أو بعدها على نحو يستند خروج الدم إليها عرفاً ، وتسمّى المرأة في هذا الحال بالنفساء.

ولا نفاس لمن لم تر الدم من الولادة أصلاً ، أو رأته بعد فصل طويل بحيث لا يستند إليها عرفاً كما إذا رأته بعد عشرة أيام منها.

ولا حدّ لقليله ، وحدّ كثيره عشرة أيام. والأفضل لها أن تترك ما تتركه النفساء إذا زاد نفاسها على ثمانية عشر يوماً ، وتفعل أفعال المستحاضة.

2 ـ الدم الذي تراه الحامل قبل ظهور الولد ليس بنفاس ، فإن رأته في حالة المخاض وعلمت أنّه من آثار المخاض فهو من دم الجروح ، ولكن إذا رأته قبل حالة المخاض أو فيها ولم تعلم استناده إليه ، سواء كان متصلا بدم النفاس أو منفصلاً عنه بعشرة أيام أو أقلّ ، فإن كان بشرائط الحيض فهو حيض ، وإلاّ فهو استحاضة.

3 ـ مبدأ النفاس اليوم ، فإن كانت الولادة ليلاً كان من النفاس ، ولكنّه خارج العشرة.

4 ـ مبدأ النفاس خروج الدم لا نفس الولادة ، فإن تأخّر خروج الدم عنها كانت العبرة في الحساب بالخروج ، كما أنّ مبدأ النفاس الدم الخارج بعد الولادة وإن كان الخارج حينها نفاساً أيضاً.

5 ـ لو رأت النفساء الدم وتجاوز العشرة ، جعلت نفاسها عشرة أيام ما لم تكن

١٨

ذات عادة(1) في الحيض ، والاّ أخذت بمقدار عادتها والباقي استحاضة ، وإذا كانت ناسية لمقدارها جعلت أكبر عدد محتمل عادة لها في هذا المقام وبعده ترجع إلى عادتها الوقتية ـ مع تخلل أقل الطهر بين دم النفاس وبينها طبعاً ـ وتنتظرها وإن اقتضى ذلك عدم الحكم بتحيّضها فيها بعد الولادة بشهر أو أزيد.

ولو رأت الدم حين الولادة ثمّ انقطع ، ثمّ رأته مرّة اُخرى ولم يتجاوز الدم الأخير العشرة ، فما تراه يكون جميعه نفاساً ، وأمّا النقاء المتخلّل فالأحوط وجوباً الجمع فيه بين أحكام الطاهرة والنفساء.

وإذا تجاوز الدم الأخير العشرة ، وكانت ذات عادة عدديّة في الحيض ، فما تراه في مقدار أيام عادتها نفاس ، والأحوط وجوباً في الدم الخارج عن العادة الجمع بين تروك النفساء وأعمال المستحاضة ، وأمّا إذا لم تكن ذات عادة عدديّة في الحيض ، فما تراه في مقدار أيام عادتها نفاس ، والأحوط وجوباً في الدم الخارج عن العادة الجمع بين تروك النفساء وأعمال المستحاضة. وأمّا اذا لم تكن ذات عادة عدديّة في الحيض فما تراه خلال العشرة يكون نفاساً ، وتحتاط وجوباً في النقاء المتخلّل بالجمع بين أعمال الطاهرة وتروك النفساء ، وما يخرج عن العشرة من الدم الأخير يحكم بكونه استحاضة.

6 ـ النفساء بحكم الحائض ، فتفعل كفعل الحائض عند تجاوز الدم على أيام العادة ، فيستحب لها الاستظهار بيوم ، وجاز لها الاستظهار إلى تمام العشرة من حين رؤية الدم. وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ، ويحرم وطؤها ولا يصح طلاقها. والأحوط لزوماً لها ترك قراءة الآيات التي تجب فيها السجدة ، والدخول في

__________________

(1) أي إذا كانت مضطربة لم تستقرّ لها عادة لا من ناحية الوقت ولا من ناحية العدد.

١٩

المساجد بغير اجتياز ، والمكث في المساجد ووضع شيء فيها ، ودخول المسجد الحرام ومسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو على نحو الاجتياز.

غُسل الأموات

1 ـ يجب تغسيل الميت ، وسائر ما يتعلّق بتجهيزه من الواجبات على وليّه ، فعليه التصدّي لها مباشرة أو تسبيباً(1) ، ويسقط مع قيام غيره بها بإذنه بل مطلقاً ـ أي حتى مع عدم إذنه ـ في الدفن ونحوه. نعم مع فقدان الولي أو امتناعه عن القيام به بأحد الوجهين يجب تجهيزه على سائر المكلّفين كفاية(2) ويسقط اعتبار إذنه ، ويختصّ وجوب التغسيل بالمسلم ومن بحكمه كأطفال المسلمين ومجانينهم.

ولا بدّ أن يكون المباشر للغسل مسلماً ، بل ومؤمناً(3) على الأحوط وجوباً ، كما ويعتبر أن يكون مماثلاً للميت في الذكورة والانوثة ، فإن كان أُنثى فلا بدّ أن يكون المغسّل أُنثى ، ويستثنى من ذلك موارد :

1 ـ الطفل غير المميّز ، سواء كان الميت ذكراً أم أُنثى ، مع الثياب أو بدونها ، مع وجود المماثل له أم مع فقده ، فإنّه يجوز في كلّ هذه الحالات أن يختلف الغاسل والميت في الهويّة.

2 ـ إذا كان الميت الزوج أو الزوجة ، فيجوز لكلّ منهما أن يغسّل الآخر مع الثياب أو بدونها ، ومع وجود المماثل أو فقده ، سواء كانت الزوجة دائمة أو منقطعة ـ

__________________

(1) أي يؤجر أحداً حتى يجهّز الميت.

(2) أي إذا قام به شخص سقط عن غيره من المكلّفين.

(3) أي أماميّاً اثني عشرياً.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وروى ابن سعد في طبقاته، قائلاً: (وكان عليّ بن الحسين الأصغر مريضاً نائماً على فراش، فقال شمر بن ذي الجوش الملعون: اقتُلوا هذا!

فقال له رجل من أصحابه: سبحان الله! أتقتُل فتىً حدثاً مريضاً لم يُقاتل؟!

وجاء عمر بن سعد فقال: لا تعرَّضوا لهؤلاء النسوة، ولا لهذا المريض!)(١) .

وذكر القرماني في كتابه أخبار الدول، قائلاً: (وهَمّ شمر الملعون - عليه ما يستحقّ من الله - بقتل عليّ الأصغر بن الحسين وهو مريض، فخرجت إليه زينب بنت عليّ وقالت:والله، لا يُقتَل حتى أُقتل!) (٢) .

وفي روضة الصفا: (فلما وصل شمر - لعنه الله - إلى الخيمة التي كان عليّ بن الحسينعليهما‌السلام فيها متّكئاً، سلّ سيفه ليقتله.

قال حميد بن مسلم: سبحان الله! أيُقتل هذا المريض؟! لا تقتله!

وقال بعضهم: إنّ عمر بن سعد أخذ بيديه وقال: أما تستحيي من الله؟! تُريد أن تقتل هذا الغلام المريض!

قال شمر: قد صدر أمر الأمير عبيد الله، أن أقتل جميع أولاد الحسين.

فبالغ عمر في منعه حتّى كفّ عنه، فأمر بإحراق خيام أهل بيت المصطفى!)(٣) .

وفي تذكرة الخواص، عن الواقدي قال: (وإنّما استبقوا عليّ بن الحسين؛ لأنّه لما قُتل أبوه كان مريضاً، فمرّ به شمر فقال: اقتلوه!

ثمّ جاء عمر بن سعد، فلما رآه قال: لا تتعرّضوا لهذا الغلام!

ثمّ قال لشمر: ويحك! مَن للحرم؟)(٤) .

____________________

(١) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع، من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد: ٧٨.

(٢) أخبار الدول: ١٠٨.

(٣) روضة الصفا: ٣: ١٧٠.

(٤) تذكرة الخواص: ٢٣٢.

٦١

إشارة:

تؤكّد جميع الروايات التي تتناول الحديث في حالة الإمام زين العابدينعليه‌السلام في كربلاء، على أنّه كان مريضاً، ولم يرد في المصادر التاريخية إلى أيِّ فترة استمرّ به هذا المرض، لكنّ المستفاد من بعض الإشارات التاريخية، أنّهعليه‌السلام كان لم يزل مريضاً ناحلاً ضعيفاً حتّى في الشام.

وقد ذهب بعضهم إلى أنّه قد أُصيب بعين فمَرِض، كما ذهب إلى ذلك أحمد بن حنبل، حيث زعم - على ما ذكره ابن شهر آشوب - أنّهعليه‌السلام كان أُلبِس دُرعاً ففضل عنه، فأخذ الفضلة بيده ومزّقه؛ فصار سبباً لمرضه!(١).

واستبعد ذلك آخرون، وقالوا: إنّ الأمر أهمّ وأعظم ممّا ذهب إليه ابن حنبل؛ إذ إنّ إرادة الباري تعالى تعلّقت بضرورة بقائهعليه‌السلام بعد أبيهعليه‌السلام ؛ لأنّه من مصاديق (بقيّة الله)، وحلقة من حلقات سلسلة الإمامة المباركة، فشاء الله تعالى أن يكون مريضاً تلك الأيّام؛ حتّى يسقط عنه الجهاد بين يدي أبيه؛ ليُحفظ بذلك، ولتُحفظ به سلسلة الإمامة الكبرى(٢) .

ولا مُنافاة بين أن يكون لمنشأ مرضه سبب في الخارج، وبين أن تكون الغاية من مرضه حفْظ سلسلة الإمامة، فالأمور بأسبابها.

____________________

(١) راجع: مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام : ٤: ١٤٢.

(٢) في مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٣٦ / يقول الخوارزمي: (فخرج علي بن الحسين وهو زين العابدين، وهو أصغر من أخيه عليِّ القتيل، وكان مريضاً، وهو الذي نَسَلَ آل محمّدعليهم‌السلام ، فكان لا يقدر على حمل سيفه، وأمّ كلثوم تُنادي خلفه: يا بنيّ، ارجِع! فقال:(يا عمّتاه، ذريني أُقاتل بين يدي ابن رسول الله!) . فقال الحسين:(يا أمّ كلثوم، خُذْيه وردِّيه، لا تبقَ الأرض خالية من نسل آل محمّد!) .

٦٢

ونُريد هنا أن نُنبّه، إلى أنّ مرضهعليه‌السلام وإن كان سبباً مساعداً في انصراف الأعداء عن قتله؛ لأنّهم كانوا يرونه قاب قوسين من أجله، لِما به من شدّة المرض! لكنّ مرضهعليه‌السلام لم يكن السبب الرئيس في انصرافهم عن قتله، بل إنّ السبب الرئيس في حفظه من القتل، ذلك الموقف الفدائي العظيم، الذي قامت به عمّته زينبعليها‌السلام ؛ حيث تعلّقت به وقالت مُخاطبة شمراً:(حسبك من دمائنا! والله، لا أُفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه!) (١) .

وقد تكرّر منهاعليها‌السلام هذا الموقف الفدائي العظيم في الكوفة، في قصر عبيد الله بن زياد لعنه الله، حيث طرحت نفسها على ابن أخيهاعليهما‌السلام وقالت:(لا يُقتَل حتّى تقتلوني! ...) (٢) .

وهنا ينبغي أيضاً، أن نُنبّه إلى أنّنا نشكّ شكّاً قويّاً، في الدور الإيجابي الذي صوّره حميد بن مسلم لنفسه، في الذود عن حياة الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وفي صرف شمر بن ذي الجوشن عن قتله - بل يمتدّ شكّنا إلى جميع الأدوار الإيجابيّة الأُخرى التي رسمها حميد بن مسلم لنفسه - على ما ورد في روايات ابن جرير الطبري في تأريخه، وفي تواريخ الذين أخذوا عنه بلا تدبُّر!

ذلك؛ لأنّ حميد بن مسلم الأزدي هذا، كان مُنتمياً انتماءً صريحاً إلى معسكر عمر بن سعد يوم عاشوراء! ويتّضح من مجموع رواياته، أنّه كان وجيهاً من وجهاء هذا المعسكر، معروفاً عند قادته وقريباً منهم!

ويكفي في الدلالة على هذا، أنّه وخولّي بن يزيد الأصبحي حمَلا رأس الإمامعليه‌السلام إلى ابن زياد(٣) بتكليف من عمر

____________________

(١) الإرشاد: ٢: ١١٦.

(٢) راجع: الإرشاد: ٢: ١١٦، واللهوف: ٢٠٢، ومُثير الأحزان: ٩١.

(٣) راجع: الإرشاد: ٢: ١١٣.

٦٣

بن سعد! ثمّ إنّ جميع الأدوار الإيجابيّة - إذا صحّ هذا الإطلاق - التي ظاهرها أنّه تأثّر لأهل البيتعليهم‌السلام أو دفع عنهم شرّاً، إنّما رويت من طريقه هو، وهذا ما يدعو - على الأقلّ - إلى التحفُّظ عن تصديقها، وإلى التأمّل فيها.

ثمّ أُحرقت الخيام!

قال السيّد ابن طاووس (ره): (ثمّ أخرجوا النساء من الخيمة، وأشعلوا فيها النّار، فخرجن حواسر مُسلّبات حافيات، باكيات يمشين سبايا في أسْر الذلّة ...)(١) .

وقال ابن نما (ره): (وخرج بنات سيّد الأنبياء، وقرّة عين الزهراء، حاسرات مُبديات للنياحة والعويل، يندبن على الشباب والكهول، وأُضرمت النار في الفسطاط، فخرجن هاربات، وهنّ كما قال الشاعر:

فترى اليتامى صارخين بعولة

تحثوا التراب لفقْد خير إمام

وبقين ربَّات الخدور حواسراً

يمسحن عرض ذوائب الأيتام

وترى النساء أراملاً وثواكلاً

يبكين كلّ مُهذّب وهُمام)(٢) .

ولا يخفى أنّ جميع الخيام قد أُضرمت فيها النار؛ بدليل قول الإمام الرضاعليه‌السلام :(وأُضرمت في مضاربنا النّار) (٣) .

لكنّ الظاهر، أنّ هذا الفسطاط الذي كنّ النسوة والأطفال فيه جميعاً مع الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، هو آخر الخيام التي أُحرقت بعد إخراجهم منه.

____________________

(١) اللهوف: ١٨٠، وانظر: الفتوح: ٥: ١٣٨.

(٢) مُثير الأحزان: ٧٧.

(٣) راجع: مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام : ٢: ٢٠٦.

٦٤

جائزة سنان بن أنس:

ذكر الطبري أنّ الناس قالوا لسنان بن أنس:(١) قتلت حسين بن عليّ، وابن فاطمة ابنة رسول الله! قتلت أعظم العرب خطراً! جاء إلى هؤلاء يُريد أن يُزيلهم عن مُلكهم! فأتِ أُمراءك فاطلب ثوابك منهم، لو أعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين كان قليلاً!

فأقبل على فرسه، وكان شجاعاً شاعراً، وكانت به لوثة، فأقبل حتّى وقف على باب فسطاط عمر بن سعد، ثمّ نادى بأعلى صوته:

أوقرْ ركابي فضَّة أو ذهبا

أنا قتلت الملِك المحجّبا

قتلت خير الناس أمّاً وأبا

وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال عمر بن سعد: أشهدُ أنّك لمجنون ما صححت قطّ! أدخلوه عليَّ.

فلما أُدخل حذفه بالقضيب، ثمّ قال: يا مجنون! أتتكلّم بهذا الكلام؟! أما والله، لو سمعك ابن زياد لضرب عُنقك!(٢).

____________________

(١) سنان بن أنس بن عمرو بن حيّ بن بن مالك بن النخع، قاتل الحسين. (راجع: جمهرة أنساب العرب: ٤١٥).

(٢) تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٥ / وفي نقل سبط ابن الجوزي، عن ابن سعد في طبقاته: أنّ سنان بن أنس النخعي جاء إلى باب ابن زياد، وأنشد هذه الأبيات، فلم يُعطه ابن زياد شيئاً! (تذكرة الخواص: ١٤٣). وانظر: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله / من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد: ٧٥.

٦٥

رؤوس الشهداء:

إنّ واقعة حمْل رأس سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسائر الرؤوس الطاهرة، جريمة أُخرى من الجرائم الفظيعة التي شهدتها كربلاء، هذه الجريمة التي كشفت نقاباً آخر عن خبث سريرة النظام الأُموي!

فقد ذكرت نصوص تاريخية مُعتمدة، أنّ أعداء الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعدما قتلوا الإمام الحسينعليه‌السلام في اليوم العاشر من المحرّم، بعثوا برأسه إلى عبيد الله بن زياد من ساعته، فقد ذكر الدينوري، أنّ عمر بن سعد بعث برأس الحسين من ساعته إلى عبيد الله بن زياد مع خولّي بن يزيد الأصبحي(١) .

قال الشيخ المفيد (ره): (وسرّح عمر بن سعد من يومه ذلك - وهو يوم عاشوراء - برأس الحسينعليه‌السلام مع خولّي بن يزيد، وحميد بن مسلم الأزدي، إلى عبيد الله بن زياد، وأمر برؤوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فنظّفت، وكانت اثنين وسبعين رأساً، وسرّح بها مع شمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث، وعمرو بن الحجّاج، فأقبلوا حتّى قدموا بها على ابن زياد)(٢).

____________________

(١) راجع: الأخبار الطوال: ٢٥٩.

(٢) الإرشاد: ٢: ١١٣، وانظر: تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٥، واللهوف: ١٨٩ وفيه: (ثمّ إنّ عمر بن سعد - لعنه الله - بعث برأس الحسين عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم - وهو يوم عاشوراء - مع خولّي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد الله بن زياد، وأمر برؤوس الباقين من أصحابه وأهل بيته، فقُطِّعت وسُرِّح بها مع شمر بن ذي الجوشن لعنه الله، وقيس بن الأشعث، وعمرو بن الحجّاج، فأقبلوا حتّى قدموا الكوفة).

ونقول: لعلّ مراد السلطة الأُموية من وراء عملها الوحشيّ - قطع جميع رؤوس الشهداءعليهم‌السلام وحملها إلى عبيد الله بن زياد ثمّ إلى يزيد - هو إيجاد الرهبة، وخلق الرُّعب، وإشاعة الخوف والذلّ في نفوس الناس؛ من أجل دفعهم أكثر فأكثر إلى الانقياد والامتثال، والخنوع للأوامر الظالمة الجائرة، التي تصدر عن مراكز القرار التابعة لهذه =

٦٦

وخبر المفيد والطبري مشعرٌ بأنّ رؤوس بقيّة الشهداءعليهم‌السلام - بعد رأس الإمامعليه‌السلام - كانت أيضاً قد سبقت الركب الحسيني إلى الكوفة.

لكن بعض النصوص التأريخية الأُخرى، تُفيد أنّ رؤوس بقيّة الشهداءعليهم‌السلام قد رافقت الركب الحسيني إلى الكوفة، يقول الدينوري: (وأقام عمر بن سعد بكربلاء بعد مقتل الحسينعليه‌السلام يومين، ثمّ أذَّن في الناس بالرحيل، وحُملت الرؤوس على أطراف الرماح!)(١) .

الأجساد الطاهرة:

بقي جسد الإمام الحسينعليه‌السلام مع أجساد الشهداء الآخرين من أهل بيته وأصحابهعليه‌السلام في العراء لا توارى، تصهرها حرارة الشمس، وتَسفِ عليها الرياح السوافي، وكان اللعين عمر بن سعد قد دفن القتلى من جيشه وصلّى عليهم، وترك جسد الإمامعليه‌السلام وأجساد أنصاره صلوات الله عليهم أجمعين.

ويظهر من بعض المتون التأريخية، أنّ النساء في الركب الحسيني قد مررن على الجثث الطواهر بعد إحراق المخيم. يقول: السيّد ابن طاووس: (ثمّ أخرجوا النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار، فخرجن حواسر مُسلّبات، حافيات باكيات، يمشين سبايا في أسر الذلّة، وقلن: بحقّ الله إلاّ ما مررتم بنا على مصرع الحسين! فلما نظر النسوة إلى القتلى صحْن وضربْن وجوههنّ. قال: فوالله، لا أنسى زينب ابنة عليّ، وهي تندب الحسينعليه‌السلام وتُنادي بصوت حزين وقلب كئيب:

____________________

= السلطة.

(١) الأخبار الطوال: ٢٥٩، وانظر: جواهر المطالب: ٢: ٢٩١.

٦٧

وا محمّداه! صلّى عليك مليك السماء، هذا حسينٌ بالعراء! مرمّلٌ بالدماء! مُقطّع الأعظاء! وا ثكلاه! وبناتك سبايا! إلى الله المشتكى، وإلى محمّد المصطفى، وإلى عليّ المرتضى، وإلى فاطمة الزهراء، وإلى حمزة سيّد الشهداء!

وا محمّداه! وهذا حسين بالعراء! تسفي عليه ريح الصبا! قتيل أولاد البغايا! وا حزناه! وا كرباه عليك يا أبا عبد الله! اليوم مات جدّي رسول الله! يا أصحاب محمّد! هؤلاء ذرّيّة المصطفى يُساقون سوق السبايا!!.

وفي بعض الروايات:

وا محمّداه! بناتك سبايا! وذرّيتك مُقتّلة تسفي عليهم ريح الصبا! وهذا حسين محزوز الرأس من القفا! مسلوب العمامة والرداء! بأبي مَن أضحى عسكره في يوم الاثنين نهباً! بأبي مَن فسطاطه مُقطّع العُرى! بأبي مَن لا غائب فيُرتجى، ولا جريح فيُداوى! بأبي مَن نفسي له الفداء بأبي المهموم حتّى قضى! بأبي العطشان حتّى مضى! بأبي مَن يقطر شيبه بالدماء! يا بن علي المرتضى، يا بن خديجة الكبرى، يا بن فاطمة الزهراء سيدة النساء، ...

بأبي مَن جدّه رسول إله السماء! بأبي مَن هو سبط نبيّ الهدى! بأبي محمّد المصطفى! بأبي مَن رُدَّت عليه الشمس حتّى صلّى!

قال الراوي: فأبكت - والله - كلّ عدوّ وصديق(١) .

____________________

(١) وفي مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٤٥ /: (وما زالت تقول هذا القول، حتّى أبكت - والله - كلّ صديق وعدوّ! حتّى رأينا دموع الخيل تنحدر على حوافرها! ثمّ قُطِّعت رؤوس الباقين فسُرّح باثنين وسبعين رأساً مع شمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث، وعمرو بن الحجّاج.)، وانظر: =

٦٨

ثمّ إنّ سكينة اعتنقت جسد الحسين! فاجتمع عدّة من الأعراب حتّى جرّوها عنه!)(١) .

ويقول قرّة بن قيس التميمي(٢) : (نظرت إلى النسوة لما مررن بالحسين، صِحْن ولطمن خدودهنّ، فاعترضتهن على فرس! فما رأيت منظراً من نسوة أحسن منهنّ!)(٣) .

____________________

= الخُطط المقريزية: ٢: ٢٨٩.

(١) اللهوف: ١٨٠ - ١٨١ / وقال الشيخ ابن نما (ره) في مثُير الأحزان: ٧٧: (ومررن على جسد الحسين وهو مُعفّر بدمائه! مفقود من أحبّائه! فندبت عليه زينب بصوت مُشجٍ وقلب مقروح فأذابت القلوب القاسية، وهدّت الجبال الراسية!).

(٢) قرّة بن قيس التميمي: كان رسول عمر بن سعد إلى الإمامعليه‌السلام أوائل نزوله كربلاء، حيث قال له: يا قرّة، إلقَ حسيناً فسلْه: ما جاء به؟ وماذا يريد؟

فأتاه قرّة، فلما رآه الحسينعليه‌السلام مُقبلاً قال:(أتعرفون هذا؟) .

فقال له حبيب بن مظاهررضي‌الله‌عنه : نعم، هذا رجل من حنظلة تميم، وهو ابن أختنا وبعدما سلّم إلى الإمامعليه‌السلام رسالة ابن سعد، وأراد الرجوع قال له حبيب: ويحك! يا قرّة، أين ترجع؟! إلى القوم الظالمين، انصُر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك الله بالكرامة.

فقال له قرّة: أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي! (راجع: الإرشاد: ٢: ٨٥) ولكنّه أصرّ على البقاء مع الظالمين!

وكان إلى جنب الحرّ الرياحيرضي‌الله‌عنه ساعة همّ بالتحوُّل إلى صفّ الحسينعليه‌السلام ، غير أنّ الحرّرضي‌الله‌عنه لم يُخبره بنيّته لعدم ثقته به! ولقد زعم قرّة بعد ذلك، أن لو كان الحرّرضي‌الله‌عنه قد أخبره بنيّته بالذهاب إلى الحسينعليه‌السلام لذهب معه!

وكان كاذباً؛ ودليل كذبه هو أنّه بقي مع الظالمين بعد ذلك! (راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٠).

ولعلّه هو (قرّة بن عمرو بن قيس) الذي بعثه مسعود بن عمرو الأزدي على رأس مئة من الأزد لحماية عبيد الله بن زياد لعنه الله، حينما ثارت عليه البصرة حتّى قدموا به إلى الشام! (راجع: تاريخ الطبري ٤: ٤٠٢ / نشر مؤسسة الأعلمي - بيروت).

(٣) مُثير الأحزان: ٨٣ / ويُلاحِظ المتأمّل، أنّ هذا النصّ التاريخي وثيقة أُخرى من الوثائق =

٦٩

الساعات الأخيرة من يوم عاشوراء:

قال السيّد الأجلّ ابن طاووس (رحمه الله): (اعلم أنّ أواخر النهار يوم عاشوراء كان اجتماع حرم الحسينعليه‌السلام وبناته وأطفاله في أسر الأعداء، مشغولين بالحزن والهموم والبكاء، وانقضى عليهم آخر ذلك النهار وهم فيما لا يُحيط به قلبي من الذلّ والانكسار، وباتوا تلك الليلة فاقدين لحماتهم ورجالهم، وغرباء في إقامتهم وترحالهم، والأعداء يُبالغون في البراءة منهم والإعراض عنهم وإذلالهم؛ ليتقرّبوا بذلك إلى المارق عمر بن سعد، مؤتِم أطفال محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومُقرح الأكباد، وإلى الزنديق عبيد الله بن زياد، وإلى الكافر يزيد بن معاوية رأس الإلحاد والعناد)(١) .

الليلة الحادية عشرة:

يقول الأديب المؤرّخ المحقّق المرحوم، السيّد عبد الرزاق المقرّم:

(يا لها من ليلة مرّت على بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ! بعد ذلك العزّ الشامخ، الذي لم يُفارقهنّ منذ أوجد الله كيانهنّ! فلقد كنّ بالأمس في سرادق العظمة وأخبية الجلالة، يشعُّ نهارها بشمس النبوّة، ويُضيء ليلها بكواكب الخلافة ومصابيح أنوار القداسة! وبقين في هذه الليلة في حلَك دامس من فقْد تلك الأنوار الساطعة بين رحلٍ مُنتهب، وخباء مُحترق، وفَرَقٍ سائد، وحُماة صرعى، ولا مُحامٍ لهنّ ولا كفيل!

____________________

= التاريخية الكاشفة عن حقارة ودناءة قرّة بن قيس التميمي، وانحطاطه النفسي، فهو - في هذا النصّ - لم يتأثَّر ولم يحزن لمنظر هؤلاء النسوة المفجوعات، المسلّبات المهتوكات الستر والحجاب، الباكيات على خير الشهداء!! ولم يشعر بالذنب والندامة! بل تأثّر لحسن منظرهنّ وجمال مشهدهن وهنّ مُكشّفات!!!

(١) الإقبال: ٥٨٣، وعنه نفس المهموم: ٣٥٠.

٧٠

لا يدرين مَن يدفع عنهنّ إذا دهمَهنّ داهم! ومَن الذي يردّ عادية المرجفين! ومَن يُسكّن فورة الفاقدات ويُخفّف من وجْدِهن!

نعم، كان بينهنّ صراخ الصِّبْيَة، وأنين الفتيات، ونشيج الوالهات، فأُمّ طفل فطمته السهام! وشقيق مُستشهَد! وفاقدة ولَد! وباكية على حميم! وإلى جنبهنّ أشلاء مُبضّعة! وأعضاء مُقطّعة! ونحور دامية! وهنّ في فلاة من الأرض جرداء وعلى مطلع الأكمة جحفل الغدر، تهزّهم نشوة الفتح وطيش الظفر ولؤم الغَلبة!

وعلى هذا كلّه، لا يدرين بماذا يندلع لسان الصباح؟ وبماذا ترتفع عقيرة المنادي؟ أبالقتل أمْ بالأسر؟! ولا مَن يدفع عنهنّ غير الإمام (العليل)، الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضرّاً، وهو على خطر من القتل!!

لقد عمّ الاستياء في هذه الليلة عالم الملك والملكوت! وللحور في غُرف الجنان صراخ وعويل! وللملائكة بين أطباق السماوات نشيج ونحيب! وندبته الجنّ في مكانها)(١) .

هاتف من الجنّ ينعى الإمامعليه‌السلام ليلة الحادي عشر:

روى الشيخ المفيد (رحمه الله) في أماليه، عن المحفوظ بن المنذر، قال: حدّثني شيخ من بني تميم كان يسكن الرابية، قال: سمعت أبي يقول: ما شعرنا بقتل الحسينعليه‌السلام حتّى كان مساء ليلة عاشوراء!(٢) ، فإنّي لجالس بالرابية، ومعي رجل من الحيّ، فسمعنا هاتفاً يقول:

واللّه ما جئتكم حتّى بصرتُ به

بالطف مُنعفر الخدَّين منحورا

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام / للمقرّم: ٢٨٩.

(٢) لا يخفى على لبيب، أنّ المراد بها ليلة الحادي عشر؛ لأنّ الهاتف كان يُخبر عن مقتلهعليه‌السلام .

٧١

وحـوله فـتيةٌ تُـدمى نحورهم

مثل المصابيح يعلون الدُّجى نورا

وقد حثثت قلوصي كي أُصادفهم

من قبل أن يُلاقوا الخُرَّد الحورا

فـعـاقني قدَرٌ والله بـالغُه

وكـان أمـراً قضاه الله مقدورا

كان الحسين سراجا يُستضاء به

الله يـعلم أنّـي لـم أقُـلْ زورا

صـلّى الإلـه على جسم تضمّنه

قبر الحسين حليف الخير مقبورا

مُـجاوراً لرسول الله في غُرف

ولـلوصيّ ولـلطيّار مـسرورا

فقلنا له: مَن أنت يرحمك الله؟

قال: أنا وأبي من جنّ نصيبين(١) ، أردنا مؤازرة الحسين ومواساته بأنفسنا، فانصرفنا من الحجّ فأصبناه قتيلاً!)(٢) .

____________________

(١) نصيبين: مدينة عامرة من بلاد الجزيرة، على جادّة القوافل من الموصل إلى الشام، وفيها وفي قراها على ما يذكر أهلها أربعون ألف بستان! (راجع: مُعجم البلدان: ٥: ٢٨٨).

(٢) أمالي الشيخ المفيد: ٣٢٠ المجلس ٣٨ حديث رقم ٧، وانظر: أمالي الطوسي: ٩٠ - ٩١ المجلس الثالث حديث رقم ١٤١/٥. وحديث نَوْح الجِنّ أفرد له الشيخ ابن قولويه (ره) في كتابه كامل الزيارات باباً مُستقلاًّ، وأورده الطبراني في مُعجمه الكبير، والذهبي في تاريخ الإسلام، وفي سير أعلام النبلاء، والشبلنجي الحنفي في آكام المرجان، والزرندي الحنفي في نظم درر السمطين، وابن حجر العسقلاني في الإصابة، وابن حجر في مجمع الزوائد، وقال: رجاله رجال الصحيح، وابن كثير في البداية والنهاية، والگنجي الشافعي في كفاية الطالب، والخوارزمي، في مقتل الحسينعليه‌السلام ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص، والسيوطي في الخصائص الكبرى، وابن العربي في مُحاضرات الأبرار، والقندوزي في ينابيع المودّة، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وأكثر هذه الروايات منقولة عن أمّ سلمة زوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا من الأدلّة القويّة أيضاً على أنّها رضي الله عنها كانت على قيد الحياة، إلى ما بعد مقتل الحسينعليه‌السلام ، خلافاً لما نُقل عن الواقدي أنّه قال: بأنّ وفاتها كانت في شوّال سنة تسع وخمسين للهجرة؛ إذ قوله هذا ضعيف جدّاً، ولعلّه قد انفرد به، وهو خلاف المشهور، قال ابن حجر: (وأمّا قول الواقدي: إنّها توفِّيت سنة تسع =

٧٢

اليوم الحادي عشر من المحرّم:

اتّفق المؤرِّخون على أنّ عمر بن سعد لم يخرج عن كربلاء في اليوم العاشر من المحرّم، بل بقي حتّى اليوم الحادي عشر إلى الزوال، فجمع قتلاه وصلّى عليهم، وترك قرّة عين الزهراء البتولعليها‌السلام مطروحاً على أرض كربلاء، مع بقيّة الشهداء من أهل بيته وصحبه الكرامعليهم‌السلام بلا غُسل ولا كفَن!

كيف حمَل ابن سعد بقيّة الركب الحسينيّ إلى الكوفة؟!

يقول السيد ابن طاووس (ره): (وأقام ابن سعد بقيّة يومه واليوم الثاني إلى زوال الشمس، ثمّ ارتحل بمَن تخلّف من عيال الحسينعليه‌السلام ، وحمل نساءه على أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء ولا غطاء! مُكشّفات الوجوه بين الأعداء، وهنّ ودائع خير الأنبياء! وساقوهنّ كما يُساق سبيِ التُرك والروم في أسر المصائب والهموم)(١) .

وقال ابن أعثم الكوفي: (وساق القوم حُرَم رسول الله من كربلاء، كما تُساق

____________________

= وخمسين. فمردود عليه بما كُتب في صحيح مسلم: أنّ الحارث بن عبد الله بن ربيعة، وعبد الله بن صفوان، دخلا على أمّ سلمة في ولاية يزيد بن معاوية، فسألاها عن الجيش الذي يُخسف بهم! وكانت ولاية يزيد في أواخر سنة ستِّين). (تهذيب التهذيب: ١٢: ٤٥٦)، وممّا يدلّ على فساد قول الواقدي، ما أورده الذهبي في ترجمة أمّ سلمة أنّها كانت تبكي على الحسين وتقول: رأيت رسول الله في المنام وهو يبكي، وعلى رأسه ولحيته التراب! فقلت: ما لك يا رسول الله؟! قال: شهدت قتل الحسين آنفاً! (راجع: المستدرك على الصحيحين: ٤: ١٩).

(١) اللهوف: ١٨٩.

٧٣

الأُسارى!).(١)

أمّا الطبري فقال: (وأقام عمر بن سعد يومه ذلك والغد، ثمّ أمر حميد بن بكير الأحمري، فأذّن في الناس بالرحيل إلى الكوفة، وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومَن كان معه من الصبيان، وعليّ بن الحسين مريض)(٢) .

لكنّ الدينوري في هذا الصدد كان قد ذكر أمراً شاذّاً غريباً خلافاً للمشهور، حين ذكر أنّ ابن سعد كان قد حمل نساء الحسينعليه‌السلام وحشمه في المحامل المستورة على الإبل!

يقول الدينوري: (وأقام عمر بن سعد بكربلاء بعد مقتل الحسين يومين، ثمّ أذّن في الناس بالرحيل، وحُملت الرؤوس على أطراف الرماح! وأمر عمر بن سعد بحمل نساء الحسين وأخواته وبناته وجواريه وحشمه في المحامل المستورة على الإبل! وكانت بين وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين قتل الحسين خمسون عاماً)(٣) .

مرور الركب الحسينيّ على مصارع الشهداءعليه‌السلام :

قال السيّد محمّد بن أبي طالب (ره): (ثمّ أذّن ابن سعد بالرحيل إلى الكوفة، وحمل بنات الحسين وأخواته وعليّ بن الحسين وذراريهم، فأُخرجوا حافيات حاسرات، مُسلّبات باكيات، يمشين سبايا في أسر الذلّة!

فقلن: بحقّ الله، ما نروح معكم ولو قتلتمونا، إلاّ ما مررتم بنا على مصرع الحسين!

____________________

(١) الفتوح: ٥: ١٣٩.

(٢) تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٦، وانظر الكامل في التاريخ: ٣: ٢٩٦.

(٣) الأخبار الطوال: ٢٥٩، وانظر: جواهر المطالب: ٢: ٢٩١.

٧٤

فأمر ابن سعد لعنه الله ليمرّوا بهم من المقتل، حتّى رأين إخوانهنّ وأبناءهنّ وودّعْنهم.

فذهبوا بهنّ إلى المعركة، فلما نظر النسوة إلى القتلى صِحْنَ وضربن وجوههنّ ...)(١) .

وقال ابن الأثير: (... فاجتازوا بهنّ على الحسين وأصحابه صرعى، فصاح النساء ولطمن خدودهنّ وصاحت زينب أخته:

يا محمّداه! صلّى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعراء! مُزّمل بالدماء! مُقطّع الأعضاء! وبناتك سبايا! وذُرّيّتك مُقتّلة تسفي عليها الصبا! فأبكت كلّ عدوّ وصديق)(٢) .

وقال الإسفرائيني: (فأمر ابن سعد أن تؤخَذ النساء عن جسد الحسين بالرغم عنهنّ! فحُملوا على أقتاب الجمال بغير غطاء ولا وِطاء! مكشوفات الوجوه بين الأعداء! وساقوهم كما تُساق سبايا الروم في شرّ المصائب والهموم ...)(٣) .

لكنّ بعض المتون تُصرّح بأنّهم جاءوا بالنساء على مصارع الشهداءعليهم‌السلام ، ومرّوا بهنّ عليهم قسراً وعناداً لا بطلب وإصرار منهنّ!

فقد (روي عن عبد الله بن إدريس، عن أبيه: أنّهم قد جاءوا بالنساء عناداً وعبروهنّ على مصارع آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما نظرت أمّ كلثوم أخاها الحسين تسفي عليه الرياح! وهو مكبوب! وقعت من أعلى البعير إلى الأرض، وحضنت أخاها وهي تقول ببكاء وعويل:

____________________

(١) تسلية المجالس وزينة المجالس: ٢: ٣٣٢.

(٢) الكامل في التاريخ: ٣: ٢٩٦.

(٣) نور العين في مشهد الحسين: ٤٧.

٧٥

يا رسول الله، انظر إلى جسد ولَدك مُلقى على الأرض بغير دفن! كفَنه الرمل السافي عليه! وغسله الدّم الجاري من وريدَيه! وهؤلاء أهل بيته يُساقون أُسارى في أسر الذلّ! ليس لهم مَن يُمانع عنهم! ورؤوس أولاده مع رأسه الشريف (١) على الرماح كالأقمار!

يا محمّد المصطفى، هذه بناتك سبايا وذرّيّتك مُقتّله!

فما زالت تقول هذا القول ونحو هذا، فأبكت كلّ صديق وعدوّ! حتّى رأينا دموع الخيل تتقاطر على حوافرها! وساروا بها وهي باكية حزينة لا ترقأ لها دمعة ولا تبطل لها حسرة!)(٢) .

القبائل تتنافس على حَمْل الرؤوس إلى ابن زياد:

قال السيّد محمّد بن أبي طالب: (روي أنّ رؤوس أصحاب الحسينعليه‌السلام وأهل بيته كانت ثمانية وسبعين رأساً، واقتسمتها القبائل؛ ليتقرّبوا بذلك إلى عبيد الله بن زياد ويزيد)(٣) .

وروى البلاذري عن أبي مخنف أنّه: (لما قُتل الحسين جيء برؤوس مَن قُتِل معه من أهل بيته وأصحابه إلى ابن زياد، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً، وصاحبهم قيس بن الأشعث(٤) ، وجاءت هوازن بعشرين رأساً، وصاحبهم شمر بن ذي

____________________

(١) يُلاحَظ أنّ ما في هذه العبارة خلافٌ لما ذكرته مصادر تأريخية مُعتبرة، من أنّ رأس الإمامعليه‌السلام أُرسل من ساعته مع خولّي بن يزيد وحميد بن مسلم إلى ابن زياد.

(٢) أسرار الشهادة: ٤٦٠، وانظر: معالي السبطين: ٢: ٥٥.

(٣) تسلية المجالس: ٢: ٣٣١، وانظر: اللهوف: ١٩٠، والبحار: ٤٥: ٦٢.

(٤) قيس بن الأشعث بن قيس الكندي: أحد أفراد عائلة معروفة بنفاقها، وبُغضها لأهل البيتعليهم‌السلام ، =

٧٦

الجوشن، وجاءت بنو تميم بسبعة عشر رأساً، وجاءت بنو أسد بستّة عشر رأساً،

____________________

= فهو ابن الأشعث الذي اشترك في مؤامرة اغتيال أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، وأخوه محمّد بن الأشعث، ذو الدور الكبير الواضح في مُقاتلته مسلم بن عقيلعليه‌السلام في الكوفة!

وذو دور قياديّ أيضاً - حسب بعض الروايات - في مواجهة الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء! وأخته جعدة زوج الإمام الحسنعليه‌السلام الذي دسّت إليه السمّ فقتلته!

وكان قيس بن الأشعث، ممّن كاتب الإمام الحسينعليه‌السلام وهو في مكّة! وقد احتجّ الإمامعليه‌السلام عليه وعلى مَن كاتبه من الآخرين في كربلاء! لكنّهم أنكروا ما صدر عنهم عناداً ومُكابرة! فقد قال قيس مُجيباً الإمامعليه‌السلام : (ما ندري ما تقول؟! ولكن انزل على حُكم بني عمّك؛ فإنّهم لن يروك إلاّ ما تُحبّ! فقال له الحسينعليه‌السلام :(لا والله، لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد!) (راجع: الإرشاد: ٢: ٩٨).

وكان قيس من الذين سلبوا الإمام الحسينعليه‌السلام بعد قتله؛ إذ أخذ قطيفته التي كان يجلس عليها. وكان قيس قد هرب من المختار طول سلطانه (راجع: الأخبار الطوال: ٣٠٠) وقد أنف أن يأتي البصرة فيشمت به أهلها، فانصرف إلى الكوفة مُستجيراً بعبد الله بن كامل - وكان من أخصّ الناس عند المختار - فأقبل عبد الله إلى المختار فقال: أيُّها الأمير، إنّ قيس بن الأشعث قد استجار بي وأجرتُه! فأنفذ جواري إيّاه. فسكت عنه المختار مَليَّاً، وشغله بالحديث، ثمّ قال: أرني خاتمك! فناوله إيّاه، فجعله في أصبعه طويلاً، ثمّ دعا أبا عمرة فدفع إليه الخاتم وقال له سرّاً: انطلق إلى امرأة عبد الله بن كامل فقل لها: هذا خاتم بعلك علامة؛ لتُدخليني إلى قيس بن الأشعث، فإنِّي أُريد مُناظرته في بعض الأمور التي فيها خلاصه من المختار!

فأدخلتْه إليه، فانتضى سيفه فضرب عنقه، وأخذ رأسه فأتى به المختار، فألقاه بين يديه، فقال المختار: هذا بقطيفة الحسين فاسترجع عبد الله بن كامل وقال للمختار: قتلت جاري وضيفي وصديقي في الدهر!

قال له المختار: لله أبوك! اسكُت! أتستحلّ أن تُجير قتَلَة ابن بنت نبيّك؟! (راجع: الأخبار الطوال: ٣٠٢).

٧٧

وجاءت مذحج بسبعة أرؤس، وجاء سائر قيس بتسعة أرؤس)(١).

وقال الدينوري: (وحُملت الرؤوس على أطراف الرماح! وكانت اثنين وسبعين رأساً، جاءت هوازن منها باثنين وعشرين رأساً، وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً مع الحصين بن نمير(٢) ، وجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً مع قيس بن

____________________

(١) أنساب الأشراف: ٣: ٤١٢، وانظر: المنتظم: ٥: ٣٤١.

(٢) تتفاوت المصادر التاريخية في ذكر اسم هذا الرجل، فمنها مَن يذكره باسم (الحصين بن تميم) التميمي كما في تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٤، وإبصار العين: ٢٧، وأنساب الأشراف: ٣: ٣٧٧ وفيه: (الحصين بن تميم بن أسامة التميمي)، وغير هذه المصادر أيضاً، وتميم كما لا يخفى من القبائل العدنانيّة.

لكنّ جُلّ المصادر التأريخية تذكره باسم (الحصين بن نمير) السكوني الكندي، كما في مُختصر تاريخ دمشق: ٧: ١٩٠، والتبيين في أنساب القرشيين للمقدسي: ٢٩٣، والنسب لأبي عبيد القاسم بن سلام: ٣١٠، والإصابة لابن حجر: ٢: ٢٢، وتهذيب الكمال: ٦: ٥٤٨، والمعارف لابن قتيبة: ٢٣٩، وكذلك في تاريخ الطبري: ٣: ٣٠٣، والإرشاد: ٢: ٥٧، وترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد: ٩٢، ومصادر أُخرى غيرها، ولا يخفى أنّ كندة من القبائل اليمنيّة.

وكان من السهل الممكن أن يُقال: إنّ هذين الاسمين المختلفين في اسم الأب واللقب هما لرجلين اثنين، هذا من قبيلة عدنانية، والآخر من قبيلة يمينة، لكنّ الذي يجعل المحقّق في حيرة - قبل الوصول إلى القطع بحقيقة الأمر - هو أنّ المصادر التاريخية تذكر لهما نفس الوقائع والأحداث والأدوار؛ الأمر الذي يُشير إلى أنّ هذا الحصين رجل واحد، فمن أين نشأ هذا التفاوت وما هي خطوطه الأُولى؟!

كان هذا الرجل (الحصين بن نمير) بدمشق حين عزم معاوية على الخروج إلى صِفِّين، وخرج معه، وولي الصائفة ليزيد بن معاوية، وكان أميراً على جند حمص، وكان في الجيش الذي وجّهه يزيد إلى أهل المدينة من دمشق لقتال أهل الحَرّة، واستخلفه مسلم بن عقبة المعروف بمسرِف =

٧٨

الأشعث، وجاءت بنو أسد بستّة رؤوس مع هلال الأعور، وجاءت الأزد بخمسة رؤوس مع عهيمة بن زهير، وجاءت ثقيف باثني عشر رأساً مع الوليد بن عمرو)(١) .

لكنّ الطبري ذكر قصّة الرؤوس المقدّسة قائلاً: (وقطف رؤوس الباقين، فسرّح باثنين وسبعين رأساً مع شمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث، وعمرو بن الحجّاج، وعزرة بن قيس، وأقبلوا حتّى قدموا بها على عبيد الله بن زياد)(٢) .

إشارة:

من هنا يلاحظ المتتبّع؛ أنّ هناك اختلافاً بين المصادر التأريخية، في صدد متى أُخذت بقيّة رؤوس الشهداءعليهم‌السلام إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة، فمنها من يُصرّح: أُخذت إلى الكوفة بعد رأس الإمامعليه‌السلام وقبل بقيّة الركب الحسيني، برِفقة شمر بن ذي الجوش، وقيس بن الأشعث، وعمرو بن الحجّاج، وعزرة بن قيس، وهؤلاء أيضاً من قبائل مُختلفة!

____________________

= على الجيش، وقاتل ابن الزبير، وكان بالجابية حين عقدت لمروان بن الحَكم الخلافة (راجع: مُختصر تاريخ دمشق: ٧: ١٩٠)، وكان على الشرطة في أربعة آلاف فارس من قِبَل عبيد الله بن زياد، وأمره أن يُقيم بالقادسيّة إلى القطقطانة، فيمنع مَن أراد النفوذ من ناحية الكوفة إلى الحجاز، إلاّ مَن كان حاجّاً، أو مُعتمراً، أو مَن لا يُتّهم بمُمالأة الحسينعليه‌السلام (راجع: الأخبار الطوال: ٢٤٣). وعدّه ابن قتيبة في أسماء المنافقين وقال: (وحصين بن نمير، وهو الذي أغار على تمر الصدقة فسرقه وفي فتنة عبد الله بن الزبير ولي الجيش وحاصروا عبد الله، وأُحرقت الكعبة حتّى انهدم جدارها وسقط منها سقفها (المعارف: ٣٤٣ و٣٥١).

وكانت عاقبة أمره، أنّ إبراهيم بن الأشتر أحرقه بالنّار (راجع: مُختصر تاريخ دمشق: ٧: ١٩٢).

(١) الأخبار الطوال: ٢٥٩.

(٢) تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٦.

٧٩

ومنها من يُصرّح: بأنّ هذه الرؤوس المقدّسة أُخذت إلى الكوفة برِفقة بقيّة الركب الحسيني، وكانت القبائل قد تنافست على السهم الأعظم منها!

كما أنّ المصادر التأريخية قد اختلفت أيضاً، في مجموع عدد هذه الرؤوس الشريفة:

فمنها من صرّح: بأنّها ثمانية وسبعون رأساً - كما مرّ -.

ومنها من صرّح: بأنّها اثنان وتسعون رأساً(١) ، أو سبعون رأساً(٢) ، ولا يبعد هذا القول إذا علم أنّ عشيرة الحرّ بن يزيد الرياحيرضي‌الله‌عنه منعت من قطع رأسه، كذلك رأس الطفل الرضيع عبد اللهعليه‌السلام ؛ لأنّ الإمامعليه‌السلام - على رواية - قد دفنه.

لكنّ أشهر هذه الأقوال، هو: أنّ عدد هذه الرؤوس المقدّسة اثنان وسبعون(٣) .

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٣١.

(٢) الفصول المهمَّة: ١٩٨.

(٣) راجع: الإرشاد: ٢: ١١٣، وتاريخ الطبري: ٣: ٣٣٦، ومقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٣٩، والبداية والنهاية: ٨: ١٩١.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228