اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)30%

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 193

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 193 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53029 / تحميل: 7814
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أعلام الهداية

الإمام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام

المجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

قم المقدسة

١

اسم الكتاب: أعلام الهداية(ج٦) الإمام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام .

المؤلف: لجنة التأليف.

الموضوع:كلام وتاريخ.

الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام .

الطبعة الأولى: ١٤٢٢ هـ ق.

الطبعة الثانية: ١٤٢٥ هـ ق.

الطبعة الثالثة: ١٤٢٧ هـ ق.

المطبعة: ليلى.

الكمية: ٥٠٠٠.

isbn: ٩٦٤- ٥٦٨٨-٢٢-١

حقوق الطبع والترجمة محفوظة للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

www.ahl-ul-bayt-org

٢

أهل البيت في القرآن الكريم

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )

الأحزاب: ٣٣ / ٣٣

أهل البيت في السنة النبويّة

(إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبد )

(الصحاح والمسانيد)

٣

المقدمة

الحمد لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى آله الميامين النجباء.

لقد خلق الله الإنسان وزوّده بعنصري العقل والإرادة، فبالعقل يبصر ويكتشف الحقّ ويميّزه عن الباطل، وبالإرادة يختار ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه وأهدافه.

وقد جعل الله العقل المميِّز حجةً له على خلقه، وأعانه بما أفاض على العقول من معين هدايته ; فإنّه هو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، وأرشده إلى طريق كماله اللائق به، وعرّفه الغاية التي خلقه من أجلها، وجاء به إلى هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها.

وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربّانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة أخرى.

قال تعالى:

( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ) (الأنعام (٦): ٧١).

( وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (البقرة (٢): ٢١٣).

( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (الأحزاب (٣٣): ٤).

( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (آل عمران (٣): ١٠١).

( قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (يونس (١٠): ٣٥).

( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) (سبأ (٣٤): ٦).

( ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله ) (القصص (٢٨):٥٠).

فالله تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم.

٤

وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم.

ولقد أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى: ( وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ ) (الذاريات (٥١): ٥٦). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال.

وبعد أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال; لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته.

ومن هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن يُسند عقل الإنسان عن طريق الوحي الإلهي، ومن خلال الهداة الذين اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية العباد وذلك عن طريق توفير تفاصيل المعرفة وإعطاء الإرشادات اللازمة لكلّ مرافق الحياة.

وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربّانية منذ فجر التاريخ وعلى مدى العصور والقرون، ولم يترك الله عباده مهملين دون حجة هادية وعلم مرشد ونور مُضيء، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيّدةً لدلائل العقل ـ بأنّ الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه، لئلاّ يكون للناس على الله حجّة، فالحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، ولو لم يبق في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة، وصرّح القرآن ـ بشكل لا يقبل الريب ـ قائلاً:( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (الرعد (١٣): ٧).

ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في:

١ ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً:( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) (الأنعام (٦): ١٢٤) و ( اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ) (آل عمران (٣): ١٧٩).

٥

٢ ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) (البقرة (٢): ٢١٣).

٣ ـ تكوين اُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالى:( يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (الجمعة (٦٢): ٢) والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالى:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (الأحزاب (٣٣): ٢١).

٤ ـ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقرّرة لها، وهذه المهمة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية والنفسية، والتي تسمّى بالعصمة.

٥ ـ العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد وأركان المجتمعات البشرية وذلك بتنفيذ الأطروحة الربّانية، وتطبيق قوانين الدين الحنيف على المجتمع البشري من خلال تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّى إدارة شؤون الأمة على أساس الرسالة الربّانية للبشرية، ويتطلّب التنفيذ قيادةً حكيمةً، وشجاعةً فائقةً، وثباتاً كبيراً، ومعرفةً تامةً بالنفوس وبطبقات المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية وقوانين الإدارة والتربية وسنن الحياة، ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة دولة عالمية دينية، هذا فضلاً عن العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية التي تصون القيادة الدينية من كلّ سلوك منحرف أو عمل خاطئ بإمكانه أن يؤثّر تأثيراً سلبيّاً على مسيرة القيادة وانقياد الأمة لها بحيث يتنافى مع أهداف الرسالة وأغراضها.

وقد سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكّأوا طرفة عين.

٦

وقد توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ على مدى العصور برسالة خاتم الأنبياء محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحمّله الأمانة الكبرى ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها، طالباً منه تحقيق أهدافها. وقد خطا الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة، وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي:

١ ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي على عناصر الديمومة والبقاء.

٢ ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف.

٣ ـ تكوين اُمة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً، وبالرسول قائداً، وبالشريعة قانوناً للحياة.

٤ ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء.

٥ ـ تقديم الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري:

أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر.

ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته.

ومن هنا كان التخطيط الإلهيّ يحتّم على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعداد الصفوة من أهل بيته، والتصريح بأسمائهم وأدوارهم; لتسلّم مقاليد الحركة النبويّة العظيمة والهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه وصيانة للرسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين، وتربية للأجيال على قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها وكشف أسرارها وذخائرها على مرّ العصور، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وتجلّى هذا التخطيط الربّاني في ما نصّ عليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله:(إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) .

وكان أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرّفهم النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من الله تعالى لقيادة الأمة من بعده.

٧

إنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت عليهم‌السلام تمثّل المسيرة الواقعية للإسلام بعد عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الإسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلى أعماق الأمة بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذ الأئمة المعصومون عليهم‌السلام يعملون على توعية الأمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثورته المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والأمة جمعاء.

وتبلورت حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود.

وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر على طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء حتّى ضربوا أعلى أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالى، ثم اختاروا الشهادة مع العزّ على الحياة مع الذلّ، حتى فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير.

ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق.

إنّ دراستنا لحركة أهل البيت عليهم‌السلام الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله.

ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ، وهو المعصوم السادس من أعلام الهداية والرابع من الأئمة الاثني عشر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي جسّد الإسلام المحمّدي بكل أبعاده في حياته الفردية والاجتماعية في ظروف اجتماعية وسياسية عصيبة فحقق القيّم الإسلامية المُثلى في الفكر والعقيدة والخلق والسلوك وكان نبراساً يشعّ إيماناً وطُهراً وبهاءً للعالَمين.

٨

ولا بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كلّ الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلى عالم النور، لا سيَّما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم حفظه الله تعالى.

ولا يسعنا إلاّ أن نبتهل إلى الله تعالى بالدعاء والشكر لتوفيقه على إنجاز هذه الموسوعة المباركة فإنه حسبنا ونعم النصير.

للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

قم المقدسة

٩

الباب الأول: فيه فصول:

الفصل الأول: الإمام زين العابدينعليه‌السلام في سطور.

الفصل الثاني: انطباعات عن شخصية الإمامعليه‌السلام .

الفصل الثالث: مظاهر من شخصية الإمامعليه‌السلام .

الفصل الأوّل: الإمام زين العابدينعليه‌السلام في سطور

* هو الإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام رابع أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وجدّه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأوّل من أسلم وآمن برسالته، وكان منه بمنزلة هارون من موسى، كما صحّ في الحديث عنه(١) .

وجدّته فاطمة الزهراء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبضعته، وفلذة كبده، وسيّدة نساء العالمين كما كان أبوها يصفها.

* وأبوه الإمام الحسينعليه‌السلام أحد سيِّدَيْ شباب أهل الجنّة، سبط الرسول وريحانته ومن قال فيه جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(حسين منّي وأنا من حسين) ، وهو الذي استشهد في كربلاء يوم عاشوراء دفاعاً عن الإسلام والمسلمين.

* وهو أحد الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام الذين نصّ عليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، إذ قال:(الخلفاء بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش) (٢) .

* وقد ولد الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام في سنة ثمان وثلاثين للهجرة، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين.

ــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم : ٧ / ١٢١ .

(٢) إثبات الهداة : ٢ / ٣٢٠ حديث ١١٦ .

١٠

* وعاش سبعة وخمسين سنة تقريباً، قضى ما يقارب سنتين أو أربع منها في كنف جدّه الإمام علىّعليه‌السلام ، ثمّ ترعرع في مدرسة عمّه الحسن وأبيه الحسينعليهما‌السلام سبطي الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وارتوى من نمير العلوم النبوية، واستقى من ينبوع أهل البيت الطاهرين.

* برز على الصعيد العلمي إماماً في الدين ومناراً في العلم، ومرجعاً لأحكام الشريعة وعلومها، ومثلاً أعلى في الورع والعبادة والتقوى، واعترف المسلمون جميعاً بعلمه واستقامته وأفضليّته، وانقاد الواعون منهم إلى زعامته وفقهه ومرجعيّته.

* كان للمسلمين عموماً تعلّق عاطفي شديد بهذا الإمام، وولاء روحي عميق له، وكانت قواعده الشعبية ممتدّة في كلّ مكان من العالم الإسلامي، كما يشير إلى ذلك موقف الحجيج الأعظم منه، حينما حجّ هشام بن عبد الملك(١) .

* لم تكن ثقة الأمة بالإمام زين العابدينعليه‌السلام ـ على اختلاف اتجاهاتها ومذاهبها ـ مقتصرة على الجانب الفقهي والروحي فحسب، بل كانت تؤمن به مرجعاً وقائداً، ومفزعاً في كلّ مشاكل الحياة وقضاياها، بوصفه امتداداً لآبائه الطاهرين.

ومن هنا نجد أنّ عبد الملك بن مروان قد استنجد بالإمام زين العابدينعليه‌السلام لحلّ مشكلة التعامل بالنقود الرومية إبّان تهديد الملك الروماني

ــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال : ١٢٩ ـ ١٣٢ ح ٢٠٧ ، والجاحظ في البيان والتبيين: ١/٢٨٦، الأغاني: ١٤/٧٥ و ١٩/٤٠، وابن خلِّكان في وفيات الأعيان : ٢/٣٣٨ ط إيران.

١١

له بإذلال المسلمين(١) .

* وقد قدّر للإمام زين العابدين أن يتسلّم مسؤولياته القيادية والروحية بعد استشهاد أبيهعليه‌السلام فمارسها خلال النصف الثاني من القرن الأول، في مرحلة من أدقّ المراحل التي مرّت بها الاُمة وقتئذ، وهي المرحلة التي أعقبت موجة الفتوح الاُولى، فقد امتدّت هذه الموجة بزخمها الروحي وحماسها العسكري والعقائدي، فزلزلت عروش الأكاسرة والقياصرة، وضمّت شعوباً مختلفة وبلاداً واسعة إلى الدعوة الجديدة، وأصبح المسلمون قادة الجزء الأعظم من العالم المتمدّن وقتئذ خلال نصف قرن.

* تعرضت الأمة الإسلامية في عصر هذا الإمامعليه‌السلام لخطرين كبيرين:

الخطر الأول: هو خطر الانفتاح على الثقافات المتنوعة، والذي قد ينتهي بالأمة إلى التميّع والذوبان وفقدان أصالتها، فكان لابدّ من عمل علمي يؤكّد للمسلمين أصالتهم الفكرية وشخصيّتهم التشريعية المتميّزة المستمدة من الكتاب والسنّة. وكان لابدّ من تأصيل للشخصية الإسلامية، وذلك من خلال زرع بذور الاجتهاد.

وهذا ما قام به الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام فقد بدأ حلقة من البحث والدرس في مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخذ يحدّث الناس بصنوف المعرفة الإسلامية، من تفسير وحديث وفقه وتربية وعرفان، وراح يفيض عليهم من علوم آبائه الطاهرين.

وهكذا تخرّج من هذه الحلقة الدراسيّة عدد مهمّ من فقهاء المسلمين،

ــــــــــــــ

(١) انظر: دراسات وبحوث للعاملي : ١/١٢٧ ـ ١٣٧ .

١٢

وكانت هذه الحلقة المباركة هي المنطلق لما نشأ بعد ذلك من مدارس الفقه الإسلامي وكانت الأساس لحركة الفقه الناشطة.

* الخطر الثاني: هو الخطر الناجم عن موجة الرخاء والانسياق مع ملذّات الحياة الدنيا والإسراف في زينة هذه الحياة المحدودة، وبالتالي ضمور الشعور بالقيم الخلقية.

وقد اتّخذ الإمام زين العابدينعليه‌السلام من الدعاء أساساً لدرء هذا الخطر الكبير الذي ينخر في الشخصية الإسلامية ويهزّها من داخلها هزّاً عنيفاً ويحول بينها وبين الاستمرار في أداء رسالتها. ومن هنا كانت (الصحيفة السجادية) تعبيراً صادقاً عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمامعليه‌السلام إضافة إلى كونها تراثاً ربّانياً فريداً يظلّ على مرّ الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب، وتظلّ الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمّدي العلوي، وتزداد إليه حاجة كلّما ازداد الشيطان للإنسانية إغراءً والدنيا فتنةً له(١) .

ــــــــــــــ

(١) السيد الشهيد محمد باقر الصدرقدس‌سره في مقدمته للصحيفة السجادية.

١٣

الفصل الثاني: انطباعات عن شخصيّة الإمام زين العابدينعليه‌السلام

اتّفق المسلمون على تعظيم الإمام زين العابدين عليه‌السلام وأجمعوا على الاعتراف له بالفضل، وأنّه علم شاهق في هذه الدنيا، لا يدانيه أحد في فضائله وعلمه وتقواه، وكان من مظاهر تبجيلهم له: أنّهم كانوا يتبركون بتقبيل يده ووضعها على عيونهم (١) ، ولم يقتصر تعظيمه على الذين صحبوه أو التقوا به، وإنّما شمل المؤرخين على اختلاف ميولهم واتّجاهاتهم، فقد رسموا بإعجاب وإكبار سيرته، وأضفوا عليه جميع الألقاب الكريمة والنعوت الشريفة.

أقوال وآراء معاصريه فيهعليه‌السلام :

عبّر المعاصرون للإمامعليه‌السلام من العلماء والفقهاء والمؤرّخين بانطباعاتهم عن شخصيّته، وكلها إكبار وتعظيم له، سواء في ذلك من أخلص له في الودّ أو أضمر له العداوة والبغضاء، وفيما يلي نبذة من كلماتهم:

١ ـ قال الصحابيّ الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري: ما رؤي في أولاد الأنبياء مثل عليّ بن الحسينعليه‌السلام ...(٢) .

ــــــــــــــ

(١) العقد الفريد : ٢ / ٢٥١.

(٢) حياة الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، دراسة وتحليل : ١ / ١٢٦.

١٤

٢ ـ كان عبد الله بن عباس على تقدّمه في السنّ يجلّ الإمامعليه‌السلام وينحني خضوعاً له وتكريماً، فإذا رآه قام تعظيماً ورفع صوته قائلاً: مرحباً بالحبيب ابن الحبيب(١) .

٣ ـ وُصِف محمّد بن مسلم القرشي الزهري بالفقيه، وأحد الأئمّة الأعلام وعالم الحجاز والشام(٢) وقد كان على خطّ غير أهل البيتعليهم‌السلام ولكنّه أدلى بمجموعة من الكلمات القيّمة أعرب فيها عمّا يتصف به الإمامعليه‌السلام من القيم الكريمة والمُثل العظيمة، وهذه بعض كلماته:

أ ـ ما رأيت هاشمياً مثل عليّ بن الحسين...(٣) .

ب ـ لم أدرك في أهل البيت رجلاً كان أفضل من علي بن الحسين(٤) .

ج ـ ما رأيت أحداً أفقه منه(٥) .

٤ ـ سعيد بن المسيّب : وهو من الفقهاء البارزين في يثرب، وقال عنه الرواة: إنّه ليس من التابعين من هو أوسع منه علماً(٦) ، وقد صحب الإمامعليه‌السلام ووقف على ورعه، وشدّة تحرّجه في الدين، وقد سجّل ما رآه بهذه الكلمات:

أ ـ ما رأيت قطّ أفضل من عليّ بن الحسينعليه‌السلام وما رأيته قطّ إلاّ مَقَتُّ نفسي...(٧) .

ب ـ ما رأيت أورع منه...(٨) .

ج ـ كان سعيد جالساً وإلى جانبه فتىً من قريش، فطلع الإمامعليه‌السلام فسأل

ــــــــــــــ

(١) تأريخ دمشق : ٣٦ / ١٤٧، وتذكرة الخواص : ٣٢٤ .

(٢) تهذيب التهذيب : ٩ / ٤٤٥.

(٣) الأغاني : ١٥ / ٣٢٥.

(٤ و٥) شذرات الذهب : ١ / ١٠٥.

(٦) تهذيب التهذيب : ٤ / ٨٥ .

(٧) تأريخ اليعقوبي : ٣ / ٤٦.

(٨) العبر في خبر من غبر : ١ / ١١١.

١٥

القريشيّ سعيداً عنه، فأجابه سعيد: هذا سيّد العابدين(١) .

٥ ـ زيد بن أسلم : وكان في طليعة فقهاء المدينة، ومن مفسِّري القرآن(٢) ، وقد أدلى بعدّة كلمات بشأن الإمامعليه‌السلام منها:

أ ـ ما جالست في أهل القبلة مثله(٣) .

ب ـ ما رأيت مثل عليّ بن الحسين فيهم (أي : في أهل البيت)(٤) .

ج ـ ما رأيت مثل عليّ بن الحسين فهماً حافظاً(٥) .

٦ ـ حماد بن زيد : وهو من أبرز فقهاء البصرة، اُعتبر من أئمّة المسلمين(٦) ، قال فيه: كان عليّ بن الحسين أفضل هاشميٍّ أدركته(٧) .

٧ ـ يحيى بن سعيد: وهو من كبار التابعين، ومن أفاضل الفقهاء والعلماء(٨) ، وقد قال: سمعت عليّ بن الحسين وكان أفضل هاشمي رأيته(٩) .

٨ ـ لقد تعدّى الاعتراف بالفضل للإمامعليه‌السلام إلى أعدائه ومبغضيه، فهذا يزيد بن معاوية وبعد أن ألحّ عليه أهل الشام في أن يخطب الإمامعليه‌السلام أبدى مخاوفه منه قائلاً: إنّه من أهل بيت زُقّوا العلم زقّاً، إنّه لا ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان...(١٠)

ــــــــــــــ

(١) الفصول المهمة : ١٨٩.

(٢) تهذيب التهذيب : ٣ / ٣٩٥ .

(٣)و ٤) حياة الإمام زين العابدين: ١/١٢٩ عن تأريخ دمشق : ١٢ / ق١ / الورقة ١٩.

(٥) طبقات الفقهاء : ٢ / ٣٤.

(٦) تهذيب التهذيب : ٣ / ٩.

(٧) تهذيب اللغات والأسماء، القسم الأول : ٣٤٣.

(٨) حياة الإمام زين العابدين (دراسة وتحليل) : ١ / ١٣٠ عن تهذيب التهذيب.

(٩) المصدر السابق عن تهذيب الكمال م٧ / ق٢ / الورقة ٣٣٦.

(١٠) نفس المهموم : ٤٤٨ ـ ٤٥٢ ط قم عن مناقب آل أبي طالب : ٤/١٨١ عن كتاب الأحمر عن الأوزاعي: الخطبة بدون المقدمة، والمقدمة عن الكامل للبهائي : ٢/٢٩٩ ـ ٣٠٢ وانظر حياة الإمام زين العابدين للقرشي: ١/١٧٥.

١٦

٩ ـ عبد الملك بن مروان : وهذا عدوّ آخر يقول للإمامعليه‌السلام : إنّك لذو فضل عظيم على أهل بيتك وعصرك، ولقد أوتيت من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك ولا قبلك إلاّ من مضى من سلفك...(١)

١٠ ـ منصور الدوانيقي : وهذا عدوّ آخر أيضاً لأهل البيتعليهم‌السلام قد أشاد بفضل الإمام عليه‌السلام في رسالته إلى ذي النفس الزكية بقوله: ولم يولد فيكم (أي في العلويّين) بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مولود مثله (أي مثل زين العابدين) (٢) .

آراء العلماء والمؤرخين فيهعليه‌السلام :

١ ـ قال اليعقوبي: كان أفضل الناس وأشدّهم عبادة، وكان يسمّى: زين العابدين، وكان يسمّى أيضاً: ذا الثفنات، لما كان في وجهه من أثر السجود...(٣) .

٢ ـ قال الحافظ أبو القاسم عليّ بن الحسن الشافعي المعروف بابن عساكر: في ترجمة الإمامعليه‌السلام : كان عليّ بن الحسين ثقةً مأموناً، كثير الحديث، عالياً رفيعاً...(٤) .

٣ ـ قال الذهبي: كانت له جلالة عجيبة، وحقّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى; لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله...(٥)

٤ ـ قال الحافظ أبو نعيم: قال: عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٦ / ٧٥.

(٢) الكامل للمبرد : ٢ / ٤٦٧، العقد الفريد : ٥ / ٣١٠.

(٣) تاريخ اليعقوبي : ٣ / ٤٦.

(٤) تأريخ دمشق : ٣٦ / ١٤٢.

(٥) سير أعلام النبلاء : ٤ / ٢٤٠.

١٧

زين العابدين ومنار القانتين، كان عابداً وفيّاً وجواداً صفيّاً...(١) .

٥ ـ قال صفيّ الدين: كان زين العابدين عظيم الهدى والسمت الصالح...(٢) .

٦ ـ قال النووي: وأجمعوا على جلالته في كلّ شيء...(٣)

٧ ـ قال عماد الدين إدريس القرشي: كان الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين أفضل أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأشرفهم بعد الحسن والحسين عليهم جميعاً الصلاة والسلام، وأكثرهم ورعاً وزهداً وعبادة(٤) .

٨ ـ قال النسّابة الشهير ابن عنبة: وفضائلهعليه‌السلام أكثر من أن تحصى أو يحيط بها الوصف(٥) .

٩ ـ قال الشيخ المفيد: كان عليّ بن الحسين أفضل خلق الله بعد أبيه علماً وعملاً، وقال: قد روى عنه فقهاء العامّة من العلوم ما لا يحصى كثرة، وحُفِظ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيام ما هو مشهور بين العلماء...(٦) .

١٠ ـ وقال ابن تيمية: أمّا عليّ بن الحسين فمن كبار التابعين وساداتهم علماً وديناً... وله من الخشوع وصدقة السرّ وغير ذلك من الفضائل ما هو معروف(٧) .

١١ ـ قال الشيخاني القادري: سيّدنا زين العابدين عليّ بن الحسين بن أبي طالب اشتهرت أياديه ومكارمه، وطارت بالجوّ في الجود محاسنه، عظيم القدر، رحب الساحة والصدر، وله الكرامات الظاهرة ما شوهد بالأعين الناظرة

ــــــــــــــ

(١) حلية الأولياء : ٣ / ١٣٣.

(٢) وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل: ٢٨٠.

(٣) عن تهذيب اللغات والأسماء : ق١ / ٣٤٣.

(٤) عيون الأخبار وفنون الآثار: ١٤٤.

(٥) عمدة الطالب: ١٩٣.

(٦) الإرشاد : ٢ / ١٣٨ و ١٥٣ .

(٧) منهاج السنّة : ٢ / ١٢٣ .

١٨

وثبت بالآثار المتواترة...(١) .

١٢ ـ قال محمّد بن طلحة القرشي الشافعي: هذا زين العابدين، قدوة الزاهدين، وسيّد المتقين، وإمام المؤمنين، شيمته تشهد له أنّه من سلالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمته يثبت مقام قربه من الله زلفاً، وثفناته تسجّل له كثرة صلاته وتهجّده، وإعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده فيها، درّت له أخلاق التقوى فتفوّقها، وأشرقت له أنوار التأييد فاهتدى بها، وآلفته أوراد العبادة فآنس بصحبتها، وحالفته وظايف الطاعة فتحلّى بحليتها، طالما اتّخذ الليل مطيّة ركبها لقطع طريق الآخرة، وظمأ الهواجر دليلاً استرشد به في مسافة المسافرة، وله من الخوارق والكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة وثبت بالآثار المتواترة وشهد له أنّه من ملوك الآخرة...(٢) .

١٣ ـ قال الإمام الشافعي: إنّ عليّ بن الحسين أفقه أهل المدينة(٣) .

١٤ ـ قال الجاحظ : وأمّا عليّ بن الحسين فلم أرَ الخارجي في أمره إلاّ كالشيعي، ولم أرَ الشيعي إلاّ كالمعتزلي، ولم أرَ المعتزلي إلاّ كالعامي، ولم أرَ العامي إلاّ كالخاصي، ولم أجد أحداً يتمارى في تفضيله ويشك في تقديمه...(٤) .

١٥ ـ قال سبط ابن الجوزي: وهو أبو الأئمّة وكنيته أبو الحسن ويلقب بزين العابدين وسمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد العابدين... والسجاد; وذي الثفنات، والزكي والأمين، والثفنات: ما يقع على الأرض من أعضاء البعير إذا استناخ وغلظ كالركبتين فكان طول السجود قد أثّر في ثفناته(٥) .

ــــــــــــــ

(١) الصراط السوي الورقة ١٩.

(٢) مطالب السؤول : ٢ / ٤١.

(٣) رسائل الجاحظ: ١٠٦.

(٤) عمدة الطالب: ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٥) تذكرة الخواص : ٣٢٤ .

١٩

الفصل الثالث: مظاهر من شخصيّة الإمام زين العابدينعليه‌السلام

الحلم :

كان الإمام من أعظم الناس حلماً، وأكظمهم للغيظ، فمن صور حلمه التي رواها المؤرّخون :

١ ـ كانت له جارية تسكب على يديه الماء إذا أراد الوضوء للصلاة، فسقط الإبريق من يدها على وجهه الشريف فشجّه، فبادرت الجارية قائلة: إنّ الله عَزَّ وجَلَّ يقول: (والكاظمين الغيظ) وأسرع الإمام قائلاً :(كظمت غيظي) ، وطمعت الجارية في حلم الإمام ونبله، فراحت تطلب منه المزيد قائلة: (والعافين عن الناس) فقال الإمامعليه‌السلام :(عفا الله عنك) ، ثمّ قالت:( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) فقالعليه‌السلام لها:(إذهبي فأنت حرّة) (١) .

٢ ـ سبّه لئيمٌ فأشاحعليه‌السلام بوجهه عنه، فقال له اللئيم: إيّاك أعني وأسرع الإمام قائلاً:(وعنك أغضي ...) وتركه الإمام ولم يقابله بالمثل(٢) .

٣ ـ ومن عظيم حلمهعليه‌السلام : أنّ رجلاً افترى عليه وبالغ في سبّه،

ــــــــــــــ

(١) أمالي الصدوق : ١٦٨ ح ١٢ والارشاد : ٢/١٤٦ ، ومناقب آل أبي طالب : ٤/١٥٧، تاريخ دمشق : ٣٦/١٥٥ وابن منظور في مختصره: ١٧/٢٤٠ ، وسير أعلام النبلاء : ٤/٣٩٧ ، ونهاية الارب : ٢١/٣٢٦ .

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤/١٧١ ، والبداية والنهاية : ٩ / ١٠٥.

٢٠

ملكنا وكان العفو منّا سجية = فلمَّا ملكتم سال بالدَم أبطح

وحلَّلتم قتل أُسارى وطالما = غدونا عن الأسرى نعفُّ ونَصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا = وكل إناءٍ بالّذي فيه يرشح

(أقول): وقد خمّس هذه الأبيات جماعة، وشطَّروها، فمِمَن خمَّسها السيّد الراضي بن السيّد صالح، القزويني البغدادي المُتوفَّى في تبريز، سنة ١٢٨٧، قبل وفاة أبيه بنحو عشرين سنة، فقال:

سَلوا الحرب عنّا هل الفنا دنية = سوى ما روت عنّا سجايا سنية

كفى عفونا عمّا جنيتم مزية = ملكنا فكان العفو منّا سجية

فلما ملكتم سال بالدم أبطح

ويا طالما بالطف منّا على الظما = تركتم سيوف الهند تَقطر بالدما

وحرّمتم الماء المباح وقد طما = وحلَّلتم قتل الأسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نعفُّ ونَصفح

قضيتم لكم ديناً ولم نفض ديننا = غداة‌ أطال الدهر بالغدر بيننا

كفى بيننا فرقاً بما قد تبيَّنا = فحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالّذي فيه يرشح

ومِمَن خمَّسها السيّد الشريف، العالم الجليل، السيّد ناصر بن السيّد أحمد بن السيّد عبد الصمد، الحسيني الغريفي البحراني البصري، المُتوفَّى سنة ١٣٣١، فقال:

نعم جدُّنا المختار ليس أُمية = وجدّتنا الزهراء ليست سمية

٢١

ونحن ولاة الأمر لسنا رعيّة = ملكنا فكان العفو منّا سجية

فلمّا ملكتم سال بالدم أبطح

أما نحن يا أهل الضلالة والعمى = عفونا بيوم الفتح عنكم تكرّما

فمِمَ أبحتم بالطفوف لنا دماً = وحلَّلتم قتل الأُسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نعفُّ ونَصفح

فنحن أناس لم يكُ الغدر شأننا = ولا الأخذ بالثأر الّذي كان دَيننا

ولكنّنا نعفُّو ونكظم غيظنا = فحسبكمُ هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالّذي فيه يرشح

ومِمَن خمّسها الشيخ العالم، الفاضل الأديب، الشيخ عبد الحسين بن القاسم بن صالح، الحلّي النجفي المولود بالحلّة سنة ١٣٠١، القاضي في البحرين اليوم سلّمه الله، فقال:

جعلنا بيوم السبق عبدا أمية = وحرب زوى عنه أنانا منيةً

وصخر أصفحنا عن حماه حمية = ملكنا فكان العفو مِنّا سجية

فلمّا ملكتم سال بالدم أبطح

كرهتم لنا أمراً به شأنكم سما = وحرّم أنْ تسموا به خالق السما

فأوجبتمُ سبي العذاري من الحمى = وحلَّلتم قتل الأُسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نعفُّ ونَصفح

حكمتم علينا بالدمار وبالفنا = وفينا ومنّا نلتم غاية المُنى

عفونا وبعد العفو مثّلتم بنا = فحسبكمُ هذا التفاوت بيننا

٢٢

وكل إناء بالّذي فيه ينضح

ومِمَن شطَّرها الشيخ عبد الحسين الحلّي، المخمِّس لها، فقال في التشطير:

(ملكنا فكان العفو مِنّا سجية) = بيوم به بطحاء مكة تُفتح

فسالت بفيض العفو مِنّا بطاحكم = (ولمّا ملكتم سال بالدم أبطح)

(وحلَّلتم قتل أُسارى وطالما) = فككنا أسيراً منكم كاد يُذبح

وفي يوم بدر مذ أسرنا رجالكم = (غدونا عن الأسرى نعفُّ ونَصفح)

(فحسبكمُ هذا التفاوت بيننا) = فأي قبيل فيه أربى وأربح

ولا غرو إذ كنا صفحنا وجُرتم = (فكل إناء بالّذي فيه ينضح)

الفصل الثالث:

ذكر الشيخ أبو الفتح، محمد بن علي بن عثمان الكراجكي، المُتوفَّى سنة ٤٤٩، في كتابه كنز الفوائد (المطبوع) قال: حدثني أبو الحسن علي بن أحمد اللغوي، المعروف بابن ركاز، سنة ٣٩٩ بميا فارقين، قال: دخلت على أبي الحسن علي بن السلماسي، في مرضه الّذي تُوفِّي فيه، فسألته عن حاله، فقال: لحقتني غشية أُغمي عليَّ فيها، فرأيت مولاي أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأخذ بيدي، وأنشأ يقول:((

طوفان آل محمد = في الأرض أغرق جهلها

وسفينهم حَمَلَ الّذي = طلب النجاة وأهلها

فاقبض بكفِّك عروة = لا تخشَ منها فصلها))

٢٣

(أقول): كنت يوم رأيت هذه الأبيات طربت لها، فشطَّرتها، وخمَّستها، وأسبغتها بالتطريز لأبياتها الثلاثة، وطرَّفتها بأربعة تطاريف؛ لأشطرها الستة، وأنا أذكرها لك، فالتشطير قولي:

(طوفان آل محمد) = أعطى البرية فضلها

وهدى ولمّا أنْ جرى = (في الأرض أغرق جهلها)

(وسفينهم حَمَلَ الّذي) = خاف الجحيم وغلَّها

فنجا بهم في الفوز إذ = (طلب النجاة وأهلها)

(فاقبض بكفِّك عروةً) = وِثقى وحاذر حلَّها

موصولةً بمحمد = (لا تخشَ منها فصلها)

والتخميس قولي:

يا حائراً بتردُّد = أقصد لعترة‌ أحمد

فلقد غدا بتودُّد = طوفان آل محمد

في الأرض أغرق جهلها

فهم الحياة لكل ذي = روح ومنهم يغتذي

وهم النجاة لِذا وذي = وسفينهم حَمَلَ الّذي

طلب النجاة وأهلها

إنْ شِئت ترفع سروة = أو شِئت تنصب ذروة

أو شِئت تلقى ثروة = فاقبض بكفِّك عروة

لا تخشَ منها فصلها

والاسباغ بالتطريز قولي:

(طوفان آل محمد في الأرض أغ = رق جهلها) لمَّا تطاول يختصم

(وسفينهم حَمَلَ الّذي طلب النجا = ة وأهلها) إذ مَن يكون بها عُصم

(فاقبض بكفِّك عروة لا تخشَ مِن = ها فصلها) فهي التي لا تنفصم

والتطريف من الطرفين وهو التجنيح قولي:

إمَّا يُفض (طوفان آل محمد = في الأرض أغرق جهلها) بهدى الرَشاد

تنجو الورى (وسفينهم حَمَلَ الّذي = طلب النجاة وأهلها) بين العِباد

يا خائفاً (فاقبض بكفِّك عروة = لا تخشَ مِنها فصلها) يوم المَعاد

٢٤

والتطريف من الوسطين، وهو التقاصير قولي:

(طوفان آل محمد) خير الورى = لمّا جرى (في الأرض أغرق جهلها)

(وسفينهم حَمَلَ الّذي) والاهم = مِمَن بهم (طلب النجاة وأهلها)

(فاقبض بكفِّك عروة) وِثقى إذا = أمسكتها (لا تخشَ مِنها فصلها)

والتطريف من الصدرين، وهو التقليد قولي:

إنْ يَستفض (طوفان آل محمد) = بين الورى (في الأرض أغرق جهلها)

هم أبحُر (وسفينهم حَمَلَ الّذي) = مِن خوفه (طلب النجاة وأهلها)

مهما تَخف (فاقبض بكفِّك عروة) = وِثقى لهم (لا تخشَ مِنها فصلها)

والتطريف من الغايتين، وهو التحجيل قولي:

إمّا يفض (طوفان آل محمد = في الأرض أغرق جهلها) بهدى الرَشاد

تنجو الورى (وسفينهم حَمَلَ الّذي = طلب النجاة وأهلها) بين العِباد

يا خائفاً (فاقبض بكفِّك عروة = لا تخشَ مِنها فصلها) يوم المَعاد

والتطريف من الوسطين، وهو التقاصير قولي:

(طوفان آل محمد) خير الورى = لمّا جرى (في الأرض أغرق جهلها)

(وسفينهم حَمَلَ الّذي) والاهم = مِمَن بهم (طلب النجاة وأهلها)

(فاقبض بكفِّك عروة) وِثقى إذا = أمسكتها (لا تخشَ منها فصلها)

والتطريف من الصدرين، وهو التقليد قولي:

إن يستفض (طوفان آل محمد) = بين الورى (في الأرض أغرق جهلها)

هم أبحر (وسفينهم حَمَلَ الّذي) = مِن خوفه (طلب النجاة وأهلها)

مهما تَخف (فاقبض بكفِّك عروة) = وِثقى لهم (لا تخشَ مِنها فصلها)

والتطريف من الغايتين، وهو التحجيل قولي:

(طوفان آل محمد) أهل الهدى = (في الأرض أغرق جهلها) إذ أطبقا

(وسفينهم حَمَلَ الّذي) في حبهم = (طلب النجاة وأهلها) مِمّا اتقى

٢٥

(فاقبض بكفِّك عروة) موصولة = (لا تخشَ مِنها فصلها) يوم اللِقى

الفصل الرابع:

وذكر الشيخ الكراجكي، في كنز الفوائد أيضاً، قال حدَّثني الشريف أبو عبد الله محمد بن عبيد الله بن طاهر الحسيني، قال: حدَّثني أبي عن أبي الحسن أحمد بن محبوب، قال: سمعت أبا جعفر الطَبري، يقول: حدَّثنا هناد بن السري، قال: رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) في النوم، فقال:(( يا هناد، )) قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال:((أنشدني قول الكميت:

ويوم الدوح يوم غدير خُمٍّ = أبان له الخلافة لو أُطيعا

ولكنَّ الرجال تداولوه = فلم أرَ مثلها أمراً شنيعا))

فأنشدته، فقال (عليه السلام):(( خُذ إليك يا هناد)) ، فقلت: هات يا سيدي، فقال (عليه السلام):

((ولم أرَ مِثل ذاك اليوم يوماً = ولم أرَ مثله خَطباً فظيعا))

(أقول): وهذان البيتان الأولان من قصيدة الكميت، من إحدى الهاشميات السبع (المطبوعة) وأولها:

نفى عن عينك الأرَق الهجوعا = وهمٌّ يمتري منها الدموعا

والنسخ المطبوعة والمخطوطة، كثيرة التحريف، ولكن النسخة المطبوعة في (برلين) أصحهنَّ، والبيت الثالث لم يوجد في النسخ كلها.

٢٦

الفصل الخامس:

أخبرني السيّد الأديب المعمّر، السيّد محسن بن السيّد هاشم، الحسيني الصائغ الكاظمي، المُتوفَّى سنة ١٣٣٧، قال: أخبرني أبي السيّد هاشم - وكان معمّراً أيضاً - قال: أخبرني الشيخ محمد علي النجفي، المعروف بالقارئ، مصنِّف كتب التعازي الحسينية الثلاثة، قال: نظم الشيخ العالم الفاضل، الشيخ محمد علي بن الحسين الأعسم النجفي، المُتوفَّى سنة ١٢٣٣، قصيدة في رثاء سيدنا الحسين (عليه السلام) أولها:

قد أوهنت جَلَدي الديار الخالية = مِن أهلها ما للديار وماليه

ومنها:

قست القلوب فلم تَلن لهداية = تبَّاً لهاتيك القلوب القاسيه

فعرضه على ولده الفاضل الأديب، الشيخ عبد الحسين المُتوفَّى سنة ١٢٤٧، وقال له: كيف تراها؟ فقال له: قافية قاسية، تأخذ بحُلقوم قارئها، فاستحيى وأخذها من يده، ووضعها تحت مصلاّه فلمَّا كان الليل، رأى الشيخ محمد علي القارئ في النوم، أمير المؤمنين (عليه السلام) في الروضة، جالساً على كرسي، قال: فسلَّمت عليه، فأعطاني ورقة كانت في يده، وقال:(( إقرأ هذه القصيدة في رثاء وَلدي الحسين )) ، فقرأتها له، فجعل يبكي، وأنا أقرأ وأبكي، فانتبهت بتلك الحالة، وأنا أتلو منها بيتاً، وهو:

قَست القلوب فلم تَلن لهداية = تبَّاً لهاتيك القلوب القاسيه

٢٧

قال: ولمّا انتبهت رأيت الوقت سحراً، فتوضأت؛ وخرجت لأزور أمير المؤمنين (عليه السلام) على عادتي، فمررت في طريقي على الشيخ محمد علي الأعسم، فرأيت في روشن داره ضياءً، فعلمت أنَّه جالس، فأحببت أنْ أكلِّفه بنظم قصيدة، في رثاء الحسين (عليه السلام) تتضمن البيت الّذي حفظته عند انتباهي من النوم، فطرقت الباب، فنزل من عليَّته فقصصت عليه قصَّتي، وذكرت له البيت (قست القلوب، إلخ) فبكى حتى غلبه البكاء، ثم أصعدني إلى مَحلِّه، ورفع طرف مصلاَّه، فأخرج لي ورقة، فلمَّا رأيتها علمت أنَّها هي الورقة التي أعطانيها أمير المؤمنين (عليه السلام) وفيها تلك القصيدة، التي قرأتها مِن أوّلها إلى ذلك البيت، فعجبت من ذلك وسألته عنها، فحلف أنَّه نظمها أمس، وعرضها على ولده ليلاً، وحكى لي قصته، وأنَّه وضعها تحت مصلاَّه، ولم يَطَّلع عليها أحدٌ غيرهما.

(أقول): وهذه القصيدة من مشهور شعر الشيخ محمد علي الأعسم، وهي قصيدة جَزلة الألفاظ، فَخمة المعاني محفوظة للقرّاء، وأنا أذكر أبياتاً منها، وأترك باقيها لشهرتها، فمنها قوله:

ورد الحسين إلى العراق وظنَّهم = تركوا النفاق إذا القلوب كَما هيه

ولقد دعوهُ للفَنا فأجابهم = ودعاهمُ لهدى فردّوا داعيه

قست القلوب فلم تَلن لهداية = تبَّاً لهاتيك القلوب القاسيه

يابن النبي المصطفى ووصيّه = وأخا الزكي يابن البتول الزاكيه

تبكيك عيني لا لأجل مثوبة = لكنَّما عيني لأجلك باكيه

٢٨

تبتلُّ منكم كربلا بدم ولا = تبتلُّ مِنّي بالدموع الجاريه

أنست رزاياكم رزايانا الأُوْلى = سلفت وهوّنت الرزايا الآتيه

وفجائع الأيام تبقى مدةً = وتزول وهي إلى القيامة باقيه

الفصل السادس:

ذكر الشيخ الجليل، محمد بن علي بن شهرآشوب السروي، المُتوفَّى سنة ٥٨٨، في كتاب المناقب (المطبوع مراراً) أنَّ بعض الصلحاء رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) في المنام، فأنشده (عليه السلام):

إذا ذكر القلب رهط النبيّ = وسبي النساء وهتك الستر

وسلب السبيّ وذبح الصبيّ = وقتل الشبير وسم الشبر

ترقرق في العين ماء الفؤا = د وفاض على الخدِّ مِنه درَر

فيا قلبُ صبراً على حزنهم = فعند البلاء تكون العبَر

(أقول): وهذه الأبيات حرّة الألفاظ رقيقة المعاني، وكنت قد شطَّرتها؛ لرقتها وللتبرُّك بمنشدها، فأنا أذكر تشطيري هنا، عسى أن تنالني الرِّقة، وهو:

(إذا ذكر القلب رهط النبيّ) = وما نالهم بعده مِن غِير

وناظر مقتل فتيانه = (وسبي النساء وهتك السُتر )

(وسلب السبيِّ وذبح الصبيّ) = بحضن أبيه الأبيّ الأبر

وقتل الوصيّ وظلم الرضيّ = (وقتل الشبير وسم الشَبر )

٢٩

(ترقرق في العين ماء الفؤاد) = وذاب الحشا مِن جوى واستَعَر

فكفكفت النار دفاعه = (وفاض على الخدِّ منه دُرر)

(فيا قلبُ صبراً على حزنهم) = وإنْ كنت لم تُطق المصطبر

ونهنه على ما ترى عَبرة = (فعند البلاء تكون العِبر)

الفصل السابع:

ذكر الشيخ محمد الحسين النوري، في كتابه دار السلام، الّذي ذكرنا عنه قبلاً عن خط بعض العلماء، أنَّ بعض علماء خوارزم نذر أنْ يَحج، فجاء حتى وصل إلى قنطرة في شط النيل من الحلَّة - وكانت له زمن بني العباس قنطرة عليها طريق الحاج وبقيت بعدهم مدة - فرأى الشيخ الفقيه ابن نما الحلِّي أميرَ المؤمنين في المنام، فقال (عليه السلام) له:(( إنَّ عالِم خوارزم قد ورد إلى هذه البلدة، وقد أشرف أنْ يَعبر، فارسل إليه أحد أصحابك بهذين البيتين؛ ليسأله فيهما ويعزم عليه أنْ لا يعبر حتى يجيبه عنهما )) ، وتلا له البيتين وهما:

إذا اختلفت في الدين سبعون فرقة = ونيِّف كما قد صح عن سيد الرُسل

أ في الفرقة الهُلاَّك آل محمد = أم الفرقة الناجين ماذا ترى قُلْ لي

فانتبه الشيخ وهو يحفظهما، وأرسل أحد تلامذته بالبيتين إليه، وسأله أنْ لا يعبر إلاّ بعد الجواب، فلمّا سمع البيتين والسؤال أنْ لا يعبر إلاّ بعد الجواب، رجع إلى بغداد ولم يعبر.

(أقول): قد ذكر السروي المذكور

٣٠

قبلاً في المناقب، أبياتاً لشرف الدولة مسلم بن قريش العقيلي المسيَّبي ملك الموصل الّذي عمّر في الكاظميين، والّذي قُتل سنة ٤٧٨ وقد ذكرت عمارته في (صدا الفؤاد) وفي الأبيات هذان البيتان، وهي قوله:

إذا اختلفت في الدين سبعون فرقة = ونيِّف كما قد صح عن سيد الرسل

ولم يكُ منها ناجياً غير فرقة = فماذا ترى ياذا البصيرة والعَقل

أفي الفرقة الهُلاّك آل محمد = أم الفرقة الناجين ماذا ترى قُلْ لي

فإنْ قلت هُلاّك كفرت وأنْ تَقل = نُجّاة فحالفهم وخالف ذوي الجهل

لَئن كان مولى القوم منهم فإنَّني = رَضيت بهم في الدين بالقول والفعل

فخلِّ عليّاً لي إماماً وولده = وأنت مِن الباقين في أوسع الحلِّ

أقول: وابن نما المذكور لم يعيّنه الناقل، فإنَّ آل نما سلسلة علماء في الحلَّة، من الأربعمائة إلى نحو الثمانمائة، منهم جعفر بن محمد بن هبة الله بن نما بن علي بن حمدون الربعي، فكلُّ هؤلاء علماء في الحلَّة، فإنْ كانت الواقعة لمتقدمي آل نما، فلعلَّ شرف الدولة قد ذيَّلها، وإنْ كانت لأحد متأخريهم، فلعلَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أنشد منها موضع الحاجة.

الفصل الثامن:

أخبرني السيّد الشريف العلاَّمة، السيّد حسين بن مُعزِّ الدين السيّد مهدي بن السيّد حسن بن السيّد أحمد بن السيّد محمد الحسيني القزويني النجفي، المُتوفَّى سنة ١٣٤٠، قال: رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) في

٣١

المنام، ذات ليلة مباركة من ليالي رجب ١٣١٢، جالساً في مقبرة والدي على كرسي، وبين يديه والدي متأدب، وكأنَّ المقبرة روضة متسعة، فجئت وسلَّمت عليه وأردت تقبيل يديه، فقال لي أبي: امدحه أولاً، ثم قبّل يديه، فأنشدته:

أبا حسن أنت عين الإله = فهل عنك تعزُب مِن خافيه

وأنت مُدير رَحى الكائنات = وإنْ شِئت تسفع بالناصيه

وأنت الّذي أُمم الأنبياء = لديك إذا حُشرتْ جاثيه

فمَن بك قد تمَّ إيمانه = يُساق إلى جنة عاليه

وأما الّذين تولَّوا سواك = يساقون دعّاً إلى الهاويه

قال: فتبسَّم (عليه السلام) وقال لي أبي: أحسنت، فدنوت منه (عليه السلام) وقبّلت يديه، وانتبهت وأنا أحفظ الأبيات، ولما أصبحت حضر المجلس على العادة جماعة من فضلاء الأدباء، فذكرت لهم الطيف، وقلت لهم:

مَن كان يَهوى قلبه = ثاني أصحاب الكسا

فلينتدب لمدحه = مشطِّراً مخمِّسا

فانتدب الجماعة للتشطير والتخميس، فمِمَن شطَّر وخمَّس التشطير، السيّد الفاضل الأديب السيّد جعفر بن السيّد حمد الحسيني الحلِّي، المُتوفَّى سنة ١٣١٥، فقال في التشطير:

(أبا حسن أنت عَين الإله) = على الخلق والأُذن الواعيه

تراهم وتسمع نجواهم = (فهل عنك تَعزُب مِن خافيه)

٣٢

(وأنت مُدير رَحى الكائنات) = وقُطبٌ لأفلاكها الجاريه

فإنْ شِئت تَشفع يوم الحساب = (وإنْ شِئت تسفع بالناصيه)

(وأنت الّذي أُمم الأنبياء) = تولتك في الأعصر الخاليه

وكل الخلائق يوم النشور = (لديك إذا حُشرت جاثيه)

(فمَن بك قد تمَّ إيمانه) = فبُشراه في عيشة راضيه

بحوضك يُسقى ومِن بَعد ذا = (يُساق إلى جنة عاليه)

(وأمَّا الّذين تولَّوا سواك) = فما هم مِن الفِرقة الناجيه

يجيئون في الحشر سود الوجوه = (يُساقون دعّاً إلى الهاويه)

وقال في تخميس التشطير:

بَراك المهيمن إذ لا سِواه = وبيَّن باسمك معنى عُلاه

فكنت تَرى الغَيب لا باشتباه = أبا حسن أنت عَين الإله

على الخلق والأُذن الواعيه

تَرى الناس طُراً وترعاهم = وأقصى الورى منك أدناهم

ومهما أسرّوا خفاياهم = تراهم وتسمع نجواهم

فهل عنك تَعزُب من خافيه

أَقلُّ معاجزك الخارقات = حضورك للشخص حين المَمات

فأنت المحيط بست الجهات = وأنت مدبِّر رَحى الكائنات

وقُطب لأفلاكها الجاريه

لك الناس تُحشر يوم المآب = مطئطِأة الرؤوس خوف العذاب

٣٣

فمنك الثواب ومنك العقاب = فإنْ شِئت تَشفع يوم الحساب

وإن شِئت تَسفع بالناصيه

بك العرش مُهِّد للاستواء = وباسمك قامت طباق السماء

فأنت المحكِّم يوم الجزاء = وأنت الّذي أُمم الأنبياء

تولتك في الأعصر الخاليه

إذا بعث الله مَن في القبور = ومِن سفر الموت أضحوا حضور

فأنت الأمير بكلِّ الأمور = وكلُّ الخلائق يوم النشور

لديك إذا حُشرت جاثيه

مُحِبك يثقُل ميزانه = ويعلو بيوم الجزا شأنه

وَهبْ فرضه بأنْ نقصانه = فمَن بك قد تمّ إيمانه

فبشراه في عيشة راضيه

ينال الكرامة غَبُ الأذى = وعن ناظريه يُماط القذى

فما بعدُ يشكو ظماه إذا = بحوضك يُسقى ومِن بعد ذا

يُساق إلى جنة عاليه

أبا حسن بك أنجو هناك = وأرجو رضا خالقي في رضاك

فلم ينجُ في الحشر إلاّ ولاك = وأمّا الّذين تولّوا سواك

فما هم مِن الفرقة الناجيه

سيأتي العدوّ ومَن تابعوه = بجَمع عن الحوض قد حلئوه

جُفاة لحقك قد ضيَّعوه = يجيئون للحشر سود الوجوه

٣٤

يُساقون دعّاً إلى الهاويه

ومِمَن شطَّر وخمَّس الأصل، الشيخ العالم الفاضل الشيخ جواد بن الشيخ محمد الشبيبي النجفي، المولود سنة ١٢٨٠ فقال سلَّمه الله في التشطير:

(أبا حسن أنت عَين الإله) = ولُجّة قدرته الطاميه

وأنت المحيط بما في الوجود = (فهل عنك تَعزُب مِن خافيه)

(وأنت مُدير رَحى الكائنات) = ودارة أنوارها الساريه

بأمرك إنْ شِئت تُنجي العباد = (وإنْ شِئت تَسفع بالناصيه

(وأنت الّذي أُمم الأنبياء) = تفيئ لرأفتك الضافيه

ترى زُمراً شيع المرسلين = (لَديك إذا حُشرت حاشيه)

(فمَن بك قد تمَّ إيمانه) = وفيك غدت نفسه راضيه

وراح ولاِك له سلماً = (يساق إلى جَنَّة عاليه)

(وأمَّا الّذين تولَّوا سواك) = وساروا مِن الغيِّ في غاشيه

وضلّوا ضلالاً بعيد الهدى = (يُساقون دعَّاً إلى الهاويه)

وقال سلَّمه الله في تخميس الأصل:

بمدحك نصَّاً فَمُ الذِكر فاه = فكنت المصبَّ لمجرى ثناه

ترى ما يرى الله فيما براه = أبا حسن أنت عَين الإله

فهل عنك تَعزُب مِن خافيه

بك اجتمع الدين بعد الشَتات = ولاَنَ لك الشرك ليَن القناة

وِلاك المفاز فأنت النّجاة = وأنت مُدير رَحى الكائنات

٣٥

وإنْ شِئت تَسفع بالناصيه

وأنت المصرِّف مجرى القضاء=فتَمحو وتُثبت أنّى تَشاء

وأنت المشفَّع يوم الجزاء=وأنت الّذي أُمم الأنبياء

لَديك إذا حُشرت جاثيه

بك الحق أَسس بنيانَه=وعَنك الهدى شعَّ برهانُه

معادُ الوَرى أنت عنوانه=فمَن بك قد تمَّ إيمانه

يُساق إلى جَنَّة عاليه

حَباك الإله بما قد حَباك=فأسرى بقوم تحلّوا وِلاك

إلى جَنَّة زُخرفت فى رضاك=وأمَّا الّذين تولّوا سِواك

يُساقون دعَّاً إلى الهاويه

ومِمَن شطَّر وخمَّس التشطير، السيّد السعيد العالم المتفنّن، السيّد عدنان بن السيّد شبَّر الحسيني الغريفي البحراني البصري، المُتوفَّى سنة ١٣٣٦، فقال في التشطير:

(أبا حسن أنت عَين الإله) = وأنت له أُذُن واعيه

وباب مدينة عِلم الغُيوب = (فهل عنك تَعزُب مِن خافيه)

(وأنت مُدير رَحى الكائنات = بيُمنى مَشيئتك القاضيه

فإنْ شِئت تُنقذ مَن في الجحيم = (وإنْ شِئت تَسفع بالناصيه)

(وأنت الّذي أُمم الأنبياء) = أُنيلت بك الرُتبة الساميه

وكلُّ الخَلائق يَوم الحساب = (لَديك إذا حُشرت جاثيه)

٣٦

(فمَن بك قد تمَّ إيمانه) = فذلك في عِيشة راضيه

إذا بَعثر الله مَن في القبور = (يُساق إلى جَنَّةٍ عاليه)

(وأمَّا الّذين تولّوا سِواك) = وخاضوا غمار العَمى الداجيه

فإنَّهم والّذي حكَّموا = (يُساقون دعَّاً إلى الهاويه)

وقال في تخميس التشطير:

لِوادي الغريِّ مَقام حواه = وسرُّ طواه بوادي طواه

فقُل إنْ نَزلْتَ بمولىً ثَواه = أبا حسن أنت عَين الإله

وأنت له أُذُن واعيه

بأمرك مَرَّ الصَبا والجَنوب = ومِنك الطُلوع ومِنك الغُروب

وقلبك مِرآة كلِّ القلوب = وباب مدينة عِلم الغُيوب

فهل عنك تَعزُب مِن خافيه

أتَعزُب عن عِلمك الجَامدِات = أم النَاطِقات أم النَاميات

أم الجِن أم جُملة الحَادِثات = وأنت مُدير رَحى الكائِنات

بيُمني مشيئتك القاضيه

يَراك العَظيم لأمر عَظيم = وخَصَّك مِنه بفَضل عَميم

وأنفذ حُكمك وهو الحَكيم = فإنْ شِئت تُنقذ مَن في الجَحيم

وإن شِئت تَسفع بالناصيه

بنورك يا سيِّد الأصفياء = تَنور أفئدة الأولياء

لأنَّك مِشكاة لَمع الضياء = وأنت الّذي أمم الأنبياء

٣٧

أُنيلت بك الرُتب الساميه

ستَجلس في يوم فَصل الخِطاب = لتُعطي الثواب وتُلقي العقاب

فأنت المحكِّم دون ارتياب = وكلُّ الخلائق يوم الحساب

لديك إذا حُشرت جاثيه

فمِنك النَعيم ورِضوانه = وعَنك الجَحيم وخُزّانه

وأنت الصِراط ومِيزانه = فمَن بك قد تمَّ إيمانه

فذلك في عِيشة راضيه

له القَبر جَنَّة نور ونور = وضَنك اللُحود فَسيح القُصور

ويَوم القِيمة عند النُشور = إذا بَعثر الله مَن في القُبور

يُساق إلى جَنَّة عاليه

أولئك قوم وِلاهم وِلاك = وإنْ أذنبوا وعِداهم عِداك

فسوف يُجازون هذا بذاك = وأمَّا الّذين تولَّوا سِواك

وخاضوا غِمار العَمى الداجيه

فمَوئلُهم لَهَب مُضرم = بمَا أخَّروا وبمَا قدَّموا

وإنْ لجأوا للّذي يمموا = فإنَّهم والّذي حكَّموا

يُساقون دعّاً إلى الهاويه

ومِمَن خمَّس الأصل، السيّد سعيد العالِم الفاضل، السيّد علي بن السيّد محمود الأمين العاملي الحسيني، المُتوفَّى سنة ١٣٢٨ في جبل عامل ، وقد نقل المدح إلى رثاء الحسين (عليه السلام)؛ إذ وافق تخميسه أيام المُحرَّم، فقال:

٣٨

بنفسي الحسين سقته عِداه = كؤوس المَنون وساقات نِساه

فقُل للوصي وحامي حِماه = أبا حسن أنت عين الإله

فهل عنك تَعزُب مِن خافيه

أمَا هَتفتْ بك بين الطغاة = نِساك وأنت حِمى الضائعات

وأنت المرجّى لدى النائبات = وأنت مُدير رَحى الكائنات

وإنْ شِئت تَسفع بالناصيه

أتَقعد ياسيّد الأوصياء = ووِترك بين بَني الأدعياء

وتَجثو وذا الكَرب يَقفو البَلاء = وأنت الّذي أُمم الأنبياء

لَديك إذا حُشرت جاثيه

بَراك وإنَّك بُرهانه = آله الأنام عَلا شانه

وإنَّك في الحَشر مِيزانه = فمَن بك قد تمَّ إيمانه

يُساق إلى جَنَّة عاليه

فدِيني وِلاك وبُغض عِداك = ولي نَسب ضارِب في عُلاك

فمولاك في الحشر تحت لِواك = وأمَّا الّذين تولّوا سِواك

يُساقون دعاً إلى الهاويه

ومِمَن شطَّر فقط، العلاَّمة السيّد محسن بن السيّد عبد الكريم الأمين العاملي، المولود حدود سنة ١٢٨٣، فقال سلَّمه الله تعالى:

(أبا حسن أنت عَين الإله) = ومَعدِن حِكمته الساميه

يُريك بها ما وراء الغُيوب = (فهل عنك تَعزُب مِن خافيه )

٣٩

(وأنت مُدير رَحى الكائنات) = وقُطب رَحى النشأة الثانيه

فإنْ شِئت تَشفع للمذنبين = (وإنْ شِئت تَسفع بالناصيه)

(وأنت الّذي أُمم الأنبياء) = بِحُبك في حَشرها ناجيه

قَسيم لظىً أنت والعالمون = (لَديك إذا حُشرت جاثيه)

(فمَن بك قد تمَّ إيمانه) = وبابنَيك والعِترة الزاكيه

فلا هَول يَخشى ويوم المَعاد = (يُساق إلى جَنَّة عاليه)

(وأمَّا الّذين تولَّوا سِواك) = وضلّوا عن الطرق الهاديه

فهم والّذين تولّوهم = (يُساقون دعَّاً إلى هاويه)

ومِمَن شطَّر وخمَّس التشطير، مصنف هذا الكتاب، فقال في التشطير:

(أبا حسن أنت عَين الإله) = وأُذُن إرادته الواعيه

ظهرت على ما تسرُّ القُلوب = (فهل عنك تَعزُب مِن خافيه)

(وأنت مُدير رَحى الكائنات) = ومُمسك أفلاكها الجاريه

فإنْ شِئت تَرفع نحو الجِنان = (وإنْ شِئت تَسفع بالناصيه)

(وأنت الّذي أُمم الأنبياء) = أعدَّت وِلاك لها واقيه

فَقد أنبأوها بأنْ تَغتدي = (لَديك إذا حُشرت جاثيه)

(فمَن بك قد تمَّ إيمانه) = أصاب كرامته الباقيه

وراح بفَوز قَرير العُيون = (يُساق إلى جَنَّة عاليه)

(وأمَّا الّذين تولّوا سِواك) = أصابتهم الذلَّة‌ الباديه

وراحوا خواسئ نُكْسَ الرؤوس = (يُساقون دعّاً إلى الهاويه)

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193