اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)0%

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 193

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 193
المشاهدات: 50115
تحميل: 6828

توضيحات:

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 193 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50115 / تحميل: 6828
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

اعلام الهداية الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقال عليه‌السلام له: (إن كُنّا كما قلت فنستغفر الله، وإن لم نكن كما قلت فغفر الله لك...) (١) .

السخاء :

أجمع المؤرِّخون على أنّه كان من أسخى الناس وأنداهم كفّاً، وأبرَّهم بالفقراء والضعفاء، وقد نقلوا نوادر كثيرة من فيض جوده، منها:

١ ـ مرض محمّد بن اُسامة فعاده الإمامعليه‌السلام ، ولمّا استقرّ به المجلس أجهش محمّد بالبكاء، فقال له الإمامعليه‌السلام :ما يبكيك؟ فقال: عليّ دين، فقال له الإمام:كم هو؟ فأجاب: خمسة عشر ألف دينار، فقال له الإمامعليه‌السلام :هي عليّ ، ولم يقم الإمام من مجلسه حتى دفعها له(٢) .

٢ ـ ومن كرمه وسخائه أنّه كان يطعم الناس إطعاماً عامّاً في كلّ يوم، وذلك في وقت الظهر في داره(٣) .

٣ ـ وكان يعول مائة بيت في السرّ، وكان في كلّ بيت جماعة من الناس(٤) .

تعامله مع الفقراء :

أ ـ تكريمه للفقراء : كانعليه‌السلام يحتفي بالفقراء ويرعى عواطفهم ومشاعرهم، فكان إذا أعطى سائلاً قبّله، حتى لا يُرى عليه أثر الذلّ

ــــــــــــــ

(١) الإرشاد : ١/١٤٦ عن نسب آل أبي طالب للعبيدلي النسّابة م ٢٧٠ هـ .

(٢) الإرشاد : ٢/١٤٩، ومناقب آل أبي طالب : ٤/١٦٣ وراجع: البداية والنهاية : ٩ / ١٠٥، وسير أعلام النبلاء : ٤ / ٢٣٩.

(٣) تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٥٩ ط بيروت.

(٤) مناقب آل أبي طالب: ٤/١٦٦ عن الباقر عليه‌السلام وعن أحمد بن حنبل، وكشف الغمة: ٢/٢٨٩ عن مطالب السؤول عن حلية الأولياء ، وفي الكشف : ٢/٣١٢، عن الجنابذي، ولكن فيه: ٢/٣٠٤ عنه أيضاً عن الصادق عليه‌السلام قال: كان يعول سبعين بيتاً .

٢١

والحاجة(١) ، وكان إذا قصده سائل رحّب به وقال له:(مرحباً بمن يحمل زادي إلى دار الآخرة) (٢) .

ب ـ عطفه على الفقراء: كانعليه‌السلام كثير العطف والحنان على الفقراء والمساكين، وكان يعجبه أن يحضر على مائدة طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، كما كان يحمل لهم الطعام أو الحطب على ظهره حتى يأتي باباً من أبوابهم فيناولهم إيّاه(٣) . وبلغ من مراعاته لجانب الفقراء والعطف عليهم أنّه كره اجتذاذ النخل في الليل; وذلك لعدم حضور الفقراء في هذا الوقت فيحرمون من العطاء، فقد قالعليه‌السلام لقهرمانه وقد جذّ نخلاً له من آخر الليل:(لا تفعل، ألا تعلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الحصاد والجذاذ بالليل؟!) . وكان يقول:(الضغث تعطيه من يسأل فذلك حقه يوم حصاده) (٤) .

ج ـ نهيه عن ردّ السائل: ونهى الإمامعليه‌السلام عن ردّ السائل; وذلك لما له من المضاعفات السيّئة التي منها زوال النعمة وفجأة النقمة.

وأكد الإمامعليه‌السلام على ضرورة ذلك في كثير من أحاديثه، فقد روى أبو حمزة الثمالي، قال: صلّيت مع عليّ بن الحسين الفجر بالمدينة يوم جمعة، فلمّا فرغ من صلاته نهض إلى منزله وأنا معه، فدعا مولاةً له تسمّى سكينة، فقال لها:(لا يعبر على بابي سائل إلاّ أطعمتموه فإنّ اليوم جمعة) ، فقال له أبو حمزة: ليس من يسأل مستحقاً، فقالعليه‌السلام :(أخاف أن يكون بعض من يسألنا مستحقاً فلا نطعمه،

ــــــــــــــ

(١) حلية الأولياء : ٣ / ١٣٧، وعنه في مناقب آل أبي طالب: ٤/١٦٧.

(٢) كشف الغمة : ٣/٢٨٨ عن مطالب السؤول للشافعي عن حلية الأولياء للاصفهاني.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٤/١٦٦ و ١٦٧ عن الباقر عليه‌السلام .

(٤) بحار الأنوار : ٤٦ / ٦٢.

٢٢

ونردّه فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله، أطعموهم، أطعموهم، إنّ يعقوب كان يذبح كلّ يوم كبشاً فيتصدّق منه، ويأكل منه هو وعياله، وإنّ سائلاً مؤمناً صوّاماً مستحقّاً، له عند الله منزلة اجتاز على باب يعقوب يوم جمعة عند أوان إفطاره، فجعل يهتف على بابه: أطعموا السائل الغريب الجائع من فضل طعامكم، وهم يسمعونه، قد جهلوا حقّه، ولم يصدّقوا قوله، فلمّا يئس منهم وغشيه الليل مضى على وجهه، وبات طاوياً يشكو جوعه إلى الله، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعاً بطاناً وعندهم فضلة من طعامهم، فأوحى الله إلى يعقوب في صبيحة تلك الليلة: لقد أذللت عبدي ذلة استجررت بها غضبي، واستوجبت بها أدبي ونزول عقوبتي، وبلواي عليك وعلى ولدك، يا يعقوب أحبّ أنبيائي إليّ وأكرمهم عليّ من رحم مساكين عبادي وقرّبهم إليه وأطعمهم وكان لهم مأوى وملجأ، أما رحمت عبدي المجتهد في عبادته، القانع باليسير من ظاهر الدنيا؟! أما وعزّتي لأنزلنّ بك بلواي، ولأجعلنّك وولدك غرضاً للمصائب .

فقال أبو حمزة: جعلت فداك متى رأى يوسف الرؤيا؟

قال عليه‌السلام : في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب وآله شباعاً وبات السائل الفقير طاوياً جائعاً ) (١) .

صدقاته :

وكان من أعظم ما يصبو إليه الإمام زين العابدينعليه‌السلام في حياته الصدقة على الفقراء لإنعاشهم ورفع البؤس عنهم، وكانعليه‌السلام يحثّ على الصدقة; وذلك لما يترتّب عليها من الأجر الجزيل، فقد قال: (ما من رجل تصدّق على مسكين مستضعف فدعا له المسكين بشيء في تلك الساعة إلاّ استجيب له)(٢) .

ونشير إلى بعض ألوان صدقاته وجميل خصاله :

ــــــــــــــ

(١) علل الشرائع : ١/٦١ ب ٤٢ ح ١ ط بيروت.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٩٦

٢٣

أ ـ التصدّق بثيابه: كانعليه‌السلام يلبس في الشتاء الخزّ، فإذا جاء الصيف تصدّق به أو باعه وتصدّق بثمنه، وكان يلبس في الصيف ثوبين من متاع مصر ويتصدّق بهما إذا جاء الشتاء(١) ، وكان يقول:(إني لأستحي من ربّي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه) (٢) .

ب ـ التصدّق بما يحبّ: كان يتصدّق باللوز والسكَّر، فسئل عن ذلك فتلا قوله تعالى:( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) (٣) .

وروي أنّه كان يعجبه العنب، وكان صائماً فقدّمت له جاريته عنقوداً من العنب وقت الإفطار، فجاء سائل فأمر بدفعه إليه، فبعثت الجارية من اشتراه منه، وقدّمته إلى الإمام، فطرق سائل آخر الباب، فأمرعليه‌السلام بدفع العنقود إليه، فبعثت الجارية من اشتراه منه وقدّمته للإمام، فطرق سائل ثالث الباب فدفعه الإمام إليه(٤) .

ج ـ مقاسمة أمواله : وقاسم الإمام أمواله مرّتين فأخذ قسماً له، وتصدّق بالقسم الآخر على الفقراء والمساكين(٥) .

ــــــــــــــ

(١) تأريخ دمشق : ٣٦ / ١٦١.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤/١٦٧ عن حلية الأولياء : ٣/١٣٦ ـ ١٤٠ .

(٣) مناقب آل أبي طالب: ٤/١٦٧ .

(٤) المحاسن: ٢/٣٦١ طبعة المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام ، وفروع الكافي : ٦ / ٣٥٠.

(٥) مناقب آل أبي طالب : ٤/١٦٧ عن حلية الأولياء : ٣ / ١٤٠ ، وجمهرة الأولياء : ٢ / ٧١، وخلاصة تهذيب الكمال: ٢٣١.

٢٤

د ـ صدقاته في السرّ : وكان أحبّ شيء عند الإمامعليه‌السلام الصدقة في السر، لئلاّ يعرفه أحد، وقد أراد أن يربط نفسه ومن يعطيهم من الفقراء برباط الحبّ في الله تعالى، وتوثيقاً لصلته بإخوانه الفقراء بالإسلام، وكان يحثّ على صدقة السرّ ويقول:(إنّها تطفئ غضب الربّ) (١) .

وقد اعتاد الفقراء على صلة لهم في الليل، فكانوا يقفون على أبوابهم ينتظرونه، فإذا رأوه تباشروا وقالوا: جاء صاحب الجراب(٢) .

وكان له ابن عم يأتيه بالليل فيناوله شيئاً من الدنانير فيقول له العلوي: إنّ عليّ بن الحسين لا يوصلني، ويدعو عليه، فيسمع الإمام ذلك ويغضي عنه، ولا يُعرّفه بنفسه، ولمّا توفّيعليه‌السلام فقد الصلة، فعلم أنّ الذي كان يوصله هو الإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام فكان يأتي قبره باكياً ومعتذراً منه(٣) .

وقال ابن عائشة: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السرّ حتى مات عليّ بن الحسين(٤) .

وكانعليه‌السلام شديد التكتّم في صلاته وهباته، فكان إذا ناول أحداً شيئاً غطّى وجهه لئلاّ يعرفه(٥) .

وقال الذهبي : إنّه كان كثير الصدقة في السرّ(٦) .

ــــــــــــــ

(١) مناقب آل أبي طالب : ٤/١٦٥ عن الثمالي والثوري، وفي تذكرة الحفاظ : ١ / ٧٥ وأخبار الدول: ١١٠ ونهاية الإرب : ٢١ / ٣٢٦، وكشف الغمة : ٢/٢٨٩ عن مطالب السؤول عن حلية الأولياء. وفي الكشف : ٢/٣١٢ عن الجنابذي عن الثوري عنه عليه‌السلام كان يقول: إنّ الصدقة تطفئ غضب الرب. بدون قيد السّر.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤/١٦٦ .

(٣) كشف الغمة : ٢/٣١٩ عن نثر الدرر للآبي.

(٤) حلية الأولياء وعنه في مناقب آل أبي طالب : ٤/١٦٦ وكشف الغمة : ٢/٢٩٠ عن مطالب السؤول عن الحلية: ٤/١٣٦ وفي البداية والنهاية لابن كثير : ٩/١١٤، وصفة الصفوة : ٢ / ٥٤، الإتحاف بحب الأشراف: ٤٩ والأغاني : ١٥ / ٣٢٦.

(٥) مناقب آل أبي طالب : ٤/١٦٦ عن الباقر عليه‌السلام .

(٦) تذكرة الحفّاظ : ١ / ٧٥.

٢٥

وكانعليه‌السلام يجعل الطعام الذي يوزّعه على الفقراء في جراب ويحمله على ظهره، وقد ترك أثراً عليه(١) .

هـ ـ ابتغاؤه مرضاة الله: ولم يكن الإمامعليه‌السلام يبتغي في برّه وإحسانه إلى الفقراء إلاّ وجه الله عَزَّ وجَلَّ والدار الآخرة، ولم تكن عطاياه وصدقاتهعليه‌السلام مشوبة بأيّ غرض من أغراض الدنيا.

قال الزهري: رأيت عليّ بن الحسين في ليلة باردة وهو يحمل على ظهره دقيقاً، فقلت له: يابن رسول الله! ما هذا؟ فأجابهعليه‌السلام :(أريد سفراً، أُعدّ له زاداً أحمله إلى موضع حريز) . فقال: هذا غلامي يحمله عنك، فامتنع الإمام من إجابته، وتضرّع الزهري إليه أن يحمله هو بنفسه عنه، إلاّ ان الإمام أصرّ على ما ذهب إليه، وقال له:(ولكنّي لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري، ويحسّن ورودي على ما أردُ عليه، أسألك بحق الله لمّا مضيت لحاجتك) .

وانصرف الزهري عن الإمام، وبعد أيام التقى به، وقد ظنّ أنّه كان على جناح سفر ولم يعِ مراده فقال له: يابن رسول الله، لست أرى لذلك السفر الذي تركته أثراً.

فأجابه الإمامعليه‌السلام : (يا زهري، ليس ما ظننت، ولكنّه الموت وله أستعدُّ، إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام وبذل الندى في الخير) (٢) .

العزّة والإباء :

ومن صفات الإمام عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام العزّة والإباء،

ــــــــــــــ

(١) تأريخ اليعقوبي : ٢/٣٠٣ ط بيروت.

(٢) علل الشرائع: ١ / ٢٧ وعنه في بحار الأنوار : ٤٦ / ٦٥ ـ ٦٦.

٢٦

فقد ورثها من أبيه الحسين سيّد الشهداءعليه‌السلام الذي تحدّى طغاة عصره قائلاً:(والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد) (١) .

وقد تمثّلت هذه الظاهرة الكريمة في شخصيّة الإمام زين العابدينعليه‌السلام في قوله:(ما أحبّ أنّ لي بذلّ نفسي حمر النعم) (٢) .

وقال في عزة النفس:(من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا) (٣) .

ويقول المؤرخون: إنّ أحدهم أخذ منه بعض حقوقه بغير حق، وكان الإمامعليه‌السلام بمكّة، وكان الوليد بن عبد الملك حينئذ متربّعاً على كرسي الخلافة وقد حضر موسم الحج، فقيل له: لو سألت الوليد أن يردّ عليك حقّك؟ فقال لهم كلمته الخالدة في دنيا العزّ والإباء:(ويحك أفي حرم الله عَزَّ وجَلَّ أسأل غير الله عَزَّ وجَلَّ؟! إنّي آنف أن أسأل الدنيا من خالقها، فكيف أسألها مخلوقاً مثلي؟!) (٤) .

ومن عزّته : أنّه ما أكل بقرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم درهماً قطّ (٥) .

الزهد :

لقد اشتهر في عصرهعليه‌السلام أنّه من أزهد الناس حتى أنّ الزهري حينما سُئل عن أزهد الناس قال: عليّ بن الحسين(٦) .

ورأىعليه‌السلام سائلاً يبكي فتألّم له وراح يقول:(لو أنّ الدنيا كانت في كفّ هذا

ــــــــــــــ

(١) وقعة الطف: ٢٠٩ .

(٢) الكافي : ٢/١٠٩ و ١١١ والخصال : ١/٢٣ وعن الكافي في بحار الأنوار : ٧١/٤٠٦ ومعه بيان المؤلف في صفحة كاملة.

(٣) بحار الأنوار : ٧٨ / ١٣٥.

(٤) بحار الأنوار : ٤٦ / ٦٤ عن علل الشرائع : ١/٢٧٠ ط بيروت.

(٥) مجالس ثعلب ٢ : ٤٦٢ ، وعنه في حياة الإمام زين العابدين للقرشي: ١/٨١. وفي مناقب آل أبي طالب: ٤/١٧٥ عن نافع: شيئاً، بدل: درهماً.

(٦) بحار الأنوار : ٤٦/٦٢ عن علل الشرائع : ١/٢٧٠ ط بيروت.

٢٧

ثمّ سقطت منه لما كان ينبغي له أن يبكي عليها) (١) .

وقال سعيد بن المسيب: كان عليّ بن الحسينعليه‌السلام يعظ الناس ويزهّدهم في الدنيا ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كلّ جمعة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحفظ عنه وكتب، وكان يقول:

(أيّها الناس، اتّقوا الله واعلموا أنّكم إليه تُرجعون... يابن آدم، إنّ أجلك أسرع شيء إليك، قد أقبل نحوك حثيثاً يطلبك ويوشك أن يدركك، وكأن قد أوفيت أجلك وقبض الملك روحك وصرت إلى قبرك وحيداً، فردّ إليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكان ناكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك... فاتّقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ الله عَزَّ وجَلَّ لم يحبّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه، ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها، وإنّما خلق الدنيا وأهلها ليبلوهم فيها أيّهم أحسن عملاً لآخرته، وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال، وعرّف الآيات لقوم يعقلون، ولا قوة إلاّ بالله، فازهدوا فيما زهّدكم الله عَزَّ وجَلَّ فيه من عاجل الحياة الدنيا... ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركونَ من اتّخذها دار قرار ومنزل استيطان، فإنّها دار بُلغة، ومنزل قلعة، ودار عمل، فتزوّدوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرّق أيّامها، وقبل الإذن من الله في خرابها... جعلنا الله وإيّاكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، الراغبين لآجل ثواب الآخرة، فإنّما نحن به وله...) (٢) .

الإنابة إلى الله تعالى :

إنّ اشتهار الإمام بلقب زين العابدين وسيّد الساجدين ممّا يشير إلى وضوح عنصر الإنابة إلى الله والانقطاع إليه في حياة الإمام وسيرته وشخصيّته.

ــــــــــــــ

(١) كشف الغمة : ٢/٣١٨ عن نثر الدرر للآبي، والفصول المهمّة: ١٩٢.

(٢) الكافي : ٨ / ٧٢ ـ ٧٦ ، وتحف العقول: ٢٤٩ ـ ٢٥٢.

٢٨

على أنّ أدعية الصحيفة السجّادية هي الدليل الآخر على هذه الحقيقة، فإنّ إلقاء نظرة سريعة وخاطفة على عناوين الأدعية يكشف لنا مدى التجاء الإمام إلى الله في شؤون حياته، فما من موقف إلاّ وللإمام فيه دعاء وابتهال وتضرّع، هذا فضلاً عن مضامين الأدعية التي يكاد ينفرد بها هوعليه‌السلام في هذه الصحيفة المعروفة وغيرها، لقد ذاب الإمام في محبّة الله وأخلص له أعظم الإخلاص، وقد انعكس ذلك على جميع حركاته وسكناته.

وممّا رواه المؤرخون: أنّه اجتاز على رجل جالس على باب رجل ثريّ فبادره الإمام قائلاً:(ما يقعدك على باب هذا المترف الجبار؟) فقال الرجل: البؤس (أي: الفقر)، فقال لهعليه‌السلام :(قم! فأرشدك إلى باب خير من بابه وإلى ربّ خير لك منه...)

ونهض معه الرجل إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلّمه ما يعمله من الصلاة والدعاء وتلاوة القرآن وطلب الحاجة من الله والالتجاء إلى حصنه الحريز (١) .

سيرته في بيته :

كان الإمام زين العابدينعليه‌السلام من أرأف الناس وأبرّهم وأرحمهم بأهل بيته، وكان لا يتميّز عليهم، وقد أُثر عنه أنّه قال:(لَئن أدخل إلى السوق ومعي دراهم ابتاع بها لعيالي لحماً وقد قرموا (٢) أحبّ إليَّ من أن أعتق نسمة) (٣) .

وكان يبكر في خروجه مصبحاً لطلب الرزق لعياله، فقيل له: إلى أين

ــــــــــــــ

(١) حياة الإمام زين العابدين عليه‌السلام دراسة وتحليل:١ / ٩٣.

(٢) قرموا: اشتدّ شوقهم إلى اللحم.

(٣) بحار الأنوار : ٤٦ / ٦٧ عن الكافي : ٢/١٢.

٢٩

تذهب؟ فقال: أتصدّق لعيالي قبل أن أتصدّق ثم قال: من طلب الحلال، فإنّه من الله عَزَّ وجَلَّ صدقة عليهم(١) .

وكانعليه‌السلام يعين أهله في حوائجهم البيتية، ولا يأمر أحداً منهم فيما يخصّ شأناً من شؤونه الخاصة، كما كان يتولّى بنفسه خدمة نفسه خصوصاً فيما يخصّ إلى شؤون عبادته، فإنّه لم يك يستعين بها أو يعهد إلى أحد في قضائها.

مع أبويه :

وقابل الإمام المعروف الذي أسدته إليه مربّيته بكلّ ما تمكّن عليه من أنواع الإحسان، وقد بلغ من جميل برّه بها أنّه امتنع أن يؤاكلها فلامه الناس، وأخذوا يسألونه بإلحاح قائلين: أنت أبرّ الناس وأوصلهم رحماً، فلماذا لا تؤاكل أمك؟ فأجابهم جواب من لم تشهد الدنيا مثل أدبه وكماله قائلاً:(أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون عاقّاً لها) (٢) .

ومن برّه لأبويه دعاؤه لهما، وهو من أسمى القواعد في التربية الإسلامية الهادفة، وهذه مقاطع من هذه اللوحة الخالدة من دعائهعليه‌السلام :

(... واخصص اللهمّ والديّ بالكرامة لديك والصلاة منك يا أرحم الراحمين... وألهمني علم ما يجب لهما عليّ إلهاماً، واجمع لي علم ذلك كلّه تماماً، ثم استعملني بما تلهمني منه، ووفّقني للنفوذ فيما تبصرني من علمه... اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف، وأبرّهما برّ الأم الرؤوف، واجعل طاعتي لوالديّ وبرّي بهما أقرّ لعيني من رقدة

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٦ / ٦٧ عن الكافي : ٢/١٢.

(٢) الكامل للمبرد : ١ / ٣٠٢، وشذرات الذهب : ١ / ١٠٥، ومناقب آل أبي طالب: ٤/١٧٦ عن أمالي النيشابوري.

٣٠

الوسنان، وأثلج لصدري من شربة الظمآن، حتى اُوثر على هواي هواهما، واُقدّم على رضاي رضاهما، واستكثر برّهما بي وإن قلّ، واستقلّ برّي بهما وإن كثر، اللهمّ خفّض لهما صوتي، وأطب لهما كلامي، وألِن لهما عريكتي، واعطف عليهما قلبي، وصيرني بهما رفيقاً وعليهما شفيقاً... اللهمّ اشكر لهما تربيتي، وأثبهما على تكرمتي، واحفظ لهما ما حفظاه منّي في صغري... اللهمّ لا تُنسني ذكرهما في أدبار صلواتي، وفي إناً من آناء ليلي، وفي كل ساعة من ساعات نهاري... اللهمّ صلّ على محمد وآله، واغفر لي بدعائي لهما، واغفر لهما ببرّهما بي...) (١) .

مع أبنائه:

أمّا سلوك الإمام عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام مع أبنائه فقد تميّز بالتربية الإسلامية الرفيعة لهم، فغرس في نفوسهم نزعاته الخيّرة واتّجاهاته الإصلاحية العظيمة، وقد صاروا بحكم تربيته لهم من ألمع رجال الفكر والعلم والجهاد في الإسلام.

فكان ولده الإمام محمد الباقرعليه‌السلام أشهر أئمّة المسلمين، وأكثرهم عطاءً للعلم.

وأمّا ولده عبد الله الباهر فقد كان من أبرز علماء المسلمين في فضله وسمّو منزلته العلمية.

أمّا ولده زيد فقد كان من أجلّ علماء المسلمين، وقد برعَ في علوم كثيرة كعلم الفقه والحديث والتفسير وعلم الكلام وغيرها، وهو الذي تبنّى حقوق المظلومين المضطهدين، وقاد مسيرتهم الدامية في ثورته التي نشرت الوعي السياسي في المجتمع الإسلامي، وساهمت مساهمة إيجابية وفعّالة

ــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية، دعاؤه لأبويه.

٣١

في الإطاحة بالحكم الأموي(١) .

وزوّد الإمامعليه‌السلام أبناءه ببعض الوصايا التربوية لتكون منهجاً يسيرون عليه، قالعليه‌السلام :

١ ـ(يا بُنيّ، اُنظر خمسةً فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا تُرافقهم في طريق) فقال له ولده: من هم؟ قالعليه‌السلام :(إيّاك ومصاحبة الكذّاب، فإنّه بمنزلة السراب، يقرّب لك البعيد ويبعّد لك القريب. وإيّاك ومصاحبة الفاسق، فإنّه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك. وإيّاك ومصاحبة البخيل، فإنّه يخذلك في ماله، وأنت أحوج ما تكون إليه. وإيّاك ومصاحبة الأحمق، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك. وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله...) (٢) .

٢ ـ قالعليه‌السلام :(يا بُنيّ، اصبر على النائبة، ولا تتعرّض للحقوق، ولا تجب أخاك إلى شيء مضرّته عليك أعظم من منفعته لك...) (٣) .

٣ ـ وقالعليه‌السلام :(يا بُنيّ، إنّ الله لم يرضك لي فأوصاك بي، ورضيني لك فحذّرني منك، واعلم أنّ خير الآباء للأبناء من لم تدعه المودّة إلى التفريط فيه، وخير الأبناء للآباء من لم يدعه التقصير إلى العقوق له) (٤) .

ــــــــــــــ

(١) حياة الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، دراسة وتحليل: ٥٥ ـ ٥٦.

(٢) أُصول الكافي : ٢/٣٧٦، والاختصاص : ٢٣٩، وتحف العقول: ٢٧٩، والبداية والنهاية : ٩ / ١٠٥.

(٣) البيان والتبيين : ٢ / ٧٦، العقد الفريد : ٣ / ٨٨ .

(٤) العقد الفريد : ٣ / ٨٩ .

٣٢

مع مماليكه :

وسار الإمامعليه‌السلام مع مماليكه سيرة تتّسم بالرفق والعطف والحنان، فكان يعاملهم كأبنائه، وقد وجدوا في كنفه من الرفق ما لم يجدوا في ظلّ آبائهم، حتّى أنّه لم يعاقب أمَةً ولا عبداً فيما إذا اقترفا ذنباً(١) .

وقد كان له مملوك فدعاه مرّتين فلم يجبه، وفي الثالثة قال له الإمام برفق ولطف:(يا بُنيَّ، أما سمعت صوتي؟) قال: بلى... ، فقال لهعليه‌السلام :(لِمَ لَمْ تُجبْني؟) فقال: أمنت منك، فخرج الإمام وراح يحمد الله ويقول:(الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني...) (٢) .

ــــــــــــــ

(١) اقبال الأعمال : ١/٤٤٣ ـ ٤٤٥ باسناده عن التلعكبرى عن ابن عجلان عن الصادق عليه‌السلام وعنه في بحار الأنوار : ٤٦ / ١٠٣ ـ ١٠٥ و ٩٨/١٨٦ ـ ١٨٧.

(٢) الإرشاد : ٢/١٤٧، ومناقب آل أبي طالب: ٤/١٧١ وفي تأريخ دمشق : ٣٦ / ١٥٥.

٣٣

الباب الثاني: فيه فصول:

الفصل الأول: نشأة الإمام زين العابدينعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام زين العابدينعليه‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام زين العابدينعليه‌السلام من الولادة إلى الإمامة.

الفصل الأول: نشأة الإمام زين العابدينعليه‌السلام

لقد توفّرت للإمام زين العابدين عليه‌السلام جميع المكوّنات التربوية الرفيعة التي لم يظفر بها أحد سواه، وقد عملت على تكوينه وبناء شخصيّته بصورة متميّزة، جعلته في الرعيل الأول من أئمّة المسلمين الذين منحهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثقته، وجعلهم قادة لأمته وأمناء على أداء رسالته.

نشأ الإمام في أرفع بيت وأسماه ألا وهو بيت النبوّة والإمامة الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه (١) ، ومنذ الأيام الأولى من حياته كان جده الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يتعاهده بالرعاية ويشعّ عليه من أنوار روحه التي طبّق شذاها العالم بأسره، فكان الحفيد ـ بحقٍّ ـ صورة صادقة عن جدّه، يحاكيه ويضاهيه في شخصيّته ومكوّناته النفسية.

كما عاش الإمامعليه‌السلام في كنف عمّه الزكي الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسبطه الأول، إذ كان يغدق عليه من عطفه وحنانه، ويغرس في نفسه مُثُلَه العظيمة وخصاله السامية، وكان الإمامعليه‌السلام طوال هذه السنين تحت ظلّ والده العظيم أبي الأحرار وسيّد

ــــــــــــــ

(١) إشارة لقوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) . النور (٢٤) : ٣٦ ـ ٣٧.

٣٤

الشهداء الإمام الحسين بن علىّعليهما‌السلام الذي رأى في ولده علي زين العابدينعليه‌السلام امتداداً ذاتيّاً ومشرقاً لروحانيّة النبوّة ومُثُل الإمامة، فأولاه المزيد من رعايته وعنايته، وقدّمه على بقية أبنائه، وصاحَبَه في أكثر أوقاته.

لقد ولد الإمام زين العابدينعليه‌السلام في المدينة في اليوم الخامس من شعبان سنة (٣٦ هـ)(١) يوم فتح البصرة، حيث إنّ الإمام عليعليه‌السلام لم ينتقل بعد بعاصمته من المدينة إلى الكوفة. وتوفّي بالمدينة سنة (٩٤ أو ٩٥ هـ).

وهناك من المؤرخين ذكر أنّه ولد في سنة (٣٨ هـ) وفي مدينة الكوفة حيث كان جدّه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قد اتّخذها عاصمة لدولته بعد حرب الجمل، فمن الطبيعي أن يكون الحسين السبطعليه‌السلام مع أهله عن أبيهعليه‌السلام في هذه الفترة بشكل خاص(٢)

أمه :

اسمها (شهربانو) أو (شهر بانويه) أو (شاه زنان) بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس(٣) ، وذكر البعض أنّ اُمه قد أجابت نداء ربّها أيّام نفاسها فلم تلد سواه(٤) .

ــــــــــــــ

(١) الإرشاد : ٢/١٣٧، ومناقب آل أبي طالب : ٤/١٨٩، والإقبال : ٦٢١ ، ومصباح الكفعمي: ٥١١ ، والأنوار البهية: ١٠٧ قال: سنة ٣٦ يوم فتح البصرة.

(٢) تاريخ أهل البيت، لابن أبي الثلج البغدادي م ٣٢٥ : ٧٧.

(٣) رغم أنّ أغلب المؤرخين متفقون على أنّ أم الإمام السجاد عليه‌السلام هي ابنة الملك يزدجرد إلاّ أن هناك من يعتبر ذلك مجرد أسطورة، راجع زندگانى علي بن الحسين عليه‌السلام للسيد جعفر الشهيدي. والإسلام وإيران للشهيد مطهري: ١٠٠ ـ ١٠٩ وحول السيدة شهر بانو للشيخ اليوسفي الغروي في مجلة رسالة الحسين عليه‌السلام : ٢٤/١٤ ـ ٣٩ ، والثابت أن أم الإمام السجاد عليه‌السلام سبيّة من سبايا الفرس، ولا يثبت أكثر من هذا.

(٤) سيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام : ٢ / ١٨٩، المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام الطبعة الأولى ١٤١٤ هـ .

٣٥

كُناه :

أبو الحسن، أبو محمّد، أبو الحسين، أبو عبد الله (١) .

ألقابه:

(زين العابدين) و (ذو الثفنات) و (سيّد العابدين) و (قدوة الزاهدين) و (سيّد المتّقين) و (إمام المؤمنين) و (الأمين) و (السجّاد) و (الزكي) و (زين الصالحين) و (منار القانتين) و (العدل) و (إمام الأمة) و (البكّاء)، وقد اشتهر بلقبي (السجاد) و (زين العابدين) أكثر من غيرهما.

إنّ هذه الألقاب قد منحها الناس للإمام عندما وجدوه التجسيد الحيّ لها، والمصداق الكامل لـ :

( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ) (٢) ، وبعض الذين منحوه هذه الألقاب لم يكونوا من شيعته، ولم يكونوا يعتبرونه إماماً من قبل الله تعالى، لكنّهم ما استطاعوا أن يتجاهلوا الحقائق التي رأوها فيه.

لقد ذكر المؤرّخون ما يبيّن لنا بعض العلل التاريخية لجملة من هذه الألقاب المباركة:

١ ـ روي عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال: كنت جالساً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحسين في حجره وهو يلاعبه فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(يا جابر، يولد له مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم (سيّد العابدين)

ــــــــــــــ

(١) حياة الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، دراسة وتحليل: ٣٩٠.

(٢) الفرقان (٢٥) : ٦٣.

٣٦

فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمّد، فإن أنت أدركته يا جابر فاقرأه منّي السلام) (١) .

٢ ـ كان الزهري إذا حدّث عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام قال: حدّثني (زين العابدين) عليّ بن الحسين، فقال له سفيان بن عيينة: ولِمَ تقول له زين العابدين؟ قال: لأنّي سمعت سعيد بن المسيب يحدّث عن ابن عباس أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:(إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين زين العابدين؟ فكأنّي أنظر إلى ولدي عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب يخطر (يخطو) بين الصفوف) (٢) ؟

٣ ـ وجاء عن الإمام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنّه قال:(كان لأبي في مواضع سجوده آثار ناتئة، وكان يقطعها في السنة مرتّين، في كلّ مرة خمس ثفنات، فسمّي ذا الثفنات لذلك) (٣) .

٤ ـ كما جاء عنه عن كثرة سجود أبيه:ما ذكر لله عَزَّ وجَلَّ نعمة عليه إلاّ وسجد، ولا دفع الله عنه سوءً إلاّ وسجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلاّ وسجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمّي بالسجّاد (٤) .

ــــــــــــــ

(١) إحقاق الحق : ١٢ / ١٣ ـ ١٦، والبداية والنهاية لابن كثير : ٩ / ١٠٦.

(٢) علل الشرائع : ١/٢٦٩، والأمالي : ٣٣١ وعنهما في بحار الأنوار : ٤٦ / ٢ الحديث ١ و ٢.

(٣) علل الشرائع : ١/٢٧٣ ومعاني الأخبار : ٦٥ وعنهما في بحار الأنوار : ٤٦ / ٦.

(٤) علل الشرائع : ١/٢٧٢ وعنه في بحار الأنوار: ٤٦/٦ ح ١٠.

٣٧

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام زين العابدينعليه‌السلام

تنقسم حياة الإمام زين العابدينعليه‌السلام ـ كما تنقسم حياة سائر الأئمةعليهم‌السلام ـ إلى مرحلتين متميّزتين:

١ ـ مرحلة ما قبل التصدّي للإمامة والزعامة.

٢ ـ مرحلة التصدّي وممارسة القيادة حتى الشهادة.

لقد عاش الإمام زين العابدينعليه‌السلام في المرحلة الأولى من حياته في ظلال جدّه الإمام أمير المؤمنين ، وعمّه الإمام الحسن المجتبى وأبيه الإمام الحسين سيد الشهداءعليهم‌السلام مدة تناهز العقدين ونصف العقد، حيث قضى في كنف جدّه الإمام عليعليه‌السلام ما يزيد قليلاً عن أربع سنوات، وما لا يقل عن سنتين لو كانت ولادته سنة (٣٨ هـ) .

بينما قضى عقداً آخر من حياته في كنف عمّه وأبيهعليهما‌السلام حيث استشهد عمّه الإمام الحسن السبطعليه‌السلام سنة ٥٠ هجرية.

كما قضى عقداً ثانياً في ظلّ قيادة أبيه الحسين السبطعليه‌السلام وهي الفترة الواقعة بين مطلع سنة (٥٠ هـ) وبداية سنة (٦٠ هـ) .

لقد عاش الإمام زين العابدينعليه‌السلام فترة المخاض الصعب خلال المرحلة الأولى من حياته وقضاها مع كل من جدّه وعمّه وأبيه عليهم‌السلام ، واستعدّ مراحل حياة الإمام زين العابدين عليه‌السلام ) بعدها لتحمّل أعباء الإمامة والقيادة بعد استشهاد أبيه والصفوة من أهل بيته وأصحابه في ملحمة عاشوراء الخالدة التي مهّد لها معاوية بن أبي سفيان وتحمّل وزرها ابنه يزيد المعلن بفسقه والمستأثر بحكم الله في أرض الإسلام المباركة.

٣٨

وأمّا المرحلة الثانية من حياته الكريمة قد ناهزت ثلاثة عقود ونصف عقد من عمره الشريف، وعاصر خلالها كُلاًّ من حكم يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان، ثم اغتالته الأيدي الأموية الأثيمة بأمر من الحاكم وليد بن عبد الملك بن مروان واستشهد في (٢٥) من المحرّم أو ما يقرب منه سنة (٩٤) أو (٩٥) هجرية عن عمر يناهز (٥٧) سنة أو دونها قليلاً(١) فكانت مدّة إمامته وزعامته حوالي (٣٤) سنة.

وفي هذه الدراسة نقسّم المرحلة الثانية من حياة هذا الإمام الحافلة بأنواع الجهاد إلى قسمين متميزين من الكفاح والجهاد :

الأوّل: جهاده بعد ملحمة عاشوراء وقبل استقراره في المدينة .

الثاني: جهاده بعد استقراره في المدينة.

وعلى هذا التقسيم سوف ندرس حياته ضمن مراحل ثلاث:

المرحلة الأولى: حياته قبل استشهاد أبيهعليه‌السلام .

المرحلة الثانية: حياته بعد استشهاد أبيه وقبل استقراره في المدينة.

المرحلة الثالثة: حياته بعد استقراره في المدينة.

ــــــــــــــ

(١) المناقب لابن شهر آشوب: ٣/٣١٠، بحار الأنوار : ٤٦/٨ ـ ١٥ .

٣٩

الفصل الثالث: الإمام زين العابدينعليه‌السلام من الولادة إلى الإمامة

وتتضمّن استعراض عصر الإمامعليه‌السلام وحياته قبل كربلاء، أي من الولادة حتى استشهاد أبيهعليه‌السلام من سنة (٣٨ أو ٣٦ هـ) إلى سنة (٦١ هـ) .

لقد عاصر الإمام زين العابدينعليه‌السلام في مرحلتي الطفولة والفتوّة حكم معاوية بن أبي سفيان الذي تميّز بالاضطراب أولاً، ثمّ تلاه القمع في العراق، والتأزّم في الحجاز، وإقصاء السُنّة وظهور البدعة.

ولقد استشهد الإمام أمير المؤمنين علىّعليه‌السلام في الكوفة في شهر رمضان من سنة أربعين للهجرة، فيما كان يعبّئ الناس لحرب جديدة مع معاوية، وإثر استشهادهعليه‌السلام بايع أهل العراق ولده الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام خليفة عليهم، إلاّ أنّ قلوب أغلب المبايعين لم تكن تصدّق ألسنتهم، فلا ينتظر من المتظاهرين بالتشيّع في الكوفة وفي جيش الإمام علىٍّعليه‌السلام ـ الذين آذوه إلى الدرجة التي تمنّى فيها غير مرّة الموت ـ أن يكون سلوكهم مع ولده الحسنعليه‌السلام أفضل ممّا كان معه.

وكانت الكوفة في السنوات الأخيرة من عمر الإمام علىّعليه‌السلام تضمّ مختلف الاتجاهات والجماعات، فكان هنالك اللاهثون وراء السلطة، الطامعون في أن يوليهم الخليفة الجديد منصباً ما والمسلمون الجدد الذين دفعتهم الآمال الكبيرة إلى الإعراض عن مدنهم والتوجّه إلى عاصمة الخلافة على أمل الحصول على عمل يحقّق رغباتهم، والانتهازيون من الموالي الذين تحالفوا مع هذه القبيلة العربية أو تلك لتغطّي على تآمرهم; إذ لا يجرؤون على التحرّك دون غطاء عروبي.

لقد تقوّم المجتمع الكوفي وقتذاك بهذه الجماعات التي وجّهت قدرتها لإيجاد العراقيل والعقبات أمام حركة الإمام الحسن السبطعليه‌السلام عندما اشترط قيس بن سعد بن عبادة بيعته للإمام الحسنعليه‌السلام بمحاربة أهل الشام، لكنّ الإمام اضطرّ إلى الصلح مع معاوية بعد أن كشفت أكثر قوات الإمام ما كانت تضمر من أهداف تآمرية على شخص الإمام، والمخلصين من أصحابه بإنضواء بعضهم تحت لواء معاوية، وبثّهم الإشاعات التي أسفرت عن التخاذل المقيت، حتى كتب من كتب منهم إلى معاوية بتسليمهم إمامهم وقائدهم إلى معاوية.

لقد امتازت الفترة الواقعة بين سنة (٤١ هـ) وسنة (٦٠ هـ) بتشديد القهر والقمع على أتباع أهل البيتعليهم‌السلام في العراق، ويتبيّن من خلال تعامل معاوية مع زعماء هذه المنطقة ـ الذين كانوا يلتقونه بين الحين والآخر ـ الدرجة التي بلغها سخطه على أهل العراق. وقد انكفأ السياسيون العراقيون ـ الذين خدعوا في حرب صفّين وسلّطوا أهل الشام على مقدراتهم ـ في بيوتهم إبّان حكم معاوية، لكنّهم كانوا ينتظرون أن تسنح لهم فرصة جديدة للتحرك.

٤٠