اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)25%

اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 226

اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 226 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 181702 / تحميل: 9317
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

اعلام الهداية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؟ فقتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة، والعهود المؤكّدة(١) جرأةً على الله واستخفافاً بعهده.

أوَ لستَ بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة؟ فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العُصمُ نزلت من سقف الجبال.

أوَ لستَ المدّعي زياداً في الإسلام، فزعمت انّه ابن ابي سفيان، وقد قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّ الولد للفراش وللعاهر الحَجَر، ثمَّ سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم و يقطّع أيديهم وارجلهم من خلاف، ويصلبهم على جُذوع النخل؟.

سبحان الله يا معاوية! لكأنّك لستَ من هذه الاُمّة، وليسوا منك، أوَ لستَ قاتل الحضرمي(٢) الذي كتب إليك فيه زياد انّه على دين عليّ كرم الله وجهه، ودين عليّ هو دين ابن عمّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين: رحلة الشتاء والصيف، فوضعها الله عنكم بنا منّة عليكم، وقلتَ فيما قلتَ: لا تردنَّ هذه الاُمّة في فتنة. وإنّي لا أعلم لها فتنةً أعظم من أإمارتك عليها، وقلتَ فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولاُمّة محمّد.

وإنّي والله ما أعرف فضل من جهادك، فإن أفعل فإنّه قربةٌ إلى ربِّي، وإن لم أفعله فاستغفر الله لديني، وأسأله التوفيق لما يحبُّ ويرضى، وقلت فيما قلت: متى تكدني أكدك(٣) فكدني يا معاوية ما بدا لك، فلعمري لقديماً يُكاد الصالحون، وإنِّي لأرجو أن لا تضرّ إلّا نفسك ولا تمحق إلّا عملك، فكدني ما بدا لك، واتّق الله يا معاوية! واعلم أنَّ لِلّه كتاباً لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها، واعلم أنَّ الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظنّة، وأخذك بالتُهمة، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب، ما أراك إلّا قد أوبقت نفسك، وأهلكت دينك، وأضعت الرعيّة. والسَّلام.

الإمامة والسياسة ١: ١٣١ وفي ط ١٤٨، جمهرة الرسائل ٢: ٦٧.

٥٣ - خطب الإمام السبط الحسين الشهيد سلام الله عليه لمـَّا قدم معاوية المدينة

____________________

١ - سيأتي بيان العهود المعزوة اليها فى هذا الجزء انشاء الله.

٢ - سيوافيك تفصيل قتل الحضرمى فى هذا الجزء.

٣ - هذه الجملة لا توجد فى كلام معاوية.

١٦١

حاجّاً وأخذ البيعة ليزيد وخطب ومدح يزيد الطاغية ووصفه بالعلم بالسنّة وقراءة القرآن والحلم الذي يرجح بالصمِّ الصِّلاب. فقام الحسين فحمد الله وصلى على الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال:

أمّا بعد: يا معاوية! فلن يؤدِّي القائل - وإن أطنب - في صفة الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع جزءاً، قد فهمت ما ألبست به الخلف بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ايجاز الصَّفة، والتنكّب عن استبلاغ البيعة، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجى، وبهرت الشمس أنوار السرج، ولقد فضَّلت حتى أفرطت، واستأثرت حتى أجحفت، ومنعتَ حتّى بخلت، وجرتَ حتى جاوزت، ما بذلت لذي حقّ من أتمَّ حقّه بنصيب حتى أخذ الشيطان حظّه الأوفر، ونصيبه الأكمل، وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لاُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً أو تنعَتُ غائباً، أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المتهارشة عند التحارش، والحمام السبّق لأترابهنَّ، والقينات ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصراً ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق أكثر ممّا أنت لاقيه، فوالله ما برحتَ تقدّم باطلاً في جور، وحَنَقاً في ظلم، حتى ملأت الأسقية، وما بينك و بين الموت إلّا غمضة، فتقدَّم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص، ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر، ومنعتنا عن آبائنا تُراثاً، ولقد - لعمر الله - أورثنا الرَّسول عليه الصَّلاة والسّلام ولادة، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام، فأذعن للحجّة بذلك، وردّه الإيمان إلى النصف، فركبتم الأعاليل، وفعلتم الأفاعيل، وقلتم: كان ويكون، حتى أتاك الأمر يا معاوية! من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يا اولي الأبصار. الخطبة.

الامامة والسياسة ١: ١٥٣، جمهرة الخطب ٢: ٢٤٢.

٥٤ - من كلام لابن عباس ألقاه في البصرة: أيُّها النّاس! استعدّوا للمسير إلى أمامكم، وانفروا في سبيل الله خفافاً وثقالاً، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فإنّكم تقاتلون المحلّين القاسطين الذين لا يقرءون القرآن ولا يعرفون حكم الكتاب، ولا يدينون

١٦٢

دين الحقّ، مع أمير المؤمنين. فقام إليه عمرو بن مرجوم العبدي فقال: وفَّق الله أمير المؤمنين وجمع له أمر المسلمين، ولعن المحلّين القاسطين الذين لا يقرءون القرآن، نحن والله عليهم حنقون، ولهم في الله مفارقون.

كتاب صفين ص ١٣٠، ١٣١.

٥٥ - من كلام لعمّار بن ياسر يوم صفين: يا أهل الاسلام؟ أتريدون أن تنظروا إلى مَن عادى الله ورسوله وجاهدهما، وبغى على المسلمين، وظاهر المشركين، فلمّا أراد الله أن يُظهر دينه وينصر رسوله أتى النبيَّ صلّى الله عليه فأسلم، وهو والله فيما يرى راهبٌ غير راغب، وقبض الله رسول صلّى الله عليه وإنّا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودّة المجرم؟ ألا و انّه معاوية، فالعنوه لعنه الله، وقاتلوه فانّه ممَّن يطفىء نور الله، ويظاهر أعداء الله.

راجع تاريخ الطبري ٦: ٧، كتاب صفين ص ٢٤٠، الكامل لابن الأثير ٣: ١٣٦.

٥٦ - من مقال لعبد الله بن بديل يوم صفين: انَّ معاوية ادّعى ما ليس له ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله، وجادل بالباطل ليدحض به الحقَّ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب، وزيّن لهم الضلالة، وزرع في قلوبهم حبَّ الفتنة، ولبَّس عليهم الأمر، و زادهم رجساً إلى رجسهم، وأنتم والله على نور من ربِّكم وبرهان مبين، قاتلوا الطغام الجفاة ولا تخشوهم، وكيف تخشونهم وفي أيديكم كتابٌ من ربِّكم ظاهرٌ مبرورٌ؟ أتخشونهم فالله أحقُّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين، قاتلوهم يُعذِّبهم الله بأيديكم ويُخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين. قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الأمر أهله وقد قاتلتهم مع النبيّ صلّى الله عليه، والله ما هم في هذه بأزكى ولا أنقى ولا أبرّ، قوموا إلى عدوّ الله وعدوّكم رحمكم الله.

تاريخ الطبري ٦: ٩، كتاب صفين ص ٢٦٣، الاستيعاب في ترجمة عبد الله ١: ٣٤٠، شرح ابن ابي الحديد ١: ٤٨٣، جمهرة الخطب ١: ١٧٦.

٥٧ - من خطبة لسعيد بن قيس: فوالله الذي بالعباد بصيرٌ أن لو كان قائدنا حبشيّاً مجدَّعاً إلّا أنَّ معنا من البدريِّين سبعين رجلاً، وإنَّما رئيسنا ابن عمِّ نبيّنا، بدريُّ صِدق(١) ، صلّى صغيراً، وجاهد مع نبيّكم كبيراً، ومعاوية طليقٌ من وثاق الإسار و

____________________

١ - أشار الى ان كونه بدرياً ليس ككون عثمان بدرياً بالتمحّل والتصنّع كما مرّ حديثه فى هذا الجزء.

١٦٣

ابن طليق، ألا انّه أغوى جفاةً فأوردهم النار، وأورثهم العار، والله محلٌّ بهم الذلً و - الصغار، ألا إنّكم ستلقون عدوّكم غداً، فعليكم بتقوى الله والجدّ والحزم والصِّدق والصبر فإنَّ الله مع الصابرين، ألا إنَّكم تفوزون بقتلهم ويشقون بقتلكم، والله لا يقتل رجلٌ منكم رجلاً منهم إلّا أدخل الله القاتل جنّات عدن، وأدخل المقتول ناراً تلظّى لا يفتَّر عنهم وهم فيه مبلسون.

كتاب صفِّين ص ٢٦٦، شرح ابن ابي الحديد ١: ٤٨٣، جمهرة الخطب ١: ١٧٩.

٥٨ - من خطبة لمالك بن الحارث الأشتر يوم صفّين: واعلموا أنَّكم على الحقِّ وانَّ القوم على الباطل، يقاتلون مع معاوية، وأنتم مع البدريِّين قريبٌ من مائة بدريّ، ومن سوى ذلك من أصحاب محمّد صلّى الله عليه، أكثر ما معكم راياتٌ قد كانت مع رسول الله صلّى الله عليه ومع معاوية راياتٌ قد كانت مع المشركين على رسول الله صلّى الله عليه، فما يشكُّ في قتال هؤلاء إلّا ميِّت القلب، فإنَّما أنتم على إحدى الحسنيين: إمّا الفتح، وإمّا الشهادة.

كتاب صفّين ص ٢٦٨، شرح ابن ابي الحديد ١: ٤٨٤، جمهرة الخطب ١: ١٨٣

٥٩ - من مقال لهاشم بن عتبة المرقال: سر بنا يا أمير المؤمنين؟ إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وعملوا في عباد الله بغير رضا الله، فأحلّوا حرامه، وحرَّموا حلاله، واستهوى بهم الشيطان، ووعدهم الأباطيل، ومنّاهم الأمانيّ حتى أزاعهم عن الهدى، وقصد بهم قصد الرَّدى، وحبَّب إليهم الدنيا، ومنه: وهم يا أمير - المؤمنين؟ يعلمون منك مثل الذي نعلم، ولكن كُتب عليهم الشقاء، ومالت بهم الأهواء، وكانوا ظالمين. جمهرة الخطب ١: ١٥١.

٦٠ - من خطبة لابن عبّاس بصفين: إنَّ ابن آكلة الأكباد قد وجد من طغام أهل الشام أعواناً على عليِّ بن أبي طالب ابن عمِّ رسول الله وصهره، وأوَّل ذَكر صلّى معه، بدريٌّ قد شهد مع رسول الله صلّى الله عليه كلّ مشاهده التي فيها الفضل، ومعاوية وأبو سفيان مشركان يعبدان الأصنام، واعلموا: والله الَّذي ملك الملك وحده فبان به وكان أهله، لقد قاتل عليُّ بن أبي طالب مع رسول الله صلّى الله عليه، وعليٌّ يقول: صدق الله ورسوله، ومعاوية وأبو سفيان يقولان: كذب الله ورسوله. فما معاوية في هذه بأبرّ ولا أتقى ولا أرشد ولا أصوب منه في تلكم، فعليكم بتقوى الله والجدّ والحزم والصبر، وإنَّكم لعلى الحقِّ وإنَّ القوم

١٦٤

لعلى الباطل.

كتاب صفّين ص ٣٦٠، شرح ابن ابي الحديد ١: ٥٠٤.

وسيوافيك حديث لعن ابن عبّاس معاوية يوم عرفة في المجتمع العامِّ.

٦١ - من أبيات لعلقمة بن عمرو يوم صفّين:

ما لابن صخر حرمةٌ تُرتجى

لها ثواب الله بل مندمهْ

لاقيت ما لاقى غداة الوغى

من أدرك الأبطال يا بن الأمهْ

ضيّعت حقَّ الله في نصرةٍ

للظالم المعروف بالمظلمهْ

إنّ أبا سفيان من قبله

( إلى آخر الأبيات )

٦٢ - من شعر مجزأة بن ثور السدوسي الصحابي العظيم ارتجز به يوم صفَّين:

أضربهم ولا أرى معاويه

الأبرج العين(١) العظيم الحاويه

هوت به في النار امٌّ هاويه

جاوره فيها كلابٌ عاويه

أغوى طغاماً لاهدته هاديه

يروى هذا الرجز لعليّعليه‌السلام في مروج الذهب ٢: ٢٥ وفيه: وقيل: انَّ هذا الشعر لبديل بن ورقاء، وكذلك عزاه إليه سلام الله عليه في لسان العرب ١٨: ٢٢٩، وذكر - الطبري البيت الأوّل في تاريخه ٦: ٢٣ ونسبه إلى أمير المؤمنين، وذكر ابن مزاحم ثلاثة أشطر في كتاب صفّين ص ٤٦٠ وعزاها إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وذكر الأشطر برمَّتها في ص ٤٥٤ ونسبها إلى مالك الأشتر، ورواها لمجزأة بن ثور في ص ٣٤٤ وذكرها ابن أبي الحديد في شرحه ١: ٥٠٠ لمحرز بن ثور نقلاً عن نصر بن مزاحم، وتعزى إلى الأخنس كما في الإشتقاق ص ١٤٨.

٦٣ - قال أبو عمر في الاستيعاب ١: ٢٥١: لمـّا قُتل عثمان وبايع الناس عليّاً دخل عليه المغيرة بن شعبة فقال له: يا أمير المؤمنين؟ إنَّ لك عندي نصيحةٌ، قال: وما هي؟ قال: إن أردت أن يستقيم لك الأمر فاستعمل طلحة بن عبيد الله على الكوفة، والزبير بن العوام على البصرة، وابعث معاوية بعهده على الشام حتى يلزمه طاعتك فاذا استقرَّت لك الخلافة فادرها كيف شئت برأيك. قال عليٌّ: أمّا طلحة والزبير فأرى رأيي فيهما، وأمّا معاوية فلا والله لا أراني مستعملاً له ولا مستعيناً به ما دام على حاله، ولكنّي أدعوه إلى الدخول

١٦٥

فيما دخل فيه المسلمون، فإن أبى حاكمته إلى الله، وانصرف عنه المغيرة مغضباً له لما لم يقبل عنه نصيحته، فلمّا كان الغداة أتاه فقال: يا أمير المؤمنين! نظرت فيما قلتُ لك بالأمس وما جاوبتني به فرأيت انّك وفّقت للخير وطلب الحقّ، ثمّ خرج عنه فلقيه الحسن رضي الله عنه وهو خارجٌ فقال لأبيه: ما قال لك هذا الأعور؟ قال: أتاني أمس هكذا وأتاني اليوم هكذا، قال: نصح لك والله أمس، وخدعك اليوم، فقال له عليٌّ: إن أقررتُ معاوية على ما في يده كنت متّخذ المضلّين عضدا.

راجع ما أسلفناه في الجزء السادس ص ١٤٢ ط ٢.

٦٤ - قال أبو عمر في الاستيعاب(١) عند ترجمة حبيب بن مسلمة ١: ١٢٣: وروينا انّ الحسن ابن علي قال لحبيب بن مسلمة في بعض خرجاته بعد صفّين: يا حبيب! ربّ مسير لك في غير طاعة الله. فقال له حبيب: أمّا إلى أبيك فلا. فقال له الحسن: بل والله لقد طاوعت معاوية على دنياه وسارعت في هواه، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك، فليتك إذ أسأت الفعل أحسنت القول فتكون كما قال الله تعالى: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيِّئاً، ولكنّك كما قال الله تعالى: كلّا بل ران على‏ قلوبهم ما كانوا يكسبون.

٦٥ - عن أبي سهيل التميمي قال: حجّ معاوية فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالحجون يقال لها: دارميّة الحجونيّة. وكانت سوداء كثيرة اللحم فاُخبر بسلامتها فبعث إليها فجيء بها فقال: ما جاء بك يا ابنة حام؟ فقالت: لست لحام إن عبتني، أنا امرأةٌ من بني كنانة، قال: صدقت أتدري لما بعثت إليك؟ قالت: لا يعلم الغيب إلّا الله، قال: بعث إليك لأسألك علام أحببت عليّاً وأبغضتني؟ وواليته وعاديتني؟ قالت: أوَ تعفيني؟ قال: لا أعفيك. قالت: أما إذا أبيت فانِّي أحببت عليّاً على عدله في الرعيّة، و قسمه بالسويَّة، وأبغضتك على قتال مَن هو أولى منك بالأمر، وطلبتك ما ليس لك بحقّ، وواليت عليّاً على ما عقد له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الولاء، وحبّه المساكين، وإعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سفك الدماء، وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى. قال: فلذلك انتفخ بطنك وعظم ثدياك، وربت عجزتك؟ قالت: يا هذا بهند والله كان يضرب

____________________

١ - البرج: سعة العين.

١٦٦

المثل في ذلك لأ بي. قال معاوية: يا هذه اربعي فإنّا لم نقل إلّا خيرا، انّه اذا انتفخ بطن المرأة تمَّ خلق ولدها، وإذا عظم ثدياها تروي رضيعها، وإذا عظمت عجزتها رزن مجلسها فرجعت وسكنت، قال لها: يا هذه هل رأيت عليّاً؟ قالت: اي والله، قال: فكيف رأيته؟ قالت: رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي شغلتك، قال: فهل سمعت كلامه؟ قالت: نعم والله، فكان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت صدأ الطست قال: صدقت، فهل لك من حاجة؟ قالت: أوَ تفعل إذا سألتك؟ قال: نعم. قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها، قال: تصنعين بها ماذا؟ قالت: أغذوا بألبانها الصغار، واستحيي بها الكبار، واكتسب بها المكارم، واصلح بها بين العشائر، قال: فإن أعطيتك ذلك فهل أحلّ عندك محلَّ عليَّ بن أبي طالب؟ قالت: سبحان الله أو دونه فأنشأ معاوية يقول:

إذا لم أعد بالحلم منّي عليكمُ

فمن ذا الذي بعدي يؤمّل للحلم؟

خذيها هنيئاً واذكري فعل ماجد

جزاك على حرب العداوة بالسِّلمِ

ثمَّ قال: أما والله لو كان عليُّ حيّاً ما أعطاك منها شيئاً، قالت: لا والله ولا وبرة واحدة من مال المسلمين. العقد الفريد ١: ١٦٢، بلاغات النساء لابن أبي طاهر ص ٧٢.

٦٦ - دخلت أروى بنت الحرث بن عبد المطلب على معاوية وهي عجوزٌ كبيرة فلمّا رآها معاوية قال: مرحباً بكِ وأهلاً يا خالة! فكيف كنت بعدنا؟ فقالت: يا ابن أخي لقد كفرت يد النعمة، وأسأت لابن عمِّك الصحبة، وتسمّيت بغير اسمك، وأخذت غير حقّك، من غير دين كان منك ولا من آبائك، ولا سابقة في الإسلام بعد أن كفرتم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنفس الله منكم الجدود، وأضرع منكم الخدود، وردّ الحقّ إلى أهله ولو كره المشركون، وكانت كلمتنا هي العليا، ونبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المنصور، فوليتم علينا من بعده، وتحتجّون بقرابتكم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن أقرب إليه منكم و أولى بهذا الأمر، فكنّا فيكم بمنزلة هارون من موسى، فغايتنا الجنّة وغايتكم النار. الحديث. العقد الفريد ١: ١٦٤، بلاغات النساء ص ٢٧.

٦٧ - من حديث طويل أسلفنا شطراً منه في ترجمة عمرو بن العاص ج ٢ ص ١٣٣ - ١٣٦ فتكلم الحسن بن عليعليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمَّ قال: أمّا بعد: يا معاوية! فما هؤلاء شتموني ولكنّك شتمتني فحشاً ألفته، وسوء رأي

١٦٧

عُرفت به، وخلقاً سيِّئاً ثبتَّ عليه، وبغياً علينا عداوةً منك لمحمّد وأهله، ولكن اسمع يا معاوية! واسمعوا فلأقولنَّ فيك وفيهم ما هو دون ما فيكم.

انشدكم الله أيّها الرّهط أتعلمون أنّ الذي شتمتموه منذ اليوم صلّى القبلتين كليهما وأنت بهما كافر، تراها ضلالة، وتعبد اللات والعزّى غواية؟ وأنشدكم الله هل تعلمون أنّه بايع البيعتين كليهما: بيعة الفتح وبيعة الرضوان؟ وأنت يا معاوية! باحداهما كافر، و بالاُخرى ناكث. وأنشدكم الله هل تعملون أنّه أوّل الناس ايماناً؟ وانّك يا معاوية! وأباك من المؤلّفة قلوبهم تسرُّون الكفر وتظهرون الإسلام، وتستمالون بالأموال. وأنشدكم الله ألستم تعلمون أنَّه كان صاحب راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر؟ وأنّ راية المشركين كانت مع معاوية ومع أبيه، ثمَّ لقيكم يوم اُحد ويوم الأحزاب ومعه راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعك ومع أبيك راية الشرك، وفي كلِّ ذلك يفتح الله له، ويفلج حجّته، وينصر دعوته، ويصدّق حديثه، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك المواطن كلّها عنه راض، وعليك وعلى أبيك ساخط، وأنشدك الله يا معاوية! أتذكر يوماً جاء أبوك على جمل أحمر وأنت تسوقه وأخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: أللهمّ العن الراكب و القائد والسائق، أتنسى يا معاوية! الشعر الذي كتبته إلى أبيك لمـّا همَّ أن يسلم تنهاه عن ذلك.

يا صخر لا تسلمنْ يوماً فتفضحنا

بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا

خالي وعمِّي وعمّ الاُمّ ثالثهم

وحنظل الخير قد أهدى لنا الارقا

لا تركننّ إلى أمر يكلّفنا

والرّاقصات به في مكّة الخرقا

فالموت أهون من قول العداة لقد

عاد ابن حرب عن العزّى إذا فرقا

والله لما أخفيت من أمرك أكبر ممّا أبديت. وأنشدكم الله أيُّها الرهط! أتعلمون أنَّ عليّاً حرّم الشهوات على نفسه بين أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنزل فيه: يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلَّ الله لكم. وإنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث أكابر أصحابه إلى بني قريظة فنزلوا من حصنهم فهزموا فبعث عليّاً بالراية فاستنزلهم على حكم الله وحكم رسوله، وفعل في خيبر مثلها ثمَّ قال: يا معاوية! أظنّك لا تعلم أنّي أعلم ما دعا به عليك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا أراد أن يكتب كتاباً إلى بني جذيمة فبعث إليك ونهمك إلى أن تموت، وأنتم أيّها الرَّهط نشدتكم الله ألا تعملون أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن

١٦٨

أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردّها، أوَّلها [فعدَّ المواطن التي ذكرناها ص ٨١، ٨٢ من هذا الجزء]

راجع تذكرة السبط ص ١١٥، شرح ابن أبي الحديد ٢: ١٠٢، جمهرة الخطب ١: ٤٢٨.

وفي لفظ سبط ابن الجوزي: وأنت يا معاوية! نظر النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليك يوم الأحزاب فرأى أباك على جمل يحرّض الناس على قتاله وأخوك يقود الجمل وأنت تسوقه فقال: لعن الله الراكب والقائد والسائق، وما قابله أبوك في موطن إلّا ولعنه وكنت معه، ولّاك عمر الشام فخنته، ثمَّ وّلاك عثمان فتربّصت عليه، وأنت الذي كنت تنهى أباك عن الإسلام حتّى قلت مخاطباً له:

يا صخر لا تسلمنْ طوعاً فتفضحنا

بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا

لا تركننَّ إلى أمر تقلّدنا

والراقصات بنعمان به الحرقا

وكنت يوم بدر واُحد والخندق والمشاهد كلّها تقاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد علمت الفراش الذي وُلدت عليه. الحديث.

قال السبط في التذكرة ص ١١٦، قال الأصمعي والكلبي في المثالب: معنى قول الحسن لمعاوية: قد علمت الفراش الذي وُلدت فيه. انَّ معاوية كان يقال انّه من أربعة من قريش: عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي. مسافر بن أبي عمرو. أبي سفيان. العبّاس بن عبد المطلب. وهؤلاء كانوا ندماء أبي سفيان وكان منهم من يتّهم بهند.

فأمّا عمارة بن الوليد كان من أجمل رجالات قريش.

وأمّا مسافر بن أبي عمرو فقال الكلبي: عامّة الناس على أنَّ معاوية منه لأنّه كان أشدّ الناس حبّاً لهند، فلمّا حملت هند بمعاوية خاف مسافر أن يظهر أنّه منه، فهرب إلى ملك الحيرة فأقام عنده، ثمَّ إنَّ أبا سفيان قدم الحيرة فلقيه مسافر وهو مريضٌ من عشقه لهند وقد سقى بطنه فسأله عن أهل مكة فأخبره، وقيل: إنَّ أبا سفيان تزوَّج هنداً بعد انفصال مسافر عن مكّة، فقال له أبو سفيان: إنّي تزوَّجت هنداً بعدك فازداد مرضه وجعل يذوب فوصف الكيّ فاحضروا المكّاوي والحجّام، فبينا الحجّام يكويه إذ حبق الحجّام فقال مسافر: قد يحبق العير والمكواة في النار. فسارت مثلاً، ثمَّ مات مسافر من عشقه لهند.

١٦٩

وقال الكلبي: كانت هند من المغيلمات وكانت تميل إلى السودان من الرّجال فكانت إذا ولدت ولداً أسود قتلته قال: وجرى بين يزيد بن معاوية وبين اسحاق بن طابة بين يدي معاوية وهو خليفة فقال يزيد لإسحاق: إنَّ خيراً لك أن يدخل بنو حرب كلّهم الجنّة. أشار يزيد إلى أنَّ اُم إسحاق كانت تتَّهم ببعض بني حرب، فقال له إسحاق إنَّ خيراً لك أن يدخل بنو العبّاس كلّهم الجنّة. فلم يفهم يزيد قوله وفهم معاوية، فلمّا قام إسحاق قال معاوية ليزيد: كيف تُشاتم الرّجال قبل أن تعلم ما يقال فيك؟ قال: قصدتُ شين إسحاق. قال: وهو كذلك أيضاً. قال: وكيف؟ قال: أما علمت أنَّ بعض قريش في الجاهليّة يزعمون انّي للعبّاس. فسقط في يدي يزيد. وقال الشعبي: وقد أشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هند يوم فتح مكّة بشيىء من هذا فإنّها لمـّا جاءت تبايعه وكان قد أهدر دمها فقالت: على ما اُبايعك؟ فقال: على أن لا تزنين. فقالت: وهل تزني الحرَّة؟ فعرفها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنظر إلى عمر فتبسّم.

وقال الزمخشري في ربيع الأبرار(١) ج ٣ باب القرابات والأنساب وذكر حقوق الآباء والاُمّهات وصلة الرحم والعقوق:

وكان معاوية يعزى إلى أربعة إلى أبي عمرو بن مسافر. وإلى عمارة بن الوليد. وإلى العبّاس بن عبد المطلب. وإلى الصباح مغنّى اسود كان لعمارة. قالوا: وكان أبو سفيان ذميماً، قصيراً، وكان الصباح عسيفاً لأبي سفيان شابّاً وسيماً فدعته هند إلى نفسها - وقالوا: إنَّ عتبة بن أبي عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضاً - وإنّما كرهت أن تضعه في منزلها فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك، وفي ذلك قال حسّان:

لمن الصبيُّ بجانب البطحاء

في الترب ملقى غير ذي مهد

نجلت به بيضاء آنسة

من عبد شمسٍ صلبة الخدِّ؟

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ١: ١١١: كانت هند تذكر في مكّة بفجور وعهر وقال الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار: كان معاوية. وذكر إلى آخر الكلمة المذكورة فقال: والذين نزَّهوا هنداً عن هذا القذف، فذكر حديث الفاكهة الذي ذكره أبو عبيد معمِّر بن المثنّى.

____________________

١ - وقفت منه على عدة نسخ منها نسخة فى مكتبة الاوقاف العامة ببغداد رقم ٣٨٨.

١٧٠

وفي كتاب لزياد بن أبيه مجيباً معاوية عن تعييره إيّاه بامّه سُميَّة: وأمّا تعييرك لي بسميَّة فإن كنتُ ابن سُميَّة فأنت ابن جماعة. شرح ابن أبي الحديد ٤: ٦٨.

٦٨ - أخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخه من طريق عبد الملك بن عمير قال: قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية فقال: من أنت؟ قال: جارية بن قدامة. قال: وما عسيت أن تكون هل أنت إلَّا نحلة؟ قال: لا تقل فقد شبّهتني بها حامية اللسعة حلوة البصاق، والله ما معاوية إلّا كلبة تعاوي الكلاب، وما اُميّة إلّا تصغير أمة.

وأخرج عن الفضل بن سويد قال: وفد جارية بن قدامة على معاوية، فقال له معاوية: أنت الساعي مع عليِّ بن أبي طالب، والموقد النار في شعلك تجوس قرى عربيَّة تسفك دماءهم. قال جارية: يا معاوية! دع عنك عليّاً فما أبغضنا عليّاً منذ أحببناه، ولا غششناه منذ صحبناه.

قال ويحك يا جارية! ما كان أهونك على أهلك إذ سمّوك جارية؟ قال: أنت يا معاوية! كنت أهون على أهلك إذ سمّوك معاوية. إلخ وذكره بطوله وما قبله السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ١٣٣.

وفي لفظ ابن عبد ربّه: قال معاوية لجارية: ما كان أهونك على أهلك إذ سمّوك جارية؟ قال: ما كان أهونك على أهلك إذ سمّوك معاوية وهي الاُنثى من الكلاب؟ قال: لا اُمّ لك. قال: اُمِّي ولدتني للسيوف التي لقيناك بها في أيدينا، قال: انّك لتهدّدني؟ - قال: أما والله إنَّ القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها لفي أيدينا إنّك لم تفتتحنا قسراً، ولم تملكنا عنوة، ولكنك أعطيتنا عهداً وميثاقاً، وأعطيناك سمعاً وطاعة، فإن وفيت لنا وفينا لك، وإن فزعت إلى غير ذلك فانّا تركنا وراءنا رجالاً شداداً وألسنة حداداً. قال له معاوية: لا كثّر الله في الناس أمثالك. قال جارية: قل معروفاً وراعنا فإنَّ شرّ الدعاء المحتطب.

العقد الفريد ٢: ١٤٣ في مجاوبة الاُمراء والردّ عليهم، وذكره الأبشيهي قريباً من هذا اللفظ في المستطرف ١: ٧٣ وما ذكرناه بين الخطّين من لفظه.

٦٩ - دخل شريك بن الأعور على معاوية وكان دميماً فقال له معاوية: إنّك لدميم والجميل خيرٌ من الدميم، وانّك لشريك وما لِلَّه من شريك، وإنَّ أباك لأعور والصحيح خيرٌ من الأعور، فكيف سدت قومك؟ فقال له: إنّك معاوية وما معاوية إلّا كلبةٌ عوت فاستعوت الكلاب، وانّك لابن صخر والسهل خيرٌ من الصخر، وإنّك

١٧١

لابن حرب والسّلم خيرٌ من الحرب، وانّك لابن اُميّة وما اُميّة إلّا أمة صغرت، فكيف صرت أمير المؤمنين؟ ثمَّ خرج وهو يقول:

أيشتمني معاوية بن حرب

وسيفي صارمٌ ومعي لساني

وحولي من ذوي يزن ليوثٌ

ضراغمة تهشُّ إلى الطعانِ

يعيِّر بالدمامة من سفاه

وربّات الجمال من الغواني

المستطرف ١: ٧٢

قال الأميني: إنّ معاوية لمـّا كان تتوجّه إليه تلكم القوارص من ناحية اسمه، ولعلّه كان لا ينسى معناه عند توجيه الخطاب إليه بذلك، ولم يك له بدٌّ منه إذ سمّته به هند وما كان يسعه أن يخطّأها، فبذل ألف ألف درهم لعبد الله بن جعفر الطيّار أن يسمّي أحد أولاده ( معاوية )(١) زعماً منه بتخفيف الوطئة إن كان له سميٌّ في البيت الهاشمي. لكن خفي على المغفَّل انَّ فناء آل هاشم لا يقصر عن فناء أصحاب الكهف فإنَّ كلبهم ما دنّس ساحتهم، فانّي تدنِّس الأسماء تلك الأفنية المقدَّسة التي منها بيوتٌ أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه.

٧٠ - ومن خطبة لمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام : والله ما معاوية بأدهى منّي، ولكّنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كلّ غدرةِ فجرة، ولكلّ فجرة كفرة، ولكلّ غادر لواء يُعرف به يوم القيامة.

ولابن أبي الحديد في شرحه ٢: ٥٧٢ - ٥٨٩ كلمةٌ ضافيةٌ في شرح هذه الخطبة فيها فوائد جمّة من جهات شتّى، ومنها كلمة الجاحظ أبي عثمان حول معاوية، وقول أبي جعفر النقيب: إنَّ معاوية من أهل النار لا لمخافته عليّاً ولا بمحاربته إيّاه، ولكن عقيدته لم تكن صحيحة ولا ايمانه حقّاً، وكان من رؤوس المنافقين هو وأبوه، ولم يسلم قلبه قطّ، وإنَّما أسلم لسانه، وكان يذكر من حديث معاوية ومن فلتات قوله وما حفظ عنه من كلام يقتضي فساد العقيدة شيئاً كثيراً... إلخ.

٧١ – لمـّا قتل العبّاس بن ربيعة يوم صفّين عرار بن أدهم من أصحاب معاوية تأسَّف معاوية على عرار وقال: متى ينطف فحلٌ بمثله؟ أيُطلّ دمه؟ لاها الله ذا. ألا

____________________

١ - تاج العروس ١٠: ٢٦٠.

١٧٢

لِلَّه رجل يشري نفسه يطلب بدم عرار؟ فانتدب له رجلان من لخم. فقال: إذهبا فأيّكما قتل العبّاس برازاً فله كذا. فأتياه ودعواه إلى البراز فقال: إنّ لي سيّداً اُريد أن اُؤامره فأتى عليّاً فأخبره الخبر فقال عليٌّ: والله لودَّ معاوية انّه ما بقي من هاشم نافخ ضرمة إلّا طعن في نيطه(١) إطفاءً لنور الله ويأبى الله إلاً أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون. الحديث عيون الأخبار لابن قتيبة ١: ١٨٠.

٧٢ – لمـّا سلّم الحسن الأمر إلى معاوية قال الخوارج: قد جاء الآن ما لا شكَّ فيه فسيروا إلى معاوية فجاهدوه. فأقبلوا وعليهم فروة بن نوفل حتّى حلّوا بالنخيلة عند الكوفة وكان الحسن بن علي قد سار يريد المدينة، فكتب إليه معاوية يدعوه إلى قتال فروة فلحقه رسوله بالقادسيّة أو قريباً منها فلم يرجع وكتب إلى معاوية: لو آثرت أن اُقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك فانّي تركتك لصلاح الاُمّة وحقن دمائها.

ألكامل لابن الأثير ٣: ١٧٧.

٧٣ - قال الأسود بن يزيد: قلت لعائشة: ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلافة؟ فقالت: وما تعجب من ذلك؟ هو سلطان الله يؤتيه البرّ والفاجر، وقد ملك فرعون أهل مصر أربعمائة سنة، وكذلك غيره من الكفّار.

تاريخ ابن كثير ٨ ص ١٣١ قال: أخرجه أبو داود الطيالسي وابن عساكر(٢) .

تشبيه امّ المؤمنين معاوية بفرعون وغيره من الكّفار في ملكه يُعرب عن جلّية حال ذلك الملك العضوض ومالك أزمَّته، وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة، بئس الرفد المرفود.

٧٤ - أخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخه ٦: ٤٢٥ من طريق الشعبي قال: خطب الناس معاوية فقال: لو انّ أبا سفيان ولد الناس كلّهم كانوا أكياساً. فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال له: قد ولد الناس كلّهم من هو خيرٌ من أبي سفيان: آدمعليه‌السلام فمنهم الأحمق والكيِّس، فقال معاوية: إنّ أرضنا قريبةٌ من المحشر. فقال له: إنّ المحشر لا يبعد على

____________________

١ - النيط: الوسط بين الأمرين.

٢ - ترى ابن كثير حكى هذا الحديث عن أبى داود الطياسى وابن عساكر، وقد حرفته يد الطبع عن مسند الأول وتاريخ الثانى لما فيه من طعن ام المؤمنين على معاوية.

١٧٣

مؤمن ولا يقرب من كافر. فقال معاوية: إنّ أرضنا ارض مقدّسة. فقال له صعصعة: إنّ الأرض لا يقدّسها شيء ولا ينجّسها، إنّما تقدّسها الأعمال. فقال معاوية: عباد الله اتّخذوا الله وليّاً واتّخذوا خلفاءه جنّة تحترزوا بها. فقال صعصعة: كيف وكيف؟ وقد عطَّلت السنّة، وأخفرت الذمّة، فصارت عشواء مطلخمّة، في دهياء مدلهمّة، قد استوعبتها الأحداث، وتمكّنت منها الأنكاث. فقال له معاوية: يا صعصعة! لإن تقعى على ظلعك خير لك من استبراء رأيك، وإبداء ضعفك، تعرض بالحسن بن علي عليَّ، ولقد هممت أن أبعث إليه. فقال له صعصعة: اي والله وجدتهم أكرمهم جدودا، وأحياكم حدوداً، و أوفاكم عهوداً، ولو بعثت إليه فلوجدته في الرأي أريبا، وفي الأمر صليبا، وفي الكرم نجيبا، يلذعك بحرارة لسانه، ويقرعك بما لا تستطيع إنكاره. فقال له معاوية: والله لأجفينك عن الوساد، ولأشردنَّ بك في البلاد، فقال له صعصعة: والله إنّ في الأرض لسعة، وإنّ في فراقك لدعة، فقال معاوية: والله لأحبسنك عطاءك. قال: إن كان ذلك بيدك فافعل، إنّ العطاء وفضائل النعماء في ملكوت من لا تنفد خزائنه، ولا يبيد عطاءه، ولا يحيف في قضيّته. فقال له معاوية: لقد استقتلت. فقال له صعصعة: مهلاً، لم أقل جهلاً، ولم أستحلّ قتلاً، لا تقتل النفس التي حرّم الله إلّا بالحقّ، ومن قتل مظلوماً كان الله لقاتله مقيما، يرهقه اليما، ويجرعه حميما، ويصليه جحيما.

٧٥ - لَمّا ولي معاوية بن يزيد بن معاوية صعد المنبر فقال: إنّ هذه الخلافة حبل الله وانَّ جدِّي معاوية نازعٌ الأمر أهله، ومن هو أحقّ به منه، عليّ بن ابي طالب، وركب بكم ما تعلمون حتّى أتته منيّته فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمَّ قلّد أبي الأمر، وكان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقصف عمره، وانبتر عقبه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه ثمَّ بكى.

الصواعق لابن حجر ص ١٣٤.

٧٦ - قال الحارث بن مسمار البهراني: حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي وعبد الله بن الكواء اليشكري ورجالاً من أصحاب علي مع رجال من قريش فدخل عليهم معاوية يوماً فقال: نشدتكم بالله إلّا ما قلتم حقّاً وصدقاً أيّ الخلفاء رأيتموني؟ فقال ابن الكواء: لولا انّك عزمت علينا ما قلنا لانّك جبّارٌ عنيدٌ لا تراقب الله في قتل الأخيار و لكنّا نقول: إنّك ما علمنا واسع الدنيا، ضيّق الآخرة، قريب الثرى، بعيد المرعى،

١٧٤

تجعل الظلمات نوراً، والنور ظلمات. فقال معاوية: إنّ الله أكرم هذا الأمر بأهل الشام الذابِّين عن بيضته، التاركين لمحارمه، ولم يكونوا كأمثال أهل العراق المنتهكين لمحارم الله والمحلّين ما حرّم الله والمحرِّمين ما أحلَّ الله. فقال عبد الله بن الكواء، يا ابن أبي سفيان انّ لكلّ كلام جواباً ونحن نخاف جبروتك، فإن كنت تطلق ألسنتنا ذبّينا عن أهل العراق بألسنة حداد لا يأخذها في الله لومة لائم، وإلّا فإنّا صابرون حتى يحكم الله ويضعنا على فرجه. قال: والله لا يطلق لك لسان.

ثم تكلّم صعصعة فقال: تكلّمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت ولم تقصّر عمّا أردت و ليس الأمر على ما ذكرت، أنّى يكون الخليفة مَن ملك الناس قهراً، ودانهم كبراً، و استولى بأسباب الباطل كذباً ومكراً؟ أما والله مالك في يوم البدر مضربٌ ولا مرمى، و ما كنت فيه إلّا كما قال القائل ( لا حلى ولا سيرى ) ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممّن أجلب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما أنت طليقٌ ابن طليق، أطلقكما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنّى تصلح الخلافة لطليق؟ فقال معاوية لولا انّي أرجع إلى قول أبي طالب حيث يقول:

قابلت جهلهمُ حلماً ومغفرةً

والعفو عن قدرة ضربٌ من الكرم

لقتلتكم. « مروج الذهب ٢: ٧٨ »

٧٧ - عن أبي مزروع الكلبي قال: دخل صعصعة بن صوحان على معاوية فقال له يا ابن صوحان أنت ذو معرفة بالعرب وبحالها - إلى أن قال -: فاخبرني عن أهل الحجاز.

قال: أسرع الناس إلى فتنة، وأضعفهم عنها، وأقلّهم عناء فيها، غير انّ لهم ثباتاً في الدين وتمسّكاً بعروة اليقين، يتَّبعون الأئمّة الأبرار، ويخلعون الفسقة الفجّار. فقال معاوية: مَن البررة والفسقة؟ فقال: يا ابن أبي سفيان! ترك الخداع مَن كشف القناع، عليٌّ وأصحابه من الائمَّة الأبرار، وأنت وأصحابك من اولئك.

إلى أن قال معاوية: أخبرني عن أهل الشام. قال: أطوع الناس لمخلوق، وأعصاهم للخالق، عصاة الجبّار، وحلفة الأشرار، فعليهم الدمار، ولهم سوء الدار. فقال معاوية: والله يا ابن صوحان! انّك لحاملٌ مديتك منذ أزمان إلّا انّ حلم ابن أبي سفيان يردُّ عنك فقال صعصعة: بل أمر الله وقدرته، انَّ امر الله كان قدراً مقدوراً(١) .

____________________

١ - مروج الذهب ٢: ٧٨، ٧٩.

١٧٥

٧٨ - عن ابراهيم بن عقيل البصري قال: قال معاوية يوماً وعنده صعصعة وكان قدم عليه بكتاب عليّ وعنده وجوه الناس: الارض لِلَّه، وأنا خليفة الله، فما آخذ من مال الله فهو لي وما تركت منه كان جائزاً لي فقال صعصعة:

تمنّيك نفسك ما لا يكو

ن جهلاً مُعاويَ لا تأثمِ

فقال معاوية: يا صعصعة! تعلّمت الكلام. قال، العلم بالتعلّم، ومن لا يعلم يجهل قال معاوية: ما أحوجك إلى أن اذيقك وبال أمرك. قال، ليس ذلك بيدك ذلك بيد الذي لا يؤخّر نفساً إذا جاء أجلها، قال، ومن يحول بيني وبينك؟ قال: الذي يحول بين المرء وقلبه. قال معاوية: اتّسع بطنك للكلام كما اتَّسع بطن البعير للشعير. قال: اتَّسع بطن من لا يشبع ودعا عليه من لا يجمع(١) .

٧٩ - سئل صعصعة بن صوحان عن معاوية قال: صانع الدنيا فاقتلدها، وضيّع الآخرة فنبذها، وكان صاحب من أطعمه وأخافه. تاريخ ابن عساكر ٦: ٤٢٤.

٨٠ - أخرج أبو الفرج الاصبهاني في الاغاني ٣: ١٨ قال: أخبرني احمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثني أحمد بن معاوية عن الهيثم بن عدي قال: حجّ معاوية حجّتين في خلافته وكانت له ثلاثون بغلة يحجُّ عليها نساؤه وجواريه قال: فحجّ في إحداهما فرأى شخصاً يصلّي في المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان فقال: مَن هذا؟ قالوا: شعبة بن غريض(٢) وكان من اليهود فأرسل إليه يدعوه فأتاه رسوله فقال: أجب أمير المؤمنين. قال: أوَ ليس قد مات أمير المؤمنين قبلُ؟ قال: فأجب معاوية فأتاه فلم يسلّم عليه بالخلافة فقال له معاوية: ما فعلت ارضك التي بتيماء؟(٣) قال: يكسى منها العاري ويردّ فضلها على الجار قال: أفتبيعها؟ قال: نعم. قال: بكم؟ قال: بستين ألف دينار ولولا خلّة أصابت الحيّ لم أبعها. قال: لقد أغليت. قال: أما لو كانت لبعض أصحابك لأخذتها بستمائة ألف دينار ثمَّ لم تبل. قال: أجل: وإذ بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك يرثي نفسه فقال: قال أبي:

____________________

١ - مروج الذهب ٢: ٧٩، جمهرة الخطب ١: ٢٥٧.

٢ - كذا فى الاغانى والصحيح كما ضبطه ابن حجر فى الاصابة: سعنه. بالمهلة والنون. و يقال بالمثناة التحتانية وعريض بالمهملة ايضاً.

٣ - تيما: محل بين الحجاز والشام.

١٧٦

يا ليت شعري حين أندب هالكاً

ماذا تؤبّنني به أنواحي؟

أيقلن لا تعبد فربّ كريهة

فرّجتها ببشارة وسماحِ

ولقد ضربت بفضل مالي حقّه

عند الشتاء وهبَّة الأرواحِ

ولقد أخذت الحقَّ غير مخاصم

ولقد رددت الحقَّ غير ملاحِ

وإذا دُعيت لصعبة سهَّلتها

اُدعى بأفلح مرّة ونجاحِ

فقال: أنا كنت بِهذا الشعر أولى من أبيك قال: كذبت ولؤمت. قال أمّا كذبت فنعم، وأمّا لؤمت فِلمَ؟ قال: لأنَّك كنت ميت الحقِّ في الجاهليَّة وميته في الإسلام، أمّا في الجاهليَّة فقاتلت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوحي جعل الله كيدك المردود، وأمّا في الإسلام فمنعت ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخلافة، وما أنت وهي وأنت طليق ابن طليق؟ فقال معاوية: قد خرف الشيخ فأقيموه فاُخذ بيده فاُقيم.

وذكره ملخّصا ابن حجر في الإصابة ٢: ٤٣ من طريق آخر عن عبد الله بن الزبير وزاد: فقال: ما خرفت ولكن انشدك الله يا معاوية! أما تذكر لمـّا كنّا جلوساً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء عليٌّ فاستقبله النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: قاتل الله من يقاتلك، وعادى من يعاديك.

فقطع عليه معاوية حديثه وأخذ معه في حديث آخر.

١٧٧

معاوية فى ميزان القضاء

لعمر الحق إنّ واحدة من هذه الشَّهادات كافيةٌ في تحطيم قدر الرجل والاسفاف بمستواه إلى الحضيض الأسفل، فكيف بجميعها؟ فانّها صدرت من سادات الصّحابة وأعيانهم العدول جميعهم عند القوم فضلاً عن هؤلاء الذين لا يُشكّ في ورعهم وقداسة ساحتهم عن السقطة في القول والعمل، ولا سيّما وفيهم الإمام المعصوم الخليفة حقّاً المطهّر بلسان الذكر الحكيم عن أيّ رجاسة، الذي يدور الحقُّ معه حيثما دار، وهو مع القرآن والقرآن معه لن يفترقا حتى يردا الحوض(١) وقبل الجميع ما رويناه عن النبيِّ الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقِّ هذا الإنسان.

فالرجل أخذاً بمجامع تلكم الشّهادات الصادقة للسلف الصالح محكومٌ عليه نصّ أقوالهم من دون أيّ تحريف وتحوير منّا بأنّه امرئ ليس له بصرٌ يهديه ولا قائدٌ يرشده، دعاه الهوى فأجابه، وقاده الضلال فاتّبعه، وما أتى به من ضلاله ليس ببعيد الشبه ممّا أتى به أهله المشركون الكفرة، مصيره إلى اللّظى، مبوّأه النار، اللعين ابن اللعين، الفاجر ابن الفاجر، المنافق ابن المنافق، الطليق ابن الطليق، الوثن ابن الوثن، الجلف المنافق، الأغلف القلب، القليل العقل، الجبان الرذل، يخبط في عماية، ويتيه في ضلالة، شديد اللزوم للأهواء المبتدعة، والحيرة المتّبعة، لم يكن من أهل القرآن ولا مريداً حكمه يجري إلى غاية خُسر، ومحلّة كفر، قد أولجته نفسه شرّاً، وأقحمته غيّاً، وأوردته المهالك وأوعرت عليه المسالك، غمص الناس، وسَفه الحقّ، فاسقٌ مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته، ابن آكلة الأكباد، الكذّاب العسوف، إمام الرَّدى، وعدوّ النبيِّ، لم يزل عدوًّا لله والسنّة والقرآن والمسلمين، رجل البدع والأحداث كانت بوائقه تُتّقى، وكان على الإسلام مخوّفاً، الغادر الفاسق، مثله كمثل الشيطان يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، لم يجعل الله له سابقة في الدين، ولا سلف صدق في الإسلام، القاسط النابذ كتاب الله وراء ظهره، كان شرّ الاطفال

____________________

١ - راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا.

١٧٨

وشرّ رجال، كهف المنافقين، دخل في الاسلام كرها، وخرج منه طوعاً، لم يقدم ايمانه ولم يحدث نفاقه، كان حرباً لِلَّه ولرسوله، حزباً من أحزاب المشركين، عدوَّا لِلَّه ولنبيِّه وللمؤمنين، أقوَل الناس للزور، وأضلّهم سبيلاً، وأبعدهم من رسول الله وسيلة، الغاوي اللّعين، ليس له فضلٌ في الدين معروف، ولا أثرٌ في الإسلام محمود، عادى الله ورسوله وجاهدهما، وبغى على المسلمين، وظاهر المشركين، فلمّا أراد الله أن يظهر دينه وينصر رسوله أتاه فأسلم وهو والله راهبٌ غير راغب، قُبض رسول الله والرجل يُعرف بعداوة المسلم ومودّة المجرم، يُطفي نور الله، ويُظاهر أعداء الله، أغوى جفاةً فأوردهم النار وأورثهم العار، لم يكن في إسلامه بأبرّ وأتقى ولا أرشد ولا أصوب منه في أيّام شركه وعبادته الأصنام.

هذا معاوية عند رجال الدّين الصحيح الأبرار الصادقين، وهذه صحيفة من تاريخه السوداء، وتؤكّد هذه الكلم القيّمة ما يؤثر عن الرَّجل من بوائق وموبقات هي بمفردها حججٌ دامغةٌ على سقوطه عن مبوّأ الصالحين، فإنّها لا تتأتّى إلّا عن تهاون بأمر الله ونهيه، وإغضاء عن نواميس الدين وشرايع الإسلام، وتزحزح عن سنّة الله، وتعدٍّ وشذوذٍ عن حدوده، ومَن يعتدّ حدود الله فاُولئك هُم الظالمون، وإليك نزرٌ منها:

- ١ -

معاوية والخمر

١ - أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده ٥: ٣٤٧ من طريق عبد الله بن بريدة قال: دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش ثمّ اُتينا بالطعام فأكلنا، ثمَّ اُتينا بالشراب فشرب معاوية ثمّ ناول أبي ثمّ قال: ما شربته منذ حرّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمَّ قال معاوية: كنت أجمل شباب قريش، وأجودهم ثغراً، وما شيىء كنت أجد له لذّة كما كنت أجده وأنا شابٌ غير اللبن أو إنسان حسن الحديث يحدّثني.

٢ - أخرج ابن عساكر في تاريخه ٧: ٢١١ من طريق عمير بن رفاعة قال: مرّ على عبادة(١) بن الصامت وهو في الشام قطارة تحمل الخمر فقال: ما هذه؟ أزيت؟ قيل

____________________

١ - كان بدريا عقبياً أحد نقباء الانصار بايع رسول الله على أن لا يخاف فى الله لومة لائم. سنن البيهقى ٥: ٢٧٧.

١٧٩

لا، بل: خمرٌ تُباع لفلان، فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها راوية إلّا بقرها وأبو هريرة إذ ذاك بالشام، فأرسل فلانٌ إلى أبي هريرة يقول له: أما تمسك عنّا أخاك عبادة؟ أمّا بالغدوات فيغدوا إلى السوق فيفسد على أهل الذمّة متاجرهم، وأمّا بالعشيِّ فيقعد في المسجد ليس له عملٌ إلّا شتم أعراضنا أو عيبنا، فأمسك عنّا أخاك، فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال له: يا عبادة! مالك ولمعاوية؟ ذره وما حمل، فإنّ الله يقول: تلك اُمَّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم. قال: يا أبا هريرة؟ لم تكن معنا إذ بايعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب، فنمنعه ممّا نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا ولنا الجنّة، فهذه بيعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي بايعناه عليها فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما بايع عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي الله له بما بايع عليه نبيّه. فلم يكلّمه أبو هريرة بشيىء.

٣ - وأخرج في التاريخ ٧ ص ٢١٣ من طريق عمرو بن قيس قال: إنّ عبادة أتى حجرة معاوية وهو بأنطرطوس(١) فألزم ظهره الحجرة وأقبل على الناس بوجهه وهو يقول: بايعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا اُبالي في الله لومة لائم، ألا إنَّ المقداد بن الأسود قد غلَّ بالأمس حماراً، وأقبلت أوسقٌ من مال، فأشارت الناس إليها فقال: أيّها الناس إنّها تحمل الخمر، والله ما يحلُّ لصاحب هذه الحجرة أن يعطيكم منها شيئاً، ولا يحلُّ لكم أن تسألوه، وإن كانت مقبلةً - يعني سهماً - في جنب أحدكم، فأتى رجلٌ المقداد وفي يده قرصافة، فجعل يتلّ الحمار بها وهو يقول: معاوية! هذا حمارك شأنك به، حتى أورده الحجرة.

٤ - وفد عبد الله(٢) بن الحارث بن اميّة بن عبد شمس على معاوية فقرَّ به حتّى مسَّت ركبتاه رأسه ثمَّ قال له معاوية: ما بقي منك؟ قال: ذهب والله خيري وشرّي،

____________________

١ - بلدة من سواحل بحر الشام، هى آخر أعمال دمشق من البلاد الساحلية وأول أعمال حمص. معجم.

٢ - أدرك الاسلام وهو شيخ كبير ثم عاش بعد ذلك إلى خلافة معاوية. الاصابة ٢: ٢٩١.

١٨٠

يتحرّجون من إراقة دمائهم .

٣ ـ توسّعت جبهة الانحراف الداخلي في المجتمع الإسلامي ، وازدادت العراقيل أمام حكومة الإمام عليّعليه‌السلام فبعد أن كان تمرّد معاوية في الشام فقط انفتحت جبهة أُخرى ممّا أدّى إلى انحسار التوسّع الخارجي ، وكذلك انحسار الأعمال الإصلاحية والحضارية التي كان يمكن أن تنمو في المجتمع الإسلامي .

٤ ـ إنّ الأحقاد والانحراف فتحا الطريق على المخالفين في المعتقد السياسي للّجوء فوراً إلى حمل السلاح والقتال .

الكوفة عاصمة الخلافة :

بعد أن هدأت الاُمور تماماً تحرّك الإمام عليّعليه‌السلام نحو الكوفة ليتّخذها مقرّاً بعد أن بعث إليهم برسالة أوضح فيها بإيجاز تفاصيل الأحداث(١) ، كما أنّ الإمام أمّر عبد الله بن عباس على البصرة وشرح له كيفية التعامل مع سكّانها بعد الذي وقع بينهم(٢) .

وكان لاختيار الإمامعليه‌السلام الكوفة عاصمةً جديدةً للدولة الإسلامية أسباب عديدة منها :

١ ـ توسّع رقعة العالم الإسلامي ، ولابدّ أن تكون العاصمة الإدارية والسياسية للدولة في موقع يُعين الحكومة في التحرّك نحو جميع نقاط الدولة .

٢ ـ إنّ الثقل الأكبر الذي وقف مع الإمامعليه‌السلام في القضاء على فتنة أصحاب الجمل هم كبار شخصيّات العراق ووجهاء الكوفة وجماهيرها .

٣ ـ الظروف السياسية والتوتّرات الناجمة عن مقتل عثمان وحرب أصحاب الجمل كلّ ذلك جعل الإمامعليه‌السلام أن يستقرّ في الكوفة، ليعيد الأمن والاستقرار للمنطقة .

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري : ٣ / ٥٤٥ و ٥٤٦ .

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٥٤٦ ط مؤسسة الأعلمي .

١٨١

الفصل الثالث: الإمام عليعليه‌السلام مع القاسطين(*)

استعدادات معاوية لمحاربة الإمامعليه‌السلام :

ساورت المخاوف معاوية من استقرار الإمام في الكوفة ومضيّهعليه‌السلام في خطّته لتوحيد الدولة وبناء الحضارة الإسلامية على منهج القرآن والسنّة النبويّة ، فسارع معاوية إلى الاستعانة بعمرو بن العاص لما يتمتّع به من حيلة وغدر ، وتوافق معه في العداء للإسلام وللإمامعليه‌السلام ، ولم يتردّد عمرو طويلاً أمام رسالة معاوية ، ولم يكن ليختار على طمعه في الدنيا شيئاً حتى لو كان دينه الذي يُدخله الجنّة(١) .

وما أن وصل عمرو إلى الشام حتى جعل يبكي ويولول كالنساء(٢) مبتدئاً خطّته في التضليل وخداع الجماهير ، وبعد مراوغة ومكايدة بين معاوية وعمرو تمّت المساومة على أن تكون حصّة عمرو ولاية مصر مقابل مواجهة الإمامعليه‌السلام ومحاربته ، وكتب معاوية كتاباً بذلك(٣) .

وشرعاً يخطّطان لمواجهة الإمام والوضع القائم ، فكان الاتّفاق على المضيّ

ــــــــــــ

(*) وقعت معركة صفّين في صفر من عام (٣٧) هـ ، وكانت المناوشات بين الطرفين بدأت في ذي الحجّة عام (٣٦) هـ .

(١) وقعة صفّين : ٣٤ ، والإمامة والسياسة : ١١٦ ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٢٧٥ .

(٢) الكامل في التأريخ : ٣ / ٢٧٤ .

(٣) وقعة صفّين : ٤٠ ، والإمامة والسياسة : ١١٧ .

١٨٢

في هذا المسار العدائي المشوب بالظلم والغدر والبغي ، إذ لا سبيل للوصول إلى أهدافهم وغاياتهم إلاّ مواجهة الإمامعليه‌السلام وهو الوريث الشرعيّ للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحامل راية الحقّ والعدل، واصطدم الرجلان إذ كلاهما خذلا عثمان فكانت خطّتهم تتطلب التشبّث بقميص عثمان كشعار لتحريك مشاعر وعقول الجماهير غير الواعية ، فرفعاه على المنبر بعد أن قَدِم به عليهما النعمان بن بشير ، فكان الناس يضجّون بالبكاء حتى سرت فيهم روح الحقد والكراهية والعمى عن هدى الحقّ(١) .

ولتحريك جماهير الشام لمؤازرة معاوية وحشدهم للحرب اقترح عمرو أن يكون شرحبيل بن السمط الكندي المحرّك الأول ، لما عرف عنه من عبادة ووجاهة في قبائل الشام وكراهية لجرير مبعوث الإمامعليه‌السلام إلى معاوية ، كما أنّ شرحبيل ممّن لا يتقصّى الحقائق من مصادرها ، وتمّت مخادعة شرحبيل الذي انطلق مطالباً معاوية بالأخذ بثأر عثمان بن عفان ، ويتحرّك بنفسه لحشد الناس للحرب(٢) .

السيطرة على الفرات :

بعد تعبئة الشام للحرب ؛ أخذ معاوية منهم البيعة وكتب بالحرب كتاباً أرسله مع جرير(٣) الذي أبطأ كثيراً على الإمامعليه‌السلام ، ثمّ سارع معاوية بتحريك قوّاته نحو أعالي الفرات في وادي صفّين لاحتلالها ومنع تقدّم قوات الإمامعليه‌السلام وحبس الماء عنهم ، وتصوّر معاوية أنّ هذا أوّل نصر يحقّقه على الإمامعليه‌السلام وطلب الإمامعليه‌السلام من معاوية أن يسمح لجيشه بالاستقاء بعد أن وصلوا متأخرين إلى صفّين ، وأبى معاوية وجيشه ذلك ، وأضرّ الظمأ كثيراً بأهل العراق وازداد الضغط على الإمامعليه‌السلام لكسر الحصار ، فأذن لهم بالهجوم على شاطئ الفرات ، وتمّ إزاحة قوّات معاوية عن ضفّة النهر.

ــــــــــــ

(١) وقعة صفّين : ٣٧ ، الكامل في التأريخ : ٣ / ٢٧٧ .

(٢) المصدر السابق : ٤٦ .

(٣) المصدر السابق : ٥٦ .

١٨٣

ولكنّ الإمامعليه‌السلام لم يقابل أهل الشام بالمثل ، ففسح لهم المجال لأخذ الماء دون معارضة(١) .

محاولة سلمية :

رغم أنّ الإمامعليه‌السلام أكثر من مراسلة معاوية وفتح عدّة قنوات للحوار محاولاً كسبه وإدخاله في بيعته لكنّ ردّ معاوية كان هو الحرب والسعي للقضاء على الإمام وجيشه بكلّ وسيلة ، وبيد أنّ الإمامعليه‌السلام كان يأمل في محاولة سلمية أُخرى بعد أن استقرّ وجيشه ضفّة الفرات ، فسادت هدنة مؤقّتة بعث خلالها الإمامعليه‌السلام مندوبين عنه إلى معاوية وهم بشير بن محصن الأنصاري وسعيد بن قيس الهمداني وشبث بن ربعي التميمي ، فقالعليه‌السلام لهم :(إئتوا هذا الرجل ـ أي معاوية ـوادعوه إلى الله وإلى الطاعة والجماعة) .

وما كان جواب معاوية إلاّ السيف والحرب ، فقال للمندوبين : انصرفوا من عندي فليس بيني وبينكم إلاّ السيف(٢) .

الحرب بعد الهدنة :

جرت مناوشات بين الجيشين ولم تستعر الحرب بعدُ ، فكانت خرج فرقة منكلا الطرفين فيقتتلان ، وما أن حلّ شهر محرّم من عام (٣٧ هـ) حتى حصلت موادعة بين الطرفين ، حاول من خلالها الإمامعليه‌السلام التوصّل إلى الصلح ، وكانت طروحاتهعليه‌السلام هي الدعوة إلى السلم وجمع الكلمة وحقن الدماء ، ودعوات

ــــــــــــ

(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٨٤ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : ٣ / ٣٢٠ ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٢٨٣ .

(٢) تأريخ الطبري : ٣ / ٥٦٩ ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٢٨٤ .

١٨٤

معاوية وأهل الشام رفض بيعة الإمامعليه‌السلام والطلب بدم عثمان بن عفان(١) .

واستمرّت الهدنة مدّة شهرٍ واحدٍ ، ولمّا طالت فترة المناوشات ؛ سئم الفريقان من ذلك فعبّأ الإمامعليه‌السلام جيشه تعبئة عامة ، وكذلك فعل معاوية ، والتحم الجيشان في معركة رهيبة ، وكان الإمام يوصي جنوده دائماً فيقول :(لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم فأنتم بحمد الله عزّ وجلّ على حجّة) ثمّ قال :(فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبراً ولا تجهزوا على جريح ولا تكشفوا عورة ولا تمثّلوا بقتيل) (٢) .

واستمرت الحرب بين كرٍّ وفرّ حتى سقط خلالها أعداد كبيرة من المسلمين صرعى وجرحى بلغت عشرات الألوف .

مقتل عمار بن ياسر :

روي : أنّ عمار بن ياسر خرج بين الصفوف فقال : إنّي لأرى وجوه قوم لا يزالون يقاتلون حتى يرتاب المبطلون ، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر ؛ لكنّا على الحقّ وكانوا على الباطل ثمّ تقدّم نحو جيش معاوية وهو يرتجز :

نحن ضربناكم على تنزيله

واليوم نضربكم على تأويله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحقّ إلى سبيله

فتوسّط فيهم ببسالته التي قاتل بها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صادقاً مخلصاً ، فاشتبكت عليه الرماح فطعنه أبو العادية وابن جون السكسكي ، وروي أنّهما اختصما في رأس عمار إلى معاوية وعبد الله بن عمرو بن العاص جالس فقال لهم ك ليطب به أحدكما نفساً لصاحبه، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له :(يا عمّار تقتلك الفئة الباغية) (٣) .

ــــــــــــ

(١) وقعة صفّين : ١٩٥ ، وتأريخ الطبري : ٣ / ٥٧٠ .

(٢) وقعة صفّين : ٢٠٢ ، وتأريخ الطبري : ٤ / ٦ .

(٣) وقعة صفّين : ٣٤٠ ، وتأريخ الطبري : ٤ م ٢٧ ط مؤسسة الأعلمي ، والعقد الفريد : ٤ / ٣٤١ .

١٨٥

وكان الإمام قلقاً لا يقرّ له قرار حين برز عمار للقتال في ذلك اليوم ، وأكثر من السؤال عليه حتى جاءه خبر استشهاده ، فأسرع إلى مصرعه كئيباً حزيناً تفيض عيناه دمعاً ، فقد غاب عنه الناصر الناصح والأخ الأمين ، ثمّ صلَّى عليه الإمامعليه‌السلام ودفنه .

وسرى خبر استشهاد عمار بين الجيشين فوقعت الفتنة بين صفوف جيش معاوية ، لما يعلمون من مكانة عمار وحديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ولكنّ المكر والحيلة كانا بالمرصاد لكلّ ساذج جاهل ، فأشاع معاوية أنّ الذي قتل عماراً من جاء به وأذعن بسطاء أهل الشام لهذه الضلالة(١) .

وروي : أنّ ذلك بلغ الإمام علياًعليه‌السلام فقال :ونحن قتلنا حمزة لأنّا أخرجناه إلى أُحد؟ (٢)

خدعة رفع المصاحف :

استمرّ القتال أياماً أظهر خلالها أصحاب الإمام صبرهم وتفانيهم من أجل انتصار الحقّ ، ثمّ إنّ الإمامعليه‌السلام قام خطيباً يحثّ على الجهاد فقال :(أيّها الناس ! قد بلغ بكم الأمر وبعدوّكم ما قد رأيتم ، ولم يبق منهم إلاّ آخر نفس ، وإنّ الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأوّلها وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا ، منهم ما بلغنا وأنا غادٍ عليهم بالغداة أحاكمهم إلى الله عزّ وجلّ) (٣) .

فبلغ ذلك معاوية وقد بدت الهزيمة على أهل الشام فاستدعى عمرو بن العاص يستشيره ، وقال له : إنّما هي الليلة حتى يغدو عليّ علينا بالفيصل فما ترى ؟

قال عمرو : أرى أنّ رجالك لا يقومون لرجاله ولست مثله ، وهو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره ، أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء ، وأهل العراق

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري : ٥ / ٦٥٣ .

(٢) العقد الفريد : ٤ / ٣٤٣ ، وتذكرة الخواص : ٩٠ .

(٣) كتاب سليم بن قيس : ١٧٦ ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٣١٠ .

١٨٦

يخافون منك إن ظفرت بهم وأهل الشام لا يخافون عليّاً إن ظفر بهم ، ولكن ألقِ إليهم أمراً إن قبلوه اختلفوا وإن ردّوه اختلفوا ،أ ُدعهم إلى كتاب الله حكماً فيما بينك وبينهم(١) .

فأمر معاوية في الحال أن ترفع المصاحف على الرماح ، ونادى أهل الشام : يا أهل العراق ! هذا كتاب الله بيننا وبينكم من فاتحته إلى خاتمته من لثغور أهل الشام من بعد أهل الشام ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق ؟

وكانت هذه الدعوى المضلّلة كالصاعقة على رؤوس جيش الإمام ، فهاج الناس وكثر اللغط بينهم ، وقالوا : نجيب إلى كتاب الله وننيب إليه، وكان أشدّ الناس في ذلك أحد كبار قادة جيش الإمام عليّ الأشعث بن قيس .

فقال لهم الإمامعليه‌السلام :(عباد الله ! امضوا على حقّكم وصدقكم وقتال عدوّكم ، فإنّ معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن أبي مسلمة وابن أبي سرح والضحّاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، أنا أعرف بهم منكم ، قد صحبتهم أطفالاً ثمّ رجالاً فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال ، وَيْحَكُم ! والله ما رفعوها إلاّ خديعةً ووهناً ومكيدةً ، إنّها كلمة حقّ يراد بها باطل) .

فخاطبوا أمير المؤمنين باسمه الصريح قائلين : يا عليّ ، أجب إلى كتاب الله عزّ وجلّ إذ دعيت إليه وإلاّ ندفعك برمّتك إلى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفّان .

ولم يجد الإمامعليه‌السلام مع المخدوعين سبيلاً فقال :فإن تطيعوني فقاتلوا وإن تعصوني فاصنعوا ما شئتم (٢) .

وكان في ساحة المعركة مالك الأشتر يقاتل ببسالة ويقين حتى كاد أن يصل إلى معاوية فقالوا لأمير المؤمنين : ابعث إلى الأشتر ليأتينّك ولكنّ الأشتر لم ينثنِ عن عزمه في القتال ، لأنه يعلم أنّ الأمر خدعة فهدّدوه بقتل الإمامعليه‌السلام ، فعاد الأشتر يؤنّبهم فقال لهم : خُدعتم والله فانخدعتم ودُعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم ، يا أصحاب الجباه السود كنّا نظن أنّ صلاتكم زهادة إلى الدنيا وشوق إلى لقاء الله ، فلا أرى فراركم إلاّ إلى الدنيا من الموت.

ــــــــــــ

(١) وقعة صفّين : ٣٤٧ ، وتأريخ الطبري : ٤ / ٣٤ .

(٢) وقعة صفّين : ٤٨١ ، وتأريخ الطبري : ٤ / ٣٤ و ٣٥ ط مؤسسة الأعلمي .

١٨٧

وأقبل الناس يقولون قد رضي أمير المؤمنين ، والإمامعليه‌السلام ساكت لا يفيض بكلمة مطرق الرأس حزيناً ، فقد انطلت على جيشه فتمرّد عليه ، ولم يعد باستطاعته أن يفعل شيئاً ، وقد أدلىعليه‌السلام بما مني به بقوله :(لقد كنت أمسِ أميراً فأصبحت اليوم مأموراً ، وكنت بالأمسِ ناهياً فأصبحت اليوم منهيّاً) (١) .

التحكيم وصحيفة الموادعة :

لم تتوقّف محنة الإمامعليه‌السلام بتخاذل الجيش ، وكان بالإمكان أن يحقّق مكسباً سياسياً عن طريق المفاوضات التي دُعي إليها لو أطاعه المتمرّدون في اختيار الممثّلين عنه إلى التحكيم ، فأراد الإمامعليه‌السلام ترشيح عبد الله بن عباس أو مالك الأشتر لما يعلم عنهما من إخلاص ووعي ، وأصرّ المخدوعون على ترشيح أبي موسى الأشعري، فقال الإمامعليه‌السلام :(إنّكم قد عصيتموني في أوّل الأمر فلا تعصوني الآن ، إنّي لا أرى أن أولِّي أبا موسى فإنّه ليس بثقة ، قد فارقني وخذّل الناس عنّي ـ بالكوفة عند الذهاب لحرب الجمل ـ ثمّ هرب منّي حتى أمّنته بعد أشهر) (٢) .

وتمكّن معاوية وابن العاص من مأربهم في تفتيت جيش الإمامعليه‌السلام ، يساعدهم في ذلك الأشعث بن قيس من داخل قوّات الإمام .

حضر عمرو بن العاص ممثّلاً عن أهل الشام بدون معارضة من أحد لتسطير بنود الاتّفاق مع أبي موسى الأشعري ، ولم يقبل عمرو كتابة اسم (أمير المؤمنين) في الصحيفة ، فقال الإمامعليه‌السلام :إنّ هذا اليوم كيوم الحديبية إذ قال سهيل ابن عمر للنبي : لست رسول الله ، ثمّ قالعليه‌السلام :فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة الخطبة ٢٠٨ ط مؤسسة النشر الإسلامي .

(٢) وقعة صفّين : ٤٩٩ ، وتأريخ الطبري : ٤ / ٣٦ ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٣١٩ .

١٨٨

إنّ لك مثلها ستعطيها وأنت مضطهد (١) .

وأهمّ ما جاء في الصحيفة هو إعلان الهدنة ووقف القتال ، وأن يلجأ الطرفان إلى كتاب الله وسنّة نبيّه لحلّ قضاياهم ، وأُجّل البتّ في قرار الحكمين إلى رمضان (٣٧ هـ) ، حيث كتبت الصحيفة في صفر من العام نفسه والغريب أنّ مسألة الأخذ بثأر عثمان لم ترد ولو بإشارة بسيطة في كتاب الموادعة مع أنّها أس الفتنة التي تحرّك فيها معاوية وحزبه من أبناء الطلقاء(٢) ، واتّفقوا على أن يكون موضع اجتماع الحكمين في (دومة الجندل) .

موقف واع وتقييم :

روي : أنّه طلب من الأشتر أن يشهد في الصحيفة ، فقال : لا صبّحتني يميني ولا نفعتني بعدها شمالي إن خُطّ لي في هذه الصحيفة اسم أوَلست على بيّنة من ربّي من خلال عدوّي ؟ أو لستم قد رأيتم الظفر(٣) ؟

وقيل لأمير المؤمنين : إنّ الأشتر لا يقرّ بما في الصحيفة ولا يرى إلاّ قتال القوم .

فقالعليه‌السلام :(وأنا والله ما رضيت ولا أحببت أن ترضوا) ثمّ قالعليه‌السلام :(يا ليت فيكم مثله اثنين ، يا ليت فيكم مثله واحداً يرى في عدوّي ما أرى ، إذاً لخفّت عليّ مؤنتكم ، ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم وقد نهيتكم فعصيتموني ، والله لقد فعلتم فِعلة ضعضعت قوّة وأسقطت مُنّة وأورثت وهناً وذلّة) (٤) .

رجوع الإمامعليه‌السلام واعتزال الخوارج :

قفل أمير المؤمنين راجعاً إلى الكوفة مثقلاً بالهموم والآلام ، يرى باطل معاوية قد استحكم ، وأمره أوشك أن يتمّ ، وينظر إلى جيشه وقد فتّته التمرّد لا يستجيب لأَمره .

ــــــــــــ

(١) وقعة صفّين : ٥٠٨ ، وشرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٣٢ .

(٢) تأريخ الطبري : ٤ / ٤٠ .

(٣) وقعة صفّين : ٥١١ ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٣٢١ .

(٤) وقعة صفّين : ٥٢١ ، وتأريخ الطبري : ٤ / ٤٢ و ٤٣ ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٣٢٢ .

١٨٩

ودخل الإمامعليه‌السلام الكوفة فرأى لوعة وبكاء ، قد سادت جميع أرجائها حزناً على من قتل في صفّين ، واعتزلت فرقة تناهز اثني عشر ألف مقاتل عن جيش الإمام ، ولم يدخلوا الكوفة فلحقوا بحروراء ، وجعلوا أميرهم على القتال شبث بن ربعي ، وعلى الصلاة عبد الله بن الكواء اليشكري ، وخلعوا بيعة الإمامعليه‌السلام يدعون إلى جعل الأمر شورى بين المسلمين وكان أمر هؤلاء قد بدأ منذ كتابة صحيفة الموادعة ، إذ لم يعجبهم الأمر فاعترضوا وقالوا : لا نرضى لا حكم إلاّ لله ، واتّخذوه شعاراً لهم رغم أنّهم هم الذين أصرّوا على الإمامعليه‌السلام لقبول التحكيم .

وسعى أمير المؤمنين لمعالجة موقفهم بالحكمة والنصيحة ، فأرسل إليهم عبد الله بن عباس وأمره أن لا يعجل في الخوض معهم في جدال وخصومة ، ولحقه الإمامعليه‌السلام فكلّمهم وحاججهم وفنّد كلّ دعاويهم ، فاستجابوا له ودخلوا معه إلى الكوفة(١) .

اجتماع الحكمين :

حان الأجل الذي ضرب الحكمين ، فأرسل الإمامعليه‌السلام أربعمائة رجل عليهم شريح بن هاني ، وبعث معهم عبد الله بن عباس ليصلّي بهم ويلي أمورهم وأبو موسى الأشعري معهم ، وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة رجل من أهل الشام حتى توافوا في دومة الجندل .

وقد سارع عدد من أهل الرأي والحكمة ممّن أخلصوا للإمامعليه‌السلام بتقديم النصح والتحذير لأبي موسى ، باذلين جهدهم في حمله على التبصرة والرويّة في

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري : ٤ / ٥٤ ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٤٢٦ .

١٩٠

اتّخاذ القرار ، وخشية منهم من مكر عمرو وخداعه(١) .

قرار التحكيم :

اجتمع الحكمان : أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص ، والأوّل يحمل الغباء السياسي وضعف الانتماء العقائدي وقلّة الولاء لإمامه عليّعليه‌السلام والثاني هو الماكر المخادع ذو السجيّة الغادرة والطامع إلى إقصاء خطّ أهل البيتعليهم‌السلام تماماً عن الميدان السياسي ، يدفعه لذلك طمعه للملك وشركته مع الطليق ابن الطليق معاوية .

ولم يطل الاجتماع طويلاً حتى تمكّن ابن العاص من معرفة نقاط الضعف في شخصية الأشعري والسيطرة عليه وتوجيهه نحو ما يريد ، واتفق الإثنان في اجتماع مغلق على خلع الإمام عليّعليه‌السلام ومعاوية عن ولاية أمر المسلمين ، واختيار عبد الله بن عمر بن الخطاب ليكون الخليفة المقترح .

وبادر ابن عباس محذّراً الأشعري من أن ينساق في لعبة ابن العاص ، فقال له : ويحك ، والله إنّي لأظنّه قد خدعك إن اتّفقتما على أمر ، فقدّمه فليتكلّم بذلك الأمر قبلك ثمّ تكلّم أنت بعده ، فإنّ عَمْراً رجل غادر لا آمن من أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه ، فإذا قمت في الناس خالفك .

فقام الأشعري فخطب وخلع الإمام عليّاًعليه‌السلام ، ثمّ انبرى عمرو فخطب وأكّد خلع الإمام وثبّت معاوية لولاية الأمر(٢) .

وبتلك الغدرة ظفر معاوية بالنصر ، وعاد إليه أهل الشام يسلّمون عليه بإمرة المؤمنين ، وأمّا أهل العراق فغرقوا في الفتنة وأيقنوا بضلال ما أقدموا عليه ، وهرب أبو موسى إلى مكّة ، ورجع ابن عباس وشريح إلى الإمام عليّعليه‌السلام .

ــــــــــــ

(١) وقعة صفّين : ٥٣٤ ، وشرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٤٦ ط دار إحياء التراث العربي .

(٢) تأريخ الطبري : ٤ / ٥٢ ، ومروج الذهب : ٢ / ٤١١ ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٣٢٢ .

١٩١

الفصل الرابع: الإمام عليعليه‌السلام مع المارقين

بمكن أن نقول : إن ظهور الخوارج إفراز طبيعي للصراع الدموي في الجمل وصفّين ، كما أنّنا لا يمكننا أن نعزل انحرافهم بمعزل عن انحراف الخلافة عن خطّ أهل البيتعليهم‌السلام ، لقد كان من أهمّ صفات الخوارج هو التحجّر والتمسّك بالظواهر والتعصّب والخشونة وعدم التمييز بين الحقّ والباطل ، وأنّهم سريعو التأثّر بالشائعات ، فيتردّدون عند أدنى شكّ .

ونجد أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر عن صفتهم ، إذ روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(يخرج في هذه الأمة ـ ولم يقل منها ـقوم تحقّرون صلاتكم مع صلاتهم ، يقرءون القرآن ولا يجاوز حلوقهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية) (١) .

ولم يتمكّن الإمامعليه‌السلام من معالجة أمراضهم وانحرافاتهم ، فقد عاجلته الحروب والتمرّدات في الجمل وصفّين في فترة قصيرة جدّاً ، ويمكن أن نعزو ظهور الخوارج إلى :

١ ـ الإحباط النفسي والفشل في تحقيق النصر ، وخصوصاً أنّ معارك الإمامعليه‌السلام ضد متمرّدين هم مسلمون في الظاهر ، فلم يتمكّن الخوارج من فهم

ــــــــــــ

(١) انظر البداية والنهاية : ٧ / ٣٢١ ـ ٣٣٧ وصحيح البخاري : ٩ / ٢١ ـ ٢٢ باب ترك قتال الخوارج ، وصحيح مسلم :٢ / ٧٤٤ الحديث ١٠٦٤ ، ومسند أحمد : ٣ / ٥٦ دار صادر .

١٩٢

معالجة الإمام للمتمرّدين ، ولم يتمكّنوا من تحمّل نتيجة التحكيم ، في حين هم الذين أجبروه على قبول التحكيم ، ولم يواجهوا أنفسهم بمواقفهم المنحرفة ، فسعوا إلى تعليق أخطائهم وتحميل أوزارها إلى طرف آخر غيرهم ولم يكن إلاّ الإمام عليّعليه‌السلام (١) .

٢ ـ استغلالهم الحرية الفكرية التي فتحها الإمامعليه‌السلام لكي تمارس الأمة وعيها الرسالي ، فقد روي أنّهم كانوا يعترضون على الإمام حتى أثناء خطبته بدعوى لا حكم إلاّ لله ، وما كان الإمام يجيبهم إلاّ بـ(كلمة حقّ يراد بها باطل) . وقال الإمامعليه‌السلام لهم :(لكم عندنا ثلاث خصال : لا نمنعكم مساجد الله أن تصلّوا فيها ، ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم في أيدينا ن ولا نبدؤكم للحرب حتى تبدؤونا) (٢) فتحوّلت حركتهم من حالة فردية إلى حالة جماعية .

ردّ الإمامعليه‌السلام على قرار الحكمين :

ولمّا بلغ خبر التحكيم إلى الإمامعليه‌السلام تألّم كثيراً ن وخطب في الناس يحثّهم ويدلّهم على إصلاح الخطأ الذي تورّطوا فيه وذكّرهم بنصحه لهم ، فقالعليه‌السلام :(إنّ مخالفة الناصح الشفيق المجرّب تورث الحسرة وتعقب الندامة ، وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، ونخلت لكم مخزون رأيي لو كان يطاع لقصير أمر فأبيتم عليَّ إباء المخالفين الجفاة المنابذين العصاة حتى ارتاب الناصح بنصحه وضّنَّ الزند بقدحه ، فكنت وإيّاكم كما قال أخو هوازن :

أمرتكم أمري بمنعرج اللوى

فلم تستبينوا النصح إلاّ ضحى الغد

ألا إنّ هذين الرجلين ـ أبا موسى الأشعري وابن العاص ـاللّذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما ، وأحييا ما أمات القرآن ، واتّبع كلّ واحد منهما

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري : ٤ / ٥٣ ـ ٥٨ .

(٢) تأريخ الطبري : ٤ / ٥٤ ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٣٣٤ ، ومستدرك وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٤ .

١٩٣

هواه بغير هدىً من الله ، فحكما بغير حجّة بيّنة ولا سنّة ماضية ، واختلفا في حكمهما وكلاهما لم يرشد ، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين ، استعدوا وتأهّبوا للمسير إلى الشام ، وأصبحوا في معسكركم إن شاء الله (١) .

وكتب الإمام إلى عبد الله بن عباس أن يعبّئ أهل البصرة للالتحاق بالإمامعليه‌السلام لقتال معاوية ، فالتحقت جموع البصرة بالكوفة ، ولكن عبث الخوارج الذين تجمّعوا من البصرة والكوفة متّجهين نحو النهروان وفسادهم في الأرض أقلق أصحاب الإمامعليه‌السلام من تركهم خلفهم لو توجّهوا إلى الشام فطلبوا من الإمام أن يقضي على الخوارج أوّلاً(٢) .

وكان من عيث الخوارج أنّهم قبضوا على عبد الله بن خباب وزوجته فقتلوه ، وبقروا بطن امرأته ، وألقوا ما فيها من دون مبرّر ، وكذلك قتلوا الحارث بن مرّة العبدي رسول الإمامعليه‌السلام إليهم(٣) .

المواجهة مع الخوارج :

تجمّعت قوات المارقين عن الدين قرب النهروان بعد أن التحقت بهم مجاميع من البصرة وغيرها ، وحاول الإمامعليه‌السلام مراراً أن يقنعهم بالتخلي عن فكرتهم وتمرّدهم وسعيهم للحرب ، ولم يجد فيهم إلاّ الفساد والجهل والإصرار ، فعبّأ جيشه ونصحهم بأخلاق الإسلام في كيفية التعامل في مثل هذه الظروف كما هو شأنه في كلّ معركة ولمّا انتهى الإمامعليه‌السلام ؛ إليهم بعث لهم رسولاً يطلب منهم قتلة عبد الله بن خباب وقتلة رسوله الحارث بن مرّة ، فردّوا عليه مجمعين : كلّنا قتلناهم وكلّنا مستحلّ لدمائكم ودمائهم .

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري : ٤ / ٥٧ .

(٢) تأريخ الطبري : ٤ / ٥٧ و ٥٨ ، والبداية والنهاية : ٧ / ٢٨٦ .

(٣) تأريخ الطبري : ٤ / ٦١ ، والبداية والنهاية : ٧ / ٢٨٦ ، والفصول المهمة لابن الصبّاغ : ١٠٨ .

١٩٤

وبعث الإمامعليه‌السلام قيس بن سعد وأبا أيوب الأنصاري لينصحوا القوم عساهم أن يفهموا واقع الأحداث ، ويجنّبوا الأمة مزيداً من الدماء، ثمّ أتاهم الإمامعليه‌السلام فقال لهم :

(أيّتها العصابة التي أخرجها عداوة المراء واللجاجة ، وصدّها عن الحقّ الهوى ، وطمع بها النزق ، وأصبحت في الخطب العظيم ! إنّي نذير لكم أن تصبحوا تلعنكم الأمة غداً صرعى بأثناء هذا الوادي ، وبأهضام هذا الغائط بغير بيّنة من ربّكم ولا برهان مبين) ثمّ بيّن لهمعليه‌السلام أنّه كره التحكيم وعارضه ، وشرح سبب معارضته بوضوح لهم ، ولكنّهم أنفسهم أجبروا الإمام على قبول التحكيم ، وأنّ الحكمين لم يحكما بالقرآن والسنّة ، وها هو الإمام يعدّ العدّة لملاقاة معاوية ثانية ، فلا معنى لخروج المارقين ، ولم يرعِو المارقون لقول الإمام وطالبوه بتكفير نفسه وإعلان توبته ، فقالعليه‌السلام :

(أصابكم حاصب ولا بقي منكم آثر أبعد إيماني برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهجرتي معه وجهادي في سبيل الله أشهد على نفسي بالكفر، لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين) ثمّ انصرف عنهم ، وتقدّم الخوارج فاصطفّوا للقتال وعبّأ الإمامعليه‌السلام جيشه لملاقاتهم ، وفي محاولة أخيرة أمر الإمام أبا أيوب الأنصاري أن يرفع راية أمان للخوارج ، ويقول لهم :(من جاء إلى هذه الراية فهو آمن ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن إنّه لا حاجة لنا فيكم إلاّ فيمن قتل إخواننا) .

فانصرفت منهم مجاميع كثيرة ، وقال الإمامعليه‌السلام لأصحابه :كفّوا عنهم حتّى يبدؤوكم بقتال .

وهجم الخوارج وهم يتصايحون : لا حكم إلاّ لله الرواح الرواح إلى الجنّة ، ولم تمضِ إلاّ ساعة حتى أبيد أكثرهم ، ولم ينجُ منهم إلاّ أقلّ من عشرة ، ولم يُقتل من أصحاب الإمام إلاّ أقلّ من عشرة أشخاص(١) .

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة الخطبة ٥٩ ط مؤسسة النشر الإسلامي ، ومروج الذهب : ٢ / ٣٨٥ ، والبداية والنهاية : ٧ / ٣١٩ .

١٩٥

وبعد أن سكنت أوار المعركة ؛ أمر الإمامعليه‌السلام بطلب (ذي الثُّدية) ـ أحد قادة الخوارج ـ وألحَّ في ذلك لأنّ في ذلك مصداقاً لوصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقاتلة المارقين عن الدين الذين فيهم ذو الثدية(١) ولمّا وجدوه أخبروا الإمامعليه‌السلام فقال :(الله أكبر ما كذبت ولا كذّبت ، لو لا أن تنكلوا عن العمل ؛ لأخبرتكم بما قصّ الله على لسان نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمن قاتلهم مستبصراً في قتالهم ، عارفاً للحقّ الذي نحن عليه) وسجدعليه‌السلام شكراً لله(٢) .

احتلال مصر :

بعد مقتل عثمان بن عفان ولّى أمير المؤمنين قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ولاية مصر ، ثمّ كلّف محمد بن أبي بكر ليقوم مقام قيس بن سعد لرأي رآهعليه‌السلام ، وبقيت مصر الجناح الآخر الذي يقلق معاوية ، فما أن ساد الاضطراب والتخاذل في المجتمع الإسلامي بعد المعارك ونتائجها ؛ تحرّك معاوية وعمرو بن العاص لاحتلال مصر التي كانت ثمناً لجهود عمرو بن العاص لتخريب حكومة الإمام وتهديم الدين ، وحاولعليه‌السلام أن يمدّ محمد بن أبي بكر بالعِدّة والعُدّة عند سماعه بزحف معاوية نحو مصر ، فلم يلبث إلاّ قليلاً حتى أتت الأخبار باحتلال مصر واستشهاد محمد بن أبي بكر ، وحزن الإمامعليه‌السلام على محمد(٣) ، ثمّ كان قد كلّفعليه‌السلام مالك الأشتر بولاية مصر وكتب إليه عهده المشهور في إدارة الحكم وسياسة الناس ، ولكن معاوية وما يملك من وسائل الشيطان والخداع تمكّن من دسّ السم لمالك(٤) .

ــــــــــــ

(١) صحيح مسلم : كتاب الزكاة ، باب ذكر الخوارج وصفاتهم والتحريض على قتالهم .

(٢) تأريخ الطبري : ٤ / ٦٦ ، وشرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٦٦ ، والبداية والنهاية : ٢٩٧ .

(٣) شرح النهج لابن أبي الحديد : ٦ / ٨٨ .

(٤) تأريخ الطبري : ٤ / ٧٢ .

١٩٦

انهيار الأمة وتفكّكها :

بدأت بوضوح ملموس ملامح وآثار الانحراف الذي حصل يوم السقيفة في نهاية أيّام حكم الإمامعليه‌السلام حيث بدأ معاوية ومن اقتفى أثره في محاربة الإسلام من داخل الإسلام بتفكيك ما بقي من أواصر تماسك المجتمع الإسلامي وتخريبه وبناء مجتمع ينسجم وفق رغباتهم وأهوائهم، ويمكننا أن نلحظ حال الأمة بعد خوض الإمامعليه‌السلام ثلاث معارك فيصلية لاجتثاث الفساد فيما يلي :

١ ـ مُني الإمامعليه‌السلام والأمة بفقد خيار الصحابة الواعين والمؤثِّرين في المجتمع وحركة الرسالة الإسلامية الذين كان يمكن من خلالهم بناء الأمة الصالحة وفق نهج القرآن والسنّة بإشراف الإمامعليه‌السلام ، وقد بلغ الحزن في نفس الإمام مبلغاً عظيماً نجده في نعيه لهم بقوله :

(ما ضرّ إخواننا الذين سفكت دماؤهم بصفّين أن لا يكونوا اليوم أحياءً يسيغون الغصص ويشربون الرنق ، قد والله لقوا الله فوفّاهم أجورهم وأحلّهم دار الأمن بعد خوفهم أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحقّ ؟ أين عمار ؟ وأين ابن التيهان ؟ وأين ذو الشهادتين ؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على النيّة واُبرد برؤوسهم إلى الفجرة ؟) .

ثمّ وضع يده على كريمته فأطال البكاء ثمّ قال :(أَوِّه على إخواني الذين قرءوا القرآن فأحكموه وتدابروا الفرض فأقاموه ، أحيوا السنّة وأماتوا البدعة ، دعوا للجهاد فأجابوا ، ووثقوا بالقائد فاتّبعوه) (١) .

٢ ـ تمرّد الجيش وتفكّكه وظهور الضعف والسأم من الحرب لكثرة مَن قتل من أهل العراق الذين يشكّلون العمود الفقري لفرق جيش الإمامعليه‌السلام ، ولم

ــــــــــــ

(١) شرح النهج لابن أبي الحديد : ١٠ / ٩٩ .

١٩٧

يتمكنعليه‌السلام بما يملك من قدرة خطابية رائعة وحجّة بالغة أن يبعث الاندفاع والحزم في قاعدته الشعبية لمواصلة الحرب ، وممّا زاد من تفتيت الجيش عدم توقّف معاوية من مخاطبة زعماء القبائل والعناصر التي يبدو منها حبّ الدنيا ، فمنّاهم بالأموال والهبات والمناصب إذا قاموا بكلّ ما يؤدي إلى إضعاف قوّة الإمامعليه‌السلام وجماهيره المؤيدة ، حتى أنّ الإمامعليه‌السلام لم يستطع أن يعبّئ في معسكر النخيلة بعد معركة النهروان استعداداً لقتال معاوية ن فقد تسلّل أغلب أفراد الجيش إلى داخل الكوفة ممّا أدّى بالإمامعليه‌السلام أن يلغي المعسكر ويؤجّل الحرب(١) .

٣ ـ لقد أتاح الظرف الذي مرّ به الإمامعليه‌السلام والاُمّة الإسلامية لمعاوية أن يقوم بشنّ غارات على أطراف البلاد الإسلامية ، فمارس القتل والسبي والإرهاب ، فبدأ بالهجوم على أطراف العراق فأرسل النعمان بن بشير الأنصاري للإغارة على منطقة (عين التمر) ، ووجّه سفيان بن عوف للإغارة على منطقة (هيت) ثم على (الأنبار والمدائن) ، وإلى (واقصة) وجّه معاوية الضحّاك بن قيس الفهري وفي كلّ مرّة يحاول الإمامعليه‌السلام دعوة الجماهير لمقاومة غارات معاوية فلم يلق الاستجابة السريعة ، وأدرك معاوية ضعف قوة حكومة الإمامعليه‌السلام وتزايد قوّته(٢) .

وبعث معاوية بسر بن أُرطاة للغارة على الحجاز واليمن ، فعاث في الأرض فساداً وقتلاً للأبرياء(٣) وبلغ الأسى والأسف في نفس الإمامعليه‌السلام مبلغاً عظيماً ممّا يفعل المجرمون ومن تخاذل الناس عنه، فكان يصرّح بضجره من تخاذلهم وتقاعسهم فقال :(اللّهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني وسئمتهم وسئموني فأبدلني بهم خيراً منهم

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري : ٤ / ٦٧ .

(٢) الغارات للثقفي : ٤٧٦ ، وتأريخ الطبري : ٤ / ١٠٢ و ١٠٣ .

(٣) الغارات للثقفي : ٤٧٦ ، وتأريخ الطبري : ٤ / ١٠٦ ط مؤسسة الأعلمي .

١٩٨

وأبدلهم بي شراً منّي) (١) .

وقد أنذر الإمامعليه‌السلام الأمة الإسلامية بمستقبل مظلم وآلام كثيرة تحلّ بها نتيجة لما آلت إليها من تقاعس وتخاذل عن نصرة الحقّ ، فقالعليه‌السلام :(أما إنّكم ستلقون بعدي ذلاًّ شاملاً ، وسيفاً قاطعاً ، وأثرةً يتّخذها الظالمون فيكم سنّة ، فيفرّق جماعتكم ، ويبكي عيونكم ، ويدخل الفقر بيوتكم ، وتتمنّون عن قليل أنّكم رأيتموني فنصرتموني ، فستعلمون حقّ ما أقول لكم) (٢) .

آخر محاولات الإمامعليه‌السلام :

بعد الاضطرابات المتعدّدة وتمكّن معاوية من فساد ونشر الرعب في أطراف الدولة الإسلامية ؛ عزم الإمامعليه‌السلام أن يقوم بحملة واسعة يستنهض فيها الاُمّة ، فخاطب الجماهير وهدّدهم فقال :

(أما إنّي قد سئمت من عتابكم وخطابكم ، فبيّنوا لي ما أنتم فاعلون ، فإن كنتم شاخصين معي إلى عدوّي فهو ما أطلب وما أحب ، وإن كنتم غير فاعلين فاكشفوه لي عن أمركم ، فو الله لئن لم تخرجوا معي بأجمعكم إلى عدوّكم فتقاتلوه حتى يحكم الله بيننا وبينه وهو خير الحاكمين لأدعوّن الله عليكم ثمّ لأسيرنّ إلى عدوّكم ولو لم يكن معي إلاّ عشرة) (٣) .

وأيقظ هذا التهديد الحازم نفوس الناس ، وأيقنوا أنّ الإمامعليه‌السلام سيخرج بنفسه وأهله وخاصّته إلى معاوية وإن لم ينصروه ، فسيلحق العار والذلّ بهم إلى يوم القيامة ، فتحرّك وجهاء الناس للاستعداد لملاقاة معاوية والقضاء على الفساد ، وخرج الناس إلى معسكراتهم في منطقة (النخيلة) خارج الكوفة ، وتحرّكت بعض قطعات الجيش تسبق البقيّة مع الإمامعليه‌السلام الذي بقي ينتظر انقضاء شهر رمضان .

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة : الخطبة (٢٥) .

(٢) أنساب الأشراف : ١ / ٢٠٠ ، نهج البلاغة : الكلمة (٥٨) .

(٣) سيرة الأئمة الإثني عشر : ١ / ٤٥١ عن البلاذري في أنساب الأشراف .

١٩٩

الفصل الخامس: الإمام عليعليه‌السلام شهيد المحراب(١)

تواطأت زمر الشرّ على أن لا تبقي للحقّ راية تخفق أو يداً تطول فتصلح أو صوتاً يدوّي فيكشف زيغ وفساد الظالمين والمنحرفين ، فبالأمس كان أبو سفيان يمكر ويغدر ويفجر ويخطّط لقتل النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوأد الرسالة الإلهية في مهدها ، ولكنّ الله أبى إلاّ أن يتمّ نوره .

وها هو معاوية بن أبي سفيان يستفيد من نتائج انحراف السقيفة ، ويتمّم ما بدأه أبوه سعياص للقضاء على الرسالة الإسلامية ، تعينه في ذلك قوى الجهل والضلالة والعمى ، فخطّطوا لقتل ضمير الأمة الحيّ وصوت الحقّ والعدل وحامل لواء الإسلام الخالد ومحيي الشريعة المحمديّة السمحاء .

واجتمعت ضلالتهم على أن يطفئوا نور الهدى ليبقى الظلام يلفّ انحرافهم وفسادهم ، فامتدّت يد الشيطان لتصافح ابن ملجم في عتمة الليل، وفي ختلة وغدرة هوت بالسيف على هامة طالما استدبرت الدنيا واستقبلت بيت الله وهي ساجدة ، وغادرتها منها في تلك الحال .

لقد اجتمعت عصابة ضالّة على قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام لا يبعد أن كان محرّكها معاوية ، واتفقوا أن يداهموا الإمام عند ذهابه لصلاة الفجر ، فما كان أحد يجرؤ على مواجهة الإمامعليه‌السلام .

ــــــــــــ

(١) استشهد أمير المؤمنين في شهر رمضان عام (٤٠) هـ .

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226