جهاد الإمام السجاد (عليه السلام)

جهاد الإمام السجاد (عليه السلام)0%

جهاد الإمام السجاد (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية للطباعة والنشر
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 305

جهاد الإمام السجاد (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
الناشر: مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 305
المشاهدات: 29224
تحميل: 7287

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 305 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29224 / تحميل: 7287
الحجم الحجم الحجم
جهاد الإمام السجاد (عليه السلام)

جهاد الإمام السجاد (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بِسْمِ اللهِ الْرَحْمنِ الرَحِيْمِ

مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية

مركز الطباعة والنشر

١

٢

جهاد الإمام السجّاد

زين العابدين

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)

تأليف:

السيّد محمد رضا الحسيني الجلالي

٣

٤

بِسْمِ اللهِ الْرَحْمنِ الرَحِيْمِ

لقد فاز هذا الكتاب بالمرتبة الأُولى في المباراة الفكرية الكتابية عن الإمام زين العابدين السجاد (عليه السلام) التي أُقيمت في بيروت عام 1414هـ بين (24) كتاباً قُدِّمَ بالمناسبة.

اقرأ تقريراً عن ذلك في الملحق رقم (3) في آخر الكتاب.

والحمد لله ربّ العالمين

٥

٦

دليل الكتاب

المقدّمة: لماذا هذا الكتاب........................................... 9 - 14

التمهيد: وفيه بحثان................................................ 15 - 38

البحث الأول: الإمامة ومستلزماتها................................... 17 - 28

البحث الثاني: إمامة زين العابدين (عليه السلام)...................... 29 - 38

الفصل الأوّل: أدوار النضال في سيرة الإمام (عليه السلام)............ 39 - 76

الفصل الثاني: النضال الفكريّ والعلميّ............................ 77 - 116

الفصل الثالث: النضال الاجتماعيّ والعمليّ....................... 117 - 154

الفصل الرابع: التزامات فذّة في حياة الإمام (عليه السلام)......... 155 - 201

الفصل الخامس: مواقف حاسمة للإمام (عليه السلام)............. 203 - 241

الخاتمة: نتائج البحث.......................................... 243 - 252

الملاحق....................................................... 253 - 304

الفهارس.................................................................... 305 - 357

٧

٨

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين محمد الرسول الصادق الأمين، وعلى الأئمة الأطهار المعصومين من آله الأكرمين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

لماذا هذا الكتاب؟

كثيرة تلك الكُتُب والمؤلّفات التي كُتِبَت حَولَ الإمام السجاد، عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، زين العابدين (عليه السلام) المولود عام (38) والمتوفّى عام (95) من الهجرة.

وقد عُني مؤلّفوها بجوانب من حياتِهِ الكريمة لتزويد الأُمّة بثرواتها من مكارم الأخلاق والآداب، والمعارف والعلوم والآثار، وما في تاريخه من عظاتٍ وعِبَر وجهادٍ وجهودٍ، ليستنير أمَامَهَا دربُ الحياة، للوصول إلى السعادة الدنيوية والأخروية.

ولقد تبارى في هذا الموضوع الرحب مؤلّفون قدماء، كما شارك في حَلَبته مؤلّفون في عصرنا الحاضر.

وفي المؤلّفين الجُدُد مَن استهدف تحليل تاريخ الإمام، ودراسة حوادثه على أساس من المقارنة بين الأسباب والمسبّبات، ليقتنص حقائق ثابتة، مدعوماً بالأدلّة، من بطون المصادر والحوادث التاريخية.

ولقد فوجئتُ بأنّ عِدّةً من الدارسين من هذا القبيل، اتفقوا أو كادوا على مقولة مُعيّنَةٍ في ما يرتبط بواقِعِ الحركة السياسية في حياة الإمام السجّاد (عليه السلام).

فهم يؤكّدون على إبعاد الإمام عن الجهاد السياسي ويُفرغونَ حياته من كل

٩

أشكال العمل السياسي، بالرغم من اختلاف اتجاهاتهم الفكرية وانتماءاتهم الدينية: ففيهم السُنّي، والعلماني، والشيعي: الزيدي، بل الإمامي الاثنا عشري.

وهم يحسبون الإمام قائماً بدور المُعَلّم فحسب في تربية الطليعة المثقّفة والواعية، بعيداً عن الصراع السياسيّ، ومنصرفاً عن أيّ تحرّك معارض للأنظمة الحاكمة، ويُحدّدون واجباته بالإعداد الثقافي للأُمّة، والتحصين لها عقائدياً، وفقط.

وحاول بعضُهم إجراء هذا الحكم على الأئمّة بعد الإمام السجّاد (عليه السلام)، وفَرَضَهم سائرين على منهج واحد، أو يؤدّون دوراً، بِعَيْنِهِ.

ولنقرأ معاً بعض ما كتبوه في هذا الصدد:

تقول كاتبة جامعية: افتقدت الشيعة بمصرع الحسين الزعيم الذي يكون محوراً لجماعتهم وتنظيمهم، والذي يقودهم إلى تحقيق تعاليمهم ومبادئهم، وانصرف الإمام عليّ زين العابدين عن السياسة إلى الدين، وعبادة الله عزّ وجل، وأصبح للشيعة زعيماً روحيّاً، ولكنّه لم يكن الثائر السياسي الذي يتزعّم جماعة الشيعة، حتّى أنّه آثر البقاء في المدينة طوال حياته.

وحاول المختار بن أبي عبيده الثقفي أن ينتزع عليّاً من حياة التعبيد، والاشتغال بالعلم إلى ميادين السياسة، دون جدوى (1) .

ويقول كاتب شيعي: كانت فاجعة مقتل أبيه التي شاهدها ببصره أقسى من أن تتركه يطلب بعد ذلك شيئاً من إمارة الدنيا، أو يثق في الناس، أو يشارك في شأن من شؤون السياسة، اعتكف على العبادة... (2) .

ويقول كاتب سُنّي: لكنّ الإقبال على الله واعتزال شؤون العالم... كان منهجه في حياته الخاصة، وطابعه الذي طبع به التشيّع الاثني عشري، فاتجه إلى الإمامة

____________________

(1) جهاد الشيعة للدكتورة الليثي (ص29)

(2) نظرية الإمامة، لصبحي (ص 349) عن كاظم جواد الحسيني: حياة الإمام علي بن الحسين (ص 320) وانظر ثورة زيد لناجي حسن (ص 30 - 31).

١٠

الروحيّة مبتعداً عن طلب إمامة سياسية (1) .

ويقول كاتب يَمَنيّ: وفي تاريخ الشيعة كذلك نشأتْ نظرات مُتَخاذلة، تولّدت من شعور بعض العلويّين وأنصارهم بالهزيمة الداخليّة، وقلّة النصير، وفجعتهم التضحيات الكبيرة التي قدّموها، ففضّلوا السلامة. وقد وطّدتْ معركة كربلاء من هذا الاتجاه، إذ كان تأثيرها مباشراً على عليّ بن الحسين الذي ابتعد من هول الفجيعة عن السياسة، ونأى بنفسه عن العذاب الذي عاناه مَن سَبَقَه، وعلى قريب من هذا النَهْج سار ابنه محمَد، وحفيده جعفر (2) .

وفي أحدث محاولة لتقسيم أدوار الأئمة (عليهم السلام)، جُعِلَتْ حصّة الإمام السجاد (عليه السلام) الدور الثاني، وهو الذي امتدّ منذ زمانه حتّى زمان الإمام الباقر، والصادق (عليهما السلام)، هو: بناء الجماعة المنطوية تحت لوائهم. ويشرح واحد من أنصار هذه المحاولة هذا الدور بقوله: والمرحلة الثانية التي بدأها الإمام الرابع، زين العابدين (عليه السلام)، تتركّز مهمّة الأئمة (عليهم السلام) فيها: على حماية الشريعة، ومقاومة الانحراف الذي حدث في جسم الأُمّة على يد العلماء المزيّفين المنحرفين،... ولذلك نرى حرص الأئمة في المرحلة الثانية على الابتعاد عن الصراع السياسي، والانصراف إلى بَثّ العلوم، وتعليم الناس، وتربية المخلصين، وتخريج العلماء والفقهاء على أيديهم، والإشراف على بناء الكتلة الشيعية... (3) .

ويقول: إنّ الإمام أراد أن تكون زعامته للأُمّة، زعامة دينية، وأن تصطبغ نشاطاته بصبغة روحية علمية، فكانت زعامته في الأُمّة تختلف عن زعامة الأئمة قبله، حيث كانوا يصارعون الدولة، ويقصدون الإصلاح، ويقارعون الظالمين. فكانت الطريقة التي عاش بها الإمام زين العابدين والظواهر التي برزت في حياته لا تسمح بزعامته إلاّ أنْ تكون دينية وروحية وعلمية، وأن يكون قدوة صالحة في

____________________

(1) نظرية الإمامة (ص 349) وانظر (351)، وانظر: الفكر الشيعي والنزعات الصوفية للشيبي (ص 17) والصلة بين التصوّف والتشيّع، له (ص 104 و 147).

(2) معتزلة اليمن (ص 17 18).

(3) الإمام السجّاد، لحسين باقر (ص 13 - 14).

١١

المجال التربويّ والمعيشة الربانية، لا في مجالات التضحية والجهاد فكانت حياته بطولات في ميادين الجهاد الأكبر جهاد النفس، لا الجهاد الأصغر جهاد الأعداء (1) .

وزاد في تعميق المفاجأة: عندما وجدتُ هؤلاء جميعاً قد أغفلوا أمراً واحداً وهو تحديد السياسة التي ادّعوا أنّ الإمام: ابتعد عنها أو انصرف عنها أو زهد فيها أو لم يشارك فيها أو انعزل عن ساحتها إلى غير ذلك من التعابير المختلفة. وإذا كانت هي زعامة العباد، وتدبير أمور البلاد (2) فهي داخلة في معنى الإمامة التي لابد أن نفرضها للإمام أو على الأقل نفرضها له عندما نتحدّث عنه من حيث كونه إماماً.

وإذا كانت الإمامة متضمّنة للسياسة، فكيف يريد الإمام أن يبتعد عنها؟.

أو يريد الكُتّاب أن يفرضوا فراغ إمامته عنها؟.

أو حصرها بالزعامة الروحية والعلمية فقط؟.

وفي خصوص الإمام زين العابدين (عليه السلام): كانت المفاجأة أعمق أثراً، عندما لاحظتُ أنّ المصادر القديمة والمتكفّلة لذكر حياة الإمام (عليه السلام) تعطي بوضوح نتيجة معاكسة لما شاع عند هؤلاء الكُتّاب، وهي:

أنّ الإمام (عليه السلام) قد قام بدور سياسي فعّال، وكان له تنظيم وتخطيط سياسي دقيق، يمكن اعتباره من أذكى الخطط السياسية المتاحة لمثل تلك الظروف العصيبة الحالكة

____________________

(1) الإمام السجاد، لحسين باقر (ص 63) وانظر خاصة (ص 91 93). ويلاحظ: أنّ جهاد النفس ليس من شؤون الإمامة، ولا الإمام فقط، بل إنمّا هو واجب عام على كل من آمن بالله، وأراد الجنّة.

(2) يلاحظ أن التصدي للحكام غير الشرعيين يعتبر داخلاً في هذا المعنى للسياسة، حتّى في العرف المعاصر. وسيأتي في (التمهيد) تحديدنا للسياسة التي ندّعي أنّ للإمام زين العابدين جهاداً وجهوداً في سبيل تحقيقها.

١٢

ووقفتُ على شواهد عينية من التأريخ تدل على أنّ الجهاد السياسي الذي قام به الإمام السجاد (عليه السلام) من أجل تنفيذ خططه يعد من أدق أشكال العمل السياسي، وأنجحها.

فكان أنْ قصدتُ إلى تأليف هذا الكتاب ليجمع صُوَراً من تلك الشواهد والعيّنات.

فمهّدتُ بحثين يعتبران منطلقاً أساسياً لما يلي من بحوث في الكتاب، وهما:

1 - البحث عن الإمامة، وتعريفها، وما تستلزمه من شؤون.

2 - البحث عن إمامة الإمام زين العابدين (عليه السلام) وإثباتها.

ثم دخلتُ في الفصول، وهي:

الفصل الأول: أدوار النضال في حياة الإمام (عليه السلام): في كربلاء، وفي الأسر، وفي المدينة.

الفصل الثاني: النضال الفكري والعلمي في مجالات: القرآن والحديث، والعقيدة والفكر، والشريعة والأحكام.

الفصل الثالث: النضال الاجتماعي والعملي في مجالات: التربية والأخلاق، والإصلاح وشؤون الدولة، ومناهضة الفساد الاجتماعي في أشكال: العصبية، والفقر، والرقّ.

الفصل الرابع: مظاهر فذّة في حياة الإمام: الزهد والعبادة، والبكاء، والدعاء.

الفصل الخامس: مواقف حاسمة في حياة الإمام: من الظالمين، ومن أعوان الظالمين، ومن الحركات السياسية المعاصرة له.

وختمته بذكر نتائج البحث.

راجياً أن يؤدّي دوراً في تصحيح الرؤية التي انطلتْ على أولئك الكُتّاب.

وفي بلورة ما أُريد عرضه على صفحات هذا الكتاب.

١٣

وقد يسّر اللهُ جلّ جلاله لي بفضله ومنّه العملَ في الكتاب منذ فترة تأليفه سنة (1413)، وحتّى صدور هذه الطبعة المزدانة بمزيد من التدقيق، فراجعتُ المزيد من المصادر والمراجع، وأخذتُ بنظر الاعتبار ما لوحظ على الكتاب فزاد من الثقة به، بتلافي ما وقع في الطبعة السابقة، ومن الله التوفيق.

حُرّر في الخامس والعشرين من شهر محرّم الحرام سنة 1417 هـ

والحمد لله أوّلاً وآخراً

وكَتَب            

السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ

١٤

التمهيد

وفيه بحثان:

البحث الأوّل: الإمامة، ومستلزماتها.

البحث الثاني: إمامة زين العابدين (عليه السلام).

١٥

١٦

التمهيد

البحث الأوّل: الإمامة ومستلزماتها

الإمامة: هي رئاسة عامّة في أمور الدين والدنيا (1) ، والإمام: هو الذي له هذه الرئاسة (2) .

وقال الشيخ المفيد: الإمامة في التحقيق على موضوع الدين واللسان: هي التقدّم في ما يقتضي طاعة صاحبه والاقتداء به في ما تقدّم به (3) .

وقد عرّفها القاضي الآبي من متكلّمي الإمامية بقوله: الإمامة: التقدّم لأمر الجماعة (4) .

وقال فخر المحقّقين: الإمام هو الذي له الرئاسة العامّة في أُمور الدين والدنيا، نيابةً عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (5) .

فإذا كانت الإمامة بهذه السعة في شمول نفوذها، وهي كذلك عند المسلمين الشيعة، الذين يعتقدون بإمامة السجاد (عليه السلام)، فلا يمكن أن تفرّغ من السياسة فضلاً

____________________

(1) شرح المواقف، للجرجاني (8: 345) وانظر أنوار التمام لأحمد زيارة المطبوع مع الاعتصام (5: 404).

(2) التعريفات، للجرجاني (ص 16).

(3) الإفصاح، للمفيد (ص 27).

(4) الحدود والحقائق (ص 15 رقم 16).

(5) النكت الاعتقاديّة (ص 53) جواب السؤال (91).

١٧

عن أن يكون للإمام نفسه التخلّي عنها، واعتزالها.

خصوصاً إذا لاحظنا رأي الشيعة في الإمامة، فهم يعدّونها من الأصول الاعتقادية، ويعظّمون شأنها، فيلتزمون بوجوب النصّ عليها من الله تعالى، باعتبار أنّ العلم بتحقّق شروطها، لا يكون إلاّ ممّن يعلم الغيب ويطّلع على السرائر وليس هو إلاّ الله تعالى (1) .

ولذلك: اختصّت الإمامة عند الشيعة بهالة من القدسية، وبإطار من العظمة، وبوفرة من الاهتمام، تجعلها عندهم بمنزلة النبوّة في المسئوليات، إلاّ أنّ النبوّة تمتاز بالوحي المباشر من الله تعالى، وقد استوحوا هذه المنزلة من قول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعلي (عليه السلام): أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَ بعدي... (2) الحديث الذي يُعتبر من أدلّة إمامة عليّ (عليه السلام).

وقد جاء التعريف الجامع للإمامة على رأي الشيعة الإمامية في حديث الإمام الرضا علي بن موسى بن جعفر (عليه السلام)، حيث قال:

... إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء.

إنّ الإمامة خلافة الله عزّ وجلّ، وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤمنين... إنّ الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعزّ المؤمنين.

إنّ الإمامة آس الإسلام النامي، وفرعه السامي،... إلى آخر كلامه في ذكر الإمام

____________________

(1) الإفصاح للمفيد (ص 27) وانظر الأحكام للهادي إلى الحق (2: 460 461) وإكمال الدين للصدوق (ص 9).

(2) حديث المنزلة من المتواترات، قاله الكتاني في نظم المتناثر (ص 195 رقم 233) وأورده من حديث ثلاث عشرة نفساً، وقال: وقد تتبّع ابن عساكر طرقه في جزء، فبلغ عدد الصحابة فيه نيفاً وعشرين. وفي (شرح الرسالة) للشيخ جسوس: حديث (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى متواتر جاء عن نيّف وعشرين صحابياً. وقد رواه من أصحاب الكتب: البخاري في صحيحه (4: 208) و (5: 129)، ومسلم في صحيحه (2: 360)، وأحمد في مسنده (1:173)، وانظر الاعتصام (5: 390).

١٨

وأوصافه، وواجباته (1) .

ومن يُنكر أن تكون السياسة من صميم شؤون النبوّة، ومسئوليات النبيّ المهمّة؟ وأنّى تُبْعَد السياسة من اهتمامات نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟.

وقد اتفق الزيدية مع الإمامية على مجمل الذي ذكرناه، إلاّ أنّهم عبّروا عن شرط الإمامة، بالخروج، وأضافوا: الدعوة إلى نفسه (2) .

ومن مذهبهم: أنّ كلّ فاطميّ، خرج وهو عالم، زاهد، شجاع، سخيّ، كان إماماً واجب الاتباع (3) .

وأضاف بعضهم: أن يكون قائماً، شاهراً لنفسه، رافعاً لرايته (4) وهو المراد بشرط الدعوة إلى نفسه.

والمراد بالخروج واضح، وهو إعلان العصيان على الحكومات الجائرة، الغاصبة للسلطة، وعدم الانقياد لحكمها.

وقد أدخل متأخّرو الزيدية كلمة السيف على هذا الشرط، فعبّروا عنه بالخروج بالسيف (5) .

ولعلّه باعتبار ملازمة الخروج للمقاومة، التي لا تخلو من مقارعة بالسيف؛ ولذلك لم تخل حالات الخروج المعروفة في التاريخ من استعمال السيوف ووقوع ضحايا وشهداء.

أمّا لو اقتصرنا على مدلول الخروج الذي فسّرناه، فلم يختلف المذهب الزيدي عن الإماميّ في الخروج على حكم السلطات، وعدم الاعتراف بالحكّام غير

____________________

(1) أورده الصدوق في الأمالي (ص 536 540) وهو تمام المجلس (97) وهو آخر مجلس في الكتاب.

(2) الملل والنحل، للشهرستاني (1: 156) وانظر (ص 154).

(3) الملل والنحل، للشهرستاني (1: 27).

(4) المجموعة الفاخرة، ليحيى بن الحسين (ص 219).

(5) لاحظ أوائل المقالات للمفيد (ص 44) ومعتزلة اليمن (17 18).

١٩

الشرعيين، ورفض كل أشكال التحكّم الخارج من إطار الإمامة الحقّة.

وأمّا بناءً على الالتزام بالخروج بالسيف شرطاً في الإمامة فإنّ الإمام علي بن الحسين السجّاد، وأبناءه الأئمّة (عليهم السلام) لم يقوموا بدور علنيّ في هذا المجال، حتّى نُسِبَ إليهم معارضة كلّ حركةٍ مسلّحة ضدّ الأنظمة الحاكمة. ولكنّ هذه التهمة بعيدة عن ساحة الأئمّة (عليهم السلام):

أوّلاً: لأنّ عمل الأئمّة علي والحسن والحسين (عليهم السلام) في قياداتهم للحروب واشتراكهم في المعارك، هو الحجّة عند الشيعة، ويكفي دليلاً على بُطلان هذه التهمة؛ لأنّ الإمامة شأنها واحد، فلو كان للأئمة السابقين أن يقوموا بعمل مسلّح، فمعناه جواز ذلك للاحقين، وأنّ ذلك لا ينافي الإمامة. فنسبة معارضة الحركة المسلّحة إلى أيّ إمام ثبتتْ إمامتُه، وكان مستجمِعاً لشرائطها، نسبة باطلة، فكيف تجعل دليلاً على نفي الإمامة عن أحد؟.

وثانياً: إنّ الإمام السجاد (عليه السلام) هو في أوّل القائمة التي وُجهت إليها هذه التهمة، مع أنّا نجد موقفه من السيف ينافي هذه التهمة تماماً ويُبطلها، فهو في الحديث التالي يعتبر إشهار السيف عملاً لمن هو سابق بالخيرات.

ففي تفسير قوله تعالى: ( ثُمَ أوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ بإذنِ اللهِ ذْلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبيرُ ) ، فاطر: 35 الآية 32.

قال (عليه السلام): نزلت والله فينا أهل البيت ثلاث مرّات.

قال الراوي: أخبرنا: مَنْ فيكم الظالم لنفسه؟.

قال (عليه السلام): الذي استوت حسناته و سيئاته، وهو في الجنّة.

قال الراوي: والمقتصد؟.

قال (عليه السلام): العابد لله في بيته حتّى يأتيَهُ اليقين.

قال الراوي: فقلت: السابق والخيرات؟.

٢٠