الإمام علي (عليه السلام) وتنمية ثقافة أهل الكوفة

الإمام علي (عليه السلام) وتنمية ثقافة أهل الكوفة0%

الإمام علي (عليه السلام) وتنمية ثقافة أهل الكوفة مؤلف:
الناشر: المركز العالمي للدراسات الإسلامية
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 183

الإمام علي (عليه السلام) وتنمية ثقافة أهل الكوفة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد العبادي
الناشر: المركز العالمي للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 183
المشاهدات: 94743
تحميل: 6615

توضيحات:

الإمام علي (عليه السلام) وتنمية ثقافة أهل الكوفة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 183 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94743 / تحميل: 6615
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي (عليه السلام) وتنمية ثقافة أهل الكوفة

الإمام علي (عليه السلام) وتنمية ثقافة أهل الكوفة

مؤلف:
الناشر: المركز العالمي للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إن حصول مَلَكة الصّدق تتمّ عبر اتّباع التعاليم التالية:

١. الاتّباع لأئمّة الصّدق والسنة: وهم النبي وأهل بيته ( عليه السلام ) هذا الاتّباع شامل لكلّ حركاتهم وسكناتهم وأقوالهم وأفعالهم، لأنّهم؛

( هُمُ الَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ، وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ، لا يُخَالِفُونَ الدِّينَ وَلا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ وَصَامِتٌ نَاطِقٌ ) (١) .

فينبغي الاتّباع التّام للأئمة الّذين هم ورثة النبيّ لأنّهم( إن نطقوا صدقوا وإن صمتوا لم يسبقوا ) (٢) .

٢. معرفة القيمة المعنويّة للصدق: والنتائج الّتي تترتّب عليه( ولسان الصّدق يجعله الله للمرء في الناس خيرٌ له من المال يرثه غيره ) (٣) .

٣. أن يفعل الإنسان الخير فهو يؤدّي إلى الصّدق وترسيخه في نفسه: فكلّما كان فعله للخير كثيراً، كان ذلك باعثاً للصّدق وتوطيده( قدر الرّجل على قدر همّته، وصدقه على قدر مروءته ) (٤) .

٤. التقّرب والالتصاق بالصّالحين وأهل التقوى والصّدق ( وأَلصق بأهل الورع والصّدق ) (٥) .

____________________

(١) نفس المصدر: الخطبة ١٤٧.

(٢) نفس المصدر: الخطبة ١٥٤.

(٣) نفس المصدر: الخطبة ٢٣.

(٤) نفس المصدر: الحكمة ٤٣.

(٥) نفس المصدر: الكتاب ٥٣.

١٤١

٥. الابتعاد عن أهل الكذب: ينبغي للرّجل المسلم أن يتجنّب مؤاخاة الكذّاب، لأنّه( لا يزال يكذب حتى يجيء بالصّدق فلا يُصدّق ) (١) .

أمّا بالنسبة إلى الوضوح فإنّ السّبيل إليه يتسنّى من خلال استعمال العلم والعمل به، حالة الغموض التي تطرأ أو تستولي على الأفراد ناتجة من تخلّف العمل عن العلم، وقد أوضح ( عليه السلام ) إنّ عدم الوضوح لا يوصل إلى هدف وحاجة.

( فإنّ العامل بغير علمٍ كالسّائر ( السّابل - السّابك ) على غير طريق، فلا يزيده بُعده عن الطّريق الواضح إلاّ بُعداً عن حاجته، والعامل بالعلم كالسّائر على الطرّيق الواضح ) (٢) .

٢. الشموليّة والاستيعاب

إنّ الشّموليّة التي أضفاها علي ( عليه السلام ) بين أهل الكوفة هي نفس الشمولية التي نزل بها القرآن؛ لأنّ علياً والقرآن صنوان متلازمان لا يفترقان( وإنّ الكتاب لمعي، ما فارقته مذ صحبته ) (٣) .

لذا عندما نقول: إنّ من الصّفات الثّقافية الّتي نشرها علي ( عليه السلام ) الشّمولية والاستيعاب، فإنّ ذلك يعني أنّ من صفات القرآن الشمولية والاستيعاب؛ لأنّ علياً هو القرآن الناطق، والكتاب الكريم هو القرآن الصادق.

____________________

(١) إرشاد القلوب: ١/٣٣٨.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ١٥٤.

(٣) نفس المصدر: الخطبة ١٢٢.

١٤٢

قد يُستدرك بالسؤال من أين لعلي أن يكون رفيع الغاية وشامل الحَلَبة؟

لقد رضع علي التقوى، وزُقّ العلم من لدن أن كان صبياً( وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ) (١) .

نعم يُرفع له ( عليه السلام ) كل يومٍ من أخلاق النّبي علماً، وأفصح عن نوع هذه العلوم وتمامها وشمولها بقوله:( تَاللَّهِ لَقَدْ عُلِّمْتُ تَبْلِيغَ الرِّسَالاتِ، وَإِتْمَامَ الْعِدَاتِ وَتَمَامَ الْكَلِمَاتِ، وَعِنْدَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَبْوَابُ الْحُكْمِ وَ ضِيَاءُ الأَمْرِ ) (٢) .

تكميلاً لِما تقدّم يظهر رأس العلّة في قول الإمام ( عليه السلام ):

( سَلوني قبل أن تفقدوني، فو الله ما من أرض مخصبة ولا مجدبة، ولا فئة تضلّ مِئة أو تهدي مِئة، إلاّ وأنا أعلم قائدها وسائقها وناعقها إلى يوم القيامة ) (٣) .

هذه الصفة في التسلّط العلمي تفرّد بها الإمام دون غيره، ما أحد قال على المنبر سَلوني غير عليّ(٤) .

الإمام ( عليه السلام ) بقوله: سلوني خلق نوعاً من التحدّي في الإجابة على أي سؤال يخطر في أذهانهم، وحرّضهم على السؤال قبل أن يفقدوه، وقبل فوات الفرصة ومرورها، وحرّك فيهم دواعي الاطّلاع والمعرفة( والله لو شئت أن

____________________

(١) نفس المصدر الخطبة ١٩٢.

(٢) نفس المصدر الخطبة ١١٩.

(٣) أمالي الطوسي: ٥٨.

(٤) مناقب آل أبي طالب: ٢/٤٨.

١٤٣

أخبر كلّ رجلٍ منكم بمخرجه وموْلِجه وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، أَلا وإنّي مفضيه إلى الخاصّة ممّن يُؤمن ذلك منه ) (١) .

( ولو تعلمون ما أعلم ممّا طُوي عنكم غيبُه ) (٢) .

بعد هذا العرض المقتضب لمصدر ومنبع الشّمولية والاستيعاب والتسلّط العلمي عند الإمام، نريد أن نعرف مدى العمل بهذه الصفة.

إنّ الرّوحية الإسلامية الواسعة الّتي تسع حتى غير المسلم وتستوعبه، قد عمل بها الإمام ( عليه السلام ) وأوصى بها( وأحسن إلى جميع النّاس كما تحّبّ أن يُحسن إليك، وارضَ لهم ما ترضاه لنفسك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وحسّن مع جميع النّاس خلقك ) (٣) .

( فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدّين، أو نظير لك في الخلق ) (٤) .

في هذه الفقرات يوصي الإمام بأن يكون التعامل حسناً وطيباً وشاملاً لجميع الناس، ويأمر بتحسين الأخلاق مع كلّ النّاس، وأن يكون هناك في المحبّة لهم واللّطف بهم، وهذه الأخلاق الّتي يوصي بها الإمام تشمل حتى مَن كان لديه انتماء ديني آخر، عن محمد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال: مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام )( ما هذا؟

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١٧٥.

(٢) نفس المصدر: الخطبة ١١٦.

(٣) نفس المصدر: الكتاب: ٣١، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: ١/٣١٢.

(٤) نفس المصدر: الكتاب: ٥٣.

١٤٤

فقالوا: يا أمير المؤمنين نصراني قال: فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه! أنفقوا عليه من بيت المال ) (١) .

يكرّر الإمام ( عليه السلام ) التذكير لمَن يتصدى المسؤولية، أن يتجاوز الحدود والأُطر الضيّقة في المحبّة والكره من حدود نفسه وأسرته إلى عامّة الرعية( وأحبّ لعامّة رعيتك ما تحبّ لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك، فإنّ ذلك أوجب للحجّة وأصلح للرعيّة ) (٢) .

٣. القدرة والنفوذ

القدرة على ماذا والنفوذ في أي شيء؟

إنّ القدرة على التّأثير في الآخرين من الصّفات التي تحلّت بها شخصية أمير المؤمنين، الخطبة المسّماة الغرّاء شاهد على القدرة في التّأثير على النفوس، فبعد أن تناول الإمام فيها صفات الله تعالى، ووصّى الناس بالتّقوى ووصف لهم الدّنيا، الموت والقيامة، وطريق الاتّعاظ وعجائب صنع الله، أنصت النّاس إلى خطبة الإمام بكلّ وجودهم، وهو ما يكشف عن قدرته وتأثيره فيهم، وفي الخبر أنّه لمّا خطب بهذه الخطبة اقشعرّت لها الجلود وبكت العيون ورجفت القلوب(٣) .

قوة كلمات الإمام جعلت من النّاس يتفاعلون معها وينغمسون في بطونها، ممّا جعلهم من شدّة الاستغراق فيها، أن تفيض عيونهم وترجف

____________________

(١) تهذيب الأحكام: ٦/٢٩٢.

(٢) أمالي الطوسي: ٣٠.

(٣) نهج البلاغة: الخطبة ٨٣.

١٤٥

قلوبهم، وهو ما يدلّ على مدى نفوذ كلماته ( عليه السلام ) في مسامع ضمائرهم( ربّ قولٍ أنفذ من صَولٍ ) (١) .

إنّ النّفوذ في الخير وفي نفوس المؤمنين هو النفوذ الحقيقي( أَلا وإنّ أبصر الأبصار ما نفذ في الخير طرفه ) (٢) .

قد نفذ أمير المؤمنين إلى معدن الخير والسّعادة، حيث اليقين المبين( لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً ) (٣) .

ترتّب عليه أنّ تنفذ كلمات الإمام إلى أعماق الصّدور لإحيائها.

٤. الاعتدال والوسطية

ورد ذكر مفهوم الوسطيّة في القرآن في بعض الآيات الشريفة.

( وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى‏ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مّحْسُوراً ) (٤) .

شبيه هذا المفاد القرآني في مراعاة الاعتدال قول علي ( عليه السلام ):

( وإن جَهَده الجوع قعد به الضّعف، وإن أَفَرط به الشّبع كظّته البِطنة، فكلّ تقصيرٍ به مضرٌّ وكلّ إفراطٍ له مفسد ) (٥) .

____________________

(١) نفس المصدر: الحكمة: ٣٩٤.

(٢) نفس المصدر: الخطبة ١٠٥.

(٣) كشف الغمة في معرفة الأئمة: ١/٢٢٧.

(٤) الإسراء: ٢٩.

(٥) نهج البلاغة: الحكمة ١٠٨.

١٤٦

ذكر أيضاً مفهوم الاعتدال والالتزام به في القرآن زمن القرون الأُولى الّتي سبقت الإسلام.

( قُل يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقّ وَلاَ تَتّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلّوا كَثِيراً وَضَلّوا عَن سَوَاءِ السّبِيلِ ) (١) .

جاء ذكر الوسطية كذلك في الآية الكريمة.

( وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (٢) .

فالآيات الكريمة تأمر بالاعتدال والوسطية والاتزان؛ خروجاً من فكّي الإفراط والتفريط اللّذين يعود سببهما إلى الجهل( لا ترى الجاهل إلاّ مُفرطاً أو مفرّطاً ) (٣) .

أفشى الإمام صفة الاعتدال والوسطية في غير واحد من أقواله.

( الْيَمِينُ وَالشِّمَالُ مَضَلَّةٌ، وَالطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ وَآثَارُ النُّبُوَّةِ، وَمِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ وَإِلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ ) (٤) .

إنّ الإمام ( عليه السلام ) عمّم ثقافة الاعتدال وكرّرها كثيراً.

ليجعل النّاس على بصيرة في اختيار الطرّيق الوسط، وقد حدّد الإمام

____________________

(١) المائدة: ٧٧.

(٢) البقرة: ١٤٣.

(٣) نهج البلاغة: الحكمة: ٧٠/٦٣٨.

(٤) نفس المصدر: الخطبة ١٦.

١٤٧

لشيعته بعض الصّفات؛ تجنيباً لهم من حالتي الإفراط والتّفريط.

( شيعتنا المتباذلون في ولايتنا، المتحابّون في مودّتنا، المتزاورون في إحياء أمرنا، الّذين إن غضبوا لم يظلموا، وإن رضوا لم يسرفوا، بركةٌ على مَن جاوروا، سِلمٌ لمَن خالطوا ) (١) .

بيّن الإمام صفة الوسيطة لأحد أصحابه، دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) في نفرٍ من الشيعة وكنت فيهم، فجعل الحارث يتأوّد(٢) في مشيته ويخبط(٣) الأرض بمِحجَنه،(٤) وكان مريضاً، فأقبل عليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) - وكان له منه منزلة - فقال:( كيف تجدك يا حارث؟ فقال: نال الدّهر يا أمير المؤمنين منّي، وزادني أواراً وغليلاً اختصام أصحابك ببابك، قال:وفيمَ خصومتهم؟ قال: فيك وفي الثلاثة من قبلك، فمن مفرطٍ منهم غالٍ، ومقتصدٍ تال ومن متردّدٍ مرتاب، لا يدري أَيقدم أَم يحجم؟ فقال:حسبك يا أخا همدان، أَلا إنّ خير شيعتي النمط الأوسط، إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي ) (٥) .

كذا حذّر ( عليه السلام ) الناس من المبالغة في حدّي الإفراط والتفريط والوقوع في

____________________

(١) الأصول من الكافي: ٢/٢٣٦.

(٢) يتعوّج ويتثنّى.

(٣) يضرب.

(٤) عصا معقفة.

(٥) أمالي الطوسي: ٦٢٥، كشف الغمة في معرفة الأئمة: ١/٥٤٤، مناقب الإمام علي بن أبي طالب: ٢/٢٧١ - ٢٨٣.

١٤٨

الهلاك والضلال.

( سيهلك فيّ صنفان محبٌّ مفرطٌ يذهب به الحبّ إلى غير الحقّ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحقّ، وخير النّاس فيّ حالاً النّمط الأوسط فالزموه ) (١) .

وقد يخامر العقل السؤال عن سبب التعبير بالنّمط الأوسط؟

لأنّ الأطراف يتسارع إليها الخلل والإعوار، والأوساط محميّة محوّطة.

منه قول الطائي:

كانت هي الوسطى المحمّي فاكتنفت

بها الحوادثُ حتى أصبحت طرفاً(٢)

٥. الواقعيّة والمثاليّة

المقصود من الواقعيّة هي أن يكون تفكير الإنسان وأعماله التي ينشدها متناسبةً مع إمكاناته وطاقته وعمره القصير.

إنّ الواقعية قد أوضحها الإمام ببيان بليغ( وَاعْلَمْ يَقِيناً أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ، وَلَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ، وَأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، فَخَفِّضْ فِي الطَّلَبِ، وَأَجْمِلْ فِي الْمُكْتَسَبِ، فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَبٍ قَدْ جَرَّ إِلَى حَرَبٍ، وَلَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ، وَلا كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْرُومٍ وَإِيَّاكَ وَالاتِّكَالَ

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١٢٧.

(٢) الأمثال والحكم المستخرجة من نهج البلاغة: ٢٤٧.

١٤٩

عَلَى الْمُنَى فَإِنَّهَا بَضَائِعُ النَّوْكَى ) (١) ( ليس كلّ طالبٍ يُصيب ليس كلّ مَن رمى أصاب ) (٢) .

فالطلّب الواقعي يراعى فيه جانب العقل والموضوعية حتى يكون سبيل إلى الحياة الطبيعيّة، والطلب غير الواقعي لا يراعى فيه ذلك، وعندها يجرّ الإنسان إلى دروب الحيرة والاضطراب( ربّ طلبٍ قد جرّ إلى حرب ) .

أمّا المثالية فهي إحياء الحقّ عبر العمل به، وإماتة الباطل من خلال رفضه.

ففي الوقت الّذي يعيش الإنسان بحياةٍ طيبة، يكون همّه أيضاً إقامة دعائم الحقّ وأركانه، وهدم قواعد الباطل وبنيانه( فَلا يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ فِي نَفْسِكَ مِنْ دُنْيَاكَ، بُلُوغُ لَذَّةٍ أَوْ شِفَاءُ غَيْظٍ، وَلَكِنْ إِطْفَاءُ بَاطِلٍ أَوْ إِحْيَاءُ حَقٍّ ) (٣) .

إنّ الواقعية والمثالية التي جاء بها علي ( عليه السلام ) تتماشى مع المتطّلبات الصّحيحة والفطرة الإنسانية، وتحدو بالمسلم إلى مسالك الخير والصّلاح.

____________________

(١) الحمقى.

(٢) نهج البلاغة: الكتاب ٣١.

(٣) نفس المصدر: الكتاب ٦٦.

١٥٠

الفصل الحادي عشر: الإمام علي ( عليه السلام ) والحلول الثقافية

هناك بعض الأحداث الّتي وقعت في زمان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وارتضى لها حلاًّ أناخ فيها حكماً.

اختلفت الحلول الثقافية في عصر الإمام ( عليه السلام ) بحسب ما يقتضيه العلاج المناسب والسليم، وربّما كانت هناك بعض الحلول الّتي ارتآها الآخرين في مقابل الحلّ الإسلامي الصّحيح.

والحلول الثقافية هي:

١. الحل الاستئصالي

حينما تنفذ الحلول والحجج في إعادة الحقّ إلى نصابه وموضعه، عند ذلك يختار الإمام ( عليه السلام ) الحلّ الاستئصالي؛ إزهاقاً للباطل، واجتثاثاً لجذوره( فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ، وَكَفَى بِهِ شَافِياً مِنَ الْبَاطِلِ وَنَاصِراً لِلْحَقِّ ) (١) .

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ٢٢.

١٥١

طبّق الإمام هذا الحلّ بعد أن نفذت الخيارات السلمية بقتال النّاكثين والقاسطين والمارقين، وطبّقه أيضاً مع الغلاة الّذين لم يرجعوا إلى التّوبة، ومع النصارى الّذين أعلنوا الحرب، ووقفوا بوجه الإسلام.

أتاه صلوات الله عليه قومٌ غَلوا فيه، ممّن قدّمنا وصفهم واستزلال الشيطان إيّاهم، فقالوا:

أنت إلهنا وخالقنا ورازقنا، ومنك مبدؤنا وإليك معادنا، فتغيّر وجهه ( عليه السلام ) وارفضّ عرقاً، وارتعد كالسّعفة؛ تعظيماً لجلال الله ( عز جلاله ) وخوفاً منه، وثار مغضباً ونادى بمَن حوله وأمرهم بحفير فحُفر وقال:لأشبعنّكم اليوم لحماً وشحماً ، فلمّا علموا أنّه قاتلهم، قالوا:

لئن قتلتنا فأنت تحيينا، فاستتابهم فأصّروا على ما هم عليه، فأمر بضرب أعناقهم، وأضرم ناراً في ذلك الحفير فأحرقهم فيه، وقال ( عليه السلام ):

لما رأيتُ الأمرَ أمراً منكرا

أَضرمتُ ناري ودعوتُ قنبرا(١)

قريب من هذه الرواية ما نقله ابن شهر آشوب في مناقبه في سبعين من الزط(٢) الذين يدعونه إلهاً(٣) .

الإمام ( عليه السلام ) تبرّأ من الغلاة؛ لأنّهم فئة منحرفة( اللّهمّ إنّي بريء من الغلاة

____________________

(١) دعائم الإسلام: ١/٨٧.

(٢) الزط - جيل أسود من السند إليهم تنسب الثياب الزطية.

(٣) مناقب آل أبي طالب: ١/٣٢٥.

١٥٢

كبراءة عيسى بن مريم من النّصارى، اللّهمّ اخذلهم أبداً ولا تنصر منهم أحداً ) (١) .

كذا نفّذ الإمام الحلّ الاستئصالي في أحد النّصارى ممّن وقفوا بوجه الإسلام، وأمر - علياً - بإحراق نصرانيّ ارتدّ فبذل أولياء النّصرانيّ في جثّته مِئة ألف درهم فأبى عليهم، فأمر به فأُحرق بالنّار، وقال:( ما كنت لأكون عوناً للشيطان عليهم ولا ممّن يبيع جثّة كافرٍ ) (٢) .

ممّا سبق نعرف أنّ الإمام لجأ إلى الحلّ الاستئصالي من أجل؛ قلع جذور الانحراف أو الكفر.

٢. الحلّ الإبقائي

تجلّى هذا الحلّ بعد مجيء الإمام ( عليه السلام ) إلى الكوفة في ١٣ رجب سنة ٣٦هـ، حيث صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ووصّى النّاس بملازمة التقوى، وطاعة الله ورسوله وأهل بيته - الذي هم أولى بالطاعة من المنتحلين المدّعين - ثمّ صوّب الإمام حديثه نحو القوم الذي قعدوا عن نصرته وتخلّفوا عن دعوته، مستعتباً لهم وموضّحاً الحلّ معهم( إنّه قد قعد عن نصرتي رجال منكم فأنا عليهم عاتب زارٍ، فاهجروهم وأَسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا أو نرى منهم ما نرضى ) .

____________________

(١) نفس المصدر: ١/٣٢٤.

(٢) دعائم الإسلام: ٢/٤٠٥.

١٥٣

فقام إليه مالك بن حبيب التميميّ اليربوعيّ - وكان صاحب شرطته - فقال: والله! إنّي لأرى الهجر وإسماع المكروه لهم قليلاً، والله لئن أمرتنا لنقتلنّهم، فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( يا مالك، جزت المدى وعدوت الحدّ، وأغرقت في النّزع ) (١) .

لقد اختار الإمام الحلّ الإبقائي، بهجرهم وإسماعهم ما يكرهون بهدف إصلاحهم وعودتهم إلى الطّاعة.

رغم أنّ رئيس شرطته اختار حلاًّ حاسماً باستئصالهم، إلاّ أنّ الإمام قد حلّ الأمر حسب المدى الشّرعي المتاح تطبيقه.

مرّة أخرى في وقعة صفين أراد أمير المؤمنين تطبيق الحلّ الإبقائي - بدعوة معاوية إلى الطّاعة والجماعة - قبل اللّجوء إلى الحلّ الاستئصالي، إلاّ أنّ معاوية رفض ذلك، ثمّ إنّ علياً دعا بشير بن عمرو بن مخصن الأنصاريّ وسعيد بن قيس الهمدانيّ وشبث بن ربعيّ التميميّ، فقال:( ائتوا هذا الرّجل فادعوه إلى الله وإلى الطاعة والجماعة، فقال له شبث بن ربعيّ: يا أمير المؤمنين! أَلا تُطمعه في سلطان تولّيه إيّاه، ومنزلة يكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك؟ فقال عليّ:ائتوه فالقوه فاحتجّوا عليه وانظروا ما رأيه ) (٢) .

إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يختار هذا الحلّ عندما يكون في البين أملاً في الإصلاح ومنفعة تعود للإسلام.

____________________

(١) المعيار والموازنة: ٩٧، الفتوح: ٢/٣٤٨، أمالي المفيد / ١٢٧.

(٢) تاريخ الطبري: ٣/٧٦.

١٥٤

٣. الحلّ الانتقائي

اتخذ الّذين اتّبعوا أهوائهم حلاًّ انتقائياً في علاج ما ينزل بهم من مهمّات ومبهمات، فمالوا بالحقّ إلى آرائهم، وأخذوا من كلٍّ ضِغث.

( فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ، وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ، فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ ) (١) .

قد عمل بهذا الحلّ الانتقائي فريق ممّن نصّبوا أنفسهم للقضاء بين النّاس.

( جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ ) (٢) .

إنّ الحلّ الانتقائي يورد الإنسان موارد الشّبهات؛ لأنّه يعني العمل بفنون الاستدراك،( يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ ) .

٤. الحلّ التبعي

في عصر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان يوجد نوعان من الحلول التبعيّة:الأوّل: اتّباع الإمام ( عليه السلام ) وما صدع به من الحقّ.

عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( عليهما السلام ) إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال للبراء

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ٥٠، المعيار والموازنة: ٢٩١.

(٢) نفس المصدر: الخطبة ١٧.

١٥٥

بن عازب:كيف وجدت هذا الدّين؟ قال: كنّا بمنزلة اليهود قبل أن نتّبعك، تخفّ علينا العبادة، فلمّا اتبعناك ووقع حقايق الإيمان في قلوبنا، وجدنا العبادة قد تثاقلت في أجسادنا(١) .

إنّ اتّباع الإمام ( عليه السلام ) يعني اتّباع الله ورسوله، ويترتب عليه أن يقود الإنسان إلى الصّراط المستقيم.

الثاني: اتّباع الشيطان والآباء والأسلاف ،( إِنّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى‏ أُمّةٍ وَإِنّا عَلَى‏ آثَارِهِم مُقْتَدُونَ ) (٢) .

قد زجّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بكثير من المفاهيم في سبيل الحؤول دون اتّباع خطوات الشّيطان، عندما تعرّض لذكر طائفة من النّاس في اتّباعهم الأعمى، راجياً حجزهم عن ذلك.

( اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لأَمْرِهِمْ مِلاكاً، وَاتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً، فَبَاضَ وَفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ، وَدَبَّ وَدَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ، فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ، وَنَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ، وَ زَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ، وَنَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ ) (٣) ( أَو َلَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالآبَاءَ وَإِخْوَانَهُمْ وَالأَقْرِبَاءَ، تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَتَطَؤونَ جَادَّتَهُمْ؟ ) (٤) .

هذه التّبعيّة أَلهت القوم عن رشدهم وأبعدتهم عن حظّهم.

____________________

(١) سفينة البحار: ١/٢٥٢.

(٢) الزخرف: ٢٣.

(٣) نهج البلاغة: الخطبة ٧.

(٤) نفس المصدر: الخطبة ٨٣.

١٥٦

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللّهُ قَالُوا بَلْ نَتّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) (١) ، قالوا( حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا ) (٢) .

هذا الحلّ قد أنس به معاوية: مستفيداً من تجربة أسلافه في الادّعاء والتّضليل؛ ولذا وعظه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في أن ينتفع بالنّظر الفاحص في شواهد الأمور.

( أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِاللَّمْحِ الْبَاصِرِ مِنْ عِيَانِ الأُمُورِ، فَقَدْ سَلَكْتَ مَدَارِجَ أَسْلافِكَ بِادِّعَائِكَ الأَبَاطِيلَ وَاقْتِحَامِكَ غُرُورَ الْمَيْنِ وَالأَكَاذِيبِ ) (٣) .

نصح الإمام المسلمين من وطئ جادة الآباء، ولم يبخل بالوعظ - كما عرفنا آنفاً - لأعدائه عن امتطاء سبيل الأسلاف.

٥. الحل التّأصيلي

هذا الحلّ يكون بإقامة السنّة، حيث إنّ إرجاع الأحكام - في مختلف القضايا - إلى القرآن والسنّة الّتي عمل بها النّبي وأهل بيته كفيلان بحلّ جميع القضايا المستحدثة.

من هنا كان الإمام يحكم ويعمل بالسنّة، معيداً لها اعتبارها وتأصيلها، لا تجد علياً ( عليه السلام ) يقضي بقضاء إلاّ وجدت له أصلاً في السُنّة. قال: كان

____________________

(١) البقرة: ١٧٠.

(٢) المائدة: ١٠٤.

(٣) نهج البلاغة: الكتاب: ٦٥.

١٥٧

عليّ ( عليه السلام ) يقول:( لو اختصم إليّ رجلان فقضيت بينهما قضاءً واحداً؛ لأنّ القضاء لا يحول ولا يزول ) (١) .

إنّ إعادة تأصيل السُنّة - من قبل الإمام - شملت حتى أبسط الأوضاع والحركات العادية الّتي قد يكرّرها الإنسان في ركوبه أو سيره من دون أن يستند إلى السُنّة، لكن علي ( عليه السلام ) بأفعاله علّمنا بأنّ سنّة النّبي موجودة وقائمة في كلّ وضع يتّخذه الإنسان، حتى في حال ركوبه الدّابة أو وسيلة معيّنة، وهو ما يعني أنّ السّنّة النبويّة الّتي خلّفها النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) وورّثها أهل بيته ( عليهم السلام ) تشمل كلّ مفردات وتفاصيل الحياة اليومية.

عن عليّ بن ربيعة الأسدي، قال: ركب عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) فلمّا وضع رجله في الركاب قال:( بسم الله، فلمّا استوى على الدابّة قال:الحمد لله الّذي أكرمنا وحملنا في البرّ والبحر، ورزقنا من الطيبات وفضّلنا على كثير ممّن خلق تفضيلاً، ( سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذا وَمَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) (٢) ثمّ سبّح الله ثلاثاً، وكبّر الله ثلاثاً ثمّ قال:ربّ اغفر لي، فإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت. ثمّ قال:فعل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) هذا وأنا رديفه ) (٣) .

إنّ الاستناد إلى السُنة يعتبر أفضل حلّ في التعامل مع الأحداث اليومية.

____________________

(١) أمالي الطوسي: ٦٤.

(٢) الزمر: ١٣.

(٣) أمالي الطوسي: ٥١٥.

١٥٨

الفصل الثاني عشر: الإمام علي ( عليه السلام ) والنتائج الثقافية

أفلحت جهود الإمام العظيمة في إحراز عدة نتائج، وعلى أعداد قليلة من النّاس، مضوا من الدّنيا إلى الفوز الأكبر، وانقلبوا إلى رضوان الله ونعيمه، فيما يلي النتائج الثقافية الّتي خلّفها جهاد علي ( عليه السلام ):

١. تحديد الحقوق والواجبات

وضع أمير المؤمنين العلامات الفارقة في تحديد ومعرفة الحقوق، ونصبها أمام أعين النّاس، ممّا سهّل للنّاس معرفة ما لهم وما عليهم، فوزّع الحقوق كالآتي:

أ. حق الله تعالى: هذا هو الحقّ الأوّل الّذي على النّاس أن يعرفوه والّذي بصلاحه، تصلح غيره من الحقوق المترشّحة عنه( جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلاً مِنْهُ وَتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُهُ ) (١) .

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة: ٢١٦.

١٥٩

ب. حق الوالي: يعتبر هذا الحقّ من أعظم ما افترض الله سبحانه لبعض النّاس على بعض( وأمّا حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطّاعة حين آمركم ) (١) .

ج. حق الرّعية: أوضح الإمام حق الرّعية عليه( فأمّا حقّكم عليّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيما تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا ) (٢) .

إنّ أداء حقّ الرّعية وأداء حقّ الوالي - لكلّ على كلٍّ - هو في حقيقته يعود بالنفع على النّاس.

( فجعلها نظاماً لألفتهم وعزّاً لدينهم، فليست تصلح الرّعيّة إلاّ بصلاح الولاة، فإذا أدّت الرّعية إلى الوالي حقّه وأدّى الوالي إليها حقّها، عزّ الحقّ بينهم، وقامت مناهج الدّين، واعتدلت معالم الدّولة، ويئست مطامع الأعداء ) (٣) .

إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أدّى حتى أبسط وأدقّ الحقوق إلى النّاس، خرج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على أصحابه وهو راكب، فمشوا خلفه، فالتفت إليهم، فقال:( لكم حاجة؟ فقالوا: لا يا أمير المؤمنين ولكنّا نحبّ أن نمشي معك. فقال لهم:انصرفوا: فإنّ مشي الماشي مع الرّاكب مفسدة للرّاكب ومذلّة للماشي ) (٤) .

____________________

(١) نفس المصدر: الخطبة: ٣٤، سفينة البحار: ١/١٣٢.

(٢) نفس المصدر: الخطبة: ٣٤.

(٣) نفس المصدر: الخطبة: ٢١٦.

(٤) مناقب آل أبي طالب: ٢/١٢٠.

١٦٠