الإمام علي (عليه السلام) وتنمية ثقافة أهل الكوفة

الإمام علي (عليه السلام) وتنمية ثقافة أهل الكوفة30%

الإمام علي (عليه السلام) وتنمية ثقافة أهل الكوفة مؤلف:
الناشر: المركز العالمي للدراسات الإسلامية
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 183

الإمام علي (عليه السلام) وتنمية ثقافة أهل الكوفة
  • البداية
  • السابق
  • 183 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 103506 / تحميل: 8095
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي (عليه السلام) وتنمية ثقافة أهل الكوفة

الإمام علي (عليه السلام) وتنمية ثقافة أهل الكوفة

مؤلف:
الناشر: المركز العالمي للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

إن حصول مَلَكة الصّدق تتمّ عبر اتّباع التعاليم التالية:

١. الاتّباع لأئمّة الصّدق والسنة: وهم النبي وأهل بيته ( عليه السلام ) هذا الاتّباع شامل لكلّ حركاتهم وسكناتهم وأقوالهم وأفعالهم، لأنّهم؛

( هُمُ الَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ، وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ، لا يُخَالِفُونَ الدِّينَ وَلا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ وَصَامِتٌ نَاطِقٌ ) (١) .

فينبغي الاتّباع التّام للأئمة الّذين هم ورثة النبيّ لأنّهم( إن نطقوا صدقوا وإن صمتوا لم يسبقوا ) (٢) .

٢. معرفة القيمة المعنويّة للصدق: والنتائج الّتي تترتّب عليه( ولسان الصّدق يجعله الله للمرء في الناس خيرٌ له من المال يرثه غيره ) (٣) .

٣. أن يفعل الإنسان الخير فهو يؤدّي إلى الصّدق وترسيخه في نفسه: فكلّما كان فعله للخير كثيراً، كان ذلك باعثاً للصّدق وتوطيده( قدر الرّجل على قدر همّته، وصدقه على قدر مروءته ) (٤) .

٤. التقّرب والالتصاق بالصّالحين وأهل التقوى والصّدق ( وأَلصق بأهل الورع والصّدق ) (٥) .

____________________

(١) نفس المصدر: الخطبة ١٤٧.

(٢) نفس المصدر: الخطبة ١٥٤.

(٣) نفس المصدر: الخطبة ٢٣.

(٤) نفس المصدر: الحكمة ٤٣.

(٥) نفس المصدر: الكتاب ٥٣.

١٤١

٥. الابتعاد عن أهل الكذب: ينبغي للرّجل المسلم أن يتجنّب مؤاخاة الكذّاب، لأنّه( لا يزال يكذب حتى يجيء بالصّدق فلا يُصدّق ) (١) .

أمّا بالنسبة إلى الوضوح فإنّ السّبيل إليه يتسنّى من خلال استعمال العلم والعمل به، حالة الغموض التي تطرأ أو تستولي على الأفراد ناتجة من تخلّف العمل عن العلم، وقد أوضح ( عليه السلام ) إنّ عدم الوضوح لا يوصل إلى هدف وحاجة.

( فإنّ العامل بغير علمٍ كالسّائر ( السّابل - السّابك ) على غير طريق، فلا يزيده بُعده عن الطّريق الواضح إلاّ بُعداً عن حاجته، والعامل بالعلم كالسّائر على الطرّيق الواضح ) (٢) .

٢. الشموليّة والاستيعاب

إنّ الشّموليّة التي أضفاها علي ( عليه السلام ) بين أهل الكوفة هي نفس الشمولية التي نزل بها القرآن؛ لأنّ علياً والقرآن صنوان متلازمان لا يفترقان( وإنّ الكتاب لمعي، ما فارقته مذ صحبته ) (٣) .

لذا عندما نقول: إنّ من الصّفات الثّقافية الّتي نشرها علي ( عليه السلام ) الشّمولية والاستيعاب، فإنّ ذلك يعني أنّ من صفات القرآن الشمولية والاستيعاب؛ لأنّ علياً هو القرآن الناطق، والكتاب الكريم هو القرآن الصادق.

____________________

(١) إرشاد القلوب: ١/٣٣٨.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ١٥٤.

(٣) نفس المصدر: الخطبة ١٢٢.

١٤٢

قد يُستدرك بالسؤال من أين لعلي أن يكون رفيع الغاية وشامل الحَلَبة؟

لقد رضع علي التقوى، وزُقّ العلم من لدن أن كان صبياً( وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ) (١) .

نعم يُرفع له ( عليه السلام ) كل يومٍ من أخلاق النّبي علماً، وأفصح عن نوع هذه العلوم وتمامها وشمولها بقوله:( تَاللَّهِ لَقَدْ عُلِّمْتُ تَبْلِيغَ الرِّسَالاتِ، وَإِتْمَامَ الْعِدَاتِ وَتَمَامَ الْكَلِمَاتِ، وَعِنْدَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَبْوَابُ الْحُكْمِ وَ ضِيَاءُ الأَمْرِ ) (٢) .

تكميلاً لِما تقدّم يظهر رأس العلّة في قول الإمام ( عليه السلام ):

( سَلوني قبل أن تفقدوني، فو الله ما من أرض مخصبة ولا مجدبة، ولا فئة تضلّ مِئة أو تهدي مِئة، إلاّ وأنا أعلم قائدها وسائقها وناعقها إلى يوم القيامة ) (٣) .

هذه الصفة في التسلّط العلمي تفرّد بها الإمام دون غيره، ما أحد قال على المنبر سَلوني غير عليّ(٤) .

الإمام ( عليه السلام ) بقوله: سلوني خلق نوعاً من التحدّي في الإجابة على أي سؤال يخطر في أذهانهم، وحرّضهم على السؤال قبل أن يفقدوه، وقبل فوات الفرصة ومرورها، وحرّك فيهم دواعي الاطّلاع والمعرفة( والله لو شئت أن

____________________

(١) نفس المصدر الخطبة ١٩٢.

(٢) نفس المصدر الخطبة ١١٩.

(٣) أمالي الطوسي: ٥٨.

(٤) مناقب آل أبي طالب: ٢/٤٨.

١٤٣

أخبر كلّ رجلٍ منكم بمخرجه وموْلِجه وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، أَلا وإنّي مفضيه إلى الخاصّة ممّن يُؤمن ذلك منه ) (١) .

( ولو تعلمون ما أعلم ممّا طُوي عنكم غيبُه ) (٢) .

بعد هذا العرض المقتضب لمصدر ومنبع الشّمولية والاستيعاب والتسلّط العلمي عند الإمام، نريد أن نعرف مدى العمل بهذه الصفة.

إنّ الرّوحية الإسلامية الواسعة الّتي تسع حتى غير المسلم وتستوعبه، قد عمل بها الإمام ( عليه السلام ) وأوصى بها( وأحسن إلى جميع النّاس كما تحّبّ أن يُحسن إليك، وارضَ لهم ما ترضاه لنفسك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وحسّن مع جميع النّاس خلقك ) (٣) .

( فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدّين، أو نظير لك في الخلق ) (٤) .

في هذه الفقرات يوصي الإمام بأن يكون التعامل حسناً وطيباً وشاملاً لجميع الناس، ويأمر بتحسين الأخلاق مع كلّ النّاس، وأن يكون هناك في المحبّة لهم واللّطف بهم، وهذه الأخلاق الّتي يوصي بها الإمام تشمل حتى مَن كان لديه انتماء ديني آخر، عن محمد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال: مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام )( ما هذا؟

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١٧٥.

(٢) نفس المصدر: الخطبة ١١٦.

(٣) نفس المصدر: الكتاب: ٣١، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: ١/٣١٢.

(٤) نفس المصدر: الكتاب: ٥٣.

١٤٤

فقالوا: يا أمير المؤمنين نصراني قال: فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه! أنفقوا عليه من بيت المال ) (١) .

يكرّر الإمام ( عليه السلام ) التذكير لمَن يتصدى المسؤولية، أن يتجاوز الحدود والأُطر الضيّقة في المحبّة والكره من حدود نفسه وأسرته إلى عامّة الرعية( وأحبّ لعامّة رعيتك ما تحبّ لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك، فإنّ ذلك أوجب للحجّة وأصلح للرعيّة ) (٢) .

٣. القدرة والنفوذ

القدرة على ماذا والنفوذ في أي شيء؟

إنّ القدرة على التّأثير في الآخرين من الصّفات التي تحلّت بها شخصية أمير المؤمنين، الخطبة المسّماة الغرّاء شاهد على القدرة في التّأثير على النفوس، فبعد أن تناول الإمام فيها صفات الله تعالى، ووصّى الناس بالتّقوى ووصف لهم الدّنيا، الموت والقيامة، وطريق الاتّعاظ وعجائب صنع الله، أنصت النّاس إلى خطبة الإمام بكلّ وجودهم، وهو ما يكشف عن قدرته وتأثيره فيهم، وفي الخبر أنّه لمّا خطب بهذه الخطبة اقشعرّت لها الجلود وبكت العيون ورجفت القلوب(٣) .

قوة كلمات الإمام جعلت من النّاس يتفاعلون معها وينغمسون في بطونها، ممّا جعلهم من شدّة الاستغراق فيها، أن تفيض عيونهم وترجف

____________________

(١) تهذيب الأحكام: ٦/٢٩٢.

(٢) أمالي الطوسي: ٣٠.

(٣) نهج البلاغة: الخطبة ٨٣.

١٤٥

قلوبهم، وهو ما يدلّ على مدى نفوذ كلماته ( عليه السلام ) في مسامع ضمائرهم( ربّ قولٍ أنفذ من صَولٍ ) (١) .

إنّ النّفوذ في الخير وفي نفوس المؤمنين هو النفوذ الحقيقي( أَلا وإنّ أبصر الأبصار ما نفذ في الخير طرفه ) (٢) .

قد نفذ أمير المؤمنين إلى معدن الخير والسّعادة، حيث اليقين المبين( لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً ) (٣) .

ترتّب عليه أنّ تنفذ كلمات الإمام إلى أعماق الصّدور لإحيائها.

٤. الاعتدال والوسطية

ورد ذكر مفهوم الوسطيّة في القرآن في بعض الآيات الشريفة.

( وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى‏ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مّحْسُوراً ) (٤) .

شبيه هذا المفاد القرآني في مراعاة الاعتدال قول علي ( عليه السلام ):

( وإن جَهَده الجوع قعد به الضّعف، وإن أَفَرط به الشّبع كظّته البِطنة، فكلّ تقصيرٍ به مضرٌّ وكلّ إفراطٍ له مفسد ) (٥) .

____________________

(١) نفس المصدر: الحكمة: ٣٩٤.

(٢) نفس المصدر: الخطبة ١٠٥.

(٣) كشف الغمة في معرفة الأئمة: ١/٢٢٧.

(٤) الإسراء: ٢٩.

(٥) نهج البلاغة: الحكمة ١٠٨.

١٤٦

ذكر أيضاً مفهوم الاعتدال والالتزام به في القرآن زمن القرون الأُولى الّتي سبقت الإسلام.

( قُل يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقّ وَلاَ تَتّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلّوا كَثِيراً وَضَلّوا عَن سَوَاءِ السّبِيلِ ) (١) .

جاء ذكر الوسطية كذلك في الآية الكريمة.

( وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (٢) .

فالآيات الكريمة تأمر بالاعتدال والوسطية والاتزان؛ خروجاً من فكّي الإفراط والتفريط اللّذين يعود سببهما إلى الجهل( لا ترى الجاهل إلاّ مُفرطاً أو مفرّطاً ) (٣) .

أفشى الإمام صفة الاعتدال والوسطية في غير واحد من أقواله.

( الْيَمِينُ وَالشِّمَالُ مَضَلَّةٌ، وَالطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ وَآثَارُ النُّبُوَّةِ، وَمِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ وَإِلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ ) (٤) .

إنّ الإمام ( عليه السلام ) عمّم ثقافة الاعتدال وكرّرها كثيراً.

ليجعل النّاس على بصيرة في اختيار الطرّيق الوسط، وقد حدّد الإمام

____________________

(١) المائدة: ٧٧.

(٢) البقرة: ١٤٣.

(٣) نهج البلاغة: الحكمة: ٧٠/٦٣٨.

(٤) نفس المصدر: الخطبة ١٦.

١٤٧

لشيعته بعض الصّفات؛ تجنيباً لهم من حالتي الإفراط والتّفريط.

( شيعتنا المتباذلون في ولايتنا، المتحابّون في مودّتنا، المتزاورون في إحياء أمرنا، الّذين إن غضبوا لم يظلموا، وإن رضوا لم يسرفوا، بركةٌ على مَن جاوروا، سِلمٌ لمَن خالطوا ) (١) .

بيّن الإمام صفة الوسيطة لأحد أصحابه، دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) في نفرٍ من الشيعة وكنت فيهم، فجعل الحارث يتأوّد(٢) في مشيته ويخبط(٣) الأرض بمِحجَنه،(٤) وكان مريضاً، فأقبل عليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) - وكان له منه منزلة - فقال:( كيف تجدك يا حارث؟ فقال: نال الدّهر يا أمير المؤمنين منّي، وزادني أواراً وغليلاً اختصام أصحابك ببابك، قال:وفيمَ خصومتهم؟ قال: فيك وفي الثلاثة من قبلك، فمن مفرطٍ منهم غالٍ، ومقتصدٍ تال ومن متردّدٍ مرتاب، لا يدري أَيقدم أَم يحجم؟ فقال:حسبك يا أخا همدان، أَلا إنّ خير شيعتي النمط الأوسط، إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي ) (٥) .

كذا حذّر ( عليه السلام ) الناس من المبالغة في حدّي الإفراط والتفريط والوقوع في

____________________

(١) الأصول من الكافي: ٢/٢٣٦.

(٢) يتعوّج ويتثنّى.

(٣) يضرب.

(٤) عصا معقفة.

(٥) أمالي الطوسي: ٦٢٥، كشف الغمة في معرفة الأئمة: ١/٥٤٤، مناقب الإمام علي بن أبي طالب: ٢/٢٧١ - ٢٨٣.

١٤٨

الهلاك والضلال.

( سيهلك فيّ صنفان محبٌّ مفرطٌ يذهب به الحبّ إلى غير الحقّ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحقّ، وخير النّاس فيّ حالاً النّمط الأوسط فالزموه ) (١) .

وقد يخامر العقل السؤال عن سبب التعبير بالنّمط الأوسط؟

لأنّ الأطراف يتسارع إليها الخلل والإعوار، والأوساط محميّة محوّطة.

منه قول الطائي:

كانت هي الوسطى المحمّي فاكتنفت

بها الحوادثُ حتى أصبحت طرفاً(٢)

٥. الواقعيّة والمثاليّة

المقصود من الواقعيّة هي أن يكون تفكير الإنسان وأعماله التي ينشدها متناسبةً مع إمكاناته وطاقته وعمره القصير.

إنّ الواقعية قد أوضحها الإمام ببيان بليغ( وَاعْلَمْ يَقِيناً أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ، وَلَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ، وَأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، فَخَفِّضْ فِي الطَّلَبِ، وَأَجْمِلْ فِي الْمُكْتَسَبِ، فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَبٍ قَدْ جَرَّ إِلَى حَرَبٍ، وَلَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ، وَلا كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْرُومٍ وَإِيَّاكَ وَالاتِّكَالَ

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١٢٧.

(٢) الأمثال والحكم المستخرجة من نهج البلاغة: ٢٤٧.

١٤٩

عَلَى الْمُنَى فَإِنَّهَا بَضَائِعُ النَّوْكَى ) (١) ( ليس كلّ طالبٍ يُصيب ليس كلّ مَن رمى أصاب ) (٢) .

فالطلّب الواقعي يراعى فيه جانب العقل والموضوعية حتى يكون سبيل إلى الحياة الطبيعيّة، والطلب غير الواقعي لا يراعى فيه ذلك، وعندها يجرّ الإنسان إلى دروب الحيرة والاضطراب( ربّ طلبٍ قد جرّ إلى حرب ) .

أمّا المثالية فهي إحياء الحقّ عبر العمل به، وإماتة الباطل من خلال رفضه.

ففي الوقت الّذي يعيش الإنسان بحياةٍ طيبة، يكون همّه أيضاً إقامة دعائم الحقّ وأركانه، وهدم قواعد الباطل وبنيانه( فَلا يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ فِي نَفْسِكَ مِنْ دُنْيَاكَ، بُلُوغُ لَذَّةٍ أَوْ شِفَاءُ غَيْظٍ، وَلَكِنْ إِطْفَاءُ بَاطِلٍ أَوْ إِحْيَاءُ حَقٍّ ) (٣) .

إنّ الواقعية والمثالية التي جاء بها علي ( عليه السلام ) تتماشى مع المتطّلبات الصّحيحة والفطرة الإنسانية، وتحدو بالمسلم إلى مسالك الخير والصّلاح.

____________________

(١) الحمقى.

(٢) نهج البلاغة: الكتاب ٣١.

(٣) نفس المصدر: الكتاب ٦٦.

١٥٠

الفصل الحادي عشر: الإمام علي ( عليه السلام ) والحلول الثقافية

هناك بعض الأحداث الّتي وقعت في زمان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وارتضى لها حلاًّ أناخ فيها حكماً.

اختلفت الحلول الثقافية في عصر الإمام ( عليه السلام ) بحسب ما يقتضيه العلاج المناسب والسليم، وربّما كانت هناك بعض الحلول الّتي ارتآها الآخرين في مقابل الحلّ الإسلامي الصّحيح.

والحلول الثقافية هي:

١. الحل الاستئصالي

حينما تنفذ الحلول والحجج في إعادة الحقّ إلى نصابه وموضعه، عند ذلك يختار الإمام ( عليه السلام ) الحلّ الاستئصالي؛ إزهاقاً للباطل، واجتثاثاً لجذوره( فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ، وَكَفَى بِهِ شَافِياً مِنَ الْبَاطِلِ وَنَاصِراً لِلْحَقِّ ) (١) .

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ٢٢.

١٥١

طبّق الإمام هذا الحلّ بعد أن نفذت الخيارات السلمية بقتال النّاكثين والقاسطين والمارقين، وطبّقه أيضاً مع الغلاة الّذين لم يرجعوا إلى التّوبة، ومع النصارى الّذين أعلنوا الحرب، ووقفوا بوجه الإسلام.

أتاه صلوات الله عليه قومٌ غَلوا فيه، ممّن قدّمنا وصفهم واستزلال الشيطان إيّاهم، فقالوا:

أنت إلهنا وخالقنا ورازقنا، ومنك مبدؤنا وإليك معادنا، فتغيّر وجهه ( عليه السلام ) وارفضّ عرقاً، وارتعد كالسّعفة؛ تعظيماً لجلال الله ( عز جلاله ) وخوفاً منه، وثار مغضباً ونادى بمَن حوله وأمرهم بحفير فحُفر وقال:لأشبعنّكم اليوم لحماً وشحماً ، فلمّا علموا أنّه قاتلهم، قالوا:

لئن قتلتنا فأنت تحيينا، فاستتابهم فأصّروا على ما هم عليه، فأمر بضرب أعناقهم، وأضرم ناراً في ذلك الحفير فأحرقهم فيه، وقال ( عليه السلام ):

لما رأيتُ الأمرَ أمراً منكرا

أَضرمتُ ناري ودعوتُ قنبرا(١)

قريب من هذه الرواية ما نقله ابن شهر آشوب في مناقبه في سبعين من الزط(٢) الذين يدعونه إلهاً(٣) .

الإمام ( عليه السلام ) تبرّأ من الغلاة؛ لأنّهم فئة منحرفة( اللّهمّ إنّي بريء من الغلاة

____________________

(١) دعائم الإسلام: ١/٨٧.

(٢) الزط - جيل أسود من السند إليهم تنسب الثياب الزطية.

(٣) مناقب آل أبي طالب: ١/٣٢٥.

١٥٢

كبراءة عيسى بن مريم من النّصارى، اللّهمّ اخذلهم أبداً ولا تنصر منهم أحداً ) (١) .

كذا نفّذ الإمام الحلّ الاستئصالي في أحد النّصارى ممّن وقفوا بوجه الإسلام، وأمر - علياً - بإحراق نصرانيّ ارتدّ فبذل أولياء النّصرانيّ في جثّته مِئة ألف درهم فأبى عليهم، فأمر به فأُحرق بالنّار، وقال:( ما كنت لأكون عوناً للشيطان عليهم ولا ممّن يبيع جثّة كافرٍ ) (٢) .

ممّا سبق نعرف أنّ الإمام لجأ إلى الحلّ الاستئصالي من أجل؛ قلع جذور الانحراف أو الكفر.

٢. الحلّ الإبقائي

تجلّى هذا الحلّ بعد مجيء الإمام ( عليه السلام ) إلى الكوفة في ١٣ رجب سنة ٣٦هـ، حيث صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ووصّى النّاس بملازمة التقوى، وطاعة الله ورسوله وأهل بيته - الذي هم أولى بالطاعة من المنتحلين المدّعين - ثمّ صوّب الإمام حديثه نحو القوم الذي قعدوا عن نصرته وتخلّفوا عن دعوته، مستعتباً لهم وموضّحاً الحلّ معهم( إنّه قد قعد عن نصرتي رجال منكم فأنا عليهم عاتب زارٍ، فاهجروهم وأَسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا أو نرى منهم ما نرضى ) .

____________________

(١) نفس المصدر: ١/٣٢٤.

(٢) دعائم الإسلام: ٢/٤٠٥.

١٥٣

فقام إليه مالك بن حبيب التميميّ اليربوعيّ - وكان صاحب شرطته - فقال: والله! إنّي لأرى الهجر وإسماع المكروه لهم قليلاً، والله لئن أمرتنا لنقتلنّهم، فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( يا مالك، جزت المدى وعدوت الحدّ، وأغرقت في النّزع ) (١) .

لقد اختار الإمام الحلّ الإبقائي، بهجرهم وإسماعهم ما يكرهون بهدف إصلاحهم وعودتهم إلى الطّاعة.

رغم أنّ رئيس شرطته اختار حلاًّ حاسماً باستئصالهم، إلاّ أنّ الإمام قد حلّ الأمر حسب المدى الشّرعي المتاح تطبيقه.

مرّة أخرى في وقعة صفين أراد أمير المؤمنين تطبيق الحلّ الإبقائي - بدعوة معاوية إلى الطّاعة والجماعة - قبل اللّجوء إلى الحلّ الاستئصالي، إلاّ أنّ معاوية رفض ذلك، ثمّ إنّ علياً دعا بشير بن عمرو بن مخصن الأنصاريّ وسعيد بن قيس الهمدانيّ وشبث بن ربعيّ التميميّ، فقال:( ائتوا هذا الرّجل فادعوه إلى الله وإلى الطاعة والجماعة، فقال له شبث بن ربعيّ: يا أمير المؤمنين! أَلا تُطمعه في سلطان تولّيه إيّاه، ومنزلة يكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك؟ فقال عليّ:ائتوه فالقوه فاحتجّوا عليه وانظروا ما رأيه ) (٢) .

إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يختار هذا الحلّ عندما يكون في البين أملاً في الإصلاح ومنفعة تعود للإسلام.

____________________

(١) المعيار والموازنة: ٩٧، الفتوح: ٢/٣٤٨، أمالي المفيد / ١٢٧.

(٢) تاريخ الطبري: ٣/٧٦.

١٥٤

٣. الحلّ الانتقائي

اتخذ الّذين اتّبعوا أهوائهم حلاًّ انتقائياً في علاج ما ينزل بهم من مهمّات ومبهمات، فمالوا بالحقّ إلى آرائهم، وأخذوا من كلٍّ ضِغث.

( فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ، وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ، فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ ) (١) .

قد عمل بهذا الحلّ الانتقائي فريق ممّن نصّبوا أنفسهم للقضاء بين النّاس.

( جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ ) (٢) .

إنّ الحلّ الانتقائي يورد الإنسان موارد الشّبهات؛ لأنّه يعني العمل بفنون الاستدراك،( يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ ) .

٤. الحلّ التبعي

في عصر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان يوجد نوعان من الحلول التبعيّة:الأوّل: اتّباع الإمام ( عليه السلام ) وما صدع به من الحقّ.

عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( عليهما السلام ) إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال للبراء

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ٥٠، المعيار والموازنة: ٢٩١.

(٢) نفس المصدر: الخطبة ١٧.

١٥٥

بن عازب:كيف وجدت هذا الدّين؟ قال: كنّا بمنزلة اليهود قبل أن نتّبعك، تخفّ علينا العبادة، فلمّا اتبعناك ووقع حقايق الإيمان في قلوبنا، وجدنا العبادة قد تثاقلت في أجسادنا(١) .

إنّ اتّباع الإمام ( عليه السلام ) يعني اتّباع الله ورسوله، ويترتب عليه أن يقود الإنسان إلى الصّراط المستقيم.

الثاني: اتّباع الشيطان والآباء والأسلاف ،( إِنّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى‏ أُمّةٍ وَإِنّا عَلَى‏ آثَارِهِم مُقْتَدُونَ ) (٢) .

قد زجّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بكثير من المفاهيم في سبيل الحؤول دون اتّباع خطوات الشّيطان، عندما تعرّض لذكر طائفة من النّاس في اتّباعهم الأعمى، راجياً حجزهم عن ذلك.

( اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لأَمْرِهِمْ مِلاكاً، وَاتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً، فَبَاضَ وَفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ، وَدَبَّ وَدَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ، فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ، وَنَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ، وَ زَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ، وَنَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ ) (٣) ( أَو َلَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالآبَاءَ وَإِخْوَانَهُمْ وَالأَقْرِبَاءَ، تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَتَطَؤونَ جَادَّتَهُمْ؟ ) (٤) .

هذه التّبعيّة أَلهت القوم عن رشدهم وأبعدتهم عن حظّهم.

____________________

(١) سفينة البحار: ١/٢٥٢.

(٢) الزخرف: ٢٣.

(٣) نهج البلاغة: الخطبة ٧.

(٤) نفس المصدر: الخطبة ٨٣.

١٥٦

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللّهُ قَالُوا بَلْ نَتّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) (١) ، قالوا( حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا ) (٢) .

هذا الحلّ قد أنس به معاوية: مستفيداً من تجربة أسلافه في الادّعاء والتّضليل؛ ولذا وعظه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في أن ينتفع بالنّظر الفاحص في شواهد الأمور.

( أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِاللَّمْحِ الْبَاصِرِ مِنْ عِيَانِ الأُمُورِ، فَقَدْ سَلَكْتَ مَدَارِجَ أَسْلافِكَ بِادِّعَائِكَ الأَبَاطِيلَ وَاقْتِحَامِكَ غُرُورَ الْمَيْنِ وَالأَكَاذِيبِ ) (٣) .

نصح الإمام المسلمين من وطئ جادة الآباء، ولم يبخل بالوعظ - كما عرفنا آنفاً - لأعدائه عن امتطاء سبيل الأسلاف.

٥. الحل التّأصيلي

هذا الحلّ يكون بإقامة السنّة، حيث إنّ إرجاع الأحكام - في مختلف القضايا - إلى القرآن والسنّة الّتي عمل بها النّبي وأهل بيته كفيلان بحلّ جميع القضايا المستحدثة.

من هنا كان الإمام يحكم ويعمل بالسنّة، معيداً لها اعتبارها وتأصيلها، لا تجد علياً ( عليه السلام ) يقضي بقضاء إلاّ وجدت له أصلاً في السُنّة. قال: كان

____________________

(١) البقرة: ١٧٠.

(٢) المائدة: ١٠٤.

(٣) نهج البلاغة: الكتاب: ٦٥.

١٥٧

عليّ ( عليه السلام ) يقول:( لو اختصم إليّ رجلان فقضيت بينهما قضاءً واحداً؛ لأنّ القضاء لا يحول ولا يزول ) (١) .

إنّ إعادة تأصيل السُنّة - من قبل الإمام - شملت حتى أبسط الأوضاع والحركات العادية الّتي قد يكرّرها الإنسان في ركوبه أو سيره من دون أن يستند إلى السُنّة، لكن علي ( عليه السلام ) بأفعاله علّمنا بأنّ سنّة النّبي موجودة وقائمة في كلّ وضع يتّخذه الإنسان، حتى في حال ركوبه الدّابة أو وسيلة معيّنة، وهو ما يعني أنّ السّنّة النبويّة الّتي خلّفها النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) وورّثها أهل بيته ( عليهم السلام ) تشمل كلّ مفردات وتفاصيل الحياة اليومية.

عن عليّ بن ربيعة الأسدي، قال: ركب عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) فلمّا وضع رجله في الركاب قال:( بسم الله، فلمّا استوى على الدابّة قال:الحمد لله الّذي أكرمنا وحملنا في البرّ والبحر، ورزقنا من الطيبات وفضّلنا على كثير ممّن خلق تفضيلاً، ( سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذا وَمَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) (٢) ثمّ سبّح الله ثلاثاً، وكبّر الله ثلاثاً ثمّ قال:ربّ اغفر لي، فإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت. ثمّ قال:فعل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) هذا وأنا رديفه ) (٣) .

إنّ الاستناد إلى السُنة يعتبر أفضل حلّ في التعامل مع الأحداث اليومية.

____________________

(١) أمالي الطوسي: ٦٤.

(٢) الزمر: ١٣.

(٣) أمالي الطوسي: ٥١٥.

١٥٨

الفصل الثاني عشر: الإمام علي ( عليه السلام ) والنتائج الثقافية

أفلحت جهود الإمام العظيمة في إحراز عدة نتائج، وعلى أعداد قليلة من النّاس، مضوا من الدّنيا إلى الفوز الأكبر، وانقلبوا إلى رضوان الله ونعيمه، فيما يلي النتائج الثقافية الّتي خلّفها جهاد علي ( عليه السلام ):

١. تحديد الحقوق والواجبات

وضع أمير المؤمنين العلامات الفارقة في تحديد ومعرفة الحقوق، ونصبها أمام أعين النّاس، ممّا سهّل للنّاس معرفة ما لهم وما عليهم، فوزّع الحقوق كالآتي:

أ. حق الله تعالى: هذا هو الحقّ الأوّل الّذي على النّاس أن يعرفوه والّذي بصلاحه، تصلح غيره من الحقوق المترشّحة عنه( جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلاً مِنْهُ وَتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُهُ ) (١) .

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة: ٢١٦.

١٥٩

ب. حق الوالي: يعتبر هذا الحقّ من أعظم ما افترض الله سبحانه لبعض النّاس على بعض( وأمّا حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطّاعة حين آمركم ) (١) .

ج. حق الرّعية: أوضح الإمام حق الرّعية عليه( فأمّا حقّكم عليّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيما تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا ) (٢) .

إنّ أداء حقّ الرّعية وأداء حقّ الوالي - لكلّ على كلٍّ - هو في حقيقته يعود بالنفع على النّاس.

( فجعلها نظاماً لألفتهم وعزّاً لدينهم، فليست تصلح الرّعيّة إلاّ بصلاح الولاة، فإذا أدّت الرّعية إلى الوالي حقّه وأدّى الوالي إليها حقّها، عزّ الحقّ بينهم، وقامت مناهج الدّين، واعتدلت معالم الدّولة، ويئست مطامع الأعداء ) (٣) .

إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أدّى حتى أبسط وأدقّ الحقوق إلى النّاس، خرج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على أصحابه وهو راكب، فمشوا خلفه، فالتفت إليهم، فقال:( لكم حاجة؟ فقالوا: لا يا أمير المؤمنين ولكنّا نحبّ أن نمشي معك. فقال لهم:انصرفوا: فإنّ مشي الماشي مع الرّاكب مفسدة للرّاكب ومذلّة للماشي ) (٤) .

____________________

(١) نفس المصدر: الخطبة: ٣٤، سفينة البحار: ١/١٣٢.

(٢) نفس المصدر: الخطبة: ٣٤.

(٣) نفس المصدر: الخطبة: ٢١٦.

(٤) مناقب آل أبي طالب: ٢/١٢٠.

١٦٠

فصل : مما روي في الأرزاق(1)

روي عن سيدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : « أكثروا الإستغفار فإنه يجلب الرزق ».

وقالعليه‌السلام : « من رضي باليسير من الرزق(2) ، رضي الله منه باليسيرمن العمل ».

وروي ان الله ـ جل اسمه ـ أوحى إلى عيسى بن مريمعليه‌السلام : « ليحذر الذي يستبطئني في الرزق ، أن أغضب فافتح عليه باباً من الدنيا ».

وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « الرزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك ، فإن لم تأته أتاك ».

وروي عن أحد الأئمةعليه‌السلام ، أنه قال في الرزق المقسوم بالحركة : « إن من طلبه من غير حلّه فوصل إليه ، حوسب به من حله وبقي عليه وزره » فالواجب أن لايطلب إلا من الوجه المباح دون المحظور.

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال : « من حسنت نيته زيد في رزقه ».

واعلم أن الدليل على جواز الزيادة في الأرزاق ، هوالدليل على جواز الزيادة في الأعمار ، لأن الله تعالى إذا زاد في عمرعبده ، وجب أن يرزقه ما يغتذي به.

ذكروا إن إبراهيم بن هرمة إنقطع إلى جعفر بن سليمان الهاشمي ، فكان يجريله رزقاً فقطعه ، فكتب إليه إبن هرمة :

إن الذي شق فمي ضامن

للرزق حتى يتوفاني

حرمتني شيئاً قليلاً فما

ان زاد في مالك حرماني(3)

 فرد عليه رزقه وأحسن إليه ، فأنشد لبعضهم :

التمس الأرزاق عند الذي

مادونه إن سيل من حاجب

من يبغض التارك تسآله

جوداً؟ ومن يرضى عن آل طالب!؟

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 290 ـ 292 ، وفيه تمام الفضل.

2 ـ في الأصل : بالرزق ، وما اثبتناه من المصدر.

3 ـ في الأصل : وما أثبتناه من المصدر.

حرمتني شيئاً قليلاً نلته

مازاد في مالك حرماني

 

١٦١

ومن [ إذا ](1) قال جرى قوله

بغير توقيع إلى كاتب

 ورويَ عن الصادق صلوات الله عليه ، أنه قال : « ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم : رجل جلس عن طلب الرزق ، ثم يقول : اللهم ارزقنى ، يقول الله تعالى : ألم أجعل لك طريقاً إلى الطلب! ورجل له امرأة سوء يقول : اللهم خلصني منها ، يقول الله تعالى : أليس قد جعلت أمرها بيدك! ورجل سلم ماله إلى رجل [ و ](2) لم يشهد [ عليه ](3) به ، فجحده إياه ، فهو يدعو(4) عليه ، يقول الله تعالى : قد أمرتك بالاشهاد فلم تفعل ».

لابن وكيع التنيسي :

لا تحيلن على سعدك في الرزق ونحسك

وإذا أغفلك الدهر فذكّره بنفسك

لا تعجّل بلزوم البيت رمساً قبل رمسك

إنما يحمد حسن الرزق في حمده حسك

 وروي في بعض الكتب : إن الله عز وجل يقول : « يابن آدم ، حرك يدك أبسطلك في الرزق ، وأطعني فيما آمرك فما اعلمني بما يصلحك ».

قيل لبعضهم : لو تعرضت لفلان لوصلك ، فقال : ما تلهفت على (أحد بشيء)(5) من أمر الدنيا ، منذ حفظت هذه الأربع الآيات من كتاب الله عز وجل : قوله :( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا مسمك لها ) (6) [ وقوله سبحانه : ](7) ( وان يردك بخير فلا رادّ لفضله ) (8) وقوله سبحانه :( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) (9) وقوله جل اسمه :( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) (10) .

فروي أن صلة الرجل الذي قيل له : لوتعرضت له ، أتت الى منزله من غيرطلب

__________________

1 ـ أثبتناه من المصدر.

2 ـ أثبتناه من المصدر.

3 ـ أثبتناه من المصدر.

4 ـ في ألاصل : فيدعو ، وما أثبتناه من المصدر.

5 ـ في المصدر : شيء.

6 ـ فاطر35 : 2.

7 ـ أثبتناه ليستقيم السياق.

8 ـ يونس 107 : 10

9 ـ هود 11 : 6.

10 ـ الذاريات 51 : 22.

١٦٢

وانشد لابن أصبغ :

لو كان في صخرة في البحر راسية

صماء ملمومة ملس نواحيها

رزق لنفس براها الله لانفلقت

عنه فأدّت إليها كل مافيها

أو كان بين طباق السبع مطلبها

لسهل الله في المرقى مراقيها

حتى يلاقي الذي في اللوح خط له

إن هي أتته [ و ](1) ألاسوف يأتيها

 وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : « مامن مؤمن إلأ وله باب يصعد منه عمله ، وباب ينزل منه رزقه ، فإذا مات بكيا عليه ، وذلك قول الله عز وجل :( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) (2) .

* * *

__________________

1 ـ أثبتناه من المصدر.

2 ـ الدخان 44 : 29.

١٦٣

قصيدة في الآداب والأمثال لابن دريد(1)

ما طاب فرع لايطيب أصله

حمى مؤاخاة اللئيم فعله

 وكل من آخا لئيماً مثله

من يشتكي الدهر يطل في الشكوى

والدهر ماليس عليه عدوى

 مستشعر الحرص عظيم البلوى

من أمن الدهر اُتي من مأمنه

لاتستثر ذا لبد من مكمنه

 وكل شيء يُبتغى من معدنه

لكل ناع ذات يوم ناعي

وانما السعي بقدر الساعي

 قد يُهلك المرعيَّ عنف الراعي

من ترك القصد تضق مذاهبه

دل على فعل امرىء مصاحبه

 لا تركب الأمر وأنت عائبه

من لزم التقوى استبان عدله

من ملك الصبر عليه عقله

 نجا من العثر وبان فضله

يجلو اليقين كدر الظنون

والمرء في تقلّب الشؤون

 حتى توفاه يد المنون

يارب حُلوٍ سيعود سمّا

ورب حمد سيحور ذَمّا

 ورب روح سيصير همّا

من لم يصل فارض إذا جفاكا

وأوله حمداً إذا قلاكا

 أو أوله منك الذي أولاكا

مالك إلا ما عليك مثله

لاتحمدّن المرء مالم تبله

 والمرء كالصورة لولا فعله

ياربما أورثت اللجاجة

ماليس بالمرء إليه حاجة

 وضيق أمر يتبع انفراجه

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 11 ، تمام القصيدة

١٦٤

ليس يقي من لم يق الله الحذر

وليس يفتات امرؤ على القدر

 والقلب يعمى مثل ما يعمى البصر

كم من وعيد يخرق الاذانا

كأنما يعني به سوانا

 أصمّنا الامهال بل أعمانا

ما أفسد الخرق اساهُ الرفق

وخير ما أنبأ عنك الصدق

 كم صعقة دلّ عليها البرق

لكل ما يؤذي وإن قل ألم

ما أطول الليل على من لم ينم

 وسقم عقل المرء من شر السقم

أعداءُ غيب إخوة التلاقي

ياسوءتا لهذه(1) الأخلاق

 كأنما اشتقت من النفاق

أنف الفتى وهو صريم(2) أجدع(3)

من وجهه وهو قبيح أشنع

 هل يستوى المحفوظ(4) والمضيَّع

ما منك من لم يقبل المعاتبة

وشر أخلاق الفتى المواربة

 ينجيك مما تكره المجانبة

متى تصيب الصاحب المهذبا

هيهات ما أعسر هذا مطلبا

 وشرّ ما طالبته ما استصعبا

آفة عقل الأشمط التصابي

رب مَعيب فعله عيّاب

 زم الكلام حذر الجواب

لكل ما مجري جواد كبوه

مالك إلاّ ما قبلت عَدْوَه

 من ذا الذي يسقيك عفواً صفوه

لا يسلك الشر سبيل الخير

والله يقضي ليس زجر الطير

 كم قمرعاد إلى قمير

__________________

1 ـ في الأصل : ياسوء مالهذه ، وما أثبتناه من المصدر.

2 ـ يقال : صَرَمْت الشيء صرماً من باب ضرب : قطعته « مجمع البحرين ـ صرم ـ 6 : 101 ».

3 ـ الجدع : قطع الأنف والأذن والشفة واليد « مجمع ألبحرين ـ جدع ـ 4 : 310 ».

4 ـ في المصدر : المحظوظ.

١٦٥

لايجتمع جمع لغير بين

لفرقة كل اجتماع اثنين

 يعمى الفتى وهو بصيرالعين

الصمت إن ضاق الكلام أوسع

لكل جنب ذات يوم مصرع

كم جارع لغيره ما يجمع

مالك إلا ما بذلت مال

في طرفة العين يحول الحال

 ودون آمال الفتى الآجال

كم قد بكت عين وليس تضحك

وضاق من بعد اتساع مسلك

 لاتُبرَ مَنْ أمراً عليك يُملك

خير الاُمور ما حمدت غبه

لايرهب المذنب إلاذنبه

 والمرء(1) مقرون بمن أحبه

كل مقام فله مقال

كل زمان فله رجال

 وللعقول تضرب الأمثال

دع كل أمر منه يوماً تعتذر

عف كل ورد غير محمود الصدر

 لاتنفع الحيلة في ماضي القدر

نوم امرىء خير له من يقظه

لم ترضه فيه الكرام الحفظه

 وفي صروف الدهر للمرء عظه

مسألة الناس لباس ذل

من عف لم يسأم ولم يمل

 فارضَ من الاستر بالأقل

جواب سوء المنطق السكوت

قد أفلح المُتَّئدُ(2) الصموت

 ماحم من رزقك لايفوت

في كل شيء عبرة لمن عقل

قد يسعدالمرء إذا المرء اعتدل

 يرجو غداً ودون ما يرجو الأجل(3)

من لك بالمحض وليس محض

يخبث بعض ويطيب بعض

 وربّ أمر قد نهاه النقض

__________________

1 ـ في الأصل : والأمر ، وما أثبتناه من المصدر.

2 ـ التؤده : التأني والرزانة ضد التسرع « مجمع البحرين ـ تأتد ـ 18 : 3 ».

3 ـ في ألأصل : ألأمل ، وما أثبتناه من المصدر.

١٦٦

كم زاد في ذنب جهول عذره

دع أمر من يعنى عليك(1) أمره

 يخشى امرؤ شيئاً ولا يضره

يارب إحسان يعود ذنبا

ورب سلم سيعود حربا

 وذو الحجى يجهل إن أحبّا

قد يدرك المعسر في إعساره

ما يبلغ الموسر في إيساره

 وينتهى الهاوي إلى قراره

الشيء في نقص إذا تنهاها

والنفس تنقاد إلى رداها

 مذعنة تجيب سائقاها

الناس في فطرتهم سواء

وإن تساوت بهم الأهواء

 كل بقاء بعده فناء

لم يغل شيء وهو موجود الثمن

مال الفتى ما فضه لا ما احتجن

 إذا حوى جثمانه يرى الحبن(2)

المال يحكى الفيء بانتقاله

وإنما المنفق من أمواله

 ما عمر الخلة من سؤاله(3)

من لاح في عارضه القتير(4)

فقد أتاه بالبلى النذير

 ثم إلى ذي العزة المصير

رأيت غب الصبر مما تحمد

وإنما النفس(5) كما تعود

 وشر ما يطلب مالا يوجد

إن أتباع المرء كل شهوة

ليلبس القلب لباس قسوة

 وكبوة العجب أشد كبوة

من يزرع المعروف ما رضي

لكل شيء غاية ستنقضي

 والشر موقوف لذي التعرض

__________________

1 ـ في الأصل : يغني عليكم ، وما أثبتناه من المصدر.

2 ـ الحبن : عظم البطن « النهاية ـ حبن ـ 335 : 1 ».

3 ـ في الاصل : نسأله ، وما أثبتناه من المصدر.

4 ـ القتبر : الشيب « النهاية ـ قتر ـ 4 : 12 ».

5 ـ في الاصل : المنفق ، وما أثبتناه من المصدر.

١٦٧

 

لا يأكل الانسان إلا ما رزق

ما كل أخلاق الرجال تتفق

 هان على النائم ما يلقى الأرق

من يلذع الناس يجد من يلذعه

لسان ذى الجهل وشيكاً يوقعه

 لا يعدم الباطل حقاً يدمغه

كل زمان فله توابع

والحق للباطل ضد دافع

 يغصك المشروب وهو سائغ

رب رجاء مض(1) من مخافة

ورب أمن سيعود آفة

 ذو النجح لايستبعد المسافة

كم من عزيز قد رأيت ذلاً

وكم سرور مقبل تولّى

 وكم وضيع شال فاستقلا

لا خير في صحبة من لا ينصف

والدهر يجفو أمره ويلطف

 والموت يفني كل عين تطرف

رب صباح لامريء لم يمسه

حتف الفتى موكّل بنفسه

 حتى يحل في ضريح رمسه

إني أرى كل جديد بالي

وكل شيء فإلى زوال

 فاستشف من جهلك بالسؤال

إن رحيلاً فأعدّ الزادا

إن معاداً فاحذر المعادا

 لايلهك العمر وإن تمادا

إنك مربوب مدين تُسأل

والدهرعن ذي غفلة لا يغفل

وكل ما قدمته محصّل

حتى يجيء يومك المؤجل

 * * *

__________________

1 ـ في الاصل : فص ، وما أثبتناه من المصدر.

١٦٨

 [ فصل ](1)

روي عن أحد الائمةعليهم‌السلام انه قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله عز وجل كتم ثلاثة في ثلاثة : كتم رضاه في طاعته ، حتى لايستصغر أحداً شيئاً من الطاعات ، فلعل فيه رضاه. وكتم سخطه في معصيته ، حتى لايستصغر أحد سيئة ، فلعل فيها سخطه. وكتم وليه في خلقه ، فلا يستخفن أحدكم أخاه ، فإنه لايدري لعله ولي لله »(2) .

وأيضاً أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس ، ليحافظ الإنسان على ، الصلوات الخمس فيحصل الوسطى ، وأخفى ليلة القدر في ليالي رمضان ليحافظ الرجل على ليالي رمضان ، فيحصل له ليلة القدر ، وأخفى ساعة الإجابة في الليل والنهار ، ليحافظ على ، الدعاء في الليل والنهار.

ومن كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن ».

لاخير في العيش إلاّ لرجلين : عالم مطاع ، ومستمع واع.

وكفى بالقناعة غنى ، وبالعبادة شغلاً.

لا تنظروا إلى صغير الذنب ، ولكن انظروا إلى من اجترأتم عليه.

وقالعليه‌السلام : آفة الحديث الكذب ، وآفة العلم النسيان ، وآفة العبادة الفترة ، وآفة الظرف الصلف.

لاحسب إلا بتواضع ، ولاكرم إلا بتقوى ، ولا عمل إلا بنية ، ولا عبادة إلابيقين.

إن العاقل من أطاع الله وإن كان ذميم المنظر حقير الخطر ، وإن الجاهل من عصى الله وإن كان جميل المنظر عظيم الخطر.

أفضل الناس أعقل الناس ، إن الله تعالى قسم العقل ثلاثة أجزاء ، فمن كانت‏

__________________

1 ـ أثبتناه من كنز الفوائد.

2 ـ كنزالفوائد : 13 باختلاف يسير.

١٦٩

فيه كمل عقله ، ومن لم تكن فيه فلا عقل له : المعرفة بالله تعالى ، وحسن الطاعة ، وحسن الصبر.

إن لكل شيء آلة وعدة ، وآلة المؤمن وعدته العقل ، ولكل شيء مطية ، ومطية المرء العقل ، ولكل شيء دعامة ، ودعامة الدين العقل ، ولكل شيء غاية ، وغاية العبادة العقل ، ولكل قوم راع ، وراعي العابدين العقل ، ولكل تاجر بضاعة ، وبضاعة المجتهدين العقل ، ولكل خراب عمارة ، وعمارة الآخرة العقل ولكل سفر فسطاط يلجأون اليه ، وفسطاط المسلمين العقل(1) .

* * *

__________________

1 ـ كنزالفوائد : 13 ، وفيه من كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سرته حسنته ...

١٧٠

فصل

روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه قال : « العقل ولادة ، والعلم إفادة ، ومجالسة العلماء زيادة »(1) .

وروي عنهعليه‌السلام أنه قال : « هبط جبريلعليه‌السلام على آدم صلوات الله عليه فقال له : يا آدم ، اُمرت أن أخيّرك بين ثلاث ، فاختر منهن واحدة ودع اثنتين.

فقال له آدمعليه‌السلام : وما الثلاث؟

قال : العقل ، والحياء ، والدين.

فقال آدم صلى الله عليه : فاني قد اخترت العقل.

فقال جبريل للحياء والدين : انصرفا ، فقالا يا جبريل : انا اُمرنا أن نكون مع العقل(2) ».

روي أن طاووس اليماني قال : رأيت في جوف الليل رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول :

ألا أيها المأمول في كلّ حاجة

شكوت إليك الضرّ فاسمع شكايتي

ألا يارجائي أنت كاشف كربتي

فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي

زادي قليل ما أراه مبلّغي

أللزاد أبكي أم لبعد مسافتي

أتيت بأعمال قباح رديّة

فما في الورى خلق جنى كجنايتي

أتحرقني في النار ياغاية المنى

فأين رجائي منك أين مخافتي

 قال فتأملته فإذا هوعلي بن الحسينعليه‌السلام فقلت : يا ابن رسول الله ، ما هذا الجزع وأنت ابن رسول الله! ولك أربع خصال : رحمة الله ، وشفاعة جدك رسول الله ، وأنتابنه ، وأنت طفل صغير(3) .

__________________

1 ـ كنز الفوائد 13.

2 ـ كنز الفوائد 13 ، وفيه زيادة : حيث كان قال : فشأنكما ، وعرج

3 ـ لايخفى تعارض هذه القطعة من الحديث ، وما يأتي من قولهعليه‌السلام : « وأنما كوني طفلاً » مع ماتقدم في بدايته من قول طاووس اليماني : « رأيت في جوف الليل رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة » ، كما أن المشهور في هذه الواقعة التأريخية ان طاووس قال : رايت رجلاً يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي فيدعائه ، فجئته حين فرغ من الصلاة فإذا هو علي بن الحسينعليه‌السلام فقلت له يا أبن رسول الله رأيتك على

١٧١

فقال له : « يا طاووس ، إنني نظرت في كتاب الله فلم أرلي من ذلك شيئاً فإن الله تعالى يقول :( ولايشفعون إلالمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ) (1) وأما كوني ابن رسول الله ، فإن الله تعالى يقول :( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، فن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) (2) وأما كوني طفلاً ، فإني رأيت الحطب الكبار لايشتعل إلا بالصغار » ثم بكىعليه‌السلام حتى غشي عليه(3) .

خبر اخر في العقل ، وهو المشتهر بين الخاصة والعامة ، من أن أول شيء خلق الله تعالى العقل ، فقال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال : وعزتي وجلالي ، ما خلقت خلقاً أحب الي منك ، بك اُعطي وبك أمنع ، وبك اُثيب وبك اُعاقب ، وعزتي وجلالي ، ما أكملتك إلاّ فيمن أحببت.

* * *

__________________

حاله كذا ، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك الخوف ، أحدها : أنك ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والثاني شفاعة جدك ، والثالث : رحمة الله ، فقال : يا طاووس أمّا اني ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يؤمنني وقد سمعت الله تعالى يقول : «فلا أنساب بينهم يومئذ » وأمّا شفاعة جدي فلا تؤمنني لأن الله تعالى يقول : «ولايشفعون إلا لمن ارتضى » وامّا رحمة الله فإن الله تعالى يقول انها قريبة من المحسنين ، ولا علم اني محسن ، اُنظر « كشف الغمة 2 : 108 ، وعنه في البحار 46 : 101 / 89 ».

1 ـ الأنبياء 21 : 28.

2 ـ المؤمنون 23 : 101 ـ 103.

3 ـ أخرجه المجلسي في بحار الانوار 99 : 198 / 15 عن اعلام الدين.

١٧٢

فصل : في ذم الدنيا(1)

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أحب دنياه أضرّ بآخرته ».

وقال أمير المؤمنينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الدنيا دول ، فاطلب حظك منها بأجمل الطلب ».

وقالعليه‌السلام : « من أمن الزمان خانه ، ومن غالبه أهانه ».

وقال : « الدهر يومان : يوم لك ، ويوم عليك ، فإن كان لك فلاَ تبطر ، وإن كان عليك فاصبر ، فكلاهما عنك سينحسر ».

لبعض الشعراء :

وإن امرءاً دنياه أكبر همّه

لمستمسك منها بحبل غرور

 وقال بعضهم : إياك والاغترار بالدنيا والركون إليها ، فإن أمانيها كاذبة ومالها خائبة ، وعيشها نكد وصفوها كدر ، وأنت منهاعلى خطر ، اما نعمة زائلة واما بلية نازلة ، واما مصيبة موجعة واما منية مفجعة.

وقال اخر : صاحب الدنيا في حرب ، يكابد الأهوال لتنقدع(2) ، والجهالة لتنقمع ، والأدواء لتندفع ، والآمال لتنال ، والمكروه ليزال ، وبعض ذلك عن بعض شاغل ، والمشتغل عنه ضائع ، فلما رأى الحكماء أنه لاسبيل إلى إحكام ذلك ، تركوا مايفنى ليحرزوا ما يبقى.

* * *

__________________

1 ـ تمام الفصل في كنزالفوائد : 16 ، وفيه (ذكر) بدل (ذم).

2 ـ قدعت فرسي : كففته. « مجمع البحرين ـ قدع ـ 4 : 376 ».

١٧٣

فصل : في ذكر الأمل(1)

روي ان الله تعالى قال : يابن آدم ، في كل يوم تؤتى رزقك وأنت تحزن ، وعمرك ينقص وأنت لاتحزن ، تطلب ما يطغيك ، وعندك ما يكفيك.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كان يأمل أن يعيش غداً ، فإنه يأمل أن يعيش أبداً ».

وقال بعضهم : الآمال لاتنتهي ، والحي لايكتفي.

وقيل : ما أطاع عبد أمله ، إلاّ قصرعمله.

وقال اخر : لايلهك الأمل الطويل عن الأجل القصير.

وقال اخر : من جرى في عنان أمله عثر بأجله.

وقال اخر : إنك إن أدركت أملك قرّبك من أجلك ، وإذا أدركك أجلك لم تبلغ أملك.

ابن الرومي :

خمسون عاماً كنت أمّلتها

كانت أمامي ثم خلفتها

كنز حياة لي أنفقته

على تصاريف تصرفتها

لو كان عمري مئة هدّني

يذكرني اني تنصفتها

 * * *

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 16 ، وفيه تمام الفضل.

١٧٤

فصل : في ذكر الموت(1)

روي أنه كان في التوراة مكتوباً : يا ابن آدم ، أنت لاتشتهي تموت حتى تتوب ، وأنت لاتتوب حتى تموت.

وقال أمير المؤمنين صلى الله عليه : « من أكثر ذكرالموت رضي من الدنيا باليسير ».

وقال بعضهم : لو رأيتم الأجل ومسيره ، لأبغضتم الأمل وغروره ، وأنشد :

نُراعُ لذكر الموت ساعة ذكره

وتعترض الدنيا فنلهو ونلعب

 وقيل : إن أمراً اخره الموت لحقيق أن يخاف مابعده.

وروي أن أمير المؤمنينعليه‌السلام سمع إنساناً يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فقال : « قولنا : إنا لله إقراراً له منا بالملك ، وقولنا : إنا إليه راجعون إقراراً على أنفسنا بالهلك ».

وقيل : من عجائب الدنيا أنك تبكي على ، من تدفنه ، وتترك(2) التراب على وجه من تكرمه.

وقال ابو نؤاس :

غرّ جهولاً أمله

يموت من جا أجله

ومن دنا من يومه

لم تغن عنه حيله

وكيف يبقى آخر

قد غاب عنه أوله

لا يصحب الانسان من

دنياه إلا عمله(3)

 أبو ذؤيب :

وإذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمة لا تنفع

 غيره :

ننافس في الدنيا ونحن نعيبها

فقد حذّرتناها لعمري خطوبها

ومانحسب الساعات تقطع مدة

على انها فينا سريع دبيبها

 __________________

1 ـ كنز الفوائد : 16 ـ 18 ، وفيه تمام الفصل.

2 ـ في المصدر : وتطرح.

3 ـ في الأصل : أمله ، وما أثبتناه من المصدر.

١٧٥

كأني برهطي يحملون جنازتي

إلى حفرة يحثى عليَّ كثيبها

وباكية حرى تنوح وإنني

على غفلة عن صوتها لا اُجيبها

أيا هادم اللذات ما منك مهرب

تحاذر نفسي منك ماسيصيبها

رأيت المنايا قسمت بين أنفس

ونفسي سيأتي بعد ذاك نصيبها

 لأبي إسحاق الصابي من قطعة كتبها إلى الشريف الرضي أبي الحسن الموسوي :

وإني على عيث الردى في جوانبي

وماكف من خطوى(1) وبطش بناني

وإن لم يدع إلا فؤاداً مروعا

به غُبر باق من الخفقان

تلوم تحت الحجب ينفث حكمة

إلى اُذن تصغي لنطق لساني

لأعلم أني ميت عاق دفنه

ذماء قليل في غد هو فاني

وان فما للأرض غرثان حائماً

يراصد من أكلي حضور اؤان

به شرهُ عم الورى بفجائع

تركن فلاناً ثاكلاً لفلان

غدا فاغراً يشكو الطوى وهو راتع

فماتلتقي يوماً له شفتان

وكيف وحدّ الفوت منه فناؤنا

وما دون ذاك الحدِ رَدّ عنان

إذا غاضنا بالنسل ممن نعوله

تلا أولاً منه بمهلك ثاني

إلى ذات يوم لاترى الأرض وارثاً

سوى الله من انس براه وجان(2)

 لغيره :

فكم من صحيح بات للموت آمنا

أتته المنايا رقدة بعدما هجع

فلم يستطع اذجاءه الموت بغتةً

فراراً ولامنه بحيلته انتفع

فأصبح تبكيه النساء مكفّناً

ولايسمع الداعي إذا صوته ارتفع(3)

وقُرّب من لحدٍ فصار مقيله

وفارق ماقد كان بالأمس قد جمع

 __________________

1 ـ في الأصل : خطوبي ، وما أثبتناه من المصدر.

2 ـ رسائل الصابي والشريف الرضي : 16.

3 ـ في المصدر : رفع.

١٧٦

فصل في ذكرالموت والقتل وما

بينهما والفرق بينهما(1)

إعلم ، أن الموت غير القتل ، والذي يدل على أنهما غير ان قول الله عز وجل :( أفان مات أوقتل ) (2) وقوله تعالى :( ولئن متم أوقتلتم ) (3) وقوله سبحانه :( ما ماتوا وما قتلوا ) (4) وليس يجوز أن يكون التأكيد والتكرير في لفظين يرجعان إلى معنى واحد.

ويدل على ذلك أيضاً العلم بأن الله سبحانه ليس بقاتل لمن مات حتف أنفه ، ولو قال قائل في ميت : إن الله قتله ، لعاب العقلاء عليه ، والموت والقتل عرضان وليسا بجسمين.

وقد قال شيخنا المفيدرضي‌الله‌عنه : إن القتل متولد عن الأسباب ، ومحله محل حياة الأجسام ، والموت معنى يضاد حياة الفاعل المخلوق ولايصح حلوله في الأجسام ، قال : وهذا مذهب يختص بي.

والقتل عند جميع أهل العدل من مقدورات العباد ، والموت لايقدر عليه أحد إلاّ الله عز وجل.

ولو كان القتل هو الموت لكان من ذبح فرس غيره وإبله وغنمه قد أحسن إليه ، لأن لولا ذبحه لماتت ـ على رأي من يقول : إن القتل هو الموت ـ ومعلوم خلاف ذلك ، وذاك أن القتل سبب لزوال الحياة ، لأن المقتول لو تعداه القتل لجاز من الله تعالى أن يبقيه أويميته ، ولا دليل على أحد الأمرين.

* * *

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 18 ، وفيه إلى قول : ولو كان القتل هو الموت.

2 ـ آل عمران 3 : 144.

3 ـ آل عمران 3 : 158.

4 ـ آل عمران 3 : 156.

١٧٧

فصل من كلام أمير المؤمنين

صلوات الله عليه

في الأخوان واداب الأخوة

في الإيمان(1)

« الناس إخوان فمن كانت اخوته في غير ذات الله فهي عداوة ، وذلك قوله عز وجل :( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلاّ المتقين ) (2) .

من قلب الاخوان عرف جواهر الرجال.

امحض أخاك النصيحة حسنة كانت أم قبيحة ، ساعده على كل حال وزل معه حيث مازال ، فلا تطلبن منه المجازاة ، فإنها من شيم الدناة.

ابذل لصديقك كل المودة ، ولا تبذل له كل الطمأنينة ، واعطه كل المواساة ، ولا تفضي إليه بكل الأسرار ، توفي الحكمة حقها ، والصديق واجبه.

لايكوننّ أخوك أقوى منك على مودتك.

البشاشة فخ المودة ، والمودة قرابة مستفادة.

لايفسدك الظن على صديق أصلحه لك اليقين.

كفى بك أدباً لنفسك ماكرهته لغيرك.

لأخيك عليك مثل الذي لك عليه.

لاتضيعنّ حق أخيك إتكالاً على ما بينك وبينه ، فإنه ليس لك بأخ من ضيعت حقه.

ولا يكن أهلك أشق الناس بك.

إقبل عذر أخيك ، وإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً.

لا يكلف أحدكم أخاه الطلب إذا عرف حاجته.

لا ترغبن فيمن زهد فيك ، ولا تزهدن فيمن رغب فيك.

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 34 : وفيه تمام الفصل.

2 ـ الزخرف 43 : 67.

١٧٨

إذا كان للمحافظة موضعاً لاتكثرن العتاب ، فإنه يرث الضغينة ويجرالى البغضة ، وكثرته من سوء الأدب.

إرحم أخاك وإن عصاك ، وصله وإن جفاك.

إحفظ(1) زلة وليك لوقت وثبة عدوك.

من وعظ أخاه سراً فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد شانه.

من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه ، وحنينه إلى أوطانه ، وحفظ قديم إخوانه.

* * *

__________________

1 ـ في المصدر : احتمل.

١٧٩

فصل مما جاء نظماَ في الإخوان(1)

روي أن الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام كان يتمثل كثيراً بهذين البيتين :

أخوك الذي لوجئت بالسيف عامداً

لتضربه لم يستَغِشَّك في الود

ولوجئتَهُ تدعوه للموت لم يكن

يردك إبقاءاً عليك من الرد(2)

وقال سالم(3) بن وابصة :

احب الفتى ينفي الفواحشَ سمعه

كأن به من كل فاحشة وقرا

سليم دواعي الصدرلاباسطاً أذى

ولا مانعاً خيراً ولا قائلاً هجرا

إذا ما أتت من صاحب لك زلة

فكن أنت محتالاً لزلته عذرا

غنى النفس ما يكفيك من سدّ خِلة

فإن زاد شيئاًعاد ذاك الغنى فقرا

لغيره :

إذاجمع الفتى حسبا ودينا

فلا تعدل به أبدا قرينا

ولاتسمح بحظك منه بل كن

بحظك من(4) مودته ضنينا(5)

وقال آخر :

وكنت إذا الصديق أرادغيظي

وأشرقني على حنق بريقي

غفرت ذنوبه وصفحت عنه

مخافة أن أعيش بلاصديق

 لآخر :

ومن لم يغمض عينه عن صديقه

وعن بعض مافيه يعيش وهو عاتب

ومن يتتبع جاهداً كل عثرة

يجدها ولم يسلم له الدهر صاحب

 وقال إياس بن القائف :

يقيم الرجال الأغنياء بأرضهم

ترمي النوى بالمقترين المراميا

فاكرم أخاك الدهرمادمتما معاً

كفى بالممات فرقة وتنائيا

 __________________

1 ـ كنزالفوائد : 34 وفيه تمام الفصل.

2 ـ في المصدر : الود.

3 ـ في المصدر : مسلم.

4 ـ في الأصل : في ، وما أثبتناه من المصدر.

5 ـ الضنين : البخيل « الصحاح ـ ضنن ـ 6 : 2156 ».

١٨٠

181

182

183