أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)23%

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 244

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 244 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159874 / تحميل: 9434
الحجم الحجم الحجم
أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

قال عبدالرحمن بن صالح الأزدي: زار الرشيد قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم يفتخر بذلك، فتقدّم موسى بن جعفر فقال السلام عليك يا ابة، فتغير وجه الرشيد وقال: الفخر حقاً يا أبا حسن.

وقال النسابة يحيى بن جعفر العلوي المدني، وكان موجوداً بعد الثلاثمائة كان موسى يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده، وكان سخياً يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها الألف دينار، وكان يصرر الصرر مائتي دينار وأكثر ويرسل بها، فمن جاءته صرة استغنى.

قلت: هذا يدلّ على كثرة اعطاء الخلفاء العباسيين له، ولعل الرشيد ما حبسه إلاّ لقولته تلك: السلام عليك يا ابة، فان الخلفاء لا يحتملون مثل هذا.

روى الفضل بن الربيع، عن أبيه: ان المهدي حبس موسى بن جعفر، فرأى في المنام علياً وهو يقول:( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) قال: فأرسل إلي ليلا، فراعني ذلك، وقال: علي بموسى، فجئته به، فعانقه وقص عليه الرؤيا وقال تؤمنني أن تخرج علي وعلى ولدي؟ فقال: والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني، قال: صدقت، واعطاه ثلاثة آلاف دينار وجهزه إلى المدينة.

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

٤١

عبدالله بن أبي سعد الوراق، حدّثني محمد بن الحسين الكناني، حدّثني عيسى بن مغيب القرطي قال: زرعت بطيخاً وقثاء في موضع بالجوانيه على بئر، فلما استوى بيته الجراد فأتى عليه كله، وكنت عرضت عليه مائة وعشرين ديناراً، فبينما أنا جالس إذ طلع موسى بن جعفر فسلم ثم قال: ايش حالك؟ فقلت: اصبحت كالعديم بيتني الجراد، فقال: يا عرفة ـ علامه ـ زن له مائة وخمسين ديناراً ثم دعا لي فيها، فبعث منها بعشرة آلاف درهم.

مات موسىرضي‌الله‌عنه في شهر رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وقيل سنة ست، والأول أصح.

وعاش بعضاً وخمسين سنة كأبيه وجده وجد أبيه وجد جده، ما في الخمسة من بلغ الستين".

وقال أيضاً في كتابه العبر في خبر من غبر، طبع معهد المخطوطات في الكويت ١٩٦٠، ج١ ص٢٨٧:

"وفيها (أي سنة ثلاث وثمانين ومائة توفى) السيد أبو الحسن موسى الرضا، ولد سنة ثمان وعشرين ومائة، روى عن أبيه.

قال أبو حاتم: ثقة امام من أئمة المسلمين.

وقال غيره: اقدمه الرشيد معه من المدينة فحبسه ببغداد ومات في الحبس(رحمه الله).

وكان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر".

قول عماد الدين القرشي الدمشقي

١٤ ـ قال الحافظ عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، المتوفى سنة ٧٧٤، في كتاب البداية والنهاية في التاريخ، مطبعة السعادة مصر، ج١٠ ص١٨٣:

"موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو

الحسن الهاشمي، ويقال له الكاظم، ولد سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة.

وكان كثير العبادة والمروءة، إذا بلغه عن أحد انه يؤذيه ارسل إليه بالذهب والتحف، ولد له من الذكور والاناث أربعون نسمة.

٤٢

واهدى له مرة عبد عصيدة، فاشتراه واشترى المزرعة التي هو فيها بألف دينار واعتقه ووهب المزرعة له.

وقد استدعاه المهدي إلى بغداد فحبسه، فلما كان في بعض الليالي رأى المهدي علي بن أبي طالب وهو يقول له: يا محمد( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) ، فاستيقظ مذعوراً وأمر به خارج من السجن ليلا، فاجلسه معه وعانقه وأقبل عليه وأخذ عليه العهد أن لا يخرج عليه ولا على أحد من أولاده، فقال: والله ما هذا من شأني ولا حدثت فيه نفسي، فقال: صدقت، وأمر له بثلاثة آلاف دينار، وأمر به فرد إلى المدينة فما أصبح الصباح إلاّ وهو على الطريق.

فلم يزل بالمدينة حتى كانت خلافة الرشيد فحج، فلما دخل ليسلم على قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه موسى بن جعفر الكاظم، فقال الرشيد: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم، فقال موسى: السلام عليك يا ابت، فقال الرشيد: هذا هو الفخر يا ابا الحسن.

ثم لم يزل ذلك في نفسه حتى استدعاه في سنة تسع وستين وسجنه فأطال سجنه، فكتب إليه موسى رسالة يقول فيها: أما بعد يا أمير المؤمنين انه لم يقتص عني يوم البلاء إلاّ انقضى عنك يوم من الرخاء، حتى يقضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون.

توفى لخمس بقين من رجب من هذه السنة ببغداد، وقبره هناك مشهور".

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

٤٣

قول محمد بن شاكر الكتبي

١٥ ـ قال محمد بن شاكر الكتبي المتوفى سنة ٧٦٤ في كتابه فوات الوفيات طبع دار صادر بيروت، ج١ ص٢٩٧ ـ ٢٩٨:

"جعيفران الموسوس بن علي بن اصفر بن السرى بن عبدالرحمن الانباري من ساكني سامراء، ومولده ببغداد، وكان أبوه من أبناء جند خراسان، وظهر لابيه انه يختلف إلى بعض سراريه، فطرده، وحج تلك السنة، وشكا ولده إلى موسى بن جعفر الكاظم، فقال له موسى: ان كنت صادقاً عليه فليس يموت حتى يفقد عقله، وان كنت قد تحققت ذلك عليه فلا تساكنه في منزلك ولا تطعمه شيئاً من مالك في حياتك وأخرجه عن ميراثك.

وسأل الفقهاء ممن حيله تخرجه عن ميراثه فدلوه على الطريق في ذلك، فاشهد عليه أبا يوسف القاضي.

فلما مات أبوه احضر القاضي الوصي وسأل جعيفران عن نسيه وتركه أبيه وأقام بينة عدولا، فاحضر الوصي بينة عدولا فشهد على أبيه بما كان احتال على منعه ميراثه، فلم ير أبو يوسف ذلك، وعزم على ان يورثه، فقال الوصي: أنا ادفع هذا عن الميراث بحجة واحدة، فأبى أبو يوسف أن يسمع منه، وجعيفران يقول قد ثبت عندك أمري فلا تدفعني، فاستمهل الوصي إلى غد، وكتب في رقعة خبره ما قاله موسى بن جعفر، ودفعها لمن دفعها إلى القاضي، فلما قراها دعا الوصي فاستحلفه على ذلك، فحلف باليمين الغموس، فقال: تعال غدا مع صاحبك فحضرا إليه، فحكم أبو يوسف للوصي، فلما امض الحكم وسوس جعيفران واختلط، وكان إذا تاب إليه عقله قال الشعر الجيد...".

٤٤

قول أبو محمد اليافعي اليمني المكي

١٦ ـ قال أبو محمد بن عبدالله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي اليمني المكي، المتوفى سنة ٧٦٧هـ، في كتابه مراة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، طبع منشورات الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان، الطبعة الثانية ١٣٩٠هـ، اوفست عن الطبعة الأولى بمطبعة دائرة المعارف النظامية الكائنة بمدينة حيدرآباد الركن سنة ١٣٣٧هـ، ج١ ص٣٩٤:

"وفيها (أي: سنة ١٨٣هـ) توفى السيد أبو الحسن موسى الكاظم ولد جعفر الصادق.

كان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر، وهو أحد الائمة الاثني عشر المعصومين في اعتقاد الامامية.

وكان يدعى بالعبد الصالح من عبادته واجتهاده، وكان سخياً كريماً كان يبلغه عن الرجل انه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيما الف دينار، وكان يسكن المدينة، فاقدمه المهدي بغداد فحبسه، فرأى في النوم ـ اعني: المهدي ـ علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه وهو يقول: يا محمد( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) .

قال الربيع: وارسل الى المهدي ليلا، فراعني ذلك فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية ـ وكان أحسن الناس صوتاً ـ وقال: علي بموسى بن جعفر فجئته به، فعانقه واجلسه إلى جانبه وقال: يا ابا الحسن أني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه في النوم يقرأ علي كذا، فتومنني ان تخرج علي أو على أحد من أولادي، فقال: والله لا فعلت ذلك وما هو من شأني قال: صدقت، اعطوه ثلاثة آلاف دينار، وردوه إلى أهله إلى المدينة، قال الربيع فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح إلاّ وهو في الطريق خوف العوائق.

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

٤٥

ثم ان هارون الرشيد حبسه في خلافته إلى أن توفى في حبسه.

وروى ان هارون كان زار النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: السلام عليك يا ابن العم مفتخراً بذلك، فقال موسى الكاظم: السلام عليك يا ابة، فتغير وجه هارون.

وروى ان هارون الرشيد قال: رأيت في المنام كان حسيناً(١) قد أتاني ومعه حربة وقال: ان خليت عن موسى بن جعفر الساعة وإلاّ نحرتك بهذه الحربة، فاذهب فخل عنه واعطه ثلاثين الف درهم، وقل له: ان احببت المقام قبلنا فلك ما تحب وان احببت المضي إلى المدينة فالاذن في ذلك لك، فلمّا اتاه واعطاه ما أمره به قال له موسى الكاظم: رأيت في منامي ان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أتاني فقال: يا موسى حبست مظلوماً فقل هذه الكلمات فانك لا تبيت هذه الليلة في الحبس فقلت: بأبي وأمي ما أقول؟ قال لي: قل يا سامع كل صوت، ويا سابق الفوت، وياكسي العظام لحماً، ويا منشرها بعد الموت أسألك باسمائك الحسنى وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليماً ذا اناءة لا يقوى على اناءته، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع ابداً ولا يحصى عدداً، فرج عني.

وله اخبار شهيرة ونوارد كثيرة".

قول شهاب الدين التويري

١٧ ـ قال شهاب الدين أحمد بن عبدالوهاب التويري، المتوفى سنة ٧٣٣، في كتابه نهاية الأرب في فنون الأدب، طبع المجلس الاعلى للثقافة القاهرة ١٤٠٤هـ، ج٢٢ ص١٣٣ ـ ١٣٤:

"وفيها (أي: سنة ثلاث وثمانين ومائة) توفى موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ببغداد في حبس الرشيد، وكان سبب حبسه: ان الرشيد اعتمر في شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومائة، فلما عاد إلى المدينة دخل قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه الناس، فلما انتهى إلى القبر الشريف وقف فقال: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم ـ قال ذلك افتخاراً على من

ــــــــــــــــــــ

(١) في المصدر الناقلة لهذه القصة: حبشياً.

٤٦

حوله ـ فدنا موسى بن جعفر فقال: السلام عليك يا ابت، فتغير وجه الرشيد وقال: هذا الفخر يا ابا الحسن جداً، ثم أخذه معه إلى العراق فحبسه عند السندي بن شاهك حتى مات.

وكان رجلا صالحاً خيراً ديناً يقوم الليل كله، وهو الملقّب بالكاظم، لقب بذلك لاحسانه لمن أساء إليه".

قول شهاب الدين العسقلاني

١٨ ـ قال شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، في كتابه تهذيب التهذيب(١) ، الطبعة الأولى سنة ١٣٢٧ بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند بمحروسة حيدرآباد الدكن ج١٠ ص٣٣٩ ـ ٣٤٠ قم ٥٩٧:
"موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي أبو الحسن المدني الكاظم، روى عن أبيه وعبدالله بن دينار وعبدالملك بن قدامة الجمحي، وعنه أخواه علي ومحمد، وأولاده: ابراهيم وحسين واسماعيل وعلي الرضي، وصالح بن يزيد، ومحمد بن صدقة العنبري.

قال أبو حاتم: ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين.

قال يحيى بن الحسن بن جعفر النسابة: كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده.

وقال الخطيب: يقال: انه ولد بالمدينة في سنة ١٢٨هـ واقدمه المهدي إلى بغداد ثم رده إلى المدينة، وأقام بها إلى أيام الرشيد، فقدم هارون منصرفاً من عمرة رمضان سنة ٧٩، فحمله معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن توفى في محبسه.

وقال محمد بن صدقة العنبري: توفى سنة ١٨٣، وقال غيره: في رجب

ــــــــــــــــــــ

(١) هذا الكتاب مختصر لكتاب تهذيب الكمال، وتهذيب الكمال مختصر لكتاب الكمال في أسماء الرجال.

٤٧

ومناقبه كثيرة.

قلت: ان ثبت ان مولده سنة ٨ فروايته عن عبدالله بن دينار منقطعة عبدالله بن دينار توفى سنة ٢٧".

وقال ايضاً في كتابه تقريب التهذيب(١) ، طبع المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، ج٢ ص٢٨٠ رقم ١٤٤٤:

"موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن الهاشمي، المعروف بالكاظم، صدوق عابد، من السابعة، مات سنة ثلاث وثمانين"(٢) .

قول جمال الدين الأتابكي

١٩ ـ قال جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الاتابكي المتوفى سنة ٨٧٤هـ، في كتابه النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب في مصر، ج٢ ص١١٢:

"وفيها (أي في سنة ١٨٣هـ) توفى الامام موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن السيد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.

كان موسى المذكور يدعى العبد الصالح لعبادته، وبالكاظم لعلمه ولد بالمدينة سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة، وكان سيداً عالماً فاضلا سنياً جواداً ممدوحاً مجاب الدعوة".

قول الداعي إدريس عماد الدين

٢٠ ـ قال الداعي ادريس عماد الدين المتوفى سنة ٨٧٢، في كتابه تاريخ الخلفاء الفاطميين بالمغرب (القسم الخاص من كتاب عيون الأخبار) طبعة دار المغرب الاسلامي بيروت ١٩٨٥م ص٤٦ ـ ٤٧:

ــــــــــــــــــــ

(١) هذا الكتاب هو مختصر لكتاب تهذيب التهذيب للمؤلف، فيه زيادات في رجاب مصنفات أصحاب الكتب الستة غير الاصول.

(٢) ومائة.

٤٨

"روى عن عبدالرحمن بن بكار انه قال: حججت فدخلت المدينة فأتيت مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرأيت الناس مجتمعين على مالك بن أنس يسألونه ويفتيهم، فقصدت نحوه، فإذا أنا برجل وسيم حاضر في المسجد وحوله حفدته يدفعون الناس عنه، فقلت لبعض من حوله: من هذا؟ قالوا موسى بن جعفر فتركت مالكاً وتبعته، ولم ازل اتطلف حتى لصقت به، فقلت: يا ابن رسول الله، اني رجل من المغرب من شيعتكم وممن يدين الله بولايتكم قال لي: اليك عني يا رجل فانه قد وكل بنا حفظة اخافهم عليك.

قلت: يسلم الله وانما أردت أن أسألك، فقال: سل عما تريد، قلت: انا قد روينا عن(١) المهدي منكم، فمتى يكون قيامه؟

قال: ان مثل من سألت عنه كمثل عمود سقط من السماء رأسه في المغرب واصله في المشرق، فمن أين ترى العمود يقوم إذا أقيم؟ قلتد من قبل رأسه، قال: فحشبك من المغرب يقوم واصله من المشرق، وهناك يستوي قيامه ويتم أمره".

قول أبو الفلاح الحنبلي

٢١ ـ قال أبو الفلاح عبدالحي بن العماد الحنبلي، المتوفى سنة ١٠٨٩هـ في كتابه شذرات الذهب في أخبار من ذهب، منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت لبنان، ج١ ص٣٠٤ ـ ٣٠٥:

"وفيها (أي: في سنة ١٨٣هـ) توفى السيد الجليل أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ووالد علي بن موسى الرضا، ولد سنة ١٢٨هـ، روى عن أبيه.

قال أبو حامد: ثقة إمام من أئمة المسلمين.

وقال غيره: كان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر، بلغه عن رجل

ــــــــــــــــــــ

(١) كذا، الظاهر: ان.

٤٩

الاذى له فبعث بألف دينار، وهو أحد الأئمة الاثني عشر المعصومين على اعتقاد الامامية.

سكن المدينة، فأقدمه المهدي بغداد وحبسه، فرأى المهدي في نومه علياً كرم الله وجهه وهو يقول له: يا محمد( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) فاطلقه على ان لا يخرج عليه ولا على أحد من بنيه واعطاه ثلاث آلاف ورده إلى المدينة.

ثم حبسه هارون الرشيد في دولته، ومات في حبسه.

وقيل: ان هارون قال: رأيت حسيناً في النوم قد اتى بالحربة وقال: ان خليت عن موسى هذه الليلة وإلاّ نحرتك بها فخلاه واعطاه ثلاثين ألف درهم.

وقال موسى: رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال لي: يا موسى حبست ظلماً، فقل هذه الكلمات لا تبت هذه الليلة في الحبس:

يا سامع كل صوت، يا سائق(٢) الفوت، ياكسي العظام لحماً ومنشرها بعد الموت، أسألك باسمائك الحسنى وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليماً ذا أناة، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع ابداً فرج عني.

واخباره كثيرة شهيرةرضي‌الله‌عنه ".

قول الشيخ سيد الشبلنجي

٢٢ ـ قال الشيخ سيد الشبلنجي المدعو بمومن، في كتابه نور الأبصار في مناقب آل البيت المختار، طبع مكتبة الجمهورية العربية مصر، ص١٤٨ ـ ١٥٢:

"فصل: في ذكر مناقب سيدنا موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

(٢) كذا، وفي بعض المصادر: يا سابق.

٥٠

عنهم:

أمه أم ولد يقال لها حميدة البربرية.

ولد موسى الكاظم بالابواء سنة ثمان وعشرين ومائة من الهجرة.

وكنيته أبو الحسن.

والقابه كثيرة، اشهرها الكاظم، ثم الصابر، والصالح، والامين.

صفته: اسمر عقيق.

شاعره: السيد الحميري.

بوابه محمد بن الفضل.

نقش خاتمه: الملك لله وحده.

قال بعض أهل العلم: الكاظم هو الإمام الكبير القدر، الأوحد الحجة الساهر ليله قائماً، القاطع نهاره صائماً، المسمى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظماً، وهو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى الله، وذلك لنجح حوائج المتوسلين به، ومناقبهرضي‌الله‌عنه كثيرة شهيرة.

يحكى ان الرشيد سأله يوماً فقال: كيف قلتم نحن ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانتم بنو علي، وانما ينسب الرجل إلى جده لابيه دون جده لامه؟

فقال الكاظم: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم( ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك يجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى ) (١) ، وليس لعيسى اب، وانما الحق بذرية الأنبياء من قبل أمه وكذلك الحقنا بذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل امنا فاطمة.

وزيادة اخرى يا امير المؤمنين: قال الله عزوجل( فمن حاجك فيه من

ــــــــــــــــــــ

(١) الانعام ٦: ٨٤ ـ ٨٥.

٥١

بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعوا ابناءنا وابنائكم ونساءنا ونسائكم وانفسنا وانفسكم نبتهل... ) (١) ، ولم يدعصلى‌الله‌عليه‌وآله عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، وهم الابناء.

روى موسى الكاظم ـ صاحب الترجمة ـ عن آبائه مرفوعاً قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نظر الولد إلى والديه عبادة.

وعن اسحاق بن جعفر قال: سألت أخي موسى الكاظم بن جعفر قلت: أصلحك الله أيكون المؤمن بخيلا قال: نعم، فقلت: أيكون خائناً قال: ولا يكون كذّاباً، ثم قال: حدثني أبي جعفر الصادق عن آبائه رضي الله عنهم قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: كل خلة يطوى المؤمن عليها ليس الكذب والخيانة.

كراماته :

الاولى: قال حسان بن حاتم الاصم: قال لي شقيق البلخي: خرجت حاجاً سنة ست وأربعين ومائة، فنزلت بالقادسية فبينما أنا انظر في مخرجهم إلى الحج وزينتهم وكثرتهم، إذ نظرت إلى شاب حسن الوجه شديد السمرة نحيف فوق ثيابه ثوب صوف مشتمل بشملة وفي رجليه نعلان وقد جلس منفرداً.

فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية ويريد أن يخرج مع الناس فيكون كلا عليهم في طريقهم، والله لامضين إليه ولاوبخنه، فدنوت منه، فلما رآني مقبلا نحوه قال: يا شقيق( اجتنوبا كثيراً من الظن أن بعض الظن إثم ) (٢) ثم تركني وولى.

ــــــــــــــــــــ

(١) آل عمران ٣: ٦١.

(٢) الحجرات ٤٩: ١٢.

٥٢

فقلت في نفسي ان هذا الأمر عجيب، تكلم بما في خاطري ونطق باسمي، هذا عبد صالح لالحقنه وأسألنه الدعاء واتحلله بما ظننت فيه فغاب عني ولم أره فلما نزلنا وادي فضة، فإذا هو قائم يصلي، فقلت: هذا صاحبي أمضي اليه واستحله فصبرت حتى فرغ من صلاتاه، فالتفت الي وقال: يا شقيق اتل( واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحاً ثم اهتدى ) (١) ، ثم قام وتركني.

فقلت: هذا فتى من الابدال قد تكلم على سري مرتين.

فلما نزلنا بالابواء إذا انا بالفتى على البئر وأنا انظر اليه وبيده ركوة فيها ماء، فسقطت من يده في البئر، فرمق إلى السماء بطرفه، وسمعته يقول:

وقوتي إذا أردت طعاما انت شرابي إذا ظمئت من الماء

ثم قال: الهي وسيدي مالي سواك فلا تعدمنيها.

فوالله لقد رأيت الماء قد ارتفع إلى رأس البئر والركوة طائفة عليه، فمد يده فأخذها، فتوضأ منها وصلى أربع ركعات، ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيديه ويجعل في الركوة ويحركها ويشرب، فأقبلت نحوه وسلمت عليه، فردّ علي السلام. فقلت: اطعمني من فضل ما انعم الله به عليك، فقال: يا شقيق لم تزل نعم الله علي ظاهرة وباطنة فاحسن ظنك بربك، ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا فيها سويق بسكر، فوالله ما شربت قط الذّ منه ولا أطيب، فشربت روويت حتى شبعت، فأقمت أياماً لا اشتهي طعاماً ولا شراباً.

ثم لم أره حتى نزلنا بمكة، فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب نصف الليل وهو قائم يصلي بخشوع وانين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر، ثم قام إلى حاشية المطاف فركع ركعتي الفجر هناك، ثم صلّى الصبح مع الناس،

ــــــــــــــــــــ

(١) طه ٢٠: ٨٢.

٥٣

ثم دخل المطاف فطاف إلى بعد شروق الشمس، ثم صلى خلف المقام، ثم خرج يريد الذهاب فخرجت خلفه أريد السلام عليه، وإذا بجماعة أحاطوا به يميناً وشمالا ومن خلفه ومن أمامه وخدم وحشم وأتباع خرجوا معه، فقلت لأحدهم: من هذا الفتى يا سيدي؟ فقال: هذا موسى الكاظم بن جعفر بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وهذه الكرامة رواها جماعة من أهل التأليف، ورواها ابن الجوزي في كتابه مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن، ورواها الجنابذي في معالم العترة النبوية، والرامهرمزي في كتابه كرامات الأولياء، وهي كرامة اشتملت على كرامات.

الثانية: من كتاب الدلائل للحميري:

روى أحمد بن محمد، عن أبي قتادة، عن أبي خالد الزبالي قال: قدم علينا أبو الحسن موسى الكاظم زبالة ومعه جماعة من أصحاب المهدي بعثهم لاحضاره لديه إلى العراق من المدينة، وذلك في مسكنه الأول، فأتيته فسلّمت عليه، فسرّ برؤيتي وأوصاني بشراء الحوائج وتبقيتها عندي له، فراني غير منبسط، فقال: مالي أراك منقبضاً؟ فقلت: كيف لا انقبض وأنت سائر إلى هذه الفرقة الطاغية ولا أمن عليك.

فقال: يا أبا خالد، ليس علي بأس، فإذا كان في شهر كذا في اليوم الفلاني منه فانتظرني آخر النهار مع دخول الليل، فإني أوافيك ان شاء الله تعالى.

قال أبو خالد: فما كان لي هم إلاّ احصاء تلك الشهور والأيام إلى ذلك اليوم الذي وعدني المجيء فيه، فخرجت غروب الشمس فلم أر أحداً، فلما كان دخول الليل إذا بسواد قد أقبل من ناحية العراق، فقصدته فإذا هو على بغلة أمام القطار، فسلمت عليه وسررت بمقدمه وتخلّصه.

فقال لي: اداخلك الشك يا ابا خالد؟ فقلت: الحمد لله الذي خلصك من هذه الطاغية.

فقال: يا ابا خالد ان لهم إلي دعوة لا اتخلص منها.

٥٤

الثالثة: عن عيسى المدائني قال: خرجت سنة إلى مكة فأقمت بها مجاوراً ثم قلت اذهب إلى المدينة فأقيم بها سنة مثل ما اقمت بمكة فهو اعظم لثوابي فقدمت المدينة فنزلت طرف المصلى إلى جنب دار ابي ذر وجعلت اختلف إلى سيدنا موسى الكاظم، فبينا انا عنده في ليلة ممطرة إذ قال: يا عيسى قم فقد انهدم البيت على متاعك، فقمت فإذا البيت قد انهدم على المتاع، فاكتريت قوماً كشفوا عن متاعي واستخرجت جميعه، ولم يذهب لي غير صطل للوضوء، فلما اتيته من الغد قال: هل فقدت شيئاً من متاعك فندعو الله لك بالخلف، فقلت: ما فقدت غير صطل كان لي أتوضأ منه.

فأطرق رأسه ملياً ثم رفعه فقال: قد ظننت انك نسيته قبل ذلك، فات جارية رب الدار فاسألها عنه وقل لها: انسيت الصطل في بيت الخلاء فرديه، قال فسألتها عنه فردته.

الرابعة: عن عبدالله بن ادريس عن ابن سنان قال: حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثياباً فاخرة أكرمه بها ومن جملتها دراعة منسوجة بالذهب سوداء من لباس الخلفاء فانفذها علي بن يقطين لموسى الكاظم، فردها وكتب إليه: تحتفظ عليها ولا تخرجها عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج معه إليها.

فارتاب علي بن يقطين لردها عليه ولم يدر ما سبب كلامه ذلك، ثم انه احتفظ بالدراعة وجعلها في سفط وختم عليها.

فلما كان بعد مدة يسيرة تغير علي بن يقطين على بعض غلمانه ممن كان يختص بأموره ويطلع عليها، فصرفه عن خدمته وطرده لأمر أوجب ذلك منه، فسعى الغلام بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقال له: ان علي بن يقطين يقول بامامة موسى الكاظم وانه يحمل إليه في كل سنة زكاة ماله والهدايا والتحف، وقد حمل إليه في هذه السنة ذلك وصحبته الدراعة السوداء التي اكرمته بها يا أمير المؤمنين في وقت كذا.

فاستشاط الرشد لذلك غيظاً وقال: لاكشفن عن ذلك، فان كان الأمر على ما ذكرت ازهقت روحه، وذلك من بعض جزائه، فانفذ في الوقت والحين من احضر علي بن يقطين، فلما مثل بين يديه قال: ما فعلت بالدراعة السوداء التي كسوتكها واختصصتك بها مدة من بين سائر خواصي.

قال: هي عندي يا أمير المؤمنين في سفط فيه طيب مختوم عليها.

٥٥

فقال احضرها الساعة.

قال نعم يا أمير المؤمنين، السمع والطاعة، واستدعى بعض خدمه، فقال: امض وخذ مفتاح البيت الفلاني من داري وافتح الصندوق الفلاني واتني السفط الذي فيه على حالته بختمه، فلم يلبث الخادم إلاّ قليلا حتى عاد وصحبته السفط مختوماً، فوضع بين يدي الرشيد فأمر بفك ختمه، ففك وفتح السفط، وإذا بالدراعة فيه م طوية على حالها لم تلبس ولن تدنس ولم يصبها شيء من الأشياء، فقال لعلي بن يقطين ردّها إلى مكانها وخذها وانصرف راشداً، فلن نصدق بعدك عليك ساعياً، وأمر أن يتبع بجائزة سنية وتقدّم بأن يضرب الساعي ألف سوط، فضرب فلما بلغوا به الخمسمائة سوط مات تحت الضرب قبل الالف.

الخامسة: روى اسحاق بن عمار قال: لما حبس هارون الرشيد موسى الكاظم دخل الحبس ليلا أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة، فسلّما عليه وجلسا عنده وأرادا أن يختبراه بالسؤال لينظرا مكانه من العلم، فجاء بعض الموكلين به فقال له: ان نوبتي قد فرغت وأريد الانصراف من غد أن شاء الله تعالى فان كان لك حاجة تأمرني ان اتيك به غدا إذا جئت، فقال مالي حاجة به انصرف.

ثم قال لابي يوسف ومحمد بن الحسن: اني لاعجب من هذا الرجل يسألني ان اكلفه حاجة يأتيني بها معه غدا إذا جاء وهو ميت في هذه الليلة، فامسكا عن سؤاله وقاما ولم يسألاه عن شيء، وقالا: أردنا ان نسأله عن الفرض والسنة فأخذ يتكلم معنا بالغيب، والله لنرسلن خلف الرجل من يبيت على باب داره وينظر ماذا يكون من أمره، فأرسلا شخصاً من جهتهما جلس على باب ذلك الرجل، فلما كان اثناء الليل وإذا بالصراخ والناعية، فقيل لهم: ما الخبر؟ فقالوا مات صاحب البيت فجاة فعاد إليهما الرسول واخبرهما، فتعجبا من ذلك غاية العجب انتهى من الفصول المهمة.

كان موسى الكاظم رضي الله عنه اعبد أهل زمانه وأعلمهم واسخاهم كفاً وأكرمهم نفساً، وكان يتفقد فقراء المدينة فيحمل إليهم الدراهم والدنانير إلى بيوتهم ليك وكذلك النفقات ولا يعلمون من أي جهة وصلهم ذلك، ولم يعلموا بذلك إلاّ بعد موته.

وكان كثيراً ما يدعوا بـ: اللهم اني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب.

تتمة: في الكلام على وفاته وأولاده رضي الله عنه.

٥٦

روى أحمد بن عبدالله بن عمار، عن محمد بن علي النوفلي قال: كان السبب في أخذ الرشيد لموسى بن جعفر وحبسه اياه انه سعى به إليه جماعة وقالوا: ان الاموال تحمل اليه من جميع الجهات والزكاة والاخماس، وانه اشترى ضيعة وسماها السيديه بثلاث آلاف دينار، فخرج الرشيد في تلك السنة يريد الحج، وبدأ بدخوله المدينة، فلما أتاها استقبله موسى الكاظم في جماعة من الاشراف فلما دخلها واستقر ومضى كل واحد إلى سبيله ذهب موسى على جاري عادته إلى المسجد، وأقام الرشيد الليل وسار إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله، اني اعتذر إليك من أمر أريد فعله، وهو: ان امسك موسى الكاظم فانه يريد التشغيب بين امتك وسفك دمائهم، واني أريد حقنها.

ثم خرج فأمر به فأخذ من المسجد، فدخل به إليه، فقيده في تلك الساعة واستدعى بقبتين... وسترهما بالفلاط، وجعله في احدى القبتين، وجعل مع كل واحدة منهما خيلا وأرسل بواحدة منهما على طريق البصرة وبواحدة على طريق الكوفة، وانما فعل ذلك الرشيد ليعمى على الناس أمره.

وكان موسى الكاظم بالقبة التي أرسلها بطريق البصرة، وأوصى القوم الذين كانوا معه أن يسلمون إلى عيسى بن جعفر المنصور، وكان على البصرة يومئذ ولياً فسلّموه وحبسه عنده سنة، فبعد السنة كتب إليه الرشيد في سفك دمه واراحته منه، فاستدعى عيسى بن جعفر بعض خواصه وثقاته الناصحين، فاستشارهم بعد ان اراهم ما كتبه له الرشيد، فقالوا نشير عليك بالاستغفار من ذلك وان لا تقع فيه، فكتب عيسى بن جعفر للرشيد يقول:

يا أمير المؤمنين كتبت إلي في هذا الرجل وقد اختبرته طول مقامه في حبسي فلم يكن منه سوء قط، ولم يذكر أمير المؤمنين إلاّ بخير، ولم يكن عنده تطلع للولاية ولا خروج ولا شيء من أمر الدنيا، ولا دعا قط على أمير المؤمنين ولا على أحد الناس، ولا يدعو إلاّ بالمغفرة والرحمة لجميع المسلمين، مع ملازمته للصيام والصلاة والعبادة، فان رأى أمير المؤمنين يعفيني من أمره ويأمر بتسلمه مني وإلاّ سرحت سبيله، فاني منه في غاية الحرج.

فلما بلغ الرشيد كتاب عيسى بن جعفر كتب إلى السندي بن شاهك ان يتسلّم موسى الكاظم بن جعفر من عيسى بن جعفر وأمره فيه، فكان الذي تولى به السندي قتله: ان جعل له سماً في طعام وقدمه له، وقيل في رطب، فأكل منه موسى الكاظم.

٥٧

ثم انه أقام موعوكاً ثلاثة أيام، ومات رحمه الله تعالى.

ولما مات ادخل السندي الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره ينظرون إليه ليس به أثر من جرح أو قتل أو خنق وانه مات حتف انفه.

روى انه لما حضرته الوفاة سأل ابن السندي أن يحضر مولى له مدنياً ينزل عند دار العباس بن محمد ليتولى غسله ودفنه وتكفينه.

فقال له السندي: أنا اقوم لك بذلك على احسن شيء واتمه.

فقال: أنا أهل بيت مهور نسائنا وحج مبرورنا وكفن موتانا وجهازنا من خالص أموالنا، وأريد أن يتولى ذلك مولاي، فأجابه إلى ذلك واحضره له فوصاه بجميع ما يفعل.

فلما مات تولى ذلك مولاه المذكور، كذا في الفصول المهمة.

ومن كتاب الصفوة لابن الجوزي قال: بعث موسى بن جعفر الكاظم إلى الرشيد من الحبس رسالة كتب فيها: بأنه لم ينقص عني يوم من البلاء إلاّ انقضى معه يوم عنك من الرخاء حتى نمضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء، هنالك يخسر المبطلون.

وقد كان قوم من الشيعة زعموا ان موسى الكاظم هو القائم المنتظر، وجعلوا حبسه هو الغيبة المذ زورة للقائم، فأمر هارون الرشيد يحيى بن خالد أن يضعه على الجسر ببغداد، وان ينادي: هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة انه لا يموت، فانضروا إليه يمتاً، ففعل ونظر إليه.

ثم حمل ودفن موسى الكاظم في مقابر قريش بباب التين ببغداد، كذا في الانساب وغيره.

وكانت وفاته لخمس بقين من شهر رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وله من العمر خمس وخمسون سنة.

٥٨

وأما أولاده ففي الفصول المهمة: كان له سبعة وثلاثين ولداً ما بين ذكر وانثى، وهم:

علي، والرضا(١) ، وابراهيم، والعباس، والقاسم، واسماعيل، وجعفر، وهارون والحسن، وعبدالله، واسحاق، وعبدالله(٢) ، وزيد، والحسن، وأحمد، ومحمد والفضل، وسليمان، وفاطمة الكبرى، وفاطمة الصغرى، ورقية، وحليمة، وأم اسماء ورقيه الصغرى، وأم كلثوم، وميمونة، انتهى.

ولكنه لم يستوف العدد المذكور من أولاد الكاظم كما في بغية الطالب عون...".

قول الشيخ محمد الصبان

٢٣ ـ قال الشيخ محمد الصبان، في كتابه اسعاف الراغبين، مطبوع بهامش نور الأبصار المطبوع في مصر مكتبة الجمهورية العربية صفحة ٢٢٥ ـ ٢٢٧:

"ولنذكر طرفاً من مناقب اخيها (أي: السيدة عائشة) الامام موسى الكاظم وأبيها الإمام جعفر الصادق، وجدها الإمام محمد الباقر على سبيل الاستطراد:

فنقول: أما موسى الكاظم فكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان من أعبد أهل زمانه، ومن أكابر العلماء الاسخياء.

سأله الرشيد كيف تعقولن: نحن ابناء المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله وانتم ابناء علي؟ فقرأ:

ــــــــــــــــــــ

(١) كذا، والظاهر: علي الرضا.

(٢) كذا، والظاهر عبيد الله.

٥٩

( ومن ذريته داود وسليمان ) إلى أن قال:( وعيسى ) (١) وليس له أب.

ولقب بالكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه.

ومن بديع كراماته ما حكاه بن الجوزي والرامهرمزي عن شقيق البلخي انه خرج حاجاً فراء بالقادسية منفرداً عن الناس، فقال في نفسه: هذا فتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس، لاوبخنه.

فمضى إليه فقال: يا شقيق( اجتنبوا كثيراً من الظن أن بعض الظن إثم ) (٢) فأراد أن يعانقه فغاب عن عينه.

ثم رآه بعد على بئر سقطت ركوته فيها، فدعا فطف الماء حتى أخذها فتوضأ وصلى، ثم مال إلى كثيب من الرمل فطرح منه ايها وشرب، قال: فقلت له: اطعمني مما رزقك الله، فقال: يا شقيق لم تزل نعم الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك، فناولنيها فشربت فإذا هو سويق وسكر، فأقمت اياماً لا اشتهي شراباً.

ولا طعاماً، ثم لم أره إلاّ بمكة.

ولما بلغ حج الرشيد سعى به اليه وقيل: ان الأموال تحمل إليه من كل جانب حتى اشترى له ضيعة بثلاثين الف دينار.

فقال الرشيد حين رآه جالساً عند الكعبة: أنت الذي يبايعك الناس سراً؟

قال: أنا إمام القلوب وأنت إمام الجسوم.

ولما اجتمعا أمام الوجه الشريف قال الرشيد: سلام عليك يا ابن عم، وقال موسى: السلام عليك يا ابه. فلم يحتملها الرشيد، فحمله إلى بغداد مقيّداً وحبسه فلم يخرج من حبسه إلاّ مقيّداً ميتاً مسموماً".

ــــــــــــــــــــ

(١) الأنعام ٦: ٨٤ ـ ٨٥.

(٢) الحجرات ٤٩: ١٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

قتلُ مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتُنا، فمن أحبَّ منكم الانصراف فلينصرفْ في غير حرج ليس معه ذمام).

فتفرّق الناس عنه وأخذوا يميناً وشمالا، حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه، وإنَّما فعل ذلك لأنّهعليه‌السلام علم أنّ الأعراب الذين اتّبعوه إنّما اتّبعوه وهم يظنّون أنَّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعةُ أهله، فكره أن يسيروا معه إلاّ وهم يعلمون على ما يقدمون(١) . فلمّا كان السَحَر أمر أصحابَه فاستقَوْا ماءً وأكثروا، ثم ساروا.

لقاء الإمام الحسينعليه‌السلام مع الحرّ:

وبينما كان الإمامعليه‌السلام يسير بمن بقي معه من أصحابه المخلصين وأهل بيته وبني عمومته; إذا بهم يرون أشباحاً مقبلة من مسافات بعيدة، وظنّها بعضهم أشباح نخيل، ولكن لم يكن الذي شاهدوه أشجار النخيل، ولكنّها جيوش زاحفة، فبعد قليل تبيّن لهم أنّ تلك الأشباح المقبلة عليهم هي ألف فارس من جند ابن زياد بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، أرسلها ابن زياد لتقطع الطريق على الحسينعليه‌السلام وتسيّره كما يريد، ولمّا اقتربوا من ركب الحسينعليه‌السلام سألهم عن المهمّة التي جاءوا من أجلها، فقال لهم الحرّ: لقد أمرنا أن نلازمكم ونجعجع بكم حتى ننزلكم على غير ماء ولا حصن، أو تدخلوا في حكم يزيد وعبيدالله بن زياد(٢) .

____________________

(١) الإرشاد: ٢/ ٧٥ - ٧٦، والبداية والنهاية: ٨ / ١٨٢، وأعيان الشيعة: ١ / ٥٩٥.

(٢) تأريخ الطبري: ٣ / ٣٠٥، ومقتل الحسين للخوارزمي: ١ / ٢٢٩، والبداية والنهاية: ٨ / ١٨٦، وبحار الأنوار: ٤٤ / ٣٧٥.

١٨١

وجرى حوار طويل بين الطرفين وجدال لم يتوصّلا فيه إلى نتيجة حاسمة ترضي الطرفين، فلقد أبى الحرّ أن يمكِّنَ الحسينَ من الرجوع إلى الحجاز أو سلوك الطريق المؤدّية إلى الكوفة، وأبى الحسينعليه‌السلام أن يستسلم ليزيد وابن زياد(١) ، وكان ممّا قاله الحسين وهو واقف بينهم خطيباً: (أيّها الناس! إنّي لم آتِكم حتى أتتني كتبُكم وقدمِتْ عليّ رُسُلُكُم، أنِ أقدم علينا، فإنه ليس لنا إمام، لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهُدى والحقِّ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئنُ إليه من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين اِنْصَرَفْتُ عنكم إلى المكانِ الذي جئتُ مِنه إليكم). فسكتوا عنه ولم يتكلّم أحد منهم بكلمة، فقال للحرّ: (أتريد أن تصلّيَ بأصحابك؟) قال: لا، بل تُصلّي أنت ونصلّي بصلاتك، فصلّى بهم الحسينعليه‌السلام (٢) .

وبعد أن صلّى الإمامعليه‌السلام بهم العصر خاطبهم بقوله: (أمّا بعد، فإنّكم إنْ تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله تكونوا أرضى لله عنكم، ونحن أهل بيت محمّد وأولى بولاية هذا الأَمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرينَ فيكم بالجوْرِ والعدوانِ، وإنْ أبيتم إلاّ الكراهية لنا والجهل بحقّنا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت به عليَّ رُسُلُكُم انصرفت عنكم)(٣) ، فقال له الحرّ: أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر، فقال الحسينعليه‌السلام لبعض أصحابه: (يا عقبة بن سمعان، أخرج الخرجين اللّذين فيهما كتبهم إليَّ) فأخرجَ خرجين مملوءين صُحُفاً فنثرت بين يديه. فقال له الحرّ: إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أُمِرْنا إذا نحن لقيناك ألاّ

____________________

(١) تأريخ الطبري: ٣ / ٣٠٥، مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ١ / ٢٢٩، البداية والنهاية: ٨ / ١٨٦، بحار الأنوار: ٤٤ / ٣٧٥.

(٢) الإرشاد: ٢ / ٧٩، والفتوح لابن أعثم: ٥ / ٨٥، ومقتل الحسين للخوارزمي: ١ / ٥٩٦.

(٣) الفتوح لابن أعثم: ٥ / ٨٧، وتأريخ الطبري: ٣ / ٢٠٦، ومقتل الحسين للخوارزمي: ١ / ٣٣٢.

١٨٢

نفارقك حتى نُقدِمَكَ الكوفة على عبيد الله.

فقال له الحسينعليه‌السلام : (الموت أدنى إليك من ذلك) ثم قال لأَصحابه: (قوموا فاركبوا)، فركبوا وانتظروا حتى ركبت نساؤهم، فقال لأصحابه: (انصرفوا)، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسينعليه‌السلام للحرّ: (ثَكَلَتْكَ أمك ما تريد؟)، قال له الحرّ: أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائناً مَنْ كان، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلاّ بأحسن ما نقدر عليه(١) .

النزول في أرض الميعاد:

أقلقت الأخبار عن تقدّم الإمام الحسينعليه‌السلام نحو الكوفة ابن زياد وأعوان السلطة الأُموية، فأسرع بكتابه إلى الحرّ بن يزيد الرياحي يطلب فيه أن لا يسمح بتقدّم الإمام حتى تلتحق به جيوش بني أُمية وتلتقي به بعيداً عن الكوفة خشية أن يستنهض أهلها ثانية، وليستغل ابن زياد ظروف المنطقه الصعبة للضغط على الإمامعليه‌السلام واستسلامه.

وبغباء المنحرف الساذج وجهالته ردّ حامل كتاب ابن زياد على أحد أصحاب الحسينعليه‌السلام - يزيد بن مهاجر - مدافعاً عمّا جاء به قائلا: أطعت إمامي ووفيت ببيعتي، فقال له ابن مهاجر: بل عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك وكسبت العار والنار، وبئس الإمام إمامك، قال الله تعالى:

____________________

(١) الإرشاد: ٢ / ٨٠، تاريخ الطبري: ٣ /٣٠٦.

١٨٣

( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ ) (١) .

وحالت جنود ابن زياد قافلة الإمام الحسينعليه‌السلام دون الاستمرار في المسير، فقد منعهم جيش الحرّ بن يزيد وأصرّوا على أن يدفعوا الإمامعليه‌السلام نحو عراء لا خضرة فيها ولا ماء.

وكان زهير بن القين متحمّساً لقتال جيش الحرّ قبل أن يأتيهم المدد من قوات بني أُمية، فقال للحسينعليه‌السلام : (إنّ قتالهم الآن أيسر علينا عن قتال غيرهم)، ولكنّ الإمامعليه‌السلام رفض هذا الرأي لأنّ القوم لم يعلنوا حرباً عليه بعد، وما كان ذلك الموقف النبيل إلاّ لما كان يحمله الإمام من روح تتسع للأمة جمعاء، وأيضاً لعظيم رسالته التي يدافع عنها وقِيَمهِ التي كان يسعى إلى بنائها في الأمة رغم أنّها بدت تظهر العداء سافراً ضدّه، فقالعليه‌السلام : (ما كنت لأبدأهم بقتال).

وكان نزول الإمام في كربلاء في يوم الخميس الثاني من محرم سنة إحدى وستين(٢) ، ثم اقترح زهير على الإمامعليه‌السلام أن يلجأوا إلى منطقة قريبة يبدو فيها بعض ملامح التحصين لمواجهة الجيش الأموي لو نشبت المعركة.

وسأل الإمامعليه‌السلام عن اسم هذه المنطقة فقيل له: كربلاء، عندها دمعت عيناه وهو يقول: (اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء)، ثم قال: (ذات كرب وبلاء، ولقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفّين وأنا معه فوقف، فسأل عنه فاُخبر باسمه فقال: ها هنا محطّ ركابهم، وهاهنا مهراق دمائهم، فسئل عن ذلك فقال: ثقل لآل بيت محمد

____________________

(١) القصص (٢٨): ٤١.

(٢) تأريخ الطبري: ٣ / ٣٠٩، ومعجم البلدان: ٤ / ٤٤٤، وإعلام الورى: ١ / ٤٥١، والأخبار الطوال: ٢٥٢، وبحار الأنوار: ٤٤ / ٣٨٠.

١٨٤

ينزلون هاهنا)(١) .

قبض الإمام الحسينعليه‌السلام قبضةً من ترابها فشمّها وقال: (هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول الله أننّي اُقتل فيها، أخبرتني أم سلمة)(٢) .

فأمر الإمامعليه‌السلام بالنزول ونصب الخيام إلى حين يتّضح الأمر ويتّخذ القرار النهائي لمسيرته.

جيش الكوفة ينطلق بقيادة عمر بن سعد:

وفي تلك الأثناء خرج عمر بن سعد من الكوفة في جيش قدّرته بعض المصادر بثلاثين ألفاً، وبعضها بأكثر من ذلك، وفي رواية ثالثة: إنّ ابن زياد قد استنفر الكوفة وضواحيها لحرب الحسين و توعّد كلَّ مَنْ يقدر على حمل السلاح بالقتل والحبس إن لم يخرجْ لحرب الحسين.

وكان من نتائج ذلك أن امتلأت السجونُ بالشيعة واختفى منهم جماعة، وخرج مَنْ خرج لحرب الحسين من أنصار الأمويين وأهل الأطماع والمصالح الذين كانوا يشكّلون أكبر عدد في الكوفة، أمّا رواية الخمسة آلاف مقاتل التي تبنّاها بعض المؤرّخين فمع أنّها من المراسيل، لا تؤيّدها الظروف والملابسات التي تحيط بحادث من هذا النوع الذي لا يمكن لأحد أن يقدِمَ عليه إلاّ بعد أن يُعِدَّ العُدَّة لكلّ الاحتمالات، ويتّخذ جميع الاحتياطات، وبخاصة إذا كان خبيراً بأهل الكوفة وتقلّباتهم وعدم ثباتهم

____________________

(١) مجمع الزوائد: ٩ / ١٩٢، والأخبار الطوال: ٢٥٣، وحياة الحيوان للدميري: ١ / ٦٠.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٦٠، ونفس المهموم: ٢٠٥، وناسخ التواريخ: ٢ / ١٦٨، وينابيع المودة: ٤٠٦.

١٨٥

على أمر من الأُمور(١) .

وتوالت قطعات الجيش الأموي بزعامة عمر بن سعد فأحاطت بالحسينعليه‌السلام وأهله وأصحابه، وحالت بينهم وبين ماء الفرات القريب منهم. وقد جرت مفاوضات محدودة بين عمر بن سعد والإمام الحسينعليه‌السلام أوضح فيها الإمامعليه‌السلام لهم عن موقفه وموقفهم ودعوتهم له، وألقى عليهم كل الحجج في سبيل إظهار الحق، وبيّن لهم سوء فعلهم هذا وغدرهم ونقضهم للوعود التي وعدوه بها من نصرته وتأييده، وضرورة القضاء على الفساد.

ولكن عمر بن سعد كان أداة الشرّ المنفّذة للفساد والظلم الأموي، فكانت غاية همّته هي تنفيذ أوامر ابن زياد بانتزاع البيعة من الإمامعليه‌السلام ليزيد أو قتله وأهل بيته وأصحابه(٢) ، متجاهلاً حرمة البيت النبوي بل وحاقداً عليه كما جاء في رسالته لعمر: أن حُلْ بين الحسين وأصحابه وبين الماء، فلا يذوقوا قطرة كما صُنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان(٣) .

____________________

(١) سيرة الأئمة الاثني عشر القسم الثاني: ٦٨.

(٢) الإرشاد للمفيد: ٢ / ٨٥، الفتوح: ٥ / ٩٧، بحار الأنوار: ٤٤ / ٢٨٤، إعلام الورى: ١ / ٤٥١، البداية والنهاية: ٨ / ١٨٩، مقتل الحسين للخوارزمي: ١ / ٢٤٥.

(٣) إعلام الورى: ١ / ٤٥٢.

١٨٦

البحث السادس: ماذا جرى في كربلاء؟

ليلة عاشوراء:

نهض عمر بن سعد إلى الحسينعليه‌السلام عشية يوم الخميس لتسع مضين من المحّرم، وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسينعليه‌السلام فقال: أين بنو أُختنا؟ يعني العباس وجعفر وعبد الله وعثمان أبناء عليّعليه‌السلام . فقال الحسينعليه‌السلام : أجيبوه وإن كان فاسقاً فإنّه بعض أخوالكم؛ وذلك أنّ أمهم أم البنين كانت من بني كلاب وشمر بن ذي الجوشن من بني كلاب أيضاً.

فقالوا له: ما تريد؟ فقال لهم: أنتم يا بني أختي آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين والزموا طاعة يزيد. فقالوا له: لعنك الله ولعن أمانك! أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟

وناداه العباس بن أمير المؤمنين تبّت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدوّ الله! أتأمرنا أن نترك أخانا وسيّدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء؟!

ثم نادى عمر بن سعد يا خيل الله! اركبي وبالجنة أبشري. فركب الناس ثم زحف ابن سعد نحوهم بعد العصر والحسينعليه‌السلام جالس أمام بيته محتب بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتيه، فسمعت أخته زينب الصيحة، فدنت من أخيها وقالت: يا أخي! أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه فقال: إني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الساعة في المنام فقال إنّك تروح إلينا، فلطمت أخته وجهها، ونادت بالويل، فقال لها الحسينعليه‌السلام : ليس لكِ الويل، يا أُخيّة اسكتي، رحمك الله.

١٨٧

وقال له العباس: يا أخي أتاك القوم فنهض ثم قال: يا عباس اركب - بنفسي يا أخي - أنت حتى تلقاهم وتقول لهم: ما بالكم وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم؟ فأتاهم في نحو من عشرين فارساً منهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فسألهم فقالوا: قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم، قال: فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم، فوقفوا ورجع العباس إليه بالخبر ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفّونهم عن قتال الحسينعليه‌السلام .

فلما أخبره العباس بقولهم قال له: ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشية لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار.

فسألهم العباس ذلك، فتوقف ابن سعد، فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي: سبحان الله! والله لو أنّهم من الترك أو الديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم، فكيف وهم آل محمد؟! وقال له قيس بن الأشعث بن قيس: أجبهم، لعمري ليصبحنّك بالقتال. فأجابوهم إلى ذلك.

وجمع الحسينعليه‌السلام أصحابه عند قرب المساء. قال الإمام زين العابدينعليه‌السلام : فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه: اُثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة فاجعلنا لك من الشاكرين.

( أمّا بعد ) فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً ألا وإنّي لأظنّ أنه آخر يوم لنا من هؤلاء ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه

١٨٨

جملاً، وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرّقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم; فإنّهم لا يريدون غيري.

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر: ولِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول أخوه العباس بن أمير المؤمنين واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه.

ثم نظر إلى بني عقيل فقال: حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم إذهبوا قد أذنت لكم، قالوا: سبحان الله! فما يقول الناس لنا وما نقول لهم، إنّا تركنا شيخنا سيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرِب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا، لا والله ما نفعل ذلك ولكنّنا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نردَ موردك، فقبّح الله العيش بعدك.

وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال: أنحن نخلّي عنك وقد أحاط بك هذا العدّو؟ وبم نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟ لا والله لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به; لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك أو أموت معك.

وقام سعيد بن عبد الله الحنفي فقال: لا والله يا ابن رسول الله لا نخلّيك أبدا حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا فيك وصيّة رسوله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله والله لو علمت أني أُقتل فيك ثم أحيا ثم أُحرق ثم أذرى يُفعل ذلك بي سبعين مرّة; ما فارقتك حتى ألقى حِمامي دونَك، وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً.

وقام زهير بن القين وقال: والله يا ابن رسول الله لوددت أني قُتلت ثم

١٨٩

نُشرت ألف مرّة وأنّ الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن نفس هؤلاء الفتيان من إخوانك وولدك وأهل بيتك.

وتكلّم بقيّة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً وقالوا: أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا، فإذا نحن قُتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربّنا وقضينا ما علينا(١) .

وأمر الحسينعليه‌السلام أصحابه أن يقرّبوا بين بيوتهم، ويدخلوا الأطناب بعضها في بعض، ويكونوا بين يدي البيوت كي يستقبلوا القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفّت بهم إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم.

وقام الحسينعليه‌السلام وأصحابه الّليل كله يصلّون ويستغفرون ويدعون، وباتوا ولهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً.

قال بعض أصحاب الحسينعليه‌السلام : مرّت بنا خيل لابن سعد تحرسنا وكان الحسينعليه‌السلام يقرأ:( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) فسمعها رجل من تلك الخيل يقال له عبد الله بن سمير فقال: نحن وربّ الكعبة الطيّبون ميزنا منكم، فقال له برير بن خضير: يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين؟! فقال له: مَن أنت ويلك؟ قال: أنا برير بن خضير فتسابّا، فلمّا كان وقت السحر خفق الحسينعليه‌السلام برأسه خفقة ثم استيقظ فقال: (رأيت كأنّ كلاباً قد جهدت تنهشني وفيها كلب أبقع رأيته أشدّها عليّ وأظنّ أنّ الذي يتولّى قتلي رجلٌ أبرص)(٢) .

____________________

(١) الإرشاد: ٢/٩٣.

(٢) راجع أعيان الشيعة: ١ / ٦٠١.

١٩٠

يوم عاشوراء:

انقضت ليلة الهدنة، وطلع ذلك اليوم الرهيب، يوم عاشوراء، يوم الدم والجهاد والشهادة، وطلعت معه رؤوس الأسنّة والرماح والأحقاد وهي مشرعة لتلتهم جسد الحسينعليه‌السلام وتفتك بدعاة الحق والثوار من أجل الرسالة والمبدأ.

نظر الحسينعليه‌السلام إلى الجيش الزاحف، ولم يزلعليه‌السلام كالطود الشامخ، قد اطمأنت نفسه، وهانت دنيا الباطل في عينه، وتصاغر جيش الباطل أمامه، ورفع يديه متضرعاً إلى الله تعالى قائلاً: اللهم أنت ثقتي في كل كَرْب، وأنت رَجائي في كُلِ شِدّة وأنت لي في كل أمر نَزَلَ بي ثقةٌ وعدَّةٌ، كم من همٍّ يَضْعَفُ فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذُلُ فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمّن سواك ففرّجته عني وكشفته فأنت وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة(١) .

خطاب الإمامعليه‌السلام في جيش الكوفة:

أخذ جيش عمر بن سعد يشدِّد الحصار على الإمامعليه‌السلام ولما رأى الحسينعليه‌السلام كثرتهم وتصميمهم على قتاله إذا لم يستسلم ليزيد بن معاوية، تعمّم بعمامة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وركب ناقته وأَخذ سلاحه ثم دنا من معسكرهم حيث يسمعون صوته وراح يقول: يا أهل العراق - وجُلُّهُمْ يسمعون -، فقال: أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظَكم بما يحق لكم عليَّ وحتى أُعْذَرَ إليكم فإن أعطيتموني النّصف كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النّصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم

____________________

(١) الإرشاد: ٢ / ٩٦.

١٩١

ثم لا يكن أمركم عليكم غُمَّةً ثم اْقضوا إليَّ ولا تُنظِرونِ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) ، ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر الله تعالى بما هو أهله وصلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى ملائكته وأنبيائه فَلَمْ يُسْمَعْ متكلمٌ قط قبلَه ولا بعدَه أبلغُ في منطق منه، ثم قال: أمّا بعد فانسبوني فانظروا مَنْ أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاكُ حُرمتي؟ ألَسْتُ ابنَ بنتِ نبيّكم وابنَ وصيِّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين المصدّق لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما جاء به من عند ربه؟ أوليس حمزةُ سيدُ الشهداء عمّي؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنّة بجناحين عَمّي؟ أو لم يبلغكم ما قال رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لي ولأخي: هذانِ سيّدا شباب أهل الجنة؟ فإنْ صدقتموني بما أقول - وهو الحق - فوالله ما تعمدتُ كذباً منذ علمت أن الله يَمْقُتُ عليه أهله، وإنْ كذبتموني فإنَّ فيكم مَنْ إذا سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخِدْري و سهل بنَ سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنسَ بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟... ثم قال لهم الإمام الحسينعليه‌السلام : فإن كنتم في شك من هذا فتشكّون أني ابن بنت نبيكم فوالله ليس ما بين المشرق والمغرب ابنُ بنتِ نبىّ غيري فيكم ولا في غيركم. ويحكم! أتطلبونني بقتيل منكم قَتَلْتُه أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة؟ فأخذوا لا يكلمونه، فنادى: يا شبث بن ربعي! ويا حجّار بن أبجر! ويا قيس بن الأشعث! ويا يزيد بن الحارث! ألَمْ تكتبوا إليَّ أنْ قد أينعت الثمار واْخضرّ الجَنابُ وإنما تقدِم على جند لك مجندة؟ فقال له قيس بن الأشعث: ما ندري ما تقول، ولكن اِنزل على حكم بني عمّك. فقال له الحسينعليه‌السلام : (لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرُّ فِرار العبيد). ثم نادى: (يا عبادَ الله! إني عذْتُ بربّي ورَبِّكم أنْ ترجمُونِ، أعوذ بربّي و ربّكم من كلِّ متكبر

١٩٢

لا يؤمن بيوم الحساب)(١) .

لقد أبى القوم إلاّ الإصرار على حربه والتمادي في باطلهم، وأجابوه بمثل ما أجاب به أهل مدين نبيَّهم كما حكى الله عَزَّ وجَلَّ عنهم في كتابه الكريم:( مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاًً ) (٢) .

الحر يخيّر نفسه بين الجنّة والنار:

وتأثر الحر بن يزيد الرياحي بكلمات الإمام الحسينعليه‌السلام وندم على ما سبق منه معه، وراح يدنو بفرسه من معسكر الحسين تارة ويعود إلى موقفه أخرى وبدا عليه القلق والاضطراب. وعند ما سئل عن السبب في ذلك قال: (والله إني أُخيِّرُ نفسي بين الجنة والنار وبين الدنيا والآخرة ولا ينبغي لعاقل أن يختار على الآخرة والجنة شيئاً)، ثم ضرب فرسه والتحق بالحسينعليه‌السلام ووقف على باب فسطاطه، فخرج إليه الحسينعليه‌السلام فانكبَّ عليه الحرّ يُقبّل يديه ويسأله العفو والصفح، فقال له الحسينعليه‌السلام : (نعم، يتوب الله عليك وهو التّواب الرحيم). فقال له الحر: والله لا أرى لنفسي توبة إلاّ بالقتال بين يديك حتى أموتَ دونك. وخطب الحر في أهل الكوفة فوعظهم وذكّرهم موقفهم من الإمامعليه‌السلام ودعوتهم له وحثّهم على عدم مقاتلة الإمامعليه‌السلام ثم مضى إلى الحرب فتحاماه الناس، ثم تكاثروا عليه حتى استشهد(٣) .

المعركة الخالدة:

حصّن الإمامعليه‌السلام مخيّمه وأحاط ظهره بخندق أوْقَد فيه النار

____________________

(١) الإرشاد: ٢ / ٩٨، إعلام الورى: ١/٤٥٩.

(٢) هود (١١): ٩١.

(٣) الإرشاد: ٢ / ٩٩، الفتوح: ٥ / ١١٣، بحار الأنوار: ٥ / ١٥.

١٩٣

ليمنع المباغتة والالتفاف عليه من الخلف، وليحميَ النساء والأطفال من العدوان المحقّق.

نظر شمر بن ذي الجوشن إلى النار في الخندق فصاح: ( يا حسينُ تعجّلت النار قبل يوم القيامة، فرد عليه أنت أولى بها صِلِيّا)(١) ، وحاول صاحب الحسينعليه‌السلام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم، فاعترضه الإمام ومنعه قائلا: (لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم)(٢) .

ويقول المؤرخون: إن بعض أصحاب الإمام خطب بالقوم بعد خطبة الإمام الأولى، وأنّ الإمامعليه‌السلام أخذ مصحفاً ونشره على رأسه ووقف بإزاء القوم فخاطبهم للمرة الثانية بقوله: يا قوم! إنّ بيني وبينكم كتاب الله وسنّة جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم استشهدهم عن نفسه المقدسة وما عليه من سيف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ودرعه وعمامته فأجابوه بالتصديق فسألهم عمّا أقدمهم على قتله، قالوا: طاعةً للأمير عبيد الله ابن زياد، فقالعليه‌السلام : (تباً لكم أيتها الجماعَةُ وترحاً أحين استصرختمونا(٣) والهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحَشَشْتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم فأصبحتم إلباً(٤) لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلاّ - لكم الويلاتُ - تركتمونا والسيفُ مشيم والجأش طامن والرأي لمّا يستحصفْ! ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدَّبا(٥) ، وتداعيتم عليها كتهافُتِ الفراش، ثم نقضتموها فسُحْقاً لكم يا عبيدَ الأمة وشُذّاذَ الأحزابِ و نبذة الكتابِ ومحرّفي الكلِمِ وعصبة الإثمِ ونفثةَ الشيطان ومطفئي السُنَنِ، ويْحَكم! أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون؟ أجل! والله

____________________

(١) مقتل الحسين، للمقرم: ٢٧٧.

(٢) مقتل الحسين، للمقرم: ٢٧٧، تاريخ الطبري: ٣ / ٣١٨.

(٣) استصرختمونا: طلبتم نجدتنا.

(٤) إلباً: مجتمعين متضامنين ضدنا.

(٥) الدَّبا: الجراد الصغير.

١٩٤

غدرٌ فيكم قديم، وشجت عليه اُصولكم وتأزرت فروعكم، فكنتم أخبثَ ثمر، شجىً للناظر وأكلةً للغاصب. ألا وإن الدعيَّ ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السِّلة والذلة. وهيهات منا الذلة! يأبى اللهُ لنا ذلك ورسولُه والمؤمنون، وحجورٌ طابت وطَهُرَتْ واُنوفٌ حميةٌ ونفوسٌ أبيّةٌ من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام. ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر. ثم أنشدَ أبياتِ فروة بن مسيك المرادي:

فاِنْ نَهْزِمْ فهزّامون قِدْما

ن نُهْزَمْ فغيْرُ مهزَّمينا

وما إن طبَّنا جُبْنٌ ولكن

منايانا ودولةُ آخرينا

فَقُلْ للشامتين بنا أفيقوا

سَيَلْقى الشامتون كما لقينا

إذا ما الموتُ رَفَّعَ عن اُناس

كلاكله أناخ بآخرينا(١)

أما والله لا تلبثون بعدها إلاكريثما يُركبُ الفرس، حتى تدور بكم دور الرَّحى، و تقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ) (٢) ( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٣) . ثم رفع يديه نحو السماء وقال: (اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنينَ كسنيّ يوسف وسلِّطْ عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبَّرةً، فإنهم كذّبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك المصير)(٤) .

كل ذلك وعمر بن سعد مُصرّ على قتال الحسينعليه‌السلام ، والإمام الحسينعليه‌السلام يحاور وينصح ويدفع القوم بالتي هي أحسن. ولما لم يجد النصح مجدياً قال لابن سعد: (أيْ عمر أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدعيّ بلاد الري وجرجان؟

____________________

(١) تاريخ ابن عساكر: ٦٩/٢٦٥، اللهوف في قتلى الطفوف، ابن طاووس: ٥٩ و ١٢٤.

(٢) يونس (١٠): ٧١ و هود (١١): ٥٦.

(٣) يونس (١٠): ٧١ و هود (١١): ٥٦.

(٤) مقتل الحسين، للمقرم: ص٢٨٩ - ٢٨٦، مقتل الحسين للخوارزمي: ٢ / ٦، تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام : ٢١٦، راجع إعلام الورى: ١ / ٤٥٨.

١٩٥

والله لا تتهنّأ بذلك، عهد معهود، فاصنع ما أنت صانع، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، وكأني برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ويتخذونه غرضاً بينهم) فصرف ابن سعد وجهه عنه مغضباً(١) .

واستحوذَ الشيطان على ابن سعد فوضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى باتجاه معسكر الحسينعليه‌السلام وقال: (إشهدوا أني أولُ مَنْ رمى) ثم ارتمى الناس وتبارزوا(٢) .

فخاطب الإمامعليه‌السلام أصحابه قائلا: (قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابد منه، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم)(٣) .

فتوجهوا إلى القتال كالأُسود الضارية لا يبالون بالموت مستبشرين بلقاء الله جَلَّ جلاله، وكأنهم رأوا منازلهم مع النبيين والصديقين وعباده الصالحين، وكان لا يقتل منهم أحد حتى يقول: السلام عليك يا أبا عبد الله ويوصي أصحابه بأن يفدوا الإمام بالمهج والأرواح، واحتدمت المعركة بين الطرفين، (فكان لا يُقْتَلُ الرجل من أنصار الحسينعليه‌السلام حتى يَقْتل العشرة والعشرين)(٤) .

استمرت رحى الحرب تدور في ساحة كربلاء، واستمر معه شلاّل الدم المقدس يجري ليتخذ طريقه عبر نهر الخلود، وأصحابُ الحسينعليه‌السلام يتساقطون الواحد تلو الآخر، وقد أثخنوا جيش العدو بالجراح وأرهقوه بالقتل، فتصايح رجال عمر بن سعد: لو استمرت الحرب برازاً بيننا وبينهم لأتوا على آخِرنا. لنهجم عليهم مرة واحدة، ولنرشقهم بالنبال والحجارة.

____________________

(١) مقتل الحسين للمقرم: ٢٨٩.

(٢) الإرشاد: ٢ / ١٠١، اللهوف: ١٠٠، إعلام الورى: ١ / ٤٦١.

(٣) مقتل الحسين للمقرم: ٢٩٢.

(٤) سيرة الأئمّة الاثني عشر: ٢ / ٧٦.

١٩٦

فبدأ الهجوم والزحف نحو من بقي مع الحسينعليه‌السلام وأحاطوا بهم من جهات متعددة مستخدمين كل أدوات القتل وأساليبه الدنيئة حتى قتلوا أكثر جنود المعسكر الحسيني من الصحابة.

وزالت الشمس وحضر وقت الصلاة، وها هو الحسينعليه‌السلام ينادي للصلاة وقد تحول الميدان عنده محراباً للجهاد والعبادة، ولم يكن في مقدور السيوف والأسنّة أن تحول بينه وبين الحضور في ساحة المناجاة والعروج إلى حظائر القدس وعوالم الجمال والجلال.

ولم يزل يتقدّم رجل رجل من أصحابه فيقتل، حتّى لم يبق مع الحسينعليه‌السلام إِلاّ أهل بيته خاصّةً. فتقدّم ابنه عليّ بن الحسينعليه‌السلام - وأمه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثّقفيّ - وكان من أصبح النّاس وجهاً، فشدَّ على النّاس وهو يقول:

أنا علي بن الحسين

نحن وبيت الله أولى بالنبي

تالله لا يحكم فينا ابن الدَّعي

ففعل ذلك مراراً وأهل الكوفة يتَّقون قتله، فبصر به مرّة بن منقذ العبديّ فقال: عليَّ آثام العرب إن مرَّ بي يفعل مثل ذلك إن لم اثكل أباه؛ فمرَّ يشدُّ على النّاس كما مرَّ في الأوّل، فاعترضه مرّة بن منقذ فطعنه فصرع، واحتوشه القومُ فقطّعوه بأسيافهم، فجاء الحسينعليه‌السلام حتّى وقف عليه فقال: (قتل الله قوماً قتلوك يا بنيَّ، ما أجرأَهم على الرّحمن وعلى انتهاك حرمة الرّسول!) وانهملت عيناه بالدُّموع ثمّ قال: (على الدُّنيا بعدك العفا) وخرجت زينب أخت الحسين مسرعةً تنادي: يا أُخيّاه وابن أُخيّاه، وجاءت حتّى أكبّت عليه، فأخذ الحسينُ برأسها فردَّها إلى الفسطاط، وأمر فتيانه فقال: (احملوا أخاكم) فحملوه حتّى وضعوه بين يدي الفسطاط الّذي كانوا يقاتلون أمامه.

١٩٧

ثمّ رمى رجلٌ من أصحاب عمر بن سعد يقال له: عمرو بن صبيح عبد الله بن مسلم بن عقيل (رحمه الله) بسهم، فوضع عبد الله يده على جبهته يتّقيه، فأصاب السّهم كفَّه ونفذ إلى جبهته فسمّرها به فلم يستطع تحريكها، ثمّ انتحى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله.

وحمل عبد الله بن قُطبة الطائي على عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله.

وحمل عامر بن نهشل التّيميّ على محمّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله.

وشدَّ عثمان بن خالد الهمدانيّ على عبد الرّحمن بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله.

قال حميد بن مسلم: فإنّا لكذلك إذ خرج علينا غلام كأنَّ وجهه شقَّة قمر، في يده سيف وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع إحداهما، فقال لي عمر بن سعيد بن نفيل الأزديّ: والله لأشدَّنَّ عليه، فقلت: سبحان الله، وما تريد بذلك؟! دعه يكفيكه هؤلاء القوم الّذين ما يبقون على أحد منهم؛ فقال: والله لأشدَّنَّ عليه، فشدَّ عليه فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسّيف ففلقه، ووقع الغلام لوجهه فقال: يا عمّاه! فجلى(١) الحسينعليه‌السلام كما يجلي الصقر ثمّ شدَّ شدّة ليث أغضب، فضرب عمر بن سعيد بن نفيل بالسّيف فاتّقاها بالسّاعد فأطنَّها من لدن المرفق، فصاح صيحة سمعها أهل العسكر، ثمّ تنحّى عنه الحسينعليه‌السلام . وحملت خيل الكوفة لتستنقذه فوطأته بأرجلها حتّى مات.

وانجلت الغبرة فرأيت الحسينعليه‌السلام قائماً على رأس الغلام وهو

____________________

(١) جلّى ببصره: إذا رمى به كما ينظر الصقر إلى الصيد. ( الصحاح - جلا - ٦: ٢٣٠٥ ).

١٩٨

يفحص برجله والحسين يقول: (بعداً لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدُّك) ثمّ قال: (عزَّ - والله - على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك، صوت - والله - كثرَ واتروه وقلَّ ناصروه) ثمّ حمله على صدره، فكأنِّي أنظر إلى رجلي الغلام تخطّان الأرض، فجاء به حتّى ألقاه مع ابنه عليِّ بن الحسين والقتلى من أهل بيته، فسألت عنه فقيل لي: هو القاسم بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالبعليهم‌السلام .

ثمّ جلس الحسينعليه‌السلام أمام الفسطاط فأتي بابنه عبد الله بن الحسين وهو طفل فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه، فتلقّى الحسينعليه‌السلام دمه، فلمّا ملأ كفَّه صبَّه في الأرض ثمّ قال: (ربّ إن تكن حبست عنّا النّصر من السّماء فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظّالمين) ثمّ حمله حتّى وضعه مع قتلى أهله.

ورمى عبد الله بن عقبة الغنويّ أبا بكر بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالبعليهم‌السلام فقتله.

فلمّا رأى العبّاس بن عليّ رحمة الله عليه كثرة القتلى في أهله قال لإخوته من أمه - وهم عبد الله وجعفر وعثمان - يا بني اُمِّي! تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله، فإنّه لا ولد لكم. فتقدّم عبد الله فقاتل قتالاً شديداً، فاختلف هو وهانيء بن ثبيت الحضرميّ ضربتين فقتله هانيء لعنه الله. وتقدّم بعده جعفر بن عليّعليه‌السلام فقتله أيضاً هانيء. وتعمّد خوليُّ بن يزيد الأصبحيّ عثمان بن عليّعليه‌السلام وقد قام مقام إخوته فرماه بسهم فصرعه، وشدَّ عليه رجل من بني دارم فاحتزَّ رأسه.

١٩٩

وحملت الجماعة على الحسينعليه‌السلام فغلبوه على عسكره، واشتدَّ به العطش، فركب المسنّاة(١) يريد الفرات وبين يديه العبّاس أخوه، فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم: ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكِّنوه من الماء، فقال الحسينعليه‌السلام : (اللّهمّ أظمئه) فغضب الدّارميُّ ورماه بسهم فأثبته في حنكه، فانتزع الحسينعليه‌السلام السّهم وبسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدَّم، فرمى به ثمّ قال: (اللّهمَّ إنِّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيِّك) ثمّ رجع إلى مكانه وقد اشتدَّ به العطش.

استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام

لم يبقَ مع الإمام الحسينعليه‌السلام سوى أخيه العباس الذي تقدم إليه يطلب منه الإذن في قتال القوم فبكى الحسين وعانقه ثم أذن له فكان يحمل على أهل الكوفة فينهزمون بين يديه كما تنهزم المعزى من الذئاب الضارية وضجّ أهل الكوفة من كثرة من قتل منهم، ولما قتل قال الحسينعليه‌السلام : (الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوّي)(٢) .

وفي رواية أخرى: أن الإمام الحسينعليه‌السلام اتجه إلى نهر الفرات وبين يديه أخوه العباس فاعترضته خيل ابن سعد (لعنه الله) وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم: ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكّنُوهُ من الماء، فقال الحسينعليه‌السلام : اللهم أظمئه، فغضب الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه فانتزع الحسينعليه‌السلام السهم و بسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه من الدم فرمى به ثم قال: (اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك)، ثم رجع إلى مكانه

____________________

(١) المسناة: تراب عال يحجز بين النهر والأرض الزراعية. ( تاج العروس - سنى - ١٠: ١٨٥ ).

(٢) سيرة الأئمة الاثني عشر: ٢ / ٧٧، بحار الأنوار: ٤٥ / ٤٤٠، المنتخب للطريحي: ٤٣١.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244