أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)15%

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 244

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 244 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159942 / تحميل: 9439
الحجم الحجم الحجم
أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لقد مُلئ قلبي منه رُعباً

عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (إنَّ مسلم بن عقبة بايع الناس على أنَّهم عبيد ليزيد، ومَن أبى ذلك أمَرَّهُ مُسرف على السيف).

ونظر الناس إلى علي بن الحسين السجَّاد وقد لاذ بالقبر وهو يدعو، فأُتي به إلى مُسرف وهو مُغتاظ عليه، فتبرَّأ منه ومِن آبائه، فلما رآه وقد أشرف عليه ارتعد وقام له وأقعده إلى جانبه، وقال له: سَلني حوائجك، فلم يسأله في أحد مِمَّن قُدِّم إلى السيف إلاّ شفَّعه فيه، ثمَّ انصرف عنه.

وقيل لمسلم: رأيناك تسبُّ هذا الغُلام وسلفه، فلما أُتي به إليك رفعت منزلته؟!

فقال: ما كان ذلك لرأيٍ مِنِّي لقد مُلئ قلبي منه رُعباً (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٤١

إنِّي أكره لكم أنْ تكونوا سبَّابين

سمع علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوماً مِن أصحابه يسبُّون أهل الشام أيَّام حربهم بصِفِّين، فقال لهم: (إنِّي أكره لكم أنْ تكونوا سبَّابين، ولكنَّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العُذر، وقلتم مكان سَبِّكم إيَّاهم:

اللَّهمَّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهْدِهم مِن ضلالتهم، حتَّى يعرف الحَقَّ مِن جَهله) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٤٢

سُبْحان الله! تقذف أُمَّه؟!

قال عمرو بن نعمان الجُعفيِّ: كان لأبي عبد الله (عليه السلام) صَديق لا يكاد يُفارقه أين يذهب، فبينا هو يمشي معه في الحذائين، ومعه غُلام له سِنديٌّ يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يُريد غُلامه ثلاث مَرَّات فلم يره، فلمَّا نظر في الرابعة، قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟

قال فرفع أبو عبد الله (عليه السلام) يده فصكَّ بها جَبهة نفسه، ثمَّ قال: (سبحان الله! تقذف أُمَّه؟! قد كنتُ أرى أنَّ لك ورعاً، فإذاً ليس لك ورعٌ!).

فقال: جُعِلت فِداك! إنَّ أُمَّه سِنديَّة مُشركة.

فقال: (أما علمت أنَّ لكلِّ أُمَّة نكاحاً؟! تنحَّ عنِّي).

فما رأيته يمشي معه حتَّى فرَّق الموت بينهما (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٤٣

الله يُحبُّ المُحسنين

كانت جارية لعليِّ بن الحسين (عليهما السلام) تسكب له الماء، فسقط الإبريق مِن يدها، فشجَّه، فرفع رأسه إليها، فقالت:

إنَّ الله تعالى يقول: ( ... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ... ) (آل عمران: 134).

فقال: (كظمت غيظي).

قالت: ( ... وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ... ) .

قال: (عفوتُ عنك).

قالت: ( ... وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ... ) .

قال: (اذهبي، فأنت حُرَّة لوجه الله) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٤

إصلاح ذات بَيْنِ المُوالين لأبي عبد الله

عن أبي حنيفة سائق الحاج قال:

مَرَّ بنا المُفضَّل وأنا وخَتني نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة، ثمَّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل، فأتيناه، فأصلح بيننا بأربعمئة درهم، فدفعها إلينا مِن عنده، حتَّى إذا استوثق كلُّ واحدٍ مِنَّا مِن صاحبه.

قال: أما إنَّها ليست مِن مالي، ولكنَّ أبا عبد الله (عليه السلام) أمرني إذا تنازع رجلان مِن أصحابنا في شيءٍ أنْ أصلِح بينهما، وأفتديهما مِن ماله، فهذا مِن مال أبي عبد الله (عليه السلام) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٥

اتَّبع النبي لأفعاله الكريمة

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إنَّ عليَّاً صاحب رجلاً ذِميَّاً في طريق، فقال له: (الذِّمِّي أين تُريد يا عبد الله؟).

قال: أُريد الكوفة.

فلمَّا عدل الطريق بالذِّمِّي عدل معه عليٌّ، فقال الذِّمِّي له: أليس زعمت تُريد الكوفة؟!

قال: (بلى).

قال الذِّمِّي: فقد تركت الطريق.

قال عليٌّ (عليه السلام): (قد علمت).

فقال له: فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟!

فقال له علي: (هذا مِن تمام حُسن الصُّحبة أنْ يُشيِّع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبيُّنا).

فقال له: هكذا أمركم؟!

قال: (نعم).

فقال الذِّمِّي: لا جَرَم، أنَّما اتَّبعه مَن تبعه لأفعاله الكريمة، وأنا أُشهدك أنِّي على دينك، فرجع الذِّمِّي مع عليٍّ، فلمَّا عرفه أسلم (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٦

صَدَّقَتني إذ كذَّبتم وآمنت بي إذ كفرتم

عن علي (عليه السلام) قال: ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) خديجة يوماً وهو عند نسائه وبكى، فقالت عائشة: ما يُبكيك على عجوز حمراء من عجائر بني أسد؟!

فقال: (صَدَّقتي إذ كذَّبتم، وآمنت بي إذ كفرتم، وولدت لي إذ عَقمتم).

قالت عائشة: فما زلت أتقرَّب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذكرها (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٧

.. والله هذا يفي بدماء أهل الأرض!

قال أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام): (إنَّ رجلاً جاء إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) برجل يزعم أنَّه قاتل أبيه، فاعترف، فأوجب عليه القِصاص، وسأله أنْ يعفو عنه ليُعظِّم الله ثوابه، فكأنَّ نفسه لم تَطِبْ بذلك.

فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) للمُدَّعي للدَّم - الولي المُستحقُّ للقِصاص ـ: إنْ كنت تذكر لهذا الرجل عليك فضلاً فَهب له هذه الجناية واغفر له هذا الذنب.

قال: يا بن رسول الله، له عليَّ حَقٌ، ولكنْ لم يبلغ أنْ أعفو عن قتل والدي.

قال: فتُريد ماذا؟

قال: أُريد القَود، فإنْ أراد لحَقِّه عليَّ أنْ أُصالحه على الدِّيَّة صالحته وعفوت عنه.

فقال علي بن الحسين: فماذا حَقُّه عليك؟

قال يا بن رسول الله: لقَّنني توحيد الله ونبوَّة محمد رسول الله وإمامة عليٍّ والأئمَّة.

فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): فهذا لا يفي بدم أبيك؟! بلى - والله - هذا يفي بدماء أهل الأرض.

قال عليِّ بن الحسين للقاتل: أفتجعل لي ثواب تلقينك له حتَّى أبذل لك الدِّيَّة فتنجو بها مِن القتل؟

قال: يا بن رسول الله، أنا مُحتاج إليها وأنت مُستغنٍ عنها؛ فإنَّ ذنوبي عظيمة وذنبي إلى هذا المقتول أيضاً بيني وبينه لا بيني وبين وليِّه هذا.

قال علي بن الحسين (عليهما السلام): فتستسلم للقتل أحبُّ إليك مِن نزولك عن هذا التلقين قال: بلى - يا بن رسول الله ـ) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٨

حاجة المؤمن رحمة مِن الله لمَن طُلِبت منه

عن إسماعيل بن عمار الصيرفي قال:

قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعِلت فِداك! المؤمن رحمة على المؤمن؟

قال: (نعم).

قلت: وكيف ذاك؟

قال: (أيُّما مؤمن أتى أخاه في حاجة، فإنَّما ذلك رحمة مِن الله ساقها إليه وسبَّبها له، فإنْ قضى حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها، وإنْ ردَّه عن حاجته وهو يقدر على قضائها، فإنَّما ردَّ عن نفسه رحمة مِن الله جَلَّ وعَزَّ ساقها إليه، وسبَّبها له وذخر الله عَزَّ وجَلَّ تلك الرحمة إلى يوم القيامة حتَّى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها، إنْ شاء صرفها إلى نفسه، وإنْ شاء صرفها إلى غيره.

يا إسماعيل، فإذا كان يوم القيامة وهو الحاكم في رحمة مِن الله قد شُرعت له فإلى مَن ترى يَصرفها؟).

قلت: أظنَّ أنَّه لا يَصرفها عن نفسه.

قال: (لا تظنَّ، ولكنْ استيقن؛ فإنَّه لن يردَّها عن نفسه) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٩

خُذْها فإنِّي إليك مُعتذِر

قال الحسين (عليه السلام): (يا قَنبر، هل بقي مِن مال الحِجاز شيءٌ؟).

قال: نعم، أربعة آلاف دينار.

فقال: (هاتِها؛ جاءها مَن هو أحَقُّ بها منَّا).

ثمَّ نزع بُرْدَته ولفَّ الدنانير فيها، وأخرج يده مِن شَقِّ الباب؛ حياءً مِن الأعرابي وأنشأ:

خُذْها فإنِّي إليك مُعتذِر

واعلم بأنِّي عليك ذو شَفقة (1)

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٠

إيَّاكم والمُحقَّرات مِن الذنوب

قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل بأرض قَرعاء ما بها مِن حَطب.

قال: فليأت كلُّ إنسان بما قَدِر عليه.

فجاءوا به حتَّى رموا بين يديه بعضه على بعضٍ.

فقال رسول الله: هكذا تجتمع الذنوب.

ثمَّ قال: إيَّاكم والمُحقَّرات مِن الذنوب؛ فإنَّ لكلِّ شيءٍ طالباً ألاَ وإنَّ طالبها يكتب) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥١

أنفقوا عليه مِن بيت المال

مَرَّ شيخ كبير مكفوف البصر يسأل، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما هذا؟).

قالوا: نصرانيٌّ.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (استعملتموه حتَّى إذا كَبر وعَجز منعتموه! أنفقوا عليه مِن بيت المال) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٢

مَن زار أخاً في الله مُحبَّاً له فقد زار الله ووجبت له الجَنَّة

قال النبي (صلى الله عليه وآله): (إنَّ مَلَكاً لقيَ رجلاً قائماً على باب دار، فقال له: يا عبد الله، ما حاجتُك في هذه الدار؟

فقال: أخٌ لي فيها أردت أنْ أُسلِّم عليه.

فقال: بينك وبينه رَحمٌ ماسَّة أو نزعتك إليه حاجة.

فقال: ما لي إليه حاجة، غير أنِّي أتعهَّده في الله رَبِّ العالمين، ولا بيني وبينه رَحم ماسَّة أقرب مِن الإسلام.

فقال له المَلَك: إنِّي رسول الله إليك، وهو يُقرؤك السلام، ويقول لك:

إيَّاي زُرت، فقد أوجبتُ لك الجَنَّة.

وقد عافيتك مِن غَضبي ومِن النار، لحُبِّك إيَّاه فيَّ) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٣

اتَّبع عليَّاً وحزبه فإنَّه مع الحَقِّ والحَقُّ معه

لمَّا كان يوم صِفِّين، خرج عمار بن ياسر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له: يا أخا رسول الله، أتأذن لي في القتال؟

قال: (مَهْلاً رحمك الله).

فلمَّا كان بعد ساعة أعاد (عليه السلام) فأجابه بمِثله.

فأعاد ثالثاً، فبكى أمير المؤمنين، فنظر إليه عمار.

فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّه اليوم الذي وصفني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنزل أمير المؤمنين عن بَغلته، وعانق عمار، وودَّعه.

ثمَّ قال: (يا أبا اليقظان، جَزاك الله عن الله وعن نبيِّك خيراً، فنِعْمَ الأخُ كنت ونِعْمَ الصاحب كنت).

ثمَّ بكى (عليه السلام) وبكى عمار ثمَّ قال: والله - يا أمير المؤمنين - ما تبعتك إلاَّ ببصيرة، فإنِّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم حُنين:

(يا عمار، ستكون بعدي فِتنة وإذا كان ذلك فاتَّبع عليَّاً وحزبه؛ فإنَّه مع الحَقِّ والحَقُّ معه) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٤

لاستجابة الدعاء لا بُدَّ مِن الطريق الذي أمر الله به

عن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) قال:

(مَرَّ موسى بن عمران برجل، وهو رافع يده إلى السماء يدعو الله، فانطلق موسى في حاجته، فغاب سبعة أيَّام، ثمَّ رجع إليه وهو رافع يده إلى السماء، فقال:

يا رب، هذا عبدك رافع يديه إليك يسألك حاجة مُنذ سبعة أيَّام لا تستجيب له.

[ قال: ] فأوحى الله إليه:

يا موسى، لو دعاني حتَّى تسقط يداه أو ينقطع لسانه ما استجبت له حتَّى يأتيني مِن الباب الذي أمرته) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٥

لا ترفع حاجتك إلاَّ إلى أحد ثلاثة..

جاء رجل مِن الأنصار يسأل أبا عبد الله حاجة، فقال (عليه السلام):

(يا أخا الأنصار، صِنْ وجهك عن بِذْلَة المسألة، وارفع حاجتك في رقعة، فإنِّي آتٍ فيها ما هو سارُّك إنْ شاء الله).

فكتب: يا أبا عبد الله، إنَّ لفلان عليَّ خمسمئة دينار وقد ألحَّ عليَّ، فكلِّمه يُنظرني إلى مَيسرة، فلمَّا قرأ الحسين (عليه السلام) الرُّقعة، دخل إلى منزله، فأخرج صُرَّة فيها ألف دينار، وقال (عليه السلام) له:

(أمَّا خمسمئة فاقض بها ذِمَّتك، وأمَّا خمسمئة فاستعن بها على دهرك؛ لا ترفع حاجتك إلاَّ إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دَيْن أو مُروءة أو حسب) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٦

إذا وجَدْنا بذلنا وإذا فقدنا شكرنا

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه مَرَّ يوماً على قوم، فرآهم أصحَّاء جالسين في زاوية المسجد، فقال (عليه السلام): (مَن أنتم؟).

قالوا: نحن المُتوكِّلون.

قال (عليه السلام): (لا، بلْ أنتم المُتأكِّلة، فإنْ كُنتم مُتوكِّلين، فما بلغ توكُّلكم؟).

قالوا: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا.

قال (عليه السلام): (هكذا تفعل الكلاب عندنا).

قالوا: فما نفعل؟

قال: (كما نفعل).

قالوا: كيف تفعل؟

قال (عليه السلام): (إذا وجَدْنا بذلنا، وإذا فقدْنَا شكرنا) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٧

لا تدعُ سِوى الله

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لمَّا أمر المَلِك بحبس يوسف في السِّجن، ألهمه الله تبارك وتعالى تأويل الرُّؤيا، فكان يُعبِّر لأهل السِّجن رؤياهم.

فقال صاحباه له: إنَّا رأينا رؤيا فعبِّرها لنا.

فقال: وما رأيتُما؟

قال أحدهما: إنِّي أراني أحمل فوق رأسي خُبزاً تأكل الطير منه.

وقال الآخر: إنِّي رأيت أنَّي أسقي المَلِك خمر.

ففسَّر لهما رؤياهما بما في الكتاب، ثمَّ قال - للذي ظنَّ أنَّه ناجٍ منهما ـ: اذكُرني عند رَبِّك.

قال: ولم يفزع يوسف في حاله إلى الله فيدعوه، فلذلك قال الله تعالى: ( ... فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ... ) .

قال أبو عبد الله (عليه السلام) قال الله ليوسف:

ألستُ الذي حبَّبتك إلى أبيك، وفضَّلتك على الناس بالحُسن؟! أوَ لستُ الذي سُقْت إليك السيَّارة وأنقذتك، وأخرجتك مِن الجُبِّ؟! أوَ لستُ الذي صرفت عنك كيد النِّسوة؟! فما حَمَلك على أنْ تدعو مَخلوقاً هو دوني؟! فالبث بما قلت بضع سنين ) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٨

.. وعِزَّتي وجَلالي لأقطعنَّ أمل كلِّ مؤمَّلٍ غيري

عن محمد بن عجلان قال: أصابتني فاقة شديدة وضائقة، ولا صديق لمَضيق، ولزمني دَيْنٌ ثقيل وغَريم يُلحُّ بقضائه، فتوجَّهت نحو دار الحسن بن زيد - وهو يومئذٍ أمير المدينة - لمعرفة كانت بيني وبينه، وشَعر بذلك مِن حالي محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين، وكانت بيني وبينه قديمُ معرفة، فلَقيني في الطريق، فأخذ بيدي، وقال لي: قد بلغني ما أنت بسبيله ولا تسعف بطلبتك، فعليك بمَن يقدر على ذلك وهو أجود الأجودين، فالتمسْ ما تؤمله مِن قِبَله، فإنِّي سمعت ابن عمِّي جعفر بن محمد (عليهما السلام) يُحدِّث عن أبيه عن جَدِّه، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (أوحى الله عَزَّ وجَلَّ إلى بعض أنبيائه في بعض وحيه إليه: وعِزَّتي وجلالي، لأقطعنَّ أمل كلِّ مؤمَّل غيري بالإياس، ولأكسونَّه ثوب المَذلَّة ولأُبعدنَّه مِن فَرَجي وفَضلي، أيؤمِّل عبدي في الشدائد غيري والشدائد بيدي؟! أو يرجو سواي وأنا الغنيُّ الجَواد؟!).

فقلت له: يا ابن رسول الله، أعِدْ عليَّ هذا الحديث، فأعاده ثلاثاً، فقلت: لا والله، لا سألت بعد هذا حاجة، فما لبثت أنْ جاءني الله برزق وفضل مِن عنده (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٩

.. اللَّهمَّ لا تكلني إلى نفسي طَرفة عين أبد..

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيت أُمِّ سَلمة في ليلتها، ففقدته مِن الفراش، فدخلها مِن ذلك ما يدخل النساء، فقامت تطلبه في جوانب البيت، حتَّى انتهت إليه، وهو في جانبٍ مِن البيت قائم رافع يديه يبكي، وهو يقول:

اللَّهمَّ، لا تنزع مِنَّي صالح ما أعطيتني أبداً.

اللَّهمَّ، ولا تكلني إلى نفسي طَرْفة عين أبداً.

اللَّهمَّ، لا تُشمِت بي عدوَّاً ولا حاسداً أبداً.

اللَّهمَّ، لا تُرِدْني في سوءٍ استنقذتني منه أبداً) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وَالنَّهَارِ سِرّاًوَعَلَانِيَةً ) يا علي هي النفقة على الخيل ينفق الرجلُ سّراً وعلانيةً)(١) .

وقد نقلعليه‌السلام حوادث عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا رآه مباشرة أو سمعه عن أمه أو أبيه وهما المعصومان من الزلل والمعتمدان في النقل(٢) .

في رحاب أهل البيتعليهم‌السلام :

لقد دلّ حديث الثقلين - المتواتر والمقبول لدى عامة المسلمين - على أن خلود الإسلام رهن الأخذ بركنين مُتلازمين وهما: القرآن الكريم وعترة النبيّ المختار صلوات الله عليهم أجمعين فإنّهما لن يفترقا حتى يردا الحوض على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . فلا بد للمسلمين من التمسّك بهما ليصونوا أنفسهم عن الضلال في كل عصر وزمان.

ومن هنا جهد أعداء الإسلام القدامى على التفريق بين هذين الركنين; تارةً بدعوى تحريف القرآن لفظاً أو معنىً، وأخرى بالمنع عن تفسيره أو تطبيقه، وثالثةً بانتقاص العترة، ورابعةً بعزلهم عن ممارسة دورهم السياسي والاجتماعي التثقيفي، وخامسةً بطرح البديل عنهم ورفع شعار الاستغناء عنهم وعن علمهم ودرايتهم.

والأئمّة المعصومون المأمونون - على سلامة الرسالة الإسلامية بنص من الوحي الإلهي - كثّفوا جهودهم وركّزوا جهادهم على صيانة هذين الأساسين من أيدي العابثين وان كلّفهم ذلك أنفسهم وأموالهم، بل كل ما يملكون تقديمه فداءً للرسالة المحمّدية.

ونشير إلى جملة من النصوص المأثورة عن الحسين بن عليّعليهما‌السلام

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : ٧١٠ عن مستدرك الوسائل: ٨ / ٢٠٣.

(٢) راجع موسوعة كلمات الإمام الحسين وتتبع ما نقله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٢١

في هذا الصدد:

١ - لما قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مناسكه من حجة الوداع ركب راحلته وأنشأ يقول: لا يدخل الجنّة إلاّ من كان مُسلماً. فقام إليه أبو ذرّ الغفاري(رحمه الله) فقال: يا رسول الله: وما الإسلام؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : الإسلام عريان ولباسه التقوى وزينته الحياء وملاكه الورع، وكماله الدين، وثمرته العمل، ولكلّ شيء أساس وأساس الإسلام حبنّا أهل البيت(١) .

٢ - وجاء عنهعليه‌السلام أنه قال: (من أحبّنا كان منّا أهل البيت). واستدلّ على ذلك بقوله تعالى تقريراً لقول العبد الصالح:( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) (٢) . وواضح أنّ من أحبّهم فسوف يتّبعهم ومن تبعهم كان منهم.

٣ - وقالعليه‌السلام : (أحِبّونا حُبَّ الإسلام فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا ترفعوني فوق حقّي; فإن الله تعالى اتخّذني عبداً قبل أن يتخّذني رسولاً)(٣) .

٤ - وقالعليه‌السلام : (ما كُنّا نعرفُ المنافقين على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ ببغضهم عليّاً وولدهعليهم‌السلام )(٤) .

٥ - وروي أنّ المنذر بن الجارود مرّ بالحسينعليه‌السلام فقال: كيف أصبحت جعلني الله فداك - ياابن رسول الله؟ فقالعليه‌السلام : (أصبَحَتْ العربُ تعتدّ على العَجَم بأنّ محمّداً منها، وأصَبَحَتْ العَجَمُ مُقِرَّةً لها بذلك، وأصبَحْنا وأصبَحَتْ قريشٌ يعرفون فضلَنا ولا يَرَوْنَ ذلكَ لنا، ومن البلاء على هذِهِ الأمةِ أنّا إذا دعوناهُم لم يُجيبونا وإذا تركناهم لم يهتدوا بغيرِنا)(٥) .

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين: ٥٨٢ عن أمالي الطوسي: ١ / ٨٢.

(٢) المصدر السابق: ٥٨٢ عن نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: ٨٥.

(٣) المصدر السابق: عن مجمع الزوائد: ٩ / ٢١.

(٤) المصدر السابق: ٥٨٥ عن عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ٢ / ٧٢.

(٥) المصدر السابق: ٥٨٦ عن نزهة الناظر: ٨٥.

٢٢٢

بشائر الحسينعليه‌السلام بالمهدي عليه‌السلام ودولته:

تراكمت البشائر النبويّة حول غيبة الإمام المهدي المنتظر وظهوره وخصائص دولته وأوصافه ونسبه الشريف، كما توضح الصحاح والمسانيد هذه الحقيقة في أبواب الملاحم والفتن وأشراط الساعة وغيرها.

واعتنى الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام بهذه القضية اعتناء لا يقل عن عناية الرسول الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله واستمراراً للخط الذي اختطّه والمنهج الذي سلكه في التمهيد لدولة الحق التي تتكفل تحقيق آمال الأنبياء والأوصياء جميعاً وعلى مدى التاريخ.

وقد كثرت النصوص الواصلة إلينا عن أبي الأئمّة التسعة من ولد الحسينعليه‌السلام . فروى عن جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام مجموعة فريدة من التصريحات المهمّة بشأن المهديعليه‌السلام نختار نماذج منها:

١ - قالعليه‌السلام : دخلت على جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأجلسني على فخذه وقال لي: إنّ الله اختار من صُلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم، وكلّهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء(١) .

٢ - وسأله شعيب بن أبي حمزة قائلاً: أنت صاحبُ هذا الأمر؟ فأجابه: لا، فقال له: فمن هو؟ فأجابعليه‌السلام : (الذي يملؤها عدلاً كما مُلئِت جَوْراً، على فترة من الأئمّة تأتي، كما أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بُعِث على فترة من الرسل)(٢) .

٣ - وقالعليه‌السلام : لصاحب هذا الأمر غيبتان إحداهما تطول حتى يقول بعضهم:

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين: ٦٥٩ عن ينابيع المودّة: ٥٩٠.

(٢) المصدر السابق: ٦٦٠ عن عقد الدرر: ١٥٨.

٢٢٣

مات وبعضهم: قتِل، وبعضهم: ذهب، ولا يطّلعُ على موضعه أحدٌ مِن وليّ ولا غيرهِ إلاّ المولى الذي يلي أمره(١) .

٤ - وقالعليه‌السلام : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوَّلَ الله عَزَّ وجَلَّ ذلك اليوم حتى يخرجَ رجلٌ من ولدي فيملأها عدلاً وقسطاً كما مُلئِت جوراً وظُلماً، كذلك سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول(٢) .

٥ - وقالعليه‌السلام : للمهدي خمسُ علامات: السفياني واليماني والصيحةُ من السماء والخسفُ بالبيداء وقتل النفسِ الزكيّة(٣) .

٦ - وقالعليه‌السلام أيضاً: (لو قام المهديّ لأنكره الناس; لأنّه يرجع إليهم شابّاً موفّقاً، وإنّ من أعظم البليّة أن يخرج اليهم صاحبُهم شابّاً وهم يحسبونَه شيخاً كبيراً)(٤) .

٧ - وقالعليه‌السلام : (في التاسع من ولدي سُنّة من يوسف وسنّة من موسى بن عمرانعليه‌السلام وهو قائمنا أهل البيت، يُصلح الله تبارك وتعالى أمرَه في ليلة واحدة)(٥) .

٨ - وقالعليه‌السلام : (إذا خرج المهديعليه‌السلام لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلاّ السيف، وما يستعجلون بخروج المهديّ؟ والله ما لباسُه إلاّ الغليظُ ولا طعامه إلاّ الشعيرُ، وما هو إلاّ السيفُ، والموتُ تحت ظِلِّ السَيْفِ)(٦) .

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين: عن عقد الدرر: ١٣٤.

(٢) المصدر السابق: ٦٦١ عن كمال الدين: ٣١٧.

(٣) المصدر السابق: ٦٦٢ عن عقد الدرر: ١١١.

(٤) المصدر السابق: ٦٦٥ عن عقد الدرر: ٤١.

(٥) المصدر السابق عن كمال الدين: ٣١٧.

(٦) المصدر السابق: ٦٦٣ عن عقد الدرر: ٢٢٨.

٢٢٤

في رحاب العقيدة والكلام:

ونختار من هذه البحوث نماذج ممّا وصلنا عن أبي الشهداء الحسين بن عليّعليهما‌السلام .

١ - ومما قاله عن توحيد الله سبحانه:... ولا يقدّر الواصِفون كنه عظمته، ولا يخطر على القلوبِ مبلَغَ جبروته; لأنه ليس له في الأشياء عديل، ولا تدركه العلماء بألبابها ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلاّ بالتحقيق إيقاناً بالغيبِ; لأنه لا يوصَفُ بشيء من صفات المخلوقين وهو الواحد الصمدُ، ما تُصُوِّر في الأوهامِ فَهُوَ خلافُه... يوجِدُ المفقودَ ويُفقِدُ الموْجُودَ، ولا تجتمع لغيره الصفتانِ في وقت، يصيب الفكرُ منه الإيمانَ به موجوداً، ووجودَ الإيمانِ لا وجودَ صِفَة، به توصف الصفاتُ لا بها يوصَفُ، وبه تُعرَفُ المعارِفُ لا بها يُعرَف، فذلك الله، لا سَميَّ لَهُ، سبحانه ليس كمثلِهِ شيء، وهو السميعُ البصيرُ(١) .

ومما قاله أيضاً لابن الأزرق: أصف إلهي بما وصف به نفسَه وأُعرِّفُه بما عرّف به نفسَه، (لا يُدْرَك بالحواس ولا يُقاس بالناسِ، فهو قريبٌ غير ملتصِق، وبعيدٌ غير مُتَقَصّ (تقص) يُوَحَّدُ ولا يُبَعَّضُ، مَعروف بالآيات موصوف بالعلاماتِ، لا إله إلاّ هو الكبير المتعالُ(٢) .

٢ - وخرج على أصحابه فقال: (أيّها الناسُ! إنّ اللهَ جَلَّ ذكرهُ ما خَلَقَ العباد إلاّ ليعرفوهُ، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنَوْا بعبادته عن عبادة ما سواهُ. ثم سأله رجل عن معرفة الله فقال: معرفةُ أهل كلّ زمان إمامَهُم الذي يجب عليهم طاعَتُه)(٣) .

٣ - وتكلّم عن ملاك التكليف قائلاً: (ما أخَذَ الله طاقة أحد إلاّ وضع عنه

____________________

(١) موسوعة كلمة الإمام الحسين: ٥٣٠ عن تحف العقول: ١٧٣.

(٢) المصدر السابق: ٥٣٣ عن التوحيد: ٧٩.

(٣) المصدر السابق: ٥٤٠ عن علل الشرايع: ٩.

٢٢٥

طاعتَه، ولا أخذ قدرته إلاّ وضع عنهُ كُلْفَتَه)(١) .

٤ - وكتب للحسن بن أبي الحسن البصري جواباً عن سؤاله حول القدر: إنّه من لم يؤمن بالقدر خيرِه وشرِّه فقد كفر، ومن حمل المعاصي على الله عَزَّ وجَلَّ فقد افترى على الله افتراءً عظيماً، إنّ الله تبارك وتعالى لا يُطاع بإكراه ولا يُعصى بغَلَبَة ولا يُهملُ العبادَ في الهلكة، لكنّه المالك لما ملّكهم، والقادرُ لما عليه أقدَرَهُم، فإن ائتمروا بالطاعة; لم يكن الله صادّاً عنها مُبطِئاً، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يمن عليهم فيحولَ بينهَم وبين ما ائتمروا به فعل، وإن لم يفعل فليس هو حَمَلَهم عليها قسراً ولا كلّفهم جبراً، بل بتمكينهِ إيّاهم بعد إعذاره وإنذاره لهم واحتجاجه عليهم طوّقَهُم ومكّنهم وجعل لهم السبيل إلى أخذ ما إليه دعاهم وترك ما عنه نهاهم...(٢) .

٥ - واشتملت أدعيتهعليه‌السلام على دُرر باهرة في التوحيد والمعرفة والهداية الإلهية ولا سيَّما دعاء العشرات المرويّ عنه(٣) ، ودعاء عرفة الذي عُرِف به; لِما يسطع به من معارف زاخرة وعلوم جمّة، بل هو دورة عقائدية كاملة. وإليك مطلعه:

(الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانعٌ ولا كصنعه صنعُ صانِع، وهو الجوادُ الواسِعُ، فَطَر أجناسَ البدائعِ وأتقنَ بحكمتِهِ الصنائعَ، لا تخفى عليه الطلائعُ ولا تضيع عنده الودائعُ، أتى بالكتابِ الجامعِ و (بشرع الإسلام) النور الساطعِ وهو للخليقة صانعٌ وهو المستعانُ على الفجائِع...)(٤) .

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين: ٥٤٢ عن تحف العقول: ١٧٥.

(٢) المصدر السابق: ٥٤٠ - ٥٤١ عن معادن الحكمة: ٢ / ٤٥.

(٣) البلد الأمين للكفعمي: ٢٤.

(٤) موسوعة كلمات الإمام الحسين: ٧٩٣ - ٨٠٦ عن إقبال الأعمال: ٣٣٩.

٢٢٦

في رحاب الأخلاق والتربية الروحية:

١ - سُئل عن خير الدنيا والآخرة فكتبعليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعدُ: فإنه من طلب رضى الله بسخط الناس كفاه الله أُمور الناس، ومن طلب رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس. والسلام(١) .

٢ - بيّنعليه‌السلام أقسام العبادة ودرجات العُبّاد قائلاً: إنّ قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادةُ العبيد، وإنّ قوماً عبدوا اللهَ شُكراً فتلك عبادةُ الأحرار، وهي أفضل العبادة(٢) .

٣ - قالعليه‌السلام عن آثار العبادة الحقيقية: (من عَبَدَ الله حقَّ عبادته آتاه الله فوق أمانيه وكفايتهِ)(٣) .

٤ - سُئل عن معنى الأدب فقال: (هو أن تخرج من بيتك فلا تَلقى أحداً إلاّ رأيت له الفضلَ عليك)(٤) .

٥ - قال الإمام الحسينعليه‌السلام : (مالُك إن يكن لك كنتَ له فلا تبق عليه; فإنّه لا يُبقي عليك، وكلُه قبل أن يأكلك)(٥) .

في رحاب مواعظه الجليلة:

١ - كتب إليه رجل: عِظني بحرفين فكتب إليه: (مَن حاوَل أمراً بمعصية الله

____________________

(١) أمالي الصدوق: ١٦٧.

(٢) تحف العقول: ١٧٥.

(٣) بحار الأنوار: ٧١ / ١٨٤.

(٤) ديوان الإمام الحسين: ١٩٩.

(٥) بحار الأنوار: ٧١ / ٣٥٧.

٢٢٧

تعالى كانَ أفْوَتَ لما يَرجو وأسْرَعَ لمجي ما يحذَرُ)(١) .

٢ - وجاءه رجل فقال له: أنا رجل عاص ولا أصبر عن المعصية فعظني بموعظة فقالعليه‌السلام : (إفعل خمسةَ أشياءَ واذنب ما شئتَ، فأوّل ذلك: لا تأكل رزقَ اللهِ وأذنب ما شئِتَ، والثاني: اخرج من ولاية الله وأذنب ما شئت. والثالث: اطلُبْ موضِعاً لا يراكَ اللهُ وأذنب ما شِئتَ. والرابع: إذا جاء ملَكُ الموتِ ليقبِضَ روحَكَ فادفَعْهُ عن نفسِكَ وأذنب ما شئتَ، والخامِسُ: إذا أدخَلَكَ مالك النارِ فلا تدخُلْ في النارِ وأذنب ما شئتَ(٢) .

٣ - ومما جاء عنهعليه‌السلام في الموعظة: ياابن آدمَ! تفكَّرْ وقل: أينَ ملوكُ الدنيا وأربابُها؟ الذين عَمّروا واحتفَروا أنهارها وغَرَسوا أشجارها ومدّنوا مدائِنَها، فارقوها وهم كارهون وورثها قوم آخرون، ونحن بهم عمّا قليل لاحقونَ. ياابن آدم! اُذكر مصرعك، وفي قبرك مضجعَك وموقفَك بين يَدَي اللهِ تشهَدُ جوارحُكَ عليكَ يوم تَزِلُّ فيه الأقدامُ وتبلغُ القلوبُ الحناجِرَ وتبيضّ وجوهٌ وتسوَدُّ وجوهٌ وتبدو السرائرُ، ويوضَعُ الميزانُ القِسط. ياابن آدمَ! اذكُر مصارعَ آبائك وأبنائك كيف كانوا وحيثُ حَلّوا وكأنّك عن قليل قد حَلَلْتَ مَحَلَّهُم وصِرتَ عِبرَةً للمعتَبِر(٣) .

٤ - وخطبعليه‌السلام فقال: يا أيّها الناسُ! نافسِوا في المكارم، وسارِعوا في المغانِم، ولا تحتسِبوا بمعروف لم تُعجّلوا، واكسبوا الحمدَ بالنُجح، ولا تكتسِبوا بالمطلِ ذَمّاً، فمهما يكنْ لأحد عند أحد صنيعةٌ له رأى أنّه لا يقومُ بشكرِها; فالله له بمكافاتهِ فإنّه أجْزَلُ عطاءً وأعظمُ أجراً. واعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، فلا تملّوا النعم فتُحوّر نقماً(٤) .

____________________

(١) الكافي: ٢ / ٣٧٣.

(٢) بحار الأنوار: ٧٨ / ١٢٦.

(٣) إرشاد القلوب: ١ / ٢٩.

(٤) كشف الغمة: ٢ / ٢٩.

٢٢٨

في رحاب الفقه والأحكام الشرعية:

لقد أثبت أهل البيت المعصومون جدارتهم للمرجعية الدينية بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المجالين العلمي والسياسيّ معاً.

وقد عمل خطّ الخلافة بشكل مدروس على حذف هذا الخطّ النبوي وعزله عن الساحة السياسية والاجتماعية، وخطّط أهل البيتعليهم‌السلام لمواجهة هذه المؤامرة، كما عرفت.

غير أنّ البُعْد العلمي قد برز وطغى على البعد السياسي حتى اتُّهِمَ أهل البيتعليهم‌السلام باعتزالهم الساحة السياسية بعد الحسينعليه‌السلام ولكن العجز العلمي للخطّ الحاكم بالرغم من كل ما أوتي من إمكانات ماديّة وبشرية هو الذي قد بانَ على مدى التاريخ، وتميّزت مرجعيّة الأئمة الأطهار على من سواها من المرجعيات السائدة آنذاك. وكانت حاجة الأمة الإسلامية إلى تفاصيل الأحكام الشرعية نظراً للمستجدات المستمرّة هي السبب الآخر في ظهور علم أهل البيتعليهم‌السلام وفضلهم وكمالهم.

وما سجّلته كتب التاريخ من حقائق لا تخفى على اللبيب مثل حقيقة عدم عجزهم أمام الأسئلة المثارة، وعدم اكتسابهم العلم من أحد من أهل الفضل سوى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته المعصومينعليهم‌السلام لدليل واضح على تميّزهم عمّن سواهم.

وهنا نختار نماذج مما يرتبط بالفقه بمعناه المصطلح بمقدار ما يسمح به المجال.

١ - ممّا يرتبط بباب الصلاة، ذكر الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام جواز الصلاة بثوب واحد مستشهداً بأنه قد حدّثه من رأى الحسين بن عليّعليهما‌السلام

٢٢٩

وهو يصلّي في ثوب واحد وحدّثه أنه رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُصلّي في ثوب واحد(١) .

٢ - وجاء أن الأئمّةعليهم‌السلام كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر فيه بالقراءة من الصلوات في أوّل فاتحة الكتاب وأوّل السورة في كل ركعة. وجاء عن الحسينعليه‌السلام قوله: اجتمعنا ولد فاطمةعليها‌السلام على ذلك(٢) .

٣ - وكان الحسين بن عليّعليهما‌السلام يصلي فمرّ بين يديه رجل، فنهاه بعض جلسائه، فلما انصرف من صلاته قال له: لِمَ نَهَيْتَ الرَجُلَ؟ فقال: ياابن رسول الله! خطر فيما بينك وبين المحراب، فقالعليه‌السلام : ويحك إنّ الله عَزَّ وجَلَّ أقربُ إليَّ من أن يخطرَ فيما بيني وبين أحد(٣) .

٤ - وكان الحسينعليه‌السلام جالساً فمرّت عليه جنازةٌ فقام الناسُ حين طلعت الجنازة، وهنا أوضح الإمامعليه‌السلام للناس ما تصوّروه خطأً من أن القيام عند مرور الجنازة من السنّة باعتبار ما سمعوه من قيام رسول الله عند مرور الجنازة. فقال الحسين بن عليّعليهما‌السلام : مرَّت جنازة يهوديّ فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على طريقها جالساً فكره أن تعلو رأسَه جنازةُ يهوديّ فقامَ لِذلك(٤) .

وقد أحصى مؤلّف موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام ما يقارب من مائتين وخمسين رواية في الأحكام الشرعية وردت عن الإمام الحسينعليه‌السلام في مختلف أبواب الفقه الإسلامي.

____________________

(١) دعائم الإسلام: ١ / ١٧٥.

(٢) مستدرك الوسائل: ٤ / ١٨٩.

(٣) وسائل الشيعة: ٣ / ٤٣٤ الحديث ٤.

(٤) الكافي: ٣ / ١٩٢.

٢٣٠

على أن سيرة الإمام الحسينعليه‌السلام مثل سيرة سائر الأئمّة الأطهار تعتبر مصدراً من مصادر استلهام الأحكام الشرعية لتنظيم السلوك الفردي والاجتماعي للإنسان المسلم وللمجتمع الإسلامي.

في رحاب أدعية الإمام الحسينعليه‌السلام :

لقد تميّز تراث أهل البيتعليهم‌السلام بظاهرة الدعاء تميّزاً فريداً في جانبي الكمّ والكيف معاً.

فالاهتمام بالدعاء في جميع الحالات والظروف التي يمرّ بها الإنسان في الحياة كما قال تعالى:( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ) (١) هو المظهر الذي ميّز سلوك أهل البيت عمّن سواهم، وعلى ذلك ساروا في تربيتهم لشيعتهم.

والمسلمون بشكل عام يلمسون هذه الظاهرة بوضوح في موسم الحج وغيره من مواسم العبادة عند أتباع أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم.

وتفرّدت أدعية أهل البيتعليهم‌السلام في المحتوى والمقاصد والمعاني التي اشتملت عليها أدعيتهم; فإنّها تُفصح بوضوح عن البون الشاسع بينهم وبين غيرهم فأين الثرى وأين الثريّا؟

وتدلّنا بعض النصوص المأثورة عن الإمام الحسينعليه‌السلام على سر هذا الاهتمام البليغ منهم بالدعاء.

١ - قالعليه‌السلام : أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام(٢) .

٢ - وجاء عنه أنه كان يدعو في قنوت الوتر بالدعاء الذي علّمه

____________________

(١) الفرقان (٢٥): ٧٧.

(٢) بحار الأنوار: ٩٣ / ٢٩٤.

٢٣١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو: اللهم إنك تَرى ولا تُرى وأنت بالمنظر الأعلى وإنّ إليك الرجعى وإنّ لك الآخرة والأولى، اللهم إنّا نعوذ بك من أن نَذِلّ ونخزى(١) .

٣ - من الأدعية القصيرة المأثورة عنه قولهعليه‌السلام : (اللهم لا تستدرِجني بالإحسانِ ولا تؤدِّبني بالبلاء)(٢) .

وقال في معنى الاستدراج: الاستدراج من الله لعبده أن يُسبغ عليه النِعَمَ ويَسْلُبَه الشُكرَ(٣) .

٤ - ومن أدعيته في قنوته: (اللهمّ مَن آوى إلى مأوى فأنتَ مأوايَ، ومن لجأ إلى مَلجَأ فأنتَ مَلجايَ اللهم صلّ على محمّد وآلِ محمّد واسمع ندائي وأجب دُعائي واجعل مآبي عندك ومثوايَ، واحرُسني في بَلواي من افتتانِ الامتحان ولُمَّةِ الشيطانِ بعظمتك التي لا يشوبُها وَلَعُ نفس بِتَفتين، ولا واردُ طيف بتظنين ولا يلُمُّ بها فَرَجٌ حتى تقلبني إليك بإرادتك غير ظنين ولا مظنون ولا مُراب ولا مُرتاب، إنّك أنت أرحمُ الراحِمينَ)(٤) .

٥ - وله دعاء آخر كان يدعو به في قنوته هو: (اللهم منك البدءُ ولك المشيئةُ ولك الحولُ ولك القوّةُ، وأنت اللهُ الذي لا إله إلاّ أنتَ جَعَلْتَ قلوبَ أوليائك مسكناً لمَشِيّتِكَ ومكمَناً لإرادتكَ، وجَعَلتَ عُقولَهُم مَناصِبَ أوامِركَ ونواهيكَ فأنتَ إذا شِئت ما نشاءُ حرّكتَ مِن أسرارهم كوامِن ما أبطَنْتَ فيهم، وأبَدأتَ من إرادتك على ألسنتِهِم ما أفهَمْتَهُم به عنكَ في عقودِهم بعقول تدعوك وتدعو إليك بحقائقِ ما مَنَحتَهُم به، وإنّي لأعلَمُ ممّا علّمتني ممّا أنت المشكورُ على ما منه أريتني وإليه آوَيتني).

٦ - وله دعاء يُسمّى بـ (العشرات).

____________________

(١) كنز العمال: ٨ / ٨٢، ومسند الإمام أحمد: ١ / ٢٠١.

(٢) بحار الأنوار: ٧٨ / ١٢٨.

(٣) تحف العقول: ١٧٥.

(٤) نهج الدعوات: ٤٩.

٢٣٢

٧ - وله دعاء كان يدعو به حين كان يمسك الركن اليماني ويناجي ربّه هو: إلهي أنعمتني فلم تجدني شاكراً وأبليتني فلم تجدني صابراً، فلا أنت سلَبْتَ النعمة بترك الشكر، ولا أدَمْتَ الشدّةَ بترك الصبرِ إلهي ما يكونُ من الكريمِ إلاّ الكرَمُ(١) .

٨ - وروي أن شريحاً دخل مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فوجد الحسينعليه‌السلام في المسجد ساجداً يعفِّر خدّه على التراب وهو يقول: (سيّدي ومولاي ألِمقامِعِ الحديد خَلَقْتَ أعضائي؟ أم لِشُربِ الحميمِ خَلَقْتَ أمعائي؟ إلهي لئن طالبتني بذنوبي لأُطالبنّك بكرمك، ولئن حَبَستني مع الخاطئينَ لأخبِرنَّهُم بحُبّي لك، سيّدي! إن طاعَتي لا تنفعُك، وَمعصيتي لا تضرّك، فهب لي ما لا ينفعُك واغفر لي ما لا يضرّك فإنك أرحم الراحمين)(٢) .

٩ - وكان من دعائه إذا دخل المقابِرَ: اللّهم ربَّ هذه الأرواح الفانيةِ والأجساد البالية، والعِظامِ النَخِرةِ التي خرجتْ من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخِل عليهم رَوْحاً منك وسلاماً مِنّي، وقالعليه‌السلام : إذا دعا أحد بهذا الدعاء كتب الله له بعدد الخلق من لدن آدم إلى أن تقوم الساعةُ حسنات(٣) .

١٠ - ومن دعائه في الصباح والمساء قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله وتوكّلت على الله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم. اللهم إني أسلمْتُ نفسي إليك ووجّهت وجهي إليك وفوّضت أمري إليك، إياك أسألُ العافية من كل سوء في الدنيا والآخرة، اللهم إنك تكفيني من كلّ أحد ولا يكفيني أحد منك فاكفني من كلّ أحد ما أخاف وأحذرُ، واجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً إنك تعلمُ ولا أعلم وتقدرُ، ولا أقدِر، وأنت على كل شيء قدير برحمتك

____________________

(١) إحقاق الحق: ١١ / ٥٩٥.

(٢) المصدر السابق: ١١ / ٤٢٤.

(٣) مستدرك الوسائل: ٢ / ٣٧٣ الحديث ٢٣٢٣.

٢٣٣

يا أرحم الراحمين)(١) .

وأمّا دعاء عرفة المرويّ عن الإمام الحسينعليه‌السلام فهو من غرر الأدعية المطوّلة والتي تستدرّ الرحمة الإلهية بما تمليه على الإنسان من أسباب الإنابة والتوبة وشموخ المعرفة، وقد أشرنا إلى مقاطع منه في بحوث سابقة.

وإليك مقطعاً آخر من هذا الدعاء:

(الحمد لله الّذي لم يتّخذ ولداً فيكون موروثاً، ولم يكن له شريك في الملك فيضادّه فيما ابتدع، ولا وليّ من الذلّ فيرفده فيما صنع، سبحانه سبحانه سبحانه لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا وتفطرتا، فسبحان الله الواحد الحقّ الأحد الصمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، الحمد لله حمداً يعدل حمد ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وصلّى الله على خيرته من خلقه محمّد خاتم النبّيّين وآله الطّاهرين المخلصين، اللّهمَّ اجعلني أخشاك كأنّي أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك، وخر لي في قضائك، وبارك لي في قدرك حتّى لا أحب تعجيل ما أخّرت، ولا تأخير ما عجّلت)(٢) .

في رحاب أدب الإمام الحسينعليه‌السلام :

لا ريب في أن الإمام الحسينعليه‌السلام يعدّ امتداداً لجدّه وأبيه وأخيه من حيث المعرفة ومن حيث الاقتدار الفني في التعبير. وقد جاء على لسان خصومهم (أنهم أهل بيت قد زقّوا العلم زَقّاً)، و(أنها ألسِنَةُ بني هاشم التي تفلق الصخر وتغرف من البحر)(٣) .

وعلّق عمر بن سعد يوم عاشوراء على خطبة للإمام الحسينعليه‌السلام : (إنّه

____________________

(١) مهج الدعوات: ١٥٧.

(٢) بحار الأنوار: ٩٨ / ٢١٨ - ٢١٩.

(٣) المجالس السنية: ٢١، ٢٨، ٣٠.

٢٣٤

ابن أبيه، ولو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً، لما انقطع ولما حُصِر)(١) .

وقال أصحاب المقاتل عن كلماته وخطبه في كربلاء ويوم عاشوراء أنه لم يُسمع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطقه من الحسينعليه‌السلام (٢) .

وبالرغم من قصر المدّة الزمنيّة لإمامته وعدم إتاحة الفرصة السياسيّة التي تفرض صياغة الخطب عادةً بخاصّة أنّهعليه‌السلام التزم بالهدنة التي عقدها أخوهعليه‌السلام في زمن معاوية، فقد اُثر عنهعليه‌السلام في ميدان الخطبة وغيرها أكثر من نموذج فضلاً عن أنهعليه‌السلام في زمن أبيهعليه‌السلام قد ساهم في خطب المشاورة والحرب(٣) ، وحشَد فيها كل السمات الفنّية التي تتناسب والغرض الذي استهدف توصيله إلى الجمهور(٤) .

وأمّا خطب المعركة التي خاضها في الطف أو كربلاء، حيث فجّرت هذه المناسبة عشرات الخطب منذ بدايتها إلى نهايتها، فقد تنوّعت صياغةً ومضموناً، وتضمّنت التذكير بكتبهم التي أرسلوها إليه وبطاعة الله وبنصرته وبالتخليّ عن قتاله. وممّا جاء في أحدها: (تبّاً لكم أيّتها الجماعة وتَرَحاً، أحين استصرختمونا والهِين، فأصرخناكم موجِفين مؤدّين مستعدّين سَلَلْتُم علينا سيفاً لنا في أيْمانِكم وحششتُم علينا ناراً قدحناها على عدوّكم وعدوّنا فأصبحتم إلبْاً على أوليائكم ويداً عليهم لأعدائكم بغيرِ عدل أفشوه فيكُم ولا أمل أصبح لكم فيهم إلاّ الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه...).

واحتشدت هذه الخطبة بعناصر الفن المتنوعة بالإضافة إلى عنصرَي المحاكمة والعاطفة. وبمقدور المتذوّق الفني الصرف أن يلحظ ما تتضمّنه من

____________________

(١) المجالس السنية: ٢١، ٢٨، ٣٠.

(٢) المجالس السنية: ٢١، ٢٨، ٣٠.

(٣) راجع حياة الإمام الحسين في عهد أبيه، في هذا الكتاب.

(٤) تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي: ٣٠٧ - ٣١١.

٢٣٥

دهشة فنّية مثيرة كل الإثارة(١) .

والأشكال الأدبيّة الأخرى التي طرقها أدب الإمام الحسينعليه‌السلام هي الرسائل والخواطر والمقالة والأدعية والشعر(٢) والحديث الفني.

ونشير إلى نموذجين من شعره بما يتناسب مع المجال هنا:

- ١ -

تبارك ذو العلا والكبرياءِ

تفرّد بالجلالِ وبالبقاءِ

وسوّى الموت بين الخلق طُرّاً

وكلّهُم رهائنُ للفناء

ودنيانا - وإن ملنا اليها

وطالَ بها المتاعُ - إلى انقضاء

ألا إن الركونَ على غرور

إلى دار الفناءِ من الفناءِ

وقاطنها سريعُ الظعنِ عنها

وإن كان الحريصُ على الثَواءِ(٣)

- ٢ -

اغنَ عن المخلوق بالخالقِ

تَغنَ عن الكاذبِ والصادقِ

واسترزق الرحمن من فضله

فليس غير الله من رازقِ

من ظنّ أن الناس يغنونه

فليس بالرحمن بالواثق

أو ظن أن المال من كسبه

زلّت به النعلان من حالق(٤)

____________________

(١) تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي: ٣١١ - ٣٠٣.

(٢) للاطلاع التفصيلي على خصائص كل شكل في أدب الحسينعليه‌السلام راجع تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي للدكتور محمود البستاني.

(٣) عن ديوان الإمام الحسين: ٤ / ١١٥.

(٤) عن البداية والنهاية: ٨ / ٢٢٨.

٢٣٦

الفهرس

فهرس إجمالي ٥

المقدمة٧

الباب الأول ١٥

الفصل الأول:١٧

الإمام الحسين الشهيد عليه‌السلام في سطور١٧

الفصل الثاني:٢٥

انطباعات عن شخصية الإمام الحسين عليه‌السلام ٢٥

١ - مكانة الإمام الحسين عليه‌السلام في آيات الذكر الحكيم:٢٥

٢ - مكانة الإمام الحسينعليه‌السلام لدى خاتم المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله:٢٨

٣ - مكانة الإمام الحسينعليه‌السلام لدى معاصريه:٢٩

٤ - الإمام الحسين عليه‌السلام عبر القرون والأجيال:٣٣

الفصل الثالث:٣٧

مظاهر من شخصية الإمام الحسين عليه‌السلام ٣٧

١ - تواضعه عليه‌السلام:٣٨

٢ - حلمه وعفوهعليه‌السلام:٣٨

٣ - جوده وكرمه عليه‌السلام:٣٩

٤ - شجاعته عليه‌السلام:٤١

٥ - إباؤه عليه‌السلام:٤٢

٦ - الصراحة والجرأة في الإصحار بالحقّ:٤٤

٧ - عبادته وتقواه عليه‌السلام:٤٥

صور من عبادته عليه‌السلام:٤٦

٢٣٧

الباب الثاني:٤٩

الفصل الأول:٥١

نشأة الإمام الحسين عليه‌السلام ٥١

تأريخ الولادة:٥١

رؤيا أم أيمن:٥١

الوليد المبارك:٥٢

اهتمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحسينعليه‌السلام:٥٣

كنيته وألقابه:٥٥

الفصل الثاني:٥٧

مراحل حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ٥٧

الفصل الثالث:٥٩

الإمام الحسين عليه‌السلام من الولادة إلى الإمامة٥٩

ميراث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لسبطيه عليهما‌السلام:٦٢

وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسبطينعليهما‌السلام:٦٢

لوعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسين عليه‌السلام:٦٢

الإمام الحسين عليه‌السلام في عهد الخلفاء٦٤

الحسين عليه‌السلام في عهد أبي بكر:٦٤

لوعة شهادة الزهراء عليها‌السلام:٦٤

الحسين عليه‌السلام في عهد عمر بن الخطاب:٦٧

الحسين عليه‌السلام في عهد عثمان:٦٨

موقف مع أبي ذرّ الغفاري:٧٠

الإمام الحسين عليه‌السلام في عهد الدولة العلوية٧٢

مع أبيهعليه‌السلام في إصلاح الأمة:٧٣

حرص الإمام عليعليه‌السلام على سلامة الحسنينعليهما‌السلام:٧٤

وصايا أمير المؤمنينعليه‌السلام للإمام الحسينعليه‌السلام:٧٥

٢٣٨

الإمام الحسين مع أبيه عليهما‌السلام في لحظاته الأخيرة:٧٩

الإمام الحسين في عهد أخيه الإمام الحسن عليهما‌السلام ٨٠

حالة الأمة قبل الصلح مع معاوية:٨٠

احترام الإمام الحسين عليه‌السلام لبنود صلح الإمام الحسن عليه‌السلام:٨٥

رسالة جعدة بن هبيرة إلى الإمام الحسين عليه‌السلام:٨٥

استشهاد الإمام الحسن عليه‌السلام:٨٦

الباب الثالث ٨٩

الفصل الأول:٩١

عصر الإمام الحسينعليه‌السلام ٩١

البحث الأوّل: حكومة معاوية ودورها في تشويه الإسلام:٩١

منهج معاوية لمحاربة الإسلام:٩٢

١ - سياسته الاقتصادية:٩٣

أ - الحرمان الاقتصادي:٩٣

* يثرب:٩٣

* العراق:٩٤

ب - استخدام المال لتثبيت ملكه:٩٤

ج - شراء الذمم:٩٥

٢ - سياسة التفرقة:٩٦

أ - اضطهاد الموالي:٩٦

ب - العصبية القبلية:٩٦

٣ - سياسة البطش والجبروت:٩٧

٤ - الخلاعة والمجون والاستخفاف بالقيم الدينية:٩٧

٥ - إظهار الحقد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والعداء لأهل بيتهعليهم‌السلام:٩٨

٦ - العنف مع شيعة أهل البيتعليهم‌السلام:١٠٠

٧ - فرض البيعة بالقوّة ليزيد الفاجر:١٠١

٢٣٩

البحث الثاني: من هو يزيد بن معاوية؟١٠٢

ولادة يزيد ونشأته وصفاته:١٠٣

ولع يزيد بالصيد:١٠٤

شغفه بالقرود:١٠٤

إدمانه على الخمر:١٠٥

إلحاد يزيد وحقده على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله:١٠٧

جرائم حكم يزيد:١٠٨

السرّ الكامن وراء نزعات يزيد الشرّيرة:١٠٩

الفصل الثاني:١١١

مواقف الإمام الحسين عليه‌السلام وإنجازاته١١١

البحث الأوّل: موقفه عليه‌السلام من البيعة ليزيد ١١١

١ - دعوة انتهازية وخطّة شيطانية:١١١

٢ - أساليب معاوية لإعلان بيعة يزيد:١١٤

٣ - محاولات الإمام الحسين عليه‌السلام لإيقاظ الأمة:١١٥

مواجهةُ معاوية وبيعة يزيد:١١٦

محاولة جمع كلمة الأمة والاستجابة لحركة الجماهير:١١٨

فضح جرائم معاوية:١١٨

استعادة حقّ مضيّع:١٢٠

تذكير الأمة بمسؤوليّتها:١٢٢

البحث الثاني: حكومة يزيد ونهضة الإمام الحسين عليه‌السلام ١٢٦

بدايات النهضة:١٢٦

رسالة يزيد إلى حاكم المدينة:١٢٦

الوليد يستشير مروان بن الحكم:١٢٧

الإمام عليه‌السلام في مجلس الوليد:١٢٨

الإمام عليه‌السلام مع مروان:١٣٠

حركة الإمامعليه‌السلام في الليلة الثانية:١٣٠

٢٤٠

241

242

243

244