أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)23%

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 244

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 244 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159960 / تحميل: 9441
الحجم الحجم الحجم
أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

أعلام الهداية الإمام الحسين سيد الشهداء (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

أعدائه، حيث استطاع أن يكشف حقيقة الحكم الأموي الجاهلي الذي ارتدى لباس الإسلام ورفع شعار الصلح والسلم، ليقضي على الإسلام باسم الإسلام وبمن ينتسب إلى قريش قبيلة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن خطّط بشكل حاذق خطّةً يتناسى المسلمون بسببها أنّ آل أبي سفيان الذين يتربّعون اليوم على كرسي الحكم الإسلامي، ويحكمون المسلمين باسم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وخلافته هم الذين حاربوا الإسلام بالأمس القريب.

* - وبهذا هيّأ الإمام الحسنعليه‌السلام - بتوقيعه على وثيقة الصلح - الأرضية اللازمة للثورة على الحكم الأموي الجاهليّ الذي ظهر بمظهر الإسلام من جديد، وذلك بعد أن أخلف معاوية كلّ الشروط التي اشترطها عليه الإمام الحسنعليه‌السلام بما فيها عدم تعيين أحد للخلافة من بعده، وعدم التعرّض لشيعة عليّ وللإمام الحسن والحسينعليهما‌السلام بمكروه.

ولم يستطع معاوية أن يتمالك نفسه أمام هذه الشروط حتى سوّلت له نفسه أن يدسّ السمّ الفاتك إلى الإمام الحسنعليه‌السلام ليستطيع توريث الخلافة لابنه الفاسق يزيد.. ولكنّه لم يعِ نتائج هذا التنكّر للشروط ولنتائج هذه المؤامرة القذرة... وقد أيقن المسلمون - بعد مرور عقدين من الحكم الأموي - بشراسة هذا الحكم وجاهليّته، ممّا جعل القواعد الشعبية الشيعية تستعدّ لخوض معركة جديدة ضدّ النظام الحاكم، وبذلك تهيّأت الظروف الملائمة للثورة، واكتملت الشروط اللازمة بموت معاوية ومجيء يزيد الفاسق شارب الخمور والمستهتر بأحكام الدين إلى سدّة الحكم، والإقدام على أخذ البيعة من وجوه الصحابة وعامّة التابعين، والإصرار على أخذها من مثل أبيّ الضيم أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام سيّد أهل الإباء وإمام المسلمين.

* - لقد حكم معاوية بن أبي سفيان ما يقارب عشرين سنة متّبعاً سياسة

٢١

التجويع والإرهاب والخداع والتزوير، ممّا أدّى إلى انكشاف حقيقته للأمة من جهة، في حين أنّها كانت قد ابتليت بداء موت الضمير وداء فقدان الإرادة من جهة اُخرى، وهكذا استيقظت الأمة من سباتها وزال شكّها بحقّانية خطّ أهل البيتعليهم‌السلام ، بعد أن ارتفع جهلها بحقيقة الأمويين، ولكنّها لم تقوَ

على مقارعة الظلم والظالمين، وأصبحت كما قال الفرزدق للإمام الحسينعليه‌السلام حين كان متوجّهاً إلى العراق ومستجيباً لدعوة الكوفيين: قلوبهم معك وسيوفهم عليك.

ومن هنا تأكّد الموقف الشرعي للإمام الحسينعليه‌السلام بعد أن توفّرت كلّ الظروف اللازمة للقيام في وجه الأمويين الجاهليّين، بينما لم تكن النهضة مفيدة للأمة في حالة الابتلاء بمرض الشكّ والترديد التي كانت تعاني منه في عصر الإمام الحسن السبطعليه‌السلام . لقد تمّت الحجّة على الإمام الحسين بن علىّعليهما‌السلام حينما راسله أهل العراق وطلبوا منه التوجّه نحوهم، بعد أن أخرجوا عامل بني أمية من الكوفة وتمرّدوا على الأمويين حيث كان هذا أحد مظاهر رجوع الوعي إلى عامّة شيعة أهل البيتعليهم‌السلام .

فاستجاب الإمام الحسينعليه‌السلام لطلبهم، وتحرّك نحوهم بالرغم من علمه بعدم ثباتهم وضعف إرادتهم أمام إغراءات الحاكمين واضطهادهم وإرهابهم، وذلك لأنّه كان لابد له من معالجة هذا المرض الجديد الذى يؤدّي باستشرائه إلى ضياع معالم الرسالة وفسح المجال لتحويل الخلافة إلى كسرويّة وقيصريّة، وإعطاء المشروعية لمثل حكم يزيد وأضرابه من الجاهليّين الذين تستّروا بستار الشريعة الإسلامية لضرب الشريعة وتمزيقها.

* - وبعد أن استجمعت ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام كلّ الشروط اللازمة

٢٢

لنجاحها وبلوغ أهدافها(١) ; نهض مستنفراً كلّ طاقاته وقدراته التي كان قد أعدّها وهيّأها في ذلك الظرف التأريخي في صنع ملحمته الخالدة، فحرّك ضمير الأمة، وأعادها لتسلك مسيرة رسالتها، وبعث شخصيّتها العقائدية من جديد، وسلب المشروعية من الحكام الطغاة، ومزّق كلّ الأقنعة الخدّاعة التي كانوا قد تستّروا بها، وأوضح الموقف الشرعي للأمة على مدى الأجيال. ولم يستطع الطغاة أن يشوّهوا معالم نهضته، كما لم يستطيعوا أن يقفوا بوجه المدّ الثوري الذي أحدثه على مدى العصور، ذلك المدّ الذي أطاح بحكم بني أُمية وبني العباس ومن حذا حذوهم، فكانت ثورته مصدر إشعاع رسالي لكل الأمم، كما كانت القيم الرساليّة التي طرحها وأكّد عليها محفّزاً ومعياراً لتقييم كل الحكومات والأنظمة السياسية الحاكمة، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.

____________________

(١) راجع الشروط الضرورية الخمسة للنجاح والتي توفّرت في ثورة الحسينعليه‌السلام في كتاب (ثورة الحسين: النظرية - الموقف - النتائج) السيّد محمد باقر الحكيم الطبعة الأولى، منشورات مؤسسة الإمام الحسينعليه‌السلام : ٦٢ - ٩٢. وراجع مجلّة الفكر الإسلامي العدد (١٧) مقال الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر حول الثورة الحسينية تحت عنوان (التخطيط الحسيني لتغيير أخلاقية الهزيمة).

٢٣

٢٤

الفصل الثاني:

انطباعات عن شخصية الإمام الحسينعليه‌السلام

١ - مكانة الإمام الحسينعليه‌السلام في آيات الذكر الحكيم:

لم تتّفق كلمة المسلمين في شيء كاتّفاقهم على فضل أهل البيتعليهم‌السلام وعلوّ مقامهم العلمي والروحي، وانطوائهم على مجموعة الكمالات التي أراد الله للإنسانية أن تتحلى بها.

ويعود هذا الاتّفاق إلى جملةٍ من الأصول، منها تصريح الذكر الحكيم بالموقع الخاص لأهل البيتعليهم‌السلام من خلال التنصيص على تطهيرهم من الرجس، وأنّهم القربى الذين تجب مودّتهم كأجر للرسالة التي أتحف الله بها الإنسانية جمعاء، وأنّهم الأبرار الذين أخلصوا الطاعة لله وخافوا عذاب الله وتجلببوا بخشيته، فضمن لهم الجنّة والنجاة من عذابه.

والإمام الحسينعليه‌السلام هو من أهل البيتعليهم‌السلام المطهّرين من الرجس بلا ريب، بل هو ابن رسول الله بنصّ آية المباهلة التي جاءت في حادثة المباهلة مع نصارى نجران. وقد خلّد القرآن الكريم هذا الحدث بمداليله العميقة في قوله تعالى:

( فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ

٢٥

وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (١) .

وروى جمهور المحدّثين بطرق مستفيضة أنّها نزلت في أهل البيت، وهم: رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، كما صرّحوا على أنّ الأبناء هنا هما الحسنان بلا ريب.

وتضمّنت هذه الحادثة تصريحاً من الرسول بأنّهم خير أهل الأرض وأكرمهم على الله، ولهذا فهو يباهل بهم، واعترف أسقف نجران بذلك أيضاً قائلاً: (أرى وجوهاً لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله)(٢) .

وهكذا دلّت القصة كما دلّت الآية على عظيم منزلتهم وسموّ مكانتهم وأفضليّتهم، وأنّهم أحبّ الخلق إلى الله ورسوله، وأنّهم لا يدانيهم في فضلهم أحد من العالمين. ولم ينصّ القرآن الكريم على عصمة أحد غير النبيّ من المسلمين سوى أهل البيتعليهم‌السلام الذين أراد الله أن يطهّرهم من الرجس تطهيراً(٣) . ولئن اختلف المسلمون في دخول نساء النبيّ في مفهوم أهل البيت; فإنّهم لم يختلفوا قط في دخول عليّ والزهراء والحسنَيْنعليهم‌السلام في ما تقصده الآية المباركة(٤) .

____________________

(١) آل عمران (٣): ٦١.

(٢) نور الأبصار: ١٠٠، وراجع تفسير: الجلالين وروح البيان والكشّاف والبيضاوي والرازي، وصحيح الترمذي: ٢ / ١٦٦، وسنن البيهقي: ٧ / ٦٣، وصحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، ومسند أحمد: ١ / ٨٥، ومصابيح السنة: ٢ / ٢٠١.

(٣) كما نصّت على ذلك الآية ٣٣ من سورة الأحزاب.

(٤) راجع التفسير الكبير للفخر الرازي وتفسير النيسابوري، وصحيح مسلم: ٢ / ٣٣ وخصائص النسائي: ٤، ومسند أحمد: ٤ / ١٠٧، وسنن البيهقي: ٢ / ١٥٠، ومشكل الآثار: ١ / ٣٣٤، ومستدرك الحاكم: ٢ / ٤١٦، واُسد الغابة: ٥ / ٥٢١.

٢٦

ومن هنا نستطيع أن نفهم السرّ الكامن في وجوب مودّتهم والالتزام بخطّهم وترجيح حبّهم على حبّ من سواهم بنص الكتاب العزيز(١) .

فإنّ عصمة أهل البيتعليهم‌السلام أدلّ دليل على أنّ النجاة في متابعتهم حينما تتشعّب الطرق وتختلف الأهواء، فمن عصمه الله من الرجس وكان دالاًّ على النجاة كان متّبعه ناجياً من الغرق.

ونصّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - كما عن ابن عباس - بأنّ آية المودّة في القربى حينما نزلت وسأله بعض المسلمين عن المقصود من القرابة التي أوجبت على المسلمين طاعتهم بقوله: إنّهم عليّ وفاطمة وابناهما(٢).

ولا يتركنا القرآن الحكيم حتّى يبيّن لنا أسباب هذا التفضيل في سورة (الدهر) التي نزلت لبيان عظمة الواقع النفسي الذي انطوى عليه أهل البيتعليهم‌السلام والإخلاص الذي تقترن به طاعتهم وعباداتهم بقوله تعالى:( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ) (٣) .

لقد روى جمهور المفسّرين والمحدّثين أنّ هذه السورة المباركة نزلت في أهل البيت بعد ما مرض الحسنان، ونذر الإمام صيام ثلاثة أيام شكراً لله إن برئا، فوفوا بنذرهم أيّما وفاء، إنّه وفاءٌ جسَّد أروع أنواع الإيثار حتّى نزل قوله تعالى:( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) (٤) فشكر الله

____________________

(١) قال تعالى في سورة الشورى الآية ٢٣ مخاطباً رسوله الكريم:( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) . وقال في سورة سبأ:( مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) .

(٢) راجع التفسير الكبير، وتفسير الطبري، والدر المنثور في تفسير آية المودّة.

(٣) الإنسان (٧٦): ٩ - ١٢.

(٤) الإنسان (٧٦): ٥ - ٧.

٢٧

سعيهم على هذا الإيثار والوفاء بما أورثهم في الآخرة وبما حباهم من الإمامة للمسلمين في الدنيا حتّى يرث الأرض ومن عليها.

٢ - مكانة الإمام الحسينعليه‌السلام لدى خاتم المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله :

لقد خصّ الرسول الأعظم حفيديه الحسن والحسينعليهما‌السلام بأوصاف تنبئ عن عظم منزلتهما لديه، فهما:

١ - ريحانتاه من الدنيا وريحانتاه من هذه الأمّة(١) .

٢ - وهما خير أهل الأرض(٢) .

٣ - وهما سيّدا شباب أهل الجنّة(٣) .

٤ - وهما إمامان قاما أو قعدا(٤) .

٥ - وهما من العترة (أهل البيت) التي لا تفترق عن القرآن إلى يوم القيامة، ولن تضلّ أمة تمسّكت بهما(٥) .

٦ - كما أنّهما من أهل البيت الذين يضمنون لراكبي سفينتهم النجاةمن الغرق(٦) .

٧ - وهما ممّن قال عنهم جدّهم: (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف)(٧) .

____________________

(١) صحيح البخاري: ٢ / ١٨٨، وسنن الترمذي: ٥٣٩.

(٢) عيون أخبار الرضا: ٢ / ٦٢.

(٣) سنن ابن ماجة: ١ / ٥٦، والترمذي: ٥٣٩.

(٤) المناقب لابن شهر آشوب: ٣ / ١٦٣. نقلاً عن مسند أحمد وجامع الترمذي وسنن ابن ماجة وغيرهم.

(٥) جامع الترمذي: ٥٤١، ومستدرك الحاكم: ٣ / ١٠٩.

(٦) حلية الأولياء: ٤ / ٣٠٦.

(٧) مستدرك الحاكم: ٣ / ١٤٩.

٢٨

٨ - وقد استفاض الحديث عن مجموعة من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّهم قد سمعوا مقالته فيما يخصّ الحسنينعليهما‌السلام : (اللهمّ إنّك تعلم أنّي أحبهما فأحبَّهما وأحبّ من يحبّهما)(١) .

٣ - مكانة الإمام الحسينعليه‌السلام لدى معاصريه:

١ - قال عمر بن الخطاب للحسينعليه‌السلام : فإنّما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم(٢) .

٢ - قال عثمان بن عفان في الحسن والحسينعليهما‌السلام وعبد الله بن جعفر: فطموا العلم فطماً(٣) وحازوا الخير والحكمة(٤) .

٣ - قال أبو هريرة: دخل الحسين بن عليّ وهو معتم، فظننت أنّ النبيّ قد بعث(٥) .

وكانعليه‌السلام في جنازة فأعيا، وقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال له:يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا ، فقال له: دعني، فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم(٦) .

٤ - أخذ عبد الله بن عباس بركاب الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فعوتب في ذلك، وقيل له: أنت أسنّ منهما! فقال: إنّ هذين ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أفليس

____________________

(١) خصائص النسائي: ٢٦.

(٢) الإصابة: ١ / ٣٣٣، وقال: سنده صحيح.

(٣) فطموا العلم فطماً: أي قطعوه عن غيرهم قطعاً، وجمعوه لأنفسهم جمعاً.

(٤) الخصال: ١٣٦.

(٥) بحار الأنوار: ١٠ / ٨٢.

(٦) تاريخ ابن عساكر: ٤ / ٣٢٢.

٢٩

من سعادتي أن آخذ بركابهما(١) ؟

وقال له معاوية بعد وفاة الحسنعليه‌السلام : يا ابن عباس أصبحت سيّد قومك، فقال: أمّا ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين فلا(٢) .

٥ - قال أنس بن مالك - وكان قد رأى الحسينعليه‌السلام -: كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

٦ - قال زيد بن أرقم لابن زياد- حين كان يضرب شفتي الحسينعليه‌السلام -: اعل بهذا القضيب، فوالله الذي لا إله غيره، لقد رأيت شفتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على هاتين الشفتين يقبّلهما، ثم بكى.

فقال له ابن زياد: أبكى الله عينك، فوالله لولا أنّك شيخ قد خرفت لضربت عنقك، فخرج وهو يقول: أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم! قتلتم الحسين ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة! فهو يقتل خياركم ويستبقي شراركم(٤) .

٧ - قال أبو برزة الأسلمي ليزيد حينما رآه ينكث ثغر الحسينعليه‌السلام : أتنكث بقضيبك في ثغر الحسين؟! أما لقد أخذ قضيبك في ثغره مأخذاً لربّما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرشفه. أما إنّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك! ويجيء هذا ومحمّد شفيعه(٥) .

٨ - وحين قال معاوية لعبد الله بن جعفر: أنت سيّد بني هاشم؟ أجابه

____________________

(١) تاريخ ابن عساكر: ٤/٣٢٢.

(٢) حياة الإمام الحسين، للقرشي: ٢ / ٥٠٠.

(٣) أعيان الشيعة: ١ / ٥٦٣.

(٤) أُسد الغابة: ٢ / ٢١.

(٥) الحسن والحسين سبطا رسول الله: ١٩٨.

٣٠

قائلاً: سيّد بني هاشم حسن وحسين(١) .

وكتب إليه: إن هلكت اليوم طفئ نور الإسلام فإنّك علم المهتدين ورجاء المؤمنين(٢) .

٩ - سأل رجل عبد الله بن عمر عن دم البعوض يكون في الثوب أفيصلَّى فيه؟ فقال له: ممّن أنت؟ قال: من أهل العراق، فقال ابن عمر: اُنظروا إلى هذا، يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ! وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: هما ريحانتاي من الدنيا(٣) .

١٠ - قال محمد بن الحنفية: إنّ الحسين أعلمنا علماً، وأثقلنا حلماً، وأقربنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رحماً، كان إماماً فقيهاً...)(٤) .

١١ - مرّ الحسينعليه‌السلام بعمرو بن العاص وهو جالس في ظلّ الكعبة فقال: هذا أحب أهل الأرض إلى أهل الأرض وإلى أهل السماء اليوم(٥) .

١٢ - قال عبد الله بن عمرو بن العاص وقد مرّ عليه الحسينعليه‌السلام : من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى هذا المجتاز(٦) .

١٣ - وحين أشار يزيد على أبيه معاوية أن يكتب للحسينعليه‌السلام جواباً عن كتاب كتبه له، على أن يصغّر فيه الحسينعليه‌السلام ، قال معاوية رادّاً عليه: وما

____________________

(١) الحسن بن عليّ لكامل سليمان: ١٧٣.

(٢) البداية والنهاية: ٨ / ١٦٧.

(٣) تاريخ ابن عساكر: ٤ / ٣١٤.

(٤) بحار الأنوار: ١٠ / ١٤٠.

(٥) تأريخ ابن عساكر: ٤ / ٣٢٢.

(٦) بحار الأنوار: ١٠ / ٨٣.

٣١

عسيت أن أعيب حسيناً، ووالله ما أرى للعيب فيه موضعاً(١) .

١٤ - قال الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (والي المدينة) لمروان بن الحكم - لمّا أشار عليه بقتل الحسينعليه‌السلام إذا لم يبايع -: والله يا مروان ما أُحبّ أنّ لي الدنيا وما فيها وأنّي قتلت الحسين. سبحان الله! أقتل حسيناً إن قال لا أبايع؟ والله إنّي لأظنّ أنّ من يقتل الحسين يكون خفيف الميزان يوم القيامة(٢) .

١٥ - لمّا قبض ابن زياد على قيس بن مسهر الصيداوي - رسول الحسينعليه‌السلام إلى أهل الكوفة - أمره أن يصعد المنبر ويسبّ الحسين وأباه، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس، إنّ هذا الحسين بن عليّ، خير خلق الله، وهو ابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا رسوله إليكم، وقد فارقته بالحاجر من بطن ذي الرمة فأجيبوه، واسمعوا له وأطيعوا. ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه، واستغفر لعليّ والحسين. فأمر به ابن زياد، فألقي من رأس القصر، فتقطّع(٣) .

١٦ - من خطبة ليزيد بن مسعود النهشلي (رحمه الله): وهذا الحسين بن عليّ ابن رسول اللهعليه‌السلام ، ذو الشرف الأصيل، والرأي الأثيل، له فضل لا يوصف، وعلم لا ينزف، وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنّه وقدمه وقرابته. يعطف على الصغير، ويحنو على الكبير. فأكرم به راعي رعيّة، وإمام قوم وجبت لله به الحجّة، وبلغت به الموعظة(٤) .

____________________

(١) أعيان الشيعة: ١ / ٥٨٣.

(٢) البداية والنهاية: ٨ / ١٤٧.

(٣) المصدر السابق: ١٨ / ١٦٨.

(٤) أعيان الشيعة: ١ / ٥٩٠.

٣٢

١٧ - قال عبد الله بن الحرّ الجعفي: ما رأيت أحداً قطّ أحسن ولا أملأ للعين من الحسين(١) .

١٨ - قال إبراهيم النخعي: لو كنتُ فيمن قاتل الحسين ثم أُدخلت الجنّة لاستحييت أن أنظر إلى وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

٤ - الإمام الحسينعليه‌السلام عبر القرون والأجيال:

١ - قال الربيع بن خيثم لبعض من شهد قتل الحسينعليه‌السلام : والله لقد قتلتم صفوة لو أدركهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقبّل أفواههم، وأجلسهم في حجره(٣) .

٢ - قال ابن سيرين: لم تبك السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلاّ على الحسينعليه‌السلام ، ولمّا قتل اسودّت السماء، وظهرت الكواكب نهاراً، حتّى رؤيت الجوزاء عند العصر، وسقط التراب الأحمر، ومكثت السماء سبعة أيام بلياليها كأنّها علقة(٤) .

٣ - قال علي جلال الحسيني: السيّد الزكي الإمام أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانته، وابن أمير المؤمنيين عليّ كرم الله وجهه، وشأن بيت النبوّة له أشرف نسب وأكمل نفس، جمع الفضائل ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، من علوّ الهمّة، ومنتهى الشجاعة، وأقصى غاية الجود، وأسرار العلم، وفصاحة اللسان، ونصرة الحقّ، والنهي عن المنكر، وجهاد الظلم، والتواضع عن عزّ، والعدل، والصبر، والحلم، والعفاف، والمروءة، والورع وغيرها.

____________________

(١) أعيان الشيعة: ٤ / ق ١ / ١١٨.

(٢) الإصابة: ١ / ٣٣٥.

(٣) بحار الأنوار: ١٠ / ٧٩.

(٤) تأريخ ابن عساكر: ٤ / ٣٣٩.

٣٣

واختصّ بسلامة الفطرة، وجمال الخلقة، ورجاحة العقل، وقوة الجسم، وأضاف إلى هذه المحامد كثرة العبادة وأفعال الخير، كالصلاة والحج والجهاد في سبيل الله والإحسان. وكان إذا أقام بالمدينة أو غيرها مفيداً بعلمه، مرشداً بعمله، مهذّباً بكريم أخلاقه، ومؤدّباً ببليغ بيانه، سخيّاً بماله، متواضعاً للفقراء، معظّماً عند الخلفاء، موصلاً للصدقة على الأيتام والمساكين، منتصفاً للمظلومين، مشتغلاً بعبادته، مشى من المدينة على قدميه إلى مكّة حاجّاً خمساً وعشرين مرّة... كان الحسين في وقته علم المهتدين ونور الأرض، فأخبار حياته فيها هدىً للمسترشدين بأنوار محاسنه المقتفين آثار فضله(١) .

٤ - قال محمد رضا المصري: هو ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلم المهتدين، ورجاء المؤمنين(٢) .

٥ - قال عمر رضا كحالة: الحسين بن عليّ، وهو سيّد أهل العراق فقهاً وحالاً وجوداً وبذلاً(٣) .

٦ - قال عبد الله العلايلي: جاء في أخبار الحسين: أنّه كان صورة احتبكت ظلالها من أشكال جدّه العظيم، فأفاض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إشعاعة غامرة من حبّه، وأشياء نفسه، ليتمّ له أيضاً من وراء الصورة معناها فتكون حقيقة من بعد كما كانت من قبل إنسانية ارتقت إلى نبوّة (أنا من حسين) ونبوة هبطت إلى إنسانية (حسين منّي) فسلام عليه يوم ولد(٤) .

٧ - قال عباس محمود العقّاد: مثل للناس في حلّة من النور تخشع لها

____________________

(١) راجع كتابه ( الحسين )عليه‌السلام : ١/٦. وراجع أيضاً: مجمع الزوائد: ٩/٢٠١ وبحار الأنوار: ٤٤/١٩٣.

(٢) الحسن والحسين سبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ٧٥.

(٣) أعلام النساء: ١ / ٢٨.

(٤) تاريخ الحسينعليه‌السلام : ٢٢٦.

٣٤

الأبصار، وباء بالفخر الذي لا فخر مثله في تواريخ بني الإنسان، غير مستثنىً منهم عربي ولا عجمي، وقديم وحديث، فليس في العالم اُسرة أنجبت من الشهداء من أنجبتهم اُسرة الحسين عدّة وقدرة وذكرة، وحسبه أنّه وحده في تأريخ هذه الدنيا الشهيد ابن الشهيد أبو الشهداء في مئات السنين(١) .

٨ - قال عمر أبو النصر: هذه قصة أسرة من قريش. حملت لواء التضحية والاستشهاد والبطولة من مشرق الأرض إلى مغربها. قصة ألّف فصولها شباب ما عاشوا كما عاش الناس، ولا ماتوا كما مات الناس، ذلك أنّ الله شرّف هذه الجماعة من خلقه بأن جعل النبوّة والوحي والإلهام في منازلها، وزاد ندى فلم يشأ لها حظّ الرجل العادي من عبادة، وإنّما أرادها للتشريد والاستشهاد، وأرادها للمثل العليا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكتب لها أن تتزعّم لواء التقوى والصلاح إلى آخر ما يكون من ذرّيتها(٢) .

٩ - قال عبد الحفيظ أبو السعود: عنوان النضال الحرّ، والجهاد المستميت، والاستشهاد في سبيل المبدأ والعقيدة، وعدم الخضوع لجور السلطان وبغي الحاكمين(٣) .

١٠ - قال أحمد حسن لطفي: إنّ الموت الذي كان ينشده فيها كان يمثّل في نظره مثلاً أروع من كلّ مثل الحياة، لأنّه الطريق إلى الله الذي منه المبتدأ واليه المنتهى، ولأنّه السبيل إلى الانتصار وإلى الخلود، فهو أعظم بطل ينتصر بالموت على الموت(٤) .

____________________

(١) أبو الشهداء الحسين بن عليّعليهما‌السلام : ١٥٠، طبعة النجف، مطبعة الغري الحديثة.

(٢) آل محمد في كربلاء: ٣٠.

(٣) سبطا رسول الله الحسن والحسين: ١٨٨.

(٤) الشهيد الخالد الحسين بن عليّ: ٤٧.

٣٥

٣٦

الفصل الثالث:

مظاهر من شخصية الإمام الحسينعليه‌السلام

ولد الإمام الحسين بن علىّعليهما‌السلام في بيت كان محطّ الملائكة ومهبط التنزيل، في بقعة طاهرة تتصل بالسماء طوال يومها بلا انقطاع، وتتناغم مع أنفاسه آيات القرآن التي تتلى آناء الليل والنهار، وترعرع بين شخصيّات مقدّسة تجلّلت بآيات الله، ونهل من نمير الرسالة عذب الارتباط مع الخالق، وصاغ لبنات شخصيته نبي الرحمةصلى‌الله‌عليه‌وآله بفيض مكارم أخلاقه وعظمة روحه. فكان الحسينعليه‌السلام صورة لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمته، يتحرّك فيها على هدى القرآن، ويتحدّث بفكر الرسالة، ويسير على خطى جدّه العظيم ليبيّن مكارم الأخلاق، ويرعى للأمة شؤونها، ولا يغفل عن هدايتها ونصحها ونصرتها، جاعلاً من نفسه المقدسة أنموذجاً حيّاً لما أرادته الرسالة والرسول، فكانعليه‌السلام نور هدىً للضالّين وسلسبيلاً عذباً للراغبين وعماداً يستند إليه المؤمنون وحجّة يركن إليها الصالحون، وفيصل حقّ إذ يتخاصم المسلمون، وسيف عدل يغضب لله ويثور من أجل الله. وحين نهض كان بيده مشعل الرسالة الذي حمله جدّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يدافع عن دينه ورسالته العظيمة.

ومن الإمعان في شخصيّة الإمام الحسينعليه‌السلام الفذّة نتلمّس المظاهر التالية:

٣٧

١ - تواضعهعليه‌السلام :

جُبل أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام على التواضع ومجافاة الأنانية، وهو صاحب النسب الرفيع والشرف العالي والمنزلة الخصيصة لدى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فكانعليه‌السلام يعيش في الأمة لا يأنف من فقيرها ولا يترفّع على ضعيفها ولا يتكبّر على أحد فيها، يقتدي بجدّه العظيم المبعوث رحمةً للعالمين، يبتغي بذلك رضا الله وتربية الأمة، وقد نُقلت عنهعليه‌السلام مواقف كثيرة تعامل فيها مع سائر المسلمين بكلّ تواضع مظهراً سماحة الرسالة ولطف شخصيّته الكريمة، ومن ذلك:

إنّهعليه‌السلام قد مرّ بمساكين وهم يأكلون كسراً (خبزاً يابساً) على كساء، فسلّم عليهم، فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم وقال: لولا أنّه صدقة لأكلت معكم. ثمّ قال: قوموا إلى منزلي، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.

وروي: أنّهعليه‌السلام مرّ بمساكين يأكلون في الصُّفَة، فقالوا: الغداء، فقالعليه‌السلام : إنّ الله لا يحب المتكبّرين، فجلس وتغدّى معهم ثم قال لهم: قد أجبتكم فأجيبوني، قالوا: نعم، فمضى بهم إلى منزله وقال لزوجته: أخرجي ما كنت تدّخرين(١) .

٢ - حلمه وعفوهعليه‌السلام :

تأدّب الحسين السبطعليه‌السلام بآداب النبوّة، وحمل روح جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم عفى عمّن حاربه ووقف ضد الرسالة الإسلامية، لقد كان قلبه يتّسع لكلّ الناس، وكان حريصاً على هدايتهم متغاضياً في هذا السبيل

____________________

(١) أعيان الشيعة: ١ / ٥٨٠، تأريخ ابن عساكر: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام حديث ١٩٦، وتفسير البرهان: ٢ / ٣٦٣.

٣٨

عن إساءة جاهلهم، يحدوه رضا الله تعالى، يقرّب المذنبين ويطمئنهم ويزرع فيهم الأمل برحمة الله، فكان لا يردّ على مسيء إساءة، بل يحنو عليه ويرشده إلى طريق الحقّ وينقذه من الضلال.

فقد روي عنهعليه‌السلام أنّه قال: (لو شتمني رجل في هذه الأُذن - وأومأ إلى اليمنى - واعتذر لي في اليسرى لقبلت ذلك منه، وذلك أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام حدّثني أنّه سمع جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: لا يرد الحوض مَن لم يقبل العذر من محق أو مبطل(١) .

كما روي أنّ غلاماً له جنى جنايةً كانت توجب العقاب، فأمر بتأديبه فانبرى العبد قائلاً: يا مولاي والكاظمين الغيظ، فقالعليه‌السلام : خلّوا عنه، فقال: يا مولاي والعافين عن الناس، فقالعليه‌السلام : قد عفوت عنك، قال: يا مولاي والله يحب المحسنين، فقالعليه‌السلام : أنت حرّ لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطك(٢) .

٣ - جوده وكرمهعليه‌السلام :

وبنفس كبيرة كان الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام يعين الفقراء والمحتاجين، ويحنو على الأرامل والأيتام، ويثلج قلوب الوافدين عليه، ويقضي حوائج السائلين من دون أن يجعلهم يشعرون بذلّ المسألة، ويصل رحمه دون انقطاع، ولم يصله مال إلاّ فرّقه وأنفقه وهذه سجية الجواد وشنشنة الكريم وسمة ذي السماحة.

فكان يحمل في دجى الليل البهيم جراباً مملوءً طعاماً ونقوداً إلى منازل الأرامل واليتامى حتّى شهد له بهذا الكرم معاوية بن أبي سفيان، وذلك حين

____________________

(١) إحقاق الحقّ: ١١ / ٤٣١.

(٢) كشف الغمّة: ٢ / ٣١، والفصول المهمة لابن الصبّاغ: ١٦٨ مع اختلاف يسير، وأعيان الشيعة: ٤ / ٥٣.

٣٩

بعث لعدّة شخصيات بهدايا، فقال متنبّئاً: أمّا الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفّين، فإن بقي شيء نحر به الجزور وسقى به اللبن(١) .

وفي موقف مفعم باللطف والإنسانية والحنان جعل العتق رداً للتحية، فقد روى عن أنس أنّه قال: كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحان فحيّته بها، فقال لها: أنت حرّة لوجه الله تعالى. وانبهر أنس وقال: جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟! فقالعليه‌السلام : كذا أدّبنا الله، قال تبارك وتعالى:( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) ، وكان أحسن منها عتقها(٢) .

ومن كرمه وعفوه أنّه وقفعليه‌السلام ليقضي دين أسامة بن زيد وليفرّج عن همّه الذي كان قد اعتراه وهو في مرضه(٣) ، رغم أنّ أسامة كان قد وقف في الصفّ المناوئ لأبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ووقف ذات مرّة سائل على باب الحسينعليه‌السلام وأنشد قائلاً:

لم يخب الآن من رجاك

حرّك من دون بابك الحلقة

أنت جواد أنت معتمد

أبوك قد كان قاتل الفسقة

فأسرع إليه الإمام الحسينعليه‌السلام وما أن وجد أثر الفاقة عليه حتّى نادى بقنبر وقال متسائلاً: ما تبقّى من نفقتنا؟ قال: مائتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك، فقالعليه‌السلام : هاتها فقد أتى مَن هو أحقّ بها منهم، فأخذها ودفعها إلى السائل معتذراً منه، وأنشد قائلاً:

خذها فإنّي إليك معتذر

واعلم بأنّي عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصاً

أمست سمانا عليك مندفقة

____________________

(١) حياة الإمام الحسين: ١ / ١٢٨ عن عيون الأخبار.

(٢) كشف الغمّة: ٢ / ٣١، والفصول المهمة: ١٦٧.

(٣) بحار الأنوار: ٤٤ / ١٨٩، ومناقب آل أبي طالب: ٤ / ٦٥.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وإن انفتح فوقها ، أو عليها ، لم ينقض إن كان الخارج نادراً كالحصى وإن كان نجاسة كالعذرة فقولان : أقواهما : العدم(1) .

الثاني : لو خرج من أحد السبيلين دود ، أو غيره من الهوام ، أو حصى أو دم غير الثلاثة ، أو شعر ، أو حقنة ، أو أشياف ، أو دهن قطره في إحليله ، لم ينقض ، إلّا أن يستصحب شيئاً من النواقض ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال مالك وداود(2) لأنّه نادر فأشبه الخارج من غير السبيلين ، وللأصل ، ولمّا تقدم من الأحاديث.

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والشافعي ، والثوري ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق وأبو ثور : إنّه ناقض ، لعدم انفكاكه من البلة(3) . وهو ممنوع.

الثالث : الريح إنّ خرج من قبل المرأة نقض ، لأنّ له منفذاً إلى الجوف ، وكذا الآدر(4) أما غيرهما فإشكال ـ وبه قال الشافعي(5) ـ لعموم النقض(6) بخروج الريح.

وقال أبو حنيفة : لا ينقض خروج الريح من القبل(7) .

__________________

1 ـ المجموع 2 : 8 ، الوجيز 1 : 15 ، مغني المحتاج 1 : 33 ، فتح العزيز 2 : 13 ، 14.

2 ـ بداية المجتهد 1 : 34 ، شرح فتح القدير 1 : 33 ، المدونة الكبرى 1 : 10 ، عمدة القارئ 3 : 47 ، الشرح الصغير 1 : 52 ، 53 ، المجموع 2 : 7 ، فتح العزيز 2 : 10.

3 ـ اللباب 1 : 11 ، بدائع الصنائع 1 : 25 ، الهداية للمرغيناني 1 : 14 ، شرح فتح القدير 1 : 48 ، ألام 1 : 17 ، المجموع 2 : 4 و 6 ، مغني المحتاج 1 : 32 ، عمدة القارئ 3 : 47 ، فتح العزيز 2 : 10 ، المبسوط للسرخسي 1 : 83 ، المغني 1 : 192.

4 ـ الآدر : من يصيبه فتق في إحدى خصييه. مجمع البحرين 3 : 203.

5 ـ الاُم 1 : 17 ، المجموع 2 : 4 ، الوجيز 1 : 15 ، فتح العزيز 2 : 9.

6 ـ اُنظر على سبيل المثال : الكافي 3 : 36 / 6.

7 ـ اللباب 1 : 11 ، فتح العزيز 2 : 9 ، المجموع 2 : 8 ، المبسوط للسرخسي 1 : 83.

١٠١

الرابع : لو ظهرت مقعدته وعليها شيء من العذرة ثم خفيت ، ولم ينفصل شيء ، ففي النقض إشكال ، ينشأ من صدق الخروج ، ومن عدم الانفصال.

الخامس : الخنثى المشكل إذا بال فحكمه حكم ما لو كانت الثقبة دون المعدة ، ولم ينسد المخرج فعندنا ينقض ، وللشافعي قولان(1) لجواز أن يكون ذلك المخرج ثقبة زائدة.

مسألة 28 : النوم الغالب على السمع والبصر ناقض عند علمائنا أجمع ، وهو قول أكثر أهل العلم ، لقولهعليه‌السلام : ( العين وكاء السه ، من نام فليتوضأ )(2) وقال الصادقعليه‌السلام : « لا ينقض الضوء إلّا حدث ، والنوم حدث »(3) .

وحكي عن أبي موسى الاشعري ، وأبي مجلز ، وحميد الاعرج ، أنّه لا ينقض(4) ، وعن سعيد بن المسيب ، أنّه كان ينام مضطجعاً مراراً ينتظر الصلاة ، ثم يصلّي ولا يعيد الوضوء(5) لأنّه ليس بحدث في نفسه ، والحدث مشكوك فيه.

ونمنع الاُولى لما تقدم.

__________________

1 ـ المجموع 2 : 8 و 10 ، مغني المحتاج 1 : 32.

2 ـ سنن ابن ماجة 1 : 161 / 477 ، سنن ابي داود 1 : 52 / 203 ، مسند أحمد 1 : 111.

3 ـ التهذيب 1 : 6 / 5 ، الاستبصار 1 : 79 / 246.

4 ـ نيل الأوطار 1 : 239 ، المبسوط للسرخسي 1 : 78 ، أحكام القرآن لابن العربي 2 : 559 ، فتح الباري 1 : 251 ، تفسير القرطبي 5 : 221 ، المجموع 2 : 17 ، المغني 1 : 196.

5 ـ المغني 1 : 196.

١٠٢

فروع :

الأول : نوم المضطجع ناقض ، قلّ أو كثر عند كلّ من حكم بالنقض.

ونوم القاعد ناقض عندنا وإن قلّ ، للعموم ، وهو قول المزني ، والشافعي في أحد القولين ، وإسحاق ، وأبوعبيد(1) ، إلّا ابن بابويه منّا ، فانه قال : الرجل يرقد قاعداً لا وضوء عليه ما لم ينفرج(2) ، وهو قول الشافعي وإن كثر اذا كان ممكنا لمقعدته من الأرض ، لأنّ الصحابة كانوا ينامون ثم يقومون فيصلون من غير وضوء(3) ، وليس بحجة لإمكان السنة.

وقال مالك ، وأحمد ، والثوري ، وأصحاب الرأي : إن كان كثيراً نقض وإلّا فلا(4) .

وأما نوم القائم ، والراكع ، والساجد فعندنا أنّه ناقض ، وبه قال الشافعي في الجديد ، وأحمد في إحدى الروايتين(5) للعموم ، والثانية : أنّه لا ينقض ، وبه قال الشافعي في القديم(6) .

وقال أبو حنيفة : النوم في كلّ حال من أحوال الصلاة غير ناقض ، وإن

__________________

1 ـ مختصر المزني : 4 ، نيل الأوطار 1 : 239 ، المحلى : 223 ، عمدة القارئ 3 : 109 ، المهذب للشيرازي 1 : 30 ، فتح الباري 1 : 251.

2 ـ الفقيه 1 : 38 / 144.

3 ـ المجموع 2 : 14 ، الوجيز 1 : 16 ، الاُم 1 : 12 ، سبل السلام 1 : 96 ، مغني المحتاج 1 : 34 ، فتح العزيز 1 : 21 ، المحلى 1 : 225.

4 ـ نيل الأوطار 1 : 239 ، المبسوط للسرخسي 1 : 78 ، المحلى 1 : 225 ، المجموع 2 : 17 ، المدونة الكبرى 1 : 9 ، مسائل الامام أحمد : 13 ، مقدمات ابن رشد 1 : 44 ، فتح العزيز 2 : 25 ، فتح الباري 1 : 251 ، بداية المجتهد 1 : 37 ، القواعد في الفقه الاسلامي : 342.

5 ـ نيل الأوطار 1 : 240 ، المبسوط للسرخسي 1 : 78 ، الاُم 1 : 13 ، بداية المجتهد 1 : 36 ، بدائع الصنائع 1 : 31 ، عمدة القارئ 3 : 110 ، فتح العزيز 2 : 24 ، المغني 1 : 197.

6 ـ المجموع 2 : 18 ، فتح العزيز 2 : 24 ، المغني 1 : 198.

١٠٣

كثر ، وهو أضعف أقوال الشافعي(1) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا نام العبد في سجوده باهى الله تعالى به ملائكته ، يقول : عبدي روحه عندي وجسده ساجد بين يدي )(2) ، ولا حجة فيه.

الثاني : السُنة ـ وهي ابتداء النعاس ـ غير ناقضة ، لأنّها لا تسمى نوماً ، ولأن نقضه مشروط بزوال العقل.

الثالث : كلّ ما أزال العقل من إغماء ، أو جنون ، أو سكر ، أو شرب مرقد ، ناقض لمشاركته للنوم في المقتضي ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا خفي الصوت فقد وجب الوضوء »(3) .

وللشافعية في السكر قولان ، أضعفهما : عدم النقض ، لأنّه كالصاحي في الحكم فينفذ طلاقه وعتقه ، وإقراره وتصرفاته(4) ، وهو ممنوع.

الرابع : ولو شك في النوم لم تنتقض طهارته ، وكذا لو تخايل له شيء ولم يعلم أنّه منام أو حديث النفس ، ولو تحقق أنّه رؤيا نقض.

مسألة 29 : دم الاستحاضة إن كان قليلاً يجب به الوضوء خاصة ، ذهب إليه علماؤنا ، إلّا ابن أبي عقيل(5) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( المستحاضة تتوضأ لكلّ صلاة )(6) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت

__________________

1 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 78 ، فتح العزيز 2 : 24 و 28 ، نيل الأوطار 1 : 240 ، المجموع 2 : 14 و 18 ، المحلى 1 : 224 ، اللباب 1 : 13 ، شرح فتح القدير 1 : 43.

2 ـ تلخيص الحبير 2 : 26.

3 ـ الكافي 3 : 37 / 14 ، التهذيب 1 : 9 / 14 ، وفيهما عن أبي الحسن (ع).

4 ـ المجموع 2 : 21 ، فتح العزيز 2 : 19.

5 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 28.

6 ـ سنن ابي داود 1 : 81 / 300 ، سنن البيهقي 1 : 348.

١٠٤

وصلت كلّ صلاة بوضوء »(1) .

وقال ابن أبي عقيل : ما لم يظهر على القطنة فلا غسل ولا وضوء(2) وقال مالك : ليس على المستحاضة وضوء(3) .

مسألة 30 : لا يجب الوضوء بشيء سوى ما ذكرناه ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وقد خالف الجمهور في أشياء نحن نذكرها.

الأول : المذي والوذي ـ وهو ما يخرج بعد البول ثخين كدر ـ لا ينقضان الوضوء ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، للأصل ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ علياًعليه‌السلام كان مذاء ، فاستحى أن يسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمكان فاطمةعليها‌السلام ، فأمر المقداد أن يسأله ، فقال : ليس بشيء »(4) .

وقال الجمهور : إنّهما ناقضان(5) إلّا مالكاً فإنه قال : المذي إذا استدام به لا يوجب الوضوء(6) ، لأنّ علياًعليه‌السلام قال : « كنت اكثر الغسل من المذي حتى تشقق ظهري ، فسألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّما يكفيك أن تنضح على فرجك ، وتتوضأ للصلاة »(7) وهو بعد

__________________

1 ـ الكافي : 89 / 2 ، التهذيب 1 : 107 / 277.

2 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 28.

3 ـ بداية المجتهد 1 : 60 ، المغني 1 : 389 ، المحلى 1 : 253 ، المنتقى للباجي 1 : 127.

4 ـ التهذيب 1 : 17 / 39 ، الاستبصار 1 : 91 / 292.

5 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 67 ، الاُم 1 : 39 ، الشرح الصغير 1 : 52 ، المحلى 1 : 232 ، المجموع 2 : 6 ، سبل السلام 1 : 101 ، المدونة الكبرى 1 : 10 ـ 12 ، بداية المجتهد 1 : 34 ، المغني 1 : 194 ـ 195 ، نيل الأوطار 1 : 237 ، عمدة القارئ 3 : 217 ، فتح الباري 1 : 302.

6 ـ بداية المجتهد 1 : 34 ، المجموع 2 : 7 ، المنتقى للباجي 1 : 89.

7 ـ سنن ابي داود 1 : 53 / 206 ، 207 ، سنن النسائي 1 : 111 ، صحيح مسلم 1 : 247 / 303 ، الموطأ 1 : 40 / 53.

١٠٥

التسليم محمول على الاستحباب.

الثاني : القيء لا ينقض الوضوء ، سواء قل أو كثر ، وكذا ما يخرج من غير السبيلين ، كالدم والبصاق والرعاف وغير ذلك ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال في الصحابة عليعليه‌السلام ، وعبدالله بن عباس ، وعبدالله بن عمر ، وعبدالله بن أبي أوفى ، ومن التابعين سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد ، وعطاء ، وطاووس ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، ومكحول ، وهو مذهب ربيعة ، ومالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وداود ،(1) للأصل ، ولقولهمعليهم‌السلام : « لا ينقض إلّا ما خرج من طرفيك الأسفلين ، أو النوم »(2) .

و قال أبو حنيفة : القيء إن كان مل‌ء الفم أوجب الوضوء وإلّا فلا ، وغيره إن كان نجساً خرج من البدن وسال أوجب الوضوء ، وإن وقف على رأس المخرج لم يوجب الوضوء ، وبه قال الأوزاعي ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، إلّا أن أحمد يقول : إن كان الدم قطرة أو قطرتين لم يوجب الوضوء(3) .

وعنه رواية اُخرى : أنّه إنّ خرج قدر ما يعفى عن غسله ـ وهو قدر الشبر ـ لم يجب الوضوء(4) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( من قاء أو قلس فلينصرف وليتوضأ ، وليبن على صلاته ما لم يتكلم )(5) .

____________

1 ـ الاُم 1 : 18 ، المبسوط للسرخسي 1 : 75 ، سنن الترمذي 1 : 145 ، ذيل الحديث 87 ، المغني 1 : 208 ، المجموع 2 : 54 ، فتح العزيز 2 : 2 ، سبل السلام 1 : 106 ، نيل الأوطار 1 : 237 ، الهداية للمرغيناني 1 : 14 ، مقدمات ابن رشد 1 : 70 ، المدونة الكبرى 1 : 18.

2 ـ الكافي 3 : 36 / 6 ، الفقيه 1 : 37 / 137 ، التهذيب 1 : 8 / 12 ، الاستبصار 1 : 79 / 244.

3 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 75 ، شرح فتح القدير 1 : 34 ، اللباب 1 : 11 ـ 12 ، المغني 1 : 209 ، المجموع 2 : 54 ، فتح العزيز 2 : 2 ، نيل الأوطار 1 : 235 و 237 ، رحمة الامة 1 : 15 ، المحلى 1 : 257.

4 ـ المغني 1 : 209 ، الشرح الكبير 1 : 211.

5 ـ سنن الدارقطني 1 : 153 / 11 و 154 / 12.

١٠٦

وهو محمول على غسل الفم ، والاستحباب ، ولأنّه متروك(1) ، لأنّه فعل كثير.

الثالث : مسّ الذكر والدبر لا يوجب الوضوء ، سواء مسّ الباطنين أو الظاهرين ، وكذا لو مسّت المرأة قبلها أو دبرها سواء كان بباطن الكف أو ظاهره ، وسواء مسّ بشهوة أو غيرها ، وسواء كان الفرجان منه أو من غيره ، ذهب إليه أكثر علمائنا(2) ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمار بن ياسر ، وعبدالله بن مسعود ، وابن عباس في إحدى الروايتين ، وحذيفة ، وعمران بن الحصين ، وأبو الدرداء ، وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين ، والحسن البصري ، وقتادة ، والثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه(3) ، للأصل ، ولقولهعليه‌السلام وقد سئل عن مسّ الرجل ذكره بعد الوضوء : ( هل هو إلّا بضعة منه؟ )(4) ، ولقول الصادقعليه‌السلام ـ وقد سئل عن الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة ـ : « لا بأس »(5) ، وما تقدم.

و قال الصدوق : من مسّ باطن ذكره بإصبعه أو باطن دبره انتقض وضوؤه(6) .

وقال ابن الجنيد : من مسّ ما انضم عليه الثقبان نقض وضوؤه ، ومن

____________

1 ـ لم ترد في نسخة ( م ).

2 ـ منهم المفيد في المقنعة : 3 ، والشيخ الطوسي في النهاية : 19 ، والمبسوط 1 : 26 ، والخلاف 1 : 112 مسألة 55 ، وسلار في المراسم : 31 ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي : 126 ، والمحقق الحلّي في المعتبر : 29.

3 ـ المجموع 2 : 42 ، بداية المجتهد 1 : 39 ، نيل الأوطار 1 : 249 ، المبسوط للسرخسي 1 : 66 ، شرح فتح القدير 1 : 48 و 49 ، بدائع الصنائع 1 : 30 ، المحلى 1 : 237.

4 ـ سنن ابي داود 1 : 46 / 182 ، سنن النسائي 1 : 101 ، سنن الدارقطني 1 : 149 / 17.

5 ـ التهذيب 1 : 346 / 1014 ، الاستبصار : 88 / 282.

6 ـ الفقيه 1 : 39 ذيل الحديث 148.

١٠٧

مس ظاهر الفرج من غيره بشهوة تطهّر إن كان محرّماً ، ومن مسّ باطن الفرجين فعليه الوضوء من المحرم والمحلل(1) ، لأنّ عمارا سأل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره ، قال : « نقض وضوء‌ه »(2) ، والطريق ضعيف ، ومحمول على استصحاب نجاسته.

وقال الشافعي : من مسّ ذكراً ببطن كفه وجب عليه الوضوء.

وحكاه ابن المنذر ، عن عمر ، وابن عمر ، وسعد بن أبي وقاص ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وابن عباس.

ومن التابعين عطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن المسيب ، وأبان بن عثمان ، وعروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار ، والزهري ، وأبو العالية ، ومجاهد.

وبه قال مالك ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، والمزني(3) ، لأنّ بسرة بنت صفوان روت أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضأ )(4) ، ومع التسليم يحمل على المس للغسل من البول لأنّه الغالب.

وقال داود : إنّ مسّ ذكر نفسه انتقض ، وان مسّ ذكر غيره لم ينتقض(5) ، لأنّ الخبر ورد فيمن مسّ ذكره.

__________________

1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 29.

2 ـ التهذيب 1 : 348 / 1023 ، الاستبصار 1 : 88 / 284.

3 ـ ألام 1 : 19 ، المجموع 2 : 41 ، مقدمات ابن رشد 1 : 69 ، المبسوط للسرخسي 1 : 66 ، المحلى 1 : 237 ، بداية المجتهد 1 : 39 ، المدونة الكبرى 1 : 8 ، الوجيز 1 : 16 ، كفاية الأخيار 1 : 22 ، فتح العزيز 2 : 37 ـ 38 ، مختصر المزني : 3 ـ 4 ، بدائع الصنائع 1 : 30.

4 ـ الموطأ 1 : 42 / 58 ، سنن ابن ماجة 1 : 161 / 479 ، سنن الدارقطني 1 : 147 / 3 ، سنن البيهقي 1 : 128.

5 ـ المحلى 1 : 235 ، المغني 1 : 204 ، الشرح الكبير 1 : 217.

١٠٨

قال الشافعي : ولو مسّ بغير بطن كفه من ظهر كفه ، أو ساعده ، أو غير ذلك من أعضائه لم ينتقض الوضوء(1) ، للاصل.

وحكي عن عطاء ، والأوزاعي ، وأحمد في إحدى الروايتين : النقض بظهر الكف والساعد ، لأنّه من جملة يده(2) .

قال الشافعي : ولو مسّه بحرف يده ، أو بما بين الاصابع لم ينتقض(3) .

ولو مسّ الذكر بعد قطعه فوجهان عنده(4) ، ولو مسّه من ميّت انتقضت(5) ، وقال إسحاق : لا ينتقض(6) ولا فرق بين الذكر الصغير والكبير(7) .

وقال الزهري ، والأوزاعي ، ومالك : لا يجب بمس الصغير(8) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسّ زبيبة الحسنعليه‌السلام ولم يتوضأ(9) .

قال الشافعي : ولو مسّ الانثيين أو الالية أو العانة لم ينتقض(10) . وعن عروة بن الزبير النقض(11) .

__________________

1 ـ المجموع 2 : 37 و 40 ، الاُم 1 : 20 ، المحلى 1 : 237.

2 ـ المجموع 2 : 41 ، فتح العزيز 2 : 38 ، المحلى 1 : 237 ، المغني 1 : 203 ـ 204.

3 ـ المجموع 2 : 37 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 1 : 67 ـ 68.

4 ـ المجموع 2 : 38 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 63.

5 ـ المجموع 2 : 37 ، الوجيز 1 : 16 ، الاُم 1 : 19 ، مختصر المزني : 4 ، فتح العزيز 2 : 59 ، المغني 1 : 205 الشرح الكبير 1 : 218.

6 ـ المغني 1 : 205 ، الشرح الكبير 1 : 218.

7 ـ المجموع 2 : 37 ، مختصر المزني : 4 ، الاُم 1 : 19 ، فتح العزيز 2 : 60 ، الوجيز 1 : 16.

8 ـ المغني 1 : 204 ، الشرح الكبير 1 : 217 ، الشرح الصغير 1 : 55.

9 ـ فتح العزيز 2 : 60 ، سنن البيهقي 1 : 137.

10 ـ المجموع 2 : 40 ، مغني المحتاج 1 : 35 ، الاُم 1 : 19.

11 ـ المجموع 2 : 40 ، واُنظر سنن البيهقي 1 : 137.

١٠٩

ولو مسّ حلقة دبره أو دبر غيره ، قال الشافعي : انتقض(1) ، وفي القديم : لا ينتقض ، كما ذهبنا إليه ، وبه قال مالك ، وداود ، لأنّه لا يقصد مسّه(2) .

ولو مسّت المرأة فرجها انتقض وضوؤها عند الشافعي(3) ، خلافاً لمالك(4) .

والخنثى المشكل إذا مسّ فرج نفسه ، أو مسّه غيره إنتقض وضوؤه ، إذا تيقنا أن الذي مسّه فرج ، أو لمس من رجل وامرأة ، ومتى جوّزنا غير ذلك فلا نقض ، وإن مسّ نفسه ، فإن مسّ ذكره أو فرجه فلا نقض ، وإن جمع نقض.

وإن مسّه رجل ، فإن مسّ ذكره انتقض ، لأنّه إن كان رجلاً فقد مسّ فرجه ، وإن كان امرأة فقد مسّ موضعا من بدنها ، فإن الزيادة لا تخرجه عن كونه من بدنها ، وإن مسّ الفرج فلا نقض ، لجواز أن يكون رجلاً فقد مسّ خلقة زائدة من بدنه.

وإن مسّه امرأة ، فإن مسّت ذكره فلا نقض ، لجواز أن تكون امرأة فتكون قد مسّت خلقة زائدة من بدنها ، وإن مسّت فرجه انتقض ، لأنّها إنّ كانت امرأة فقد مسّت فرجها ، وإن كان رجلاً فقد مسّت بدنه.

وإن مسّه خنثى ، فإن مسّ ذكره فلا نقض ، لجواز أن يكونا امرأتين ، فتكون إحداهما مسّت بدن الاُخرى ، وإن مسّ فرجه لم ينتقض ، لجواز أن

__________________

1 ـ المجموع 2 : 38 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 58 ، مغني المحتاج 1 : 36.

2 ـ فتح العزيز 2 : 56 ـ 57 ، المدونة الكبرى 1 : 8 ، مقدمات ابن رشد 1. 70 ، الشرح الصغير 1 : 55 ، المجموع 2 : 43 ، المحلى 1 : 237.

3 ـ المجموع 2 : 43 ، الاُم 1 : 20 ، الوجيز 1 : 16 ، المهذب للشيرازي 1 : 31 ، فتح العزيز 2 : 74.

4 ـ المدونة الكبرى 1 : 9 ، المجموع 2 : 43.

١١٠

يكونا رجلين ، فيكون أحدهما مسّ بدن الآخر ، وإن مسّ فرجه وذكره انتقض ، لأنّه لا بدّ وأن يكون أحدهما فرجاً.

وهذا كله ساقط عنّا.

ولو مسّ فرج البهيمة فللشافعي قولان ، أحدهما : النقض ، وبه قال الليث ابن سعد(1) .

ا لرابع : مسّ المرأة لا يوجب الوضوء ، بشهوة كان أو بغيرها ، أي موضع كان من بدنها ، بأي موضع كان من بدنه ، سوى الفرجين ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وابن عباس ، وعطاء ، وطاووس ، وأبو حنيفة ، وأصحابه(2) للأصل ، وللاحاديث السابقة ، ولمّا روت عائشة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل امرأة من نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ(3) .

وقال الشافعي : لمس النساء يوجب الوضوء ، بشهوة كان أو بغير شهوة ، أي موضع كان من بدنه بأي موضع كان من بدنها ، سوى الشعر ، وبه قال ابن مسعود ، وابن عمر ، والزهري ، وربيعة ، ومكحول ، والأوزاعي(4) لقوله تعالى :( أو لمستم النساء ) (5) وحقيقة اللمس باليد ،

____________

1 ـ الاُم 1 : 19 ، المجموع 2 : 38 و 43 ، مغني المحتاج 1 : 36 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 58 ـ 59.

2 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 67 ، نيل الأوطار 1 : 244 ، بداية المجتهد 1 : 38 ، المجموع 2 : 30 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 369 ، بدائع الصنائع 1 : 30 ، التفسير الكبير 11 : 168 ، تفسير القرطبي 5 : 223 ـ 224.

3 ـ سنن ابن ماجة 1 : 168 / 502 ، سنن ابي داود 1 : 46 / 179 ، سنن النسائي 1 : 104 ، سنن الدارقطني 1 : 135 / 5.

4 ـ المجموع 2 : 26 و 30 ، الاُم 1 : 15 ، بداية المجتهد 1 : 37 ، المبسوط للسرخسي 1 : 67 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 369 ، تفسير القرطبي 5 : 224 ، التفسير الكبير 11 : 168 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 29 ، المغني 1 : 220 ، الشرح الكبير 1 : 219.

5 ـ النساء : 43 ، المائدة : 6.

١١١

وهو ممنوع عرفاً.

وقال مالك ، وأحمد ، وإسحاق : إنّ لمسها بشهوة انتقض وضوؤه وإلّا فلا ، وحكاه ابن المنذر عن النخعي ، والشعبي ، والحكم ، وحماد ، لأنّ اللمس بغير شهوة لا يحرم في الاحرام ، والصوم ، فكان كالشعر(1) ، وقال داود : إنّ قصد لمسها انتقض ، وإلّا فلا(2) .

ولمس الشعر ، أو من وراء حائل لا ينقض عند الشافعي(3) ، وقال مالك : ينقضان إن كان بشهوة وإلّا فلا(4) .

وفي لمس ذات المحارم كالام والاُخت عند الشافعي قولان(5) ، وفي الكبار والصغار وجهان(6) .

وتنتقض طهارة اللامس في صور النقص كلها ، وفي الملموس قولان(7) .

ولو لمس يداً مقطوعة أو عضواً فلا نقض(8) ، ولو مسّ ميتة فلاصحابه قولان(9) .

__________________

1 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 67 ، مقدمات ابن رشد 1 : 66 ، المجموع 2 : 30 ، المحلى 1 : 248 ، تفسير القرطبي 5 : 224 ، بدائع الصنائع 1 : 30 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 369 ، المغني 1 : 219.

2 ـ المحلى 1 : 244 ، المجموع 2 : 30.

3 ـ المجموع 2 : 27 ، الاُم 1 : 16 ، تفسير القرطبي 5 : 225.

4 ـ الشرح الصغير 1 : 54 ، المجموع 2 : 30 ـ 31 ، تفسير القرطبي 5 : 226 ، مقدمات ابن رشد 1 : 66 ـ 67.

5 ـ المجموع 2 : 27 ، فتح العزيز 2 : 32 ، بداية المجتهد 1 : 37 ، تفسير القرطبي 5 : 226.

6 ـ تفسير القرطبي 5 : 226 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 32.

7 ـ المجموع 2 : 26 ، الوجيز 1 : 16 ، بداية المجتهد 1 : 37 ، فتح العزيز 2 : 33.

8 ـ المجموع 2 : 29 ، فتح العزيز 2 : 31.

9 ـ الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 32.

١١٢

ا لخامس : القهقهة لا تنقض الوضوء ، وإن وقعت في الصلاة لكن تبطلها ، ذهب إليه أكثر علمائنا(1) ـ وبه قال جابر وأبو موسى الاشعري ، ومن التابعين القاسم بن محمد ، وعروة ، وعطاء ، والزهري ، ومكحول ، ومالك ، وبه قال الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور(2) ـ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( الضحك ينقض الصلاة ، ولا ينقض الوضوء )(3) ، وقول الصادقعليه‌السلام : « ليس ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك »(4) الحديث.

وقال ابن الجنيد منّا : من قهقه في صلاته متعمّداً لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته ، وأعاد وضوء‌ه(5) ، لرواية سماعة ، قال : سألته عما ينقض الوضوء ، إلى أن قال : « والضحك في الصلاة »(6) ، وهي مقطوعة ضعيفة السند.

وقال أبو حنيفة : يجب الوضوء بالقهقهة في الصلاة ، وهو مروي عن الحسن ، والنخعي ، وبه قال الثوري ، وعن الأوزاعي روايتان(7) لأنّ أبا العالية الرياحي روى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي ، فجاء ضرير

____________

1 ـ منهم المحقق الحلّي في المعتبر : 30 ، وابن حمزة في الوسيلة : 53 ، وسلار في المراسم : 40 ، وابن البراج في المهذب 1 : 49 ، والشيخ في الخلاف 1 : 126 مسألة 62.

2 ـ المجموع 2 : 60 ، الوجيز 1 : 15 ، بدائع الصنائع 1 : 32 ، المغني 1 : 201 ، الشرح الكبير 1 : 226 ، الهداية للمرغيناني 1 : 15 ، المنتقى للباجي 1 : 65 ، مسائل أحمد : 13.

3 ـ سنن الدارقطني 1 : 173 / 58.

4 ـ التهذيب 1 : 16 / 36.

5 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 30.

6 ـ التهذيب 1 : 12 / 23 ، الاستبصار 1 : 83 / 262.

7 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 77 ، بداية المجتهد 1 : 40 ، الهداية للمرغيناني 1 : 15 ، المجموع 2 : 61 ، المغني 1 : 201 ، بدائع الصنائع 1 : 32 ، اللباب 1 : 13 ، فتح العزيز 2 : 3.

١١٣

فتردّى في بئر فضحك طوائف من القوم فأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين ضحكوا أن يعيدوا الوضوء والصلاة(1) ، وهو مرسل ، قال ابن سيرين : لا تأخذوا بمراسيل الحسن وأبي العالية فانهما لا يباليان عمّن أخذا(2) .

ا لسادس : لا وضوء من أكل ما مسته النار ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وجماعة من الصحابة ، وعامة الفقهاء(3) .

وحكي عن عمر بن عبد العزيز ، وأبي قلابة ، وأبي مجلز ، والزهري ، والحسن البصري أنهم كانوا يتوضؤون منه(4) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( توضؤوا مما مسته النار )(5) ، وهو منسوخ ، لأنّ جابر بن عبد الله قال : كان آخر الأمرين من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك الوضوء مما مسّت النار(6) .

ا لسابع : أكل لحم الجزور لا يوجب الوضوء ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وهو قول أكثر العلماء(7) ـ للأصل ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________

1 ـ سنن الدارقطني 1 : 163 / 5 و 6 ، سنن البيهقي 1 : 146.

2 ـ سنن الدارقطني 1 : 171 / 44 ـ 45 ، سنن البيهقي 1 : 146.

3 ـ الاُم 1 : 21 ، المبسوط للسرخسي 1 : 79 ، بداية المجتهد 1 : 40 ، المجموع 2 : 57 ، فتح العزيز 2 : 4 ، نيل الأوطار 1 : 262 ، المحلى 1 : 241 ، الوجيز 1 : 15 ، مسائل الامام أحمد : 15 ، عمدة القارئ 3 : 104 ، مجمع الزوائد 1 : 251 ، الموطأ 1 : 26 / 22 ، سنن الترمذي 1 : 116 / 79.

4 ـ المجموع 2 : 57 ، المحلى 1 : 243 ، نيل الأوطار 1 : 253 ، عمدة القارئ 3 : 104. المغني 1 : 216 ـ 217.

5 ـ صحيح مسلم 1 : 273 / 352 و 353 ، سنن البيهقي 1 : 155 و 157 ، سنن النسائي 1 : 105 ، سنن ابن ماجة 1 : 164 / 486 ـ 487.

6 ـ سنن ابي داود 1 : 49 / 192 ، سنن النسائي 1 : 108 ، سنن البيهقي 1 : 155 ـ 156.

7 ـ المجموع 2 : 57 ، المبسوط للسرخسي 1 : 79 ، نيل الأوطار 1 : 252 ، سنن الترمذي 1 : 125 ذيل الحديث 81 ، المغني 1 : 211 ، الشرح الكبير 1 : 222.

١١٤

قال : ( الوضوء مما يخرج لا مما يدخل )(1) .

و للشافعي قولان ، القديم : النقض ـ وبه قال أحمد(2) ـ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل أيتوضأ من لحوم الإبل؟ فقال : ( نعم )(3) ، ولو سلم حمل على غسل اليد.

الثامن : الردة لا تبطل الوضوء ، للأصل ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك »(4) ، الحديث.

وقال أحمد : ينقض(5) لقوله تعلى :( لئن أشركت ليحبطن عملك ) (6) وهو مقيد بالموافاة.

التاسع : حكي عن مجاهد ، والحكم ، وحماد ، أن في قص الشارب وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط الوضوء ، بغير حجة ، وأنكره جمهور العلماء(7) .

تنبيه : كلّ ما أوجب الوضوء فهو بالعمد والسهو سواء بلا خلاف.

____________

1 ـ سنن الدارقطني 1 : 151 / 1 ، سنن البيهقي 1 : 116.

2 ـ المجموع 2 : 57 ، بداية المجتهد 1 : 40 ، نيل الأوطار 1 : 252 ، سبل السلام 1 : 107 ، كشاف القناع 1 : 130 ، مسائل الامام أحمد : 15 ، عمدة القارئ 3 : 104 ، المغني 1 : 211 ، الشرح الكبير 1 : 222.

3 ـ صحيح مسلم 1 : 275 / 360 ، سنن البيهقي 1 : 158.

4 ـ الكافي 3 : 35 / 1 ، التهذيب 1 : 10 / 17 و 16 / 36 ، الاستبصار 1 : 86 / 271.

5 ـ المجموع 2 : 61 ، المغني 1 : 200 ، الشرح الكبير 1 : 225.

6 ـ الزمر : 65.

7 ـ المغني 1 : 229 ، الشرح الكبير 1 : 228.

١١٥
١١٦

الفصل الثاني : في آداب الخلوة

يستحب الاستتار عن العيون ، لأنّ جابراً قال : خرجت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر ، فإذا هو بشجرتين بينهما أربعة أذرع ، فقال : ( يا جابر انطلق إلى هذه الشجرة فقل : يقول لك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما ) فجلس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلفهما ، ثم رجعتا إلى مكانهما(1) .

ويجب ستر العورة لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( احفظ عورتك ، إلّا من زوجتك أو ما ملكت يمينك )(2) ، وقول الصادقعليه‌السلام : « لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه »(3) .

و العورة هي القُبل والدبر ، لقول الكاظمعليه‌السلام : « العورة عورتان : القُبل والدبر »(4) .

مسألة 31 : المشهور بين علمائنا تحريم استقبال القبلة واستدبارها حالة

__________________

1 ـ سنن البيهقي 1 : 93.

2 ـ سنن الترمذي 5 : 110 / 2794 ، مسند أحمد 5 : 3 ، مستدرك الحاكم 4 : 180 ، سنن البيهقي 1 : 199.

3 ـ التهذيب 1 : 374 / 1149.

4 ـ الكافي 6 : 501 / 26 ، التهذيب 1 : 374 / 1151.

١١٧

البول والغائط ، في الصحارى والبنيان ، ويجب الانحراف في موضع قد بني على ذلك ـ وبه قال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايتين(1) ـ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها )(2) ، وقولهعليه‌السلام : ( إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره ، شرقوا أو غربوا )(3) .

وعن عليعليه‌السلام : « أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها »(4) ولمّا فيه من الاحترام والتعظيم لشعائر الله تعالى.

وقال ابن الجنيد : يستحب ترك الاستقبال والاستدبار(5) ، وبه قال عروة ، وربيعة ، وداود(6) ، لقول جابر : نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستقبل القبلة ببول ، ورأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها(7) ، ويحمل مع التسليم على الاستقبال حالة التنظيف ، إذ لا أقل من الكراهة.

وقال المفيد منّا وسلار : يجوز في البنيان الاستقبال والاستدبار(8) ـ وبه قال ابن عباس ، وابن عمرو ، ومالك ، والشافعي ، وابن المنذر ، وأصح

__________________

1 ـ المجموع 2 : 81 ، المغني 1 : 185 ، نيل الأوطار 1 : 94 ، المحلى 1 : 194 ، فتح الباري 1 : 198 ، عمدة القارئ 2 : 277.

2 ـ صحيح مسلم 1 : 224 / 265.

3 ـ صحيح البخاري 1 : 48.

4 ـ التهذيب 1 : 25 / 64 ، الاستبصار 1 : 47 / 130.

5 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 31.

6 ـ المجموع 2 : 81 ، المغني 1 : 184 ، عمدة القارى 2 : 278 ، فتح الباري 1 : 198 ، نيل الأوطار 1 : 94.

7 ـ سنن ابي داود 1 : 4 / 13 ، سنن ابن ماجة 1 : 117 / 325 ، سنن الترمذي 1 : 15 / 9.

8 ـ المقنعة : 4 ، المراسم : 32.

١١٨

الروايتين عن أحمد(1) ـ لأنّ الكاظمعليه‌السلام كان في داره مستراح إلى القبلة(2) ، ولا حجة فيه لاحتمال شرائها كذلك ، وكانعليه‌السلام ينحرف أو له غيره.

ورواية عائشة ـ ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( استقبلوا بمقعدتي القبلة )(3) ـ ضعيفة ، لبرائتهعليه‌السلام من الأمر بالمكروه ، أو المحرم.

وعن أحمد رواية أنّه يجوز استدبار الكعبة في الصحارى والبنيان(4) ، لأنّ ابن عمر قال : رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة(5) ، ويضعف بما تقدم.

مسألة 32 : يكره له أشياء.

الأول : استقبال الشمس والقمر بفرجيه ، لقول الباقر.عليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول »(6) .

الثاني : استقبال الريح بالبول ، لقول الحسن بن عليعليهما‌السلام : « ولا تستقبل الريح »(7) ، ولئلا ترّده الريح إليه.

الثالث : البول في الأرض الصلبة ، لئلا يترشش عليه ، ولقول الصادق

__________________

1 ـ المجموع 2 : 78 ـ 79 ، المغني 1 : 185 ، المدونة الكبرى 1 : 7 ، عمدة القارئ 2 : 278 و 281 ، مقدمات ابن رشد 1 : 64 ، بُلغة السالك 1 : 37.

2 ـ التهذيب 1 : 26 / 66 ، الاستبصار 1 : 47 / 132. وفيهما عن ابي الحسن الرضاعليه‌السلام .

3 ـ سنن ابن ماجة 1 : 117 / 324 ، سنن الدارقطني 1 : 60 / 7 ، مسند أحمد 6 : 137.

4 ـ المجموع 2 : 81 ، الإنصاف 1 : 101 ، نيل الأوطار 1 : 94.

5 ـ صحيح مسلم 1 : 225 / 62 ، سنن الترمذي 1 : 16 / 11.

6 ـ التهذيب 1 : 34 / 91.

7 ـ الفقيه 1 : 18 / 47 ، التهذيب 1 : 33 / 88 ، الاستبصار 1 : 47 / 131.

١١٩

عليه‌السلام : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشد الناس توقيا للبول ، حتى أنّه كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض ، أو إلى مكان يكون فيه التراب الكثير ، كراهية أن ينضح عليه البول »(1) .

الرابع : البول في جحرة الحيوان ، لئلا يؤذيه.

الخامس : البول في الماء الجاري والراكد ، لأنّ علياًعليه‌السلام نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري ، إلّا من ضرورة ، وقال : « إنّ للماء أهلاً »(2) ، وقال الصادقعليه‌السلام : « يكره أن يبول في الراكد »(3) .

السادس : الجلوس في المشارع والشوارع ، وتحت الأشجار المثمرة ، فيضمن على إشكال ، وأفنية الدور ، ومواطن النزال ، ومواضع اللعن وهي : أبواب الدور.

وقال الصادقعليه‌السلام : « قال رجل لعلي بن الحسينعليهما‌السلام : أين يتوضأ الغرباء؟ قال : يتّقى شطوط الأنهار ، والطرق النافذة ، وتحت الأشجار المثمرة ، ومواضع اللعن »(4) .

وسأل أبو حنيفة من الكاظمعليه‌السلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال : « اجتنب أفنية المساجد ، وشطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، وفيء النزال ، ولا تستقبل القبلة ببول ولا غائط ، وارفع ثوبك ، وضع حيث شئت »(5) .

__________________

1 ـ الفقيه 1 : 16 / 36 ، التهذيب 1 : 33 / 87 ، علل الشرائع : 278 باب 186.

2 ـ التهذيب 1 : 34 / 90 ، الاستبصار 1 : 13 / 25 وفيهما ، عن عليعليه‌السلام ، قال : نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

3 ـ التهذيب 1 : 31 / 81 ، الاستبصار 1 : 13 / 23.

4 ـ الكافي 3 : 15 / 2 ، الفقيه 1 : 18 / 44 ، التهذيب 1 : 30 / 78 ، معاني الأخبار : 368 / 1.

5 ـ الكافي 3 : 16 / 5 ، التهذيب 1 : 30 / 79 ، تحف العقول : 411 ، الاحتجاج 2 : 387 ـ 388.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244