النص والاجتهاد

النص والاجتهاد9%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 170733 / تحميل: 8296
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

فصل آخر في السؤال والبيان

إن سألك سائل فقال : ما أول نعمة الله تعالى عليك؟

فقل : خلقه إياي حيا لينفعني.

فإن قال : ولم زعمت أن خلقه إياكُ حياً أول النعم؟

فقل : لأنه خلقني لينفعني ، ولا طريق إلى نيل النفع إلا بالحياة التي يصح معها الإدراك.

فإن قال : ما النعمة؟

فقل : هي المنفعة إذا كان فاعلها قاصداً لها.

فإن قال : فما المنفعة؟

قل : هي اللذة الحسنة ، أو ما يؤدي إليها.

فإن قال : لم اشترطت أن تكون اللذة حسنة به(1) ؟

فقل : لأن من اللذات ما يكون قاتلاً ، فلا يكون حسنا.

فإن قال : لم قلت : أو ما يؤدي إليها؟

فقل : لأن كثيراً من المنافع لا يتوصل إليها إلاّ بالمشاق ، كشرب الدواء الكريه ، والفصد ، ونحو ذلك من الاُمور المؤدية إلى السلامة واللذات ، فتكون. هذه المشاق منافع لما تؤدي إليه في عاقبة الحال.

ولذلك قلنا : إن التكليف نعمة حسنة ، لأن به ينال مستحق النعيم الدائم واللذات.

فإن قال : فما كمال نعم اللّه تعالى؟

فقل : إن نعمه تتجدد علينا في كل حال ، ولايستطاع لها الإحصاء.

فإن قال : فما تقولون في شكر المنعم؟

فقل : هو واجب.

فإن قال : فمن أين عرفت وجوبه؟

__________________

1 ـ ليست في المصدر ، والظاهر أنها زائدة.

٤١

فقل : من العقل وشهادته ، وأوضخ(1) حجته ودلالته ، ووجوب شكر المنعم على نعمته ، مما تتفق العقول عليه ولا تختلف فيه.

فإن قال : فما الشكر اللازم على النعمة؟

فقل : هو الاعتراف بها ، مع تعظيم منعمها.

فإن قال : فهل أحد من الخلق يكافىء نعم اللّه تعالى بشكر ، أو يوفي حقها بعمل؟

فقل : لايستطيع ذلك أحد من العباد ، من قبل أن الشيء إنما يكون كفواً لغيره ، إذا سد مسده ، وناب منابه ، وقابله في قدره ، وماثله في وزنه.

وقد علمنا أنه ليس من أفعال الخلق ما يسد مسد نعم اللّه عليهم ، لاستحالة الوصف للّه تعالى بالإنتفاع ، أو تعلق الحوائج به إلى المجازاة.

وفساد مقال من زعم أن الخلق يحيطون علماً بغاية الانعام من اللّه تعالى عليهم والافضال ، فيتمكنون من مقابلتها بالشكر على الاستيفاء للواجب والاتمام.

فنعلم بهذا تقصير العباد عن مكافاة نعم اللّه تعالى عليهم ، ولو بذلوا في الشكر والطاعات غاية المستطاع ، وحصل ثوابهم في الاخرة تفضلاً من اللّه تعالى عليهم وإحساناً إليهم ، وإنما سميناه استحقاقاً في بعض الكلام ، لأنه وعد به على الطاعات ، وهو الموجب له على نفسه بصادق وعده ، وإن لم يتنأول شرط الاستحقاق على الأعمال ، وهذا خلاف ما ذهبت إليه المعتزلة ، إلاّ أبوالقاسم البلخي فإنه يوافق في هذا المقال ، وقد تناصرت به مع قيام الأدلة العقلية عليه الأخبار.

روى أبوعبيدة الحذاء عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قال الله تعالى : لايتكل العاملون على أعمالهم التي يعطونها لثوابي ، فإنهم لواجتهدوا واتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي ، كانوا مقصرين غير بالغين [ في عبادتهم كنه عبادتي ، فيما يطلبون ](2) من كرامتي ، والنعيم في جناتي ، و(3) رفيع الدرجات العلى في جواري ، ولكن برحمتي فليثقوا ، وفضلي فليرجوا ، وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا فإن

__________________

1 ـ في الكنز : وواضح.

2 ـ ما بين المعقوفبن أثتناه من الكنز.

3 ـ في الأصل : من ، وما أثبتناه من الكنز.

٤٢

رحمتي عند ذلك تدركهم ، وبمنّي ابلغهم رضوان [ ومغفرتي وألبسهم عفوي ](1) » وبعفوي اُدخلهم جنتي ، فإني أنا اللّه الرحمن الرحيم ، بذلك تسميت ».

وعن عطا بن يسار ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : « يوقف العبد ، بين يدي اللّه ، فيقول لملائكته : قيسوا بين نعمي عليه وبين عمله. فتستغرق النعم العمل ، فيقول : هبوا له النعم ، وقيسوا بين الخير والشر منه ، فإن استوى العملان أذهب اللّه الشر بالخير وأدخله الجنة ، وإن كان له فضل أعطاه اللّه بفضله ، وإن كان عليه فضل ـ وهو من أهل التقوى ، ولم يشرك باللّه تعالى ـ فهو من أهل المغفرة ، يغفر اللّه له برحمته إن(2) شاء ويتفضل عليه بعفوه ».

وعن سعد(3) بن خلف ، عن أبي الحسنعليه‌السلام أنه قال له : « عليك بالجد والاجتهاد في طاعة اللّه ، ولا تخرج نفسك من حد التقصيرفي عبادة اللّه وطاعته ، فإن الله تعالى لايعبد حق عبادته ».

* * *

__________________

1 ـ أثبثناه من الكنز.

2 ـ في الاصل : لمن وما اثبتناه من الكنز.

3 ـ في الاصل : سعيد ، وما أثبتناه من الكنز ومعاجم الرجال هو الصواب ، فقد عده الشيخ فيرجاله من أصحاب الكاظمعليه‌السلام ، وقال : واقفي ، أُنظر « رجال الشيخ : 350 رقم 2 ، تنقيح المقال 2 : 12 ، معجم رجال الحديث 8 : 5025 / 58 ».

٤٣

كتاب

( البرهان على ثبوت الايمان )

لأبي الصلاح التقي بن نجم بن عبيدالله الحلبي

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين ، وصلواته على خيرة النبيين محمد وآله الطاهرين وسلم وكرم.

أول فعل مقصود يجب على العاقل ، مما لايخلو منه عنك(1) كمال عقله ، من وجوب النظر المؤدي إلى المعرفة ، لأن الحي عند كمال عقله يجد عليه آثارَ نفع ، من كونه حياً سميعاً بصيراً عاقلا مميزاً قادراً متمكناً ، مدركاً للمدركات منتفعاً بها ، ويجوز أن يكون ذلك نعمة لمنعم.

ويعلم أنها إن كانت كذلك ، فهي أعظم نعمة لانغمار كل نعمة في جنبها ، ويجد في عقله وجوب شكر المنعم ، واستحقاق المدح على فعل الواجب والذم على الإخلال به ، ويجوز أن يستحق من موجده والمنعم عليه مع المدح ثواباَ ومع الذم عقاباً ، ويجد في عقله وجوب التحرز من الضرر اليسير وتحصيل النفع العظيم.

فتجب عليه معرفة من خلقه والنفع له ، ليعلم قصده فيشكره ان كان منعماً ، ولا سبيل إلى معرفته إلا بالنظر في آثارصنعته لوقوعها بحسبها ، ولوكانت لها سبب غيره ، لجاز حصول جميعها لمن لم ينظر وانتفاؤها عن الناظر ، فوجب فعله لوجوب ما لايتم الواجب إلا به.

والواجب من المعرفة شيئان : توحيد وعدل ، وللتوحيد إثبات ونفي.

فالاثبات : اثبات صانع للعالم ـ سبحانه ـ قادر ، عالم ، حي ، قديم ، مدرك ، مريد.

__________________

1 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : عند.

٤٤

والنفي : نفي صفة زائدة على هذه الصفات ، ونفي التشبيه ، ونفي ألادراك عنه ـ تعالى ـ بشيء من الحواس ، ونفي الحاجة ، ونفي قديم ثان شارك في استحقاق هذهالصفات.

والعدل : تنزيه أفعاله عن القبيح ، والحكم لها بالحسن.

* * *

٤٥

فصل

« في الكلام في التوحيد »

طريق العلم باثبات الصانع ـ سبحانه ـ أن يعلم الناظر : أن هاهنا حوادث يستحيل حدوثها عن غير محدث.

وجهة ذلك : أن يعلم نفسه وغيره من الأجسام ، متحركاً ساكناً ، ثم مجتمعاً مفترقآَ ، أوضحه ذلك.

فيعلم بتغاير هذه الصفات على الأجسام ، أنها أعيان لها ، لأنها لو كانت صفات لذواتها ، لم يجز تغيرها.

ويعلم بتجددها عن عدم ، وبطلانها عن وجود ، أنها محدثة ، لاستحالة الإنتقال عليها ، من حيث لم تقم بأنفسها ، والكمون المعقول راجع به إلى الانتقال.

فإذا علم استحالة ذلك على هذه الصفات ، علم أن المتجدد منها إنما يجدد عن عدم ، وهذه حقيقة المحدث والمنتفي ، وأن ما انتفى عن الوجود والعدم يستحيل على القديم لوجوب وجوده ، وما ليس بقديم محدث.

فإذا علم حدوث هذه المعاني المغايرة للجسم ، وعلم أنه لابد في الوجود من مكان يختصه مجأوراً لغيره أو مبايناً ، وقتا واحداً أو وقتين ، لابثا فيه أو منتقلاً عنه ـ وقدتقدم له العلم : انه إنما كان كذلك لمعان غيره محدثة علم أنه محدث ، لأنه لو كان قديماً لوجب أن يكون سابقا للحوادث بما لانهاية له.

فإذا علم أنه لاينفك من الحوادث ، علم كونه محدثا ، لعلمه ضرورة بحدوث مالم يسبق المحدث ، ولأنه إذا فكرفي نفسه ـ وغيرها ـ فوجدها كانت نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظماً ، ثم جنيناً ، ثم حيا ، ثم طفلاً ، ثم يافعا ، ثم صبيا ، ثم غلاما ، ثم بالغاً ، ثمشاباً قوياً ، ثم شيخاً ضعيفاً ، ثم ميتاَ.

وأنه لم يكن كذلك إلا بتجدد معان فيه : حرارات ، وبرودات ، ورطوبات ، ويبوسات ، وطعوم ، وألوان ، وأراييح مخصوصة ، وقدر ، وعلوم ، وحياة.

وعلم بطلان كل صفة من هذه الاغيار بعد وجود ، وتجددها عن عدم ، والجواهر التي تركب منها الجسم باقية ، علم أنها صفات مغايرة لها وأنها محدثه ، لاستحالة الكون

٤٦

والانتقال عليها بما قدمناه.

وإذا علم حدوث جواهره ـ وغيره من الجواهر ـ بالاعتبار الأول ، وصفاته بهذه وصفات غيره بالاعتبار الثاني ، ولأنها لا تنفك من المحل المحدث.

وعلم أن في الشاهد حوادث ـ كالبناء والكتابة ـ وأن لها كاتباً وبانياً ، هو من وقعت منه بحسب غيرها ، وانما ذلك مختص بما يجوز حصوله وانتفاؤه ، فلا يحصل إلا بمقتض.

فأما ما وجب فمستغن بوجوبه عن مؤثر منفصل عن الذات ، كتحيز الجوهر ، وحكم السواد.

ولا يجوز خروجه تعالى عن هذه الصفات ، لوجوب الوجود له تعالى في حق كونه قديماً لنفسه ، يجب له وجوده تعالى في كل حال ، وكونها صفات نفسه يجب ثبوتها للموصوف ويستحيل خروجه عنها كل ما وجد ، لكون المقتضي ثانيا(1) وهو النفس ، واستحالة حصول المقتضي وانتفاء مقتضاه.

وبعلمه سبحانه مدركاً إذا وجدت المدركات ، لكونه تعالى يستحيل فيه الآفات والموانع ، بدليل حصول هذا الحكم لكل حي لا آفة به متى وجد المدرك ، وارتفعت الموانع.

وبعلمه سبحانه مريداً لوقوع أفعاله على وجه دون وجه وفي حال دون اخرى ، وذلك مفتقر إلى أمر زائد على كون الحي قادراً عالما ، لكونه صفة للفعل زائدة على مجرد الحدوث والاحكام ، وارادته فعله إذ كونه مريداً لنفسه ، أو معنى قديم يقتضي قدم المرادات ، أو كونه عازما ، وكلا الأمرين مستحيل فيه سبحانه.

والمحدَث لا يقدرعلى فعل الإرادة في غيره ، وقديم ثان نرد(2) برهان نفيه ، فثبت سبحانه مريداً بإرادة يفعلها إلا(3) في محل لاستحالة حلولها فيه أو في غيره ، ولا صفة له سبحانه زائدة على ما علمناه ، لأنه لاحكم لهما ولا برهان بثبوتهما ، واثبات مالا حكم له ولا برهان عليه مفض إلى الجهالات.

وبعلمه سبحانه لايشبه شيئاَ من الأجسام والاعراض ، لقدمه تعالى وحدوث

__________________

1 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : ثابتاً.

2 ـ كذا ، ولعل الصواب : مرّ.

3 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : لا.

٤٧

هذه الأجناس ، لتعذر هذه الأجناس على غيره.

وإذا علمه تعالى فكذلك علم استحالة ادراكه بشيء من الحواس ، لأن الادراك المعقول مختص بالمحدثات.

وعلم كذلك استحالة الاختصاص بالجهات والنقل فيها والمجاوزة والحلول وايجاب الاحكام والاحوال عليه سبحانه ، لكون ذلك من صفات الأجسام والأعراض المباينة له تعالى.

وبعلمه(1) عنها يستحيل عليه الحاجة لاختصاصها باجتلاب النفع ودفع الضرر واختصاص النفع والضر بمن يصح أن يألم ويكد(2) ، واختصاص اللذة والألم بذي شهوة ونفار ، وكونهما معنيين يفتقران إلى فعل ، وذلك لايجوز عليه لحدوث المحل وقدومه(3) سبحانه ، ولخلو الفعل من دليل على اثباته مسهيا(4) أو نافراً.

وإذا علم تخصصه تعالى بهذه الصفات من سائر الموجودات ، علمه(5) تعالى واحدا ، لانهما لوكانا اثنين لوجب اشتراكهما في جميع الصفات الواجبة والجائزة ، وذلك يوجب كون مقدورهما ومرادهما واحداً ، مع حصول العلم الضروري بصحة إرادة أحد المتحيزين ما يكره الاخر أو لا يريده ولا يكرهه ، وقيام البرهان على استحالة تعلق مقدور واحد بقادرين ، وتقديرقديم ثان يقتضي نقض هذا المعلوم.

فثبت أنه تعالى واحدا لا ثاني له ، ولانه لا دليل من جهة العقل على إثبات ثان ، وقد ورد السمع المقطوع بإضافته إليه سبحانه بنفي قديم ثان ، فوجب له القطع على كونه واحد.

* * *

__________________

1 ـ كذا ، ولعل الصواب : وبغناه.

2 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : ويلذ.

3 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : وقدمه.

4 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : مشتهياً.

5 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : علم.

٤٨

 « فصل في مسائل العدل »

ثبوت ما بيناه من كونه تعالى عالماً لايصح أن يجهل شيئاً ، غنياً لا يصح أن يحتاج إلى شيء ، يقتضي كونه سبحانه عادلاً لايخل بواجب في حكمته سبحانه ولا يفعل قبيحاً ، لقبح ذلك وتعذر وقوع القبيح من العالم به وبالغني(1) عنه ، وذلك فرع لكونه قادراً على القبيح.

وكونه تعالى قادرا لنفسه ، يقتضي كونه قادرا على الحسن ، يقتضي كونه قادرا على القييح ، اذ كان الحسن من جنس القبيح ، وذلك مانع من كونه مريدا للقبيح ، لأناقد بينا أنه لا يكون مريداً إلا بإرادة يفعلها ، وإرادة القبيح قبيحة ، لأن كل من علم مريداً للقبيح علم قبح إرادته واستحقاقه الذم ، ومقتض لكونه مريدا لما فعله ـ تعالى ـ وكلَّفه ، لاستحالة فعله مالا غرض فيه ، وتكليفه مالا يريده ، وكارهاَ للقبيح لكونه غيرمريد له (وفساد حلوما كلفه)(2) ، واحسانه من الارادة والكرامة ، لأن ذلك يلحقه بالمباح ، وموجب لكون المكلف قادراً على ما كلفه ـ فعلاً وتركاً ـ من متماثل الأجناس ومختلفها ومضادها قبل وقوع ذلك ، ومزيح لعلته بالتمكين من ذلك والعلم به واللطف فيه ، ومقتض لحسن أفعاله وتكاليفه ، لأن خلاف ذلك ينقض كونه عادلاً وقد أثبتناه.

ولا يعلم كون كل مكلم(3) قادراً لصحة الفعل منه ، ومتعلقا بالمتماثل والمختلف والمتضاد ، لصحة وقوع ذلك من كل قادر.

وفاعلاً لوجوب وقوع التأثيرات المتعلقة به من الكتابة والبناء وغيرهما بحسب أحواله ، ولتوجيه المدح إليه على حسنها والذم على قبحها ، وثبوت القادر على الفعل قبل وقوعه ، لثبوت حاجة المقدور في حال عدمه إلى حال القادر ، واستغنائه في حال وجوده عنها كحال بقائه ، ومتمكناً بالايات(4) من جميع ما يفتقر إليها ، وبكمال العقل من العلم بذوات الأشياء واحكامها ، وبالنظر من العلوم المكتسبة ، بدليل حصول الأول

__________________

1 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : والغني.

2 ـ كذا في الأصل.

3 ـ كذا ، ولعل الصواب : مكلف.

4 ـ كذا ، ولعل الصواب : بالآلات.

٤٩

لكل عاقل ، والثاني لكل ناظر ، ووجوب اصطلاح المريد من غيره ما يعلم أو يظن كونه مؤثراً في اختياره ، ولوجوب تمكينه.

وعلمنا بأنّه تعالى لايخل بواجب في حكمته ، وظهور الغرض الحكمي في أكثرها أوجده سبحانه على جهة التفضل ، وثبوت ذلك على الجملة فيما لايظهر لنا تفصيل المراد به كأفعال سائر الحكماء.

وحسن التكليف لكونه تعريضا لما لايوصل إليه إلا به من الثواب.

وكون التعريض للشيء في حكم ايصاله من حسن وقبح ، لأنه لا حسبة له بحسن التكليف غيره ، وعلمه سبحانه بكفر المكلف أو فسقه لا يقتضي قبح تكليفه ، لكونه تعالى مزيحاً لعلته ومحسنا إليه كإحسانه إلى من علم من حاله انه يؤمن ، اُتي من قبل نفسه فالتبعة عليه دون مكلفه سبحانه.

وحسن جميع ما فعله تعالى من الالام أو فعل بأمره أو إباحته ، لما فيه من الاعتبار المخرج له من العيب ، والعوض الزائد المخرج له عن قبيل الظلم والاساءة ، إلى حيز العدل والاحسان.

ووجوب الانتصاف للمظلوم من الظالم ، لوقوع الظلم عن تمكينه تعالى ، وانكان كارها له تعالى.

ووجوب الرئاسة ، لكون المكلف عندها أقرب من الصلاح ، وأبعد من الفساد.

ووجوب ماله هذه الصفة لكونه لطفاً ، ووقوف هذا اللطف على رئيس لا رئيس له ، لفساد القول بوجود ما لا نهاية له من الرؤساء ، ومنع الواجب في حكمته تعالى.

ولا يكون كذلك إلاّ بكونه معصوما ، كون الرئيس أفضل الرعية وأعلمها لكونه إماما لها في ذلك ، وقبح تقديم المفضول على الفاضل فيما هو أفضل منه فيه.

ووجوب نصبه بالمعجزات والنص المشير.(1) إليه ، لوجوب كونه على صفات لا سبيل إليها إلاّ ببيان علام الغيوب سبحانه.

وهذه الرئاسة قد تكون نبوة ، وقد تكون إمامة ليست بنبوة.

فالنبي هو المؤدي عن اللّه سبحانه بغير واسطة من البشر ، والغرض في تعينه بيان

__________________

1 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : المشير.

٥٠

المصالح من المفاسد.

والدلالة على حسن البعثة لذلك قيام البرهان على وجوب بيان المصالح والمفاسد للمكلّف في حق المكلّف ، فلا بد متى علم سبحانه ماله هذه الصفة من بعثه مبيناً له ، ولابد من الموت(1) المبعوث معصوماً فيما يرد به من حيث كان الغرض في تعينه ليعلم المكلف المصالح والمفاسد من جهته ، فلو جاز عليه الخطأ فيما يؤديه لارتفعت الثقة بادائه ، وقبح العمل بأوامره واجتناب نواهيه.

ولابد من كونه معصوماً من القبائح ، لوجوب تعظيمه على الإطلاق وقبح ذمه ، والحكم بكفر المستخف خيط به مع وجوب ذم فاعل القبيح.

ولا يعلم صدقه إلا بالعجز ، ويفتقر إلى شروط ثلا ثة :

أولها : أن يكون خارقاً للعادة ، لأنه إن كان معتاداً ـ وإن تعذر جنسه ـ كخلق الولد عند الوطء ، وطلوع الشمس من المشرق ، والمطر في زمان مخصوص ، لم يقف على مدع من مدع.

وطريق العلم بكونه خارقاً للعادة ، اعتبار حكمها وما يقع فيها ويميزه من ذلك على وجه لا لبس فيه ، أو بحصول تحد وتوفر دواعي المتحدي وخلوصا(2) وتعذر معارضته.

وثانيها : أن يكون من فعله تعالى ، لأن من عداه سبحانه يصح منه ايثار القبيح فلا يؤمن منه تصديق الكذاب ، وطريق العلم بكونه من فعله تعالى ، أن يكون متعدد الجنس كالجواهر والحياة وغيرهما من الأجناس الخارجة من مقدور المحدثين ، أو يقع بعض الاجناس المختصة بالعباد على وجه لايمكن إضافته إلا إليه سبحانه.

ثالثها : أن يكون مطابقاً للدعوى ، لأنه إن كان منفصلاً عنها لم يكن مدع أولى به من مدع ، وطريق ذلك المشاهدة أو خبرالصادق.

فتمى تكاملت هذه الشروط ثبت كونه معجزا ، إذ (لاصدق من)(3) اقترن ظهوره بدعواه لأنه جار مجرى قوله تعالى : صدق هذا عليَّ فيما يؤديه عني ، وهو تعالى لايصدق الكذابين.

__________________

1 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : كون.

2 ـ كذا ، ولعل الصواب : وخلوصه.

3 ـ كذا ، ولعل الصواب : لا أصدَقَ ممّن.

٥١

فإذا علم صدقه بالمعجز ، وجب اتباعه فيما يدعو إليه ، والقطع على كونه مصلحة ، وينهى(1) عنه والقطع بكونه مفسدة.

ولا طريق إلى نبوة أحد من الانبياءعليهم‌السلام الان ، إلا من جهة نبينا صلوات اللّه عليه وآله ، لانسداد طريق التواتر بشيء من معجزاتهم بنقل من عدا المسلمين لفقد العلم باتصال الأزمنة مشتملة على متواترين فيها بشيءٍ من المعجزات ، وتعذر تعين الناقلين لها.

وطريق العلم بنبوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القران وما عداه من الايات ، ووجه الاستدلال به ، أنه تحداهم به على وجه لم يبق لهم صارف عن معارضته ، فتعذرت على وجه لايمكن اسناده إلى غير عجزهم ، اما لأنه في نفسه معجز ، أو لأن اللّه سبحانه صرفهم عن معارضته ، اذ كل واحد من الأمرين دال على صدقه.

وقد تضمن القران ذكر أنبياء على جهة التفصيل والجملة ، فيجب لذلك ألتدين بنبوتهم ، وكونهم على الصفات التي يجب كون النبي عليها.

وان رسول اللّه صلوات اللّه عليه أفضلهم وخاتمهم والناسخ لشرائعهم ، بشريعة يجب العلم والعمل بها إلى يوم القيامة.

والامام هو الرئيس المتقدم المقتدى بقوله وفعله والغرض في نصبه فيه من اللطف للرعية في تكاليفهم العقلية ، ويجوز أن يكون نائبا عن نبي أو إمام في تبليغ شريعة.

ومتى كان كذلك فلابد من كونه عالما بجميعها ، لقبح تكليفه الاداء وتكليف الرجوع إليه ، مع فقد العلم بما يؤديه ويرجع إليه فيه.

ويجب أن يكون معصوما في ادائه ، لكونه قدوة ، ولتسكن النفوس إليه ، لتسلم بعظمة الواجب خلوصه من الإستخفاف.

ويجب أن يكون عابدا زاهداً لكونه قدوة فيهما ، وإن كان مكلفاً [ ب ](2) جهاد أوجب كونه أشجع الرعية لكونه فئة لهم.

ويجوز من طريق العقل أن يبعث اللّه سبحانه إلى كل واحد من المكلفين نبياً وينصب له رئيساً ويكون ذلك في الأزمنة ، وإنما ارتفع هذا ألجائز في شريعتنا ، بحصول

__________________

1 ـ لعل الصواب : وفيما ينهى.

2 ـ أثبتناه ليستقيم السياق.

٥٢

العلم من دين نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن لا نيي بعده ، ولا إمام في الزمان الا واحد.

ووضح البرهان على تخصيص الإمامة بعده بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، علي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والحجة بن الحسن صلوات اللّه عليهم.

لا إمامة لسواهم ، بدليل وجوب العصمة للأمام فيما يؤديه ومن(1) سائر الصالح(2) ، وكونه أعلم الخلق وأعظمهم وأعدلهم وأزهدهم وأشجعهم ، وتعدى(3) من عاداهم من منتحلي الإمامة من تكامل هذه الصفات دعوى ، وتخصصهمعليهم‌السلام وشيعتهم بدعواها لهم ، في ثبوت النص من الكتاب والسنة المعلومة على إمامتهم ، وتعريهما [ عن ](4) ذلك فيمن عداهم حسب ما ذكرناه في غير موضع ، وذلك مقتض لضلال المتقدم عليهم ، وكفر الشاك في إمامة واحد منهم.

وغيبة الحجةعليه‌السلام ليست بقادحة في إمامته ، لثبوتها بالبراهين التيلا شبهة فيها على متأمل ، وامان المكلف من خطأ به في ظهور فاستتار وغيرهما لعصمته.

ويلزم العلم بجملة الشريعة فعلاً وتركاً لكون ذلك جملة الايمان ، والعلم بتفصيل ما تعين فرضه منها وايقاعه للوجه الذي شرع على جهة القربة ، لكون ذلك شرطاً في صحته ، وبراءة الذمة منه ، واستحقاق الثواب عليه.

وهي على ضروب أربعة : فرائض ، ونوافل ، ومحرمات ، وأحكام.

فجهة وجوب الفرائض كون فعلها لطفاً في فعل الواجب العقلي. وترك القبيح ، وقبح تركها لأنه ترك الواجب.

وجهة الترغيب في السنن ، كونها لطفا في المندوب العقلي ولم يقبح تركها ، وكما لا يقبح ترك ماهي لطف فيه.

وجهه قبح المحرمات ، كونها مفسدة في ترك الواجب وفعل القبيح ، ووجب تركها لأنه ترك القبيح.

__________________

1 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : من.

2 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : المصالح.

3 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : وتعرّي.

4 ـ أثبتناه ليستقيم السياق.

٥٣

وجهة الأحكام ، ليعلم مكلفها الوجه الذي عليه يصح التصرف مما لايصبح.

فوضح ذلك علمنا ضرورة من حال فاعل العبادات الشرعية ومجتنب المحرمات كونه أقرب لنا ، للأنصاف والصدق وشكر النعمة وردّ الوديعة وسائر الواجبات ، والبعد من الظلم والكذب وسائر القبائح.

ومن حال فاعل المحرمات الشرعيات والمخل بالعبادات ، كونه أقرب [ من ](1) القبيح العقلي وابعد من الواجب.

ولا شبهة أن من بلي بالتجارة فلم يعلم أحكام البيوع ، لم يكن على يقين منصحة التملك.

وكذلك من بلي بالإرث مع جهله بأحكام المواريث ، لايكون على ثقة مما يأخذ ويترك.

وكذلك يجري الحال في سائر الأحكام ، وقد استوفينا الكلام في هذا القدح في مقدمة كتاب(2) « العمدة » و « التلخيص » في الفروع ، وفي كتابي « الكافي في التكليف » وفيما ذكرناه هاهنا بلغة ..

ولا طريق إلى اثبات الأحكام الشرعية والعمل بها إلا العلم دون الظن ، لكون التعبد بالشرائع مبنياً على المصالح التي لايوصل إليها بالظن ، ولا سبيل إلى العمل بجملتها إلا من جهة الأئمة المنصوبين لحفظها ، المعصومين في القيام بها ، المأمونين في ادائها ، لحصول العلم بذلك من دينهم لكل مخالط ، وارتفاع الخوف من كذبهم لثبوت عصمتهمعليهم‌السلام .

ولابد في هذه التكليف من داع وصارف ، وذلك مختص بالمستحق عليه من المدح والثواب والذم والعقاب والشكر.

فالمدح : هو القول المنبىء عن عظم حال الممدوح ، وهو مستحق بفعل الواجب والمندوب واجتناب القبيح.

والثواب : هوالنفع المستحق الواقع على جهة التعظيم والتبجيل ، وهو مستحق من الوجوه الثلاثة بشرط المشقة.

__________________

1 ـ أثبتناه ليستقيم السياق.

2 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : كتابي.

٥٤

والذم : هوالقول المنبئ عن إيضاح حال المذموم ، وهو مستحق بفعل القبيح والإخلال بالواجب.

والعقاب : هوالضرب المستحق من الوجهين بشرط زائد.

والشكر : هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم ، وهومستحق بالإحسان خاصة.

والوجه في حسن التكليف ، كونه تعريضاً للثواب الذي من حقه ألا يحسن الابتداء به من دون العلم باستحقاق العقاب ودوامه.

وانما يعلم ان الثواب دائم والعقاب مستحق ودائم بالكفر ، ومنقطع بما دونه ، من جهة السمع.

والمستحق من الثواب ثابت لا يزيله شيء ، لأنه حق واجب في حكمته سبحانه ، لايجوز فيها منعه ، (والا سقوط بندم او زائد)(1) عقائد ، لاستحالة ذلك ، لعدم التنافي بين الثواب وبينهما لعدم الجميع ، وإحالة التنافي بين المعدومات.

وعقاب الفسق يجوز اسقاطه تفضلاً بعفو مبتدأ وعند الشفاعة لجوازه ، وعند التوبة لأنه حق له تعالى إليه قبضه واستيفاؤه ، واسقاطه إحسان إلى المعفو عنه.

وقد ورد الشرع مؤكداً لاحكام العقول ، فمن ذلك تمدحه سبحانه في غير موضع من كتابه بالعفو والغفران ، المختصين باسقاط المستحق في اللغة والشرع.

ولا وجه لهذا التمدح إلا بوجهه(2) إلى فساق أهل الصلاة ، بخروج(3) المؤمنين الذين لا ذنب لهم والكفار عنه باتفاق ، اذ لا ذنب لأولئك يغفر ، والعفو عن هؤلاء غير جائز.

ولأن ثواب المطيع دائم ، فمنع من دوام عقاب ما ليس بكفر ، لإجماع الاُمة على أنه لا يجتمع ثواب دائم وعقاب دائم لمكلف ، وفساد التخالط بين المستحقين مما(4) بيناه.

ولا أحد قال بذلك ، إلا جوز سقوط عقاب العاصي بالعفو ، أو الشفاعة المجمع

__________________

1 ـ كذا في الأصل.

2 ـ كذا ، ولعل الصواب : توجهه.

3 ـ كذا ، ولعل الصواب : لخروج.

4 ـ كذا ، والظا هر أن الصواب : بما.

٥٥

عليها ، ويخصصها بإسقاط العقاب ، ولا يقدح في ذلك خلاف المعتزلة ، لحدوثه بعد انعقاد الاجماع بخلافه.

وآيات الوعيد كلها وآيات الوعيد(1) مشترطة بالعفو ومخصصة بآيات العفو وعموم آيات الوعد ، ولثبوت ثواب المطيع وفساد التخالط ، وكون ذلك موجب التخصيصها بالكفار ان كان وعيدها دواماً أو كون عقابها منقطعا إن كان عاماً ، من حيث كان القول بعمومها للعصاة ودوام عقابها ينافي ماسلف من الأدلة.

والمؤمن : هو المصدق بجملة المعارف عن برهانها ، حسب ما خاطب به من لسان العرب ، المعلوم كون الايمان ـ فيه ـ تصديقا ، والكفر اسم لمن جحد المعارف أو شكفيها أو اعتقدها عن تقليد أو نظر لغير وجهه.

والفسق إسم لمن فعل قبيحا ، أو أخل بواجب من جهة العقل أو السمع ، لكونه خارجاً بذلك عن طاعة مكلفه سبحانه.

والفاسق في اللغة : هوالخارج ، [ و ](2) في عرف الشريعة هوالخارج عن طاعته سبحانه.

ومن جمع بين إيمان وفسق ، مؤمن على الاطلاق فاسق بما اتاه من القبيح ، لثبوت كل واحد منهما ، ومن ثبت إيمانه لا يجوزأن يكفر « لدوام ثواب الإيمان وعقاب الكفر وفساد اجتماعهما لمكلف واحد ، وثبوت المستحق منهما وعدم سقوطه بندم أوتحابط.

وقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ) (3) مختص بمن أظهر الايمان أو اعتقده لغيروجهه ، دون من ثبت إيمانه ، كقوله تعالى :( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ) (4) يعني مظاهرة(5) للإيمان باتفاق ، ومدح المقطوع على إيمانه مطلق مقطوع بالثواب ، والمظهر مشترط بكون الباطن مطابقاً للظاهر واقعا موقعه.

وذم الكافر ولعنه مطلق ، مقطوع له بالعقاب الدائم.

__________________

1 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : الوعد.

2 ـ أثبتناه ليستقيم السياق.

3 ـ النساء 4 : 137.

4 ـ النساء 4 : 92.

5 ـ كذا ، والظاهر انّ الصواب : مظهرة.

٥٦

وذم الفاسق مشترط الا بعفا(1) عن مستحقه ابتداءاً أو عند شفاعة ، وإذا ظهر كفر ممن كان على الإيمان ، وجب الحكم على ما مضى منه على المظاهرة (به النفاق)(2) ، أو كونه حاصلاً عن تقليد ، أو عن نظر لغير وجهه ، لما بيناه من الأدلة الموجبة لذلك.

ولابد من انقطاع التكليف ، والا انتقض الغرض المجرى به إليه من التعريض للثواب ، ولا يعلم بالعقل كيفية انقطاعه وحال(3) أيضاً أو جنسه وكيفية فعله ، وإنمايعلم ذلك بالسمع.

وقد حصل العلم من دينه صلى اللّه عليه ضرورةً ، ونطق القران بأن اللّه تعالى آخر بعد فناء كل شيء ، كما كان أولاً قبل وجود شيء ، حسب ما أخبرسبحانه من قوله :( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ) (4) ينشؤهم بعد ذلكُ ويحشرهم ليوم لا ريب فيه ، مستحق الثواب خالصاً والعقاب الدائم ، ليوصل كلاً منهما إلى مستحقه على الوجه الذي نص عليه تعالى ، ومن اجتمع له الاستحقاقان فإن(5) يستوفي منه سبحانه ما يستحقه من العقاب ، أو يعفو عنه ابتداءاً ، أو عند شفاعة ، ثم يوصله إلى ثواب إيمانه وطاعاته الدائم والمولم(6) به تعالى أو بغيره ، ليوصله إلى ما يستحقه من العوض عليه تعالى أوعلى غيره ، ثم يدخله الجنة إنكان من أهلها أو النار ، أو يبقيه ، أو يحرمه إن كان ممن لا يستحقها من البهائم والأطفال والمجانين ومن لا يستحق العوض ، ليتفضل عليه.

وهذا ـ اجمع ـ جائز من طريق العقل لتعلقه بمبتدئهم تعالى ، والنشأة الثانية أهون من الأولى ، وهي واجبة لما بيناه من وجوب ايصال كل مستحق إلى مستحقه من ثواب أو عقاب أو عوض.

ولا تكليف على أهل الآخرة باجماع ، ولأن العلم بحضور المستحق من الثواب والعقاب وفعله عقيب الطاعة والمعصية ملج ، والالجاء ينافي التكليف ، وأهل الآخرة

__________________

1 ـ كذا ، والظاهر ان الصواب : باعفاء.

2 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : بالنفاق.

3 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : وحاله.

4 ـ الحد يد 57 : 3.

5 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : فإنه.

6 ـ كذا.

٥٧

عالمون باللّه تعالى ضرورةً ، ليعلم المثاب والمعاقب والمعوض وصوله إلى ما يستحقه على وجهه ، ويعلم المتفضل عليه كون ذلك النفع نعمة له تعالى.

وقلنا أن هذه المعرفة ضرورية ، لأنا قد بينا سقوط تكليف أهل الآخرة ، فلم يبق مع وجوب كونهم عارفين إلا كون المعرفة ضرورية.

هذه جمل يقتضي كون العارف بها موقناً مستحقا للثواب الدائم وايصاله ، إليه ، ومرجوله العفو عما عداهما من الجوائر(1) . ويوجب كفر من جهلها ، أوشيئاً منها ، أوشك فيها ، أو اعتقدها عن غير علم ، أو شيئاً منها ، أو لغير وجهها ، قد قربناها بغاية وسعنا ، من غير اخلال بشيء يؤثر جهله في ثبوت الايمان لمحصلها ، وإلى اللّه سبحانه الرغبة في توفير حظنا ـ ومن تأملها أو عمل بها ـ من ثوابه وجزيل عفوه ، بجوده وكرمه انه قريب مجيب. تم الكتاب.

* * *

__________________

1 ـ كذا ، والظاهر ان الصواب : الجرائر.

٥٨

ومن خطبة له في التوحيد(1)

ما وحّده من كيّفه ، ولا حقيقتَهُ أصاب من مثّله ، ولا إياه عنى من شبّهه ، ولاصمده من أشارإليه وتوهمه ، كل معروف بنفسه مصنوع ، وكل قائم في سواه معلول ، فاعل لا باضطراب آلةٍ ، مقدر لابجول فكرة ، غنيْ لا باستفادة ، لم لا تصحبه الأوقات ، ولا ترفده الأدوات ، سبق الأوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء ازله ، بتشعيره المشاعر عرف ألاّ مشعرله ، وبمضادته بين الاُمور عرف ألا ضد له ، وبمقارنته بين الأشياء عرف الاّقرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والوضوح بالبهيمة ، والجمود بالبلل ، والحرور بالصرد ، مؤلفبين متعادياتها ، مقارن(2) بين متبايناتها ، مقرب بين متباعداتها ، مفرق بين متدانياتها ، لا يُشمل(3) بحد ، ولايحسب بعد ، وأنما تحد الادوات أنفسها ، وتشير الآلات(4) إلى نظائرها ، منعتها (منذ) القدمية ، وحمتها (قد) الأزلية ، وجنبتها (لولا) التكملة ، [ بها ](5) تجلى صانعها للعقول ، و(6) بها امتنع عن نظر العيون ، لايجري عليه السكون والحركة ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه؟ ويعود فيه ما هو ابداه؟ ويحدث فيه ما هو أحدثه؟ إذاً لتفاوتت ذاته ، ولتجزأ كنهه ، ولامتنع من إلأزل معناه ، لو كان له وراء لوجد له امام ، ولا لتمس التمام اذ لزمه النقصان ، وإذاً لقامت آية المصنوع فيه ، ولتحول دليلاً بعد أن كان مدلولاً [ عليه ](7) ، وخرج بسلطان إلامتناع من أن يؤثر [ فيه ما يؤثر ](8) في غيره ، الذي لايحول(9) ولا يزول ، ولا يجوزعليه الافوال ، لم يلدفيكون مولوداً ، ولم يولد فيكون(10) محدوداً ، جل عن اتخاذ الأبناء ، وطهرعن ملامسة النساء.

__________________

1 ـ رواها الشريف الرضي في نهح البلاغة 2 : 142 / 181 ، وقال : وتجمع هذه الخطبة من أصولالعلم مالا تجمعه خطبة غيرها.

2 ـ في الأصل : مقارب ، وما أثبتناه من النهج.

3 ـ في الأصل : لايشتمل ، وما أثبتناه من النهج.

4 ـ في النهج : الالة.

5 ـ أثبتناه من النهج.

6 ـ في الأصل : في ، وما أثبتناه من النهج.

7 ـ 8 ـ أثبتناه من النهج.

9 ـ في الأصل : لايحرك ، وما أثبتناه من النهج.

10 ـ في النهج : فيصير.

٥٩

لا تناله الأوهام فتقدره ، ولا تتوهمه الفطن فتصوره ، ولا تدركه الحواس فتحسه ، ولا تلمسه الأيدي فتمسه ، لايتغير بحال ، ولا يتبدل بالأحوال(1) ، لاتبليه الليالي والأيام ، ولا يغيره الضياء والظلام ، ولا يوصف بشيء من الاجزاء ، ولا بالجوارح والأعضاء ، ولا بعرض من الأعراض ، ولا بالغيرية والابعاض.

ولا يقال له حد(2) ولا نهاية ، ولا انقطاع ولا غاية ، ولا ان الأشياء تحويه فتقله أوتهويه ، أو ان شيئاً يحمله فيميله أو يعدله ، ليس في الأشياء بوالج ولا عنها بخارج ، يخبر بلا لسان ولهوات ، ويسمع بلا خروق وأدوات ، يقول ولا يلفظ ، ويحفظ ولا يتحفظ ، ويريد ولا يضمر ، يحب ويرضى من غير رقة ، ويبغض ويغضب من غير مشقة.

يقول لما(3) أراد كونه كن فيكون ، لابصوت يقرع ، ولانداء(4) يسمع ، وإنما كلامه(5) فعل منه أنشأه ومثله ، لم يكن من قبل ذلك كائناً ، ولوكان قديما لكان إلهاً ثانيأ لايقال كان بعد أن لم يكن فتجرى عليه الصفات المحدثات ، ولا يكون بينها وبينه فصل [ ولا له عليها فضل ، فيستوي الصانع والمصنوع ، ويتكافأ المبتدىء والبديع ](6) .

خلق الخلائق على غير(7) مثال خلا من غيره ، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه.

وأنشأ الارض فأمسكها من غير اشتغال ، وأرساها على غيرقرار ، وأقامها بغير قوائم ، ورفعها بغير دعائم ، وحصنها من الأود والإعوجاج ، ومنعها من التهافت والانفراج ، أرسى أوتادها ، وضرب أسدادها ، واستفاض عيونها ، وخد أوديتها ، فلميهن ما بناه ، ولا ضعف ماقواه ، هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته ، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته ، والعالي [ على ](8) كل شيء منها بجلاله وعزته ، لا يعجزه شيء منها يطلبه(9) ،

__________________

1 ـ في الأصل ، : من الأحوال ، وما أثبتناه من النهج.

2 ـ في الأصل : عد ، وما أثبتناه من النهج.

3 ـ في النهج : لمن.

4 ـ في النهج : ولا بنداء.

5 ـ في النهج زيادة : سبحانه.

6 ـ أثبتناه من النهج.

7 ـ في الأصل : خير ، وما أثبتناه من النهج.

8 ـ أثبتناه من النهج.

9 ـ في النهج : طلبه.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

فما طلب الرحمن أجرا علي الهدى

بتبليغه إلا المودة في القربى(١١١)

وقال العلامة النبهاني في كتابه الشرف المؤبد.

آل طه يا آل خير نبي

جدكم خيرة وأنتم خيار

أذهب الله عنكم الرجس أهل ال

بيت قدما فأنتم الأطهار

لم يسل جدكم علي الدين أجرا

غير ود القربى ونعم الاجار(١١٢)

وأيضا فان الزهراء لبرة الأبرار الذين قال الله عزوجل عنهم( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا ) الآيات(١) لي آخرها(١١٣) .

____________________

(١١١) الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٠١ ط الميمنية، إسعاف الراغبين للصبان بهامش نور الأبصار ص ١١٧.

(١١٢) الشرف المؤبد للنبهاني

(١) أجمع أصحابنا الإمامية تبعا لائمتهم علي ان هذه الآيات انما نزلت في شأن علي وفاطمة والحسن والحسين بسبب صدقة منهم آثروا بها المسكين واليتيم والأسير علي أنفسهم في ثلاث ليال متوالية لم يذوقوا فيها الا الماء وصاموا أيامها الثلاثة وفاءا بنذرهم. والقضية هذه أرسلها الزمخشري في سورة الدهر من كشافه عن ابن عباس وأخرجها بالإسناد إليه كل من الإمام الواحدي في كتابه البسيط، والإمام أبى إسحاق الثعلبي في تفسيره الكبير، والإمام أبى المؤيد موفق بن أحمد في كتابه الفضائل، وأرسلها إرسال المسلمات في كتب المناقب جماعة من الثقات، وفى الفصل الرابع من كلمتنا الغراء في تفضيل الزهراء تعليقات وتنبيهات ألفت إليها أولي البحث والتحقيق فلتراجع (منه قدس).

(١١٣) الآيات في سورة الدهر آية: ٥ - ٢٢. هذه الآيات نزلت في: علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام بمناسبة قصة النذر راجع ذلك في =>

١٠١

وبالجملة فان للزهراءعليها‌السلام من منازل القدس عند الله عزوجل ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين ما يوجب الثقة التامة في صحة ما تدعي، والطمأنينة الكاملة بكل ما تقول، لا نحتاج في إثبات دعواها لي شاهد، فان لسانها ليتجافى عن الباطل، وحاشا الله أن ينطق بغير الحق، فدعواها بمجردها تكشف عن

____________________

=> شواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ / ٢٩٨ ح ١٠٤٢ و ١٠٤٦ و ١٠٤٧ و ١٠٤٨ و ١٠٥١ و ١٠٥٣ و ١٠٥٤ و ١٠٥٥ و ١٠٥٦ و ١٠٥٧ و ١٠٥٨ و ١٠٥٩ و ١٠٦١، المناقب للخوارزمي ص ١٨٨ - ١٩٤، كفاية الطالب ص ٣٤٥ - ٣٤٨ ط الحيدرية وص ٢٠١ ط الغرى، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزى ص ٣١٢ - ٣١٧، نور الأبصار للشبلنجى ص ١٠٢ - ١٠٤ ط السعيدية وص ١٠١ - ١٠٢ ط العثمانية، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) ج ١٩ / ١٣٠ ط ٣، الكشاف للزمخشري ج ٤ / ١٩٧ ط مصطفى محمد وج ٤ / ٦٧٠ ط بيروت وج ٢ / ٥١١ ط آخر، روح المعاني للآلوسي ج ٢٩ / ١٥٧، تفسير الفخر الرازي ج ١٣ / ٢٤٣ ط البهية وج ٨ / ٣٩٢ ط الدار العامرة بمصر، تفسير أبى السعود بهامش تفسير الرازي ج ٨ / ٣٩٣ ط الدار العامرة، التسهيل لعلوم التنزيل للكلبى ج ٤ / ١٦٧، فتح القدير للشوكاني ج ٥ / ٣٤٩ ط ٢ مصطفى محمد وج ٥ / ٣٣٨ ط ١ الحلبي، الدر المنثور ج ٦ / ٢٩٩ تفسير الخازن ج ٧ / ١٥٩، معالم التنزيل للبغوي بهامش تفسير الخازن ج ٧ / ١٥٩، تفسير البيضاوي ج ٥ / ١٦٥ ط بيروت وج ٤ / ٢٣٥ ط مصطفى محمد وج ٢ / ٥٧١ ط آخر، تفسير النسفي ج ٤ / ٣١٨، أسد الغابة ج ٥ / ٥٣٠، أسباب النزول للواحدي ص ٢٥١، ذخائر العقبى ص ٨٨ و ١٠٢، مطالب السئول لابن طلحة ج ١ / ٨٨، العقد الفريد ج ٥ / ٩٦ ط ٢ لجنة التأليف والنشر وج ٣ / ٤٥ ط آخر، الإصابة لابن حجر ج ٤ / ٣٨٧ ط السعادة وج ٤ / ٣٧٦ ط مصطفى محمد، اللآلي المصنوعة للسيوطي ج ١ / ٣٧٠، الغدير للأميني ج ٣ / ١٠٧ - ١١١، إحقاق الحق للتستري ج ٣ / ١٥٨ - ١٦٩ وج ٩ / ١١٠ - ١٢٣، ينابيع المودة للقندوزى ص ٩٣ و ٢١٢ ط اسلامبول وص ١٠٧ - ١٠٨ و ٢٥١ ط الحيدرية، نوادر الأصول للحكيم الترمذي ص ٦٤، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٢١ وج ١٣ / ٢٧٦، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٧٤ و ٣٠٢ ط ٢، فضائل الخمسة ج ١ / ٢٥٤ (*).

١٠٢

صحة المدعى به كشفا تاما ليس فوقه كشف، وهذا مما لا يرتاب فيه أحد ممن عرفهاعليها‌السلام وأبو بكر من أعرف الناس بها وبصدق دعواها ولكن الأمر كما حكاه علي بن الفارقي وكان من أعلام بغداد. مدرسا في مدرستها الغربية، وهو أحد شيوخ ابن أبي الحديد المعتزلي، إذ سأله. فقال له: أكانت فاطمة صادقة - في دعواها النحلة - ؟. قال: نعم. قال له - ابن أبي الحديد -: فلم لم يدفع لها أبو بكر فدكا وهي عنده صادقة ؟ فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته. قال: لو أعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها لجأت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه حينئذ الاعتذار بشئ، لأنه يكون قد سجل علي نفسه بأنها صادقة فيما تدعى كائنا ما كان من غير حاجة لي بينة ولا شهود "(١١٤) .

قلت: وبهذا استباح أبو بكر رد شهادة علي بن أبي طالب لفاطمة بالنحلة وإلا فان يهود خيبر على لؤمهم وأن عليا دمرهم لينزهونه عن شهادة الزور وبهذا أيضا لا بسواه استنوق الجمل فاعتبر ذات اليد المتصرفة مدعيه فطالبها بالبينة انما هي عليه، الأمر الذي علمنا أنه دبر بليل.

وما ينس فلا ينس قوله في مجابهة فاطمة لست أعلم صحة قولك مع أن قولها بمجرده من أوضح موازين الحكم لها بما ادعت. ولو تنازلنا عن هذا كله وسلمنا أنها كسائر المؤمنات الصالحات تحتاج في إثبات دعواها لي بينة، فقد شهد لها علي وحسبها اخو النبي ومن كان منه

____________________

(١١٤) شرح النهج لابن أبى الحديد ج ١٦ / ٢٨٤ (*).

١٠٣

بمنزلة هارون من موسى(١١٥) شاهد حق تشرق بشهادته أنوار اليقين وليس بعد اليقين غاية يطلبها الحاكم في المرافعات ولهذا جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شهادة خزيمة بن ثابت كشهادة عدلين(١١٦) ، ولعمر الله أن عليا أولي بهذا من خزيمة وغيره وأحق بكل فضيلة من سائر ابدال المسلمين.

ولو تنازلنا فسلمنا أن شهادة علي كشهادة رجل واحد من عدول المؤمنين فهلا استحلف أبو بكر فاطمة الزهراء بدلا عن الشاهد الثاني، فان حلفت وإلا رد دعواها، ما رأيناه فعل ذلك ! وانما رد الدعوى ملغيا شهادة علي وأم أيمن(١١٧) وهكذا كما ترى مما لم يكن بالحسبان ! بينا كان علي عدل

____________________

(١١٥) كما سوف يأتي مع مصادره. (١١٦) شهادة خزيمة بشهادتين: راجع شرح النهج لابن أبى الحديد ج ١٦ / ٢٧٣، فدك للقزويني ص ٥٢، الإصابة ج ١ / ٤٢٥، الاستيعاب بذيل الإصابة ج ١ / ٤١٦، أسد الغابة ج ٢ / ١١٤، كنز العمال ج ١٣ / ٣٧٩ - ٣٨٠، مسند أحمد بن حنبل ج ٥ / ١٨٩ ط ١.

(١١٧) هي مولاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحاضنته اسمها بركة بنت ثعلبة وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أم أيمن أمي بعد أمي. وكان إذا نظر إليها يقول: هذا بقية أهل بيتى. وقد أخبر عنها (كما في ترجمتها من الإصابة) إنها من أهل الجنة. وترجم لها ابن حجر في إصابته، وابن عبد البر في استيعابه وكل من ترجم للصحابة من أهل المعاجم فأثنوا عليها بامتيازها في الدين والعقل وحسن السيرة، وابنها أيمن استشهد بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة خيبر فاحتسبته عند الله صابرة تبتغى الأجر والمثوبة (منه قدس).

شهادة علي وفاطمة وأم أيمن لفاطمة الزهراء: شرح النهج لابن أبى الحديد ج ١٦ / ٢١٤ و ٢١٦ و ٢٢٥، فدك للقزويني ص ٤٥ السيرة الحلبية ج ٣ / ٣٩٠، معجم البلدان للحموي ج ٤ / ٢٣٩، وفاء الوفاء ج ٣ ٩٩٩ /و ١٠٠٠، فتوح البلدان للبلاذري ص ٤٤. كفاية شاهد ويمين: صحيح مسلم ك الاقضية ب - ٢ - ج ٣ / ١٣٣٧، كنز العمال ج ٣ / ٢٣ ح ١٧٧٨٦ (*).

١٠٤

القرآن في الميزان(١١٨) وكان مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان(١١٩) وهو في آية التباهل نفس المصطفى ليس غيره إياها(١٢٠) إذا هو في هذه المحاكمة ممن لا أثر لشهادتهم.

يالها مصيبة في الإسلام تلقيناها بقولنا إنا لله وإنا إليه راجعون.

____________________

(١١٨) اشارة لي الحديث المستفيض وقد أخرجه أصحاب الصحاح وغيرهم - حديث الثقلين - أعنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي. ولا كلام في ان أمام العترة وسيدها انما هو عليعليه‌السلام (منه قدس). تقدمت مصادر حديث الثقلين تحت رقم - ١٥ - فراجع.

(١١٩) اشارة لي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حديث أم سلمة إذ قالت: سمعت رسول الله يقول: " علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض. أخرجه الحاكم في باب علي مع القرآن والقرآن مع علي ص ١٢٤ من الجزء الثالث من مستدركه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأورده الذهبي في تلخيصه مصرحا بصحته.

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرض موته والحجرة غاصة بأصحابه: أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بى وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم الا أنى مخلف فيكم كتاب ربى عزوجل وعترتي أهل بيتي. ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان. " (الحديث) تجده في الفصل ٢ من الباب ٩ من الصواعق المحرقة ص ٧٥ فراجع (منه قدس).

حديث الثقلين وكون علي مع القرآن والقرآن معه: راجع: المعجم الصغير للطبراني ج ١ / ٥٥، المناقب للخوارزمي ص ١١٠، كفاية الطالب ص ٣٩٩ ط الحيدرية وص ٢٥٤ ط الغرى، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٣٤، الصواعق المحرقة ص ١٢٢ و ١٢٤ ط المحمدية وص ٧٤ و ٧٥ ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧٣، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٥٧ ط السعيدية وص ١٤٣ ط العثمانية، نور الأبصار للشبلنجى ص ٧٣ ط السعدية، الغدير للأميني ج ٣ / ١٨٠، ينابيع المودة للقندوزي ص ٤٠ و ٩٠ و ١٨٥ و ٢٣٧ و ٢٨٣ و ٢٨٥ ط اسلامبول وص ٤٤ و ١٠٣ و ٢١٩ و ٢٨١ و ٣٣٩ و ٣٤٢ ط الحيدرية. راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقم (١١)

(١٢٠) البيت للشيخ كاظم الازري. ديوانه الازرية، لأجل المزيد من الاطلاع حول فدك يراجع: مقدمة مرآة العقول ج ١ / ١٥١ - ١٧٦.

١٠٥

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٨٧: -

[ المورد - (٩) - إيذاء الزهراء: ]

وذلك أنه بمجرده مخالف للنصوص الصريحة، بقطع النظر عما كان من أسبابه ومقتضياته(١) ، وحسبك منها ما أخرجه ابن أبي عاصم - كما في ترجمة الزهراء من الإصابة - بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لفاطمةعليها‌السلام : " ان الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك "(١٢١) .

قلت: وأخرجه الطبراني وغيره بإسناد حسن، - كما في أحوال الزهراء من الشرف المؤبد للعالم النبهاني البيروتي -

____________________

(١) فان المباح في أصل الشرع قد يكون مع استلزامه للحرام حراما وفروض ذلك في الإسلام كثيرة، وأقربها لما نحن فيه انه يباح لك أن تصاحب من شئت من اخوانك المؤمنين وتتزوج من أردت من غير محارمك فإذا استلزم فعلك هذا عقوق والديك حرم ذلك عليك هذا هو الحكم التكليفي في هذه المسألة ونحوها فتأمل لتفهم (منه قدس).

(١٢١) راجع: الإصابة ج ٤ / ٣٦٦، كنز العمال ج ١٢ / ١١١ وج ١٣ / ٦٤٦، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٥٤، جواهر البحار للنبهاني ج ١ / ٣٦٠، فرائد السمطين ج ٢ / ٤٦ ح ٣٧٨، مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلى ص ٣٥١ ح ٤٠١، أسد الغابة ج ٥ / ٣٢٢، تهذيب التهذيب ج ١٢ / ٤٤١، ذخائر العقبى ص ٣٩، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٥٢، مجمع الزوائد ج ٩ / ٢٠٣، فضائل الخمسة ج ٣ / ١٥٥، الغدير ج ٣ / ١٨٠ (*).

١٠٦

وأخرج الشيخان البخاري ومسلم - كما في ترجمة الزهراء من الإصابة وغيرها - عن المسور قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول على المنبر: " فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها "(١٢٢) .

ونقل الشيخ يوسف النبهاني في أحوال الزهراء - من كتابه الشرف المؤبد - عن البخاري بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: " فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها - قال النبهاني -: وفي رواية فمن أغضبها أغضبني "(١٢٣) (قال) وفي الجامع الصغير: " فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها "(١٢٤) .

قلت: وقد قالت - بأبي وأمي - لأبي بكر وعمر(١) . نشدتكما الله تعالى ألم تسمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: " رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من

____________________

(١٢٢) راجع: صحيح البخاري ك النكاح ب ذب الرجل عن ابنته ج ٧ / ٤٧ ط مطابع الشعب، صحيح مسلم ك فضائل الصحابة ب ١٥ فضائل فاطمة ج ٤ / ١٩٠٢ ط ٢ بتحقيق محمد فؤاد، صحيح الترمذي ك المناقب ب - ٦١ - فضل فاطمة ج ٥ / ٦٩٨ ح ٣٨٦٧، الإصابة ج ٤ / ٣٦٦، حلية الأولياء ج ٢ / ٤٠، سنن ابن ماجة ك النكاح ب ٥٦ الغيرة ج ١ / ٦٤٤ ح ١٩٩٨، كنز العمال ج ١٢ / ١٠٧ و ١١٢.

(١٢٣) غضب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لغضب فاطمة: راجع: صحيح البخاري ك فضائل الصحابة ب مناقب قرابة رسول الله ج ٥ / ٢٦ وب مناقب فاطمة ج ٥ / ٣٦ ط مطابع الشعب، الجامع الصغير للمناوي ج ٢ / ١٢٢، الشرف المؤبد للنبهاني.

(١٢٤) الجامع الصغير للمناوي ج ٢ / ١٢٢، كنز العمال ج ١٢ / ١٠٨ و ١١١، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٥٨. (١) كما صرح به ابن قتيبة في أوائل كتابه الإمامة والسياسة وغير واحد من إثبات أهل السير والأخبار (منه قدس) (*).

١٠٧

سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن اسخط فاطمة فقد أسخطني. قالا: نعم سمعناه من رسول الله "(١٢٥) .

قلت: ان من أمعن في هذه الأحاديث فتدبرها ممن يقدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حق قدره رآها ترمى إلى عصمتها لدلالتها بالالتزام على امتناع وقوع كل من أذيتها وريبتها وسخطها ورضاها وانقباضها وانبساطها في غير محله، كما هو الشأن في أذية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وريبته ورضاه وسخطه وانقباضه وانبساطه وهذا هو كنه العصمة وحقيقتها كما لا يخفى.

وأخرج جماعة من أئمتهم كالإمام احمد من حديث أبي هريرة قال(١) : نظر النبي إلى علي والحسن والحسين وفاطمة، فقال " أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم "(١٢٦) .

____________________

(١٢٥) قول فاطمة لأبي بكر وعمر: " نشدتكما الله ألم تسمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: رضى فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني. قالوا: نعم سمعناه من رسول الله. قالت فأني أشهد الله وملائكته انكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لاشكونكما إليه.. الخ. راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص ١٤، فدك في التاريخ ص ٩٢.

(١) كما في ص ٤٤٢ من الجزء الثاني من مسنده (منه قدس).

(١٢٦) راجع: مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلي ص ٦٤، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٤٩، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، صحيح الترمذي ج ٥ / ٣٦٠ ط بيروت، سنن ابن ماجة ج ١ / ٥٢ ح ١٤٥، أسد الغابة ج ٣ / ١١ وج ٥ / ٥٢٣، ذخائر العقبى ص ٢٥، الصواعق المحرقة ص ١١٢ ط الميمنية وص ١٨٥ ط المحمدية، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٦ و ١٦٩، كفاية الطالب للكنجي ص ٣٣٠ و ٣٣١ ط الحيدرية وص =>

١٠٨

قلت وأخرجه الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير بالإسناد إلى أبي هريرة أيضا.

وأخرج الترمذي من حديث زيد بن أرقم - كما في ترجمة الزهراء من الإصابة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر عليا وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فقال: " أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم "(١٢٧) .

وعن أبي بكر قال: رأيت رسول الله خيم خيمة(١) وهو متكئ على

____________________

=> ١٨٨ و ١٨٩ ط الغرى، ينابيع المودة للقندوزي ص ٣٥ و ١٦٥ و ١٧٢ و ١٩٤ و ٢٣٠ و ٢٦١ و ٢٩٤ و ٣٠٩ و ٣٧٠ ط اسلامبول، شواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ / ٢٧، المناقب للخوارزمي ص ٩١، مقتل الحسين للخوارزمي أيضا ج ١ / ٦١ و ٩٩، المعجم الصغير للطبراني ج ٢ / ٣، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ / ٢٧١، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٩٢، إحقاق الحق ج ٩ / ١٦١ - ١٧٤، كنز العمال ج ١٣ / ٦٤٠ الفضائل لأحمد بن حنبل بترجمة الإمام الحسين ضمن مجموعة " الحسين والسنة " ص ١٠ ح ٣. وسوف يأتي مع مصادر أخرى تحت رقم (٦٨٦).

(١٢٧) وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والضياء في مختارته والطبراني وابن شيبة عن زيد بن أرقم أيضا، ورواه أبو يعلى في السنة، والضياء في المختارة عن سعد ابن أبى وقاص ونقله جماعة من أعلام الفضل كالإمام علوي في ص ٧ من الجزء ٢ من قوله الفصل (منه قدس). وراجع: الصواعق المحرقة ص ١٤٢ و ١٨٥ ط المحمدية وص ٨٥ و ١١٢ ط الميمنية، الإصابة لابن حجر ج ٤ / ٣٧٨ ط السعادة، ينابيع المودة ص ٢٢٩ و ٢٩٤ و ٣٠٩ ط اسلامبول، نظم درر السمطين ص ٢٣٢ و ٢٣٩، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ / ٢٨٠، مشكاة المصابيح للعمري ج ٣ / ٢٥٨، ذخائر العقبى ص ٢٣، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٤٩ ط ٢.

(١) لعل هذه الخيمة هي الكساء الذي جللهم به حين أوحى إليه فيهم:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) وقد فصلنا ذلك في الفصل الثاني من المطلب الأول من كلمتنا الغراء في تفضيل الزهراء فليراجعها من أراد الشفاء من كل داء (منه قدس) (*).

١٠٩

قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " معشر الناس أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد "(١٢٨) .

رواه الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد المصري المعاصر بعين لفظه فليراجع في كتابه عبقرية محمد تحت عنوان النبي والإمام والصحابة.

وأخرج الإمام أحمد(١) عن عبد الرحمن الأزرق عن عليعليه‌السلام قال: دخل علي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا نائم على المنامة فاستسقى الحسن أو الحسين، قال: فقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى شاة لنا بكئ(٢) فحلبها فدرت، فجاءه الحسن فنحاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت فاطمة: يا رسول الله كأنه أحبهما إليك. قال: لا ولكنه استسقى قبله، ثم قال: اني وإياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة آه(١٢٩) .

____________________

(١٢٨) راجع: فرائد السمطين ج ٢ / ٤٠ ح ٣٧٣، المناقب للخوارزمي ص ٢١١ سمط النجوم ج ٢ / ٤٨٨، الرياض النضرة ج ٢ / ١٨٩ ط ١، الغدير للعلامة الأميني ج ٤ / ٣٢٣.

(١) في ص ١٠١ من الجزء الأول من مسنده (منه قدس).

(٢) أي قل لبنها وقيل انقطع وهذا الحديث أشار إليه صاحب لسان العرب في مادة بكا (منه قدس).

(١٢٩) كنز العمال ج ١٣ / ٦٤٢، ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق لابن عساكر ص ١١٧ ح ١٩١ و ١٩٢ وقريب منه ح ١٨٢، فرائد السمطين ج ٢ / ٢٨، مسند أحمد ج ١ / ١٠١ ط ١ وج ٢ / ١٢٨ ح ٧٩٢، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٧٧، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٩، أسد الغابة ج ٥ / ٢٦٩، مسند أبى داود الطيالسي ص ٢٩ رقم ١٩٠، ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق لابن عساكر ص ١١١ ط ١، الإصابة ج ٤ / ١٥٧ في =>

١١٠

قلت: كان من حقهم على الأمة ولاسيما على أهل الحول والطول منها أن لا يفاجأوا (أبان رزيتهم الكارثة) بما فوجئوا به من الاستئثار بمكانتهم في الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والاستغناء عنهم حتى في المشورة مع شدة الوطأة عليهم في أمر البيعة والتنمر لهم في فيئهم وخمسهم وارثهم ونحلتهم وسوقهم مع سائر الرعايا بعصا واحدة والجرح لما يندمل والنبي لما يقبر. وكان المستولون على الأمة يومئذ ومقوية سلطانهم ابرموا أمرهم على وجه لم يبقوا لأحد من الأمة أن يخالف الا أن تشق عصا المسلمين وبهذا آمنوا من مقاومة علي وأوليائه وتفصيل ذلك كله في كتاب المراجعات فلا يفوتن أهل البحث والتدقيق(١٣٠) .

وكان من مبادئ القائمين بالأمر إذ ذاك شدة الوطأة في تنفيذ الأحكام من غير فرق بين القريب والبعيد والشريف والدنئ وإيثار بيت المال بالوفر والثراء والمساواة بين أهل السوابق وغيرهم في الأحكام. وقد أعانهم على تنفيذ مبادئهم هذه بعدهم عن الطمع والاستكثار من حطام الدنيا وتقشفهم في الحياة واستغناؤهم بالغة لهم ولمن إليهم وبهذا أرضوا العامة فاستتب لهم الأمر.

وحين جد الجد في محاكمة الزهراء كانت بضعة النبي لديهم كسائر النساء لا ينزهن عن الافتراء(١) .

____________________

=> ترجمة أبى فاختة، وقد ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه ص ١٥٠، والشيخ الطوسي في أماليه ج ٢ / ٢٠٦.

(١٣٠) المراجعات ص ٣٣٧ المراجعة ٨٠ و ٨٢ وراجع سبيل النجاة في تتمة المراجعات ط بيروت.

(١) بل لم تعامل معاملتهن لان المرأة المسلمة التي لا تتنزه عن الافتراء إذا أقامت على دعواها شاهدا واحدا من عدول المسلمين يكتفي منها باليمين عوضا عن الشاهد الثاني ولا ترد دعواها إلا بعد نكولها عن اليمين أما الزهراء فقد شهد لها على، وكان عليهم أن يستحلفونها فان نكلت ردوا حينئذ دعواها لكنهم أسرعوا في رد الدعوى ولم يطلبوا منها اليمين. على إنهاعليها‌السلام كانت ذات اليد على فدك وذات التصرف فالبينة انما هي على المعارض لها المدعى عليها، عملا بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر " الحديث. وهذا من النصوص التي عارضوها بالاجتهاد كما لا يخفى (منه قدس).

١١١

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٩٣: -

[ المورد - (١٠) -: يوم أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الشيخين أبا بكر وعمر كليهما بقتل ذي الثدية لأول مرة صدر منه الأمر بذلك فلم يقتلاه. ]

وذو الثدية هذا هو الخويصرة التميمي(١) حرقوص بن زهير ذو الثدية رأس المارقة، أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استئصال شأفة عيثه وفساده في الأرض فأمر بقتله، لكن رياء هذا المارق بتخشعه في صلاته غر الشيخين فكرها قتله وآثرا استحياءه !.

وحسبك في ذلك ما أخرجه جماعة من أهل السنن والمسانيد من الأئمة وحفظة الآثار، واللفظ لأبي يعلى في مسنده - كما في ترجمة ذي الثدية من إصابة ابن حجر - عن أنس، قال: كان في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل يعجبنا تعبده واجتهاده، وقد ذكرناه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باسمه فلم يعرفه، فوصفناه بصفته فلم يعرفه، فبينا نحن نذكره إذ طلع الرجل علينا فقلنا: هو هذا. قال :

____________________

(١) ذكره ابن الأثير في أسد الغابة مستدركا على من لم يذكره في الصحابة، وأورد في ترجمته ما أخرجه البخاري من حديث أبى سعيد قال: بينا رسول الله يقسم ذات يوم قسما، فقال ذو الخويصرة رجل من بني تميم: يا رسول الله أعدل، فقال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل وأخرجه مسلم أيضا (منه قدس) (*).

١١٢

انكم لتخبروني عن رجل ان في وجهه لسفعة من الشيطان. فأقبل حتى وقف عليهم ولم يسلم، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنشدك الله، هل قلت حين وقفت على المجلس: ما في القوم أحد أفضل مني أو خير مني ؟ قال: اللهم نعم. ثم دخل يصلي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من يقتل الرجل ؟ قال أبو بكر: أنا. فدخل عليه فوجده يصلي، فقال: سبحان الله: أقتل رجلا يصلي ؟ وقد نهى رسول الله عن قتل المصلين ؟ فخرج فقال رسول الله: ما فعلت ؟ قال كرهت أن أقتله وهو يصلي وقد نهيت عن قتل المصلين. قال رسول الله: من يقتل الرجل ؟ قال عمر: أنا فدخل فوجده واضعا جبهته، قال عمر: أبو بكر أفضل مني. فخرج فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مهيم ؟ قال: وجدته واضعا جبهته لله فكرهت أن أقتله. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من يقتل الرجل ؟ فقال علي: أنا. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت ان أدركته. فدخل عليه فوجده قد خرج، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو قتل ما اختلف من أمتي رجلان. (الحديث).(١٣١) .

وأخرجه الحافظ محمد بن موسى الشيرازي في كتابه الذي استخرجه من تفاسير يعقوب ابن سليمان، ويوسف القطان، والقاسم بن سلام، ومقاتل بن حياد، وعلي بن حرب، والسدي، ومجاهد، وقتادة، ووكيع، وابن جريح وغيرهم. وأرسله إرسال المسلمات جماعة من الاثبات كابن عبد ربه الأندلسي عند

____________________

(١٣١) أمر الرسول بقتل ذي الثدية: راجع: الإصابة لابن حجر ج ١ / ٤٨٤ ط السعادة، حلية الأولياء ج ٢ / ٣١٧ وج ٣ / ٢٢٧، تاريخ ابن كثير ج ٧ / ٢٩٨، الغدير ج ٧ / ٢١٦، الطرائف لابن طاووس ج ٢ / ٤٢٩ عن محمد بن مؤمن الشيرازي. ويوجد الحديث عن أبى سعيد الخدري كما في مسند أحمد ج ٣ / ١٥ ط ١ (*).

١١٣

انتهائه إلى القول في أصحاب الأهواء من أواخر الجزء الأول من عقده الفريد، وقد جاء في آخر ما أورده.

من هذا الحديث، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: هذا أول قرن يطلع في أمتي لو قتلتموه ما اختلف بعده اثنان، ان بني إسرائيل افترقت اثنتين وسبعين فرقة، وان هذه الأمة ستفترق ثلاثا وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة. (الحديث)(١٣٢) .

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٩٥: -

[ المورد - (١١) -: يوم أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلا من الشيخين في المرة الثانية بقتل هذا المارق فكان حالهما في هذه المرة كما كانت في المرة الأولى. ]

وذلك أن فيما حدثني من أثق به في فضله وورعه وتتبعه أن أبا بكر مر بهذا المارق - بعد أن أمر بقتله فكره قتله - فوجده يصلي في بعض الأودية حيث لا يطلع عليه سوى الله تعالى، فراقه خشوعه وتضرعه، فحمد الله تعالى على عدم قتله، وأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شافعا به وذكر له ما رآه من صلاته ضارعا مبتهلا حيث لا يطلع عليه إلا الله عزوجل، فلم يسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شفاعته، بل أمره على الفور بقتله، فلما لم يقتله أمر عمر ثم عليا بذلك وشدد عليهم القول بوجوب قتله وقتل أصحابه، هذا ما حدثني به من أعرفه بالتقصي في البحث والتنقيب(١) يرسله لي إرسال المسلمات، وقد فاتني سؤاله عن

____________________

(١٣٢) العقد الفريد ج ٢ / ٤٠٣ - ٤٠٤ ط ٢ وج ١ / ١٦٧ ط آخر. والفرقة الناجية هم على وشيعته: راجع: إحقاق الحق للتستري ج ٧ / ١٨٤ نقله عن: الإلزام للصيمري مخطوط، السيف اليماني المسلول ص ١٦٩ وغيرها.

(١) هو شيخ المحدثين في عصره وصدوق حملة الآثار شيخنا ومولانا الاورع الميرزا حسين النوري صاحب المستدركات على الوسائل (منه قدس) (*).

١١٤

مصدر حديثه هذا. لكني - ولله الحمد - لم يفتني البحث عنه بنفسي حتى وجدته - والحمد لله - في مسند أحمد ابن حنبل من حديث أبي سعيد الخدري ص ١٥ من جزئه الثالث. قال: ان أبا بكر جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله إني مررت بوادي كذا وكذا فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اذهب فاقتله.

قال: فذهب إليه أبو بكر فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله، فرجع إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر: اذهب فاقتله. فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر عليها، قال: فكره أن يقتله.

قال: فرجع فقال: يا رسول الله إني رأيته يصلي متخشعا، فكرهت أن أقتله.

قال: يا علي اذهب فاقتله.

قال: فذهب علي فلم يره فرجع علي فقال: يا رسول الله انه لم يره.

قال: فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان هذا وأصحابه يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه فاقتلوهم هم شر البرية.

[ تنبيه ]

ان من أمعن في حديثي هذا المارق حديث أبى يعلى عن أنس الذي أوردناه في المورد (١٠) وحديث الإمام أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الذي أوردناه ألان في هذا المورد، علم ان لهذا المارق من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومين أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله في كل منهما بقتله فلم يقتل، وذلك ان الحديث الأول - حديث أنس - صريح بأن النبي لم يكن مسبوقا بمعرفة هذا المارق وقد ذكروه ووصفوه له فلم يعرفه، ولذا لم يأمر به بشئ حتى رآه وعرفه بسفعة من

١١٥

الشيطان بين عينيه وبما هو عليه من العجب بنفسه. وحينئذ أمر بقتله، وكانت صلاة هذا المارق التي اعجبت الشيخين يومئذ في المسجد بعد صدور الأمر لهما بقتله.

أما حديث الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد فصريح بأن أبا بكر رأى هذا المارق يصلي في بعض الأودية لا في المسجد فأعجبه خشوعه لله تعالى حيث لا يراه سواه عزوجل فأخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك، فأمره فورا بقتله بدون أن يراه وهذا ليس إلا لأنه كان محكوما عليه من قبل ذلك بالقتل كما لا يخفى، فالحديثان في واقعتين متعددتين - بلا ريب - قوبل النص فيهما بالاجتهاد.

[ فصل(١) ]

الخوارج: هم الذين خرجوا عن الدين، بخروجهم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد أنكروا عليه التحكيم الذي اضطروه إليه، وكانوا ثمانية آلاف أو أكثر، فاستدعاهم إليه ليذكرهم الله تعالى والدار الآخرة، وليبين لهم خطأهم فيما رأوه، ويزيل شبهتهم التي تشبثوا بها( وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) فأبوا ان يأتوه، وكلفوه بأن يقر بالكفر على نفسه ثم يتوب إلى الله منه.

ولما لم يأتوه أرسل إليهم عبد الله بن العباس فلم يأل جهدا، ولم يدخر وسعا في الاحتجاج عليهم وتسفيه رأيهم بكل حجة بالغة، وبيان ناصع، والقوم مصرون على بغيهم وضلالهم كأن في آذانهم وقرا وعلى قلوبهم أكنة(١٣٣) .

____________________

(١) ترك " السيد "رحمه‌الله هذا الفصل كما جاء في الطبعة الأولى (النهج).

(١٣٣) سورة العنكبوت: ٤١ محاورة عبد الله بن عباس للخوارج توجد في: الرياض النضرة ج ٢ / ٢٤٠ ط ١، الخصائص للنسائي ص ٤٨ ط مصر. (*)

١١٦

وقد اجمعوا على تكفير كل من لا يرى رأيهم من المسلمين، وأباحوا دمه وماله وأهله، وثاروا على المسلمين يقتلون من مر بهم كائنا من كان، فكان ممن قتلوه عبد الله بن الخباب بن الأرت التميمي، وبقروا بطن زوجته وهي حامل متم(١٣٤) .

واستفحل شرهم، فأتاهم أمير المؤمنين ناصحا لله تعالى ولكتابه ولرسوله وللمسلمين عامة ولهم خاصة، فاعذر إلى الله تعالى فيما أوضحه لهم من الخطأ في خروجهم عليه وفيما احتج به عليهم مما يوجب رجوعهم إليه، وفيما انذرهم به إذا أصروا على البغي من سوء العاقبة في الدنيا بقتلهم، وفي الآخرة بمصيرهم إلى النار وبئس القرار.

ولكنهم أصروا على بغيهم لا يفيئون إلى شئ من أمر الله عزوجل على شاكلة من قوم نوح( جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ) وبذلك قتلهم أمير المؤمنين(١) ولم ينج منهم عشرة، ولم يقتل ممن كان معهعليه‌السلام عشرة وكان قد أخبرهم بذلك أثناء احتجاجه عليهم فلم يرعووا.

ثم انضم إلى هذا النفر اليسير - الذي لم يقتل من الخوارج - جماعة آخرون من أهل الضلال يرون رأيهم في التحكيم، والخروج على الولاة، فلما ولي عبد الله بن الزبير ظهر منهم جماعة في العراق مع نافع بن الأزرق ،

____________________

(١٣٤) مقتل ابن الخباب على أيدي الخوارج: راجع: أسد الغابة ج ٣ / ١٥٠، الإصابة ج ٢ / ٢٩٤.

(١) عملا بأوامر الكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله عز من قائل:( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) وقوله عز سلطانه:( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ ) الآية وحسبك من أوامر السنة ما سأتلوه عليك في الأصل (منه قدس) (*).

١١٧

وظهر باليمامة جماعة منهم آخرون مع نجدة بن عامر الحروري، وزاد نجدة على مذهبهم ان من لم يخرج معهم لمحاربة المسلمين فهو كافر، وتوسعوا حتى أبطلوا رجم المحصن، وأوجبوا قطع يد السارق من الابط.

وفرضوا الصلاة على الحائض حال حيضها. إلى كثير من مبتدعاتهم التي ليس هذا محل ذكرها. وان منهم إلى الآن لبقية من شراذم الفساد، في أنحاء من البلاد، مر بهم في عمان(١) ابن بطوطة الرحالة في سياحته التي كانت في القرن الثامن للهجرة وذكرهم في الجزء الأول من رحلته(٢) .

فقال: " هم أباضية المذهب، ويصلون الجمعة ظهرا أربعا، فإذا فرغوا قرأ الإمام آيات من القرآن، ونثر كلاما شبه الخطبة يرضى فيه عن أبي بكر وعمر ويسكت عن عثمان وعلي، وإذا أرادوا ذكر علي كنوا عنه: بالرجل، ويرضون عن الشقي اللعين ابن ملجم ويقولون فيه العبد الصالح مع الفتنة قال: ونساؤهم يكثرون الفساد، ولا غيرة عندهم ولا إنكار لذلك.

(قال): وكنت يوما عند سلطانهم أبى محمد بن نبهان وهو من قبيلة الأزد فأتته امرأة صغيرة السن حسنة الصورة بادية الوجه فوقفت بين يديه وقالت له: يا أبا محمد طغى الشيطان في رأسي. فقال لها: اذهبي واطردي الشيطان فقالت له: لا أستطيع وأنا في جوارك. فقال اذهبي فافعلي ما شئت فذكر لي لما انصرفت عنه: أن هذه ومن فعل فعلها تكون في جوار السلطان وتذهب للفساد، ولا يقدر أبوها ولا ذوو قرابتها أن يغيروا عليها، وان قتلوها قتلوا بها لانها في جوار

____________________

(١) عمان سلطنة صغيرة واقعة في الجنوب الشرقي من بلاد العرب تمتد على ساحل بحر العرب والخليج الفارسي. سلطانها اليوم سعيد بن تيمور (منه قدس).

(٢) ص ١٧٢ والتي بعدها (منه قدس) (*).

١١٨

السلطان " انتهى كلامه بعين لفظه. قلت: صدق الله عزوجل وبلغ رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال: " لا يبغضك يا علي إلا ابن زنا أو ابن حيضة أو منافق "(١٣٥) .

[ قتل الخوارج ]

جاء في قتل الخوارج نصوص متضافرة، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة(١٣٦) .

وحسبك من طريق غيرهم، قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث(١) وصفهم فيه فقال: " يقرأون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لاقتلنهم قتل عاد "(١٣٧) .

وفي حديث آخر(٢) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " لئن أدركتهم لاقتلنهم قتل ثمود "(١٣٨) .

____________________

(١٣٥) سورة نوح: ٧. راجع: ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٥٢، إحقاق الحق للتستري ج ٧ / ٢٢٢ نقله عن المناقب المرتضوية ص ٢٠٣، الغدير للأميني ج ٤ / ٣٢٢.

(١٣٦) البحار، كشف الغمة ج ١ / ٢٦٤.

(١) أخرجه مسلم عن أبى سعيد الخدري في باب ذكر الخوارج وصفاتهم ص ٣٩٣ من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).

(١٣٧) صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ذكر الخوارج وصفاتهم ج ٢ / ٧٤١.

(٢) أخرجه مسلم من طريقين عن أبى سعيد في ص ٣٩٤ من الجزء الأول من صحيحه في باب ذكر الخوارج أيضا (منه قدس).

(١٣٨) صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٧ ذكر الخوارج ج ٢ / ٧٤٢، كنز العمال ج ١١ / ٣٠٨ (*).

١١٩

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصفهم من حديث ثالث(١) : " إنهم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فان في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة "(١٣٩) إلى كثير من أمثال هذه الصحاح الواردة في التحريض على قتلهم، وحسبك في دلالتها على كفرهم، ان قتلهم كقتل عاد وثمود.

[ الخوارج شر الخلق والخليقة ]

الأخبار في ان الخوارج شر الخلق والخليقة متواترة من طريق العترة الطاهرة، وحسبك من طريق غيرهم ما أخرجه مسلم(٢) عن أبي ذر ورافع بن عمر الغفاريين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال: " أن بعدي من أمتي، أو سيكون بعدي من أمتي قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم(٣) يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة " آه.(١٤٠) .

____________________

(١) أخرجه مسلم عن علىعليه‌السلام في باب التحريض على قتل الخوارج ص ٣٩٦ من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).

(١٣٩) صحيح مسلم ب ٤٨ التحريض على قتل الخوارج ج ٢ / ٧٤٦، كنز العمال ج ١١ / ٢٠٤ و ٢٠٦.

(٢) في باب الخوارج شر الخلق والخليقة ص ٣٩٨ من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).

(٣) أي لا تفهمه قلوبهم، ولا ينتفعون بما يتلونه منه، ولا لهم حظ سوى تقطيع حروفه في حلاقيمهم حين تلاوته، فقلوبهم غلف قد ران عليها ما يكسبون لا ينفذ إليها شئ من نور القرآن لا تقبل لهم تلاوة ولا يصعد لهم عمل (منه قدس).

(١٤٠) صحيح مسلم ك الزكاة ب ٤٩ الخوارج شر الخلق والخليقة ج ٢ / ٧٥٠، كنز العمال ج ١١ / ٢٠٥ و ٣٠٧. (*).

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629