النص والاجتهاد

النص والاجتهاد9%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 170730 / تحميل: 8296
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يُشاهَد من نحو طوع من الذكور للإناث في مراعاة ما تميل إليه نفسها ويستلذّه طبعها، فإنّ ذلك راجع إلى مراعاة جانب العشق والشهوة واستزادة اللّذة، وأمّا نحو الاستيلاء والاستعلاء المذكور، فإنّه عائد إلى قوّة الفحولة وإجراء ما تأمر به الطبيعة.

وهذا المعنى - أعني لزوم الشدّة والبأس لقَبيل الذكور واللين والانفعال لقَبيل الإناث - ممّا يوجب الاعتقاد به قليلاً أو كثيراً عند جميع الأُمم، حتى سرى إلى مختلف اللغات، فسُمِّي كل ما هو شديد صعب الانقياد بالذكر، وكل ليِّن سهل الانفعال بالأُنثى، يقال: حديد ذكر وسيف ذكر ونبت ذكر ومكان ذكر، وهكذا.

وهذا الأمر جارٍ في نوع الإنسان، دائر بين المجتمعات المختلفة والأمم المتنوّعة في الجملة، وإن كان ربّما لم يخلُُ من الاختلاف زيادة ونقيصة.

وقد اعتبره الإسلام في تشريعه قال تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ... ) (1) .

فشرّع وجوب إجابتها له إذا دعاها إلى المواقعة إن أمكنت لها.

- 3 -

تعدُّد الزوجات

وأمر الوحدة والتعدُّد فيما نُشاهده من أقسام الحيوان غير واضح، ففيما كان بينها اجتماع منزلي تتأحّد الإناث وتختصُّ بالذكور، لما أنّ الذكور في شغل شاغل في مشاركتها في تدبير المنزل وحضانة الأفراخ وتربيتها، وربّما تغيَّر الوضع الجاري بينها بالصناعة والتدبير والكفالة، أعني بالتأهُّل والتربية

____________________

(1) سورة النساء، الآية: 34.

١٤١

كما يُشاهد من أمر الديك والدجاج والحمام ونحوها.

وأمّا الإنسان، فاتّخاذ الزوجات المتعدّدة كانت سنّة جارية في غالب الأُمم القديمة، كمصر والهند، والصين والفرس، بل الروم واليونان، فإنّهم كانوا ربَّما يُضيفون إلى الزوجة الواحدة في البيت خدنا يُصاحبونها، بل وكان ذلك عند بعض الأُمم لا ينتهي إلى عدد يقف عليه، كاليهود والعرب، فكان الرجل منهم ربّما تزوّج العشرة والعشرين وأزيد، وقد ذكروا أنّ سليمان الملك تزوّج مئات من النساء.

وأغلب ما كان يقع تعدُّد الزوجات إنّما هو في القبائل ومَن يحذو حذوهم، من سكّان القُرى والجبال، فإنّ لربّ البيت منهم حاجة شديدة إلى الجمع وكثرة الأعضاء، فكانوا يقصدون بذلك التكاثر في البنين بكثرة الاستيلاد؛ ليهون لهم أمر الدفاع الذي هو من لوازم عيشتهم، وليكون ذلك وسيلة يتوسّلون بها إلى الترؤس والسؤدد في قومهم، على ما في كثرة الازدواج من تكثُّر الأقرباء بالمُصاهرة.

وما ذكره بعض العلماء، أنّ العامل في تعدُّد الزوجات في القبائل وأهل القرى إنّما هو كثرة المشاغل والأعمال فيهم، كأعمال الحمل والنقل، والرعي والزراعة، والسقاية والصيد، والطبخ والنسج وغير ذلك، فهو وإن كان حقّاً في الجملة، إلاّ أنّ التأمّل في صفاتهم الروحية يُعطي أنّ هذه الأعمال في الدرجة الثانية من الأهمّية عندهم، وما ذكرناه هو الذي يتعلّق به قصد الإنسان البدوي أولاً وبالذات، كما أن شيوع الادّعاء والتبنّي أيضاً بينهم سابقاً كان من فروع هذا الغرض.

على أنّه كان في هذه الأُمم عامل أساسي آخر لتداول تعدُّد الزوجات بينهم، وهو زيادة عدد النساء على الرجال بما لا يُتسامح فيه، فإنّ هذه الأُمم

١٤٢

السائرة بسيرة القبائل، كانت تدوم فيهم الحروب والغزوات، وقتل الفتك والغيلة، فكان القتل يُفني الرجال، ويزيد عدد النساء على الرجال زيادة، لا ترتفع حاجة الطبيعة معها إلاّ بتعدّد الزوجات. هذا.

والإسلام شرّع الازدواج بواحدة، وأنفذ التكثير إلى أربع، بشرط التمكُّن من القسط بينهن، مع إصلاح جميع المحاذير المتوجّهة إلى التعدُّد، على ما سنُشير إليها، قال تعالى: ( ... وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ... ) (1) .

وقد استشكلوا على حكم تعدُّد الزوجات:

أولاً: إنّه يضع آثاراً سيئة في المجتمع؛ فإنّه يقرع قلوب النساء في عواطفهن، ويُخيِّب آمالهن ويُسكِّن فورة الحبِّ في قلوبهن؛ فينعكس حسُّ الحبِّ إلى حسِّ الانتقام؛ فيُهملن أمر البيت ويتثاقلن في تربية الأولاد، ويُقابلن الرجل بمثل ما أساؤوا إليهنّ؛ فيشيع الزنا والسفاح، والخيانة في المال والعرض، فلا يلبث المجتمع دون أن ينحطَّ في أقرب وقت.

وثانياً: إنّ التعدّد في الزوجات يُخالف ما هو المشهود المُتراءى من عمل الطبيعة؛ فإنَّ الإحصاء في الأُمم والأجيال يُفيد أنّ قبيلَي الذكورة والإناث متساويان عدداً تقريباً، فالذي هيّأته الطبيعة هو واحدة لواحد، وخلاف ذلك خلاف غرض الطبيعة.

وثالثاً: إنّ في تشريع تعدُّد الزوجات ترغيباً للرجال إلى الشره والشهوة، وتقوية لهذه القدرة في المجتمع.

ورابعاً: إنّ في ذلك حطّاً لوزن النساء في المجتمع، بمعادلة الأربع منهنّ بواحد من الرجال، وهو تقويم جائر، حتى بالنظر إلى مذاق الإسلام الذي سُوِّيَ فيه بين امرأتين ورجل، كما في الإرث والشهادة وغيرهما، ولازمه

____________________

(1) سورة البقرة، الآية: 228.

١٤٣

تجويز التزوج باثنتين منهنّ لا أزيد، ففي تجويز الأربع عدول عن العدل على أيِّ حال من غير وجه.

وهذه الإشكالات ممّا اعترض بها النصارى على الإسلام، أو مَن يوافقهم من المدنيين المنتصرين لمسألة تساوي حقوق الرجال والنساء في المجتمع.

والجواب عن الأول - ما تقدّم غير مرّة في المباحث المتقدِّمة -: أنّ الإسلام وضع بُنية المجتمع الإنساني على أساس الحياة التعقُّلية دون الحياة الإحساسية، فالمتَّبع عنده هو الصلاح العقلي في السُنن الاجتماعية، دون ما تهواه الإحساسات وتنجذب إليه العواطف.

وليس في ذلك إماتة العواطف والإحساسات الرقيقة، وإبطال حكم المواهب الإلهية والغرائز الطبيعية؛ فإنَّ من المُسلَّم في الأبحاث النفسية، أنّ الصفات الروحية والعواطف والإحساسات الباطنة، تختلف - كمَّاً وكيفاً - باختلاف التربية والعادة، كما أنّ كثيراً من الآداب والرسوم الممدوحة عند الشرقيين مذمومة عند الغربيين، وبالعكس، وكل أُمّة تختلف مع غيرها في بعض الأمور.

والتربية الدينية في الإسلام تُقيم المرأة الإسلامية مقاماً لا تتألّم بأمثال ذلك عواطفها.

نعم، المرأة الغربية، حيث اعتادت منذ قرون بالوحدة ولُقِّنت بذلك جيلاً بعد جيل؛ استحكم في روحها عاطفة نفسانية تُضادُّ التعدُّد؛ ومن الدليل على ذلك الاسترسال الفظيع، الذي شاعت بين الرجال والنساء في الأُمم المتمدِّنة اليوم.

أليس رجالهم يقضون أوطار الشهوة من كل مَن هووها وهوتهم من نسائهم، من محارم وغيرها، ومن بكر أو ثيِّب، ومن ذات بعل أو غيرها، حتى إنّ الإنسان لا يقدر أن يقف في كل ألف منهم بواحد قد سلم من الزنا، سواء

١٤٤

في ذلك الرجال والنساء، ولم يقنعوا بذلك حتى وقعوا في الرجال وقوعاً قلَّ ما يسلم منه فرد، حتى بلغ الأمر مبلغاً رفعوا قُبيل سنة إلى برلمان بريطانيا العُظمى أن يُبيح لهم اللواط (سنّة قانونية)، وذلك بعد شيوعه بينهم من غير رسمية؟!

وأمّا النساء - وخاصة الأبكار وغير ذوات البعل من الفتيات - فالأمر فيهنّ أغرب وأفظع.

فليت شعري! كيف لا تأسف النساء هناك ولا يتحرّجن ولا تنكسر قلوبهنّ ولا تتألّم عواطفهن حين يُشاهدن كل هذه الفضائح من رجالهن؟! وكيف لا تتألّم عواطف الرجال وإحساساته حين يبني بفتاة ثمّ يجدها ثيِّباً فقدت بكارتها وافترشت لا للواحد والاثنين من الرجال ثمّ لا يلبث حتى يتباهى بين الأقران أنّ سيّدته ممّن جذبت الرجال إلى نفسها وتنافس عليها العشرات والمئات؟!!.

إنّ هذه السيّئات تكرّرت بينهم، ونزعة الحرّية تمكّنت من أنفسهم، حتى صارت عادة عريقة مألوفة، لا تمتنع منها العواطف والإحساسات، ولا تستنكرها النفوس! فليس إلاّ أنّ السنن الجارية تميل العواطف الإحساسات إلى ما يوافقها ولا يخالفها.

وأمّا ما ذكروه، من استلزام ذلك إهمالهنّ في تدبير البيت، وتثاقلهن في تربية الأولاد، وشيوع الزنا والخيانة، فالذي أفادته التجربة خلاف ذلك، فإنّ هذا الحكم جرى في صدر الإسلام، وليس في وسع أحد من أهل الخبرة بالتاريخ أن يدّعي حصول وقفة في أمر المجتمع من جهته، بل كان الأمر بالعكس.

على أنّ هذه النساء اللاتي يُتزوّج بهنّ على الزوجة الأُولى، في المجتمع الإسلامي وسائر المجتمعات التي ترى ذلك - أعني الزوجة الثانية والثالثة والرابعة - إنّما يتزوّج بهنّ عن رضاء ورغبة منهنّ، وهنّ من نساء هذه المجتمعات، ولم يسترققهنّ الرجال من مجتمعات أُخرى، ولا جلبوهن للنكاح من غير هذه الدنيا، وإنّما رغبن في مثل هذا الازدواج لعلل اجتماعية،

١٤٥

فطباع جنس المرأة لا يمتنع عن مسألة تعدُّد الزوجات، ولا قلوبهنَّ تتألّم منها، بل لو كان شيء من ذلك، فهو من لوازم وعوارض الزوجية الأُولى، أعني أنّ المرأة إذا توحّدت للرجل لا تحبُّ أن ترد عليها وعلى بيتها أُخرى؛ لخوفها أن تُميل عنها بعلها أو تترأَّس عليها غيرها أو يختلف الأولاد ونحو ذلك، فعدم الرضى والتألُّم فيما كان، إنّما منشأه حالة عرضية (التوحُّد بالبعل) لا غريزة طبيعية.

والجواب عن الثاني: إنّ الاستدلال بتسوية الطبيعة بين الرجال والنساء في العدد مُختلٌّ من وجوه.

منها: أنّ أمر الازدواج لا يتّكي على هذا الذي ذكروه فحسب، بل هناك عوامل وشرائط أُخرى لهذا الأمر، فأولاً الرشد الفكري والتهيُّؤ لأمر النكاح أسرع إلى النساء منها إلى الرجال، فالنساء وخاصة في المناطق الحارّة إذا جُزن التسع صلحن للنكاح، والرجال لا يتهيَّؤون لذلك غالباً قبل الستِّ عشرة من السنين (وهو الذي اعتبره الإسلام للنكاح).

ومن الدليل على ذلك؛ السنّة الجارية في فتيات الأُمم المتمدّنة، فمن الشاذِّ النادر أن تبقى فتاة على بكارتها إلى سنِّ البلوغ القانوني، فليس إلاّ أنّ الطبيعة هيّأتها للنكاح قبل تهيُّئتها الرجال لذلك.

ولازم هذه الخاصة؛ أن لو اعتبرنا مواليد ستّ عشرة سنة من قوم (والفرض تساوي عدد الذكورة والإناث فيهم)، كان الصالح للنكاح في السنة السادسة عشر من الرجال وهي سنة أول الصلوح مواليد سنة واحدة، وهم مواليد السنة الأُولى المفروضة، والصالحة للنكاح من النساء مواليد سبع سنين، وهي مواليد السنة الأُولى إلى السابعة، ولو اعتبرنا مواليد خمسة وعشرين سنة، وهي سن بلوغ الأشدِّ من الرجال؛ حصل في السنة الخامسة

١٤٦

والعشرين على الصلوح في الرجال مواليد عشرة سنين، ومن النساء مواليد خمس عشرة سنة، وإذا أخذنا بالنسبة الوسطى، حصل لكل واحد من الرجال اثنتان من النساء بعمل الطبيعة.

وثانياً: أنّ الإحصاء - كما ذكروه - يُبيِّن أنّ النساء أطول عمراً من الرجال، ولازمه أن تهيِّئ سنة الوفاة والموت عدداً من النساء ليس بحذائهن رجال.

وممّا يؤيّد ذلك ما نشره بعض الجرائد في هذه الأيّام (جريدة الاطِّلاعات المنتشرة في طهران المؤرّخة بالثلاثاء 11 دي ماه سنة 1335 هـ ش) حكاية عن دائرة الإحصاء في فرنسا ما حاصله: قد تحصّل بحسب الإحصاء أنّه يولَد في فرنسا حذاء كل (100) مولودة من البنات (105) من البنين، ومع ذلك، فإنّ الإناث يربو عدّتهن على عدّة الذكور بما يُعادل (1765000) نسمة، ونفوس المملكة (40 مليوناً)؛ والسبب فيه أنّ البنين أضعف مقاومة من البنات قبال الأمراض، ويهلك بها (5%) الزائد منهم إلى سنة (19) من الولادة.

ثمّ يأخذ عدَّة الذكور في النقص ما بين 25 - 30 من السنين، حتى إذا بلغوا سنيِّ 60 - 65 لم يبقَ تِجاه (1500000) من الإناث إلاّ (750000) من الذكور.

وثالثاً: أنّ خاصّة النسل والتوليد تدوم في الرجال أكثر من النساء، فالأغلب على النساء أن يئسن من الحمل في سنّ الخمسين، ويمكث ذلك في الرجال سنين عديدة بعد ذلك، وربّما بقي قابلية التوليد في الرجال إلى تمام العمر الطبيعي - وهي مائة سنة - فيكون عمر صلاحية الرجل للتوليد وهو ثمانون سنة تقريباً ضعفه في المرأة وهو أربعون تقريباً، وإذا ضُمَّ هذا الوجه إلى الوجه السابق؛ أنتج أنّ الطبيعة والخلقة أباح للرجال التعدِّي من الزوجة

١٤٧

الواحدة إلى غيرها، فلا معنى لتهيئة قوّة التوليد والمنع عن الاستيلاد من محلٍّ شأنه ذلك؛ فإنّ ذلك ممّا تأباه سنّة العلل والأسباب الجارية.

ورابعاً: أنّ الحوادث المُبيدة لأفراد المجتمع - من الحروب والمقاتل وغيرهما - تحلُّ بالرجال وتفنيهم أكثر منها بالنساء بما لا يُقاس، كما تقدم أنّه كان أقوى العوامل لشيوع تعدّد الزوجات في القبائل، فهذه الأرامل والنساء العزّل لا محيص لهنّ عن قبول التعدُّد أو الزنا، أو خيبة القوّة المودعة في طبائعهنّ وبطلانها.

وممّا يتأيّد به هذه الحقيقة، ما وقع في ألمانيا الغربية قبل عدّة شهور، من كتابة هذه الأوراق: أظهرت جمعية النساء العزّل تحرُّجها من فقدان البعولة، وسألت الحكومة أن يسمح لهنّ بسنّ تشريع تعدُّد الزوجات الإسلامية، حتى يتزوّج مَن شاء من الرجال بأزيد من واحدة، ويرتفع بذلك غائلة الحرمان، غير أنّ الحكومة لم تُجبهنّ في ذلك، وامتنعت الكنيسة من قبوله، ورضيت بفشو الزنا وشيوعه وفساد النسل به.

ومنها: أنّ الاستدلال بتسوية الطبيعة النوعية بين الرجال والنساء في العدد - مع الغضِّ عمَّا تقدَّم - إنّما يستقيم فيما لو فُرض أن يتزوَّج كل رجل في المجتمع بأكثر من الواحدة إلى أربع من النساء، لكنّ الطبيعة لا تسمح بإعداد جميع الرجال لذلك، ولا يسع ذلك بالطبع إلاّ لبعضهم دون جميعهم، والإسلام لم يشرِّع تعدُّد الزوجات بنحو الفرض والوجوب على الرجال، بل إنّما أباح ذلك لمَن استطاع أن يُقيم القسط منهم، ومن أوضح الدليل على عدم استلزام هذا التشريع حرجاً ولا فساداً أنّ سير هذه السنّة بين المسلمين - وكذا بين سائر الأُمم الذين يرون ذلك - لم يستلزم حرجاً من قحط النساء وإعوازهن على الرجال، بل بالعكس من ذلك أعدَّ تحريم التعدُّد في البلاد التي فيها ذلك ألوفاً من النساء حُرمن الأزواج والاجتماع المنزلي (الأُسرة)

١٤٨

واكتفين بالزنا.

ومنها: أنَّ الاستدلال المذكور - مع الإغماض عن ما سبق - إنّما يستقيم لو لم يُصلح هذا الحكم ولم يُعدَّل بتقييده بقيود ترتفع بها المحاذير المتوهِّمة، فقد شرط الإسلام على مَن يُريد من الرجال التعدُّد، أن يُقيم العدل في معاشرتهنّ بالمعروف، وفي القسم، والفراش، وفرض عليهم نفقتهنَّ، ثمّ نفقة أولادهن، ولا يتيسر الإنفاق على أربع نسوة مثلاً ومَن يلدنه من الأولاد مع شريطة العدل في المعاشرة وغير ذلك، إلاّ لبعض أُولي الطول والسعة من الناس لا لجميعهم.

على أنَّ هناك طُرقاً دينية شرعيّة، يمكن أن تستريح إليها المرأة، فتُلزم الزوج على الاقتصار عليها والإغماض عن التكثير.

والجواب عن الثالث: أنَّه مبنيٌّ على عدم التدبُّر في نحو التربية الإسلامية، ومقاصد هذه الشريعة؛ فإنّ التربية الدينية للنساء في المجتمع الإسلامي، الذي يرتضيه الدين بالستر والعفاف، والحياء وعدم الخرق، تُنمِّي المرأة وشهوة النكاح فيها أقل منها في الرجال (على الرغم ممَّا شاع أنّ شهوة النكاح فيها أزيد وأكثر واستدلَّ عليه بتولِّعها المُفرط بالزينة والجمال طبعاً) وهذا أمر لا يكاد يَشكُّ فيه رجال المسلمين ممَّن تزوج بالنساء الناشئات على التربية الدينية، فشهوة النكاح في المتوسِّط من الرجال تُعادل ما في أكثر من امرأة واحدة، بل والمرأتين والثلاث.

ومن جهة أُخرى، من عناية هذا الدين، أن يرتفع الحرمان في الواجب من مقتضيات الطبع ومشتهيات النفس، فاعتبر أن لا تُختزن الشهوة في الرجل ولا يُحرم منها، فيدعوه ذلك إلى التعدِّي إلى الفجور والفحشاء، والمرأة الواحدة ربّما اعتذرت فيما يقرب من ثُلث أوقات المعاشرة والمصاحبة، كأيام العادة

١٤٩

وبعض أيّام الحمل والوضع والرضاع ونحو ذلك، والإسراع في رفع هذه الحاجة الغريزية هو لازم - ما تكرَّر منّا في المباحث السابقة من هذا الكتاب - أنّ الإسلام يبني المجتمع على أساس الحياة التعقُّلية دون الحياة الإحساسية، فبقاء الإنسان على حالة الإحساس، الداعية إلى الاسترسال في الأهواء والخواطر السوء، كحال التعزُّب ونحوه، من أعظم المخاطر في نظر الإسلام.

ومن جهة أُخرى، من أهمِّ المقاصد عند الشارع الإسلام تكثُّر نسل المسلمين، وعمارة الأرض بيد مجتمع مسلم عمارة صالحة ترفع الشرك والفساد.

فهذه الجهات وأمثالها، هي التي اهتمَّ بها الإسلام في تشريع تعدُّد الزوجات، دون ترويج أمر الشهوة وترغيب الناس إلى الانكباب عليها، ولو أنصف هؤلاء المستشكلون، كان هذه السنن الاجتماعية، المعروفة بين هؤلاء البانين للاجتماع على أساس التمتُّع المادي، أولى بالرمي بترويج الفحشاء والترغيب إلى الشره من الإسلام، الباني للاجتماع على أساس السعادة الدينية.

على أنّ في تجويز تعدُّد الزوجات تسكيناً لثورة الحرص، التي هي من لوازم الحرمان، فكل محروم حريص، ولا همّ للممنوع المحبوس إلاّ أن يهتك حجاب المنع والحبس، فالمسلم وإن كان ذا زوجة واحدة، فإنّه على سكن وطيّب نفس من أنّه ليس بممنوع عن التوسُّع في قضاء شهوته لو تحرّجت نفسه يوماً إليه، وهذا نوع تسكين لطيش النفس، وإحصان لها عن الميل إلى الفحشاء وهتك الأعراض المحرَّمة.

وقد أنصف بعض الباحثين من الغربيين؛ حيث قال: لم يعمل في إشاعة الزنا والفحشاء بين الملل المسيحية عامل، أقوى من تحريم الكنيسة تعدُّد

١٥٠

الزوجات.

والجواب عن الرابع: أنّه ممنوع؛ فقد بيّنا في بعض المباحث السابقة - عند الكلام في حقوق المرأة في الإسلام - أنّه لم يحترم النساء ولم يُراعِ حقوقهنّ كل المراعاة أيُّ سنَّة من السنن الدينية أو الدنيوية، من قديمها وحديثها بمثل ما احترمهن الإسلام، وسنزيد في ذلك وضوحاً.

وأمّا تجويز تعدُّد الزوجات للرجل، فليس بمبني على ما ذكر، من إبطال الوزن الاجتماعي، وإماتة حقوقهنَّ، والاستخفاف بموقفهنّ في الحياة، وإنّما هو مبنيٌّ على جهات من المصالح تقدَّم بيان بعضها.

وقد اعترف بحُسن هذا التشريع الإسلامي، وما في منعه من الفاسد الاجتماعية والمحاذير الحيوية، جمع من باحثي الغرب، من الرجال والنساء، مَن أراده فليُراجع إلى مظانِّه.

وأقوى ما تشبَّث به مخالفو سنّة التعدُّد من علماء الغرب، وزوقوه في أعين الناظرين، ما هو مشهود في بيوت المسلمين، تلك البيوت المشتملة على زوجات عديدة:

ضرّتان أو ضرائر؛ فإنّ هذه البيوت لا تحتوي على حياة صالحة ولا عيشة هنيئة، لا تلبث الضرَّتان من أول يوم حلّتا البيت دون أن تأخذا في التحاسد، حتى إنَّهم سموا الحسد بداء الضرائر، وعندئذ تنقلب جميع العواطف والإحساسات الرقيقة التي جُبلت عليها النساء من الحبِّ ولين الجانب، والرقّة والرأفة، والشفقة والنصح، وحفظ الغيب والوفاء، والمودة والرحمة والإخلاص بالنسبة إلى الزوج وأولاده من غير الزوجة، وبيته وجميع ما يتعلّق به إلى أضدادها، فينقلب البيت - الذي هو سكن للإنسان يستريح فيه من تعب الحياة اليومي وتألُّم الروح والجسم من مشاقِّ الأعمال

١٥١

والجُهد في المكسب - معركة قتال يُستباح فيها النفس والعرض والمال والجاه، لا يؤمن فيه من شيء لشيء، ويتكدّر فيه صفو العيش، وترتحل لذّة الحياة، ويحلُّ محلُّها الضرب والشتم، والسبُّ واللعن، والسعاية والنميمة، والرقابة والمكر والمكيدة، واختلاف الأولاد وتشاجرهم، وربَّما انجرَّ الأمر إلى همِّ الزوجة بإهلاك الزوج وقتل بعض الأولاد بعضاً أو آبائهم، وتتبدّل القرابة بينهم إلى الأوتار التي تسحب في الأعقاب سفك الدماء وهلاك النسل وفساد البيت، أضف إلى ذلك، ما يسري من ذلك إلى المجتمع، من الشقاء وفساد الأخلاق، والقسوة والظلم، والبغي والفحشاء، وانسلاب الأمن والوثوق، وخاصة إذا أُضيف إلى ذلك جواز الطلاق؛ فإباحة تعدُّد الزوجات والطلاق يُنشئان في المجتمع رجالاً ذوّاقين مُترفين، لا همَّ لهم إلاّ اتِّباع الشهوات والحرص والتولُّع على أخذ هذه وترك تلك، ورفع واحدة ووضع أُخرى، وليس فيه إلاَّ تضييع نصف المجتمع وإشقاؤه، وهو قبيل النساء، وبذلك يفسد النصف الآخر.

هذا محصَّل ما ذكروه، وهو حقٌّ، غير أنّه إنّما يرد على المسلمين لا على الإسلام وتعاليمه، ومتى عمل المسلمون بحقيقة ما ألقته إليهم تعاليم الإسلام، حتى يؤخذ الإسلام بالمفاسد التي أعقبته أعمالهم؟! وقد فقدوا منذُ قرون الحكومة الصالحة، التي تُربِّي الناس بالتعاليم الدينية الشريفة، بل كان أسبق الناس إلى هتك الأستار، التي أسدلها الدين ونقض قوانينه وإبطال حدوده، هي طبقة الحكَّام والولاة على المسلمين، والناس على دين ملوكهم، ولو اشتغلنا بقصِّ بعض السير الجارية في بيوت الملوك، والفضائح التي كان يأتي بها ملوك الإسلام وولاته، منذ أن تبدّلت الحكومة الدينية بالمُلك والسلطنة المستبدّة لجاء بحياله تأليفاً مستقلاً.

وبالجملة؛ لو ورد الإشكال فهو وارد على المسلمين؛ في اختيارهم لبيوتهم نوع اجتماع لا يتضمّن سعادة

١٥٢

عيشتهم، ونحو سياسة لا يقدرون على إنفاذها، بحيث لا تنحرف عن مستقيم الصراط.

والذنب في ذلك عائد إلى الرجال دون النساء والأولاد، وإن كان على كل نفس ما اكتسبت من إثم؛ وذلك أنّ سيرة هؤلاء الرجال وتفدِّيتهم سعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم، وصفاء جوِّ مجتمعهم في سبيل شرههم وجهالتهم هو الأصل لجميع هذه المفاسد، والمنبت لكل هذه الشقوة المُبيدة.

أمّا الإسلام، فلم يُشرِّع تعدُّد الزوجات على نحو الإيجاب والفرض على كل رجل، وإنّما نظر في طبيعة الأفراد، وما ربّما يعرضهم من العوارض الحادثة، واعتبر الصلاح القاطع في ذلك (كما مرّ تفصيله)، ثمّ استقصى مفاسد التكثير ومحاذيره وأحصاها، فأباح عند ذلك التعدُّد؛ حفظاً لمصلحة المجتمع الإنساني، وقيّده بما يرتفع معه جميع هذه المفاسد الشنيعة، وهو وثوق الرجل بأنّه سيقسط بينهنّ ويعدل، فمَن وثق من نفسه بذلك ووُفِّق له فهو الذي أباح له الدين تعدُّد الزوجات، وأمّا هؤلاء الذين لا عناية لهم بسعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم، ولا كرامة عندهم إلاَّ ترضية بطونهم وفروجهم، ولا مفهوم للمرأة عندهم إلاّ أنّها مخلوقة في سبيل شهوة الرجل ولذّته، فلا شأن للإسلام فيهم، ولا يجوز لهم إلاّ الازدواج بواحدة لو جاز لهم ذلك والحال هذه.

على أنّ في أصل الإشكال خلطاً بين جهتين مفرقتين في الإسلام، وهما جهتا التشريع والولاية.

توضيح ذلك: أنَّ المدار في القضاء بالصلاح والفساد، في القوانين الموضوعة والسنن الجارية عند الباحثين اليوم، هو الآثار والنتائج المرضيّة أو غير المرضية، الحاصلة من جريانها في الجوامع وقبول الجوامع لها بفعليّتها

١٥٣

الموجودة وعدم قبولها، وما أظنُّ أنّهم على غفلة، من أنَّ المجتمع ربّما اشتمل على بعض سنن وعادات عوارض لا تُلائم الحكم بالمبحوث عنه، وأنّه يجب تجهيز المجتمع بما لا يُنافي الحكم أو السنَّة المذكورة، حتى يرى إلى ما يصير أمره، وماذا يبقى من الأثر خيراً أو شرّاً أو نفعاً أو ضراً! إلاّ أنّهم يعتبرون في القوانين الموضوعة ما يُريده ويستدعيه المجتمع، بحاضر إرادته وظاهر فكرته كيفما كان، فما وافق إرادتهم ومستدعياتهم فهو القانون الصالح، وما خالف ذلك فهو القانون غير الصالح.

ولذلك؛ لمّا رأوا المسلمين تائهين في أودية الغيّ، فاسدين في معاشهم ومعادهم، نسبوا ما يشاهدونه منه من الكذب والخيانة، والخنى وهضم الحقوق، وفشوّ البغي وفساد البيوت، واختلال الاجتماع إلى القوانين الدينية الدائرة بينهم؛ زعماً منهم أنّ السنّة الإسلامية - في جريانها بين الناس وتأثيرها أثرها - كسائر السنن الاجتماعية، التي تُحمل على الناس عن إحساسات متراكمة بينهم؛ ويستنتجون من ذلك أنّ الإسلام هو المولد لهذه المفاسد الاجتماعية، ومنه ينشأ هذا البغي والفساد (وفيهم أبغى البغي وأخنى الخنى، وكل الصيد في جوف الفراء) ولو كان ديناً واقعياً، وكانت القوانين الموضوعة فيه جيّدة متضمّنة لصلاح الناس وسعادتهم لأثّرت فيهم الآثار المُسعدة الجميلة، ولم ينقلب وبالاً عليهم.

ولكنّهم خلطوا بين طبيعة الحُكم الصالحة المُصلِحة، وبين طبيعة الناس الفاسدة المفسدة، والإسلام مجموع معارف أصلية وأخلاقية، وقوانين عملية متناسبة الأطراف مرتبطة الأجزاء، إذا أفسد بعض أجزائها أوجب ذلك فساد الجميع وانحرافها في التأثير، كالأدوية والمعاجين المركّبة، التي تحتاج في تأثيرها الصحّي إلى سلامة أجزائها وإلى محلٍّ مُعدٍّ مهيّأ لورودها وعملها، ولو أفسد بعض أجزائها أو لم يعتبر في الإنسان المستعمل لها شرائط

١٥٤

الاستعمال بطل عنها وصف التأثير، وربّما أثّرت ما يُضادُّ أثرها المترقَّب منها.

هب أنّ السنّة الإسلامية لم تقوَ على إصلاح الناس ومحق الذمائم والرذائل العامة؛ لضعف مبانيها التقنينية، فما بال السنّة الديمقراطية لا تنجع في بلادنا الشرقية أثرها في البلاد الأوروبية؟! وما بالنا كلّما أمعنّا في السير والكدح بالغنا في الرجوع على أعقابنا القهقري؟! ولا يشكّ شاكٌّ أنّ الذمائم والرذائل اليوم أشدّ تصلُّباً وتعرُّقاً فينا، ونحن مدنيون متنوِّرون منها قبل نصف قرن، ونحن همجيُّون، وليس لنا حظٌّ في العدل الاجتماعي وحياة الحقوق البشرية، والمعارف العامة العالية وكل سعادة اجتماعية، إلاّ أسماء نُسمِّيها وألفاظاً نسمعها.

فهل يمكن لمعتذر عن ذلك، إلاّ بأنّ هذه السنن المرضية إنّما لم تؤثِّر أثرها؛ لأنّكم لا تعملون بها، ولاتهتمُّون بإجرائها؟! فما بال هذا العذر يجري فيها وينجع ولا يجري في الإسلام ولا ينجع؟!

وهب أنّ الإسلام لوهن أساسها (والعياذ بالله) عجز عن التمكُّن في قلوب الناس، والنفوذ الكامل في أعماق المجتمع، فلم تدم حكومته ولم يقدر على حفظ حياته في المجتمع الإسلامي، فلم يلبث دون أن عاد مهجوراً، فما بال السنّة الديمقراطية وكانت سنّة مرضية عالمية ارتحلت بعد الحرب العالمية الكبرى الأُولى عن روسيا، وانمحت آثارها وخلقتها السنّة الشيوعية؟! وما بالها انقلبت إلى السنّة الشيوعية بعد الحرب العالمية الكبرى الثانية في ممالك الصين ولتوني واستوني وليتواني ورومانيا والمجر ويوغسلافيا وغيرها، وهي تهدِّد سائر الممالك، وقد نفذت فيها نفوذاً؟!

وما بال السنّة الشيوعية بعد ما عمرت ما يقرب من أربعين سنة،

١٥٥

وانبسطت وحكمت فيما يقرب من نصف المجتمع الإنساني، ولم يزل دعاتها وأولياؤها يتباهون في فضيلتها أنّها المشرَّعة الصافية الوحيدة التي لا يشوبها تحكُّم الاستبداد ولا استثمار الديمقراطية، وأنّ البلاد التي تعرّقت فيها هي الجنّة الوعودة، ثمّ لم يلبث هؤلاء الدعاة والأولياء أنفسهم دون أن انتهضوا قبل سنتين على تقبيح حكومة قائدهم الوحيد (ستالين) الذي كان يتولَّى إمامتها وقيادتها منذ ثلاثين سنة، وأوضحوا أنّ حكومته كانت حكومة تحكُّم واستبداد واستعباد في صورة الشيوعية، ولا محالة كان له التأثير العظيم في وضع القوانين الدائرة وإجرائها وسائر ما يتعلّق بذلك، فلم ينتش شيء من ذلك إلاَّ عن إرادة مستبدّة مستعبدة وحكومة فردية تُحيي ألوفاً وتُميت ألوفاً وتُسعد أقواماً وتُشقي آخرين؟! والله يعلم مَن الذي يأتي بعد هؤلاء ويقضي عليهم بمثل ما قضوا به على مَن كان قبلهم.

والسنن والآداب والرسوم الدائرة في المجتمعات (أعمّ من الصحيحة والفاسدة)، ثمّ المرتحلة عنها لعوامل متفرِّقة، أقواها خيانة أولياؤها وضعف إرادة الأفراد المستنِّين بها كثيرة، يعثر عليها مَن راجع كُتب التواريخ.

فليت شعري! ما الفرق بين الإسلام من حيث إنّها سنّة اجتماعية وبين هذه السنن المتقلّبة المتبدّلة؛ حيث يُقبل العذر فيها ولا يُقبل في الإسلام؟! نعم كلمة الحق اليوم واقعة بين قدرة هائلة غربية وجهالة تقليد شرقية، فلا سماء تُظلُّها ولا أرض تُقلُّها.

وعلى أيّ حال، يجب أن يتنبّه ممّا فصّلناه، أنّ تأثير سنّة من السنن أثرها في الناس وعدمه، وكذا بقاؤها بين الناس وارتحالها لا يرتبط - كل الارتباط - بصحّتها وفسادها، حتى يُستدلّ عليه بذلك، بل لسائر العلل والأسباب تأثير في ذلك، فما من سنّة من السنن الدائرة بين الناس في جميع الأطوار والعهود إلاّ وهي تنتج يوماً وتُعقم آخر، وتُقيم بين الناس بُرهة من الزمان وترتحل عنهم في أُخرى لعوامل مختلفة تعمل فيها، وتلك الأيام

١٥٦

نُداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء.

وبالجملة؛ القوانين الإسلامية والأحكام التي فيها، تُخالف بحسب المبنى والمشرب سائر القوانين الاجتماعية الدائرة بين الناس، فإنّ القوانين الاجتماعية التي لهم تختلف باختلاف الأعصار وتتبدّل بتبدُّل المصالح، لكنّ القوانين الإسلامية لا تحتمل الاختلاف والتبدُّل من واجب أو حرام، أو مستحب أو مكروه أو مباح، غير أنّ الأفعال التي للفرد من المجتمع أن يفعلها أو يتركها، وكل تصرُّف له أن يتصرَّف به أو يدعه، فلوليِّ الأمر أن يأمر الناس بها أو يناهم عنها، ويتصرّف في ذلك كأنّ المجتمع فرد والوالي نفسه المتفكّرة المريدة.

فلو كان للإسلام والٍ أمكنه أن يمنع الناس عن هذه المظالم التي يرتكبونها باسم تعدُّد الزوجات وغير ذلك، من غير أن يتغيّر الحكم الإلهي بإباحته، وإنّما هو عزيمة إجرائية عامة لمصلحة، نظير عزم الفرد الواحد على ترك تعدُّد الزوجات، لمصلحة يراها لا لتغيير في الحكم، بل لأنّه حكم إباحي له أن يعزم على تركه.

١٥٧

تعدُّد أزواج النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم):

وممّا اعترضوا عليه تعدّد زوجات النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قالوا: إنّ تعدّد الزوجات لا يخلو في نفسه عن الشره والانقياد لداعي الشهوة، وهو (صلّى الله عليه وآله وسلم) لم يقنع بما شرّعه لأُمّته من الأربع حتى تعدّى إلى التسع من النسوة.

والمسألة ترتبط بآيات متفرّقة كثيرة في القرآن، والبحث من كل جهة من جهاتها يجب أن يُستوفى عند الكلام على الآية المربوطة بها؛ ولذلك أخّرنا تفصيل القول إلى محالّه المناسبة له، وإنّما نُشير ههنا إلى ذلك إشارة إجمالية.

فنقول: من الواجب أن يُلفت نظر هذا المعترض المستشكل إلى أنّ قصّة تعدّد زوجات النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ليست على هذه السذاجة (أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالغ في حبِّ النساء حتى أنهى عدّة أزواجه إلى تسع نسوة) بل كان اختياره لمَن اختارها منهنّ على نهج خاص في مدى حياته، فهو (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان تزوّج - أول ما تزوّج - بخديجة رضي الله عنها، وعاش معها مقتصراً عليها نيِّفاً وعشرين سنة (وهي ثُلثا عمره الشريف بعد الازدواج) منها ثلاث عشرة سنة بعد نبوته قبل

١٥٨

الهجرة من مكّة، ثمّ هاجر إلى المدينة وشرع في نشر الدعوة وإعلاء كلمة الدين، وتزوّج بعدها من النساء منهنّ البكر، ومنهنّ الثيّب، ومنهنّ الشابّة، ومنهنّ العجوز، والمكتهلة، وكان على ذلك ما يقرب من عشرة سنين، ثمّ حُرِّم عليه النساء بعد ذلك إلاّ من هي في حبالة نكاحه، ومن المعلوم أنّ هذا الفعال على هذه الخصوصيات لا يقبل التوجيه بمجرّد حبّ النساء والولوع بهنّ، والوله بالقرب منهنّ، فأوّل هذه السيرة وآخرها يُناقضان ذلك.

على أنّا لا نشكُّ - بحسب ما نُشاهده من العادة الجارية - أنّ المتولّع بالنساء، المغرم بحبهنّ والخلاء بهنّ والصبوة إليهنّ، مجذوب إلى الزينة، عشيق للجمال، مفتون بالغنج والدلال، حنين إلى الشباب ونضارة السنِّ وطراوة الخلقة، وهذه الخواص أيضاً لا تنطبق على سيرته (صلّى الله عليه وآله وسلم) فإنّه بنى بالثيّب بعد البكر، وبالعجوز بعد الفتاة الشابّة، فقد بنى بأمّ سلمة وهي مسنّة، وبنى بزينب بنت جحش وسنّها يومئذٍ يربو على الخمسين بعدها تزوّج بمثل عائشة وأُمّ حبيبة، وهكذا.

وقد خيّر نساءه بين التمتيع والسراح الجميل، وهو الطلاق إن كنّ يُردن الدنيا وزينتها، وبين الزهد في الدنيا وترك التزيين والتجمُّل إن كنّ يُردن الله ورسوله والدار الآخرة، على ما يشهد به قوله تعالى في القصة:

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .

وهذا المعنى أيضاً - كما ترى - لا ينطبق على حال رجل مُغرم بجمال النساء، صابٍ إلى وصالهنّ.

____________________

(1) سورة الأحزاب، الآيتان: 28 - 29.

١٥٩

فلا يبقى حينئذ للباحث المتعمِّق - إذا أنصف - إلاّ أن يوجّه كثرة ازدواجه (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيما بين أول أمره وآخر أمره بعوامل أُخَر، غير عامل الشره والشبق والتلهِّي.

فقد تزوّج (صلّى الله عليه وآله وسلم) ببعض هؤلاء الأزواج اكتساباً للقوّة وازدياداً للعضد والعشيرة، وببعض هؤلاء استمالة للقلوب وتوقّياً من بعض الشرور، وببعض هؤلاء ليقوم على أمرها بالإنفاق وإدارة المعاش؛ وليكون سنّة جارية بين المؤمنين في حفظ الأرامل والعجائز من المسكنة والضيعة، وببعضها لتثبيت حكم مشروع وإجرائه؛ عملاً لكسر السنن المنحطّة والبدع الباطلة الجارية بين الناس، كما في تزوجه بزينب بنت جحش، وقد كانت زوجة لزيد بن حارثة ثمّ طلّقها زيد، وقد كان زيد هذا يُدعى ابن رسول الله على نحو التبنّي، وكانت زوجة المدعوّ ابناً عندهم كزوجة الابن الصُلبي، لا يتزوّج بها الأب، فتزوّج بها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ونزل فيها الآيات.

وكان (صلّى الله عليه وآله وسلم) تزوّج لأول مرّة بعد وفاة خديجة بسودة بنت زمعة، وقد توفِّي عنها زوجها بعد الرجوع من هجرة الحبشة الثانية، وكانت سودة هذه مؤمنة مهاجرة، ولو رجعت إلى أهلها وهم يومئذ كفّار لفتنوها، كما فتنوا غيرها من المؤمنين والمؤمنات بالزجر والقتل، والإكراه على الكفر.

وتزوّج بزينب بنت خزيمة، بعد قتل زوجها عبد الله بن جحش في أُحد، وكانت من السيدات الفُضليات في الجاهلية، تُدعى أمَّ المساكين؛ لكثرة برِّها للفقراء والمساكين وعطوفتها بهم، فصان بازدواجها ماء وجهها.

وتزوّج بأمّ سلمة واسمها هند، وكانت من قبل زوجة عبد الله أبي سلمة ابن عمّة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأخيه من الرضاعة، أول مَن هاجر إلى الحبشة، وكانت زاهدة فاضلة، ذات دين ورأي، فلمّا توفِّي عنها زوجها كانت مسنّة ذات أيتام

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

فريضتهما الثانية الربع للزوج والسدس للام كاملين، وأعطي الباقي للبنتين بالسواء، ولو اجتمع الاختان مع هؤلاء لم يكن لهما شئ أصلا، لان مراتب الإرث بالنسب عند أئمة أهل البيت وأوليائهم ثلاث " المرتبة الأولى ": الآباء والأمهات دون آبائهم وأمهاتهم، والأبناء والبنات على ما هو مفصل في محله، " المرتبة الثانية ": الإخوة والأخوات والأجداد والجدات على ما هو مبين في مظانه من كتب الفقه والحديث. " المرتبة الثالثة " الأعمام والعمات والأخوال والخالات على ما هو مفصل في فقهنا وحديثنا فلا يرث أحد من المرتبة التالية مع وجود أحد من سابقتها( وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّه ) (٣٧١) .

هذا مذهب الأئمة من العترة التي جعلها الله ورسوله بمنزلة الكتب إلى يوم الحساب، وعليه إجماع الإمامية. فالاختان من أهل المرتبة الثانية كما بيناه فلا ترثان مع وجود الأم. والله تعالى أعلم(٣٧٢) .

[ المورد - (٣٠) -: ميراث الجد مع الإخوة ]

أخرج البيهقي في سننه وفي شعب الإيمان كليهما(١) ان عمر سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم عن ميراث الجد مع الإخوة فقال له: ما سؤالك عن هذا يا عمر ؟ اني أظنك تموت قبل أن تعلمه، قال راوي هذا الحديث - سعيد بن المسيب - فمات عمر قبل أن يعلمه(٣٧٣) .

____________________

(٣٧١) سورة الأنفال: ٧٥.

(٣٧٢) جواهر الكلام ج ٣٩ / ١١١ - ١٩٥، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج ٨ / ٢٢ - ٢٤.

(١) وأخرجه الشيخ في فرائضه. ونقله المتقى الهندي في ص ١٥ من ج ٦ من كنز العمال (منه قدس).

(٣٧٣) الغدير للأميني ج ٦ / ١١٦ (*).

٢٨١

قلت: وقد اضطرب في هذه المسألة أيام خلافته حتى قضى فيها - فيما قيل عنه - بسبعين حكما.

قال عبيدة السلماني(١) : لقد حفظت لعمر بن الخطاب في الجد مائة قضية مختلفة(٣٧٤) .

وعن عمر قال(٢) : إني قضيت في الجد قضيات لم آل فيها عن الحق. ورجع أخيرا في هذه المعضلة إلى زيد بن ثابت(٣٧٥) . قال طارق بن شهاب الزهري(٣) : كان عمر بن الخطاب قضى في ميراث الجد مع الإخوة قضايا مختلفة، ثم أنه جمع الصحابة وأخذ كتفا ليكتب فيه وهم يرون أنه يجعله أبا فخرجت حية فتفرقوا فقال: لو أراد الله تعالى ان يمضيه لامضاه ثم أنه أتى إلى منزل زيد بن ثابت فقال له: جئتك في أمر الجد وأريد أن أجعله أبا، فقال زيد: لا أوافقك على ان تجعله أبا فخرج عمر مغضبا ثم أرسل إليه في وقت آخر فكتب زيد مذهبه فيه في قطعة قتب، فلما أتى عمر كتاب زيد خطب الناس ثم قرأ قطعة القتب عليهم (ثم قال): ان زيدا قد قال: في الجد قولا قد امضيته(٣٧٦) .

____________________

(١) فيما أخرجه عنه ابن أبى شيبة والبيهقي في سننهما وابن سعد في طبقاته ونقله صاحب كنز العمال في الفرائض ص ١٥ من جزئه السادس (منه قدس).

(٣٧٤) سنن البيهقي ج ٦ / ٢٤٥، الجامع لابن أبى شيبة، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ٣٣٦، الغدير للأميني ج ٦ / ١١٦ و ١١٧.

(٢) فيما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان كما في ص ١٥ من ج ٦ من كنز العمال (منه قدس).

(٣٧٥) الغدير للأميني ج ٦ / ١١٧.

(٣) فيما نقله الدميري في تتمة مادة الحية من حياة الحيوان. ومن أراد الوقوف على ارتباك عمر في هذه القضية فعليه بالوقوف على ما حولها من صحاح السنة ومسانيدها وحسبك ما في الفرائض من كنز العمال ومن مستدرك الحاكم (منه قدس).

(٣٧٦) حياة الحيوان للدميري. (*)

٢٨٢

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٢٦٤: -

[ المورد - (٣١) -: الفريضة المشتركة وتعرف بالحمارية ]

مجمل هذه الفريضة ان امرأة ماتت عن زوج وأم، وأخوين لامها دون أبيها وأخوين آخرين لامها وأبيها معا، وذلك على عهد الخليفة الثاني فرفعت إليه هذه القضية مرتين، فقضى في المرة الأولى بإعطاء زوجها فرضه وهو النصف وإعطاء أمها فرضها وهو السدس، وإعطاء أخويها لامها خاصة الثلث لكل منهما السدس فتم المال، واسقط أخويها الشقيقين.

وفي المرة الثانية أراد أن يحكم بذلك أيضا فقال له أحد الشقيقين: هب ان أبانا كان حمارا فأشركنا في قرابة أمنا، فأشرك بينهم بتوزيع الثلث على الإخوة الأربعة بالسواء، فقال له رجل: انك لم تشركهما عام كذا، فقال عمر: تلك على ما قضينا يومئذ، وهذه على ما قضينا الآن(٣٧٧) .

وتعرف هذه المسألة بالفريضة الحمارية ؟ لقوله: هب أن أبانا كان حمارا

____________________

(٣٧٧) أخرجه البيهقي وابن أبى شيبة في سننهما، وعبد الرزاق في جامعه كما في أول الصفحة الثانية من فرائض كنز العمال وهو الحديث ١١٠ من أحاديث الكنز في ص ٧ من جزئه السادس، وذكر في هذه القضية الفاضل الشرقاوي في حاشيته على التحرير للشيخ زكريا الأنصاري، ونقل صاحب مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: ان عمر كان أولا يقول بعدم التشريك ثم رجع. قال: وسبب رجوعه انه سئل عن هذه المسألة فأجاب كما هو مذهبه فقام واحد من الأولاد لأب وأم وقال: يا أمير المؤمنين لئن سلمنا أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة فأطرق رأسه مليا وقال: صدقت لأنكم بنو أم واحدة فشركهم في الثلث. أه‍، وهذه الواقعة نقلها أحمد أمين بهذه الكيفية على سبيل الاختصار في ص ٢٨٥ من الجزء المختص بالحياة العقلية وهو الجزء الأول من فجر الإسلام (منه قدس). راجع: سنن البيهقي ج ٦ / ٢٥٥ (*).

٢٨٣

وربما سميت بالحجرية واليمية، إذ روى ان بعضهم قال: هب أن أبانا كان حجرا ملقى في اليم، وقد تسمى العمرية لاختلاف قولي عمر فيها، ويقال لها المشتركة(١) وهي من المسائل المعروفة عند فقهاء المذاهب الأربعة، وهم مختلفون فيها فأبو حنيفة وصاحباه، وأحمد بن حنبل وزفر، وابن أبي ليلى، يرون حرمان الأخوين الشقيقين على ما قضى به عمر أولا، بخلاف مالك والشافعي فانهما يشركان الشقيقين مع الأخوين لام في الثلث(٢) على ما قضى به خيرا(٣٧٨)

أما أئمة أهل البيت وشيعتهم الإمامية فانهم كما بيناه آنفا يجعلون الورثة بالنسب ثلاث طبقات مرتبة لا يرث واحد من الطبقة اللاحقة مع وجود وارث واحد من الطبقة السابقة مطلقا، والأم عندهم من الطبقة الأولى بخلاف الإخوة والأخوات مطلقا فانهم من الطبقة الثانية كما هو مفصل في فقههم، وعليه فالحكم في هذه المسألة عندهم أن يأخذ الزوج فرضه وهو النصف، والباقي للام فرضا وردا، وليس لواحد من الإخوة مطلقا مع وجودها شئ(٣٧٩) .

____________________

(١) وبهذه المناسبة ذكرها الواسطي في تاج العروس في مادة شرك تجدها مفصلة (منه قدس).

(٢) كما قال بعضهم :

وان تجد زوجا وأما ورثا

وإخوة للام حازوا الثلثا

وإخوة أيضا لام وأب

واستغرقوا المال بفرض النصب

فاجعلهم كلهم لام

واجعل أباهم حجرا في اليم

واقسم على الإخوة ثلث التركة

فهذه المسألة (المشتركة)

(منه قدس)

(٣٧٨) الفقه على المذاهب الخمسة ص ٥٣٩، المغنى لابن قدامة ج ٦ / ١٨٠ ط ٣.

(٣٧٩) جواهر الكلام ج ٣٩ / ١١٢، تحرير الوسيلة للإمام الخميني ج ٢ / ٣٧٨ وما بعدها، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج ٨ / ٩٤ (*).

٢٨٤

[ المورد - (٣٢) -: ان نصيب الورثة (مما ترك الوالدان والأقربون) مطلق من حيث العروبة وغيرها ]

قال الله عز من قائل:( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) (١) وقال سبحانه وتعالى:( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (٢) وآيات الفرائض والمواريث كلها على هذا النسق في اطلاقها وهي في سورة النساء فلتراجع، ومثلها السنن المأثورة في هذا الموضوع، وعلى ذلك إجماع الأمة بأسرها نصا وفتوى.

قال الإمام أبو عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام : " الإسلام شهادة ان لا اله الا الله والتصديق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح والمواريث "(٣٨٠) .

وقال الإمام أبو جعفر محمد الباقر في صحيح حمران من كلام له: " والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرق الإسلامية كلها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة وصوم الشهر وحج البيت، فخرجوا بذلك عن الكفر وأضيفوا إلى الإيمان "(٣٨١) .

____________________

(١) الآية ٦ من سورة النساء.

(٢) الآية ١٠ من سورة النساء.

(٣٨٠) الإرث والعروبة: راجع: الكافي ك الإيمان والكفر ضمن مرآة العقول ج ٧ / ١٥١ ط جديد، صحيح الكافي ج ١ / ٦٩ ط بيروت.

(٣٨١) جامع أحاديث الشيعة ج ١ / ٤٦٨ ب ٢٠ ح ٢٤ الكافي ضمن مرآة العقول ج ٧ / ١٥٥، الغدير ج ٦ / ١٨٧ (*).

٢٨٥

لكن حدث مالك في الموطأ عن الثقة عنده انه سمع سعيد بن المسيب يقول: أبى عمر ابن الخطاب ان يورث احدا من الأعاجم(١) إلا أحدا ولد في العرب، قال مالك: وان جاءت امرأة حامل من ارض العدو فوضعته في ارض العرب فهو ولدها يرثها ان ماتت وترثه ان مات ميراثها في كتاب الله انتهى بعين لفظه(٢) .

[ المورد - (٣٣) - ارث الخال لابن اخته: ]

أخرج سعيد بن منصور في سننه: أن رجلا عرف اختا له سبيت له في الجاهلية فوجدها بعد ذلك ومعها ابن لها لا يدري من أبوه، فاشتراهما ثم اعتقهما، فأصاب الغلام مالا ثم مات، فأتوا ابن مسعود فذكروا له ذلك. فقال: أئت عمر فسله ثم ارجع إلي فأخبرني بما يقول لك، فأتى عمر فذكر ذلك له فقال: ما أراك عصبته ولا بذي فريضة ولم يورثه، فرجع إلى ابن مسعود فأخبره، فانطلق ابن مسعود معه حتى دخل على عمر فقال له كيف أفتيت هذا الرجل ؟. قال: لم أره عصبة ولا بذي فريضة ولم أر وجها لتوريثه، فما ترى أنت يا عبد الله قال: أراه ذا رحم (لكونه خاله) وولي نعمة - لكونه معتقا - وأرى أن يورث به، فأبطل عمر حكمه الأول وورثه به(٣٨٢) .

نقل هذه الواقعة صاحب كنز العمال في كتاب الفرائض ص ٨ من الجزء السادس من كنزه، وانما تصح فتوى ابن مسعود إذا كانت أم الغلام متوفاة قبل ولدها.

____________________

(١) لعل اباء عمر عن توريث أولئك الأعاجم مسبب عن عدم ثبوت كونهم من ورثته شرعا، أما لكون ميتهم مسلما وهم كفار أو لكونهم لم يثبت لديه انهم من أرحامه الوارثين له والله تعالى أعلم (منه قدس).

(٢) فراجعه في كتاب الفرائض ص ١١ من ج ٢ قبل الكلام في ميراث من جهل أمره بالقتل (منه قدس).

(٣٨٢) الفقه على المذاهب الخمسة ص ٥٥٤ (*).

٢٨٦

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٢٦٨: -

[ المورد - (٣٤) -: عدة الحامل يتوفى عنها زوجها ]

ذكر البيهقي في شعب الإيمان ان امرأة استفتت عمر فقالت له: وضعت حملي بعد وفاة زوجي قبل انقضاء العدة، فأفتاها بوجوب التربص إلى أبعد الأجلين، فعارضه أبي بن كعب بمحضر من المرأة، وروى له: ان عدتها ان تضع حملها، وأباح لها ان تتزوج قبل الأربعة أشهر والعشر فلم يقل عمر لها سوى: إني أسمع ما تسمعين(٣٨٣) وعدل عن فتواه متوقفا، لكنه بعد ذلك وافق أبي بن كعب فقال، بأنها لو وضعت ذا بطنها وزوجها على السرير لم يدفن حلت للأزواج(١) وعلى هذا المنهاج سلك أهل المذاهب الأربعة إلى هذه الأيام(٣٨٤) .

لكنا نحن الإمامية وجدنا في القرآن الحكيم آيتين تتعارضان في عدة المتوفى عنها زوجها وهي حبلى، وهما قوله عز من قائل،( وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ

____________________

(٣٨٣) وهذا الحديث هو الحديث ٣٣٧٦ في ص ١٦٦ من ج ٥ من كنز العمال فراجع (منه قدس). عدة الحامل يتوفى عنها زوجها: كنز العمال.

(١) هذه الفتوى أخرجها عنه بالإسناد إليه كل من البيهقي وابن أبى شيبة في سننهما وهى الحديث ٣٣٧٩ في ص ١٦٦ من الجزء الخامس من الكنز (منه قدس).

(٣٨٤) الفقه على المذاهب الخمسة ص ٤٣٣ (*).

٢٨٧

أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (٣٨٥) وقوله تبارك وتعالى:( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) (٣٨٦) فالحبلى المتوفي عنها زوجها إذا أخذت بالآية الأولى حلت للأزواج بوضع حملها وان لم تمض المدة المضروبة في الآية الثانية، وان أخذت بالآية الثانية حلت للأزواج بمضي المدة المضروبة فيها وان لم تضع حملها، وعلى كلا الفرضين تكون مخالفة لإحدى الآيتين، ولا يمكنها الأخذ بكلتيهما معا إلا إذا تربصت إلى أبعد الأجلين، فإذا لا مندوحة لها عن ذلك، وهذا هو المروي عن أمير المؤمنين علي (ع) وابن عباس(١) وعليه الإمامية عملا بنصوص أئمتهمعليهم‌السلام (٣٨٧) .

[ فصل ]

اختلف المسلمون في ابتداء عدة الوفاة التي هي أربعة أشهر وعشر، فالذي عليه الجمهور ان ابتداءها انما هو موت زوجها سواء أعلمت بموته إذ مات أم لم تعلم لغيبته عنها أو لسبب آخر(٣٨٨) .

____________________

(٣٨٥) سورة الطلاق: ٤.

(٣٨٦) سورة البقرة: ٢٣٤.

(١) رواه عنهما الزمخشري في الكشاف فراجع منه تفسير قوله تعالى( وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) من سورة الطلاق وهذا مذهب أهل البيتعليهم‌السلام وهو الأحوط (منه قدس).

(٣٨٧) راجع: وسائل الشيعة ج ١٥ / ٤٥٥ ك الطلاق باب ٣١ من أبواب العدد جواهر الكلام ج ٣٢ / ٢٧٥، الروضة البهية للشهيد الثاني ج ٦ / ٦٢، الفقه على المذاهب الخمسة ص ٤٣٤، كشف اللثام ج ١ / ١٣٤ ك الطلاق.

(٣٨٨) الفقه على المذاهب الخمسة ص ٤٣٥ (*).

٢٨٨

اما ما نحن عليه من الرأي والعمل في هذه العدة، فانما ابتداؤها علم الزوجة بوفاة زوجها فلو تأخر علمها بذلك مهما تأخر فلا تتزوج حتى تمضي عليها - بعد علمها بالوفاة - أربعة أشهر وعشر، وحينئذ تحل للأزواج عملا بالتربص الذي هو صريح الآية، وأخذا بالحداد الواجب على المرأة بموت زوجها(٣٨٩) .

[ المورد - (٣٥) -: تزويج زوجة المفقود ]

قال الفاضل الدواليبي(١) : وكذلك اجتهد عمر في زوجة المفقود حيث حكم بأن لزوجة المفقود بعد ان يمضي أربع سنوات على فقدانه ان تتزوج بعد ان تقضي عدتها، وان لم يثبت موت زوجها، وذلك دفعا لضرر بقاء الزوجة معلقة مدى العمر.

(قال): وبذلك اخذ الإمام مالك خلافا لمذهب الحنفية والشافعية الذين قالوا ببقاء الزوجة في عصمة زوجها المفقود حتى تثبت وفاته أو تموت اقرانه لان الأصل النظري في ذلك اعتبار الاستمرار في حياته حتى يقوم دليل على انقطاعها.

(قال): غير ان رأى عمررضي‌الله‌عنه أجدر بالاعتبار لما فيه من دفع ضرر ظاهر عن زوجة المفقود، وفيه كما ترى اطلاق النكاح لها خلافا لظواهر نصوص الشريعة التي أخذ بها بقية الأئمة.

____________________

(٣٨٩) تحرير الوسيلة للإمام الخميني ج ٢ / ٣٤٠، جواهر الكلام ج ٣٢ / ٣٧٢، الروضة البهية للشهيد الثاني ج ٦ / ٨٢، الفقه على المذاهب الخمسة ص ٤٣٣.

(١) في ص ٢٤١ والتي بعدها من كتابه أصول الفقه (منه قدس) (*).

٢٨٩

(قال): وما هذا إلا تغيير للأحكام تبعا للأحوال، وذلك تقدير لظروف خاصة لابد من تقديرها دفعا للضرر والحرج، فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " لا ضرر ولا ضرار "(٣٩٠) وقال الله سبحانه وتعالى:( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٣٩١)

(قال): وليس ذلك في الحقيقة تعطيل للنصوص بل أعمال لها على ضوء المصلحة والظروف. انتهى بلفظه.

قلت: أما نحن الإمامية فان لدينا عن أئمة العترة الطاهرة. نصوصا تحكم على الأصل النظري في ذلك، لتصريحها بأن المفقود إذا جهل خبره، وكان لزوجته من ينفق عليها، وجب عليها التربص إلى أن يحضر، أو تثبت وفاته، أو ما يقوم مقامهما. وان لم يكن ثمة من ينفق عليها فلها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فان فعلت بحث الحاكم عن أمره أربع سنين من حين رفع أمرها إليه، في الجهة التي فقد فيها ان كانت معينة والا ففي الجهات الأربع، ثم يطلقها الحاكم نفسه، أو يأمر الولي.

والأحوط تقديم أمر الولي به فان امتنع طلق الحاكم لأنه مدلول الأخبار الصحيحة، وانما يصح هذا الطلاق بعد المدة، ورجوع الرسل أو ما في حكمه، وتعتد بعده عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، وتحل بعد العدة للزواج، فان جاء المفقود في العدة فهو أملك بها، وإلا فلا سبيل له عليها، سواء أوجدها قد تزوجت أم لا.

هذا مذهب الإمامية في المسألة تبعا لأئمتهمعليهم‌السلام (٣٩٢) .

____________________

(٣٩٠) قاعدة لا ضرر ولا ضرار: القواعد الفقيهية للبجنوردى ج ١ / ١٧٦، وقد أورد الشيخ الأنصاري هذا الحديث بطرق متعددة في رسالة خاصة طبعت ملحقا في آخر المكاسب له طبع إيران، القواعد الفقهية للشيخ ناصر مكارم الشيرازي ص ٢٢.

(٣٩١) سورة الحج: ٧٨.

(٣٩٢) تحرير الوسيلة للإمام الخميني ج ٢ / ٣٤٠، جواهر الكلام ج ٣٢ / ٢٨٨، الروضة البهية للشهيد الثاني ج ٦ / ٦٥، وسائل الشيعة ج ١٤ ك النكاح باب - ٤٤ - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة وج ١٥ / ٣٨٩ باب - ٢٣ - من أبواب أقسام الطلاق.

٢٩٠

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٢٧٢: -

[ المورد - (٣٦) -: بيع أمهات الأولاد ]

تصافق الجمهور أعني أهل المذاهب الأربعة من المسلمين على أن الذي حرم بيع أمهات الأولاد ونهى عنه انما هو عمر، وان بيعهن كان مباحا، على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعهد أبي بكر وفي شطر من خلافة عمر وعدوا ذلك في مناقبه(١) كما عدوا التراويح وأمثالها(٣٩٣) .

لكن الباحثين عن حقيقة هذا الأمر وجدوا في السنن الثابتة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما هو ظاهر في تحريم بيعهن، فعلموا ان عمر انما أخذ بتلك السنن وعمل على مقتضاها، وحسبك من علمه بها ما حدث به ابنه عبد الله انه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أم الولد لا تباع ولا توهب ولا تورث ولا توقف، يستمتع بها " أي مالكها " مدة حياته، فإذا مات عتقت بموته(٣٩٤) .

وحدث ابن عباس فقال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبره(٣٩٥) .

وهذان الحديثان أوردهما بعين لفظهما عن ابن عمر وابن عباس، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب أمهات الأولاد وهو في

____________________

(١) وحسبك في ذلك ما قاله خالد محمد خالد مما نقلناه عنه في مبحث الطلاق الثلاث على كتابنا هذا فراجع (منه قدس).

(٣٩٣) الكامل في التاريخ ج ٣ / ٣١، الطبقات لابن سعد ج ٣ / ٢٨١.

(٣٩٤) الخلاف للشيخ الطوسي.

(٣٩٥) الخلاف للشيخ الطوسي. وقريب منه في: الفتح الكبير ج ١ / ٢٦٢ (*).

٢٩١

آخر المجلد الثاني من كتاب الخلاف، وعلى مقتضى الظاهر منهما، ان منع عمر لم يكن عن رأي رآه، وانما كان منه عملا بحديث ابنه عبد الله وحديث ابن عباس ولعل هذا لا يخفى.

لكن الشيخ قد اضطرته نصوص الأئمة من أهل البيت في هذا الموضوع إلى تأويل الحديثين بحملهما على ما يقتضيه مذهبهمعليهم‌السلام كما سنتلوه عليك من كلامه.

واليك نصه: قال: إذا استولد الرجل أمة في ملكه ثبت لها حرمة الاستيلاد، ولا يجوز بيعها ما دامت حاملا، فإذا ولدت لم يزل الملك عنها ولم يجز بيعها مادام ولدها باقيا الا في ثمن رقبتها، فان مات ولدها جاز بيعها على كل حال، فان مات سيدها جعلت في نصيب ولدها وعتقت عليه، فان لم يخلف غيرها عتق منها نصيب ولدها واستسعت لباقي الورثة.

(قال) وبه قال علي عليه الصلاة والسلام، وابن الزبير، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وابن مسعود، والوليد ابن عقبة وسويد بن غفلة، وعمر بن عبد العزيز وابن سيرين، وعبد الملك بن يعلى من أهل الظاهر.

(قال): وقال داود: يجوز التصرف فيها على كل حال ولم يفصل.

(قال) وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك: لا يجوز بيعها ولا التصرف في رقبتها بوجه وتعتق عليه بوفاته.

(قال): دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فلا خلاف انه يجوز وطؤها بالملك فلو كان الملك قد زال لما جاز ذلك، وأيضا فلا خلاف انه يجوز عتقها، فلو كان زال الملك عنها لما جاز ذلك، وأيضا فالأصل كونها رقا فمن ادعى زوال ذلك وثبوت عتقها بعد وفاته فعليه الدلالة.

(قال): وما رواه ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: " أيما أمة ولدت من

٢٩٢

سيدها فهي حرة عن دبره " فمحمول على انه إذا مات سيدها فحصلت لولدها فانها تنعتق عليه.

(قال): وما رواه عبدالله بن عمر ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: " أم الولد لا تباع ولا توهب ولا تورث ولا توقف. يستمتع بها مدة حياته فإذا مات عتقت بموته ". فالمعنى فيه أن لا يجوز بيعها مادام ولدها حيا فإذا مات سيدها انعتقت على ما قلناه في الخبر الأول. هذا كلام الشيخ بنصه أعلى الله مقامه(٣٩٦) .

[ المورد - (٣٧) - وجوب التيمم للصلاة ونحوها مع فقد الماء. ]

حسبك من النصوص على ذلك قوله عز من قائل في سورة المائدة:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ) (٣٩٧)

وقوله سبحانه وتعالى في سورة النساء:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ

____________________

(٣٩٦) الخلاف للشيخ الطوسي ج. وراجع: جواهر الكلام ج ٢٢ / ٣٧٤، الروضة البهية في شرح اللمعة ج ٣ / ٢٥٦.

(٣٩٧) وجوب التيمم عند فقد الماء: سورة المائدة: ٦ (*).

٢٩٣

كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) (٣٩٨) .

والسنن المأثورة في ذلك صحاح متضافرة، والمسألة مما أجمعت الأمة عليه، لم ينقل فيها مخالفة(٣٩٩) إلا عن عمر بن الخطاب، فان المشهور عنه(١) سقوط الفريضة عمن فقد الماء حتى يجده(٤٠٠) .

وقد أخرج البخاري ومسلم في التيمم من صحيحيهما عن سعيد بن عبد الرحمن بن ابزي عن أبيه: ان رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء فقال: لا تصل - وكان عمار بن ياسر إذ ذاك حاضرا - فقال: عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : انما كان يكفيك ان تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك. فقال عمر: اتق الله يا عمار. قال: ان شئت لم احدث به(٢) !. فقال عمر نوليك ما توليت "

____________________

(٣٩٨) سورة النساء: ٤٣

(٣٩٩) صحيح البخاري ج ١ / ١٢٩، صحيح مسلم ك الطهارة باب التيمم ج ١ / ١٩١، مسند أحمد ج ٤ / ٤٣٤، سنن البيهقي ج ١ / ٢١٦ و ٢١٧ و ٢١٩ و ٢٢٠، تاريخ بغداد ج ٨ / ٣٧٧، الغدير ج ٦ / ٨٥ - ٩٢.

(١) نقل عنه هذه الشهرة عدة من الأعلام كالقسطلاني في مباحث التيمم ص ١٣١ من الجزء الثاني من ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري (منه قدس).

(٤٠٠) عمر وسقوط الفريضة عند عدم الماء: راجع: الغدير للأميني ج ٦ / ٨٤ و ٨٥، عمدة القاري للعيني ج ٢ / ١٧٢، فتح الباري ج ١ / ٣٥٢، صحيح مسلم ج ١ / ١٩٣.

(٢) انما قال ذلك خوفا بدليل قول عمر له. نوليك ما توليت تهديدا له (منه قدس) (*).

٢٩٤

انتهى واللفظ لمسلم(٤٠١) .

وقيل: مال إلى رأي عمر في هذه المسألة ابن مسعود، إذ أخرج البخاري وغيره من أصحاب الصحاح والسنن واللفظ للبخاري من طريق شقيق بن سلمة(١) قال: كنت عند عبدالله بن مسعود وأبي موسى الأشعري، فقال له أبو موسى يا أبا عبدالرحمن إذا أجنب المكلف فلم يجد ماء كيف يصنع ؟ قال عبدالله: لا يصلي حتى يجد الماء. فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان يكفيك ؟ قال: ألم تر عمر لم يقنع بذلك. فقال أبو موسى: دعنا من قول عمار فما تصنع بهذه الاية - وتلا عليه آية المائدة - قال: فما درى عبدالله ما يقول. (الحديث)(٤٠٢) .

قلت: انما كان ابن مسعود في كلامه هذا مع أبي موسى متقيا من عمر ومن صاحبه أبي موسى، لا ريب في ذلك والله تعالى أعلم.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٢٧٦: -

[ المورد - (٣٨) -: التطوع بركعتين بعد العصر ]

أخرج مسلم في صحيحه(٢) عن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت :

____________________

(٤٠١) صحيح مسلم ك الطهارة باب التيمم ج ١ / ١٩٣، صحيح البخاري ج ١ / ٨٧، الطرائف لابن طاوس ص ٤٦٤ عن الجمع بين الصحيحين، سنن أبى داود ج ١ / ٥٣، سنن ابن ماجة ج ١ / ٢٠٠، مسند أحمد ج ٤ / ٢٦٥، سنن النسائي ج ١ / ٥٩ و ٦١، سنن البيهقي ج ١ / ٢٠٩، الغدير ج ٦ / ٨٣.

(١) في ص ٥٠ من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).

(٤٠٢) ابن مسعود والتيمم: صحيح البخاري ج ١ / ١٢٨، صحيح مسلم ج ١ / ١١٠ وطبع العامرة ج ١ / ١٩٢، سنن أبى داود ج ١ / ٥٣، تيسير الوصول ج ٣ / ٩٧، سنن البيهقي ج ١ / ٢٢٦.

(٢) راجع باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي بعد العصر ص ٣٠٩ والتي بعدها من جزئه الأول تجد ثمة هذا الحديث والحديثين اللذين بعده (منه قدس) (*).

٢٩٥

ما ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ركعتين بعد العصر عندي قط(٤٠٣) .

وأخرج أيضا عن عبدالرحمن بن الاسود عن أبيه عن عائشة قالت: صلاتان ما تركهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتي قط سرا ولا علانية، ركعتان قبل الفجر وركعتان بعد العصر(٤٠٤) .

وأخرج أيضا عن الاسود ومسروق. قالا: نشهد على عائشة انها قالت: ما كان يومه الذي يكون عندي الا صلاهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتي تعني الركعتين بعد العصر. انتهى بلفظه(٤٠٥) .

لكن عمر بن الخطاب كان ينهى عنهما ويضرب من يقيمهما من المسلمين أخرج الإمام مالك في الموطأ(١) عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد: انه رأى عمر بن الخطاب يضرب المكندر(٢) في الصلاة بعد العصر.

وروى عبد الرزاق عن زيد بن خالد(٣) ان عمر رآه وهو خليفة ركع

____________________

(٤٠٣) التطوع عند العصر: صحيح مسلم ك الصلاة باب معرفة الركعتين اللتين بعد العصر ج ٢ / ٢١١.

(٤٠٤) صحيح مسلم ج ٢ / ٢١١، الغدير ج ٦ / ١٨٥.

(٤٠٥) صحيح مسلم ج ٢ / ٢١١.

(١) راجع من الموطأ آخر موارد النهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر. وراجع من شرح الموطأ للزرقاني آخر الجزء الأول منه (منه قدس).

(٢) المكندر هو ابن محمد بن المكندر القرشى التيمي المدني المتوفى سنة ثمانين للهجرة كما في شرح الموطأ للزرقاني. وتوفى أبوه محمد بن المكندر فيما نص عليه القيسرانى في كتابه الجمع بين رجال الصحيحين سنة ١٣٠ للهجرة أي بعد وفاة ابنه بخمسين سنة (منه قدس).

(٣) فيما نقله الزرقاني في آخر الجزء الأول من شرح الموطأ وغير واحد من الاثبات (منه قدس) (*).

٢٩٦

بعد العصر فضربه فذكر الحديث. وفيه فقال عمر: يا زيد لولا اني أخشى ان يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما(٤٠٦) . وروى عن تميم الدارى نحو ذلك وفيه: ولكني أخاف ان يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى الغروب حتى يمروا بالساعة(١) التي نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصلي فيها انتهى بلفظه(٤٠٧) .

[ المورد - (٣٩) -: تأخير مقام إبراهيم عن موضعه ]

مقام إبراهيمعليه‌السلام وهو الحجر الذي يصلي الحاج عنده بعد الطواف عملا بقوله تعالى:( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إبراهيم مُصَلًّى ) وكان إبراهيم وإسماعيلعليهما‌السلام - لما بنيا البيت وارتفع بناؤه - يقفان عليه لمناولة الحجر و الطين، وكان ملصقا بالكعبة أعزها الله تعالى، لكن العرب بعد إبراهيم وإسماعيل أخرجوه إلى مكانه اليوم، فلما بعث الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وفتح له ألصقه بالبيت، كما كان على عهد أبويه إبراهيم وإسماعيل، فلما ولي عمر أخره إلى موضعه

____________________

(٤٠٦) مجمع الزوائد ج ٢ / ٢٢٢ وحسن سنده، الغدير ج ٦ / ١٨٤.

(١) أراد بالساعة التي نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة فيها ساعة الغروب، والحديث في ذلك ثابت في الصحاح ولفظه عند الإمام مالك في الموطأ بالإسناد إلى ابن عمر مرفوعا لا تحروا طلوع الشمس ولا غروبها. (الحديث)

والحكمة فيه أن لا تشبه الأمة في عبادتها بالمجوس يعبدون الشمس عند طلوعها وعند الغروب وقد احتاط الخليفة فنهى عن الصلاة بعد العصر مطلقا غير مقتصر على وقت الغروب، فخالف بذلك من حيث يريد الطاعة كما ترى. وليته اكتفى بمجرد النهى ولم يضرب عباد الله وهم ماثلون بين يديه عزوجل محرمين في الصلاة (منه قدس).

(٤٠٧) الغدير ج ٦ / ١٨٣ (*).

٢٩٧

اليوم وكان على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر ملصقا بالبيت(٤٠٨) .

وفي السنة السابعة عشرة للهجرة وسع عمر المسجد الحرام بإضافة دور جماعة من حوله إليه، وكانوا أبوا بيعها فهدمها عليهم(١) ووضع أثمانها في بيت المال حتى أخذوها(٤٠٩) .

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٢٧٩: -

[ المورد - (٤٠) -: البكاء على الموتى ]

حزن الإنسان عند موت أحبته، وبكاؤه عليهم من لوازم العاطفة البشرية، وهما من مقتضيات الرحمة، ما لم يصحبهما شئ من منكرات الأقوال أو الأفعال. وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث عنه صحيح أخرجه الإمام أحمد عن ابن

____________________

(٤٠٨) كما نص عليه ابن سعد في ترجمة عمر من طبقاته في صفحة ٢٠٤ من جزئه الثالث، والسيوطي في أحوال عمر من كتابه - تاريخ الخلفاء - صفحة ٥٣ منه، وابن أبى الحديد في أحوال عمر صفحة ١١٣ من المجلد الثالث من شرح نهج البلاغة، والدميري في مادة الديك من كتابه حياة الحيوان، وأبو الفرج ابن الجوزي أول صفحة ٦٠ من كتابه - تاريخ عمر - (منه قدس). عمر زحزح مقام إبراهيم عن موضعه: الطبقات لابن سعد ج ٣ / ٢٨٤، تاريخ الخلفاء ص ١٣٧، روضة الكافي ص ٥٨ - ٦٣، جامع أحاديث الشيعة ج ١٠ / ٥٥ ب ٩ ح ٧ و ٨ و ٩ و ١٠، مقدمة مرآة العقول ج ٢ / ١٢٨.

(١) كما نص عليه ابن الأثير في حوادث تلك السنة من كامله، وغير واحد من أهل السير والأخبار (منه قدس).

(٤٠٩) الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ / ٣٧٦، تاريخ الخلفاء ص ١٣٧، روضة الكافي ص ٥٨، مقدمة مرآة العقول ج ٢ / ١٢٨، تاريخ الطبري في حوادث سنة ١٧ ه‍، الغدير ج ٦ / ٢٦٦ (*).

٢٩٨

عباس(١) مهما يكن من القلب والعين فمن الله والرحمة ومهما يكن من اليد واللسان فمن الشيطان(٤١٠) .

والسيرة القطعية بين المسلمين وغيرهم مستمرة على ذلك من غير نكير وأصالة الإباحة تقتضيه.

على ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه بكى في مقامات عديدة، وأقر غيره على البكاء في موارد، واستحسنه في موارد أخر، وربما دعا إليه(٤١١) .

____________________

(١) فيصلى‌الله‌عليه‌وآله ٣٣٥ من الجزء الأول من مسنده (منه قدس).

(٤١٠) البكاء على الميت: الغدير للأميني ج ٦ / ١٥٩، السنن الكبرى ج ٤ / ٧٠.

البكاء على الميت سنة طبيعية

١ - بكاء آدم على ابنه هابيل: وقال: ومالي لا أجود بسكب دمع * وهابيل تضمنه الضريح

راجع: العرائس للثعالبي ص ٦٤ ط بمبى، دعوة الحسينية ص ٧٥.

٢ - بكاء إبراهيم على إسماعيل: راجع: العرائس ص ١٣٠، دعوة الحسينية ص ٧٥.

٣ - بكاء إسماعيل: العرايس ص ١٣٠، دعوة الحسينية ص ٧٥.

٤ - بكاء يعقوب على يوسف: الآيات القرآنية في سورة يوسف، العرايس ص ١٥٥.

٥ - بكاء زكريا وزوجته على يحيى: راجع: دعوة الحسينية ص ٧٦.

(٤١١) ٦ - بكاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على جده عبدالمطلب: راجع: تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي في ذكر والد على بن أبى طالب، دعوة الحسينية ص ٤٨ =>

٢٩٩

..

____________________

=> بكاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على عمه أبى طالب: راجع الطبقات لابن سعد ج ١ / ١٢٣ ط بيروت، دعوة الحسينية ص ٤٨

بكاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليعليه‌السلام : عن ابن عباس: قال: خرجت أنا والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليرضي‌الله‌عنه في حيطان المدينة فمررنا بحديقة فقال عليرضي‌الله‌عنه : ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله ؟ فقال حديقتك في الجنة أحسن منها، ثم أومأ بيده إلى رأسه ولحيته ثم بكى حتى علا بكاه. قيل ما يبكيك ؟ قال: ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني".

وفى لفظ عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : ". فلما خلا له الطريق اعتقني وأجهش باكيا ! ! فقلت: يا رسول الله ما يبكيك ؟ قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك الا بعدى ! ! فقلت: في سلامة من ديني ؟ قال: في سلامة من دينك ".

وفى لفظ عن أنس ابن مالك: ". ثم وضع النبي رأسه على إحدى منكبي علي فبكى ! فقال له: ما يبكيك يا رسول الله ؟ صلى الله عليك. قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها حتى أفارق الدنيا. ".

المصادر: سيرتنا وسنتنا للأميني ص ٢٩، فرائد السمطين ج ١ / ١٥٢ ح ١١٤، المصنف لابن أبى شيبة باب فضائل عليعليه‌السلام ج ٦، كنز العمال ج ١٥ / ١٤٦، ترجمة الإمام على بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٣٢٧ ح ٨٣١، مجمع الزوائد ج ٩ / ١١٨، الفضائل لأحمد بن حنبل ح ٢٣١، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٣٩، تاريخ بغداد ج ١٢ / ٣٩٨، المناقب للخوارزمي ص ٢٦، دعوة الحسينية ص ٦٥، ينابيع المودة ص ٥٣ =>

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629