النص والاجتهاد

النص والاجتهاد0%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
تصنيف: الصفحات: 629
المشاهدات: 159252
تحميل: 7326

توضيحات:

النص والاجتهاد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159252 / تحميل: 7326
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وان كنت بالشورى ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيب(١)

____________________

=> راجع: نهج البلاغة للإمام علي راجع الخطبة برقم: ٢ و ٣ و ٦ و ٢٦ و ٨٧ و ١٤٣ و ١٤٩ و ١٦٦ و ١٦٧ و (باب الكلام) برقم: ٧١ و ١٦١ و (باب الحكم) برقم: ٢١، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٣٨ و ٢٠٥ و ٢٢٣ وج ٢ / ٢٠ وج ٦ / ٣٨٤ وج ٩ / ٨٤ و ١٣٢ و ٢٤١ و ٣٠٥ و ٣٠٦ و ٣٠٧ وج ١١ / ١٠٩ وج ١٦ / ١٤٨ وج ١٨ / ١٣٢ ط مصر بتحقيق أبو الفضل، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ / ١٤٤ ط مصطفى محمد وج ١ / ١٥٥ و ١٥٦ ط الحلبي وج ١ / ١٣٤ ط سجل العرب، تاريخ الطبري ج ٤ / ٢٣٦ ط دار المعارف بمصر، الكامل في التاريخ ج ٣ / ٧٤ ط دار صادر، السقيفة والخلافة لعبد الفتاح عبد المقصود ص ١٥ - ١٧.

وراجع: الاحتجاج للطبرسي ج ١ وج ٢ ط النجف، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج ٢٨ باب - ٤ - ص ١٧٥ وما بعدها ط الجديد، تلخيص الشافي للشيخ الطوسى ج ٣ / ٤٧ - ٥٧ ط النجف. وان شئت المزيد من المصادر في ذلك فراجع كتابنا (سبيل النجاة في تتمة المراجعات رقم: ٦٣١ و ٦٣٣ و ٦٣٤ و ٦٣٥ و ٦٣٦ و ٨٩٢ و ٨٩٨ و ٨٩٩ و ٩٠٠ و ٩٠١ و ٩٠٢ و ٩٠٣ و ٩٠٤ و ٩٠٥ و ٩٠٦ و ٩٠٧ و ٩٠٨ و ٩٠٩ و ١١٠ طبع في بغداد وبيروت مع المراجعات). وكذلك أهل البيت وغيرهم احتجوا على القوم في أمر الخلافة راجع مصادر ذلك في (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم: ٩١١ - إلى - ٩٢٥ و ٨٢٩ و ٦٢٥).

(١) البيتان في نهج البلاغة، وقد علق عليهما كل من الشيخ محمد عبده وعبد الحميد بن أبى الحديد في شرحيهما تعليقة يجدر بالباحثين أن يقفوا عليها، وقد نبهنا إلى ذلك فيما علقناه عليهما حيث أوردناهما في المراجعة ٨٠ من كتاب - المراجعات - وللعباس بن عبد المطلب احتجاج على أبى بكر كانه مأخوذ من هذين البيتين، وذلك إذ قال له في كلام دار بينهما: فان كنت برسول الله طلبت، فحقنا أخذت، وان كنت بالمؤمنين طلبت، فنحن متقدمون فيهم، وان كان هذا الأمر انما يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنا كارهين. وقال له مرة أخرى - كما في ص ١ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى =>

٤١

..

____________________

=> أما قولك نحن شجرة رسول الله، فانما أنتم جيرانها ونحن أغصانها أه‍. وهذا مضمون قول أمير المؤمنين: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة.

وقال الفضل ابن العباس - فيما رواه الزبير بن بكار في الموفقيات كما في ص ٨ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى -: يا معشر قريش، وخصوصا يا بني تيم، انما أخذتم الخلافة بالنبوة ونحن أهلها دونكم ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا، حسدا منهم لنا، وحقدا علينا، وانا لنعلم ان صاحبنا عهدا هو ينتهي إليه اه‍ ،

وقال عتبة ابن أبى لهب - كما في مختصر أبى الفداء، وآخر صفحة ٨ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى :

ما كنت أحسب ان الأمر منصرف

عن هاشم ثم منها عن أبى حسن

أليس أول من صلى لقبلتكم

واعلم الناس بالقرآن والسنن

وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن

جبريل عون له بالغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن

ماذا الذي ردهم عنه فنعلمه

ها ان ذا غبن من أعظم الغبن

قال الزبير بن بكار - إذ نقل عنه هذه الأبيات في الموفقيات -: فبعث إليه على فنهاه وأمره أن لا يعود. وقالعليه‌السلام : سلامة الدين أحب إلينا من غيرها.

وروى الزبير في الموفقيات أيضا - كما في ص ٧ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى - ان أبا سفيان بن حرب مر بالبيت الذي فيه علي فوقف وأنشد :

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم

ولاسيما تيم بن مرة أو عدى

فما الأمر الا فيكم واليكم

وليس لها الا أبو حسن على

أبا حسن فاشدد بها كف حازم

فانك بالأمر الذي يرتجى ملى

فلم يكن لكلامه أثر عند علي، وكان مما قاله: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إلى عهدا فأنا عليه. قال الزبير: فتركه أبو سفيان وعدل إلى العباس بن عبد المطلب في منزله فقال: يا أبا الفضل أنت لها أهل وأحق بميراث ابن أخيك، أمدد يدك لأبايعك، فضحك العباس وقال: يدفعها علي ويطلبها العباس ؟ ! فخرج أبو سفيان خائبا اه‍ (منه قدس) (*).

٤٢

وقد كانت بيعتهم فلتة، وقى الله المسلمين شرها كما زعموا(٣٠) ، لكن تلك الوقاية انما كانت على يد أمير المؤمنين بصبره على الأذى، وغمضه على القذى، وتضحيته حقه في سبيل حياة الإسلام، فجزاه الله عن الإسلام وأهله خير جزاء المحسنين.

[ الفلتة: ]

____________________

(٣٠) قال أبو بكر: " ان بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها وخشيت الفتنة. " راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٣٢ وج ٢ / ١٩ ط ١ وج ١ / ٣١١ ط مكتبة دار الحياة وج ٢ / ٥٠ وج ٦ / ٤٧ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ١٥٤ ط بيروت، أنساب الأشراف للبلاذرى ج ١ / ٥٩٠ ط مصر.

وقال عمر: " ان بيعة أبى بكر كانت فلتة وقى الله شرها. " يوجد في: صحيح البخاري ك الحدود باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت ج ٨ / ٢٦ ط دار الفكر على ط استانبول وج ٨ / ٢١٠ ط مطابع الشعب وج ٨ / ٢٠٨ ط محمد على صبيح وج ٤ / ١٧٩ ط دار إحياء الكتب وج ٤ / ١١٩ ط المعاهد وج ٤ / ١٢٥ ط الشرفية وج ٨ / ١٤٠ ط الفجالة وج ٤ / ١١٠ ط الميمنية وج ٨ / ٨ ط بمبى وج ٤ / ١٢٨ ط الخيرية شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٢٣ و ١٢٤ ط ١ وج ٢ / ٢٣ و ٢٦ و ٢٩ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ٢٩٢ ط مكتبة دار الحياة وج ١ / ١٤٤ ط دار الفكر بيروت، السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ / ٢٢٦ ط دار الجيل وص ٣٣٨ ط آخر، النهاية لابن الأثير ج ٣ / ٤٦٦ ط بيروت، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠٥ ط دار المعارف، الكامل في التاريخ ج ٢ / ٣٢٧ ط دار صادر، الصواعق المحرقة ص ٥ و ٨ ط الميمنية وص ٨ و ١٢ ط المحمدية، تاج العروس ج ١ / ٥٦٨، لسان العرب ج ٢ / ٣٧١، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٦٧، السيرة الحلبية ج ٣ / ٣٦٠ و ٣٦٣. ولأجل المزيد من المصادر راجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم :٨٢٦ (*).

٤٣

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٢٥: -

[ المورد(٢) -: يوم حضرت أبا بكر الوفاة، إذ عهد بالخلافة إلى عمر ]

وي. وي. (فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطرا ضرعيها)(٣١)

وي. وي. كأن الرجل يملك الآخر عن مالكه ! فعهد به إلى من أراد لا يخشى عقابا، ولا حسابا، ولا عتابا ،

وي. وي كأنه نسى أو تناسى عهد النبي بالخلافة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي(٣٢) ؟ ! ثم من بعده إلى الأئمة من ولده أحد الثقلين الذين لا يضل من تمسك بهما ولا يهتدي إلى الحق من لم ينتهج في الدين نهجهما عدل القرآن في الميزان لن يفترقا حتى يردا عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحوض(٣٣) . وهم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وكباب حطة

____________________

(٣١) من خطبة لمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام المسمات بالشقشقية وهى الخطبة الثالثة من كتاب نهج البلاغة.

(٣٢) نصوص الخلافة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلىعليه‌السلام كثيرة جدا حتى بلغت حد التواتر فراجع: ترجمة الإمام على بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ١ / ٧٧ ح ١٢٤ و ١٢٦ و ١٣٩ و ١٤٠ و ٢٤٩ ط ١ بيروت، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ١٨٧ ط الحيدرية وص ٧٩ ط الغرى، المناقب للخوارزمي الحنفي ص ٨٩ و ٩٠، مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلى الشافعي ص ٢٠٠ ح ٢٣٨ و ٣١٣، ذخائر العقبى ص ٧١، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ١ / ٢٠٦ ح ٢٦٩ وص ١٥٧ ح ٢١١، الغدير للأميني ج ٥ / ٣٦٥.

وراجع حديث الدار يوم الإنذار وحديث الغدير وحديث الثقلين وحديث السفينة وغيرها من عشرات بل مئات النصوص في ذلك. وان شئت المزيد من البحث والتنقيب عن الحقيقة فراجع: كتاب الغدير للأميني وكتاب المراجعات لشرف الدين وكتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات والعبقات ودلائل الصدق واحقاق الحق للتستري وغيرها من عشرات المصادر.

(٣٣) تقدم حديث الثقلين مع مصادره تحت رقم - ١٥ - فراجع. (*)

٤٤

من دخله غفر له(٣٤) . وأمان أهل الأرض من العذاب، وأمن الأمة من الاختلاف [ في الدين ] فإذا خالفتهم قبيلة اختلفت فصارت حزب إبليس(٣٥) إلى آخر ما اقتضته النصوص الصريحة، التي أوجبت لهم الحق بالخلافة عن رسول الله " ص " على جميع الخلق، وقد أوردنا طائفة منها في كتاب - المراجعات - فلتراجع(١) .

[ المورد (٣) -: غزوة مؤتة ]

وكانت في جمادي الأولى سنة ثمان استعمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الجيش فيها زيد بن حارثة وقال: ان أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب، فان أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة، هذا ما يقوله جمهور المسلمين كافة، ولعل الصواب ما يقوله أصحابنا الإمامية، ان الأول من هؤلاء الأمراء انما هو جعفر والثاني انما هو زيد وثالثهم عبدالله بن رواحة واخبارنا في هذا متظافرة من طريق العترة الطاهرة(٣٦) .

____________________

(٣٤) تقدم الحديث مع مصادره تحت رقمي - ١٧ و ١٨ - فراجع.

(٣٥) تقدم الحديث مع مصادره تحت رقم ١٦ - فراجع.

(١) تجدونها في المراجعة ٨ ص ٢٠ (من الطبعة الثالثة) فما بعدها إلى منتهى المراجعة ١٤ وقد احتدم النزاع في هذه المراجعات بيني وبين شيخ الإسلام البشرىرحمه‌الله تعالى، حتى قال في آخر ما كتبه إلى في هذا الموضوع: صعدت في كتابك الأخير نظرى وصوبته، فلمعت من مضامينه بوارق نجمك ولاحت لى أشراط فوزك. قلت: " والحمد لله رب العالمين النجح والفوز " (منه قدس)

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٢٦: -

(٣٦) الأمير الأول في مؤتة هو جعفر الطيار: راجع: بحار الأنوار للمجلسي ج ١ / ٥٥، مناقب آل أبى طالب لابن شهر آشوب =>

٤٥

ويشهد لهذا ما رواه محمد بن إسحاق في مغازيه عن كل من حسان بن ثابت وكعب بن مالك الأنصاريين من شعرهما في رثاء جعفر ومدحه إذ استشهد(٣٧) وكيف كان الواقع من ترتيب رسول الله لهؤلاء الأمراء الثلاثة فقد نصصلى‌الله‌عليه‌وآله على تأمير زيد(٣٨) ، سواء أكان الأول منهم، أم كان الثاني، وسمعه الجيش وسائر الصحابة يؤمره فلا وجه لطعن الطاعنين منهم بعد ذلك في تأميره(٣٩) الا إذا جاز الاجتهاد من غير المعصوم، في مقابل النص من المعصوم.

وكان السبب في هذه الغزوة ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث من أصحابه الحرث بن عمير الأزدي إلى ملك بصرى بكتاب يدعوه فيه إلى الله تعالى ورسوله وطاعتهما ليكون من المسلمين له ما لهم، وعليه ما عليهم، فعرض له شرحبيل

____________________

=> ج ١ / ٢٠٥، أعلام الورى بأعلام الهدى ص ١١٠ ط ٢، أعيان الشيعة ج ٢ / ٣٢٤، تاريخ اليعقوبي ج ٢ / ٦٥ ط دار صادر، دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج ١ / ٢١٠، كتاب سليم بن قيس ص ١٨٨ ط النجف، قاموس الرجال ج ٦ / ٤٠.

(٣٧) وقد أورد ابن أبى الحديد من شعرهما في هذا الموضوع في ٦٠٧ والتي بعدها من المجلد الثالث من شرح النهج. فليراجع (منه قدس). المغازي لمحمد بن اسحاق، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٥ / ٦٢ - ٦٤ ط مصر بتحقيق أبو الفضل، ديوان حسان بن ثابت ج ١ / ٩٨ ط دار صادر، السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ / ٣٨٤ - ٣٨٧، البداية والنهاية ج ٤ / ٢٦٠ - ٢٦١، السيرة الدحلانية ج ٢ / ٧٢، الإصابة ج ١ / ٢٣٨، أعيان الشيعة ج ٢ / ٣٢٤ - ٣٢٥، مقاتل الطالبين ص ١٥، تهذيب ابن عساكر ج ١ / ١٥٠ - ١٥١، دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج ١ / ٢١٢، الدرجات الرفيعة ص ٧٧ - ٧٨.

(٣٨) تأمير زيد: ولا خلاف فيه راجع: الكامل في التاريخ ج ٢ / ٢٣٤، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٥ / ٦١ و ٦٢ تاريخ الطبري ج ٣ / ٣٦ و ٤٠.

(٣٩) وسوف يأتي تحت رقم

(٤٩) فراجع. (*)

٤٦

بن عمرو، فقال له: أين تريد ؟ فقال الشام. قال: لعلك من رسل محمد ؟ قال نعم. فأمر به فأوثق رباطا ثم قدمه فضرب عنقه. ولم يقتل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رسول غيره. وبلغ رسول الله ذلك فبعث هذا البعث(٤٠) ، وأمر عليه الأمراء الثلاثة، ورتبهم حسب ما أسلفناه.

أرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا البعث، والبعث الآخر مع أسامة بن زيد لفتح الشام فوقرت بهما مهابة الإسلام والمسلمين في الصدور، وامتلأت صدور الروم هيبة وإجلالا بما رأته من رباطة الجأش وصدق اللقاء، والتفاني في الفتح، والمسابقة إلى الموت في سبيله من كلا الجيشين.

ولله ذو الجناحين جعفر بن أبي طالب إذ اشتد بمن معه وهم ثلاثة آلاف على عدوه هرقل وهو في مئتى ألف(٤١) وهو يقول :

يا حبذا الجنة واقترابها

طيبة وبارد شرابها

والروم روم قد دنا عذابها

كافرة بعيدة أنسابها

علي إذ لاقيتها ضرابها

فلما اشتد القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل القوم فقطعت يداه وقتل. وكان جعفر أول من عقر فرسه في الإسلام، فوجدوا به بضعا

____________________

(٤٠) شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٥ / ٦١، السيرة الحلبية ج ٣ / ٧٧ ط مصطفى محمد.

(٤١) مئة ألف من الروم ومئة ألف من المستعربة من لخم وجذام وغيرهما. كما في كامل ابن الأثير وغيره (منه قدس). جعفر في ثلاثة آلاف وعدوه في مائة ألف: راجع: الكامل في التاريخ ج ٢ / ٢٣٤ و ٢٣٥، تاريخ الطبري ج ٣ / ٣٧، السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ / ٣٧٣ و ٣٧٥، بحار الأنوار ج ٢١ / ٥٥، السيرة الحلبية ج ٣ / ٧٧ (*).

٤٧

وثمانين جرحا بين رمية وضربة وطعنة(٤٢) .

ويؤثر عن رسول الله(١) أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مر بي جعفر البارحة في نفر من الملائكة له جناحان مخضب القوادم بالدم(٤٣) .

ولله موقف زيد بن حارثة وقد شاط في رماح القوم أعلى الله مقامه كما شرف في الدنيا ختامه. وما أشرف موقف عبدالله بن رواحة إذ يشجع نفسه في مقابلة مئتى الف من عدوه فيقول :

يا نفس ان لم تقتلي تموتي

هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد أعطيت

ان تفعلي فعلهما هديت

وقال: أقسمت يا نفس لتنزلنه

طائعة أو لا لتكرهنه

ان أجلب الناس وشدوا الرنة

مالي أراك تكرهين الجنة

قد طالما قد كنت مطمئنة

هل أنت الا نطفة في شنة

ثم نزل عن فرسه وأتاه ابن عم له بعرق من لحم، فقال له: شد بهذا صلبك فقد لقيت ما لقيت. فأخذه فانتهس منه نهسة ثم سمع الحطمة في ناحية العسكر فقال لنفسه: وأنت في الدنيا ؟ ثم ألقاه وأخذ سيفه وتقدم فقاتل حتى قتل(٤٤) .

____________________

(٤٢) الكامل في التاريخ ٢ / ٢٣٦ مع تغيير يسير في اللفظ، تاريخ الخميس ج ٢ / ٧١، السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ / ٣٧٨.

(١) كما في غزوة مؤتة من كامل ابن الأثير وغيره من كتب الحديث والأخبار. ولذا كان لقبه عند المسلمين كافة ذا الجناحين (منه قدس).

(٤٣) الكامل ٢ / ٢٣٨، تاريخ الطبري ٣ / ٤١.

(٤٤) مقتل زيد بن حارثة: راجع: الكامل ٢ / ٢٣٦ - ٢٣٧، شرح النهج لابن أبى الحديد ١٥ / ٦٩ - ٧٠، السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ / ٣٧٩، تاريخ الطبري ٣ / ٣٩ - ٤٠، تاريخ الخميس ج ٢ / ٧١ - ٧٢ (*).

٤٨

وكان بعض المسلمين من هذا الجيش - إذ علم أن عدوهم الناهد إليهم مئتا ألف - رأى ان يخبر رسول الله بذلك، فشجعهم عبدالله بن رواحة (على المضي) بقوله: " والله ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم الا بهذا الدين، الذي أكرمنا الله تعالى به، فانطلقوا فما هي الا إحدى الحسنيين. اما ظهور واما شهادة " فقال الناس: صدق والله(٤٥) وساروا فما ضعفوا وما استكانوا، ان هذا والله لهو الشرف، يعلو جناح النسر، ويزحم منكب الجوزاء، اجل، انما هو الإيمان بالله ورسوله، فياليتنا كنا معهم فنفوز فوزا عظيما.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٠: -

[ المورد - (٤) - سرية أسامة ابن زيد: ]

ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد اهتم بهذه السرية اهتماما عظيما فأمر أصحابه بالتهيؤ لها وحضهم على ذلك، ثم عبأهم بنفسه الزكية، ارهافا لعزائمهم، واستنهاضا لهممهم، فلم يبق أحدا من وجوه المهاجرين والأنصار، كأبي بكر

____________________

(٤٥) راجع: شرح النهج لابن أبى الحديد ١٥ / ٦٧، تاريخ الطبري ٣ / ٣٨، السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ / ٣٧٥، بحار الأنوار ج ٢١ / ٥٦ و ٦١، السيرة الحلبية ج ٣ / ٧٧ (*).

٤٩

وعمر (٤٦) وأبي عبيدة وسعد وأمثالهم الا وقد عبأه بالجيش(١) وكان

____________________

(٤٦) أجمع أ هل السير والأخبار على ان أبا بكر وعمر كانا في الجيش، وأرسلوا ذلك في كتبهم إرسال المسلمات وهذا ما لم يختلفوا فيه. فراجع ما شئت من الكتب المشتملة على هذه السرية، كطبقات ابن سعد وتاريخي الطبري وابن الأثير والسيرة الدحلانية وغيرها لتعلم ذلك.

وقد أورد الحلبي ذكر هذه السرية في الجزء الثالث من سيرته حكاية طريفة نوردها بعين لفظه. قال: ان الخليفة المهدي لما دخل البصرة رأى أياس بن معاوية، الذي يضرب به المثل في الذكاء. وهو صبى ووراءه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة فقال المهدي: أف لهذه العثانين - أي اللحى - أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث ! ثم التفت إليه المهدي وقال: كم سنك يا فتى ؟ فقال أطال الله بقاء أمير المؤمنين سن أسامة بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جيشا فيه أبو بكر وعمر. فقال: تقدم بارك الله فيك. (قال الحلبي): وكان سنه سبع عشرة سنة، أه‍ (منه قدس).

أبو بكر وعمر في جيش أسامة: راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ١٩٠ وج ٤ / ٦٦، تاريخ اليعقوبي ج ٢ / ٩٣ ط الغرى وج ٢ / ٧٤ ط بيروت، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ٣١٧، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٥٣ وج ٢ / ٢١ ط ١ وج ١ / ١٥٩ وج ٦ / ٥٢ بتحقيق أبو الفضل، سمط النجوم العوالي للعاصمى ج ٢ / ٢٢٤، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج ٢ / ٣٣٩، كنز العمال ج ٥ / ٣١٢ ط ١ وج ١٠ / ٥٧٠ ط حلب، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٤ / ١٨٠، عبدالله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٧١، أنساب الأشراف للبلاذرى ج ١ / ٤٧٤، تهذيب ابن عساكر ج ٢ / ٣٩١، أسد الغابة ج ١ / ٦٨، السيرة الحلبية ج ٣ / ٢٣٤، تاريخ أبى الفداء ج ١ / ١٥٦ ذكر عمر في السرية، مقدمة مرآة العقول ج ١ / ٥٨ و ٥٩.

(١) كان عمر يقول لأسامة: مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنت علي أمير. نقل ذلك عنه جماعة من الأعلام كالحلبي في سرية أسامة من سيرته الحلبية، وغير واحد من المحدثين والمؤرخين (منه قدس) (*).

٥٠

ذلك لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشر للهجرة، فلما كان من الغد دعا أسامة فقال له: " سر إلى موضع قتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فأغز صباحا على أهل أبنى(١) وحرق عليهم، وأسرع السير لتسبق الإخبار، فأن أظفرك الله عليهم، فأقل اللبث فيهم، وخذ معك الإدلاء، وقدم العيون والطلائع معك "(٤٧) .

فلما كان يوم الثامن والعشرين من صفر بدأ بهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرض الموت، فحم - بأبي وأمي - وصدع، فلما أصبح يوم التاسع والعشرين ووجدهم مثاقلين، خرج إليهم فحضهم على السير، وعقدصلى‌الله‌عليه‌وآله اللواء لأسامة بيده الشريفة تحريكا لحميتهم، وإرهافا لعزيمتهم، ثم قال: " اغز باسم الله وفي سبيل الله، وقاتل من كفر بالله "(٤٨) فخرج بلوائه معقودا، فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف، ثم تثاقلوا هناك فلم يبرحوا مع ما وعوه ورأوه من النصوص الصريحة في وجوب إسراعهم كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اغز صباحا على أهل ابني، وقوله: وأسرع السير لتسبق الأخبار إلى كثير من أمثال هذه الأوامر التي لم

____________________

(١) ابني، بضم الهمزة وسكون الباء ثم نون مفتوحة بعدها ألف مقصورة، ناحية بالبلقاء من أرض سوريا، بين عسقلان والرملة، وهى قرب مؤتة التي استشهد عندها جعفر بن أبى طالب ذو الجناحين في الجنةعليه‌السلام ، وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة رضي ‌الله ‌عنهما (منه قدس).

(٤٧) الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يحث على مسير جيش أسامة: راجع: المغازي للواقدي ج ٣ / ١١١٧، السيرة الحلبية ج ٣ / ٢٠٧ ط البهية وج ٣ / ٢٣٤ ط مصطفى محمد، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج ٢ / ٣٣٩، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ١٩٠.

(٤٨) السيرة الحلبية ج ٣ / ٢٣٤ (*).

٥١

يعملوا بها في تلك السرية.

وطعن قوم منهم في تأمير أسامة، كما طعنوا من قبل في تأمير أبيه، وقالوا في ذلك، فأكثروا مع ما شاهدوه من عهد النبي له بالامارة، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله له يومئذ: فقد وليتك هذا الجيش، ورأوه يعقد له لواء الامارة: - وهو محموم - بيده الشريفة، فلم يمنعهم ذلك من الطعن في تأميره، حتى غضبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طعنهم غضبا شديدا، فخرج - بأبي وأمي - معصب الرأس(١) مدثرا بقطيفته محموما ألما، وكان ذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول، قبل وفاته - بأبي وأمي - بيومين (فيما يرويه الجمور) فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال - فيما اجمع أهل الأخبار على نقله، واتفق الخاصة والعامة من أولى العلم على صدوره منهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم الله ان كان لخليقا بالامارة، وان ابنه من بعده لخليق بها(٤٩) " وحضهم على المبادرة إلى السير فجعلوا يودعونه ويخرجون إلى العسكر بالجرف وهو يحضهم على التعجيل، ثم ثقل - بأبي وأمي - في مرضه، فجعل يقول: " جهزوا جيش أسامة ،

____________________

(١) كل من ذكر هذه السرية من المحدثين وأهل السير والأخبار نقل طعنهم في تأمير أسامة، وأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله غضب غضبا شديدا فخرج على الكيفية التي ذكرناها فخطب الخطبة التي أوردناها، فراجع سرية أسامة من طبقات ابن سعد، وسيرتي الحلبي والدحلانى وغيرهما من المؤلفات في هذا الموضوع (منه قدس).

(٤٩) راجع المغازي للواقدي ج ٣ / ١١١٩، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ١٩٠، شرح النهج لابن أبى الحديد ج ١ / ٥٣ ط ١ وج ١ / ١٥٩ ط مصر بتحقيق أبو الفضل السيرة الحلبية ج ٣ / ٢٠٧ وج ٣ / ٢٣٤ ط آخر، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج ٢ / ٣٣٩، عبدالله بن سبأ ج ١ / ٧٠، كنز العمال ج ١٠ / ٥٧٢ - ٥٧٣، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٤ / ١٨٢ (*).

٥٢

أنفذوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة، يكرر ذلك "(٥٠) وهم مثاقلون.

فلما كان يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول دخل أسامة من معسكره على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأمره بالسير قائلا له: " أغد على بركة الله تعالى "(٥١) فودعه وخرج إلى المعسكر، ثم رجع ومعه عمر وأبو عبيدة فانتهوا إليه - بأبي وأمي - وهو يجود بنفسه، فتوفي - روحي وأرواح العالمين له الفداء - في ذلك اليوم، فرجع الجيش باللواء إلى المدينة الطيبة، ثم عزموا على إلغاء البعث بالمرة، وكلموا أبا بكر في ذلك وأصروا عليه غاية الإصرار(٥٢) .

مع ما رأوه من اهتمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في انفاذه، وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه المتوالية في الإسراع به، على وجه يسبق الأخبار، وبذله الوسع في ذلك منذ عبأه بنفسه، وعهد إلى أسامة في أمره، وعقد لواءه بيده إلى أن احتضر - بأبي وأمي - فقال: " أغد على بركة الله تعالى " كما سمعت ولولا الخليفة لأجمعوا يومئذ على رد البعث وحل اللواء، لكنه أبى عليهم ذلك فلما رأوا منه العزم على إرسال البعث، جاءه عمر بن الخطاب حينئذ

____________________

(٥٠) الرسول يأمر بتنفيذ جيش أسامة: راجع: كنز العمال ج ١٠ / ٥٧٣، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٤ / ١٨٢.

(٥١) الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمر أسامة بالذهاب إلى الحرب: راجع: المغازي للواقدي ج ٣ / ١١٢٠، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ١٩١ السيرة الحلبية ج ٣ / ٢٠٨ وج ٣ / ٢٣٥ ط آخر، السيرة النبوية الدحلانية بهامش الحلبية ج ٢ / ٣٤٠، شرح النهج لابن أبى الحديد ج ١ / ٥٣ ط ١ وج ١ / ١٦٠ بتحقيق أبو الفضل كنز العمال ج ١٠ / ٥٧٤.

(٥٢) محاولة التراجع عن الغزو مع أسامة: راجع: الكامل ج ٢ / ٣٣٤ - ٣٣٥، كنز العمال ج ١٠ / ٥٧٥، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٤ / ١٨٣، السيرة الحلبية ج ٣ / ٢٣٦ (*).

٥٣

يلتمس منه بلسان الأنصار ان يعزل أسامة ويولي غيره.

هذا ولم يطل العهد منهم بغضب النبي وانزعاجه من طعنهم في تأمير أسامة، ولا بخروجه من بيته بسبب ذلك محموما ألما، معصبا مدثرا، يرسف في مشيته، ورجله لا تكاد تقله مما كان به من لغوب، فصعد المنبر وهو يتنفس الصعداء، ويعالج البرحاء، فقال: " أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة، لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم الله ان كان لخليقا بالامارة، وان ابنه من بعده لخليق بها "(٥٣) .

فأكدصلى‌الله‌عليه‌وآله الحكم بالقسم وان، واسمية الجملة، ولام التأكيد ليقلعوا عما كانوا عليه فلم يقلعوا، لكن الخليفة أبى ان يجيبهم إلى عزل أسامة، كما أبى أن يجيبهم إلى إلغاء البعث، ووثب فأخذ بلحية عمر(١) فقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب، استعمله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتأمرني أن أنزعه ! "(٥٤) .

ولما سيروا الجيش - وما كادوا يفعلون - خرج أسامة في ثلاثة آلاف مقاتل فيهم ألف فرس(٢) وتخلف عنه جماعة ممن عبأهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في

____________________

(٥٣) كما تقدم تحت رقم - ٤٩ -.

(١) نقله الحلبي والدحلانى في سيرتهما، وابن جرير الطبري في أحداث سنة ١١ من تاريخه، وغير واحد من أصحاب الأخبار (منه قدس).

(٥٤) بين أبى بكر وعمر: راجع: تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٢٦، الكامل في التاريخ ج ٢ / ٣٣٥، السيرة الحلبية ج ٣ / ٢٠٩ وج ٣ / ٢٣٦ ط آخر، السيرة النبوية بهامش الحلبية ج ٢ / ٣٤٠.

(٢) فشن الغارة على أهل ابني فحرق منازلهم وقطع نخلهم وأجال الخيل في عرصاتهم وقتل من قتل منهم وأسر من أسر، وقتل يومئذ قاتل أبيه. ولم يقتل - والحمد لله رب العالمين - من المسلمين أحد. وكان أسامة يومئذ على فرس أبيه وشعارهم يا منصور = >

٥٤

جيشه، وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله - فيما أورده الشهرستاني في المقدمة الرابعة من كتاب الملل والنحل - " جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه "(٥٥) .

وقد تعلم انهم انما تثاقلوا عن السير أولا، وتخلفوا عن الجيش أخيرا، ليحكموا قواعد ساستهم، ويقيموا عمدها ترجيحا منهم لذلك على التعبد بالنص حيث رأوه أولى بالمحافظة، وأحق بالرعاية، إذ لا يفوت البعث بثاقلهم عن السير، ولا بتخلف من تخلف منهم عن الجيش، اما لخلافة فانها تنصرف عنهم لا محالة إذا انصرفوا إلى الغزوة قبل وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكان - بأبي وأمي - أراد أن تخلو منهم العاصمة فيصفو الأمر من بعده لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب على سكون وطمأنينة، فإذا رجعوا وقد ابرم عهد الخلافة وأحكم لعلي عقدها، كانوا عن المنازعة والخلاف ابعد.

وانما أمر عليهم أسامة وهو ابن سبع عشرة سنة(٥٦) ليا لاعنة البعض وردا لجماح أهل الجماح منهم، واحتياطا من الأمن في المستقبل من نزاع أهل التنافس لو أمر أحدهم كما لا يخفى لكنهم فطنوا إلى ما دبرصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فطعنوا

____________________

= > امت - وهو شعار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر - واسهم للفارس سهمين وللراجل سهما واحدا وأخذ لنفسه مثل ذلك (منه قدس).

(٥٥) راجع: الملل والنحل للشهرستاني الشافعي ج ١ / ٢٣ أفست دار المعرفة في بيروت وج ١ / ٢٠ بهامش الفصل لابن حزم أفست دار المعرفة.

(٥٦) على الأظهر وقيل كان ابن سنة ١٨ وقيل ابن ١٩ أو ٢٠ سنة ولا قائل بأكثر من ذلك (منه قدس). أسامة عمره - ١٧ - سنة وهو أمير على شيوخ الصحابة: راجع: السيرة الحلبية ج ٣ / ٢٣٤، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ج ١ / ٦٤، الإصابة لابن حجر ج ١ / ٤٦، الاستيعاب لابن عبد البر بذيل الإصابة ج ١ / ٣٤ (*).

٥٥

في تأمير أسامة، وتثاقلوا عن السير معه فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبي بربه، فهموا حينئذ بالغاء البعث وحل اللواء تارة، وبعزل أسامة أخرى، ثم تخلف منهم عن الجيش وفي أولهم أبو بكر وعمر(٥٧) . فهذه خمسة أمور في هذه السرية، لم يتعبدوا فيها بالنصوص الجلية، إيثارا لرأيهم في الأمور السياسية، وترجيحا لاجتهادهم فيها على التعبد بنصوصهصلى‌الله‌عليه‌وآله اعتذر عنهم شيخ الإسلام البشري في بعض مراجعاتنا معه فقال: " نعم كان رسول اللهعليه‌السلام قد حضهم على تعجيل السير في غزوة أسامة، وأمرهم بالاسرع كما ذكرت، وضيق عليهم في ذلك حتى قال لأسامة حين عهد إليه: اغز صباحا على أهل أبنى، فلم يمهله إلى المساء، وقال له: اسرع السير فلم يرض منه الا بالإسراع، لكنهعليه‌السلام تمرض بعد ذلك بلا فصل فثقل حتى خيف عليه، فلم تسمح نفوسهم بفراقه وهو في تلك الحال، فتربصوا ينتظرون في الجرف ما تنتهي إليه حاله.

وهذا من وفور إشفاقهم عليه، وولوع قلوبهم به، ولم يكن لهم مقصد في تثاقلهم الا انتظار إحدى الغايتين، اما قرة عيونهم بصحته، واما الفوز بالتشرف بتجهيزه، وتوطيد الأمر لمن يتولى عليهم من بعده، فهم معذورون

____________________

(٥٧)

ولا كان في بعث ابن زيد مؤمرأ

عليه ليضحى لابن زيد مؤمرا

ولا كان يوم الغار يهفو جنانه

حذارا ولا يوم العريش تسترا

ولا كان معزولا غداة براءة

ولا في صلاة أم فيها مؤخرا

فتى لم يعرق فيه تيم ابن مرة

ولا عبد اللات الخبيثة أعصرا

امام هدى بالقرص آثر فاقتضى

له القرص رد القرص أبيض أزهرا

يزاحمه جبريل تحت عباءة

لها قيل كل الصيد في جانب الفرا

لابن أبى الحديد المعتزلي الحنفي (منه قدس) تخلف أبى بكر وعمر عن جيش أسامة معلوم بالوجدان بعد أن دل عليه التاريخ. (*)

٥٦

في هذا التربص، ولا جناح عليهم فيه.

واما طعنهم قبل وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولا وفعلا على تأميره، فلم يكن منهم الا لحداثته، مع كونهم بين كهول وشيوخ، ونفوس الكهول والشيوخ تأبى - بجبلتها - ان تنقاد إلى الأحداث، وتنفر - بطبعها - من النزول على حكم الشبان، فكراهتهم لتأميره ليست بدعا منهم، وانما كانت على مقتضى الطبع البشري، والجبلة الآدمية.

وأما طلبهم عزل أسامة بعد وفاة الرسول، فقد اعتذر عنه بعض العلماء بأنهم ربما جوزوا ان يوافقهم الصديق على رجحان عزله، لاقتضاء المصلحة - بحسب نظرهم - لذلك. (قال): والإنصاف إني لا اعرف وجها يقبله العقل في طلبهم عزله، بعد غضب النبي من طعنهم في تأميره، وخروجه بسبب ذلك محموما معصبا مدثرا منددا بهم في خطبته تلك على المنبر التي كانت من الوقائع التاريخية الشائعة بينهم، وقد سارت كل مسير، فوجه معذرتهم بعدها لا يعلمه الا الله تعالى.

وأما عزمهم على إلغاء البعث، وإصرارهم على الصديق في ذلك مع ما رأوه من اهتمام النبي في انفاذه، وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه المتوالية في ذلك، فانما كان منهم احتياطا على عاصمة الإسلام ان يتخطفها المشركون من حولهم إذا خلت من القوة، وبعد عنها الجيش، وقد ظهر النفاق بموت النبيعليه‌السلام ، وقويت نفوس اليهود والنصارى، وارتدت طوائف من العرب، ومنع الزكاة طوائف أخرى، فكلم الصحابة سيدنا الصديق في منع أسامة من السفر فأبى وقال: والله لان تخطفني الطير أحب إلي من أن ابدأ بشئ قبل انفاذ أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذا ما نقله أصحابنا عن الصديق، وأما غيره فمعذور فيما أراد من رد البعث، إذا لم يكن له مقصد

٥٧

سوى الاحتياط على الإسلام.

وأما تخلف أبي بكر وعمر وغيرهما عن الجيش حين سار به أسامة، فانما كان لتوطيد الملك الإسلامي، وتأييد الدولة المحمدية، وحفظ الخلافة التي لا يحفظ الدين وأهله يومئذ الا بها.

وأما ما نقلتموه عن الشهرستاني في كتاب الملل والنحل، فقد وجدناه مرسلا غير مسند، والحلبي والسيد الدحلانى في سيرتيهما قالا: لم يرد فيه حديث أصلا، فان كنت سلمك الله تروي من طريق أهل السنة حديثا في ذلك فدلني عليه أشكرك "(٥٨) .

قلنا في جواب الشيخ: " سلمتم - سلمكم الله تعالى - بتأخرهم في سرية أسامة عن السير، وتثاقلهم في الجرف تلك المدة، مع ما قد أمروا به من الإسراع والتعجيل. وسلمتم بطعنهم في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولا وفعلا على تأميره.

وسلمتم بطلبهم من أبي بكر عزله، بعد غضب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من طعنهم في امارته، وخروجه بسبب ذلك محموما معصبا مدثرا، منددا بهم في خطبته تلك على المنبر التي قلتم انها كانت من الوقائع التاريخية، وقد أعلن فيها كون أسامة وأبيه أهلا للامارة.

وسلمتم بطلبهم من الخليفة الغاء البعث الذي بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحل اللواء الذي عقده بيده الشريفة، مع ما رأوه من اهتمامه في انفاذه، وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه المتوالية في وجوب ذلك.

____________________

(٥٨) المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين ص ٣٧٠ - ٣٧١ في مراجعة - ٩١ - الطبعة الثانية في بيروت. (*)

٥٨

وسلمتم بتخلف بعض من عبأهمصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك الجيش، وأمرهم بالنفوذ تحت قيادة أسامة. سلمتم بكل هذا كما نص عليه أهل الأخبار: واجتمعت عليه كلمة المحدثين وحفظة الآثار، وقلتم انهم معذورون في ذلك، وحاصل ما ذكرتموه من عذرهم انهم انما آثروا في هذه الأمور مصلحة الإسلام بما اقتضته أنظارهم، لا بما أوجبته النصوص النبوية، ونحن ما ادعينا - في هذا المقام - أكثر من هذا.

وبعبارة أخرى، موضوع كلامنا انما هو في انهم أهل كانوا يتعبدون في جميع النصوص أم لا ؟ اخترتم الأول، ونحن اخترنا الثاني. فاعترافكم الآن بعدم تعبدهم في هذه الأوامر يثبت ما اخترناه، وكونهم معذورين أو غير معذورين، خارج عن موضوع البحث كما لا يخفى.

وحيث ثبت لديكم إيثارهم في سرية أسامة مصلحة الإسلام بما اقتضته أنظارهم على التعبد بما أوجبته تلك النصوص، فلم لا تقولون انهم آثروا في أمر الخلافة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مصلحة الإسلام بما اقتضته أنظارهم على التعبد بنصوص الغدير وأمثالها ؟ !.

اعتذرتم عن طعن الطاعنين في تأمير أسامة بأنهم انما طعنوا بتأميره لحداثته مع كونهم بين كهول وشيوخ، وقلتم: ان نفوس الكهول والشيوخ تأبى بجبلتها وطبعها أن تنقاد إلى الأحداث فلم لم تقولوا هذا بعينه فيمن لم يتعبدوا بنصوص الغدير المقتضية لتأمير علي وهو شاب على كهول الصحابة وشيوخهم، لانهم - بحكم الضرورة من اخبارهم - قد استحدثوا سنه يوم مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما استحدثوا سن أسامة يوم ولاهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم في تلك السرية، وشتان بين الخلافة وامارة السرية.

فإذا أبت نفوسهم بجبلتها ان تنقاد للحدث في سرية واحدة، فهي أولى بأن تأبى ان تنقاد للحدث مدة حياته في

٥٩

جميع الشؤون الدنيوية والأخروية. على ما ذكرتموه " من ان نفوس الشيوخ والكهول تنفر بطبيعتها من الانقياد للأحداث " فممنوع ان كان مرادكم الإطلاق في هذا الحكم، لان نفوس المؤمنين من الشيوخ الكاملين في إيمانهم لا تنفر من طاعة الله ورسوله في الانقياد للأحداث، ولا في غيره من سائر الأشياء( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ) (٥٩)

( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٦٠)

"( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) "(٦١) .

اما الكلمة المتعلقة فيمن تخلف عن جيش أسامة التي أرسلها الشهرستاني إرسال المسلمات، فقد جاءت في حديث مسند أخرجه أبو بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة، انقله لك بعين لفظه، قال: " حدثنا احمد بن إسحاق بن صالح عن احمد بن يسار عن سعيد بن كثير الأنصاري عن رجاله عن عبدالله بن عبدالرحمن ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرض موته أمر أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلة المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير وأمره ان يغير على مؤتة حيث قتل أبوه زيد وان يغزو وادي فلسطين فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله، وجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه يثقل ويخف ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث، حتى قال له أسامة

____________________

(٥٩) سورة النساء: ٦٥.

(٦٠) سورة الحشر: ٧.

(٦١) سورة الأحزاب: ٣٦ (*).

٦٠