عقيلة بني هاشم

عقيلة بني هاشم50%

عقيلة بني هاشم مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 78

  • البداية
  • السابق
  • 78 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27436 / تحميل: 8668
الحجم الحجم الحجم
عقيلة بني هاشم

عقيلة بني هاشم

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وأمّا اُمّ كلثوم بنت زينب فهي التي خطبها معاوية لولده يزيد كما ذكر ذلك ابن شهر آشوب (١) ، وذلك لما طلب معاوية بن أبي سفيان من مروان بن الحكم - وكان والياً على المدينة من قبله - أن يخطب اُمّ كلثوم بنت زينب، فقال أبوها عبد الله بن جعفر؛ إنّ أمرها ليس إليّ، إنّما هو إلى سيدنا الحسين عليه‌السلام ، وهو خالها.

فأخبر الحسين عليه‌السلام بذلك، فقال: (( استخير الله تعالى. اللهمَّ وفّق لهذه الجارية رضاك من آل محمّد )) .

فلما اجتمع الناس في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل مروان حتّى جلس إلى الحسين عليه‌السلام ، وقال: إن أمير المؤمنين - يعني معاوية - أمرني بذلك، وأن أجعل مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ، مع صلح ما بين هذين الحيِّين، مع قضاء دينه.

واعلم أنّ من يغبطكم بيزيد [أكثر ممّن يغبطه بكم. والعجب كيف يستمهر يزيد] (*) وهو كفؤ من لا كفؤ له، وبوجهه يستسقى الغمام! فرد خيراً يا أبا عبد الله.

فقال الحسين عليه‌السلام : (( الحمد لله الذي اختارنا لنفسه، وارتضانا لدينه، واصطفانا على خلقه... إلى آخر كلامه عليه‌السلام ، ثمّ قال: يا مروان، قد قلت فسمعنا؛ أمّا قولك: مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بناته ونسائه وأهل بيته، وهو اثنتا عشرة أوقية، يكون أربعمئة وثمانين درهماً.

____________________

(١) انظر المناقب لابن شهر آشوب ٢ / ١٧١، الطبعة الاُولى.

(*) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وقد جئنا به من المناقب نفسها. (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٤١

وأمّا قولك: مع قضاء دين أبيها، فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا؟!

وأمّا قولك: صلح ما بين هذين الحيِّين، فإنّا قوم عاديناكم في الله، ولم نكن نصالحكم للدنيا؛ فلعمري لقد أعيا النسب، فكيف السبب؟!

وأمّا قولك: والعجب كيف يستمهر يزيد! فقد استمهر مَن هو خير من يزيد، ومن أبِ يزيد، ومن جدِّ يزيد.

وأمّا قولك: إنّ يزيد كفؤ مَن لا كفؤ له، فمَن كان له كفؤ قبل اليوم فهو كفؤه اليوم، ما زادته إمارته في الكفاءة شيئاً.

وأمّا قولك: وجهه يستسقى به الغمام، فإنما كان ذلك وجه رسول الله.

وأمّا قولك: مَن يغبطنا به أكثر ممّن يغبطه بنا، فإنّما يغبطنا به أهلُ الجهل، ويغبطه بنا أهلُ العقل )).

ثمّ قال عليه‌السلام : (( فاشهدوا جميعاً أني قد زوّجت اُمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر من ابن عمِّها القاسم بن جعفر على أربعمئة وثمانين درهماً، وقد نحلتها ضيعتين بالمدينة - أو قال: أرضي بالعقيق ـ ، وإنّ غلتها بالسنة ثمانية آلاف دينار، ففيها لها غنى إن شاء الله تعالى )) (١) .

قال الراوي: فتغيّر وجه مروان، وقال: أغدراً يا بني هاشم؟ تأبون إلاّ العداوة!

فذكّره الحسين عليه‌السلام خطبة الحسن عائشة وفعله، ثمّ قال: (( فأين موضع الغدر يا مروان؟ )) .

____________________

(١) وروي أنّه أنحلها ( البغيبغات )، وهي ثلاث عيون في ينبع، يقال لإحداها: خيف ليلى، وللثانية: خيف الأراك، وللثالثة: خيف البعاس.

٤٢

فقال مروان:

أردنـا ودّكـمْ لـنجدّ ودّاً

قد اخلقهُ به حدثُ الزمانِ

فـلمّا جـئتكمْ فجبهتموني

وبحتم بالضمير من الشنانِ

فأجابه ذكوان مولى بني هاشم:

أمـاط اللهُ عنهم كلَّ رجسٍ

وطـهّرهم بذلك في المثاني

فـمالهمُ سـواهم من نظيرٍ

ولاكـفؤٍ هـناك ولا مداني

أتـجعل كـلَّ جـبّارٍ عنيدٍ

إلى الأخيار من أهل الجنانِ

فتزوّج اُمَّ كلثوم القاسمُ بن محمّد بن جعفر وأولدها فاطمة.

قال أحمد بن طيفور (١) : فاطمة بنت القاسم تزوجت طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر فولدت له رملة، تزوّجها هشام بن عبد الملك فلم تلد له، فقال لها هشام: أنت بغلة لا تلدين.

فقالت له رملة: يأبى كرمي أن يدنّسه لؤمك.

أسفارها

أجمع المؤرّخون على أنّ السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام سافرت أوّلاً مع أبيها أمير المؤمنين عليه‌السلام من المدينة إلى عاصمة حكمه الكوفة (العراق)، ورجعت إلى مسقط رأسها المدينة المنورة مع أخيها

____________________

(١) انظر أحمد بن أبي طاهر بن طيفور - بلاغات النساء / ١٤٣، طبع مصر.

٤٣

الحسن سيد شباب أهل الجنة وأول السبطين عليهما‌السلام .

وفي عام ستّين للهجرة سافرت مع أخيها الحسين عليه‌السلام ريحانة رسول الله إلى كربلاء - العراق - للمرة الثانية، واُخذت من العراق بعد واقعة الطفِّ إلى الكوفة أسيرة مع السجاد زين العابدين عليه‌السلام ، وعيالات الحسين ومَن معهنّ من نساء الهاشميِّين والأنصار، ومنها سيّرت إلى دمشق الشام، ومكثت بالشام أسيرة، وبعدها رجعت إلى العراق مع السجاد زين العابدين عليه‌السلام - إلى كربلاء - لتجديد العهد بزيارة أخيها الحسين والشهداء معه من آل رسول الله (صلوات الله عليهم أجمعين)، ورجعت منها إلى المدينة في حالة مشجية.

والسفرة الأخيرة كانت مع زوجها عبد الله بن جعفر (رحمه الله) حين جاء بها إلى دمشق ليتعاهد اُمور ملكه في قرية راوية، وفي هذه السفرة توفّيت ودفنت في راوية من أعمال دمشق، والتي تبعد عنها من الجهة الشرقية الجنوبية ما يقرب من سبعة كيلو مترات، وتُعرف اليوم بقرية قبر الست، ولم يحدّثنا التاريخ عن غير هذه السفرات للسيدة زينب عليها‌السلام .

٤٤

بعض ما قيل فيها شعراً

قصيدة للاُستاذ الكبير الشاعر الفحل السيد محمود الحبوبي نظمها أثناء طوافه حول ضريح السيدة الجليلة عقيلة الهاشميِّين زينب ابنة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، وذلك عام ١٩٥٠ هـ.

هذا ضريحكِ يابنتِ الزهراءِ

أم روضــةٌ قـدسـيةُ الأشـذاءِ

جـئـنا لــه مـتبرّكين بـلثمهِ

وبـه حـططنا الـيوم كلَّ رجاءِ

حـرمٌ عـليه مـن الـنبوة هيبةٌ

تـحنى لـديها أرؤسُ الـعظماءِ

مـهـما سـعينا حـوله فـكأننا

نـسعى حـيال الكعبةِ الـغرّاءِ

ولـقد نـجا الـمتمسكون بـبابهِ

مـن كـلِّ شـرٍّ طـارقٍ وبلاءِ

٤٥

غـمرت جوانبَه القداسةُ فاعتلى

شـرفاً تـجاوز موطن الجوزاءِ

نـورُ الـرسالة والإمامة ساطعٌ

مـنه سـطوعُ الكوكب الوضّاءِ

طـفنا به فأعاد ذكرى كربلا

مـخضوبة مـنكم بـخير دماءِ

لـله يـوم الطفِّ قلبك بعدما

شـاهدتِ مـصرع سيّدَ الشهداءِ

وبـجـنبه أبـناؤه وصـحابه

كـالبدر حـاطته نـجوم سماءِ

وحُملتِ بعدُ إلى دمشق أسيرةً

وأجـلّ مـن اُنـجبن من حواءِ

ولـقيتِ صـابرةً أمضّ فجيعة

بـالإخـوة الأطـهار والأبـناءِ

خُلقٌ من الهادي الأمينِ ورثتِهِ

ومـن الوصي وآلك الاُمناءِ

فتركتِ يا فخر العقائلِ في الملا

أسـمى فـخارٍ خـالدٍ وعـلاء

ترعاه عينُ الله فهو على المدى

بــاقٍ بـروعته بـقاء ذُكـاءِ

وعـليك مـنه صلاتُه وسلامُه

فـي كـلِّ صبحٍ مشرق ومساءِ

٤٦

تيهي جلالاً يا بقاع الراوية

تـيـهي جـلالاً يـا بـقاع ( الـراويه)

وتـطاولي شـرفاً بـمثوى ( الـزاكيه)

أدريــتِ مَـن حـلّت ربـاكِ فـطهّرتْ

مـنك الربوعَ مـن الـكلابِ الـعاويه

تـلـك مـن حـلت العقيلة «زيـنب »

تنمى إلى شرف يطول على السماء الساميه *

فـلَـبضعة الـزهراء كـانت اُمّـها

حـدبت عـليها وهـي تُـدعى الـحانيه

وإلـى عـليٍّ وهـو خـيرُ اُرومـةٍ

نـسـبٌ تـبـلّج كـالـسماء الـضاحيه

والـجدّ أحـمدُ مـن أتـى بـشريعةٍ

تـهـدي الـبـرايا لـلـقيامة بـاقـيه

____________________

(*) هكذا ورد البيت في النسخة التي بين أيدينا، ولا يخفى ما فيه من خلل عروضي واضح. (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٤٧

اِروي الـحديث وأنت بعضُ شهودِه

فـالقول منك مصدّق يا «راويه»

وتـحدّثي لـلجيل عن قومٍ مضوا

فـالجيل هـذا العصر اُذنٌ صاغيه

كـم بـالشئام عـجائبٌ مرت بها

بـالنافعات عـن القرون الماضيه

تـلك اللـظات تقصّ بعض حديثها

عـن زمـرةٍ حكمت فكانت طاغيه

قـرن مـن الأعـوام أثقل كاهلي

بـالفادحات فـعدتُ مـنها خـاويه

كـم ذا لـقيت مـن الإساءة والعنا

مـن صـبية ذرئـت لـنار حاميه

فـالخمرة الـصهباء مـلءُ بطونِها

وأكـفّها خـضبت دمـاءً زاكيه

نـزو القرود على منابر أحمدٍ

جهدت تـعيد الـشرك فيهم ثـانيه

قصرت بها الأنساب أقصى فخرها

شـيخٌ كـفور أو عـجوزٌ زانيه

صـخر وهـند والـفروع بأصلِها

هذا النجار وذي الاُصول كما هيه

يـا «راويـة» فاروي الحديثَ لاُمّةٍ

مـكبوتةٍ وتـعيش ظـمأى صاديه

٤٨

وتـحدّثي عـن ذي القصور ولهوِها

أيـن الـقصورُ مضت وأين اللاهيه

قـالت مـعالمها دويـنك مـا ترى

يـكـفيك مـنّي مـا تـراها بـاقيه

فـاضرب بـطرفك أين بانيَ مجدها

ثــاوٍ بـأيـةِ حـفرة أو زاويه

فـإذا الـقصور ولا بـقاء لـرسمها

وإذا الــرؤوس ولا رمـيم بـاليه

وانـظر إلى القبر المشيد ضريحه

سامي الضراح علا بمثوى الزاكيه

ذيّــاك حـكـمُ الله يـأبي عـدله

إلاّ الإطـاحة بـالعروش الـخاويه

وتـكون عـقبى الـدار تـبقى دائماً

لـلـمـتّقين ولـلـعتاة الـهـاويه

* * *

يـا« راويـة» والقلب ماضٍ جرحُه

بـالفادحاتِ مـن الـمآسي الـقاسيه

وأشـدها وقـعاً مـصائب كـربلا

شــمُّ الـجبال لـهولها مـتداعيه

شاد الحسينُ صروح دين هُدّمت

وزيـنبٌ أوصـت تـتم الـباقيه!

٤٩

فشقيقة السبطين خفّت بالذي

عن حمله كلُّ الرواسي واهيه

قد قابلت كلَّ الخطوب بصبرها

مهما تحيط بها الظروف العاتيه

وأتـمّت الـصرح الذي لبناتهُ

قـامت عليها فهي اُسُّ الزاويه

بـدماء زمـرتها تـشيّد اُسّه

وتـشيد أعـلاه دموعٌ جاريه

فـمحت بـها أثـار ملك أميةٍ

من دارها طرّاً فأضحت خاليه

كم موقفٍ بالشام لم تضرع به

صكّت به أسماع ذاك الطاغيه

وأذلّـت الـنفر الـلئام بقيلها

فـعنت لها بالذلِّ تلك الناصيه

وسـمتهمُ الـعار الشنار بسبّةٍ

حتّى هووا أعجاز نخلٍ خاويه

فصل الخطاب ويا له من حجةٍ

صـعقت لها تلك الجباه العاتيه

فحروف خطبتِها حروفٌ زاهية

وبـليغ حجتها صواعقُ داويه

٥٠

إيها ربوع الشام هذي زينبٌ

وطئت ثراك وهي ليست راضيه

فـتعجّلت كـفُّ المنون بقبضها

لـمّا دعـت أن لا تـراكِ ثانيه

فـتُعيدي للنفس الجريحة مشهداً

يـحكي لها ذكرى المآسي الداميه

لـكنّ ربّـك وهـو عـدلٌ حاكمٌ

يقضي لتقضي في جوارك ناحيه

كـم حـكمةٍ لـله فـي تـقديرِه

فـتبين واضـحة واُخرى خافيه

فـأسيرة الـماضي تحطّم هيكلاً

ذرّ الـرماد فـماله مـن بـاقيه

وتـقـيم قـبّتها بـرغمِ اُنـوفهمْ

في أرضهم حيث القطوف الدانيه

وتدرّ زينب حيث يهمي فضلها

ثـرّاً عليك فعدت منها «راويه»

وتخط زينبُ للخلود سطورَها

ومـدادها تـلك الـدموع الغاليه

وطـوت يـدٌ بيضاء كلَّ صحيفةٍ

لاُمـيةٍ قـد سـوّدتها عـاصيه

هـذا هـو الفتح المبين بنصرةِ الـ

ـدين الحنيف وتلك عقبى الباقيه

٥١

وختامُ شعري في نشيد القافيه

تيهي جلالاً يا بقاع «الراويه»

٥٢

كلمة الاُستاذ الكبير أحمد فهمي محمّد المصري وشعره

السيدة زينب بنت علي عليهما‌السلام ، العقيلة الطاهرة، والزهرة الناضرة، والكريمة الباتعة، والروضة اليانعة، سبطة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبضعة البتول، ونجيبة سيف الله المسلول، السيدة المباركة زينب بنت علي بن أبي طالب عليهم‌السلام .

هـي زيـنب الـمفاخر والـعلا (*)

وكـريـمةٌ آبـاؤهـا كُـرمـاءُ

هي ربّة الشورى وغوث ضريعها

وهـي الـعياذ ولـلعفاة رجـاءُ

وله أيضاً:

لـذ بالعقيلة بضعة الزهراءِ

مـتـوسّلاً بـكريمة الآبـاءِ

فهناك مهبطُ رحمة تحظى بها

وهـناك ما ترجو من الآلاءِ

____________________

(*) لا يخفى ما في المصراع من خلل عروضي بيّن. (موقع معهد الإمامين الحسنين)

٥٣

وافتح بفاتحةِ الكتاب ضريحَها

واقـرأ سلامك ضارعاً بدعاءِ

حـتّى تنال الخير من نفحاتها

وتـرى شـعاعَ جلالةٍ وبهاءِ

فمزارها حرمٌ ومهبطها حمىً

وهـي الـلياذ لنا من اللأواءِ

فجوارحي تصبو لزورة قبرِها

وجـوانحي تـهفو لها بولاءِ

فالله شـرّف قـدرها ومقامَها

والله يـوفي الـخير للسعداءِ

وله أيضاً:

نـورُ الـعقيلة في الآفاق وضّاءُ

حـلّت دمشق فعم القطر أضواءُ

نـورُ الـنبوّة موصولٌ بمهبطها

والـنور فـي جنبات القبرِ لألاءُ

حـفّت بـه بركاتٌ فاض صيّبها

ونـفحةُ الله بـالروضات فيحاءُ

يا ساكني الشام بشراكمْ بمهبطِها

فـفي حـفافـيه لـلعافين آلاءُ

وقـبرُها حـرمٌ من يستجير به

تـنجاب عـنه بفضلِ الله لأواءُ

* * *

٥٤

ولبعضهم:

هـذا ضـريح شقيقةِ القمرينِ

بـنتِ الإمـامِ شريفة الأبوينِ

وسـليلةِ الزهراء بضعة أحمدٍ

نـورُ الـوجود وسيّد الثقلينِ

نـسبٌ كريم للفصيحة زينبٌ

شمس الضحى وكريمة الدارينِ

* * *

للمرحوم الشيخ حسن سبتي:

عـيـبةُ عـلمٍ غـير أنّ عـلمَها

غـريـزةٌ ولـم يـكن مـكتسبا

عـالـمـةٌ عـامـلـةٌ لـربِّـها

طول المدى سوى التقى لن تصحبا

تـقيةٌ مـن أهـل بـيت عصمةٍ

شـقيقةُ الـسبط الحسينِ المجتبى

صـدّيقةٌ كـبرى وجـمّ عـلمِها

طـاشت بـها الألبابُ والفكر لبا

فـيا لـها داعـيةٌ إلى الـهدى

فـي حـلِّ كـلِّ مشكلٍ قد صعبا

ذات فـصـاحةٍ إذا مـا نـطقتْ

حـيناً تـخال المرتضى قد خطبا

٥٥

سـل مجلس الشام وما حلَّ به

مُذ خطبت ماج بهم واضطربا

* * *

وللمرحوم الشيخ أحمد الكناني من مقطوعة:

لـذ فـي الـشدائد بابنةِ الزهراءِ

واقـصد حـماها فـوق كلِّ عناءِ

هـي زيـنبٌ ذات المقامات العلا

وكـريـمةُ الأجــداد والآبــاءِ

هي ربةُ الشورى وغوث مَن التجى

بـنت الإمـام وفـارس الـهيجاءِ

اُخـت الحسين وجدُّها خيرُ الورى

وهـمُ إذا عـزَّ الـرجاءُ رجـائي

* * *

للمغفور له الشيخ حسن سبتي:

لما أصابت ( يثرباً) مجاعةٌ

وشـدةٌ وعـامهم قـد قطبا

فسار عبد الله ينحو الشام في

عـياله يـحملهم و (زينبا )

لـكنّ وعثاءَ الطريق أثّرت

بـها فـكابدت عناءً نصبا

٥٦

وعـنـدما تـذكّـرت دخـولَها

للشام حسرى وهي في أسر السبا

حـمت ومـا زالت تعاني سقماً

وسـقمها فـي جسمها قد نشبا

وعـام خـمسةٍ وخمسين قضت

صـابرةً بـالصبر حـازت رتبا

وقـد قـضت في رجب بنصفِه

يـاليت أنّـا لـم نـشاهد رجبا

* * * *

ولبعضهم:

نـفسي الفداء لمشهدٍ أسرارُه

مـن دونها سترُ النبوّة مسبلُ

ورواقُ عـزٍّ فيه أشرف بقعةٍ

ظلت تحار لها العقولُ وتُذهلُ

تغضي لبهجته النواظر هيبةً

ويـردّ عـنه طرفه المتأمّلُ

حسدت مكانته النجوم فودّ لو

أمسى يجاوره السماك الأعزلُ

وسـما عـلوّاً أن تقبّل تربَه

شـفةٌ فـأضحى بالجباه يُقبّلُ

٥٧

للعلامة السيد مسلم الحلي (أيّده الله):

أزيـنب هـذي نـدبةٌ عزّ وقعها

على منطقي إذ موقع الرزء هائلُ

أذاقـكِ أنـواعَ المصائب موقفٌ

بـه الـسبط مـثكولٌ وإنك ثاكلُ

فـيا مـوقفاً ما كان أسماه موقفاً

بـه لـذوي الألباب لاحت دلائلُ

جـهادُ لـسانٍ قد حكى في جلالِه

جـهادَ سـنان والـجهادُ مراحلُ

رميت بني حرب بحرب صواعقٍ

قـنابلُ قـولٍ دونـهنّ الـقنابلُ

تـحطّم فـيه عـرشُهم وعريشهمْ

وهُـدّت حـصونٌ منهمُ ومعاقلُ

كـذا فليكن مَن كان للدين ناصراً

تـهونُ عـليه نـفسه والعواملُ

* * * *

للعلامة الشيخ حسن نجل الحجة الشيخ مرتضى أسد الله الكاظمي:

زينب بنت علي عليهما‌السلام

تسيل دموعُ العين حزناً وتسكبُ

إذا ذُكـرت اُمُّ المصائب زينبُ

٥٨

هـي الـمثل الأعـلى لـكلِّ فضيلةٍ

وفي فضلها الأمثال في الناس تضربُ

تـقـوم لـها الـعليا وتـقعد كـلّما

تـبين لـها الـذكر الـحميد وتعربُ

وكـم حـيّرت فـي ذكرها كلَّ كاتبٍ

ومَـن أخـذته حـيرةٌ كـيف يكتبُ

وكـم أعـجزتْ في مدحها كلَّ شاعرٍ

وإن كـان يـحلو الشعر فيه ويعذبُ

فـمَن جـدّها أو مَـن أبـوها واُمّها

ومَـن أخـواها حـين تنمى وتنسبُ

قــد اكـتسبت أخـلاقها وتـأدّبتْ

بـآدابـهم يـا نـعم هـذا الـتأدّبُ

مـبـاركةٌ فـي كـلِّ أرض تـحلّها

فـتخضرّ منها الأرض يمناً وتخصبُ

وعـالـمةٌ لـكـن بـغـيرِ تـعـلّمٍ

وذا خـبرٍ يـروى ولـيس يُـكذّبُ

لـقـد أودعـت أسـرار آل محمّدٍ

فـتأخذ مـنها كـلَّ عـلم وتـكسبُ

وتـحبو بـها عـلماً وتوهب حكمةً

وطـوبى لـمن يُـحبا بهذا ويوهبُ

تـفـوق نـساء الـعالمين شـجاعةً

ومـنها رجـال الـعالمين تـعجبّوا

٥٩

فـمـا تـرتاب الـبلايا جـميعها!

ولا هـي من أعيائها تتهيبُ

تـشقّ عـلى الـناس الـصعاب وإنّما

يهون عـليها ما يشقّ ويصعبُ

ألـمّت بـها الأرزاء وهي كثيرةٌ

كـقطر السما ليست تُعدّ وتحسبُ

ولـله مـن قـلبٍ تـحمّل ثـقلَها

ولـو حـلّ قـلباً دونـه يتشعبُ

وما حُصرت في خطبة يوم روعِها

ويحصر يوم الروعِ مَن فيه يخطبُ

لـقد حـملت يوم الطفوفِ رسالةً

يـنوء بـها حـملاً سواها وينصبُ

فـأعطت جميعَ الواجبات حقوقَها

ومـا قـصرت فيها يحقُّ ويوجبُ

فـقامت بـأعباء الـرعاية كـلِّها

ومـا فـاتها فـي الأمر ما يتطلّبُ

لـها وقـفاتٌ صـامداتٌ صـليبةٌ

أشـد مـن الطود العظيم وأصلبُ

ولـيست تـبالي لـو تلوم عدوَّها

ولـو هـو مغتاظ عليها ومغضبُ

ومـا أظهرت شكوى إلى أحد ولو

ألـمّ بـها مـا لا يظن ويحسبُ

٦٠

ولـم نـر مـغلوباً على كلِّ أمره

يـغالب بـالقول الـعدو فـيغلبُ

وإنّ وقـوع الـقول فوق نفوسِهمْ

أشـدّ عـليهم من سهامٍ وأصعبُ

تـجنبت الـشيء الـمخلّ بشأنها

وإنّ الـكريم الـحرَّ مَـن يتجنبُ

وكـم أغلظت بالقول دون تريّبٍ

أمـام الـذي مـن أمرها متريّبُ

أمـام عـبيدِ الله طـوراً وتـارةً

أمـام يـزيدٍ حـين قامت تؤنّبُ

فـيالَ مـقامٍ لـو يـقوم مـقامها

سواها قضى رعباً به حين يرعبُ

فـتلهب بـاللفظ النفوسِ حماسةً

وما هـي إلا جـمـرة تـتلهبُ

لـقد أنـشبت حرباً عليهم طويلةً

مداها وما زالت مدى الدهر تنشبُ

ولـو لـم يـكن إقدامُها وجهادُها

لـما كـان شـيء للوقيعة ينسبُ

ويـعجب مـن إقدامها كلُّ معشرٍ

ولا عـجبٌ مـنه إذا منه يعجبُ

تـقلّبت الأحـداثُ نصب عيونِها

ومـا أعـظم الأحداث إذ تتقلّبُ

٦١

فـمـنظر قـتلاها أمـام عـيونِها

وهـل مـنظرٌ مـنه أشـدّ وأرهبُ

فـهذا عـلى وجـه الـصعيدِ معفّرٌ

تـريبٌ وهـذا بـالدماء مـخضبُ

ومـا بـرحت طـول الحياة حزينةً

تـنوح عـلى قتلى الطفوف وتندبُ

فما الرزء ينسى لا ولا الحزن ينتهي

ولا النفس تسلو لا ولا الدمع ينضبُ

فـفي كـلِّ يـوم فـي السماء مآتمٌ

وفـي كـلِّ عـينٍ عـبرةٌ تتصبّبُ

وإنّ بـعـين الله كــلَّ وقـيـعةٍ

يـطيح بـها آلُ الـرسول ويعطبوا

فـتطعن بـالسمر العوالي صدورها

وأعـنـاقها بـالمشرفية تـضربُ

وإنّ بـعـين الله كــلَّ عـقـيلةٍ

لـهمُ فـي يد الأعداء تُسبى وتسلبُ

* * *

فطوبى لأرضِ الشام حيث تنزّلت

بـها بـركاتٌ تربها ليس يجدبُ

٦٢

تـحلّ بـها من نسوةِ الوحي حرّةٌ

مـباركةٌ مـيمونةٌ هي «زينبُ»

تطيّب تُربُ الأرضِ من طيبها وكمْ

تـضوّع طـيباً تـربُها المتطيّبُ

فـمرقـدُها فـي كلِّ قلبٍ معظّمٍ

ومـشهدُها فـي كـلِّ نفسٍ محببُ

وتـختلف الـزوّارُ نـحو مزارِها

تـجيء إلـيه كـلَّ يـوم وتذهبُ

فـلا فـاته روحٌ مـن الله طـيّبٌ

ولا جـازه قطرٌ من السحب صيّبُ

* * *

٦٣

تحقيق حول مشهدها الشريف في الشام أو في مصر

لا ريب أنّ الفاطميِّين هم من السلالة الطاهرة، ومن أبناء العلويِّين الذين ينتمون إلى الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وعلى رغم ما فعلته السلطة الجائرة من إنكار نسبهم الشريف، وقد قيل:

ولا تضرّ كلابُ السود أن نبحتْ

على الاُسود وأبدت كامنَ الضغنِ

فهذا ابن عمهم الشريف الرضي (رضوان الله عليه) يصدّق نسبهم بقوله:

أَلبَسُ الذُلَّ في دِيارِ الأَعادي

وَبِمِصرَ الخَليفَةُ العَلَوِيُّ

مَن أَبوهُ أَبي وَمَولاهُ مَولا

يَ إِذا ضامَني البَعيدُ القَصِيُّ

لَفَّ عِرقي بِعِرقِهِ سَيِّدا النا

سِ جَميعاً مُحَمَّدٌ وَعَلِيُّ (*)

وقد جهد الفاطميّون في عهدهم على أن يجعلوا مصر شيعية محضة موالية لآل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومَن وجبت على الخلق محبتهم، وقاموا بأشياء توطئة لقصدهم، منها جلبهم

____________________

(*) وردت الأبيات هنا في غير هذا النحو، وفيها من الأخطاء العروضية والتغيير والتبديل الشيء الكثير، وقد أثبتنا ما هو موجود من أصل الديوان. (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٦٤

الصندوق الذي فيه رأس الحسين عليه‌السلام من عسقلان (1) إلى مصر، وبنو عليه مسجداً فخماً، وحتّى اليوم يزار مسجد رأس الحسين عليه‌السلام .

ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني في طبقات الأولياء عند ترجمته للحسين عليه‌السلام ، قال: دفنوا رأسه ببلاد المشرق، ثمّ رشى عليه طلايع بن رزيك بثلاثين ألف دينار ونقله على مصر، وبنى عليه المشهد الحسيني، وخرج هو وعسكره حفاة إليه نحو الصالحية من طريق الشام ينقلون الرأس الشريف، ثمّ وضعه طلايع في كيس من الحرير أخضر على كرسي آبنوس وفرشوا تحته المسك والعنبر والطيب قدر وزنه مراراً.

وممن قال: إنّ الرأس الشريف بالمشهد الذي بالقاهرة اليوم، نقل إليها من عسقلان، علي بن أبي بكر المشهور بالسائح الهروي، المتوفّى سنة 611 هـ، قال [في] الإشارات إلى أماكن الزيارات عند كلامه على عسقلان: وبها مشهد الحسين رضي‌الله‌عنه ، كان رأسه بها، فلما أخذتها الفرنج نقله المسلمون إلى مدينة القاهرة سنة 549 هـ.

وذكر مجير

____________________

(1) عسقلان: مدينة كانت على ساحل بحر الشام من أعمال فلسطين، وكان يقال لها: عروس الشام؛ لحسنها، وهي ذات بساتين وضياع، بها مشهد رأس الحسين عليه‌السلام ، وهو مشهد عظيم، وفيه ضريح الرأس والناس يتبركون به، وقد نقل الفاطميّون رأس الحسين منها إلى مصر.

٦٥

الدين الحنبلي في (الأنس الجليل) عند ذكر ه لعسقلان، قال: وبها - أي بعسقلان - مشهد عظيم بناه بعض الفاطميِّين من خلفاء مصر على مكان زعموا أنّ فيه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام .

كما وأنّهم شيّدوا مرقد السيدة نفيسة، ونوهوا بنسبها وعظم شأنها، وهو يزار حتّى اليوم، وكذلك شيدوا أيضاً قبر اُمّ كلثوم الملقّبة بزينب الصغرى، ونوّهوا بأنّ هذا هو مرقد السيدة زينب عقيلة بني هاشم.

وهاك ما كتب على باب المرقد: بسم الله الرحم الرحيم، ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ) ، هذا ما أمر به عبد الله ووليه أبو تميم أمير المؤمنين الإمام العزيز بالله (صلوات الله تعالى عليه وعلى آبائه الطاهرين، وأبنائه المكرمين)، أمر بعمارة هذا المشهد على مقام السيدة الطاهرة بنت الزهراء البتول، زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله تعالى عليها وعلى آبائها الطاهرين، وأبنائها المكرمين).

وقد أخذ المؤرّخون على ما وجدوا من الكتابات على جدران مرقدها، والتي رقمت في أيام الفاطميِّين بعين الاعتبار، وجاء مؤلف كتاب (العدل الشاهد في تحقيق المشاهد)، مشاهد مصر، فذكر أنّ هذا هو قبر زينب الكبرى، وتبعه

٦٦

المتأخّرون وأثبتوا ذلك في مؤلفاتهم، وهذا المقريزي (1) لم يذكر لزينب الكبرى مشهداً في مصر، وجلّ قوله في ما كان يعمل في يوم عاشوراء من سنة ثلاث وستين وثلاثمئة، قال: انصرف خلق من الشيعة وأشياعهم إلى المشهدين؛ قبر اُمِّ كلثوم ونفيسة، ومعهم جماعة من فرسان المغاربة ورجالاتهم بالنياحة والبكاء على الحسين عليه‌السلام ... إلخ.

وعند ذكره للشيعة (2) ، وقد كانت مصر لا تخلو منهم في أيام الإخشيدية والكافورية في يوم عاشوراء عند قبر اُمّ كلثوم وقبر نفيسة... إلخ، ذكر واقعة الطفِّ ومقتل الحسين في نفس المصدر، ويذكر زينب الكبرى ومواقفها يوم عاشوراء.

فالحقيقة هي أنّ المشهد الذي في مصر هو مشهد اُمّ كلثوم بنت علي عليه‌السلام ، والمشهد الذي بالشام هو مشهد زينب الكبرى، وقد تسلمته الشيعة عن بعيد، وجيلاً عن جيل، إذاً لا يرتاب أحد في ذلك أبداً.

وهذا الحجة الأكبر وإمام عصره سيدنا السيد عبد الحسين شرف الدين، فإنّ رأيه الصواب، وقوله الفصل يرى أنّ هذا هو مشهد العقيلة زينب الكبرى، وله مقالة مسهبة بمناسبة وصول الضريح الأثري الذي تبرّع به المرحوم محمّد حبيب الباكستاني، ونصب

____________________

(1) انظر الخطط المقريزيّة 2 / 289.

(2) المصدر نفسه / 290.

٦٧

على قبر السيدة زينب في قرية الست من ضواحي الشام، وذلك بعد أن ذكر (عطّر الله مرقده) طرفاً من ترجمتها، والمقالة ذات فصول، وهذا عنوان مشهدها (مشهد العقيلة).

وهذه اُمّ المصائب عقيلة الوحي والنبوة، وخفرة علي وفاطمة عليهما‌السلام ، زينب، بلغ من عناية الله تعالى بها وكرامتها عليه أن كان مشهدها هذا منذ حلّت رمسه، كلّ سنة هو أفخم وأعظم منه في سابقتها، حتّى بلغ اليوم أوج العظمة والعلاء، يطوف المسلمون بهذا المشهد، ويعتصمون به، فإذا هو على الدوام أمل الراغب الراجي عفو ربّه [عن] ذنوبه، وأمن الراهب التائب الراجي في ستر عيوبه، ويقضي حوائجه، متوسلاً إليه تعالى باُمّ المصائب في سبيله (عزّ وجلّ).

هذا شأن المخلصين لله تعالى في حفظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عترته من بعده، يعظمون شعائر الله تعالى: ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (1) .

____________________

(1) سورة الحج / 32.

٦٨

وذكر المغفور له الحجة السيد حسن الصدر (نوّر الله رمسه)، في كتاب (نزهة أهل الحرمين)، زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكنيتها اُمّ كلثوم، قبرها قرب زوجها عبد الله بن جعفر الطيار خارج دمشق الشام معروف.

جاءت مع زوجها عبد الله بن جعفر أيام عبد الملك بن مروان إلى الشام سنة المجاعة، ليقوم عبد الله بن جعفر في ما كان له من القرى والمزارع خارج الشام حتّى تنقضي المجاعة، فماتت زينب هناك، ودُفنت في بعض تلك القرى.

قلت: واليوم تعرف القرية التي فيها مرقدها باسمها، قرية الست زينب. انتهى.

وجاء في كتاب (لواقح الأنوار): توفيت زينب بنت علي بن أبي طالب عليه‌السلام بدمشق الشام في سنة أربع وسبعين هجرية. انتهى.

وذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان 4 / 216 عند ذكر (راوية): قرية من غوطة دمشق، بها قبر اُمّ كلثوم... إلخ.

وجاء في رحلة ابن بطوطة عند سرده للقبور التي حوالي دمشق الشام، قال: وبقربه قبلي البلد، وعلى فرسخ منها مشهد اُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة عليهم‌السلام ، ويقال: إنّ اسمها زينب، وكنّاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اُمّ كلثوم؛ لشبهها بخالتها اُمّ كلثوم بنت

٦٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعليه مسجد كريم، وحوله مساكن، وله أوقاف، ويسمّيه أهل دمشق قبر الست اُمّ كلثوم.... إلخ.

وذكر ابن جبير في رحلته عند عرض ذكره للمشاهد والقبور في دمشق الشام، قال: ومن مشاهد أهل البيت رضي‌الله‌عنهم مشهد اُمّ كلثوم ابنة علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهما ، ويقال لها: زينب الصغرى، واُمّ كلثوم كنية أوقعها عليها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لشبهها بابنته اُمّ كلثوم رضي‌الله‌عنها ، والله أعلم بذلك.

ومشهدها الكريم بقرية قبلي البلد تُعرف بـ (راوية)، على مقدار فرسخ، وعليه مسجد كبير، وخارجه مساكن، وله أوقاف، وأهل هذه الجهات يعرفونه بقبر الست اُمّ كلثوم. مشينا إليه وبتنا به، وتبرّكنا برؤيته نفعنا الله بذلك.

وذكر الشيخ الشبلنجي في كتابه القيّم (نور الأبصار/ 238) ط العثمانية، في مناقب السيدة رقية المدفونة بدمشق الشام، قال: وقد أخبرني بعض الشوام أنّ للسيدة رقية بنت الإمام علي (كرّم الله وجهه) ضريحاً بدمشق الشام، وأنّ جدران قبرها كانت قد تعيبت، فأرادوا إخراجها منه لتجديده، فلم يتجاسر أحد أن ينزل من الهيبة، فحضر شخص من أهل البيت يدعى السيد ابن مرتضى، فنزل في

٧٠

قبرها، ووضع عليها ثوباً لفّها فيه، وأخرجها فإذا هي بنت صغيرة دون البلوغ. وقد ذكرت ذلك لبعض الأفاضل، فحدّثني به ناقلاً عن أشياخه. انتهى كلام الشبلنجي.

قلت: لم يذكر التاريخ أن رقية بنت علي عليه‌السلام مدفونة بالشام، وإنّما المأثور والمنقول أنّ هذه هي الطفلة رقية بنت الحسين بن علي عليه‌السلام التي توفيت بالخربة، والذي يؤكّد ذلك قول الشبلنجي نفسه: (إذاً هي بنت صغيرة)، وقبرها اليوم في سوق الشام في الجامع المعروف باسمها، يزار ويتبرك به، وقد جدّدوا ضريحه قبل أعوام، وأرّخت عام تجديده (حول ضريح رقية).

وأمّا السيد [الذي] نزل في قبرها وأخرجها، ووضع عليها ثوباً لفّها فيه ثمّ دفنها بمكانها، هو جد الأسرة السادة آل مرتضى، وهم سدنة مرقد السيدة زينب بنت الإمام علي عليه‌السلام المدفونة في قرية (راوية)، وتُعرف اليوم بقرية الست زينب عليها‌السلام .

وسدانة هذا المرقد تقوم به اليوم هذه الأسرة العلوية والدوحة الهاشمية منذ مئات الأعوام، السادة أل مرتضى يتوارثون هذه السدانة وخدمة هذه العتبة المشرفة يداً عن يد، ويتسلّم مفاتيح هذه الروضة المباركة الخلف بعد السلف.

ولقد وفّق الله تعالى في الآونة الأخيرة حضرة الوجيه، والتاجر الشهير، المحب للخير، والقائم بشعائر الدين الحاج مهدي البهبهاني فكرّس أوقاته لتشييد وتعمير هذه العتبة،

٧١

وأمره مطاع لدى أرباب الخير وأبناء الإسلام، وتلّمذ عليه بهذه الخدمة الشريفة السيد الجليل السيد رضا الكاظمي، فحيّا الله منه هذه الشهامة الهاشمية، ووفّقه إلى أعمال البر والخير.

موالاة آل البيت عليهم‌السلام

قال أبو الأسود الدؤلي رضي‌الله‌عنه :

اُحـبّ مـحمّداً حـبّاً شديداً

وعـباساً وحـمزة والوصيّا

هوىً اُعطيته منذ استدارت

رحى الإسلام لم يعدل سويّا

بـنو عـمِّ الـنبي وأقربوه

أحـب الـناس كـلهمُ إليّا

فـإن يك حبُّهم رُشداً اُصبه

ولست بمخطئٍ إن كان غيّا

وقال الكعبي (رحمة الله عليه):

آلُ الرسول ونعم أكفاء الـ

ـعـلا آلُ الـرسولِ

خـيرُ الفروع فروعُهم

واُصولُهم خيرُ الاُصولِ

هم حبل الله، مَن اعتصم بهم نجا، وهم سفن النجاة لمحبيهم، يصل المحب لهم إلى شاطئ السعادة، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (( مثلُ أهل بيتي كسفينة نوح؛ مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق وهوى، وزجّ في النار زجاً )) .

وهم الذين مدحوا بآية التطهير، قال (جلَّت آلآؤه): ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) ، والمراد بأهل البيت فاطمة وبعلها علي،

____________________

(1) سورة الأحزاب / 33.

٧٢

وولداهما الحسن والحسين عليهم‌السلام .

ولقد ذكر أرباب التفسير أن آية التطهير نزلت على الرسول الأعظم وهو في بيت اُمِّ سلمة، ويروى عن اُمّ سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية الشريفة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساءً، وقال: (( اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي، اذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً )) .

فقلت: يا رسول الله، وأنا معهم؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (( أنت مكانك، وأنت على خير )) .

وذكر الفخر الرازي في تفسيره قال: إنّ أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله ساووه في خمسة أشياء؛ في الصلاة عليه وعليهم في التشهّد، وفي السّلام، يقال في التشهد: السلام عليك أيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال تعالى: ( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) ، وفي الطهارة، قال تعالى: ( طه ) ، أي طاهر، وقال تعالى: ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وفي تحريم الصدقة، وفي المحبة، قال تعالى: ( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ ) ، وقال تعالى: ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (( أحبوا الله لما يغذوكم به، وأحبوني لحبِّ الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي )) .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (( لا يحبّنا أهل البيت إلاّ مؤمن تقي، ولا يبغضنا إلاّ منافق شقي )) .

____________________

(1) سورة الشورى / 23.

٧٣

ولقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يمرّ بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر، ويقول: (( الصلاة يا أهل البيت، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )) .

وقد قال علي عليه‌السلام في بعض خطبه: (( نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم؛ ناصرنا ومحبّنا ينتظر الرحمة، وعدوّنا ومبغضنا ينتظر السطوة )) .

وإليك ما نظمه الشافعي محمّد بن إدريس (رحمه الله):

يـا آل بـيت رسولِ الله حبكمُ

فرضٌ من الله في القرآن أنزلهُ

كـفاكمُ مـن عظيم الفخر أنّكمُ

مَن لم يصلِّ عليكم لا صلاة لهُ

* * *

وله أيضاً:

همُ القوم مَن أصفاهم الودَّ مخلصاً

تمسّك في اُخراه بالسبب الأقوى

مـوالاتهمُ فـرضٌ وحبُّهم هدىً

مـحاسنهمْ تُحكى وآياتهم تُروى

وله أيضاً:

يا راكباً قفْ بالمحصبِّ من منى

واهتف بساكنِ خيفها والناهضِ

٧٤

سحراً إذا فاض الحجيجُ إلى منى

فـيضاً كملتطم الفراتِ الفائضِ

إنْ كـان رفـضاً حبُّ آل محمّدٍ

فـليشهد الـثقلان أنّي رافضي

* * *

ولزبينا بن إسحاق النصراني:

* * *

وهذا ابن عباس حبر الاُمّة، جاء من طريقه أنه لما نزل قوله تعالى: ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، قالوا: يا رسول الله، مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟

قال: (( عليٌّ وفاطمة وابناهما )).

وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (( إنّ الله جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي، وإنّي سائلكم غداً عنهم )) .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (( الزموا

٧٥

مودتنا أهل البيت؛ فإنّه مَن لقي الله (عزّ وجلّ) وهو يودّنا دخل الجنة بشفاعتنا. والذي نفسي بيده، لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفة حقّنا )) .

وللشيخ محي الدين بن عربي (قدّس سره):

رأيـت ولائـي آلَ طـه فريضةً

على رغمِ أهل البُعد يورثني القُربا

فما طلب المبعوث أجراً على الهدى

بـتبليغه إلاّ الـمودة فـي القربى

* * *

والحديث المأثور ذكره أرباب الحديث والصحاح، (( مَن حفظني في أهل بيتي فقد اتّخذ عند الله عهداً )) .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (( استوصوا بأهل بيتي خيراً؛ فإني اُخاصمكم عنهم غداً، ومَن أكن خصمه أخصمه، ومَن أخصمه دخل النار )) .

هؤلاء هم آل رسول الله الذين وجبت على الناس محبتهم وولاؤهم والصلاة عليهم.

كان جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) يقول: لو صلّيت صلاةً لم اُصلِّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ما رأيت أنها تُقبل.

وقد سُئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف الصلاة على أهل البيت، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (( قولوا: اللهمَّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل

٧٦

محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد )) .

فسلام الله على آل رسول الله الطيّبين الطاهرين، وسلام الله على عقيلة آل النبي الأمين، وابنة علي بن أبي طالب عليه‌السلام أمير المؤمنين، زينب الكبرى ورحمة الله وبركاته.

تاريخ الباب الذهبي لحرم العقيلة زينب الكبرى عليها‌السلام

حرمُ العقيلة زينبٍ حرمُ الهدى

بـفنائهِ زمـرُ الملائك عكّفُ

والـناسُ تـلثم منه عتبةَ بابِه

وجميعهم أرّخ « به تتشرفُ »

الكاظمية - علي الهاشمي الخطيب

والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين

٧٧

الفهرس

عقيلة بني هاشم (زينب الكبرى) 5

ولادتها 5

تسميتها وكنيتها 5

أبوها 6

اُمّها 8

نشأتها 9

شرف نسبها وفضلها 10

عبادتها 13

تهجّدها وأدعيتها 14

من غُررِ كلامها 19

خطبتها في الكوفة 20

كلامها مع ابن زياد 23

خطبتها في مجلس يزيد 24

جوابها ليزيد في مجلسه 29

تزويجها 31

زوجها 32

وفاته 36

أولاده وأولادها 36

أسفارها 43

بعض ما قيل فيها شعراً 45

تيهي جلالاً يا بقاع الراوية 47

كلمة الاُستاذ الكبير أحمد فهمي محمّد المصري وشعره 53

زينب بنت علي عليهما‌السلام 58

تحقيق حول مشهدها الشريف في الشام أو في مصر 64

موالاة آل البيت عليهم‌السلام 72

٧٨