اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)36%

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 206

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133571 / تحميل: 10060
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

قال مولانا وإمامنا سيّد العابدين ، وقبلة أهل الحق واليقين ، سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.

« أيّها الخلق المطيع ، الدائب السريع ، المتردّد في منازل التقدير ، المتصرّف في فلك التدبير ».

لفظة « أي » : وسيلة إلى نداء [10 / ب ] المعرّف باللام ، كما جعلوا « ذو » وسيلة إلى الوصف بأسماء الأجناس ، و « الذي » وسيلة إلى وصف المعارف بالجمل ؛ لأنَّ إلصاق حرف النداء بذي اللام يقتضي تلاصق أداتي التعريف ، فإنّهما كمثلين كما قالوا ، وإنَّما جاز في لفظ الجلالة للتعويض ولزوم الكلمة المقدسة ، كما تقرر في محلّه ، واعطيت حكم المنادى ، والمقصود بالنداء وصفها ، ومن ثمّ التزم رفعه ، واقحمت هاء التنبيه بينهما تاكيداً للتنبيه المستفاد من النداء ، وتعويضاً عمّا تستحقه « أي » من الإضافة.

« والخلق » : في الأصل مصدر بمعنى الإِبداع والتقدير ، ثم استعمل بمعنى المخلوق ، كالرزق بمعنى المرزوق.

« والدائب » ـ بالدال المهملة واخره باء موحدة ـ : اسم فاعل من دَأَبَ فلان في عمله أي جدّ وتعب.

و جاء في تفسير قوله تعالى :( وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ ) (1) ، أي مستمرين في عملهما على عادة مقررة جارية(2) ، والمصدر

________________________

(1) إبراهيم ، مكية ، 14 : 33.

(2) تفسير التبيان 6 : 297 / مجمع البيان 3 : 316 / تفسير الفخر الرازي 19 : 128 / الجامع لأحكام

٨١

« دَأْب » باسكان الهمزة وقد تحرك ، ودُؤُب بضمّتين(1) .

« والسرعة » : كيفية قائمة بالحركة ، بها تقطع من المسافة ما هو أطول في زمان مساوٍ أو أقصر ، وما هو مساوٍ في زمن أقصر.

ووصفهعليه‌السلام القمر بالسرعة ربما يعطي بحسب الظاهر أن يكون المراد سرعته باعتبار حركته الذاتية ، وهي التي يدور بها على نفسه.

وتحرك جميع الكواكب بهذه الحركة ممّا قال به جم غفير من أساطين الحكماء ، وهو يقتضي كون المحو المرئي في وجه القمر شيئاً غيرثابت في جرمه ، وإلَّا لتبدل وصفه ، كما قاله سلطان المحققين(2) قدس الله روحه في شرحالإشارات(3) ، وستسمع فيه كلاماً إن شاء الله.

و الأظهر أنَّ ما وصفه بهعليه‌السلام من السرعة إنَّما هو باعتبار حركته العرضية التي بتوسط فلكه ، فإن تلك الحركة على تقدير وجودها غيرمحسوسة ولامعروفة ، والحمل على المحسوس المتعارف أولى.

________________________

القرآن 9 : 367 / المفردات : 174.

(1) الصحاح 1 : 123 / تاج العروس 1 : 242 مادة ( دأب ) فيهما.

(2) سلطان المحققين ، الخواجه نصير الدين الطوسي ، محمد بن محمد بن الحسن الجهروردي القمي.حجة الفرقة الناجية ، فخر الشيعة الإمامية ، ناموس دهره ، فيلسوف عصره ، افضل الحكماء والمتكلمين ، سلطان العلماء والمحققين ، علامة البشر ، نصير الملة والدين ، الذي ارتفع صيته في الآفاق ، خضع له الموافق والمخالف؛ له مكتبة تناهز الأربع مئة ألف كتاب ، أقام المنجمين والفلاسفة ، ووقف عليهم الأوقاف ، أسس المرصد المعروف بمراغه ، زها العلم في زمنه ؛ له مؤلفات منها تحرير اقليدس ، تحرير المجسطي ، شرح الاشارات ، الفصول النصيرية ، الفرائض النصيرية ، التذكرة النصيرية ، وغيرها.

مات سنة 672 هـ = 1273 م ودفن في الروضة المطهرة الكاظمية.

انظر : روضات الجنات 6 : 300 رقم 588 / تاسيس الشيعة : 395 / تنقيح المقال 3 : 179 رقم 11322 / شذرات الذهب 5 : 339 / البداية والنهاية 13 : 267 / جامع الرواة 2 : 188 / تاريخ مختصر الدول : 286 / فوات الوفيات 3 : 246 رقم 414 / تاريخ آداب اللغة العربية 2 : 245رقم 1 / أعيان الشيعة 9 : 414 / نقد الرجال : 331 رقم 691 / أمل الآمل 2 : 299 رقم 904.

(3) شرح الاشارات والتنبيهات 2 : 34.

٨٢

و سرعة حركة القمر(1) بالنظر الى سائر الكواكب ؛ أما الثوابت فظاهر ، لكون حركتها أبطأ الحركات حتى أنَّ القدماء لم يدركوها ؛ وأمَّا السيارات فلأن زحل[11 / أ] يتم الدور في ثلاثين سنة ، والمشتري في اثنتي عشرة سنة ، والمريخ في سنة وعشرة أشهر ونصف ، وكلاً من الشمس والزهرة وعطارد في قريب سنة ، وأما القمر فيتم الدور في قريب من ثمانية وعشرين يوماً.

هذا ولا يبعد أن يكون وصفهعليه‌السلام القمر بالسرعة باعتبار حركته المحسوسة على أنّها ذاتية له ، بناء على تجويز كون بعض حركات السيارات فيأفلاكها من قبيل حركة الحيتان في الماء ، كما ذهب إليه جماعة ، ويؤيده ظاهر قوله تعالى :( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (2) .

ودعوى امتناع الخرق على الأفلاك لم تقرن بالثبوت ، وما لفَّقه الفلاسفة لاثباتها أوهن من بيت العنكبوت ؛ لابتنائه على عدم قبول الأفلاك باجزائها للحركة المستقيمة ، ودون ثبوته خرط القتاد(3) ، والتنزيل الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ناطق بانشقاقها(4) .

وما ثبت من معراج نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجسده المقدس الى السماء السابعة صاعداً شاهد بانخراقها.

________________________

(1) في هامش بعض النسخ ما لفظه : نُقل عن بعض الأكابر أنّ ما يدل على سرعة حركة القمر ـ أيضاً ـ التناسب العددي ببن « القي » واسم « السريع » ، إذ كلّ منهما ثلاثمائة وأربعون ، والتناسببحسب النقاط أيضاً ، هو من الأسرار!!!.

(2) الأنبياء ، مكية ، 21 : 33.

(3) قوله : « دون ثبوته خرط القتاد » مثل مشهور يضرب للدلالة على استحالة حصول شيء ما والقتاد : شجر شاك صلب فيه مثل الابر ، والخرط نزع قشر الشجر جذباً بالكف. والمعنى أنتحمل نزع قشر القتاد أهون من حصول العمل.

انظر : لسان العرب 3 : 342 و 7 : 284 / مجمع الامثال 1 : 265 ت 1395. (4) المراد بانشقاقها : انشعاب فيها في القيامة ، كقوله تعالى « وانشقت السماء فهي يومئذ واهية » [ الحاقة ، مكية ، 69 : 16 ] وقوله تعالى : « إذا السماء انفطرت ، وإذا الكواكب انتثرت » [ انفطار ، مكية ، 82 : 1 و 2 ] إلى غير ذلك من الآيات ، « منه ». قدس سره ، هامش الأصل.

٨٣

تكملة :

أرادعليه‌السلام بمنازل التقدير منازل القمر الثمانية والعشرين ، التي يقطعها في كل شهر بحركته الخاصة ، فيرى كلّ ليلة نازلاً بقرب واحد منها ، قال الله تعالى :( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) (1) .

و هي : الشرطان ، والبطين ، والثريا ، والدّبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنثرة [ 11 / ب ] ، والطرف والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعواء ، والسماك الأعزل ، والغفر ، والزبانا ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، والفرغ المقدم ، والفرغ المؤخر ، والرشاء.

و هذه المنازل مشهورة فيما بين العرب ، متداولة في محاوراتهم ، مذكورة في أشعارهم ، وبها يتعرفون الفصول(2) ، فإنهم لما كانت سنوهم ـ لكونها باعتبار الأهلّة ـ مختلفة الأوائل لوقوعها في وسط الصيف تارة وفي وسط الشتاء اخرى ، احتاجوا إلى ضبط السنه الشمسية ، ليشتغلوا في أشغال كل فصل منها بما يهمّهم في ذلك الفصل ، فوجدوا القمر يعود إلى وضعه الأوَّل من الشمس في قريب من ثلاثين يوماً ، ويختفي في أواخر الشهر ليلتين أو ما يقاربهما ، فاسقطوا يومين من زمان الشهر فبقي ثمانية وعشرون ، وهو زمان ما بين ظهوره بالعشيات في أول الشهر وآخر رؤيته بالغدوات في أواخره ، فقسموا دور الفلك على ذلك ، فكان كلّ قسم اثنتي عشرة درجة وإحدى وخمسين دقيقة تقريباً ، فسمّوا كل قسم منزلاً ، وجعلوا لها علامات من الكواكب القريبة من المنطقة ، وأصاب كلّ برج من البروج الاثني عشر منزلان وثلثاً.

ثم توصلوا إلى ضبط السنة الشمسية بكيفية قطع الشمس[ 12 / أ ] لهذه

________________________

(1) يس ، مكية ، 36 : 39.

(2) للتوسعة في معرفة ذلك أنظر : عجائب المخلوقات : 33 ذيل حياة الحيوأن / وعلم الفلك.

٨٤

المنازل ، فوجدوها تقطع كلّ منزل في ثلاثة عشر يوماً تقريباً.

وذلك لأنهم رأوها تستتر دائماً ثلاثة منها ما هي فيه بشعاعها ، وما قبلهابضياء الفجر ، وما بعدها بضياء الشفق.

فرصدوا ظهور المستتر بضياء الفجر ، ثم بشعاعها ثم بضياء الشفق فوجدوا الزمان بين ظهوري كل منزلين ثلاثة عشر يوما بالتقريب ، فأيام المنازل ثلاثمائة وأربعة وستون ، لكنّ الشمس تعود إلى كل منزل بعد قطع جميعها في ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً ، وهي زائدة على أيَّام المنازل بيوم ، فزادوا يوماً في منزل الغفر ، وانضبطت لهم السنة الشمسية بهذا الوجه ، وتيسر لهم الوصول إلى تعرّف أزمان الفصول وغيرها.

تذنيب :

القمر إذا أسرع في سيره فقد يتخطى منزلاً في الوسط ، وإن أبطأ فقد يبقى ليلتين في منزل ، أول الليلتين في أوله ، وآخرهما في آخره ، وقد يرى في بعض الليالي بين منزلين.

فما وقع في الكشاف ، وتفسير القاضي عند قوله تعالى :( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ) (1) من أنه ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولايتقاصر عنه(2) ، ليس كذلك فاعرفه.

إكمال :

الظاهر أن مرادهعليه‌السلام بتردد القمر في منازل التقدير ، عوده اليها في الشهر اللاحق بعد قطعه إياها في السابق ، فتكون كلمة « في » بمعنى إلى ، ويمكنأن تبقى على معناها الأصلي بجعل المنازل ظرفاً للتردد ، فان حركته التي يقطع بها تلك المنازل لما كانت مركبة من شرقية وغربية جعل كانه لتحركه فيها بالحركتين

________________________

(1) يس ، مكية ، 36 : 39.

(2) تفسير الكشاف 4 : 16 ، انوار التنزيل 4 : 188.

٨٥

المختلفتين متردد يقدّم رجلاً ويؤخر أُخرى.

وأما على رأي من يمنع جواز قيام الحركتين المختلفتين بالجسم ، ويرى أنّ للنملة المتحركة بخلاف حركة الرحى سكوناً حال حركة الرحى ، وللرحي سكوناً حال حركتها ، فتشبيهه بالمتردد أظهر كما لا يخفى.

إيضاح :

« الفلك » ، مجرى الكواكب ، سمّي به تشبيهاً بفلكة المغزل(1) في الاستدارة والدوران.

قال : الشيخ أبو ريحان البيروني(2) : إنَّ العرب والفرس سلكوا في تسمية السماء مسلكاً واحداً ، فإن العرب تسمي السماء فلكاً تشبيهاً لها بفلك الدولاب والفرس سموها بلغتهم آسمان ، تشبيها لها بالرحى فإنّ « آس » هو الرحى بلسانهم ، و « مان » دال على التشبيه(3) ، انتهى [12 / ب].

والمراد بـ « فلك التدبير » ، أقرب الأفلاك التسعة إلى عالم العناصر ، أي : الفلك الذي به تُدبّر بعض مصالح عالم الكون والفساد.

وقد ذكر بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى :( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (4) أنّ المراد بها الأفلاك(5) ؛ وهو أحد الوجوه التي أوردها الشيخ الجليل أمين

________________________

(1) انظر : لسان العرب 10 : 478 ، مادة ( فلك ).

(2) محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي ، من نوابغ العلماء ، فيلسوف رياضي ، سكن الهند فترة ، له المام بالفلسفة اليونانية والهندية ، اشتهر بالهيئة ، له مؤلفات كثيرة محصورة في فهرست مخصوص بها ، يقع في ستين صفحة ، منها : التفهيم ، الآثار الباقية ، الجماهر.

والبيروني قيل نسبة إلى سكناه خارج خوارزم ، بناءاً على قراءتها بالتخفيف ، وقيل أنها مدينة في السند. مات سنة 440 هـ = 1048 م له ترجمه في : اللباب 1 : 197 / عيون الأنباء : 459 / الأعلام 5 : 314 / معجم الادباء 17 : 180 رقم 62 / تاريخ مختصر الدول : 186 / روضات الجنات 7 : 351 رقم 669 / الذريعة 1 : 507 رقم 2501 / وانظر مقدمة التفهيم الفارسية.

(3) التفهيم لأوائل صناعة التنجيم : 45 / وانظر فرهنك جامع آنندراج 1 : 72.

(4) النازعات ، مكية ، 79 : 5.

(5) اختلفت مذاهب المفسرين في قبول ذلك ورده أنظر كلاّ من : القرطبي في تفسيره

٨٦

الإسلام أبو علي الطبرسيرضي‌الله‌عنه في تفسيره الكبير الموسوم بمجمع البيان ، عند تفسيرهذه الآية(1) .

ويمكن أن يكون على ضرب من المجاز ، كما يسمى ما يقطع به الشيء قاطعاً.

وربّما يوجد في بعض النسخ : « المتصرف في فلك التدوير » ، وهو صحيح أيضاً ، وإن كانت النسخة الاُولى أصح ، والمراد به رابع أفلاك القمر ، وهو الفلك الغير المحيط بالأرض ، المركوز هو فيه ، المتحرك ـ أسفله على توالي البروج ، وأعلاه بخلافه ، مخالفاً لسائر تداوير السيارة ـ كلّ يوم ثلاث عشرة درجة وثلاث دقائق وأربعاً وخمسين ثانية. وهو مركوز في ثخن ثالث أفلاكه لمسمى بالحامل ، المباعد مركزه مركز العالم بعشر درج ، المتحرك على التوالي كلّ يوم أربعاً وعشرين درجة واثنتين وعشرين دقيقة وثلاثاً وخمسين ثانية.

وهو واقع في ثخن ثاني أفلاكه المسمى بالمائل الموافق مركزه مركز العالم ، المماسّ مقعّره محدب النار الفاضل عن الحامل الموافق له في ميل منطقته عن منطقة البروج بمُتِّمَمين متدرجي الرّقة إلى نقطتي الأوج والحضيض ، المتحرك على خلاف التوالي كل يوم إحدى عشرة درجة وتسع دقائق وسبع ثوان.

وهو واقع في جوف أول أفلاكه المسمى بالجوزهر الموافق مركزه مركز العالم ، ومنطقته منطقة البروج ، والمماسّ محدّبه مقعر ممثل عطارد ، المتحرك كالثاني كلّ يوم ثلاث دقائق واحدى عشرة ثانية.

* * *

________________________

91 : 491 / والفخر الرازي في تفسيره 31 : 27 ـ 32 بتفصيل فيهما ، وتفسير أبو السعود 9 : 96 / والبيضاوي 5 : 171 / والبحر المحيط 9 : 491 / والنهر الماد 8 : 418 / الكشاف4 : 693.

(1) مجمع البيان 5 : 430

٨٧

وهم وتنبيه :

من غرائب الأوهام ما حكم به صاحب المواقف(1) ، من أنَّ غاية الغلظ في كلّ من المتممين مساوية لبعد مركز الحامل عن مركز العالم(2) .

و هذا مما يكذبه العيان ويبطله قاطع البرهان [13 / أ] ، وكونها ضعفا له مما لا ينبغي أن يرتاب فيه من له أدنى تخيل ، ويمكن إقامة البرهان عليه بوجوه عديدة.

ويكفي في التنبيه عليه أنَّ التفاضل بين نصفي قطري الحامل والمائل بقدرما بين المركزين ، فيكون ضعف ذلك تفاضل القطرين(3) .

ولنا على ذلك برهان هندسي أوردناه في شرحنا على شرح الجغميني(4) .

والعجب من المحقق الدواني(5) كيف وفق صاحب المواقف على ذلك الوهم ،

________________________

(1) عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار ، عضد الدين الفارسيّ ، ألشافعي ، الملقب بالعضدي أوالعضد الايجي ، نسبة الى بلدة في نواحي شيراز ، أخذ عن مشايخ عصره أمثال الشيخ الهنكي ، ولازمه ، ولي القضاء للمماليك ، برع في المعقول والأصول والمعاني والعربية ، له شرح المختصر ، والمواقف في الكلام ، تلمذ عليه الكرماني ، والعفيفي ، والتفتازاني. له محنة مع صاحب كرمان حبسه على أثرها فمات في الحبس سنة 756 هـ = 1355 م.

له ترجمة في : الدرر الكامنة 2 : 322 رقم 2278 / طبقات الشافعية الكبرى 6 : 08 1 / شذراتالذهب 6 : 174 / هدية ألأحباب : 218 / بغية الوعاة 2 : 75 رقم 1476 / روضات الجنات 5 : 49 رقم 438 / معجم المؤلفين 5 : 119 / الأعلام 3 : 295 / الكنى والألقاب 2 : 472.

(2) المواقف : 208.

(3) تاتي الإشارة إلى البرهان على ذلك قريبا ، وأورد الاعتراض بصورة مفصلة مع البرهان في الكشكول 2 : 348.

(4) ألجغميني : تسمية للكتاب باسم نسبة المؤلف ، إذ اسمه الأصلي ملخص الهيئة أو الهيئة البسيطة ومؤلفه محمود بن محمد بن عمر الجغميني ، وجغمين من قرى خوارزم له شروح ولشروحه شروح منها شرح الشيخ المصنفقدس‌سره ولا زأل الشرح مخطوطا.

(5) محمد بن أسعد الصديقي الدواني ، جلال الدين الحكيم المتكلم ، من أفاضل المحققين والفلاسفة

٨٨

وأصرَّ على حقيته قائلاً : إن البرهان القائم على خلافه مخالف للوجدان فلا يلتفت إليه.

وأعجب من ذلك أنَّه استدلَّ على حقية ما زعمه حقاً بأنه لو فرض تطابق المركزين ثم حركة الحامل إلى الأوج فبقدر ما يتباعد المركزان يتباعد المحيطان(1) .

وأنت ، وكل سليم التخيل تعلمان أن دليله هذا برهان تامّ على نقيض مدّعاه ، فإيراده له من قبيل إهداء السلاح إلى الخصم حال الجدال ، وصدورمثله عجيب من مثله.

تبصرة :

لا يبعد أن تكون الإضافة في « فلك التدبير » من قبيل إضافة الظرف إلى المظروف ، كقولهم مجلس الحكم ، ودار القضاء ، أي الفلك الذي هو مكان

________________________

في القرن التاسع ، سطع نجمه في بلدته شيراز مهد الفلسفة ، استبصر آخر أمره ، له كتب منها شرح هياكل ألنور ، ألأربعون السلطانية ، شرح خطبة الطوالع ، وغيرها تصل الى ألستين مؤلفاً اختلف في تاريخ وفاته فقيل : 902 ، 906 ، 907 ، 908 ، 918 ، 928 هـ = 1496 ـ 1521 م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : 154 / الضوء اللامع 7 : 133 / شذرات ألذهب 8 : 170 ، معجم المؤلفين 9 : 47 / الأعلام 6 : 32.

(1) حاصل البرهان على ما جاء في الكشكول 2 : 204 هو :

إذا تماست دأئرتان من داخل صغرى وعظمى ، فغاية البعد بين محيطيهما بقدر ضعف ما بين مركزيهما ، كدائرتي « أ ب حـ ، أ د هـ » ألمتماستين على نقطة « أ » ، وقطر العظمى « أ هـ » ، وقطر الصغرى « ا حـ » وما بين المركزين « رح ». فخط « حـ هـ » ضعف خط « رح » ؛ لأنا إذا توهمنا حركة الصغرى لينطبق مركزها على مركز العظمى ، ونسميها حينئذٍ دائرة « ط ي » فقد تحرك محيطها على قطر العظمى بقدر حركة مركزها فخطوط « أ ط ر ح ى » متساوية ، وخطا « أ ط ى هـ » متساويان أيضاً ، لأنهما الباقيان بعد أسقاط نصفي قطر الصغرى من نصفي قطر العظمى ، فخط « رح » ألذي كان يساوي خط « أ ط » يساوي خط « ي هـ » أيضا ، وقد كان يساوي خط « حـ ي » ، فخط « حـ هـ » ضعف خط « رح » وذلك ما أردناه ، والتقريب ظاهر كما لا يخفى.

لاحظ الشكل :

٨٩

التدبير ومحله ، نظراً إلى أنَّ ملائكة سماء الدنيا يدبرون أمر العالم السفلّي فيه ، أو إلى أنَّ كلاً من السيارات السبع تدبر في فلكها أمراً هي مسخرة له بأمرخالقها ومبدعها ، كما ذكره جماعة من المفسرين [13 / ب] في تفسير قوله تعالى :( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (1) (2) .

و يمكن أن يراد بـ « فلك التدبير » مجموع الأفلاك التي تتدبر بها الأحوال المنسوبة إلى القمر بأسرها ، وتنضبط بها الأمور المتعلقة به بأجمعها ، حتى تشابه حركة حامله حول مركز العالم ، ومحاذاة قطر تدويره نقطة سواه إلى غيرذلك.

وتلك الأفلاك الجزئية هي الأربعة السالفة مع ما زيد عليها لحل ذينك الإشكالين ، ومع ما لعلَّه يُحتاج إليه أيضا في انتظام بعض أموره وأحواله التي ربما لم يطلع عليها الراصدون في أرصادهم ، وإنما يطلع عليها المؤيدون بنور الإمامة والولاية.

________________________

(1) النازعات ، مكية ، 79 : 5.

(2) تقدمت الإشارة إليهم في الهامش رقم « 5 » صحيفة : 15 وقد جاء في هامش الأصل ما لفظه :

روى الشيخ الجليل أبو علي في تفسيره الصغير [ جمع الجوامع 2 : 600] قولاً : بان المقسّمات فيقوله تعالى « فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا » [ الذاريات ، مكية ، 51 : 4 ] هي الكواكب ، منه. قدّس سرّه.

٩٠

وحينئذٍ يراد بالتدبير التدبير الصادر عن الفلك نفسه ، وتكون اللام فيه للعهد الخارجي ، أي التدبير الكامل الذي ينتظم به جميع تلك الأمور ، والله أعلم.

تتمة :

لا يبعد أن يراد بـ « فلك التدبير » الفلك الذي يدبره القمر نفسه ، نظرا إلى ما ذهب إليه طائفة من أن كلّ واحد من السيارات السبع مدبِّر لفلكه ، كالقلب في بدن الحيوان.

قال سلطان المحققين ، نصير الملة والحق والدين قدس الله روحه ، في شرح الإشارات : ذهب فريق إلى أن كل كوكب منها ينزل مع أفلاكه منزلة حيوان واحد ذي نفس واحدة ، تتعلق بالكوكب أول تعلقها ، وبأفلاكه بواسطة الكوكب ، كما تتعلق نفس الحيوان بقلبه أولاً ، وبأعضائه الباقية بعد ذلك ، فالقوة المحركة منبعثة عن الكوكب الذي هو كالقلب في أفلاكه ، التي هي كالجوارح والأعضاء الباقية(1) ، انتهى كلامه زيد إكرامه.

ويمكن أن يكون هذا هومعنى ما أثبته له [14 / أ]عليه‌السلام من التصرف في الفلك ، والله أعلم بمقاصد أوليائه سلام الله عليهم أجمعين.

خاتمة :

خطابهعليه‌السلام للقمر ، ونداؤه له ، ووصفه إيَّاه بالطاعة والجد ، والتعب والتردد في المنازل ، والتصرف في الفلك ، ربما يعطي بظاهره كونه ذا حياة وإدراك ، ولا استبعاد في ذلك نظراً إلى قدرة الله تعالى ، إلّا أنّه لم يثبت بدليل عقليّ قاطع يشفي العليل ، أو نقليّ ساطع لا يقبل التأويل ، نعم أمثال هذه الظواهر ربما تشعر به ، وقد يُستند في ذلك بظاهر قوله تعالى :( وَالشَّمْسِ

________________________

(1) شرح الإشارات والتنبيهات 2 : 32.

٩١

وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (1) ، فإن الواو والنون لا تستعمل حقيقة لغير العقلاء.

و قد أطبق الطبيعيون على أنَّ الأفلاك بأجمعها حية ناطقة عاشقة ، مطيعة لمبدعها وخالقها ، وأكثرهم على أنَّ غرضها من حركاتها نيل التشبه بجنابه ، والتقرب إليه جل شأنه ، وبعضهم على أن حركاتها لورود الشوارق القدسية عليها آناً فآنا ، فهي من قبيل هزَّة الطرب والرقص الحاصل من شدّة السرور والفرح.

و ذهب جمّ غفير منهم إلى أنه لا ميت في شيء من الكواكب أيضا ، حتى اثبتوا لكلّ واحد منها نفساً على حِدَة تحركه حركة مستديرة على نفسه ، وابن سينا(2) في الشفاء مال إلى هذا القول ورجحه(3) وحكم به في النمط السادس من الإشارات(4) ، ولو قال به قائل لم يكن مجازاً ، فإن كلام ابن سينا وأمثاله وإن لم يكن حجة يركن إليها الديانيون في أمثال هذه المطالب ، إلاّ إنه يصلح للتأييد.

و لم يرد في الشريعة المطهرة ـ على الصادع بها وآله أفضل الصلوات وأكمل التسليمات ـ ما ينافي ذلك القول ، ولا قام دليل عقليّ على بطلانه.

وإذا جاز أن يكون لمثل البعوضة والنملة فما دونها حياة ، فأيّ مانع من أن

________________________

(1) الأنبياء ، مكية ، 21 : 33.

(2) ابن سينا ، الحسين بن عبد الله بن سينا البخاري ، أبو علي الملقب بالشيخ الرئيس ، الفيلسوف الشهير ، نادرة الزمان ، أعجوبة الدهر ، له مشاركة في أغلب العلوم والفنون ، افتى على المذهب الحنفي وعمره اثنتا عشرة سنة ، صنف القانون في الطب ولما يبلغ السابعة عشرة ، له الشفاء ، والإشارات ، وغيرها كثير ، أخذ الفقه عن أسماعيل الزاهد ، والفلسفة والمنطق ، عن النائلي ، وأعتمد على نفسه في حل أكثر المطالب ، مات سنة 427 وقيل 28 هـ = 1035 ـ 1036 م.

له ترجمة في روضات الجنات 3 : 170 ت 268 / وفيات الأعيان 2 : 157 ت 190 / مرآة الجنان 3 : 47 / الكنى وألألقاب 1 : 320 / عيون الأنباء : 437 / خزانة ألأدب 4 : 466 / لسان الميزان 2 : 291 ت 1218 / سير أعلام النبلاء 17 : 531 ت 356 / الجواهر المضية 2 : 63 / البداية والنهاية12 : 42 / ميزان ألاعتدال 1 : 539 ت 2014 / دائرة ألمعارف الاسلامية 1 : 203 / وغيرها كثير.

(3) الشفاء 2 : 45 ، الفصل السادس ، حركات الكواكب من السماء والعالم ، قسم الطبيعيات.

(4) الاشارات والتنبيهات 2 : 34.

٩٢

يكون لمثل تلك الأجرام الشريفة أيضاً ذلك.

وقد ذهب جماعة إلى أنَّ لجميع إلأشياء نفوساً مجرَّدة ونطقاً ، وج علوا قوله تعالى :( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ) (1) محمولاً على ظاهره.

وليس غرضنا من هذا الكلام توجيح القول بحياة الأفلاك ، بل كسر سورة استبعاد المصرين على ، إنكاره وردّه ، وتسكين صولة المشنعين على من قال به أو جوّزه.

وقد قدمنا في فواتح هذا هذا الشرح ـ الذي نسأل الله أن يوفقنا لإتمامه ـ كلاماً مبسوطاً في هذا [ 14 / ب ] الباب ، ذكرنا ما قيل فيه من الجانبين(2) ، والله الهادي.

* * *

________________________

(1) الاسراء ، مكية ، 17 : 44.

(2) هذا وغيره كثير مما يأتي يدل على أنه كتب غير هذا الشرح أيضا لباقي الأدعية ، ولكن لم تصل الينا لحد ألآن ، نسأل الله التوفيق للعثور على الباقي.

٩٣

قال مولانا وإمامناعليه‌السلام :

« امنت بمن نوّر بك الظُلمَ ، وأوضح بك البُهَم ، وجعلك آية من ايات ملكه ، وعلامة من علامات سلطانه ، وامتهنك بالزيادة والنقصان ، والطلوع والاُفول ، والإنارة والكسوف ، في كلّ ذلك أنت له مطيع ، وإلى إرادته سريع ».

« الإيمان » ، وان اختلفت الاُمة في أنه التصديق القلبي وحده ، أو الإقرار اللساني وحده ، أو كِلا الأمرين معا ، أو أحدهما ، أو مع العمل الأركاني ، كما تقدم تفصيله وتحقيق الحق فيه في فواتح هذا الشرح(1) .

________________________

(1) الإيمان في اللغة هو التصديق أو إظهار الخضوع والقبول. يقال : آمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآمنت به ، اي صدقته وأظهرت له الخضوع والقبول لما يقوله.

انظر : الصحاح 5 : 2071 / القاموس 1518 / مجمل اللغة 1 : 102 / ومعجم مقاييس اللغة.

وبتفصيل في لسان العرب 13 : 23.

وفي عرف أهل الكلام من ألمسلمين على أربعة معان هي :

1 ـ الإيمان : فعل قلبي ، وهو قسمان :

أ ـ تصديق خاص أي تصديق الرسول الأعظم بما جاء به من الله تعالى مع حفظ المظاهر ـ إجمالاً أوتفصيلاً ـ ذهب إليه الأشاعرة والماتريديه ، ومن المعتزلة الصالحي وابن الراوندي.

ب ـ معرفة الله تعالى مع توحيده بالقلب ، وأضاف قسم منهم : وما جاء به الرسل. والإقرار اللساني بركن فيه عندهم. ذهب إليه الجهمية ، وبعض الفقهاء.

2 ـ الإيمان عمل لساني ، وهو قسمان :

أ ـ إضافة المعرفة القلبية ، واليه ذهب غيلان الدمشقي.

ب ـ الإيمان مجرد الإقرار اللساني لا غير ، واليه مال الكرامية.

٩٤

.............................................................................

________________________

3 ـ الإيمان عمل القلب واللسان معا ، وفيه أقوال :

أ ـ إقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، واليه ذهب أبو حنيفة ، وأغلب الفقهاء ، وقسم من المتكلمين.

ب ـ تصديق بالقلب واللّسان معاً ، وهو قول الأشعري ، والمريسي.

ج ـ اقرار باللسان واخلاص بالقلب.

4 ـ الإيمان فعل بالقلب واللسان وسائر الجوارح ، واليه ذهب أصحاب الحديث ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، والاوزاعي ، والمعتزلة ، والخوارج ، والزيدية.

ولآراء الجميع تفصل في كتبهم.

هذا ، وما لنا ولأقوألهم وآرائهم ، هاك قول أمير المؤمنين عليه السلام : « الإيمان : معرفة بالقلب ، وإقرار باللّسان ، وعمل بالأركان » نهج البلاغة ، الحكمة 227.

وقول الإمام الصادق عليه السلام :

« ليس الإيمان بالتحلّن ، ولا بالتمنّي ، ولكن الإيمان ما خلص في القلب وصدقه الأعمال ».

وهكذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « الإيمان قول وعمل أخوان شريكان ».

وقول الإمام الرضا عليه السلام :

« الإيمان : عقد بالقلب ، ولفظ باللّسان ، وعمل بالجوارح ، لا يكون ألإيمان إلّا هكذا ».

ولا يخفى أنَّ الإيمان أمر ـ مفهوم ـ إعتباري ، قابل للزيادة والنقصان ، والشدّة وألضعف ، وعليه شواهد من القران الكريم والروايات.

والاسلام : يتحقق بإظهار الشهادتين فقط لا غير ، فتكون النسبة بينه والإيمان هي العموم والخصوص المطلق ، إذ كل مؤمن مسلم وزيادة. وليس كلّ مسلم مؤمنا. والقرآن الكريم شاهد عليه ، قال الثه تعالى : «قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم » [ الحجرات ، مدنية ، 49 : 14]

وهكذا قول الإمام الصادق عليه السلام : « الإسلام : شهادة أن لا إله إلّا الله ، والتصديق برسول الله (ص) ؛ به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس. والايمان : الهدى ، وما ثبت في القلوب من صفة الإسلام ، وما ظهر من العمل ، وألإيمان أرفع من الإسلام بدرجة ».

وإلى الفرق بينهما اشار عليه السلام كما في الكافي « الإيمان إقرار وعمل ، والإسلام إقرار بلاعمل ».

هذا هو رأي الشيعة الإمامية الإثني عشرية بنحو الإجمال ، وللتوسعة في جميع ما تقدم ينظر :

الكافي 2 : 24 ـ 28 / معاني الأخبار : 186 ، باب معنى الاسلام والايمان / حق اليقين للسيد شبر2 : 331 بتفصيل لطيف / تفسير ألقرآن الكريم للمولى الشيرازي 1 : 245 / بحار الأنوار65 : 225 ـ 309 / إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : 436 / تجريد الاعتقاد : 309 / كشف

٩٥

إ لَّا أنَّ الإيمان المعدى بالباء لا خلاف بينهم في أنَّه التصديق القلبي بالمعنى اللغوي.

و « النور » والضوء مترادفان لغة ، وقد تسمى تلك الكيفية إن كانت من ذات الشيء ضوءاً ، وإن كانت مستفادة من غيره نورا ، وعليه قوله تعالى :( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا ) (1) .

و « الظُلَم » : جمع ظلمة ، ويجمع على ظُلُمات أيضاً ، وهي عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيئا(2) .

و « البُهَم » ـ بضم الباء الموحدة وفتح الهاء ـ : جمع بُهْمة ، بضم الباء وإسكان الهاء ، وهي مما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوساً ، وعلى الفهم إن كان معقولاً(3) .

و « الآية » : العلامة.

و « السلطان » : مصدر بمعنى الغلبة والتسلط ، وقد يجىء بمعنى الحجة والدليل ، لتسلطه على القلب وأخذه بعنانه.

و « المِهْنة » ـ بفتح الميم ، وكسرها ، واسكان الهاء ـ : الخدمة والذل والمشقة ، والماهن : الخادم.

و « امْتهنه » : استعمله في المهنة.

و « طلوع » الكوكب : ظهوره فوق الأفق أومن تحت شعاع الشمس.

________________________

المراد : 454 / توضيح المراد : 874 / تفسير القمي 1 : 30 / مقالات الاسلاميين : 132 / 266 / الفصل في الملل والنحل 3 : 225 / 39 / الذريعة إلى مكارم الشريعة 1 : 126 ـ 130 / فتح القدير 1 : 34 / الكشاف 1 : 37 / كشاف اصطلاحات الفنون 1 : 94 / المفردات : 25 / حاشية الكنبوي على شرح الجلال 1 : 195. وغيرها من كتب الكلام والتفاسير في تفسير الآية 3 منسورة البقرة.

(1) يونس ، مكية ، 10 : 5.

(2) الصحاح 5 : 1978 / تاج العروس 8 : 374 / المفردات : 315. وانظر للتفصيل ، لسان العرب12 : 377.

(3) معجم مقاييس اللغة 1 : 311 / تاج العروس 8 : 206 / لسان العرب 12 : 56.

٩٦

« وافوله غروبه تحته ».

و « الكسوف » ، زوال الضوء عن الشمس أو القمر للعارض المخصوص ، وقد يفسر الكسوف بحجب القمر ضوء الشمس عنّا ، أو حجب الأرض ضوءالشمس عنه ، وهو تفسير للشيء بسببه.

و قال جماعة من أهل اللغة : الأحسن أن يقال في زوال ضوء الشمس كسوف ، وفي زوال ضوء القمر خسوف(1) [15 / أ] ، فإن صحّ ما قالوه فلعلهعليه‌السلام أراد بالكسوف زوال الضوء المشترك بين الشمس والقمر لا المختص بالقمر وهو الخسوف ، ليكون خلاف الأحسن(2) فتدبر.

و لا يخفى أنَّ امتهان القمر حاصل بسبب كسف الشمس أيضاً ، فانه هوالساتر لها ، ولما كان شمول الكسوف للخسوف أشهر من العكس اختارهعليه‌السلام ، والله أعلم.

كشف نقاب :

لمّا افتتحعليه‌السلام الدعاء بخطاب القمر ، وذكر أوصافه وأحواله ، منالطاعة والجدّ والسرعة ، والتردد في المنازل ، والتصرف في الفلك ، وأراد أنيذكر جملاً اُخرى من أوصافه وأحواله سوى ما مر ؛ جرى عليه « السلام على النمط الذي افتتح عليه الدعاء من خطاب القمر ، ونقل الكلام من أسلوب إلى آخر ؛ على ما هودأب البلغاء المفلقين من تلوين الكلام في أثناء المحاورات كما ذكره صاحب المفتاح في بحث الالتفات(3) ؛ وجعل تلك الجمل ـ مع تضمنها لخطاب القمر وذكر أحواله ـ موشحة بذكر الله سبحانه ، والثناء عليه جلَّ شأنه ، تحاشيا

________________________

(1) ينظر صحاح اللغة 4 : 1350 و 1421 / القاموس : 1097 / تاج العروس 6 : 84 ، 232 / وانظر المفردات : 148 المواد ( خسف ، كسف ).

(2) والذي جعله أهل اللغة خلاف الأحسن هو إطلاق الكسوف على الخسوف ، وحده الأعلى الأمر الشامل له ولغيره ، وهذا كما قالوه : من أنَّ تعدية ألصلاة بعلى إذا أُريد بها مجموع المعاني الثلاثة لاتدل على التضمنية. ( منه ).

(3) مفتاح العلوم : 86 ، 181.

٩٧

عن أنْ يتمادى به الكلام خالياً عن ذكر المفضل المنعام ، فقال : « آمنت بمن نوّربك الظلم » إلى آخره ، معبّراً عن المؤمَن به جلَّ شأنه بالموصول ليجعل الصلة مشعرة ببعض أحوال القمر ، ويعطف عليها الأحوال الاُخر فتتلائم جمل الكلام ، ولا تخرج عن الغرض المسوق له من بيان تلك الأوصاف والأحوال.

و التعبير بالنكرة الموصوفة وإن كان يحصل به هذا الغرض أيضاً إلَّا أن المقام ليس مقام التنكيركما لا يخفى.

فإن قلت : مضمون الصلة لا بدَّ أن يكون أمراً معلوماً للمخاطب ، معهوداً بينه وبين المتكلم انتسابه إلى الموصول قبل ذكر الصلة ، ولذلك لم يجز كونها إنشائية كما قرروه ، والمخاطب هنا هو القمر وهو ليس من ذوي العلم فكيف يلقى إليه الموصول مع الصلة؟.

قلت : كونه من غيرذوي العلم ليس أمرا مجزوماً به ، وقد مر الكلام فيه قبيل هذا(1) ، سلّمنا ، لكن تنزيل غير العالم منزلة العالم لاعتبار مناسب غيرقليل في كلام البلغاء ، فليكن هذا منه ، على أنَّ التنزيل المذكور لا مندوحة عنه في أصل نداء القمر وخطابه ، فإن الخطاب توجيه الكلام نحو الغير للإفهام ، فلا بدّ من تنزيله منزلة من يفهم.

و اللام في « الظُلِّم » للاستغراق ، أعني : العرفي منه لا الحقيقي ، والمراد الظُلّم المتعارف تنويرها بالقمر ، من قبيل جمع الأمير الصاغة.

ويمكن جعله للعهد الخارجي.

و الحق أن لام الاستغراق العرفي ليست شيئا وراء لام العهد الخارجي ، فإن المعرف بها هوحصة معينة من الجنس أيضاً ، غايته أنَّ التعيين فيها نشأ من العرف ، وقد أوضحت هذا في تعليقاتي على المطول(2) .

________________________

(1) انظر صحيفة : 91 ، بحث « خاتمة ».

(2) مخطوط لم ير النور بعد.

٩٨

تتمة : [15]

ا لتنكير في قولهعليه‌السلام : «وَجَعَلَكَ آيةً من آيات مُلكِهِ » ، يمكن أن يكون للنوعيّة ، كما قالوه في قوله تعالى :( وعلى أبصارهم غشاوة ) (1) (2) ، والأظهر أن يُجعل للتعظيم.

فإن قلت : احتمال التحقير أيضاً قائم ، وهذا كما قالوه في قوله تعالى :( إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن ) (3) : إنّ التنكير فيه يحتمل التعظيم والتحقير معاً ، أي عذاب شديد هائل ، أو عذاب حقير ضعيف ، فلمطويت عنه كشحاً!؟.

قلت : الاحتمالان في الآية الكريمة متكافئان بحسب ما يقتضيه الحال ، فلذلك جوزهما علماء المعاني من غيرترجيح ، بخلاف ما نحن فيه ، فان الحمل على التحقير وان كان لا يخلو من وجه ـ أيضاً ـ نظراً إلى ما هو أعظم منه من آيات ملكه جلَّ شأنه ، إلَّا أنَّ الحمل على التعظيم كأنَّه أوفق بالمقام ، وأنسب بمقتضى الحال ، فلذلك ضربت عن ذكره صفحاً.

وإن أبَيْت إلَّا أن تساوي الأمرين في ذلك فلا مشاحة معك ، وللناس فيما يعشقون مذاهب.

و قولهعليه‌السلام : « وامتهنك » إلى آخره ، مبين ومفسّر للآية والعلامة ، وكون إحدى الجملتين مبيناً ومفسراً لبعض متعلقات الاُخرى لا يوجب كمال الاتصال بينهما المقتنر لفصلها عنها ، إنَّما الموجب له أن تكون الثانية مبينة وكاشفة عن نفس الأولى ، كما في قوله تعالى :( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ

________________________

(1) البقرة ، مدنية ، 2 : 7.

(2) أنظر الكشاف للزمخشري 1 : 53.

(3) مريم ، مكية ، 19 : 45.

٩٩

يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ) (1) فان القول المذكور مبين للوسوسة وكاشف عنها.

وأما امتهان القمر بالأمور المذكورة فهو نفس علامة الملك والسلطنة ، لانفس جعله علامة لهما ، فلا مانع من وصل جملته بجملة الجعل فتدبر ، على أنّ أحوال القمر التي هي علاماتٌ لملكه وسلطانه جلَّ شأنه ليست منحصرة في الامتهان بالأمور المذكورة بل لها أفراد أُخر ، وكذلك الجعل المذكور ، فوصل جملة الامتهان بما قبلها يجري مجرى عطف الخاص على العام كما لا يخفى.

وتقديم الظرفين في قولهعليه‌السلام : » أنت له مطيع وإلى إرادته سريع « للدلالة على الاختصاص ، كما في قوله تعالى :( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ) (2) .

ويمكن أن يكون رعاية السجع أيضاً ملحوظة ، والله أعلم [16 / أ].

إيضاح :

الباء في قولهعليه‌السلام « نوّر بك الظُلَم » إما للسببية أو للالة.

ثم إنَّ جعلنا الضوء عرضاً قائماً بالجسم ـ كما هو مذهب أكثر الحكماء(3) ، ومختار سلطان المحققين قدّس الله روحه في التجريد(4) ـ فالتركيب من قبيل سوّدت الشيء وبيّضته ، أي صيرته متصفاً بالسواد والبياض.

و إن جعلناه جسما ـ كما هو مذهب القدماء من أنه أجسام صغار شفافة تنفصل عن المضيء وتتصل بالمستضيء ـ فالتركيب من قبيل لبّنته وتمرته ، أي صيّرته ذا لبن أو تمر(5) .

________________________

(1) طه ، مكية ، 120 : 20.

(2) التغابن ، مدنية ، 64 : 1.

(3) منهم الفخر الرازي ، انظر التفسير الكبير 17 : 35.

(4) تجريد الاعتقاد : 167.

(5) للتوسعة في بحث الضوء أُنظر مطالع الأنظار شرح طوالع الأنوار 1 : 245 ، كشّاف اصطلاحات

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

دون بعض، لا يأخذه في ذلك مانع من الموانع أصلاً، تَعْتَعَ بخالد بن الوليد عامله على " قنسرين " إذ بلغه أنّه أعطى الأشعث عشرة آلاف، فأمر به فعقله " بلال الحبشي " بعمامته، وأوقفه بين يديه على رِجل واحدة مكشوف الرأس على رؤوس الأشهاد من رجال الدولة ووجوه الشعب في المسجد الجامع بحمص، يسأله عن العشرة آلاف أهي من ماله أم من مال الأُمة؟ فإن كانت من ماله فهو الإسراف والله لا يحبّ المسرفين، وإن كانت من مال الأُمة فهي الخيانة والله لا يحب الخائنين، ثم عزله فلم يولّه بعد حتى مات .

وكم لعمر مع بعض عمّاله من أمثال ما فعله بخالد وأبي هريرة يعرفها المتتبّعون! لكنّ معاوية كان أثيره وخلّصه، على ما كان من التناقض في سيرتيهما، ما كفّ يده عن شيء ولا ناقشه الحساب في شيء، وربّما قال له : " لا آمرك ولا أنهاك "، يفوّض له العمل برأيه، فشدّة مراقبة الخليفة الثاني ودقّة محاسبته كانت من نصيب بعض عمّاله، ولم تشمل الجميع على حدّ سواء، إذ أنّ معاوية ـ وهو عامله على الشام ـ كان طليق اليدين يفعل ما تشاء أهواؤه وما تبغيه شهواته.

وهذا ما أطغى معاوية، وأرهف عزمه على تنفيذ خططه " الأُموية " وقد وقف الحسن والحسين من دهائه ومكره إزاء خطر فظيع، يهدّد الإسلام باسم الإسلام، ويطغى على نور الحقّ باسم الحقّ، فكانا في دفع هذا الخطر أمام أمرين لا ثالث لهما : إمّا المقاومة وإمّا المسالمة، وقد رأيا أنّ المقاومة في دور الحسن تؤدي لا محالة إلى فناء هذا الصفّ المدافع عن الدين وأهله، والهادي إلى الله عَزَّ وجَلَّ وإلى صراطه المستقيم .

ومن هنا رأى الحسنعليه‌السلام أن يترك معاوية لطغيانه، ويمتحنه بما يصبو إليه من الملك، لكن أخذ عليه في عقد الصلح أن لا يعدو الكتاب

١٤١

والسنّة في شيء من سيرته وسيرة أعوانه، وأن لا يطلب أحداً من الشيعة بذنب أذنبه مع الأُموية، وأن يكون لهم من الكرامة وسائر الحقوق ما لغيرهم من المسلمين، وأن، وأن، وأن، إلى غير ذلك من الشروط التي كان الإمام الحسن عالماً بأنّ معاوية لا يفي له بشيء منها وأنّه سيقوم بنقائضها .

هذا ما أعدَّهعليه‌السلام لرفع الغطاء عن الوجه " الأُموي " المموّه، ولصهر الطلاء عن مظاهر معاوية الزائغة، ليبرز حينئذ هو وسائر أبطال " الأُموية " كما هم جاهليّون لم تخفق صدورهم بروح الإسلام لحظة، ثأريّون لم تنسهم مواهب الإسلام ومراحمه شيئاً من أحقاد بدر وأُحد والأحزاب .

وبالجملة: فإنّ هذه الخطّة ثورة عاصفة في سلم لم يكن منه بدّ، أملاه ظرف الإمام الحسنعليه‌السلام ، إذ التبس الحقّ بالباطل، وتسنّى للطغيان فيه سيطرة مسلّحة ضارية، ما كان الحسنعليه‌السلام ببادئ هذه الخطة ولا بخاتمها، بل أخذها فيما أخذه من إرثه، وتركها مع ما تركه من ميراثه، فهو كغيره من أئمة هذا البيتعليهم‌السلام يسترشد الرسالة في إقدامه وإحجامه، امتحن بهذه الخطّة فرضخ لها صابراً محتسباً وخرج منها ظافراً طاهراً.

تهيّأ للحسنعليه‌السلام بهذا الصلح أن يفرش في طريق معاوية كميناً من نفسه يثور عليه من حيث لا يشعر فيرديه، وتسنّى له أن يلغم نصر الأُموية ببارود الأُموية نفسها، فيجعل نصرها جفاءً وريحَها هباءً .

لم يطل الوقت حتى انفجرت أُولى القنابل المغروسة في شروط الصلح، انفجرت من نفس معاوية يوم نشوته بنصره، إذ انضمّ جيش العراق إلى لوائه في النخيلة، فقال ـ وقد قام خطيباً فيهم ـ : " يا أهل العراق! إنّي والله لم أقاتلكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتزكّوا، ولا لتحجّوا، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا وأنّ كلّ شيء أعطيته للحسن

١٤٢

ابن علي جعلته تحت قدميّ هاتين"(١) .

ثمّ تتابعت سياسة معاوية، تتفجر بكلّ ما يخالف الكتاب والسنّة من كلّ منكر في الإسلام، قتلاً للأبرار وهتكاً للأعراض وسلباً للأموال وسجناً للأحرار، ختم معاوية منكراته هذه بحمل خليعه المهتوك على رقاب المسلمين، يعيث في دينهم ودنياهم، فكان من خليعه ما كان يوم الطفّ، ويوم الحرّة، ويوم مكة إذ نصب عليهم العرّادات والمجانيق .

ومهما يكن من أمر فالمهمّ أنّ الحوادث جاءت تفسّر خطّة الإمام الحسن وتجلوها، وكان أهمّ ما يرمي إليه سلام الله عليه أن يرفع اللثام عن هؤلاء الطغاة، ليحول بينهم وبين ما يبيّتون لرسالة جدّه من الكيد، وقد تمّ له كلّ ما أراد، حتى برح الخفاء وآذن أمر الأُموية بالجلاء، والحمد لله رب العالمين.

وبهذا استتبّ لصنوه سيد الشهداء أن يثور ثورته التي أوضح الله بها الكتاب، وجعله فيها عبرة لأولي الألباب .

وقد كاناعليهما‌السلام وجهين لرسالة واحدة، كلّ وجه منهما في موضعه منها، وفي زمانه من مراحلها، يكافئ الآخر في النهوض بأعبائها ويوازنه بالتضحية في سبيلها، فالحسنعليه‌السلام لم يبخل بنفسه، ولم يكن الحسينعليه‌السلام أسخى منه بها في سبيل الله، وإنّما صان نفسه يجنّدها في جهاد صامت، فلمّا حان الوقت كانت شهادة كربلاء شهادة حسنيّة قبل أن تكون حسينيّة وكان يوم ساباط أعرق بمعاني التضحية من يوم الطفّ لدى أولي الألباب ممّن تعمّق، لأنّ الإمام الحسنعليه‌السلام أعطي من البطولة دور الصابر على احتمال

__________

(١) صلح الإمام الحسن : ٢٨٥ عن المدائني، وراجع أيضاً شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ١٦، وتأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٩٢ .

١٤٣

المكاره في صورة مستكين قاعد، وكانت شهادة الطفِّ حسنيّة أولاً وحسينيّة ثانياً ; لأنّ الحسن أنضج نتائجها ومهّد أسبابها .

وقد وقف الناس ـ بعد حادثتي ساباط والطفّ ـ يمعنون في الأحداث; فيرون في هؤلاء الأُمويين عصبة جاهلية منكرة، بحيث لو مثلت العصبيات الجلفة النذلة الظلوم لم تكن غيرهم، بل تكون دونهم في الخطر على الإسلام وأهله . .(١) .

زبدة المخض :

إذن تتلخّص أسباب الصلح فيما يلي :

١ ـ ضعف أنصار الإمام وتخاذلهم وعدم انصياعهم لأوامره بعد تأثير دسائس معاوية فيهم، وبهذا سوف لا تجدي المقاومة بل سوف تتحتّم الانتكاسة للخط الرسالي أمام مكر معاوية، وعلى الإمام أن يحافظ على بقاء هذا الخط وتناميه في مجتمع يسوده مكر معاوية وخدائعه .

٢ ـ ويترتّب على انتكاسة جيش الإمام الحسنعليه‌السلام استشهاده مع الخلَّص من أهل بيته وأصحابه أو أسرهم وبقاؤهم أحياءً في سجن معاوية أو إطلاق سراحهم مع بقائهم في موقع الضعف بعد الامتنان عليهم بالحرّية، وكل هذه النتائج غير محمودة .

فإنّ الاستشهاد إذا لم يترتّب عليه أثر مشروع عاجل أو آجل فلا مبرّر له، ولا سيَّما إذا اقترن بتصفية الخط الإمامي وإبادته الشاملة .

٣ ـ صيانة الثلّة المؤمنة بحقّانية أهل البيتعليهم‌السلام وحفظهم من التصفية

__________

(١) راجع مقدمة صلح الإمام الحسن للشيخ راضي آل ياسين .

١٤٤

والإبادة الأُموية الشاملة بعد إحراز بقاء الحقد الأُموي لبني هاشم ومن يحذو حذوهم، كما أثبتته حوادث التاريخ الإسلامي الدامي .

٤ ـ حقن دماء المسلمين حيث لا تجدي الحرب مع الفئة الباغية .

٥ ـ كشف واقع المخطّط الأُموي الجاهلي وتحصين الأُمة الإسلامية ضدّه بعد أن مهّدت الخلافة لسيطرة صبيان بني أمية على زمام قيادة الأُمة المسلمة والتلاعب بمصير الكيان الإسلامي ومصادرة الثورة النبويّة المباركة.

٦ ـ ضرورة تهيئة الظروف الملائمة لمقارعة الكفر والنفاق المستتر من موقع القوّة .

لقد خفيت الأسباب الحقيقية التي كانت تكمن وراء الموقف الإلهي الذي اتّخذّه الإمام المعصوم على كثير من الناس المعاصرين للحدث وعلى بعض اللاحقين من أصحاب الرؤى السطحية أو المُضَلَّلين الذين وقعوا تحت تأثير التزييف للحقائق، لكن الأحداث التي أعقبت الصلح والسياسات العدوانية التي انتهجها معاوية وبقية الحكام الأُمويين والتي ألحقت أضراراً جسيمة بالإسلام والمسلمين كشفت عن بعض أسرار موقف الإمام الحسنعليه‌السلام .

١٤٥

البحث الثالث : ما بعد الصلح حتى الشهادة

الاجتماع في الكوفة :

بعد توقيع الصلح بين الإمام الحسنعليه‌السلام ومعاوية اتّفقا على مكان يلتقيان به، ليكون هذا اللقاء تطبيقاً عملياً للصلح، وليعترف كلّ منهماعلى سمع من الناس بما أعطى صاحبه من نفسه وبما يلتزم له من الوفاء بعهوده، فاختارا الكوفة فقصدا إليها، وقصدت معهما سيول من الناس غصّت بهم العاصمة الكبرى، وكان أكثر الحاضرين جند الفريقين، تركوا معسكريهما وحفّوا لليوم التاريخي الذي كتب على طالع الكوفة النحس أن تشهده راغمة أو راغبة .

ونودي في الناس إلى المسجد الجامع، ليستمعوا هناك إلى الخطيبين الموقِّعَيْنِ على معاهدة الصلح، وكان لا بدّ لمعاوية أن يستبق إلى المنبر، فسبق إليه وجلس عليه(١) ، وخطب في الناس خطبته الطويلة التي لم ترو المصادر منها إلاّ فقراتها البارزة فقط .

منها : "أمّا بعد، ذلكم فإنّه لم تختلف أُمة بعد نبيّها إلاّ غلب باطلها حقّها !!". قال الراوي : وانتبه معاوية لما وقع فيه، فقال : إلاّ ما كان من هذه الأُمة، فإنّ حقّها غلب باطلها(٢) .

ومنها : "يا أهل الكوفة! أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج

__________

(١) قال جابر بن سمرة : "ما رأيت رسول الله يخطب إلاّ وهو قائم، فمن حدّثك أنّه خطب وهو جالس فكذّبه" رواه الجزائري في آيات الأحكام: ٧٥، والظاهر أن معاوية أول من خطب وهو جالس .

(٢) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٩٢ .

١٤٦

وقد علمت أنّكم تصلّون وتزكّون وتحجّون ؟ ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم وألي رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون ! ألا إنّ كلّ دم أصيب في هذه الفتنة مطلول، وكلّ شرط شرطته فتحت قدميّ هاتين!! ..."(١) .

وروى أبو الفرج الأصفهاني عن حبيب ابن أبي ثابت مسنداً: أنه ذكر في هذه الخطبة عليّاً فنال منه، ثمّ نال من الحسن(٢) .

ثمّ قام الإمام الحسنعليه‌السلام فخطب في هذا الموقف الدقيق خطبته البليغة الطويلة التي جاءت من أروع الوثائق عن الوضع القائم بين الناس وبين أهل البيتعليهم‌السلام بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووعظ ونصح ودعا المسلمين ـ في أوّلها ـ إلى المحبّة والرضا والاجتماع، وذكّرهم ـ في أواسطها ـ مواقف أهله بل مواقف الأنبياء، ثم ردّ على معاوية ـ في آخرها ـ دون أن يناله بسبٍّ أو شتم، ولكنّه كان بأسلوبه البليغ أوجع شاتم وسابٍّ .

وكان ممّا قالهعليه‌السلام (٣) : "أيّها الذاكر عليّاً ! أنا الحسن وأبي عليّ، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمي فاطمة وأمك هند، وجدّي رسول الله وجدّك عتبة بن ربيعة، وجدّتي خديجة، وجدّتك فُتَيْلَة، فلعن الله أخملنا ذكراً، وألأمنا حسباً، وشرنا قديماً وحديثاً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً" .

المعارضون للصلح :

أ ـ قيس بن سعد بن عبادة :

اشتهر قيس بموالاة أهل البيتعليهم‌السلام وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام قد عيّنه

__________

(١) صلح الإمام الحسن : ٢٨٥ عن المدائني .

(٢) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٦ .

(٣) نقل نص الخطاب الشيخ آل ياسين في "صلح الإمام الحسن" : ٢٨٦ ـ ٢٨٩ .

١٤٧

والياً على مصر في أوائل خلافته وعندما سمع قيس بن سعد نبأ التوقيع على الصلح بين الإمامعليه‌السلام ومعاوية غشيته سحب من الأحزان، واستولت عليه موجة من الهموم، لكنّه عاد إلى الكوفة في نهاية المطاف .

وكان معاوية بعد أن خدع عبيد الله بن العباس; قد بعث رسالة إلى قيس يمنّيه ويتوعّده، فأجابه قيس : "لا والله لا تلقاني إلاّ بيني وبينك السيف أو الرمح ..."(١) ، فغضب معاوية لهذا الجواب القاطع فأرسل إليه رسالة يشتمه فيها ويتوعّده وجاء فيها : "أمّا بعد، فإنّك يهودي تشقى نفسك، وتقتلها فيما ليس لك، فإن ظهر أحبّ الفريقين إليك نبذك وغدرك، وإن ظهر أبغضهم إليك نكّل بك وقتلك، وقد كان أبوك أوتر غير قوسه، ورمى غير غرضه، فأكثر الجذ، وأخطأ المفصل، فخذله قومه، وأدركه يومه، فمات بحوران غريباً، والسلام"(٢) .

فأجابه قيس : "أمّا بعد، فإنّما أنت وثن ابن وثن، دخلت في الإسلام كرهاً، وأقمت فيه خرقاً، وخرجت منه طوعاً، ولم يجعل الله لك فيه نصيباً، لم يقدم إسلامك، ولم يحدث نفاقك، لم تزل حرباً لله ولرسوله، وحزباً من أحزاب المشركين، وعدوّاً لله ولنبيّه وللمؤمنين من عباده، وذكرت أبي فلعمري ما أوتر إلاّ قوسه، ولا رمى إلاّ غرضه، فشغب عليه من لا تشقّ غباره، ولا تبلغ كعبه، وزعمت أنّي يهوديّ ابن يهودي وقد علمت وعلم الناس أنّي وأبي أعداء الدين الذي خرجت منه ـ يعني الشرك ـ وأنصار الدين الذي دخلت فيه وصرت إليه، والسلام"(٣) .

__________

(١) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٢٦٧ .

(٢) نفس المصدر : ٢ / ٢٦٧ ـ ٢٦٨ .

(٣) نفس المصدر : ٢٦٨ .

١٤٨

ولمّا علم معاوية بعودة قيس إلى الكوفة دعاه إلى الحضور لمبايعته، لكن قيس رفض لأنّه كان قد عاهد الله أن لا يجتمع معه إلاّ وبينهما السيف أو الرمح، فأمر معاوية بإحضار سيف ورمح ليجعل بينهما حتى يبرّ قيس بيمينه ولا يحنث، ووقتذاك حضر قيس الاجتماع وبايع معاوية(١) .

ب ـ حجر بن عدي :

وهو من كبار صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن أبدال عصره، وحسب ابن الأثير الجزري في "اُسد الغابة" وغيره، أنّه وصل مقاماً في القرب إلى الله تعالى بحيث أصبح مستجاب الدعوة، وقد قتل شهيداً في "مرج عذراء" وهي إحدى قرى الشام، بأمر معاوية وبواسطة أزلامه، وقد اندلعت إثر شهادته موجة من الاحتجاجات على سياسات معاوية وحتى ندّدت عائشة وآخرون بالجريمة(٢) .

وبالرغم من الحبّ والولاء اللذين يكنهما "حجر" للإمام الحسن وأبيهعليهما‌السلام ، إلاّ أنّ الانفعالات دفعت به إلى ظلمات اليأس والقنوط في اللحظات التي تمّ فيها قرار الصلح، من هنا خاطب الإمامعليه‌السلام وفي حضور معاوية بقوله : "أما والله لوددت أنّك متّ في ذلك اليوم ومتنا معك، ولم نر هذا اليوم، فإنّا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما أحبّوا" .

وحسب المدائني أنّ كلام "حجر" ترك في نفس الإمام بالغ الأسى والحزن، فانبرىعليه‌السلام وبعد أن فرغ المسجد مبيّناً له العلّة التي صالح من أجلها قائلاً : "يا حجر! قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كلّ إنسان يحبّ ما

__________

(١) راجع لمزيد من التفصيل مقاتل الطالبيين وحياة الإمام الحسن.

(٢) اُسد الغابة : ١ / ٣٨٦ .

١٤٩

تحبّ ولا رأيه كرأيك، وإنّي لم أفعل ما فعلتُ إلاّ إبقاءً عليكم، والله تعالى كلّ يوم هو في شأن"(١) .

ج ـ عدي بن حاتم :

وعدي من الشجعان والمخلصين لأهل البيتعليهم‌السلام ، وقد نقل أُنه قال للإمام وقد ذابت حشاه من الحزن والمصاب : "يابن رسول الله! لوددت أنّي متّ قبل ما رأيت، أخرجتنا من العدل إلى الجور، فتركنا الحقّ الذي كنّا عليه، ودخلنا في الباطل الذي كنّا نهرب منه، وأعطينا الدنيّة من أنفسنا، وقبلنا الخسيس التي لم تلق بنا"، فأجابه الإمامعليه‌السلام : "يا عدي! إنّي رأيت هوى معظم الناس في الصلح وكرهوا الحرب، فلم أُحبّ أن أحملهم على ما يكرهون، فرأيتُ دفع هذه الحروب إلى يوم ما، فإنّ الله كلّ يوم هو في شأن"(٢) .

د ـ المُسيَّب بن نجبة وسليمان بن صُرد :

وعرفا بالولاء والإخلاص لأهل البيتعليهم‌السلام ، وقد تألّما من الصلح فأقبلا إلى الإمام وهما محزونا النفس فقالا : ما ينقضي تعجّبنا منك ! بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة والحجاز"، فقال الإمام للمسيّب : "ما ترى؟" قال : والله أرى أن ترجع لأنّه نقض العهد، فأجابه الإمام : "إنّ الغدر لا خير فيه ولو أردت لما فعلت ..."(٣) .

وجاء في رواية أخرى أنّ الإمامعليه‌السلام أجابه : "يا مسيّب! إنّي لو أردت ـ بما

__________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ١٥ .

(٢) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٢٧٤ .

(٣) مناقب ابن شهر آشوب : ٤ / ٣٥، طبعة قم.

١٥٠

فعلت ـ الدنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللقاء ولا أثبت عند الحرب منّي، ولكن أردت صلاحكم وكفّ بعضكم عن بعض"(١) .

إلى يثرب :

بقي الإمام الحسنعليه‌السلام في الكوفة أياماً، ثمّ عزم على مغادرة العراق، والشخوص إلى مدينة جدّه، وقد أظهر عزمه ونيّته إلى أصحابه، ولمّا أذيع ذلك دخل عليه المسيّب بن نجبة الفزاري وظبيان بن عمارة التميمي ليودّعاه، فالتفت لهما قائلاً : "الحمد لله الغالب على أمره، لو أجمع الخلق جميعاً على أن لا يكون ما هو كائن ما استطاعوا إنّه والله ما يكبر علينا هذا الأمر إلاّ أن تضاموا وتنتقصوا، فأمّا نحن فإنّهم سيطلبون مودّتنا بكلّ ما قدروا عليه" .

وطلب منه المسيّب وظبيان المكث في الكوفة فامتنععليه‌السلام من إجابتهم قائلاً : "ليس إلى ذلك من سبيل"(٢) .

ولدى توجّههعليه‌السلام وأهل بيته إلى عاصمة جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ; خرج أهل الكوفة بجميع طبقاتهم إلى توديعه وهم ما بين باك وآسف(٣) .

وسار موكب الإمام ولكنّه لم يبعد كثيراً عن الكوفة حتى أدركه رسول معاوية يريد أن يردّه إلى الكوفة ليقاتل طائفة من الخوارج قد خرجت عليه، فأبىعليه‌السلام أن يعود وكتب إلى معاوية : "ولو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فإنّي تركتك لصلاح الأُمة وحقن دمائها"(٤) .

وانتهت قافلة الإمام إلى يثرب، فلمّا علم أهلها بتشريفهعليه‌السلام خفّوا

__________

(١) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٢٧٧ .

(٢) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ .

(٣) تحفة الأنام للفاخوري : ٦٧ .

(٤) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٢٨٧ .

١٥١

جميعاً لاستقباله، فقد أقبل إليهم الخير وحلّت في ديارهم السعادة والرحمة، وعاودهم الخير الذي انقطع عنهم منذ أن نزح أمير المؤمنينعليه‌السلام عنهم .

جاء الحسنعليه‌السلام مع إخوته وأهل بيته إلى يثرب، فاستقام فيها عشر سنين، فملأ رباعها بعطفه المستفيض ورقيق حنانه وحلمه، ونقدّم عرضاً موجزاً لبعض أعماله وشؤونه فيها .

مرجعية الإمام الحسنعليه‌السلام العلمية والدينيّة :

وتمثّلت في تربيته لكوكبة من طلاّب المعرفة، وتصدّيه للانحرافات الدينية التي كانت تؤدي إلى مسخ الشريعة، كما تصدّى لمؤامرة مسخ السنّة النبويّة الشريفة التي كان يخطّط لها معاوية بن أبي سفيان من خلال تنشيط وضع الأحاديث والمنع من تدوين الحديث النبويّ .

مدرسة الإمام ونشاطه العلمي :

أنشأ الإمام مدرسته الكبرى في يثرب، وراح يعمل مجدّاً في نشر الثقافة الإسلامية في المجتمع الإسلامي، وقد انتمى لمدرسته كبار العلماء وعظماء المحدّثين والرواة، ووجد بهم خير عون لأداء رسالته الإصلاحية الخالدة التي بلورت عقلية المجتمع وأيقظته بعد الغفلة والجمود، وقد ذكر المؤرّخون بعض أعلام تلامذته ورواة حديثه وهم : ابنه الحسن المثنى، والمسيّب بن نجبة، وسويد بن غفلة، والعلا بن عبد الرحمن، والشعبي، ومبيرة بن بركم، والأصبغ بن نباتة، وجابر بن خلد، وأبو الجوزا، وعيسى بن مأمون بن زرارة، ونفالة بن المأموم، وأبو يحيى عمير بن سعيد النخعي، وأبو مريم قيس الثقفي، وطحرب العجلي، وإسحاق بنيسار والد محمد بن إسحاق، وعبد الرحمن بن عوف،

١٥٢

وسفين بن الليل، وعمرو بن قيس الكوفيون(١) ، وقد ازدهرت يثرب بهذه الكوكبة من العلماء والرواة فكانت من أخصب البلاد الإسلامية علماً وأدباً وثقافة .

وكما كان يتولّى نشر العلم في يثرب كان يدعو الناس إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والتأدّب بسنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد رفععليه‌السلام منار الأخلاق التي جاء بها جدّه الرسول لإصلاح المجتمع وتهذيبهم، فمن سموّ أخلاقه أنّه كان يصنع المعروف والإحسان حتى مع أعدائه ومناوئيه، وقد بلغه أنّ الوليد بن عقبة قد ألمّ به السقم فمضى لعيادته مع ما عُرف به الوليد من البغض والعداء لآل البيت، فلمّا استقرّ المجلس بالإمام انبرى إليه الوليد قائلاً: "إنّي أتوب إلى الله تعالى ممّا كان بيني وبين جميع الناس إلاّ ما كان بيني وبين أبيك فإنّي لا أتوب منه"(٢) .

وأعرض الإمام عنه ولم يقابله بالمثل، ولعلّه أوصله ببعض ألطافه وهداياه(٣) .

مرجعيّته الاجتماعية :

والتي تمثّلت في عطفه على الفقراء وإحسانه وبذله المعروف، وتجلّت في استجارة المستجيرين به للتخلّص من ظلم الأُمويين وأذاهم .

أ ـ عطفه على الفقراء :

وأخذعليه‌السلام يفيض الخير والبرّ على الفقراء والبائسين، ينفق جميع ما

__________

(١) تاريخ ابن عساكر : ج١٢، صورة فوتوغرافية في مكتبة الإمام أمير المؤمنين .

(٢) شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٣٦٤ .

(٣) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩ .

١٥٣

عنده عليهم، وقد ملأ قلوبهم سروراً بإحسانه ومعروفه، ومن كرمه أنّه جاءه رجل في حاجة فقال له : "أُكتب حاجتك في رقعة وادفعها إلينا"، فكتبها ذلك الشخص ورفعها إليه، فأمرعليه‌السلام بضعفها له، قال بعض الحاضرين: ما كان أعظم بركة هذه الرقعة عليه يا بن رسول الله ؟!، فأجابهعليه‌السلام : "بركتها علينا أعظم، حين جعلنا للمعروف أهلاً، أما علمت أنّ المعروف ما كان ابتداءً من غير مسألة، فأمّا من أعطيته بعد مسألة فإنّما أعطيته بما بذل لك من وجهه، وعسى أن يكون بات ليلته متململاً أرقاً يميل بين اليأس والرجاء، لا يعلم بما يرجع من حاجته، أبكآبة أم بسرور النجح، فيأتيك وفرائصه ترعد، وقلبه خائف يخفق، فإن قضيت له حاجته فيما بذلك من وجهه فإنّ ذلك أعظم ممّا نال من معروفك" .

لقد كان موئلاً للفقراء والمحرومين، وملجأً للأرامل والأيتام، وقد تقدّمت بعض بوادر جوده ومعروفه التي كان بها مضرب المثل للكرم والسخاء .

ب ـ الاستجارة به :

كانعليه‌السلام في عاصمة جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كهفاً منيعاً لمن يلجأ إليه، وملاذاً حصيناً لمن يلوذ به، قد كرّس أوقاته في قضاء حوائج الناس، ودفع الضيم والظلم عنهم، وقد استجار به سعيد بن أبي سرح من زياد فأجاره، فقد ذكر الرواة أنّه كان معروفاً بالولاء لأهل البيتعليهم‌السلام فطلبه زياد من أجل ذلك فهرب إلى يثرب مستجيراً بالإمام، ولمّا علم زياد ذلك عمد إلى أخيه وولده وزوجه فحبسهم، ونقض داره، وصادر أمواله، وحينما علم الإمام الحسن ذلك شقّ عليه الأمر، فكتب رسالة إلى زياد يأمره فيها بأن يعطيه الأمان،

١٥٤

ويخلّي سبيل عياله وأطفاله، ويشيّد داره، ويردّ عليه أمواله(١) .

مرجعيّته السياسيّة :

لقد صالح الإمام الحسنعليه‌السلام معاوية من موقع القوّة، كما نصّت المعاهدة على أن يكون الأمر من بعده للحسن ولا يبغي له الغوائل والمكائد .

إذن من الطبيعي أن يكون الإمام محور المعارضة والشوكة التي تنغّص على بني أمية ومعاوية ملكهم وتكدّر صفوهم، ونجد في أدعية الإمام ولقاءاته بالحاكمين وبطانتهم ورسائله وخطبه نشاطاً سياسياً واضحاً تمثّل في :

أ ـ مراقبته للأحداث ومتابعتها ومراقبة سلوك الحاكمين وعمّالهم، وأمرهم بالمعروف وردعهم عن المنكر، كما لاحظنا في مراسلته لزياد لرفع الضغط عن سعيد بن أبي سرح، ولومه لحبيب بن مسلمة وهو في الطواف على إطاعته لمعاوية(٢) .

ب ـ النشاط السياسي المنظَّم والذي كان يتمثّل في استقباله لوفود المعارضة، وتوجيههم ودعوتهم إلى الصبر، وأخذ الحزم وانتظار أوامر الإمام التي ستصدر في الفرصة المناسبة، كما تمثّل في تأكيده المستمرّ على الدور القيادي لأهل البيتعليهم‌السلام واستحقاقه للخلافة والإمامة .

ويرى الدكتور طه حسين أنّ الإمام قد شكّل حزباً سياسياً حين مكثه في المدينة، وتولّى هو رئاسته وتوجيهه الوجهة المناسبة لتلك الظروف .

ج ـ عدم تعاطفه مع أركان النظام الحاكم بالرغم من محاولاتهم لكسب عطف الإمام أو تغطية نشاطاته أو إدانتها، وقد تمثّل هذا الجانب في رفضه

__________

(١) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٢٨٩ ـ ٢٩٠ .

(٢) راجع حياة الإمام الحسن : ٢ / ٢٩٣ .

١٥٥

لمصاهرة الأُمويين وفضحه لخططهم وكشفه لواقعهم المنحرف وعدم استحقاق معاوية للخلافة، وتجلّى بوضوح في مناظراته مع معاوية وبطانته في المدينة ودمشق على حدّ سواء، ونكتفي بالإشارة إلى بعض مواقفه .

رفض الإمامعليه‌السلام مصاهرة الأُمويين :

ورام معاوية أن يصاهر بني هاشم ليحوز بذلك الشرف والمجد، فكتب إلى عامله على المدينة مروان بن الحكم أن يخطب ليزيد زينب بنت عبد الله ابن جعفر على حكم أبيها في الصداق، وقضاء دينه بالغاً ما بلغ، وعلى صلح الحيّين بني هاشم وبني أمية، فبعث مروان خلف عبد الله، فلمّا حضر عنده فاوضه في أمر كريمته، فأجابه عبد الله : إنّ أمر نسائنا بيد الحسن بن علي فاخطب منه، فأقبل مروان إلى الإمام فخطب منه ابنة عبد الله، فقالعليه‌السلام : "اجمع مَن أردت" فانطلق مروان فجمع الهاشميّين والأُمويين في صعيد واحد وقام فيهم خطيباً، وبيّن أمر معاوية له .

فردّ الإمامعليه‌السلام عليه، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : "أمّا ما ذكرت من حكم أبيها في الصداق فإنّا لم نكن لنرغب عن سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أهله وبناته(١) ، وأمّا قضاء دين أبيها فمتى قضت نساؤنا ديون آبائهن ؟ وأمّا صلح الحيّين فإنّا عاديناكم لله وفي الله فلا نصالحكم للدنيا ..." .

وفي ختام كلمته قال الإمامعليه‌السلام : "وقد رأينا أن نزّوجها (يعني زينب) من ابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر، وقد زوّجتها منه، وجعلت مهرها ضيعتي التي لي بالمدينة، وقد أعطاني معاوية بها عشرة آلاف دينار" .

__________

(١) كانت سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مهر أزواجه وبناته أربعمئة درهم .

١٥٦

ورفع مروان رسالة إلى معاوية أخبره بما حصل، فلمّا وصلت إليه قال : "خطبنا إليهم فلم يفعلوا، ولو خطبوا إلينا لما رددناهم"(١) .

من مواقف الإمام الحسنعليه‌السلام مع معاوية وبطانته :

أ ـ مع معاوية في المدينة :

روى الخوارزمي أنّ معاوية سافر إلى يثرب فرأى تكريم الناس وحفاوتهم بالإمام وإكبارهم له ممّا ساءه ذلك، فاستدعى أبا الأسود الدؤلي والضحّاك بن قيس الفهري، فاستشارهم في أمر الحسن وأنّه بماذا يوصمه ليتّخذ من ذلك وسيلة للحطّ من شأنه والتقليل من أهميّته أمام الجماهير، فأشار عليه أبو الأسود بالترك قائلاً :

"رأي أمير المؤمنين أفضل، وأرى ألاّ يفعل فإنّ أمير المؤمنين لن يقول فيه قولاً إلاّ أنزله سامعوه منه به حسداً، ورفعوا به صعداً، والحسن يا أمير المؤمنين معتدل شبابه، أحضر ما هو كائن جوابه، فأخاف أن يرد عليك كلامك بنوافذ تردع سهامك، فيقرع بذلك ظنوبك(٢) ، ويبدي به عيوبك، فإنّ كلامك فيه صار له فضلاً، وعليك كلاً، إلاّ أن تكون تعرف له عيباً في أدب، أو وقيعة في حسب، وإنّه لهو المهذّب، قد أصبح من صريح العرب في عزّ لُبابها، وكريم محتدها، وطيب عنصرها، فلا تفعل يا أمير المؤمنين" .

وقد أشار عليه أبو الأسود بالصواب، ومنحه النصيحة، فأيّ نقص أو عيب في الإمام حتى يوصمه به، وهو المطهّر من كلّ رجس ونقص كما نطق

__________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ١٢٤ .

(٢) الظنوب : العظم اليابس من الساق .

١٥٧

بذلك الذكر الحكيم؟ ولكنّ الضحّاك بن قيس قد أشار على معاوية بعكس ذلك فحبّذ له أن ينال من الإمام ويتطاول عليه قائلاً : "امضِ يا أمير المؤمنين فيه برأيك ولا تنصرف عنه بدائك، فإنّك لو رميته بقوارص كلامك ومحكم جوابك لذلّ لك كما يذلّ البعير الشارف(١) من الإبل" .

واستجاب معاوية لرأي الضحّاك، فلمّا كان يوم الجمعة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على نبيّه، ثم ذكر أمير المؤمنين وسيّد المسلمين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فانتقصه، ثم قال :

"أيّها الناس! إنّ صبية من قريش ذوي سفه وطيش وتكدّر من عيش أتعبتهم المقادير، فاتّخذ الشيطان رؤوسهم مقاعد، وألسنتهم مبارد، فأباض وفرخ في صدورهم، ودرج في نحورهم، فركب بهم الزلل، وزيّن لهم الخطل، وأعمى عليهم السُبل، وأرشدهم إلى البغي والعدوان والزور والبهتان، فهم له شركاء وهو لهم قرين ( وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً ) وكفى لهم مؤدّباً، والمستعان الله" .

فوثب إليه الإمام الحسن مندفعاً كالسيل رادّاً عليه افتراءه وأباطيله قائلاً :

"أيّها الناس! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب، أنا ابن نبيّ الله، أنا ابن من جعلت له الأرضُ مسجداً وطهوراً، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن خاتم النبيّين، وسيّد المرسلين، وإمام المتّقين، ورسول ربّ العالمين، أنا ابن من بعث إلى الجنّ والإنس، أنا ابن من بعث رحمةً للعالمين" .

__________

(١) البعير الشارف : المسنّ الهرم .

١٥٨

وشقّ على معاوية كلام الإمام فبادر إلى قطعه قائلاً : "يا حسن! عليك بصفة الرطب"، فقالعليه‌السلام :"الريح تلقحه والحرّ ينضجه، والليل يبرده ويطيبه، على رغم أنفك يا معاوية" ثم استرسلعليه‌السلام في تعريف نفسه قائلاً :

"أنا ابن مستجاب الدعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أول من ينفض رأسه من التراب، ويقرع باب الجنّة، أنا ابن من قاتلت الملائكة معه ولم تقاتل مع نبيّ قبله، أنا ابن من نصر على الأحزاب، أنا ابن من ذلّت له قريش رَغماً" .

وغضب معاوية واندفع يصيح : "أما أنّك تحدّث نفسك بالخلافة" .

فأجابه الإمامعليه‌السلام عمّن هو أهل للخلافة قائلاً :"أمّا الخلافة فلمن عمل بكتاب الله وسنَّة نبيّه، وليست الخلافة لمن خالف كتاب الله وعطّل السنّة، إنّما مثل ذلك مثل رجل أصاب ملكاً فتمتّع به، وكأنّه انقطع عنه وبقيت تبعاته عليه" .

وراوغ معاوية، وانحط كبرياؤه فقال : "ما في قريش رجل إلاّ ولنا عنده نِعَم جزيلة ويد جميلة" .

فردّعليه‌السلام قائلاً :"بلى، من تعزّزت به بعد الذلّة، وتكثّرت به بعد القلّة" .

فقال معاوية : "من أُولئك يا حسن ؟"، فأجابه الإمامعليه‌السلام :"من يلهيك عن معرفتهم" .

ثم استمرعليه‌السلام في تعريف نفسه إلى المجتمع فقال :

"أنا ابن من ساد قريشاً شاباً وكهلاً، أنا ابن من ساد الورى كرماً ونبلاً، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالجود الصادق، والفرع الباسق، والفضل السابق، أنا ابن من رضاه رضى الله، وسخطه سخطه، فهل لك أن تساميه يا معاوية ؟" ، فقال معاوية : أقول لا تصديقاً لقولك، فقال الحسن :"الحق أبلج، والباطل لجلج، ولم يندم من ركب الحقّ، وقد خاب من ركب الباطل :

والحقّ يعرفه ذوو الألباب )

فقال معاوية على عادته من

١٥٩

المراوغة : لا مرحباً بمن ساءك(١) .

ب ـ في دمشق :

اتفق جمهور المؤرّخين على أنّ الإمام الحسنعليه‌السلام قد وفد على معاوية في دمشق، واختلفوا في أنّ وفادته كانت مرةً واحدةً أو أكثر، وإطالة الكلام في تحقيق هذه الجهة لا تغنينا شيئاً، وإنّما المهم البحث عن سرّ سفره، فالذي نذهب إليه أنّ المقصود منه ليس إلاّ نشر مبدأ أهل البيتعليهم‌السلام وإبراز الواقع الأُموي أمام ذلك المجتمع الذي ضلّله معاوية وحرّفه عن الطريق القويم، أمّا الاستدلال عليه فإنّه يظهر من مواقفه ومناظراته مع معاوية، فإنّه قد هتك بها حجابه .

أمّا الذاهبون إلى أنّ سفره كان لأخذ العطاء فقد استندوا إلى إحدى الروايات الموضوعة فيما نحسب، وهذه الرواية لا يمكن الاعتماد عليها; لأنّ الإمام قد عرف بالعزّة والإباء والشمم، على أنّه كان في غنىً عن صلات معاوية; لأنّ له ضياعاً كبيرة في يثرب كانت تدرّ عليه بالأموال الطائلة، مضافاً إلى ما كان يصله من الحقوق التي كان يدفعها خيار المسلمين وصلحاؤهم.

على أنّ الأموال التي كان يصله بها معاوية على القول بذلك لم يكن ينفقها على نفسه وعياله، فقد ورد أنّه لم يكن يأخذ منها مقدار ما تحمله الدابة بفيها(٢) .

وروى الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام : "أنّ الحسن والحسين كانا لا يقبلان جوائز معاوية بن أبي سفيان"(٣) .

__________

(١) راجع حياة الإمام الحسن : ٢ / ٢٩٧ ـ ٢٩٩ عن الخوارزمي .

(٢) جامع أسرار العلماء ، مخطوط بمكتبة كاشف الغطاء العامة .

(٣) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤ .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206