اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)27%

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 206

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133419 / تحميل: 10028
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

أيا جدّ هل تنظر حسيناً مرمّلاً

لأضلعه خيل العدة تحطّم

وهل تنظر السجّاد بالقيد مؤثّقاً

يضربه التكبيل سحباً ويشتم

أيا جدّنا هذي بناتك حسرا

أُسارى قرط ابن بنتك تقسم

أيا جدّنا ساقوا علياً مكبّلاً

لينظره الطاغي يزيد المزنم

فياعترة الهادي خذوها بمدحكم

مدبّجة كالدّر حين ينظم

على كلّ بيت للمديح يتيمة

بأسماع من يهواكم تتقسّم

تزفّ إليكم كلّ عشر محرّم

يتوق إليها الشاعر المترنّم

مديحاً لمحمود العزيزي عبدكم

له بأعاديكم من اللعن أسهم

موالي مواليكم معادي عدوّكم

مودّته في حبّكم لا تكتم

ويرجى بها يوم القيامة شربة

من الحوض يا أهل الشفاعة منكم

خذوا لي وآبائي وأُمّي ووالدي

أماناً من أذى النار وأرحم

ورهطي واخواني وقارئن مدحتي

ومستمعيها واعطفوا وترحّم

وفي الخلد نرجو تدخلونا بجاهكم

فليس لنا إلّا النبي وأنتم

صلاة وتسليم مساءً وبكرةً

من الله عدّ الذرّ تترى عليكم

١٦١

الفصل العاشر

شهادة السيّدة رقيّة

نقل المحدّث الخبير سماحة الشيخ عبّاس القمّي قدس سره عن كتاب «الكامل» للبهائي : أنّ نساء أهل البيت عليهم السلام أخفين على الأطفال شهادة آبائهم وقلن لهم : أنّ آباءكم قد سافروا إلى كذا وكذا وكان الحال على ذلك المنوال حتّى أمر يزيد أن يدخلن داره وكان للإمام الحسين عليه السلام بنت صغيرة لها أربع سنين قامت ليلة من منامها وقالت : أين أبي الحسين عليه السلام فإنّي رأيته الساعة في المنام مضطرباً اضطراباً شديداً.

ولمّا سمعت النسوة ذلك بكين وبكى معهنّ سائر الأطفال وارتفع العويل ، فانتبه يزيد من نومه وقال : ما الخبر؟ ففحصوا عن الواقعة وقصّوا عليه ، فأمر أن يذهبوا برأس أبيها إليها ، فأتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها ، فقالت : ما هذا؟ قالوا : رأس أبيك ، ففزعت الصبية وصاحت فمرضت وتوفّيت في أيّامها بالشام(1) .

وقال البعض : لعلّ القضيّة التالية كانت ليلة دفن هذه الطفلة المظلومة وهي : أنّ أهل البيت عليهم السلام رأوا السيّدة أُمّ كلثوم عليها السلام مضطربة فزعة لا قرار لها ، تبكي بكاءً مرّاً وتنوح بحرقة شديدة ، وكلّما حاولوا إسكاتها وتهدأتها كانت لا تهدأ ، فتساءلوا عن السبب في ذلك ، فقالت : في الليلة الماضية كانت في حجري ، وكانت تبكي بشدّة ولا يهدأ لها بال ، فتساءلت منها : ممّ بكاءك؟ قالت : عمّتي ألا يوجد في هذه المدينة يتيم أو أسير غيري؟ عمّتي ألا يعلم هؤلاء أنّنا مسلمون؟!

وإذا كانوا يعملون فلماذا يضيّقون علينا في الطعام والشراب ويحرمون الأيتام

__________________

(1) راجع كامل البهائي ج 2 ص 179 ، معالي السبطين ج 2 ص 170.

١٦٢

منهما؟

تقول السيّدة أُمّ كلثوم عليها السلام : منذ أن سمعت مصيبتها المشجية ودموعي تجري بلا انقطاع وقد فارغ النوم عيناي.

السيّدة رقيّة عليها السلام ترى والدها في المنام

نقل صاحب كتاب «مصباح الحرمين»(1) القضية التالية فقال : رأت طفلة للإمام الحسين عليه السلام في إحدى الليالي والدها في عالم الرؤيا فاسترّت برؤياه وتنعّمت بلقاءه خلال تلك اللحظات القصيرة التي وفّقت فيها لرؤيا سيّد الشهداء عليه السلام بعد شهادته.

وعندما استيقظت الطفلة من منامها ـ وللأسف الشديد ـ أحسّت أنّ كلّ ما رأته كان مجرّد رؤيا ولذلك فإنّها لم تتحمّل الواقع ، فقد غاب عنها والدها العزيز التي تنعّمت برؤياه قبل لحظات. فبقيت الطفلة تبكي بشدّة ، وكلّما حاول أهل البيت عليهم السلام تهدأتها لم يتمكّنوا ، ولمّا تساءلوا منها عن سبب بكاءها قالت : أين أبي ايتوني بوالدي وقرّة عيني.

آنذاك عرف الجميع أنّها رأت والدها في المنام فضجّ الجميع بالبكاء والعويل ونشرن العلويات شعورهنّ وأخذن يلطمن على وجوههنّ ويحثن التراب على رؤوسهنّ حزناً على سيّد الشهداء عليه السلام حتّى وصل صوت النائحة إلى أسماع يزيد الطاغية.

وفي رواية أُخرى أنّ طاهر بن عبدالله الدمشقي نديم يزيد الطاغية قال : كنت في أكثر الليالي أجلس مع يزيد وأُحدّثه واشغله بأحاديثي ، وفي إحدى الليالي بينما كنت أُحدّثه وقد مضى قسطاً من الليل التفت إليّ وقال : طاهر! أشعر بالوحشة والاضطراب والحزن وليس لي مزاج للحديث ، فادنوا منّي وخذ برأسي ولا تحدّثني عن أفعالي وجرائمي القبيحة. يقول طاهر : أخذت رأسه النحس وجعلته في حجري فنام اللعين وكان رأس سيّد الشهداء عليه السلام موضوعاً أمامه في طشت من ذهب.

ولم تمض ساعة إذا بصياح وبكاء أبناء الحسين عليه السلام يتعالى من خرابة الشام ، إلّا أنّ

__________________

(1) مؤلّف مصباح الحرمين هو عبدالجبّار بن زين العابدين الشكوئي.

١٦٣

اللعين لم يحسّ بشيء وبقيت مشدوهاً حائراً أُقلّب فكري وأتأمّل في عظمة الظلم الذي صبّه هذا الطاغية على ذرّية أميرالمؤمنين عليه السلام ، التفت إلى الرأس الشريف فوجدت الدموع تنهمر من عينيه ، تعجّبت كثيراً ، ثمّ أنّ الرأس الشريف نطق بصوت عالي يسمعه من كلّ على بعد أربعة أذرع وقال : اللهمّ هؤلاء أولادنا وأكبادنا وهؤلاء أصحابنا.

يقول طاهر : حينما شاهدت هذا المنظر غلبتني الوحشة والدهشة وأخذت أبكي ، ثمّ إنّني أشرفت من قصر يزيد ـ وقد كانت الخرابة خلفه ـ لأرى ما الحدث ، فلعلّ أحد أهل البيت عليهم السلام توفّي فأخذ البقية يبكون عليه.

حقّقت النظر فوجدت الأسارى محدقين بطفلة صغيرة كانت تحثو التراب على رأسها وتقول ، يا عمّتي ويا أُخت أبي أين أبي؟ أين أبي؟

تساءلت منهم ما الخبر؟ قالوا : طفلة للإمام الحسين عليه السلام رأت والدها في المنام والآن تبكي وتنوح وتقول : أُريد والدي. وهي لا تهدأ أبداً.

يقول طاهر : بعد أن شاهدت هذا المنظر المشجي رجعت إلى يزيد فوجدته قد استيقظ وهو ينظر إلى رأس سيّد الشهداء عليه السلام وهو يرجف كالورقة في الريح الشديدة من شدّة الخوف.

وفي ذلك الأثناء التفت الرأس الشريف إلى يزيد وقال : يابن معاوية ، ماذا صنعت لك حتّى تظلمني هكذا وتودع أهل بيتي في خرابة الشام.

ثمّ إنّ الرأس الشريف توجّه إلى الله الخبير اللطيف وقال : اللهمّ انتقم منه بما عمل بي وظلمني وأهلي( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (1) .

كان الرأس يتحدّث بهذه الكلمات ويزيد اللعين يرتعد ويرجف حتّى كادت أضلاعه تلتصق ببعضها من شدّة الخوف.

ثمّ إنّ الطاغية تساءل عن بكاء أهل البيت عليهم السلام فأخبرته بالحدث ، فأشار على

__________________

(1) سورة الشعراء : 227.

١٦٤

جلاوزته أن يأخذوا رأس الإمام الحسين عليه السلام إلى الطفلة الصغيرة لتتسلّى به.

فأخذ جلاوزته الرأس المبارك إلى الخرابة وإذا بجميع النساء والأطفال يقبلون نحوهم ويأخذون الرأس منهم ثمّ جلسوا يبكون عليه خاصّة عقيلة الهاشميين زينب عليها السلام التي كانت تحول حول الرأس الشريف كما تحوم الفراشات حول الشمعة.

وبينما هم كذلك إذا بالسيّدة رقيّة تشاهد رأس أبيها وتقول : ما هذا الرأس؟ قالوا : هذا رأس أبيك فحملت الطفلة الرأس من الطشت وجعلته في حجرها وهي تبكي وتقول : أبتاه ، ليتني مت دونك ، أبتاه ليتني عميت قبل أن أراك على هذه الحالة ، أبتاه ليتني مت وكنت تحت التراب ولا أرى محاسنك مخضوبة بدمك ، فبقيت الطفلة تبكي وتقبّل الرأس وتنوح حتّى أُعمي عليها.

ولمّا حرّكوها وجدوها قد فارقت الدنيا وارتحلت إلى الملأ الأعلى مع جدّتها الطاهرة الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام.

وبوفاة الطفلة ضجّ كلّ من كان في الخرابة وتجدّد مصابهم من جديد.

أقول : ربما كانت هذه الطفلة التي ماتت في خرابة الشام هي السيّدة رقيّة عليها السلام بنت الإمام الحسين عليه السلام إذ أنّ المزار الشريف الموجود اليوم في خرابات الشام ينسب إليها هو معروف بمزار السيّدة رقيّة عليها السلام.

ولا يخفى أنّ وفاة هذه الطفلة وجميع القضايا المتعلّقة بها مثل أحاديثها مع السيّدة زينب عليها السلام وكيفية شهادتها ، وطريقة غسل السيّدة زينب وأُمّ كلثوم لها وغير ذلك قد دوّنت وحفظت للأجيال على مرّ الزمان لتبقى هذه المصيبة التي تهدّ الجبال وتصدع الصخور الصمّاء خالدة إلى يوم القيامة(1) .

وقد ذكر البعض أنّ اسم هذه الطفلة كان زينب وقال البعض الآخر أنّ اسمها رقيّة وذهب جماعة أنّ اسمها سكينة. وذكر البعض أنّ يزيد اللعين أمر عمّاله أن يشيدوا عمارة

__________________

(1) منتخب التواريخ الباب الخامس ص 299.

١٦٥

وينقشوا على جدرانها أحداث يوم عاشوراء وما جرى على الشهداء في ذلك اليوم العصيب فضلاً عن حال الأسارى والأطفال بعد استشهاد رجالهم وقد أسكنوا الأسارى فيها. فإن صحّ هذا القول فالله وحده أعلم ما هو حال أهل البيت عليهم السلام عندما شاهدوا هذه العمارة(1) .

حرّ قلبي لزينب فكم مصابٍ

حملته بقلبها المستظام

طلب الطفلة التي أثكلتها

حسن نادت بلهفة المستهام

أخبريني أبي بأيّ مكان

ولماذا هنا يكون مقامي

فزعت من منامها وهي تدعو

والدي قد رأيته بالمنام

فبكت زينب وضجّ اليتاما

والأيامي من شدّة الآلام

وقال الرجس ياقوم ماذا

حلّ إنّ البكاء نغّص جامي

قالوا للسبط طفلة طلبته

إذ رأته بعالم الأحلام

قال سيروا لها برأس أبيها

كي تراه وذا عظيم اجترام

ولها أقبلوا برأس ابن بنت الـ

ـمصطغى سيّد الأُباة الكرام

حديث الرأس الشريف

يقول أية الله ميرزا حبيب الله شريف الكاشاني المتوفّى سنة 1240 ه : أنّ امرأة من أهل الشام حملت حجراً ورمت رأس سيّد الشهداء عليه السلام وهو على الرمح وأذا بالرأس الشريف ينطق بلسان فيصيح ويقول : أنا المظلوم.

وقال الميرزا حبيب الله أيضاً : بينما كانت السيّدة زينب تنظر إلى رأس أخيها الحسين عليه السلام وإذا به يناديها قائلاً : أُختاه ، اصبري فإن الله معنا.

وفي كتاب سرّ الأسرار للشيخ عبدالكريم ص 306 ، ومنهاج الدموع ص 385 ، وكتاب العوالم ص 169 أنّ المنهال قال : أُقسم بالله تعالى أنّني رأيت رأس الإمام

__________________

(1) ناسخ التواريخ ـ حياة السيّدة زينب الكبرى عليها السلام ج 2 ص 456.

١٦٦

الحسين عليه السلام وهو مرفوع على القنا في الشام يقول أكثر من مرّة : لا حول ولا قوّة إلّا بالله.

محادثة بين الرأس والسيّدة رقيّة

ورد في كتاب «بحر الغرائب» قريب من المضامين التالية : أنّ الحارث وهو أحد قادة جيش يزيد نقل فقال : أمر يزيد أن نوقف أهل البيت عليهم السلام أمام دروازة الشام ثلاثة أيّام حتّى ينتهي الناس من تزيين المدينة ، وفي الليلة الأُولى وبعد أن خيّم الظلام ونام الجميع تظاهرت أنّني قد نمت فشاهدت طفلة صغيرة قد وقفت وهي تنظر العسكر فوجدتهم متعبين من الطريق وبعد المسافة فجلست على الأرض لحظات وهي خائفة ثمّ وقفت ثانية وتقدّمت خطوات نحو رأس الإمام الحسين عليه السلام الذي كان منصوباً على شجرة بالقرب من خرابة الشام ثمّ عادت خائفة وقد استمرّت على ذلك الحال تقوم وتقعد ، تتقدّم خطوات ثمّ ترجع إلى أن وقفت في الأخير تحت الشجرة وهي تنظر إلى الرأس وتخاطبه ودموعها تجري.

وما هي إلّا لحظات قليلة إذا بالرأس ينزل من على الشجرة حتّى وصل إلى مقابل الطفلة فخاطبته قائلة : السلام عليك يا أبتاه ، وا مصيبتاه بعد فراقك ، وا غربتاه بعد شهادتك.

وإذا بالرأس المقدّس يجيبها بالسان فصيح قائلاً : بنيّتي ، إنّ مصيبتك وشدّة المحن وضرب السياط وعذاب الأسر تنقضي بعد أيّام قليلة ، فإنّك صائرة إلينا عن قريب فاصبري لتنالي مقام الشفاعة : يقول الحارث : إنّ منزلي قريب من خرابة الشام لذلك كنت أنتظر متى ترحل هذه الطفلة من الدنيا إلى أن سمعت في إحدى الليالي صراخ وعويل وبكاء من خرابة الشام ، فتساءلت ما الخبر؟ قالوا : إنّ السيّدة رقية عليها السلام قد ماتت(1) .

كما نقل حجّة الإسلام والمسلمين صدر الدين القزويني في الجلد الثاني من كتابه القيّم «ثمرات الحياة» فقال : إنّ السيّدة رقيّة عليها السلام جعلت فمها على فم سيّد الشهداء عليه السلام

__________________

(1) نقلاً عن كتاب حضرة رقيّة ص 26.

١٦٧

وكان الرأس يقول لها : إليّ ، إليّ ، هلمّي ، فأنا لك بالانتظار ، ففارقت السيّدة رقيّة عليها السلام الدنيا على هذه الحالة.

سأبكي لبنت السبط فاطم قد غدت

قريحة جفن وهي تبكيه معولا

تحنّ فيشجي كلّ قلب حنينها

وتصدع من صمّ الصياخيد جندلا

تقول أبي أبكيك يا خير من مشى

ومن ركب الطرف الجواد المحجّلا

أبي كنت للدين الحنيفي موضّحاً

ومذ ثكلتك البيض أصبح مثكلا

أبي يا ثمال الأرملات وكهفها

إذا عاينت خطباً من الدهر معضلا

أبي يا ربيع المجد بين ومن به

يغاث من السقيا إذا الناس أمحلا

أبي يا غياث المستغيثين والذي

غداً لهم كنزاً وذخراً وموئلا

أبي إن سلا المشتاق أو وجد العزى

فإنّ فؤادي بعدك ما سلا

سأبيك تبكيك المحارب شجوها

وقد فقدت مفروضها والتنفّلا

سأبكيك تبكيك العقائد والنهى

سأبكيك تبكيك المحارم والعلا

سأبكيك تبكيك المناجاة في الدجى

سأبكيك يبكيك الكتاب مرتّلا

سأبكيك إذ تبكي عليه سكينة

ومدمعها كالغيث جاد وأسبلا

ونادت رباب أُمّتاه فأقبلت

وقد كضّها فقد الحسين وأثكلا

وقالت لها يا أُمّنا ما لوالدي

مضى مزمعاً عنّا الرحيل إلى البلا

أُنادي به يا والدي وهو لم يجب

وقد كان طلقاً ضاحكاً متهلّلا

أظنّ أبي قد حال عمّا عهدته

وإلّا فقد أمسى بنا متبدّلا

ألا أبتا قد شقّت البين شملنا

وجرعنا في الكأس صبراً وحنظلا

ونادى المنادي بالرحيل فقرّبوا

من الهاشميات الفواطم نزلا

وصار بها الحادي يغنّي مغرّداً

سل الدار عمّن قد نأى وترحّلا

تسير ورأس السبط يسري أمامها

كبدر الدجى وافى السعود فأكملا

فلهفي لها عن كربلا قد ترحّلت

مخلّفة أزكى الأنام وأنبلا

١٦٨

ولهفي لها بين العراق وجلق

إذ هو جلا خلفن قابلن هوجلا

ولهفي لها في أعنف السير والسرى

تأمّ زينب بالشآم مضلّلا

فلمّا رآها في حبائل سرّه

تهلّل مسروراً وأبدى التغزّلا

ونادى برأس السبط ينكث ثغره

وينشد أشعاراً بها قد تمثّلا

نفلّق هاماً من رجال أعزّه

علينا وهم كانوا أحقّ وأجملا

ألا فاعجبوا من ناكث ثغر سيداً

له أحمد يمسي ويضحى مقبلا

له عذّب الرحمن ماسح وابل

وعذّب أصحاب السقيفة أوّلا

أُولئك في يوم السقيفة أفسدوا

جميع الورى جيلاً فجيلاً لهم تلا

سجن أهل البيت عليهم السلام

في الخبر عن الشيخ الصدوق قدس سره أنّه عبّر عن خرابة الشام بالحبس والسجن إذ أنّ أهل البيت عليهم السلام حصروا فيها ومنعوا من ملاقاة الناس.

ونقل الشيخ الصدوق قدس سره في موضع آخر فقال : إنّ يزيد أمر بنساء الحسين عليه السلام ، فحبسن مع علي بن الحسين عليهما السلام في محبس لا يكنّهم من حرّ ولا قرّ ، حتّى تقشّرت وجوههنّ(1) .

والمشهور أنّ السيّدة رقيّة عليها السلام استشهدت في هذه الخرابة ، أمّا كم عاشت فيها إلى يوم شهادتها فهذا ممّا لم يحرزه المؤرخون.

نعم ، إنّ ورود أهل البيت عليهم السلام الشام كما صرّح الكثير من المؤرخين كان في غرّة شهر صفر وشهادة السيّدة رقيّة عليها السلام في الخامس من صفر ممّا يدلّ على أنّها بقيت في الخرابة أربعة أيّام إلّا أنّ هناك أقوالاً أُخرى.

وقال الإمام السجّاد عليه السلام : عندما أودعونا خرابة الشام صبّوا علينا أنواع العذاب ، ففي أحد الأيّام رأيت عمّتي زينب عليها السلام قد جعلت «القدر» على النار فتساءلت منها

__________________

(1) أمالي الصدوق ص 101.

١٦٩

وقلت : عمّة ما هذا القدر؟ قالت : إنّ الأطفال جياع فتظاهرت لهم بأنّني أصنع الغذاء لأُصبّرهم وأُخفّف عليهم آلامهم.

ونقل أيضاً أنّ الأطفال كانوا يطلبون من السيّدة زينب الماء والخبز حتّى رقّت لهم بعض النساء الشام وأتين لهم بالطعام(1) .

وبالاضافة إلى كلّ هذه المصائب المؤلمة التي نزلت بالعقيلة زينب عليها السلام في خرابة الشام تأتي مصيبة السيّدة رقيّة عليها السلام التي أحرقت قلوب العلويات وأمضّت أفئدة أهل البيت عليهم السلام خاصّة السيّدة زينب عليها السلام التي تكفّلت بالعائلة بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام.

حديث المغسّلة مع العقيلة زينب عليها السلام

ورد في بعض الأخبار أنّ المغسّلة عندما كانت تغسّل جسد السيّدة رقيّة عليها السلام ، تركت التغسيل فجأة وتساءلت قائلة : من هو كبير هؤلاء الأسرى؟

فأجابتها السيّدة زينب وقالت : ماذا تريدين؟

قالت المغسّلة : ماذا كان مرض هذه الطفلة حتّى أصبح جسدها هكذا؟

فأجابتها العقيلة عليها السلام : إنّ الطفلة لم تكن مريضة أنّها آثار السياط ، وطعنات كعب الرماح(2) .

وفي بعض الروايات أنّ يزيد اللعين أمر أن يأخذوا مصباحاً وصاجة من الخشب ليغسلوا السيّدة رقيّة عليها السلام عليها ويكفّنوها في ثوبها القديم الذي كان عليها(3) .

وفي نفس الوقت خرجت نساء الشام وهنّ لابسات السواد وقد ازدحمن من كلّ حدب وصوب يردن مشايعة أهل البيت عليهم السلام بعد أن علت أصواتهنّ بالنجيب والبكاء والصياح.

__________________

(1) زينب فروغ تابان كوثر ص 266 نقلاً عن رياحين الشريعة ج 3 ص 186 ـ 191.

(2) زينب فروغ تابان كوثر ص 366 نقلاً عن الوقائع والحوادث ج 5 ص 81.

(3) زينب فروغ تابان كوثر ص 370 نقلاً عن خصائص الزينبية ص 296.

١٧٠

آنذاك استفادت العقيلة زينب عليها السلام من هذه الفرصة الذهبية فأخرجت رأسها من المحمل وخاطبت أهل الشام قائلة :

يا أهل الشام ، لقد أودعناكم في هذه الخرابة أمانة ، فالله الله فيها ، يا أهل الشام تعاهدوا قبرها بالزيارة ، فهي غريبة لا أحد لها في هذه الديار ـ ولا تنسوا أن تريقوا الماء وتشعلوا المصابيح عند مرقدها الشريف(1) .

سيّدتي جئتك بالكفن

نقل مدّاح أهل البيت عليهم السلام الحاج أسد الله سليماني فقال : إنّ كلّ من شاعر أهل البيت عليهم السلام الحاج غلام رضا سازگار ومداح أهل البيت عليهم السلام الحاج حسن ذوالفقاري نقلاً فقالا : سمعت القضية التالية من البعض فقال : خلال سفري إلى زيارة السيّدة رقيّة عليها السلام في الشام شاهدت طفلة صغيرة تقرأ الزيارة بحالة روحانية بحيث إنّني توجّهت إليها وبقيت أستمع إلى زيارتها.

وبعد أن فرغت الطفلة من الزيارة جاءت بقماش أبيض وأخذت تلفّه حول الضريح الشريف ثمّ إنّها أخذت ترمي البقية فوق الضريح لتغطّيه بالقماش ولكنّها لم تكن قادرة على ذلك فدنوت نحوها وتساءلت منها وقلت : ماذا تصنعين؟

وإذا بها تتكلّم باللغة الآذرية ، وبعد قليل جاءت الطفلة مع والديها فتساءلت منها وقلت : إنّ الجميع يأتون بالألعاب للسيّدة رقيّة عليها السلام ، فلماذا جئت أنت بالقماش؟

فقالت الطفلة : لقد سمعت من والديَّ أنّ السيّدة رقيّة عليها السلام ليس لها كفن فأتيت لها بالكفن.

سيّدتي طابت جروحك أم لا؟

نقل سماحة حجّة الإسلام والمسلمين السيّد عسكر الحيدري وهو من طلّاب

__________________

(1) زينب فروغ تابان كوثر ص 370 نقلاً عن رياض القدس ج 2 ص 237.

١٧١

الحوزة الزينبية(1) في سوريا فقال : في عام 1356 شمسي كنت أُصلّي في حرم السيّدة رقيّة عليها السلام وبعد الصلاة راعني الموقف التالي :

فقد شاهدت رجلاً طاعناً في السنّ من الأتراك التبريزيين وقد ألقى بنفسه على الضريح المبارك وهو يبكي وينوح حتّى ضجّ الناس لبكائه واعتلى صياحهم وبكائهم بشدّة.

كان الرجل يبكي بحرقة ويخاطب السيّدة رقيّة عليها السلام بلهجة الآذرية ، وحيث إنّني لا أعرف اللغة الآذرية تساءلت من البعض : ماذا يقول هذا الرجل؟

فقال : إنّه يقول : سيّدتي يا رقية ، إنّ أملي الوحيد منذ أمد بعيد أن آتي لزيارتك لا لكي يشفي ولدي أو يتحسّن وضعي المعيشي أو لتأخذي بيدي في يوم القيامة وإنّما جئت لأرى كيف حالك؟

سيّدتي أخبريني هل شُوفِيَ بدنك من الآلام؟ وهل طابت جروح قدميك؟ سيّدتي

__________________

(1) تأسّست الحوزة العلمية الزينبية في الشام على يد الشهيد السعيد سماحة السيّد المجاهد عن العقيد والدين آية الله السيّد حسن الشيرازي قدس سره.

وقد دعاني سماحته سنة 1357 ه. ش في مكّة المكرّة وقد تشرّفت بخدمته كراراً وكان دائماً يوصيني بالخدمة الدينية علماً أنّه دعاني للقيام ببعض النشاطات الدينية في الشام إلّا أنّه ومع الأسف الشديد لم يتح أجله للقيام بذلك حيث إنّه قدس سره استشهد على يد البعثيين الذين اغتالوه في 16 جمادي الآخر 1400 ه في بيروت ثمّ نقل جسده الشريف إلى طهران ومنها إلى قم فدفن في الحرم الشريف للسيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام.

أقول : في أيّام الفاطمية سنة 1418 ه وفي يوم ميلاد العقيلة زينب عليها السلام بالذات نقل أحد المقيمين في الشام المجاورين للسيّدة زينب عليها السلام لأحد مراجع قم فقال : رأيت في عالم الرؤيا أنّ السيّدة زينب عليها السلام جالسة في مكان ما بينما كان الشهيد السيّد حسن الشيرازي قدس سره يمرّ من جانبها ، فأشارت إليه العقيلة زينب عليها السلام وقالت : هذا الذي أخرجني من غربتي.

ويمكن أن يكون مرادها عليها السلام أنّ هذا السيّد بتأسيسه للحوزة العلمية وتشويقه على إحياء الشعائر في سوريا أخرجني من غربتي. (علي ربّاني الخلخالي).

١٧٢

فداك روحي ونفسي أخبرني هل طابت جروحك ، فأنا ذاهب إلى ايران ومن ثمّ إلى تبريز ، فإذا طابت جروحك أُخبر الناس ليجمعوا الذهب ويأتوا به إلى حرمك فرحاً بذلك.

وبقي ذلك الرجل يصيح ويبكي ويخاطب السيّدة رقيّة عليها السلام بمثل هذه الكلمات فقلت في نفسي : ياليت لي مثل هذه العقيدة والإخلاص.

أهل البيت عليهم السلام يقيمون العزاء في الشام

نقل أبو مخنف وغيره من المؤرخين : أنّ يزيد الطاغية بعد أن افتضح بجرائمه غيّر نهجه في تعامله مع أهل البيت عليهم السلام وخيّر الإمام زين العابدين عليه السلام بين البقاء في الشام والرحيل إلى مدينة جدّه رسول الله صلى الله عليه واله فقال الإمام عليه السلام : لابدّ أن أُشاور في ذلك عمّتي زينب فهي كفيلة الأيتام والأرامل ، وبعد أن خيّر الإمام السجّاد عمّته زينب بين الرحيل والبقاء قالت عليها السلام : والله لا أختار شيئاً على البقاء في مدينة جدّي رسول الله صلى الله عليه واله ، ولكن قل ليزيد أن يفرغ لنا الدار وأن لا يمنعوا أحداً من الدخول معنا لنقيم العزاء على قتلانا ، فلمّا خرجنا من كربلاء منعونا من البكاء وقادونا عنوة إلى الكوفة والشام ولم يتركونا كي نقيم العزاء على قتلانا.

وحيث إنّ يزيد خيّر الإمام السجّاد عليه السلام وتظاهر أنّه يريد لأهل البيت عليهم السلام لم يكن له بدّ من الاستجابة لطلب العقيلة عليها السلام ، وإلّا فهو يعرف أنّ هذا المجلس لن يخلو من ذكر فضائل أميرالمؤمنين وإحياء مناقب أهل البيت عليهم السلام والتسقيط من بني أُميّة قاطبة وبالتالي فإنّ الزحمات الكثيرة التي بذلها هو ووالده معاوية من أجل محو ذكر أهل البيت عليهم السلام في الشام ستذهب هدراً.

وبالفعل فقد أمر الطاغية أن تفرغ لأهل البيت عليهم السلام داراً وسيعة وأمر المنادي ينادي من أراد أن يشارك في عزاء أهل البيت عليهم السلام ويعزّي السيّدة زينب بمصابها فليأت.

وما أن انتشر الخبر ـ كما في كتاب العوالم ـ لم تبق هاشمية في الشام إلّا وشاركت في المجلس بل حتّى نساء بين أُميّة وبني مروان جئن إلى المجلس وكنّ مزيّنات بزينتهنّ

١٧٣

إلّا أنّهنّ لمّا رأين حال المجلس انكسرت قلوبهنّ فنزعنّ زينتهنّ ولبسن السواد وجلسن مع النساء الشاميات يبكين ويطلمنّ على وجوههنّ بل ونشرن شعورهنّ وأخذن يحثن التراب على الرؤوسهنّ حتّى ضجّ المجلس بالبكاء.

آنذاك ـ وكما في البحار ـ وقفت العقيلة زينب وجعلت ترثي أخاها الحسين عليه السلام فأنشدت بعض الأبيات أحرقت بها القولب العالمين من الأوّلين والآخرين إلى يوم القيامة.

ومن المصائب الموجعة التي ذكرتها السيّدة زينب عليها السلام في ذلك المجلس هي مخاطبتها نساء الشام فقالت : انظروا ماذا صنع الأشقياء بذرّية أمير المؤمنين عليه السلام وأي بلاء صبّوه على عترة الرسول صلى الله عليه واله.

يا نساء الشام! إنّكم لا تدرون ماذا صنعوا بنا يوم عاشوراء؟ فقد قتلوا أخي وأهل بيته وأصحابه والرضّع عطاشى.

وأنّكم لاتدورن كيف ماذا جرى على أهل البيت عليهم السلام من ظلمة الكوفة وأعوان ابن زياد الذين ساقوا الأطفال والمخدّرات يقدمهم الإمام السجّاد عليه السلام حجّة الله على الخلق طيلة هذا الطريق؟

فبقيت لا تدرون كيف ماذا جرى على أهل البيت عليهم السلام من ظلمة الكوفة وأعوان ابن زياد الذين ساقوا الأطفال والمخدّرات يقدمهم الإمام السجّاد عليه السلام حجّة الله على الخلق طيلة هذا الطريق؟

فبقيت العقيلة تعدّد المصائب والنساء يبكين ويندبن الشهداء وقد استمرّ المجلس مدّة اسبوع على هذا المنوال في كلّ يوم تذكر العقيلة مصائب أهل البيت عليهم السلام وتنال من يزيد وأعوانه الظلمة الذين لم يتورّعوا عن سفك دم سيّد الشهداء عليه السلام(1) وفي كتاب «بحر المصائب» : أنّ العقيلة زينب عندما عادت إلى مدينة جدّها رسول الله صلى الله عليه واله ذهبت إلى قبر والدتها في البقيع وأنشدتها بعض الأبيات أبكت بها أهل السماء والأرض.

وفي نظري أنّ الأشعار التالية تنسب إلى العقيلة زينب وهي :

أيا أُمّ قد قتل الحسين بكربلا

أيا أُمّ ركني قد هوى وتزلزلا

أيا أُمّ قد ألقى حبيبك بالعرا

طريحاً ذبيحاً بالدماء مغسّلا

__________________

(1) رياحين الشريعة ج 3 ص 193.

١٧٤

أيا أُمّ نوحي فالكريم على القنا

يلوح كالبدر المنير إذ انجلا

ونوحي على النحر الخضيب واسكبي

دموعاً على الخدّ التريب مرمّلا

وحينما سمعت نساء الشام هذه الأبيات أقبلن من كلّ جانب وأخذن يسلّين العقيلة زينب عليها السلام(1) .

__________________

(1) رياحين الشريعة ج 3 ص 195.

١٧٥

الفصل الحادي عشر

حرم السيّدة رقيّة عليها السلام

أشرنا في بداية الكتاب أنّ عبدالوهاب بن أحمد الشافعي المصري المشهور بالشعراني والمتوفّى سنة «973 ه ق» ذكر في كتابه «المنن» الباب العاشر فقال : وبالجنب من المسجد الجامع في دمشق يوجد مرقد بمرقد السيّدة رقية بنت الإمام الحسين عليه السلام وقد كتب على باب هذا المرقد العبارة التالية هذا البيت بقعة شرّفت بآل النبي صلى الله عليه واله وبنت الحسين الشهيد رقية عليها السلام(1) .

وقد عمّر مرقد السيّدة رقيّة في القرون الأخيرة أكثر من مرّة ، ففي سنة 1280 ه عمّر الحرم الشريف على يد أحد السادة الأجلّاء باسم السيّد مرتضى وقد ذكرنا قصّته في الفصل الأوّل من الكتاب.

وقبل التعمير الأخير الذي حصل في السنين الأخيرة عمّر المرقد الشريف على يد الميرزا على أصغر خان أتابك أمين السلطان الأعظم الصدر الأعظم لايران سنة 1323 ه وقد نظم السيّد محسن الأمين العاملي المتوفّى عام 1371 ه أشعاراً ذكرهما في كتابه القيّم «أعيان الشيعة» منها هذين البيتين واللذين ذكر فيهما تاريخ تعمير المرقد الشريف علماً أنّ البيتين مكتوبين على باب الحرم الشريف وهما :

له ذو الرتبة العليا عليّ

وزير الصدر في ايران جدّد

وقد أرّختها تزهو بناءً

بقبر رقيّة من آل أحمد

وفي السنين الأخيرة نظراً لتوافد محبّي أهل البيت عليهم السلام إلى قبر السيّدة رقيّة عليها السلام

__________________

(1) معالي السبطين ج 2 ص 162.

١٧٦

وضيق المحل تصدّى المرحوم المغفور له الشيخ نصر الله الخلخالي لتوسعة الحرم الشريف وبمساعدة العديد من الخيّرين والموالين وفّق لشراء البيوت المجاورة للحرم الشريف علماً أنّ البعض من أصحاب البيوت لتعصّبهم الشديد وكثرة أطماعهم الدنيوية رفضوا بيع بيوتهم.

وحيث إنّ تشييد هذا المرقد المبارك هو لإقامة العبادات وإحياء الشعائر وطاعة الله عزّوجلّ لم يلجأ المتصدّون في تعاملهم مع الذين رفضوا بيع بيوتهم إلى القوّة بل اشتروا البيوت منهم بأضعاف مضاعفة من قيمتها الواقعية.

الجدير بالذكر أنّ مساومة المتصدّين لتوسعة الحرم مع أصحاب هذه البيوت استمرّت مدّة طويلة وهم يماطلون ويعارضون بحيث إنّ جميع المنال المحيطة بالحرم كانت قد هدّمت ما عدا هذه البيوت القليلة التي رفض أصحابها بيعها وتخريبها.

على كلّ ففي سنة 1364 ه المصادف لسنة 1984 ميلادي شرع في تشييد الحرم الجديد للسيّدة رقيّة عليها السلام وذلك بمحضر بعض المسؤولين والوجهاء في الحكومة السورية فضلاً عن بعض العلماء ورجال الذين شاركوا في افتتاح تشييد الحرم الشريف.

وحتّى يكون البناء محكماً فقد غيّر مسير النهر الذي كان يمرّ داخل الحرم الشريف وجه إلى خارج المرقد وقد استغرق ذلك خمسة أشهر وبعدها شرعوا بتثبيت القواعد الأساسية للبناء.

وبانتهاء التعمير الأخير للحرم أصبحت مساحة البناء 4500 متر مربّع تقريباً منها ما يقارب 600 متر مربع بناء باحة الحرم ، والباقي البناء الداخلي ، ففي الجهة الجنوبية للبناء بني مسجداً تقارب مساحته 800 متر مربع (20×40) ، وأمّا سعة الحرم بالاضافة إلى الأورقة في البناء الجديد فهي 2600 متر مربّع تقريباً جزى الله تعالى كلّ من سعى في تميره وزاد الله في توفيقاتهم إله الحقّ آمين.

١٧٧

زيارة السيّدة رقيّة

بِسْمِ اللهِ الْرَحْمَنِ الرَّحِيمِ

السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا سَيِّدَتَنَا رُقَيَّةَ عَلَيْكِ تَحِيَّةً وَالسَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنِ اَبِي طَالِبٍ السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ خَدِيجَةَ الْكُبْرىٰ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمؤْمِنَاتِ السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ وَلِيِّ اللهِ السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا أُخْتَ وَلِيِّ اللهِ السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الصِّدِّيقَةُ الشَّهِيدَةُ السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الرَّضِيَّةُ الْمَرْضِيَّةُ السَّلَامُ عَلَيْكِ أيَّتُهَا التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الزَّكِيَّةُ الفَاضِلَةُ السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الُمَظْلُومَةُ الْبَهِيَّةُ صَلّىٰ اللهُ عَلَيْكِ وَعَلىٰ رُوحِكِ وَبَدَنَكِ فَجَعَلَ اللهُ مَنْزِلَكِ وَمأْوَاكِ فِي الجَنَّةِ مَعَ آبَائِكِ وأَجْدَادِكِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ الْمَعْصُومِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ وَعَلَى الْمَلَائِكَةِ الْحَافِّينَ حَوْلَ حَرَمُكِ الشَّرِيفِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَصَلّىٰ اللهُ عَلىٰ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا اَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

عودة السبايا إلى المدينة

اختلف المؤرخون والكتّاب في مدّة بقاء أهل البيت عليهم السلام في الشام ، فذهب كلّ واحد منهم إلى رأى وقول واستقرب كلّ منهم مدّة معيّنة حسب بعض القرائن التي يرتضيها.

ففي «طراز المذهب» نقل عن السيّد الطباطبائي أعلى الله مقامه أنّه قال في حاشية رياض المصائب : أنّ مدّة بقاء أهل البيت عليهم السلام في الشام أربعين يوماً ، وذهب الميلاني نقلاً عن الكاشفي أنّهم عليهم السلام بقوا ستّة أشهر ونسب ذلك إلى ابن بابويه قدس سره.

وقال المؤلّف «مفتاح البكاء ومهيّج الأحزان» أنّهم بقوا ثمانية عشر يوماً ، وقال البعض : إنّهم لم يبقوا إلّا عشرة أيّام والله العالم.

وعل أيّة حال ، فإنّ يزيد اللعين حينما أحسّ بالخطر وتوقّع الفتنة حيث أخذ أهل الشام يلعنونه عمد إلى تخيّر أهل البيت عليهم السلام بين البقاء في الشام والرحيل إلى مدينة

١٧٨

جدّهم رسول الله صلى الله عليه العقيلة زينب عليها السلام وقالت : ردّنا إلى المدينة فإنّها محلّ هجرة جدّنا رسول الله صلى الله عليه واله.

فأشار يزيد اللعين على صحابي رسول الله صلى الله عليه واله النعمان بن بشير ومعه ثلاثة رجال أن يرافقوا قافلة أهل البيت عليهم السلام في مسيرها إلى المدينة ، وفي بعض الأخبار أنّه بعث مع النعمان خمسمائة فارس من جنوده وأمرهم أن يوصلوا أهل البيت عليهم السلام إلى المدينة.

كما هيّأ يزيد وسائل السفر واحتياجاته وأشار على جماعته أن يسمعوا لأهل البيت عليهم السلام في سفرهم ويكونوا تحت اختيارهم ، فمتى أرادوا النزول ينزلوا معهم ، ومتى أرادوا المسيرة يسيروا ، وقد أمر رجاله أن يبتعدوا في مسيرهم عن القافلة كي لا يزاحموا العلويات المخدّرات(1) .

من جانب آخر فإنّ يزيد اللعين أمر أن يعطى أهل البيت عليهم السلام الكثير من الأموال والإبل ثمّ خاطب العقيلة زينب عليها السلام وأُمّ كلثوم وقال : هذه الأموال عوض دماء الإمام الحسين عليه السلام فأجابته العقيلة في نفس الوقت وقالت : ويلك يايزيد : ما أقلّ حياءك وأقسى قلبك وأصلب وجهك تقتل أخي وتقول : خذوا عوضه مالاً ، لا والله لا يكون ذلك ، فخجل يزيد.

وقال أبو مخنف وغيره من المؤرخين : أنّ يزيد طيّب رأس سيّد الشهداء عليه السلام بالمسك والكافور وأعطاه للإمام زين العابدين عليه السلام فأخذه معه إلى كربلاء المقدّسة ودفنه إلى جانب الجسد الشريف.

وفي الأمالي للشيخ الصدوق قدس سره قال : بعد أن قتل الإمام الحسين عليه السلام بقيت الآثار السماوية ولم تذهب هذه الآثار إلى أن خرج أهل البيت عليهم السلام من الشام وأعادوا الرأس الشريف وألحقوه بالجسد الشريف.

وقال أبو إسحاق الاسفرايني في كتاب «نور العين» وغيره من أمثاله من الموالين

__________________

(1) ناسخ التواريخ للمؤرخ الشهير عبّاس علي خان سپهر ج 2 ص 473.

١٧٩

الخلّص : أنّ الرأس الشريف أُعيد إلى كربلاء وأُلحق بالجسد الطاهر.

وبالجملة : فقد أمر يزيد أن تزيّن محامل أهل البيت عليهم السلام بالديباج بعد أن أوقفهم ثلاثة أيّام على بوّابة قصره تحت حرّ الهجير الحارقة حتّى تساقطت جلودهم ولحومهم من الحرّ والبقاء على المحامل الهزيلة وهم مقيّدين بالقيود والحبال.

فلمّا أحسّ يزيد اللعين بالخطر وشدّة الموقف تظاهر على أنّه يريد تلافي ما صنعه في البداية بأهل البيت عليهم السلام من التعذيب والإيذاء وذلك بعد أن أبرد غليله وأطفأ نار أحقاده الدفينة ضدّ الرسول صلى الله عليه واله وعترته الطاهرة عليهم السلام.

وفي واقع الأمر أنّ سخط الناس على يزيد بما فيهم المقرّبين من أهل بيته وعياله وغلمانه هو الذي جعل يتظاهر بالمحبّة والعطف لأهل البيت عليهم السلام ويقدّم لهم الأموال الطائلة ويوصي قادة القافلة أن يوصلوهم إلى المدينة معزّزين مكرّمين.

ولذلك فإنّ يزيد أرسل مع أهل البيت عليهم السلام من يرافقهم بعد أن أوصاه أن لا يقصّر لحظة عن خدمتهم واحترامهم في مسيرهم حتّى يوصلوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه واله.

ناهيك أنّه هيّأ لهم مستلزمات السفر على أحسن وجه وسمح لنساء الشام أن يرتدين السواد ويخرجن مع الرجال لمشايعة القافلة.

وبعد أن خرج الإمام زين العابدين عليه السلام من مجلس يزيد أمر القافلة أن تخرج فخرجت العلويات المخدّرات وخرجت نساء آل أبي سفيان وبنات وزوجاته صارخات باكيات بأعلى أصواتهنّ.

يقول البعض : عندما رأت العقيلة زينب عليها السلام المحامل المزيّنة تأوّهت وجذبت في قلبها حسرة وقالت : ماذا نصنع بالمحامل المزيّنة؟!

فأمروا بالمحامل وضربوا عليها السواد وضجّ الناس لهذا المنظر واعتلى بكاءهم وعويلهم حزناً لمصاب أهل البيت عليهم السلام.

وقيل : إنّ أهل البيت عليهم السلام عندما أرادوا أن يركبوا المحامل تذكّروا يوم خروجهم من المدينة ، وبكوا بشدّة وكان الإمام السجّاد عليه السلام يصبّرهم ويسلّيهم.

١٨٠

٣ ـ في رحاب القرآن الكريم :

أ ـ قالعليه‌السلام في بيان حقيقة القرآن ورسالته وأهدافه وفضله وكيفية الارتواء من معينه الثرّ :

١ ـ "إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور، فليُجل جال بضوئه وليُلجم الصفة قلبَه ; فإنّ التفكير حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور"(١) .

٢ ـ "ما بقي من هذه الدنيا بقية غير هذا القرآن فاتّخذوه إماماً، وإنّ أحقّ الناس بالقرآن من عمل به وإن لم يحفظه، وأبعدهم عنه مَن لم يعمل به وإن كان يقرؤه"(٢) .

٣ ـ ".. واعلموا علماً يقيناً أنّكم لن تعرفوا التقى حتى تعرفوا صفة الهدى، ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتى تعرفوا الذي حرّفه، فإذا عرفتم ذلك; عرفتم البدع والتكلّف ورأيتم الفرية على الله ورأيتم كيف يهوي من يهوي، ولا يجهلنّكم الذين لا يعلمون، والتمسوا ذلك عند أهله فإنّهم خاصّة نور يستضاء بهم وأئمة يقتدى بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل"(٣) .

٤ ـ ".. كتاب الله فيه تفصيل كلّ شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوَّل عليه في كلّ شيء، لا يخطئنا تأويله، بل نتيقنّ حقائقه، فأطيعونا فإطاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله والرسول وأولي الأمر مقرونة .." .

ب ـ وروى المؤرّخون نماذج من تفسير الإمام المجتبى للقرآن الكريم، وإليك نموذجاً واحداً منها : "جاء رجل إلى مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليسأل عن تفسير قوله تعالى : (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) فرأى ثلاثة أشخاص قد احتفّ بكلّ واحد منهم جمع من

__________

(١) حياة الإمام الحسن دراسة وتحليل : ١ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧ عن كشف الغمة وإرشاد القلوب .

(٢) حياة الإمام الحسن دراسة وتحليل : ١ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧ عن كشف الغمة وإرشاد القلوب .

(٣) المصدر السابق : ١ / ٣٦٠ عن تحف العقول .

١٨١

الناس يحدّثهم عمّا سمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسأل أحدهم عن الشاهد والمشهود فقال : الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، ثم سأل الآخر فقال له : الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم النحر، ثم سأل الثالث فأجابه : "الشاهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمشهود يوم القيامة لقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) ، وقوله تعالى عن يوم القيامة : (ذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُود)"، فسأل عن الأول فقيل له : عبد الله بن عباس، وسأل عن الثاني فقيل له : عبد الله بن عمر، وسأل عن الثالث فقيل له : الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام (١) .

إنّ المتتبّع لخُطب الإمام ومواعظه يلمس فيها الاستدلال والاستشهاد الدقيق بآيات الذكر الحكيم، ممّا يفيدنا مدى إحاطته صلوات الله عليه بمقاصد القرآن وأسراره وبواطن آياته، وسوف تلاحظ نماذج من ذلك فيما سيأتي من كلامه .

٤ ـ في رحاب الحديث النبوي والسيرة الشريفة :

لقد اهتمّ الإمام الحسن المجتبى بنشر حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرته ومكارم أخلاقه، ونختار من الأحاديث التي رواها عن جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يلي :

١ ـ "إنّ من واجب المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم .." .

٢ ـ "يا مسلم! اضمن لي ثلاثاً أضمن لك الجنّة : إن أنت عملت بما افترض عليك في القرآن فأنت أعبد الناس، وإن قنعت بما رُزِقت فأنت أغنى الناس، وإن اجتنبت ما حرّم الله فأنت أورع الناس ..." .

__________

(١) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣٦٢ عن الفصول المهمة لابن الصبّاغ المالكي : ١٦٠ .

١٨٢

٣ ـ "من صلّى الفجر فجلس في مصلاّه إلى طلوع الشمس ستره الله من النار" .

٤ ـ "حيثما كنتم فصلّوا عليَّ، فإنّ صلاتكم تبلغني" .

٥ ـ "جاءت امرأة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعها ابناها فسألته فأعطاها ثلاث تمرات، فأعطت كلّ واحد منهما تمرةً فأكلاها، ثم نظرا إلى أمهما فشقّت التمرة اثنتين فأعطت كلّ واحدة منهما شقّ تمرة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رحمها الله برحمتها ابنيها" .

٦ ـ "ودعاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الدعاء : اللهم أقلني عثرتي، وآمن روعتي، واكفني من بغى عليّ، وانصرني على من ظلمني، وأرني ثأري منه ..." .

وأمّا ما يخصّ سيرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومكارم أخلاقه فقد اهتمّ السبط المجتبى بنشرها تارةً عن خاله هند بن أبي هالة التميمي ربيبِ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخِ الزهراء من أمها ; إذ كان دقيقاً في وصفه لحلية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومكارم أخلاقه، وممّا جاء في وصفه لمنطق الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : "كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، لا يتكلّم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتح الكلام ويختمه بأشداق(١) ، ويتكلّم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير، دمثاً ليس بالجافي ولا المهين، يعظم المنّة وإن دقّت، لا يذمّ منها شيئاً، ولا يذّم ذوّاقاً ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد، ولم يستقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، إذا أشار بكفّه أشار بكفه كلّها، وإذا تعجّب قلبها، وإذا تحدّث اتّصل بها فضرب براحته اليمنى باطن ابهامه اليُسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حبّ الغمام...".

واعتنى الإمام المجتبى بهذه السيرة المباركة أيّما اعتناء، فسأل أباه المرتضى الذي كان ربيب الرسول وتلميذه وصهره وأخاه وشريكه في حمل

__________

(١) الأشدق : البليغ المفوّه .

١٨٣

أعباء الرسالة، وهو الذي لازمه من قبل بعثته حتى رحلته، وطلب منه أن يصف له سيرة رسول الله فأجابه أمير المؤمنين إجابةً تتضمن منهاجاً كاملاً للإنسان المسلم الذي يريد الاقتداء بسيرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال الإمام عليّ صلوات الله عليه : "كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزء لله جل ثناؤه، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، ثمّ جزّأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة ولا يدّخر عنهم شيئاً، وكان من سيرته في جزء الأُمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسّمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأُمة من مسألتهم وأخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول : ليبلغ الشاهد الغائب، وابلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته، فإنّ من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغها إيّاه ثبّت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلاّ ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون رواداً ولا يفترقون إلاّ عن ذواق، ويخرجون أدلة .." .

قال الإمام الحسنعليه‌السلام : "فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه ؟ فقال : "كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخزن لسانه إلاّ ممّا يعينهم، ويؤلّفهم ولا يفرّقهم، أو قال : ينفرهم، ويكرم كريم كلّ قوم، ويوليه عليهم ويحذّر الناس، ويحترس منهم، من غير أن يطوى عن أحد بشره ولا خلقه، يتفقّد أصحابه، ويسأل عمّا في الناس، فيحسن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا لكلّ حال عنده عتاب، لا يقصّر عن الحقّ ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة ." .

قال الإمام الحسنعليه‌السلام : "فسألته عن مجلسه، فقال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجلس ولا يقوم إلاّ على ذكر الله ولا يوطن الأماكن، وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك ويعطي كلاًّ من جلسائه نصيبه، فلا يحسب جليسه أنّ أحداً أكرم عليه منه، من جالسه أو قارنه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلاّ بها أو بميسور من القول، وقد وسع الناس منه بسطه وخلقه فصار لهم أباً، وصاروا عنده في الحقّ سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع عنده الأصوات، ولا تؤبّن فيه الحرم، ولا تُثنى فلتاته، ترى جلاّسه متعادلين، يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب ." .

١٨٤

قال الإمام الحسنعليه‌السلام : "قلت له: كيف سيرته في جلسائه ؟ قالعليه‌السلام : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دائم السرور، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ ولا صخّاب ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مدّاح، يتغافل عمّا لا يشتهي، ولا يؤيس منه، ولا يجيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذمّ أحداً، ولا يعيّره ولا يطلب عثرته، ولا يتكلم إلاّ فيما رجا ثوابه، وإذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلّموا، ولا يتنازعون عنده، من تكلّم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك ممّا يضحكون منه، ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى أن كان أصحابه ليستجلبوا منهم ويقول : إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه، ولا يقبل الثناء إلاّ من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوّزه فيقطعه بنهي أو قيام .." .

قال الإمام الحسنعليه‌السلام : "كيف كان سكوته ؟ قالعليه‌السلام : كان سكوت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أربع : الحكم، والحذر، والتقدير، والتفكير .

فأمّا تقديره ففي تسويته للنظر بين الناس واستماعه منهم .

وأمّا تفكيره ففيما يبقى ويفنى .

وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يعصيه شيء ولا يستقرّه .

١٨٥

وجمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته، والقيام فيما جمع لهم الدنيا والآخرة ..."(١) .

٥ ـ في رحاب العقيدة :

١ ـ التوحيد : أمر الإمام عليّ المرتضىعليه‌السلام نجله المجتبىعليه‌السلام ليخطب الناس في مسجد الكوفة، فصعد المنبر، وقال :

"الحمد لله الواحد بغير تشبيه، والدائم بغير تكوين، القائم بغير كلفة، الخالق بغير منصبة، والموصوف بغير غاية، المعروف بغير محدود، العزيز، لم يزل قديماً في القدم، ردعت القلوب لهيبته، وذهلت العقول لعزّته، وخضعت الرقاب لقدرته، فليس يخطر على قلب بشر مبلغ جبروته، ولا يبلغ الناس كنه جلاله، ولا يفصح الواصفون منهم لكُنه عظمته، ولا تبلغه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكر بتدابير أمورها، أعلم خلقه به الذي بالحدّ لا يصفه، يُدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير "(٢) .

وجاء إليه رجل فقال له : يا بن رسول الله! صف لي ربّك كأنّي أُنظر إليه، فأطرق الحسن مليّاً ثم رفع رأسه فأجابه : "الحمد لله الذي لم يكن له أوّل معلوم ولا آخر متناه، ولا قبل مدرك ولا بعد محدود ولا أمد بحتّى، ولا شخص فيتجزّأ، ولا اختلاف صفة فيتناهى، فلا تدرك العقول وأوهامها، ولا الفكر وخطراتها، ولا الألباب وأذهانها، صفته فيقول : متى، ولا بدئ ممّا، ولا ظاهر على ما، ولا باطن فيما، ولا تارك فهلاّ، خلق الخلق فكان بديئاً بديعاً، ابتدأ ما ابتدع، وابتدع ما ابتدأ، وفعل ما أراد، وأراد ما استزاد،

__________

(١) راجع الموفقيات : ٣٥٤ ـ ٣٥٩، أنساب الأشراف : ١ / ٣٩٠ والمختصر في الشمائل المحمدية للترمذي : ٣٩.

(٢) بحار الأنوار : ٤٣ / ٣٥١ .

١٨٦

ذلك الله ربّ العالمين"(١) .

٢ ـ إبطال الجبر : رفع أهالي البصرة إليهعليه‌السلام رسالةً يطالبون منه رأيه في مسألة الجبر فأجابهمعليه‌السلام : " من لم يؤمن بالله وقضائه وقدره فقد كفر، ومن حمل ذنبه على ربّه فقد فجر، إنّ الله لا يُطاع استكراهاً ولا يُعصى لغلبة ; لأنّه المليك لما ملّكهم، والقادر على ما أقدرهم، فإن عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما فعلوا، فليس هو الذي أجبرهم على ذلك، فلو أجبر الله الخلق على الطاعة لأسقط عنهم الثواب، ولو أجبرهم على المعاصي لأسقط عنهم العقاب، ولو أهملهم لكان عجزاً في القدرة، ولكن فيهم المشيئة التي غيّبها عنهم، فإن عملوا بالطاعات كانت له المنّة عليهم، وإن عملوا بالمعصية كانت الحجّة عليهم"(٢) .

٣ ـ تفسير صفاته تعالى : وسأله رجل عن معنى الجواد فقال : "... وإن كنت تسأل عن الخالق فهو الجواد إن أعطى، وهو الجواد إن منع، لأنّه إن أعطى عبداً أعطاه ما ليس له، وإن منع منع ما ليس له"(٣) .

٦ ـ في رحاب ولاية أهل البيتعليهم‌السلام :

١ ـ قالعليه‌السلام مبيّناً لحقيقة الثقلين وموقع كلّ منهما من الآخر : "... واعلموا علماً يقيناً أنّكم لن تعرفوا التقى حتى تعرفوا صفة الهدى، ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتى تعرفوا الذي حرّفه، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلّف، ورأيتم الفرية على الله، ورأيتم كيف يهوى من يهوى، ولا يجهلنّكم الذين لا يعلمون، والتمسوا ذلك عند أهله فإنّهم خاصة نور

__________

(١) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣٣٥ ـ ٣٤٠ عن توحيد الصدوق .

(٢) رسائل جمهرة العرب : ٢ / ٢٥ .

(٣) مجمع البحرين : «مادة جود» .

١٨٧

يستضاء بهم وأئمة يقتدى بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل، وهم الذين أخبركم حلمهم عن علمهم، وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه، وقد خلت لهم من الله سابقة، ومضى فيهم من الله حكم :( ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) "(١) .

٢ ـ "أيّها الناس، اعقلوا عن ربّكم، إنّ الله عَزَّ وجَلَّ اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرّيةً بعضها من بعض والله سميع عليم، فنحن الذرّيّة من آدم والأسرة من نوح والصفوة من إبراهيم والسلالة من إسماعيل وآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نحن فيكم كالسماء المرفوعة والأرض المدحوّة والشمس الضاحية، وكالشجرة الزيتونة لا شرقية ولا غربية التي بورك زيتها، النبيّ أصلها وعليّ فرعها، ونحن والله ثمر تلك الشجرة، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، ومن تخلّف عنها فإلى النار هوى ..."(٢) .

٣ ـ وخطب قائلاً بعد حمد الله والثناء عليه : "إنّ الله لم يبعث نبيّاً إلاّ اختار له نفساً ورهطاً وبيتاً، فوالذي بعث محمّداً بالحقّ لا ينتقص من حقّنا أهل البيت أحد إلاّ نقصه الله من عمله مثله، ولا يكون علينا دولة إلاّ وتكون لنا العاقبة، (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) "(٣) .

٤ ـ وقالعليه‌السلام : "نحن حزب الله المفلحون، وعترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأقربون، وأهل بيته الطاهرون الطيّبون، وأحد الثقلين اللذين خلّفهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والثاني كتاب الله فأطيعونا فإطاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله والرسول وأولي الأمر مقرونة ..."(٤) .

__________

(١) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣٦٠ ، عن تحف العقول .

(٢) جلاء العيون : ١ / ٣٢٨ .

(٣) مروج الذهب : ٢ / ٣٠٦ .

(٤) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣٦٣ .

١٨٨

٥ ـ وخطبعليه‌السلام فتحدّث عن فلسفة التشريع وعن ارتباط الأحكام بولاية أهل البيت، ثمّ قال : "ولو لا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوصياؤه كنتم حيارى، لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تدخلون داراً إلاّ من بابها" .

وبعد أن استدلّعليه‌السلام على كمال الدين وإتمام النعمة وأشار إلى حقوق أولياء الله ودور أداء هذه الحقوق في سلامة الحياة ونمائها وأنّ البخيل هو من يبخل بالمودة بالقربى قال : "سمعت جدّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : خلقتُ أنا من نور الله، وخُلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبّوهم من نورهم، وسائر الناس من الناس"(١) .

٧ ـ البشارة بالإمام المهديّ المنتظرعليه‌السلام :

١ ـ قالعليه‌السلام بعد أن صالح معاوية ودخل عليه الناس ولامه بعضهم على بيعته : "... أما عَلِمتم أنّه ما مِّنا من أحد إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلاّ القائم الذي يصلّي روح الله عيسى بن مريم خلفه، فإنّ الله يخفي ولادته ويُغيِّب شخصه، لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من وُلد أخي الحسين، ابن سيّدة الإماء، يطيلُ الله عُمَره في غيبته ثم يُظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة "(٢) .

٢ ـ وروىعليه‌السلام حديثاً عن أبيهعليه‌السلام أخبره فيه عن ولاية بني أمية وبِدَعِهِم وفتكهم بأعدائهم حتى قال : "... حتى يبعث الله رجلاً في آخر الزمان وكَلَب من الدهر وجَهل من الناس، يؤيّده الله بملائكته، ويَعصِم أنصاره وينصُرُه بآياته، ويُظهره على أهل الأرض حتى يَدينوا طوعاً وكرهاً، يملؤها قسطاً وعدلاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عَرض البلاد وطولها، لا يبقى كافرٌ إلاّ آمن به، ولا طالح إلاّ صلح، وتصطلح في ملكه السباع، وتُخرِج الأرض نبتها، وتُنزل السماءُ بركتها، وتظهر له الكنوز، يملك ما بين الخافقين أربعين عاماً، فطوبى لمن أدرك أيّامه وسمع كلامه "(٣) .

__________

(١) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣٦٥ ، نقلاً عن ينابيع المودّة : ٣ / ١٥١ .

(٢) راجع معجم أحاديث الإمام المهديعليه‌السلام : ٣ / ١٦٥ لتقف على مصادر هذا الحديث .

(٣) معجم أحاديث الإمام المهدي : ٣ / ١٦٧ .

١٨٩

٨ ـ في رحاب الأخلاق والتربية :

عن جابر (رضي الله عنه) قال : سمعت الحسنعليه‌السلام يقول : "مكارم الأخلاق عشرة : صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء السائل، وحسن الخلق، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم، والتذمّم على الجار(١) ، ومعرفة الحقّ للصاحب، وقري الضيف، ورأسهنّ الحياء"(٢) .

وعرّف الإمام المجتبىعليه‌السلام مجموعة من ( مكارم الأخلاق ) في إجابته على أسئلة أبيه المرتضىعليه‌السلام نختار منها ما يلي :

١ ـ السداد : دفع المنكر بالمعروف .

٢ ـ الشرف : اصطناع العشيرة وحمل الجريرة ( موافقة الإخوان )(٣) .

٣ ـ المروءة : العفاف وإصلاح المرء ماله ( إصلاح الرجل أمر دينه، وحسن قيامه على ماله، وإفشاء السلام والتحبّب إلى الناس )(٤) .

٤ ـ السماحة : البذل في العسر واليسر .

٥ ـ الإخاء : الوفاء في الشدّة والرخاء .

٦ ـ الغنيمة : الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا .

٧ ـ الحلم : كظم الغيظ وملك النفس .

٨ ـ الغنى : رضى النفس بما قسم الله وإن قلّ، فإنّما الغنى غنى النفس .

٩ ـ المنعة : شدّة البأس ومقارعة أشد الناس .

__________

(١) أي : أخذه تحت حمايته .

(٢) راجع تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٠٦ .

(٣) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣٤٣ .

(٤) الجواب الثاني كان على سؤال معاوية ، راجع تاريخ اليعقوبي : ٢٠٢ .

١٩٠

١٠ ـ الصمت : ستر العيب وزين العرض، وفاعله في راحة، وجليسه آمن(١) .

١١ ـ المجد : أن تعطي في الغرم، وأن تعفو عن الجرم .

١٢ ـ العقل : حفظ القلب كلّ ما استرعيته (استوعيته) أو حفظ القلب لكلّ ما استتر فيه(٢) .

١٣ ـ الثناء : إتيان الجميل وترك القبيح .

١٤ ـ الحزم : طول الأناة والرفق بالولاة والاحتراس من الناس بسوء الناس.

١٥ ـ الكرم : العطيّة قبل السؤال والتبرع بالمعروف والإطعام في المحلّ(٣) .

١٦ ـ النجدة : الذبّ عن الجار والمحاماة في الكريهة والصبر عند الشدائد(٤) .

وأجاب الإمام بكل استرسال وعدم تكلّف على مجموعة أخرى من أسئلة أبيه فيما يخصّ (مساوئ الأخلاق) ونختار منها ما يلي :

١ ـ الدنيئة : النظر في اليسير ومنع الحقير .

٢ ـ اللؤم : احتراز المرء نفسه (ماله) وبذله عرسه (عرضه)(٥) .

٣ ـ الشحّ : أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً .

__________

(١) الإمام المجتبى ( حسن المصطفوي ) : ٢٤٥ عن مطالب السؤول .

(٢) راجع حياة الإمام الحسن : ١ / ٣٤٣ .

(٣) المصدر السابق : ١ / ٣٤٤ ـ ٣٤٥ .

(٤) المصدر السابق : ١ / ٣٤٤ ـ ٣٤٥ .

(٥) المصدر السابق : ١ / ٣٤١ وأجاب في نص آخر عن الذلّ واللؤم قائلاً : «من لا يغضب من الحقوة ولا يشكر على النعمة» .

١٩١

٤ ـ الجبن : الجرأة على الصديق والنكول عن العدوّ .

٥ ـ الفقر : شره النفس في كلّ شيء .

٦ ـ الجرأة : موافقة الأقران .

٧ ـ الكلفة : كلامك فيما لا يعنيك .

٨ ـ الخُرْق : معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك .

٩ ـ السفه : اتباع الدناة ومصاحبة الغواة .

١٠ ـ الغفلة : تركك المسجد وطاعتك المُفسِد .

١١ ـ الحرمان : تركك حظّك وقد عرض عليك(١) .

١٢ ـ شرّ الناس : من لا يعيش في عيشه أحد(٢) .

وتحدّث الإمام عن أصول الجرائم الأخلاقية وأمهات الرذائل قائلاً : هلاك الناس في ثلاث : الكبر، الحرص، الحسد الكبر : به هلاك الدين وبه لُعِن إبليس الحرص : عدو النفس وبه أُخرج آدم من الجنّة الحسد : رائد السوء وبه قتل هابيل قابيل(٣) .

٩ ـ في رحاب المواعظ الحكيمة :

١ ـ قالعليه‌السلام في تعريف التقوى والحثّ عليها : "إنّ الله لم يخلقكم عبثاً، وليس بتارككم سدىً، كتب آجالكم، وقسم بينكم معائشكم ليعرف كلُّ ذي منزلة منزلته، وإنّ ما قدّر له أصابه، وما صُرف عنه فلن يصيبه، قد كفاكم مؤونة الدنيا، وفرّغكم لعبادته،

__________

(١) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣٤١ ـ ٣٤٤ ، عن تاريخ ابن كثير : ٨ / ٣٩ .

(٢) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٠٢ .

(٣) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣٤٥، عن نور الأبصار : ١١٠ .

١٩٢

وحثّكم على الشكر، وافترض عليكم الذكر، وأوصاكم بالتقوى، وجعل التقوى منتهى رضاه، والتقوى بابُ كلِّ توبة ورأسُ كلِّ حكمة وشرفُ كلِّ عمل، بالتقوى فاز من فاز من المتقين، قال الله تبارك وتعالى :( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً ) وقال :( وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ من يتّقِ الله يجعل له مخرجاً من الفتن، ويسدّده في أمره، ويُهيّئ له رشده، ويُفلجه بحجّته، ويُبيّض وجهه، ويُعطهِ رغبته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أُولئك رفيقاً "(١) .

٢ ـ وجاءه رجل من الأثرياء فقال له : يابن رسول الله! إنّي أخاف من الموت، فقال لهعليه‌السلام : "ذاك لأنّك أخّرت مالك، ولو قدّمته لسرّك أن تلحق به"(٢) .

٣ ـ وقالعليه‌السلام عن طلب الرزق : "لا تجاهد الطلب جهاد الغالب، ولا تشكل على القدر إشكال المستسلم ; فإنّ ابتغاء الفضل من السُنّة، والإجمال في الطلب من العفة، وليست العفة بدافعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً، فإنّ الرزق مقسوم، واستعمال الحرص استعمال المآثم"(٣) .

٤ ـ وقال في الحثّ على الالتزام بالمساجد : "من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب ثمان خصال : آيةً محكمةً، وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمةً منتظرةً، وكلمةً تدل على هدىً، أو تردعه عن ردىً، وترك الذنوب حياءً، أو خشيةً"(٤) .

٥ ـ وحدّد السياسة تحديداً جامعاً ودقيقاً بقولهعليه‌السلام : "هي أن ترعى حقوق الله وحقوق الأحياء وحقوق الأموات .

__________

(١) تحف العقول : ٥٥ .

(٢) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٠٢ .

(٣) تحف العقول : ٥٥ .

(٤) عيون الاخبار لابن قتيبة : ٣ / ٣ .

١٩٣

فأمّا حقوق الله : فأداء ما طلب والاجتناب عمّا نهى وأمّا حقوق الأحياء : فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخّر عن خدمة أمتك، وأن تخلص لوليّ الأمر ما أخلص لاُمّته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا حاد عن الطريق السوي وأمّا حقوق الأموات : فهي أن تذكر خيراتهم، وتتغاضى عن مساوئهم، فإنّ لهم ربّاً يحاسبهم"(١) .

ومن قصار كلماته الحكيمة وغرر حكمه الثمينة :

١ ـ إنّ من طلب العبادة تزكّى لها .

٢ ـ المصائب مفاتيح الأجر .

٣ ـ النعمة محنة فإن شكرت كانت كنزاً وإن كفرت كانت نقمة .

٤ ـ أشدّ من المصيبة سوء الخُلق .

٥ ـ من تذكّر بُعد السفر اعتدّ .

٦ ـ العار أهون من النار .

٧ ـ خير المال ما وُقِيَ به العرض .

٨ ـ الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود .

٩ ـ المسؤول حرٌّ حتى يعد ومسترقٌّ بالوعد حتى ينجز .

١٠ ـ فضح الموتُ الدنيا، اجعل ما طلبت من الدنيا فلم تظفر به بمنزلة ما لم يخطر ببالك.

١١ ـ فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها .

__________

(١) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣٥١ .

١٩٤

١٠ ـ في رحاب الفقه وأحكام الشريعة :

١ ـ عن عاصم بن ضمرة قال : كنت أسير مع الحسن بن عليّ على شاطئ الفرات وذلك بعد العصر ونحن صيام وماء الفرات يجري على رضراض(١) والماء صاف ونحن عطاش، فقال الحسن بن عليعليهما‌السلام :"لو كان معي مئزر لدخلت الماء" قلت : إزاري أُعطيكه، قال :"فما تلبس أنت ؟" قلت : أدخل كما أنا، قال :"فذاك الذي أكره، إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّ للماء عوامر من الملائكة كعوامر البيوت استحيوهم وهابوهم وأكرموهم إذا دخلتم عليهم الماء فلا تدخلوا إلاّ بمئزر" (٢) .

٢ ـ وقال :"أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد وأن نتطيّب بأجود ما نجد، وأن نضحّي بأسمن ما نجد، البقرة عن سبعة والجزور عن عشرة، وأن نظهر التكبير وعلينا السكينة والوقار" (٣) .

٣ ـ وقال :"علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قنوت الوتر : ربّ أهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، إنّك تقضي ولا يُقضى عليك، إنّه لا يذل من واليت (تباركت ربّنا وتعاليت)" (٤) .

٤ ـ وقالعليه‌السلام :"إذا أضرّت النوافل بالفريضة فاتركوها" (٥) .

٥ ـ وقالعليه‌السلام :"لا طلاق إلاّ من بعد نكاح" (٦) .

__________

(١) رضراض : ما صغر من الحصى .

(٢) رجال إصبهان : ١ / ٣٣١ .

(٣) مستدرك الحاكم : ٤ / ٢٣٠ .

(٤) التهذيب لابن عساكر : ٤ / ١٩٩ .

(٥) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣٦٨ .

(٦) سنن البيهقي : ٧ / ٣٢٠ .

١٩٥

١١ ـ في رحاب أدعية الإمام المجتبىعليه‌السلام :

وللإمام الحسن بن عليّعليهما‌السلام أنواع من الأدعية والابتهالات تدلّ على مدى اتّصاله بالله ومدى تعلّقه به وانقطاعه إليه، واليك بعض نماذجها :

١ ـ كانعليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء الشريف في قنوته، وكان يبدو عليه الخضوع والخشوع أمام الله، وهذا نصه :

"يا من بسلطانه ينتصر المظلوم، وبعونه يعتصم المكلوم، سبقت مشيئتك، وتمّت كلمتك، وأنت على كلّ شيء قدير، وبما تمضيه خبير، يا حاضر كلّ غيب وعالم كلّ سر وملجأ كلّ مضطرّ، ضلّت فيك الفهوم، وتقطّعت دونك العلوم، أنت الله الحيّ القيوم، الدائم الديّوم، قد ترى ما أنت به عليم، وفيه حكيم، وعنه حليم، وأنت القادر على كشفه، والعون على كفّه غير ضائق، وإليك مرجع كلّ أمر، كما عن مشيئتك مصدره، وقد أبنت عن عقود كلّ قوم، وأخفيت سرائر آخرين، وأمضيت ما قضيت، وأخّرت ما لا فوت عليك فيه، وحملت العقول ما تحملت في غيبك، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة، وإنّك أنت السميع العليم، الأحد البصير، وأنت الله المستعان، وعليك التوكّل، وأنت ولىّ من تولّيت، لك الأمر كلّه، تشهد الانفعال، وتعلم الاختلال، وترى تخاذل أهل الخبال، وجنوحهم إلى ما جنحوا إليه من عاجل فان، وحطام عقباه حميم آن، وقعود من قعد، وارتداد من ارتد وخلوي من النصار وانفرادي عن الظهار، وبك اعتصم، وبحبلك استمسك، وعليك أتوكّل .

اللهمّ فقد تعلم أنّي ما ذخرت جهدي، ولا منعت وجدي، حتى انفلّ حدّي، وبقيت وحدي، فاتبعت طريق من تقدّمني في كفّ العادية وتسكين الطاغية عن دماء أهل المشايعة، وحرست ما حرسه أوليائي من أمر آخرتي ودنياي، فكنت ككظمهم أكظم، وبنظامهم أنتظم، ولطريقتهم أتسنّم، وبميسهم أتّسم حتى يأتي نصرك، وأنت ناصر الحقّ وعونه، وإن بعد المدى عن المرتاد، ونأى الوقت عن إفناء الأضداد، اللهمّ صلِ على محمّد

١٩٦

وآل محمّد، وامزجهم مع النصاب في سرمد العذاب، وأعم عن الرشد أبصارهم، وسكعهم في غمرات لذاتهم حتى تأخذهم البغتة وهم غافلون، وسحرة وهم نائمون، بالحقّ الذي تظهره، واليد ( التي ) تبطش بها، والعلم الذي تبديه، إنّك كريم عليم ..." (١) .

ويلمس في الفقرات الأخيرة من دعائه الآلام المرهقة التي كان يعانيها من الحكم الأُموي، وقد دعا الله أن يأخذ الأُمويين أخذ عزيز مقتدر على انتهاكهم لحرمته وحرمات رسوله .

٢ ـ وكان يدعو بهذا الدعاء على الظالمين له والمعتدين عليه، ويطلب من الله أن يكفيه شرّهم ويعلوه عليهم :

"اللهمّ يا من جعل بين البحرين حاجزاً وبرزخاً، وحجراً محجوراً، يا ذا القوة والسلطان، يا عليّ المكان، كيف أخاف وأنت أملي، وكيف أضام وعليك متكلي، فغطّني من أعدائك بسترك، وأظهرني على أعدائي بأمرك، وأيّدني بنصرك، إليك ألجأ ونحوك الملتجأ، فاجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً، يا كافي أهل الحرم من أصحاب الفيل، والمرسِل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجّيل، إرمِ من عاداني بالتنكيل .

اللهمّ إنّي أسألك الشفاء من كلّ داء، والنصر على الأعداء، والتوفيق لما تحبّ وترضى، يا إله السماء والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، بك استشفي، وبك استعفي، وعليك أتوكّل فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم"(٢) .

١٢ ـ في رحاب أدب الإمام المجتبىعليه‌السلام :

كتب الحسن البصري ـ وهو من أبرز الشخصيات المعاصرة للإمام ـ معرّفاً بأدب الإمامعليه‌السلام وثقافته :

__________

(١) مهج الدعوات : ٤٧ .

(٢) مهج الدعوات : ٢٩٧ .

١٩٧

"أمّا بعد، فإنّكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللّجج الغامرة والأعلام النيّرة الشاهرة أو كسفينة نوحعليه‌السلام التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون، كتبتُ إليك يا بن رسول الله عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الاستطاعة فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك، فإنّ مِن علم الله علمَكم وأنتم شهداء على الناس والله الشاهد عليكم( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١) .

كما تتجلّى لنا مقدرة الإمام الفنّيّة والبلاغيّة من خلال محاولة معاوية لأن يقاطع ذات يوم خطاب الإمامعليه‌السلام حتى لا يفتتن الجمهور ببلاغته بعد أن اقترح ابن العاص على معاوية أن يخطب الحسنعليه‌السلام ليظهر عدم مقدرته(٢) .

وقد أسهم الإمام الحسنعليه‌السلام في صياغة الخطب العسكرية في عهد أبيه وبعده، كما مرّ علينا، وقد لاحظنا إحكام البناء والتطعيم بالعنصر الإيقاعي والصوري بشكل واضح .

وتميّزت رسائل الإمام ومكاتباته بالاقتصاد اللغوي وبتكثيف عنصر ( الإشارة الدالّة ) أي العبارة المنطوية على شفرات دلالية، وهذا ما نجده مثلاً في رسالته إلى معاوية ورسالته إلى زياد بن أبيه، حيث لم تتجاوز كلٌّ منهما السطرين، فالأوّل ـ وهو معاوية ـ بعث رجلين يتجسّسان، فكتبعليه‌السلام :"أمّا بعد، فإنّك دسست الرجال كأنّك تحبّ اللقاء، لا أشكّ في ذلك، فتوقّعه إن شاء الله، وبلغني أنّك شَمَتَّ بما لم تشمت به ذوو الحجى" (٣) .

__________

(١) تحف العقول : ٢٣١ .

(٢) راجع حياة الإمام الحسن : ٢ / ٢٩٨ ـ ٣٠٠ .

(٣) الإرشاد للمفيد : ١٨٩ .

١٩٨

وأمّا الرسالة الأخرى فقد بعثها إلى زياد حيث نكّل بأحد المؤمنين، فطالبهعليه‌السلام بالكفّ عن ذلك، فردّ زياد برسالة إلى الحسنعليه‌السلام جاء فيها : "من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة : أمّا بعد، فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، وأنت طالب حاجة وأنا سلطان"(١) .

واضح أنّ هذه الرسالة من زياد تعبير عن إحساسه المَرَضيّ بعقدة الحقارة والنقص، فهو ينسب نفسه إلى أبي سفيان، وينسب الحسنعليه‌السلام إلى فاطمةعليها‌السلام ، إلاّ أنّ الحسنعليه‌السلام أجابه بسطرين، نحسب أنّهما مزّقاه كلّ التمزيق، حيث كتبعليه‌السلام : "من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سميّة، أمّا بعد، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الولد للفراش، وللعاهر الحجر"(٢) .

من أدبهعليه‌السلام المنظوم :

١ ـ قالعليه‌السلام في التذكير بالموت :

قل للمقيم بغير دار إقامةٍ

حان الرحيل فودع الأحبابا

إنّ الذين لقيتهم وصحبتهم

صاروا جميعاً في القبور ترابا

٢ ـ وقالعليه‌السلام في الزهد في الدنيا :

لكسرة من خسيس الخبز تشبعني

وشربة من قراح الماء تكفيني

وطمرة من رقيق الثوب تسترني

حياً وإن متّ تكفيني لتكفيني(٣)

__________

(١) جمهرة الرسائل : ٢ / ٣ .

(٢) المصدر نفسه : ٣٧ .

(٣) أعيان الشيعة : ٤ ق ١ .

١٩٩

٣ ـ ولهعليه‌السلام في السخاء :

إنّ السخاء على العباد فريضة

لله يقرأ في كتاب محكم

وعد العباد الأسخياء جنانه

وأعدّ للبخلاء نار جهنّمِ

من كان لا تندى يداه بنائلٍ

للراغبيل فليس ذاك بمسلم(١)

٤ ـ وبلغهعليه‌السلام سبّ ابن العاص له في مجلس معاوية، فقالعليه‌السلام :

أتأمر يا معاويَ عبد سهم

بشتمي والملا منّا شهودُ؟

إذا أخذت مجالسها قريش

فقد علمت قريش ما تريدُ

أأنت تظل تشتمني سفاهاً

لضغنٍ ما يزول وما يبيدُ؟

فهل لك من أب كأبي تسامى

به من قد تسامى أو تكيدُ؟

ولا جَدٌّ كجدي يا ابن حربٍ

رسول الله إن ذُكر الجدودُ

ولا أم كأمي في قريش

إذا ما حصّل الحسب التليدُ

فما مثلي تهكّم يا ابن حرب

ولا مثلي ينهنهه الوعيدُ

فمهلاً لا تهيّج بنا أموراً

يشيب لهولها الطفل الوليدُ(٢)

٥ ـ ولهعليه‌السلام في الاستغناء عن الناس :

أغنَ عن المخلوق بالخالقِ

تغنَ عن الكاذب والصادق

واسترزقِ الرحمن من فضله

فليس غير الله بالرازقِ

من ظنّ أن الناس يغنونه

فليس بالرحمن بالواثق

من ظنّ أنّ الرزق من كسبه

زلّت به النعلان من حالقِ(٣)

__________

(١) بحار الأنوار : ١٠ / ٩٥ .

(٢) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٢٦٠ .

(٣) نور الأبصار : ١٧٥ .

٢٠٠

201

202

203

204

205

206