اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)36%

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 206

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133347 / تحميل: 10020
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فاطمة، فالحسن والحسين نوران من نور ربّ العالمين"(١) .

ب ـ وقد قال معاوية لِجلسائه : من أكرم الناس أباً وأماً وجدّاً وجدّةً وعمّاً وعمّةً وخالاً وخالةً؟ فقالوا : أمير المؤمنين أعلم، فأخذ بيد الحسن بن علي وقال : هذا أبوه علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة ابنة محمد، وجدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجدّته خديجة، وعمّه جعفر، وعمّته هالة بنت أبي طالب، وخاله القاسم بن محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخالته زينب بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

ج ـ ولمعاوية اعتراف آخر أمام عمرو بن العاص ومروان بن الحكم وزياد بن أبيه بعد أن أكثروا الفخر، وأراد أن يرغم أنوفهم، فأحضر الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام ، ولمّا دحض مقالتهم التي أرادوا فيها تنقيص بني هاشم قال معاوية بعد أن خرج الإمام من عنده : أأُفاخر رجلاً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جدّه، وهو سيّد من مضى ومن بقي، وأمه فاطمة سيّدة نساء العالمين؟ ثم قال لهم : والله لئن سمع أهل الشام ذلك أنّه للسوءة السوداء ...(٣) .

د ـ ووفد مقدام إلى معاوية، فقال معاوية : أعلمت أنّ الحسن بن علي توفّي؟ فرجّع المقدام(٤) ، فقال له معاوية : أتراها مصيبة؟ فقال : ولِمَ لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله في حجره وقال : "هذا منِّي وحسين من عليّ رضي الله عنهما"(٥) .

هـ ـ وقال عبد الله بن عمر : أهل العراق يسألون عن الذباب يقتله المحرم، وقد قتلوا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :"هما ريحانتاي من الدنيا (٦) أو

__________

(١) نزهة المجالس : ٢ / ٢٠٦ .

(٢) العقد الفريد : ٣ / ٢٨٣ .

(٣) المحاسن والأضداد : ٩٠، طبعة مصر ١٣٢٤ هـ .

(٤) أي قال : إنا لله وإنا إليه راجعون .

(٥) مسند أحمد: ٤ / ١٣٢، طبعة مصر ١٣١٣ هـ .

(٦) صحيح البخاري: ٢ / ١٨٨ .

٢١

ريحانتاي من هذه الأمة"(١) .

و ـ وكان أبو هريرة يقول : ما رأيت الحسن إلاّ فاضت عيناي، وذلك أني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل فمه في فمه ثم يقول :"اللهم إنّي أحبه فأحبّه وأحبّ من يحبّه" يقولها ثلاث مرّات(٢) ، وقال : لا أزال أحب هذا الرجل ـ يعني الحسن ـ بعد ما رأيت رسول الله يصنع به ما يصنع(٣) .

ز ـ وحينما بادر ألدّ أعدائه ـ مروان بن الحكم ـ إلى حمل جثمانه الطاهر واستغرب منه الحسينعليه‌السلام قائلاً له :أتحمل جثمانه وكنت تجرّعه الغصص؟! قال مروان : كنت أفعل ذلك بمن كان يوازي حلمه الجبال(٤) .

ح ـ وقال عنه أبو الأسود الدؤلي : وإنّه لهو المهذّب، قد أصبح من صريح العرب في غرّ لبابها وكريم محتدها وطيب عنصرها(٥) .

ط ـ وقال عمرو بن إسحاق : ما تكلّم أحد أحبّ إليّ أن لا يسكت من الحسن بن علي وما سمعت منه كلمة فحش قطّ(٦) .

ي ـ وقال عبد الله بن الزبير : والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن عليعليه‌السلام في هيبته وسموِّ منزلته(٧) .

ك ـ وعندما وقف أخوه محمد بن الحنفية على قبره ليؤبّنه قال : لئن عزّت حياتك فقد هدّت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمّنه كفنك، ولنعم

__________

(١) سنن الترمذي : ٥٣٩ .

(٢) مختصر تأريخ دمشق لابن عساكر : ٧ / ١٠، طبعة دار الفكر ١٤٠٥ هـ .

(٣) نور الأبصار : ١٧١ .

(٤) تهذيب التهذيب : ٢ / ٢٩٨ .

(٥) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٢٤٧ .

(٦) بحار الأنوار: ٤٣ / ٣٥٨ .

(٧) البداية والنهاية : ٨ / ٣٧ .

٢٢

الكفن كفن تضمّن بدنك، وكيف لا تكون هكذا وأنت عقبة الهدى وخلف أهل التقوى وخامس أصحاب الكساء ؟! غذّتك بالتقوى أكفّ الحق، وأرضعتك ثدي الإيمان، ورُبّيت في حجر الإسلام، فطبت حيّاً وميّتاً، وإن كانت أنفسنا غير سخيّة بفراقك، رحمك الله أبا محمد(١) .

ل ـ وأخوه أبو عبد الله الحسين بن عليعليه‌السلام قائلاً : "رحمك الله يا أبا محمد، إن كنت لتباصر الحق مظانّه، وتؤثر الله عند التداحض في مواطن التقية بحسن الرويّة، وتستشفّ جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عليها يداً طاهرة الأطراف، نقيّة الأسرّة، وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤونة عليك، ولا غَرْوَ فأنت ابن سلالة النبوّة، ورضيع لبان الحكمة، فإلى رَوْح وريحان وجنّةِ نعيم، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم حُسن الأسى عنه"(٢) .

٤ ـ مكانتهعليه‌السلام لدى العلماء والمؤرّخين :

أ ـ قال الحافظ أبو نعيم الإصبهاني ـ وهو من أعلام القرن الخامس ـ عن الإمام الحسن المجتبى : سيّد الشباب، والمصلح بين الأقارب والأحباب، شبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحبيبه، سليل الهدى، وحليف أهل التقى، خامس أهل الكساء، وابن سيّدة النساء، الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما(٣) .

ب ـ وقال ابن عبد البر عنه : لا أسود ممّن سمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّداً، وكان رحمة الله عليه حليماً ورعاً فاضلاً، دعاه ورعه وفضله إلى أن ترك الملك والدنيا رغبةً فيما عند الله، وقال : والله ما أحببت منذ علمت ما ينفعني وما

__________

(١) مروج الذهب : ٣ / ٧ .

(٢) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٤٤٠ .

(٣) أخبار إصبهان : ١ / ٤٤، طبعة ليدن سنة ١٩٣١ .

٢٣

يضرّني أن إلى أمر أُمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن يهراق في ذلك محجمة دم(١) .

و ـ وقال الحافظ ابن كثير الدمشقي عنه : وقد كان الصدّيق يجلّه ويعظّمه ويكرمه ويحبّه ويتفدّاه وكذلك ابن الخطاب، وكان ابن عباس يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا ويرى هذا من النعم عليه، وكانا إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطّمونها مما يزدحمون عليهما للسلام عليهما(٢) .

د ـ وقال الحافظ ابن عساكر الشافعي عنه : هو سبط رسول الله وريحانته وأحد سيِّدَيْ شباب أهل الجنة ...(٣) .

هـ ـ وقال الحافظ السيوطي : سبط رسول الله وريحانته وآخر الخلفاء بنصّه وهو خامس أهل الكساء ...(٤) .

و ـ وعن محمد بن إسحاق: أنه ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله ما بلغ الحسن(٥) ، كان يبسط له على باب داره، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما يمرّ أحد من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فمرّ الناس، ولقد رأيته في طريق مكة ماشياً فما من خلق الله أحد رآه إلاّ نزل ومشى، وحتى رأيت سعد بن أبي وقّاص يمشي(٦) .

ز ـ وقال محمد بن طلحة الشافعي عنه : كان الله قد رزقه الفطرة الثاقبة في إيضاح مراشد ما يعانيه، ومنحه النظرة الصائبة لإصلاح قواعد الدين ومبانيه،

__________

(١) الاستيعاب : ١ / ٣٨٥، طبعة مصر ١٣٨٠ إنّ الملك والحكم إذا كان لإقامة حكم الله في الأرض فلا يكون تركه زهداً وورعاً، وإنما تنازل الإمام عن الملك لأنّ مسؤولية الإمام الشرعية كانت تتطلب ذلك في تلك الظروف .

(٢) البداية والنهاية: ٨ / ٣٧ طبعة مصر ـ ١٣٥ .

(٣) مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ٥ .

(٤) تاريخ الخلفاء : ٧٣ .

(٥) راجع المناقب لابن شهرآشوب: ٢ / ١٤٨ .

(٦) الحسن المجتبى : ١٣٩ نقلاً عن المناقب : ٢ / ١٤٨ .

٢٤

وخصّه التي درّت لها أخلاق مادتها بصور العلم ومعانيه(١) .

ح ـ وقال سبط ابن الجوزي عنه : كان من كبار الأجواد، وله الخاطر الوقّاد، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّه حبّاً شديداً(٢) .

ط ـ وقال عنه ابن الأثير : وهو سيّد شباب أهل الجنة، وريحانة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشبيهه، سمّاه النبيّ الحسن وهو خامس أهل الكساء(٣) .

__________

(١) مطالب السؤول : ٦٥ .

(٢) تذكرة الخواص : ١١١ .

(٣) أسد الغابة : ٢ / ٩ .

٢٥

الفصل الثالث: من فضائل الإمام المجتبىعليه‌السلام ومظاهر شخصيته

عبادتهعليه‌السلام :

أ ـ روى المفضّل عن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عن أبيه عن جدّه :"أنّ الحسن بن علي بن أبي طالب كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً، وربّما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله ـ تعالى ذكره ـ شهق شهقةً يغشى عليه منها .

وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عَزَّ وجَلَّ، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم (١) وسأل الله الجنّة وتعوّذ به من النار، وكان لا يقرأ من كتاب الله عَزَّ وجَلَّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلاّ قال : لبيّك اللهمّ لبيّك، ولم يُرَ في شيء من أحواله إلاّ ذاكراً لله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجةً وأفصحهم منطقاً ..." (٢) .

ب ـ وكانعليه‌السلام إذا توضّأ; ارتعدت مفاصله واصفرّ لونه، فقيل له في ذلك فقال :"حقٌ على كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله" .

ج ـ وكان إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول :"ضيفك ببابك، يا محسن

__________

(١) اضطراب السليم من لسعة العقرب .

(٢) راجع الأمالي للصدوق : ١٥٠، وبحار الأنوار : ٤٣ / ٣٣١ .

٢٦

قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم" (١) .

د ـ وكان إذا فرغ من الفجر لم يتكلّم حتى تطلع الشمس وإن زحزح(٢) .

هـ ـ وعن الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام :"أنّ الحسن عليه‌السلام قال : إنّي لأستحي من ربّي أن ألقاه ولم أمشِ إلى بيته، فمشى عشرين مرّة من المدينة على رجليه" (٣) .

و ـ وعن علي بن جذعان : أنّ الحسن بن عليعليه‌السلام خرج من ماله مرتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرّات، حتى أن كان ليعطي نعلاً، ويمسك نعلاً ويعطي خفّاً ويمسك خفّاً(٤) .

وللإمام المجتبىعليه‌السلام أدعية شتّى رُويت عنه، وهي تتضمّن مجموعةً من المعارف والآداب، كما تحمل أدب التقديس لله تعالى والخضوع له والتذلّل بين يديه، ونشير إلى نموذج منها :

قالعليه‌السلام :"اللهمّ إنّك الخَلَفُ من جميع خَلقِك، وليس في خلقِكَ خَلَفٌ مثلُكَ، إلهِي من أحسنَ فبرحمتكَ، ومن أساء فبخطيئته، فلا الذي أحسنَ استغنى عن رَدفك ومعونتك، ولا الذي أساء استبدل بك وخرج من قدرتك، الهي بك عرفتك، وبك اهتديتُ إلى أمرك، ولو لا أنتَ لم أدرِ ما أنتَ، فيا من هو هكذا ولا هكذا غيره صلّ على محمد وآل محمد، وارزقني الإخلاص في عملي والسعة في رزقي، اللهمّ اجعل خير عملي آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيّامي يوم ألقاك، إلهي أطعتك ولك المنّة عليَّ في أحبّ الأشياء إليك : الإيمان بك والتصديق برسولك، ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك: الشرك بك

__________

(١) المناقب : ٣ / ١٨٠، والبحار : ٤٣ / ٣٣٩ .

(٢) بحار الأنوار: ٤٣ / ٣٣٩، وأخبار إصبهان : ١ / ٤٤ .

(٣) المناقب : ٣ / ١٨٠، وبحار الأنوار : ٤٣ / ٣٣٩ .

(٤) المصدر السابق .

٢٧

والتكذيب برسولك، فاغفر لي ما بينهما يا أرحم الراحمين"(١) .

وعن ابن كثير : أنّ الحسن كان يقرأ كلّ ليلة سورة الكهف في لوح مكتوب، يدور معه حيث دار من بيوت أزواجه قبل أن ينام وهو في الفراش(٢) .

لقد تغذّى الإمام الحسنعليه‌السلام بلباب المعرفة وبجوهر الإيمان وبواقع الدين، وانطبعت مُثُلُه في دخائل نفسه وأعماق ذاته، فكان من أشدّ الناس إيماناً، ومن أكثرهم إخلاصاً وطاعةً لله(٣) .

حلمه وعفوه :

لقد عُرف الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام بعظيم حلمه، وأدلّ دليل على ذلك هو تحمّله لتوابع صلحه مع معاوية الذي نازع علياً حقّه وتسلّق من خلال ذلك إلى منصب الحكم بالباطل، وتحمّلعليه‌السلام بعد الصلح أشد أنواع التأنيب من خيرة أصحابه، فكان يواجههم بعفوه وأناته، ويتحمّل منهم أنواع الجفاء في ذات الله صابراً محتسباً .

وروي أنّ مروان بن الحكم خطب يوماً فذكر علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فنال منه والحسن بن عليعليهما‌السلام جالس، فبلغ ذلك الحسينعليه‌السلام فجاء إلى مروان فقال : يا ابن الزرقاء! أنت الواقع في عليّ؟!، ثم دخل على الحسنعليه‌السلام فقال : تسمع هذا يسبّ أباك ولا تقول له شيئاً؟!، فقال : وما عسيتُ أن أقول لرجل مسلّط يقول ما شاء ويفعل ما يشاء .

__________

(١) مهج الدعوات : ١٤٤ .

(٢) راجع البداية والنهاية : ٨ / ٤٢، طبعة دار إحياء التراث العربي ١٤٠٨ هـ .

(٣) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣٢٦ .

٢٨

وذُكر أنّ مروان بن الحكم شتم الحسن بن عليعليه‌السلام ، فلمّا فرغ قال الحسن :إنّي والله لا أمحو عنك شيئاً، ولكن مهّدك الله، فلئن كنت صادقاً فجزاك الله بصدقك، ولئن كنت كاذباً فجزاك الله بكذبك، والله أشدّ نقمةً منِّي .

وروي أنّ غلاماً لهعليه‌السلام جنى جنايةً توجب العقاب، فأمر به أن يُضرب، فقال : يا مولاي ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) ، قال :عفوت عنك ، قال : يا مولاي( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ، قال :أنت حرٌ لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك (١) .

وروى المبرّد وابن عائشة: أنّ شاميّاً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يردّ، فلما فرغ أقبل الحسنعليه‌السلام فسلّم عليه وضحك، فقال :"أيها الشيخ! أظنّك غريباً؟ ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسَوْناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً" .

فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال : أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، والله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ ... (٢) .

كرمه وجوده :

إنّ السخاء الحقيقي هو بذل الخير بداعي الخير، وبذل الإحسان بداعي

__________

(١) بحار الأنوار : ٤٣ / ٣٥٢ .

(٢) العوالم (الإمام الحسن) : ١٢١ نقلاً عن المناقب : ٣ / ١٨٤ .

٢٩

الإحسان، وقد تجلّت هذه الصفة الرفيعة بأجلى مظاهرها وأسمى معانيها في الإمام أبي محمد الحسن المجتبىعليه‌السلام حتى لُقّب بكريم أهل البيت .

فقد كان لا يعرف للمال قيمةً سوى ما يردّ به جوع جائع، أو يكسو به عارياً، أو يغيث به ملهوفاً، أو يفي به دين غارم، وقد كانت له جفان واسعة أعدّها للضيوف، ويقال: إنّه ما قال لسائل "لا" قَطّ.

وقيل له : لأي شيء لا نراك تردّ سائلاً ؟ فأجاب :"إنّي لله سائل وفيه راغب، وأنا أستحي أن أكون سائلاً وأردّ سائلاً، وإنّ الله عوّدني عادةً أن يفيض نعمه عليَّ، وعوّدته أن أفيض نعمه على الناس، فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة" (١) .

واجتازعليه‌السلام يوماً على غلام أسود بين يديه رغيف يأكل منه لقمة ويدفع لكلب كان عنده لقمة أخرى، فقال له الإمام :ما حملك على ذلك؟ فقال الغلام : إنّي لأستحي أن آكل ولا أطعمه .

وهنا رأى الإمام فيه خصلة حميدة، فأحبّ أن يجازيه على جميل صنعه، فقال له :لا تبرح من مكانك ، ثم انطلق فاشتراه من مولاه، واشترى الحائط (البستان) الذي هو فيه، وأعتقه وملّكه إيّاه(٢) .

وروي أنّ جارية حيّته بطاقة من ريحان، فقالعليه‌السلام لها :أنت حرّة لوجه الله ، فلامه أنس على ذلك، فأجابهعليه‌السلام :"أدّبنا الله فقال تعالى : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا ) (٣) وكان أحسن منها إعتاقها" (٤) .

ومن مكارم أخلاقه أنّه ما اشترى من أحد حائطاً ثمّ افتقر البائع إلاّ ردّه عليه وأردفه بالثمن معه .

__________

(١) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣١٦ ـ ٣١٧ عن أنساب الأشراف: ١ / ٣١٩، والطبقات الكبرى: ١ / ٢٣ .

(٢) راجع البداية والنهاية : ٨ / ٣٨ .

(٣) النساء (٤) : ٨٦ .

(٤) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٣، وحياة الإمام الحسن : ١ / ٣٢٢ عن الخوارزمي.

٣٠

وجاءه فقير يشكو حاله ولم يكن عنده شيء في ذلك اليوم فعزّ عليه الأمر واستحى من ردّه، فقالعليه‌السلام له :إنّي أدلّك على شيء يحصل لك منه الخير، فقال الفقير: يا ابن رسول الله ما هو؟ قالعليه‌السلام :اذهب إلى الخليفة، فإنّ ابنته قد توفيت وانقطع عليها، وما سمع من أحد تعزيةً بليغة، فعزّه بهذه الكلمات يحصل لك منه الخير ، قال: يا ابن رسول الله حفّظني إيّاها، قالعليه‌السلام : قل له :"الحمد لله الذي سترها بجلوسك على قبرها، ولم يهتكها بجلوسها على قبرك" ، وحفظ الفقير هذه الكلمات وجاء إلى الخليفة فعزّاه بها، فذهب عنه حزنه وأمر له بجائزة، ثم قال له : أكلامك هذا؟ فقال : لا، وإنّما هو كلام الإمام الحسن، قال الخليفة : صدقت فإنّه معدن الكلام الفصيح، وأمر له بجائزة أخرى(١) .

لقد كانعليه‌السلام يمنح الفقراء برّه قبل أن يبوحوا بحوائجهم ويذكروا مديحهم، لئلا يظهر عليهم ذلّ السؤال(٢) .

تواضعه وزهده :

إنّ التواضع دليل على كمال النفس وسموّها وشرفها، والتواضع لا يزيد العبد إلاّ رفعةً وعظمةً، وقد حذا الإمام الحسنعليه‌السلام حذو جدّه وأبيه في أخلاقه الكريمة، وقد أثبت التاريخ بوادر كثيرة تشير إلى سموّ الإمام في هذا الخلق الرفيع، نشير إلى شيء منها :

أ ـ اجتاز الإمام على جماعة من الفقراء قد وضعوا على الأرض كسيرات وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها، فقالوا له: هلمّ يابن بنت رسول الله إلى الغذاء، فنزلعليه‌السلام وقال :"إنّ الله لا يحبّ المستكبرين" ، وجعل يأكل معهم حتى اكتفوا

__________

(١) نور الأبصار : ١٣٥ ـ ١٣٦ .

(٢) المصدر السابق : ٣٢٥، وحياة الإمام الحسن: ١ / ٣٢٥ .

٣١

والزاد على حاله ببركته، ثم دعاهم إلى ضيافته وأطعمهم وكساهم(١) .

ب ـ ومرّعليه‌السلام على صبيان يتناولون الطعام، فدعوه لمشاركتهم فأجابهم إلى ذلك، ثم حملهم إلى منزله فمنحهم برّه ومعروفه، وقال :"اليد لهم لأنّهم لم يجدوا غير ما أطعموني، ونحن نجد ما أعطيناهم" (٢) .

ورفض الإمام جميع ملاذّ الحياة ومباهجها متّجهاً إلى الدار الآخرة التي أعدّها الله للمتّقين من عباده، فمن أهمّ مظاهر زهده : زهده في الملك طلباً لمرضاة الله، ويتجلّى ذلك إذا لاحظنا مدى حرص معاوية على الملك واستعماله لكلّ الأساليب اللاأخلاقية للوصول إلى السلطة، بينما نجد الإمام الحسنعليه‌السلام يتنازل عن الملك حينما لا يراه يحقّق شيئاً سوى إراقة دماء المسلمين.

ومن جملة مظاهر زهده أيضاً: ما حدّث به مدرك بن زياد أنّه قال : كنّا في حيطان ابن عباس، فجاء ابن عبّاس وحسن وحسين فطافوا في تلك البساتين ثم جلسوا على ضفاف بعض السواقي، فقال الحسن :يا مدرك! هل عندك غذاء؟ فقلت له : نعم، ثم انطلقت فجئته بخبز وشيء من الملح مع طاقتين من بقل، فأكل منه، وقال :يا مدرك! ما أطيب هذا؟ ، وجيء بعد ذلك بالطعام وكان في منتهى الحُسن، فالتفتعليه‌السلام إلى مدرك وأمره بأن يجمع الغلمان ويقدّم لهم الطعام، فدعاهم مدرك فأكلوا منه ولم يأكل الإمام منه شيئاً، فقال له مدرك : لماذا لا تأكل منه؟ فقالعليه‌السلام :"إنّ ذاك الطعام أحبّ عندي" (٣) .

__________

(١) عوالم العلوم (الإمام الحسن) : ١٢٣ عن المناقب : ٣ / ١٨٧ .

(٢) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣١٣ عن الصبان على هامش نور الأبصار : ١٩٦ .

(٣) مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ٢١، طبعة دار الفكر .

٣٢

الباب الثاني:

فيه فصول:

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام المجتبىعليه‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام المجتبىعليه‌السلام في ظل جده وأبيهعليهم‌السلام .

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام

تاريخ ولادته :

أصحّ ما قيل في ولادته أُنه ولد بالمدينة في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وكان والدهعليه‌السلام قد بنى بالزهراء فاطمةعليها‌السلام وتزوّجها في ذي الحجة من السنة الثانية، وكان الحسن المجتبىعليه‌السلام أوّل أولادها(١) .

كيفية ولادته :

عن جابر : لمّا حملت فاطمةعليها‌السلام بالحسن فولدت كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمرهم أن يلفّوه في خرقة بيضاء، فلفّوه في صفراء، وقالت فاطمةعليها‌السلام :يا علي سمّه ، فقال :ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذه وقبّله، وأدخل لسانه في فمه، فجعل الحسنعليه‌السلام يمصّه، ثم قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ألم أتقدّم إليكم أن لا تلفّوه في خرقة صفراء ؟! فدعاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخرقة بيضاء فلفّه فيها ورمى الصفراء، وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثم قال لعليعليه‌السلام :ما سمّيته؟ قال :ما كنت لأسبقك باسمه ، فقال رسول

__________

(١) راجع كشف الغمة : ١ / ٥١٤، والبحار : ٤٤ / ١٣٦، والعوالم (الإمام الحسن) : ١٣ .

٣٣

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنت لأسبق ربّي باسمه، قال : فأوحى الله عزّ ذكره إلى جبرئيلعليه‌السلام : أنّه قد ولد لمحمد ابن، فاهبط إليه فاقرأه السلام وهنّئه منيّ ومنك، وقل له : إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل على النبي وهنّأه من الله عَزَّ وجَلَّ ومنه، ثم قال له : إنّ الله عَزَّ وجَلَّ يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون، قال : وما كان اسمه؟ قال : شبّر، قال : لساني عربي، قال : سمّه الحسن، فسمّاه الحسن(١) .

وعن جابر عن النبي: أنّه سمّى الحسن حسناً لأنّ بإحسان الله قامت السماوات والأرضون(٢) .

سنن الولادة :

وعقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده عن الحسن بكبش في اليوم السابع من ولادته، وقال : "بسم الله، عقيقة عن الحسن، اللهمّ عظمها بعظمه ولحمها بلحمه ودمها بدمه وشعرها بشعره، اللهمّ اجعلها وقاءً لمحمد وآله"، وأعطى القابلة شيئاً، وقيل: رجل شاة، وأهدوا منها إلى الجيران، وحلق رأسه ووزن شعره فتصدّق بوزنه فضة ورقاً(٣) .

رضاعه :

وجاء عن أم الفضل زوجة العباس ـ عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أنّها قالت : قلت : يا رسول الله! رأيت في المنام كأنَّ عضواً من أعضائك في حجري،

__________

(١) راجع معاني الأخبار : ٥٧ وعلل الشرائع : ١٣٨ وبحار الأنوار : ٤٣ / ٢٤٠ الحديث ٨ .

(٢) المناقب : ٣ / ١٦٦ .

(٣) العوالم : ٢٠ ـ ٢٢ نقلاً عن الكافي : ٦ / ٣٣ وعن عيون أخبار الرضا : ٢ / ٤٥ أنّ الزهراء أعطت القابلة رِجل شاة وديناراً .

٣٤

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خيراً رأيتِ، تلد فاطمة غلاماً فتكفلينه، فوضعت فاطمة الحسنعليه‌السلام فدفعه إليها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرضعته بلبن قُثَم بن العبّاس(١) .

كنيته وألقابه :

أما كنيته فهي : "أبو محمّد" لا غير .

وأما ألقابه فكثيرة، وهي : التقيّ والطيّب والزكيّ والسيّد والسبط والوليّ، كلّ ذلك كان يقال له ويطلق عليه، وأكثر هذه الألقاب شهرة "التقيّ" لكن أعلاها رتبة وأولاها به ما لقّبه به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث وصفه به وخصّه بأن جعله نعتاً له، فإنّه صحّ النقل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أورده الأئمة الأثبات والرواة الثقات أنّه قال : "إبني هذا سيّد"، فيكون أُولى ألقابه "السيّد".

نقش خاتمه :

عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام : ثم كان في خاتم الحسن والحسينعليهما‌السلام : "حسبي الله".

وعن الرضاعليه‌السلام : كان نقش خاتم الحسنعليه‌السلام "العزّة لله"(٢) .

حليته وشمائله :

عن جحيفة أنّه قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان الحسن بن علي يشبهه.

وعن أنس أنّه قال : لم يكن أحد أشبه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحسن بن

__________

(١) العوالم : ٢٣ عن البحار : ٤٣ / ٢٤٢ و ٢٥٥، والعدد القوية (مخطوط) : ٥، وكشف الغمّة : ١ / ٥٢٣ .

(٢) راجع الكافي : ٦ / ٤٧٣ و٤٧٤، والبحار : ٤٣ / ٢٥٨، والعوالم : ٢٩ .

٣٥

عليعليه‌السلام (١) .

ومن هنا وُصِف الإمام الحسن بن علي بأنه كان أبيض مشرّباً حمرةً، أدعج العينين(٢) ، سهل الخدّين، دقيق المسرُبَةِ(٣) ، كثّ اللحية، ذا وفرة(٤) كأنّ عنقه إبريق فضّة، عظيم الكراديس(٥) ، بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطويل ولا القصير، مليحاً، من أحسن الناس وجهاً، وكان يخضب بالسواد، وكان جعد الشعر(٦) ، حسن البدن(٧) .

لقد كان الحسن بن عليّعليهما‌السلام خير الناس أباً وأُمّاً وجدّاً وجدّة وعمّاً وعمّة وخالاً وخالةً، وتوفّرت له جميع عناصر التربية المثلى، وانطبعت حياته منذ ولادته ببصمات الوحي الإلهي والإعداد الربّاني على يدي خاتم الأنبياء وسيّد الأوصياء وسيدة النساء .

فالحسن ابن رسول الله جسماً ومعنىً، وتلميذه الفذّ، وربيب مدرسة الوحي التي شعّت على الناس هدىً ورحمة .

__________

(١) راجع كشف الغمة : ١ / ٥٢٢، والمناقب : ٣ / ١٦٥ نقلاً عن صحيح الترمذي .

(٢) شديدتي السواد مع سعتهما .

(٣) الشعر وسط الصدر إلى البطن .

(٤) الشعر إلى شحمة الأذن .

(٥) رؤوس المفاصل .

(٦) ضد السبط والاسترسال .

(٧) راجع كشف الغمة : ١ / ٥٢٥ والعوالم : ٣٠ .

٣٦

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام

تولّى الإمام الحسن السبطعليه‌السلام منصب الإمامة والقيادة بعد استشهاد أبيه المرتضىعليه‌السلام في الواحد والعشرين من رمضان سنة ٤٠ هجرية وهو في السابعة والثلاثين من عمره المبارك وقد عاش خلال هذه المرحلة مع جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يزيد على سبع سنوات ومع أبيه المرتضىعليه‌السلام فترة إمامته البالغة ثلاثين سنة تقريباً. وعاصر خلالها كلاًّ من الخلفاء الثلاثة وشارك بشكل فاعل في إدارة دولة أمير المؤمنين على بن أبي طالبعليه‌السلام .

واستمر بعد أبيه يحمل مشعل القيادة الربّانية حتى الثامن والعشرين أو السابع من شهر صفر سنة ٥٠ هجرية، وله يومئذ ثمان وأربعون سنة(١) .

إذن تنقسم حياة هذا الإمام العظيم إلى شطرين أساسيين:

الشطر الأول: حياته قبل إمامتهعليه‌السلام وينقسم هذا الشطر إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأُولى: حياته في عهد جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________

(١) الإرشاد : ١ / ١٥.

٣٧

المرحلة الثانية: حياته في عهد أبي بكر وعمر وعثمان.

المرحلة الثالثة: حياته في دولة أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام

الشطر الثاني: حياته بعد استشهاد أبيهعليه‌السلام وهو عصر إمامتهعليه‌السلام . وينقسم هذا الشطر إلى مرحلتين متميزتين:

المرحلة الأُولى: وتبدأ من البيعة له بالخلافة حتى الصلح.

المرحلة الثانية: وهي مرحلة ما بعد الصلح حتى استشهادهعليه‌السلام .

ونحن نبحث المراحل الثلاث الأُولى في الفصل الثاني من الباب الثاني، ونفرد البحث عن الشطر الثاني بباب مستقل، بعد أن نسلّط الأضواء الكافية على طبيعة عصر الإمامعليه‌السلام ومميزاته وخصائصه; لنخرج برؤي موضوعية ومنطقية عن سلامة مواقف الإمامعليه‌السلام سواء قبل الصلح وبعده، ولنري ما حقّقه هذا الإمام الهمام والشجاع الصابر، ونلاحظ كيف استطاع أن يؤدي دوره الكبير في أخطر مرحلة من مراحل تأريخنا الإسلامي بمواقفه الرسالية ومنطلقاته المبدئية، وكيف استطاع أن يصل إلى الأهداف الرسالية التي جعلها الله تعالى على عاتقه كإمام معصوم يراد منه تحقيق أهداف الرسالة الإسلامية الكبرى .

٣٨

الفصل الثالث: الإمام المجتبىعليه‌السلام في ظلّ جده وأبيهعليهم‌السلام

الإمام الحسنعليه‌السلام في عهد الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ولد الإمام الحسنعليه‌السلام في حياة جدّه الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاش في كنفه سبع سنوات وستّة أشهر من عمره الشريف، وكانت تلك السنوات على قلّتها كافية لأن تجعل منه الصورة المصغّرة عن شخصية الرسول حتى ليصبح جديراً بذلك الوسام العظيم الذي حباه به جدّه، حينما قال له :"أشبهت خلقي وخلقي" (١).

والرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي تحمّل مسؤولية هداية ورعاية الأُمة، ومسؤولية تبليغ الرسالة وتطبيقها وحماية مستقبلها وذلك بوضع الضمانات التي لا بدّ منها في هذا المجال، وهو المطّلع ـ عن طريق الوحي ـ على ما ينتظر هذا الوليد الجديد من دور قيادي هامّ، والمأمور بالإعداد لهذا الدور، وذلك ببناء شخصية هذا الوليد بناءً فذّاً يتناسب مع المهام الجسام التي تؤهله للاضطلاع بها على صعيد هداية الأُمة وقيادتها .

__________

(١) حياة الإمام الحسن: ١ / ٦٧، وسيرة الأئمة الإثني عشر للحسني: ١ / ٥١٣، وصلح الإمام الحسن لفضل الله ـ ١٥ عن الغزالي في إحياء العلوم وحول شبهه عليه‌السلام بجدّه راجع : تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٢٢٦ ط صادر، والبحار ج١٠، وأعيان الشيعة ج٤، وذكر ذلك العلاّمة المحقّق الأحمدي عن كشف الغمة : ١٥٤، والفصول المهمة للمالكي، والإصابة: ١ / ٣٢٨، وكفاية الطالب ٢٦٧، وتهذيب تاريخ ابن عساكر: ٤ / ٢٠٢، وينابيع المودة: ١٣٧، وتاريخ الخلفاء: ١٢٦ ـ ١٢٧، والتنبيه والاشراف: ٢٦١ .

٣٩

إن كلمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام الحسنعليه‌السلام :"أشبهت خَلقي وخُلقي" تعدّ وسام الجدارة والاستحقاق لذلك المنصب الإلهي الذي هو وراثة الرسالة وخلافة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد خلافة وصيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وإنّ إحدى مهامّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلق المناخ الملائم لدى الأُمة التي يفترض فيها أن لا تستسلم لمحاولات الابتزاز لحقّها المشروع في الاحتفاظ بقيادتها الإلهية، وأن لا تتأثر بعمليات التمويه والتشويه لطمس الركائز التي تقوم عليها رؤيتها العقائدية والسياسية التي حاول الإسلام تعميقها وترسيخها في ضمير الأُمة .

ومن هنا نعرف الهدف الذي كان يرمي إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تأكيداته المتكررة على ذلك الدور الذي كان ينتظر الإمام الحسن وأخاهعليهما‌السلام منها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :"إنّهما إمامان قاما أو قعدا" (١) و"أنتما الإمامان، ولاُمّكما الشفاعة" (٢) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :"أنت سيّد، ابن سيّد، أخو سيّد، وأنت إمام، ابن إمام، أخو إمام، وأنت حجة، ابن حجة، أخو حجة، وأنت أبو حجج تسعة، تاسعهم قائمهم" (٣) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإمام الحسنعليه‌السلام :"هو سيّد شباب أهل الجنة، وحجة الله على الأُمة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنّه منّي، ومن عصاه فإنّه ليس منّي ..." (٤) .

__________

(١) راجع كتاب أهل البيت تأليف توفيق أبو علم: ٣٠٧، والإرشاد للمفيد ٢٢٠، وكشف الغمة للأربلي: ٢ / ١٥٩، وعلل الشرائع: ١ / ٢١١، والمناقب لابن شهر آشوب: ٣ / ٣٦٧ وعبر عنه بالخبر المشهور.

(٢) إثبات الهداة: ٥ / ٥٢، والإتحاف بحب الأشراف : ١٢٩ .

(٣) ينابيع المودة: ١٦٨، وإثبات الهداة : ٥ / ١٢٩ .

(٤) فرائد السمطين : ٢ / ٣٥، وأمالي الصدوق : ١٠١ وحول ما يثبت إمامة الإمام الحسن عليه‌السلام راجع : ينابيع المودة : ص٤٤١ و٤٤٢ و٤٤٣ و٤٨٧ عن المناقب، وفرائد السمطين : ٢ / ١٤٠ ـ ١٣٤ ـ١٥٣ ـ ٢٥٩ وفي هوامشه عن المصادر التالية : غاية المرام: ٣٩، وكفاية الأثر المطبوع في آخر الخرائج والجرائح: ٢٨٩، وعيون أخبار الرضا: باب ٦ ص٣٢، وبحار الأنوار : ٣ / ٣٠٣ و ٣٦ / ٢٨٣ و٤٣ / ٢٤٨.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٦١

٦٢

٦٣

٦٤

٦٥

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه الاستعانة

نحمدك يا من أَطلع في فلك الهداية شمس النبوة ، وقمر الولاية ، ونصلي على قطب مداره وآله ، أهلّة سماء الإهتداء ، ونسلّم تسليماً كثيراً. وبعد :

فيقول أقل الخلائق محمد المشتهر بهاء الدين العاملي عامله الله بإحسانه : هذه الحديقة الثالثة والأربعون من كتابنا الموسوم بحدائق الصالحين في شرح صحيفة مولانا وإمامنا قبلة أهل الحق واليقين علي بن الحسين زين العابدين سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ، تتضمن شرح الدعاء الثالث والأربعين ، وهودعاؤهعليه‌السلام  عند الاستهلال أمليتها مع وفور الملال ، لتوزع البال ، واختلال الحال ، راجياً من الله تعالى أن يوفقني لإِكمال بقية الحدائق ، إنَّه مفيض الخير وملهم الحقائق.

وكان من دعائهعليه‌السلام  إذا نظر إلى الهلال :

سمّي هلالاً لجريان عادتهم برفع الأصوات عند رؤيته ، مأخوذ من الإهلال ، وهو رفع الصوت ، ومنه قولهم : أَهلّ المعتمر ، إذا رفع صوته بالتلبية ، واستهل الصبي إذا صاح عند الولادة.

وقد اضطربوا في تحديد الوقت الذي يسمّى فيه بهذا الاسم ، فقال في

٦٦

 « الصحاح » : الهلال أول ليلة ، والثانية والثالثة ، ثمّ هو قمر(١) .

وزاد صاحب القاموس فقال [٤ / أ] : الهلال غرة القمر ، أو إلى ليلتين ، أوإلى ثلاث ، أو إلى سبع ، ولليلتين من آخر الشهر ستّ وعشرين وسبع وعشرين ، وفي غيرذلك قمر(٢) . إنتهى.

قال الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي(٣) نور الله مرقده ـ في تفسيره الموسوم بمجمع البيان عند قوله تعالى :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) (٤) ـ : اختلفوا في أنه إلى كم يسمّى هلالاً ، وإلى كم يسمى قمراً؟.

فقال بعضهم : يسمّى هلالاً لليلتين من الشهر ، ثمّ لا يسمّى هلالاً إلى ان يعود في الشهر الثاني.

و قال آخرون : يسمّى هلالاً ثلاث ليال ، ثمّ يسمّى قمراً.

و قال آخرون : يسمّى هلالاً حتى يحجّر ، وتحجيره أن يستدير بخيط دقيق ؛ وهذا قول الأصمعي(٥) .

________________________

(١) صحاح اللغة ٥ : ١٨٥١ مادة ( هلل ).

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٧١ مادة ( هلل ).

(٣) الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المشهدي ، أبو علي الطبرسي ، أمين الإِسلام ، عالم فاضل ، مفسر فقيه ، ثقة جليل القدر ، بيته بيت علم ومعرفة ، فولده مؤلف مكارم الأخلاق ، وسبطه صاحب المشكاة ، وهكذا سائر أقاربه. روى عن جمع منهم : أبو علي بن الشيخ الطوسي ، وعبد الجبار بن علي المقرىء. وممن عنه روى ابن شهر أشوب ، ومنتجب الدين ، والقطب الراوندي ، والدروستي. له مصنفات كثيرة منها : مجمع البيان ، جوامع الجامع ، اعلام الورى. مات سنة ٤٨ هـ = ١١٥٣ م في سبزوار ، وحمل جثمانه إلى المشهد الرضوي.

انظر : رياض العلماء ٤ : ٣٤٠ / روضات الجنات ٥ : ٣٥٧ ت٥٤٤ / الكنى والألقاب ٢ : ٤٤٤ / أعيان الشيعة ٨ : ٣٣٩٨ / تنقيح المقال ٢ : ٧ ت ٩٤٦١ / شهداء الفضيلة : ٤٥ / مجالس المؤمنين ١ : ٤٩٠ / مستدرك الوسائل ( الخاتمة ) ٣ : ٣٨٧ / معالم العلماء : ١٣٥ ت ٩٢٠ / المقابر : ١٠ / نقد الرجال : ٣٦٦.

(٤) البقرة ، مدنية ، ٢ : ١٨٩.

(٥) أبو سعيد ، عبد الملك بن قريب ـ بضم القاف ، وقيل عاصم ـ بن علي بن أصمع الباهلي

٦٧

وقال بعضهم : يسمّى هلالاً حتى يبهر ضوؤه سواد الليل ، ثم يقال قمراً ، وهذا يكون في الليلة السابعة(١). إنتهى كلامه زيد إكرامه.

ولا يخفى أن قوله ـ وهذا يكون إلى آخره ـ يخالف بظاهره(٢) قول صاحب القاموس « أو إلى سبع » ، ووجه التوفيق بينهما غيرخفّي(٣) .

قالوا : وإنّما يسمى بعد الهلال قمراً لبياضه ، فإن الأقمر هو الأبيض(٤) .

و قيل : لأنَّه يقمر الكواكب ، أي يغلبها بزيادة النور.

ويسمّى في الليلة الرابعة عشرة بدراً ، قال في الصحاح : سمّي بذلك لمبادرته الشمس في الطلوع كأنه يعجلها المغيب(٥) .

وقال بعضهم : سمي بدراً لكماله ، تشبيهاً له بالبدرة الكاملة وهي عشرة آلاف درهم(٦) .

________________________

البصري ، عالم لغوي ، راوية لشعر ألعرب ، لقب بشيطان الشعر ، يحفظ عشرة آلاف ارجوزة ، روى عن سليمان التميمي ، وأبي عمرو بن العلا ، ومسعر بن كدام ، وسلمة بن بلال ، وكثيرغيرهم ؛ وعنه حدث أبو عبيد ، ويحيى بن معين ، وإسحاق الموصلي ، وسلمة بن عاصم ، وأبوحاتم السجستاني ، وأبو العيناء ، وخلق كثير. كان قليل الرواية للحديث ، مكثر التأليف ، له : الإبل ، الأضداد ، خلق الانسان ، المترادف ، الفرق ، الشاء ، الوحوش وغيرها. مات سنة ٢١٦ هـ = ٨٣١ م.

انظر : تاريخ بغداد ١٠ : ٤١٠ ت ٥٥٧٦ / الأنساب : ٤٢ ، أ / وفيات الأعيان ٣ : ١٧٠ ت٣٧٩ / ميزان الاعتدال ٢ : ٦٦٢ ت ٥٢٤٠ / مرآة الجنان ٢ : ٦٤ / طبقات القراء ١ : ٤٧٠ ت ١٩٦٥ / تهذيب التهديب ٦ : ٣٦٨ ت ٧٧١ / بغية الوعاة ٢ : ١١٢ ت ١٥٧٣ / سيرأعلام النبلاء ١٠ : ١٧٥ت ٣٢ / أخبارأصفهان ٢ : ١٣٠.

(١) مجمع البيان ١ : ٢٨٣. وفي هامش الأصل : الإشارة إلى بهر ضوئه سواد الليل « منه » قدس سره.

(٢) إذ الظاهر خروج ما بعد ( حتى ) عمَّا قبلها ، ويؤيده أن بهر ضوئه سواد الليل يمتد ليالي كثيرة ليس هوفيها هلالاً ألبتة « منه ». هامش الأصل.

(٣) بجعل ما بعد ( حتى ) داخلاً فيما قبلها ، وإرادة البهر في الليلة الاُولى منه فقط ، أعني السابعة « منه ». قدس سره ، هامش المخطوطة.

(٤) أنظر : الصحاح ٢ : ٧٩٨ ـ ٧٩٩ ، القاموس المحيط : ٥٩٨ ، مادة ( قمر ) فيهما.

(٥) الصحاح ٢ : ٥٨٦ ، مادة ( بَدَرَ ).

(٦) أنظر : تاج العروس ٣ : ٣٤ ـ ٣٥.

٦٨

مقدمة :

لا ريب في استحباب الدعاء عند رؤية الهلال ، تأسياً بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد فعله أمير المؤمنينعليه‌السلام  ، والأئمة من ولده سلام الله عليهم(١) [٤ / ب]

و ذهب ابن أبي عقيل(٢) رحمه‌الله  إلى وجوب الدعاء عند رؤية هلال شهررمضان(٣) .

و هو قول نادر لا نعلم له فيه موافقاً ، وربما حمل قوله بالوجوب على إرادة تأكيد الاستحباب صوناً له عن مخالفة الجمهور.

والدعاء الذي أوجبه هو هذا :

« الحمد لله الذي خلقتي وخلقك ، وقدَّر منازلك ، وجعلك مواقيت للناس ؛ اللّهمّ أهلّه علينا إهلالاً مباركاً ؛ اللهم أدخله علينابالسلامة والإسلام ، واليقين والإيمان ، والبر والتقوى ، والتوفيق لما

________________________

(١) راجع : الكافي ٤ : ٧٠ ، باب ما يقال في مستقبل شهر رمضان ، الأحاديث ١ ـ ٨ / من لا يحضره الفقيه ٢ : ٦٢ باب ٢٩ ، القول عند رؤية هلال شهر رمضان ، ألأحاديث ٢٦٨ ـ ٢٧٠ / التهذيب ٤ : ١٩٦ باب ٥٠ ، الدعاء عند طلوع الهلال ، الأحاديث ٥٦٢ ـ ٥٦٤ / أمالي الصدوق : ٤٨حديث ١ / عيون أخبار الرضاعليه‌السلام  ٢ : ٧١ حديث ٣٢٩ / أمالي الشيخ الطوسي٢ : ١٠٩.

(٢) الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني ، أبو محمد الحذاء ، فقيه متكلم ، جليل القدر ، من وجوه أصحابنا ، ثقة ، من أوائل من استعمل ألنظر ، وبحث الأصول والفروع عند ابتداء الغيبة الكبرى ، يعدّ من مشايخ جعفر بن قولويه ، يعبر عنه وابن الجنيد ، في كتب الفقه ، بالقديمين ، له : ألمتمسك بحبل آل الرسول ، والكر والفر في الإمامة. من أعيان المائة الرابعة ، ومن معاصري الشيخ الكليني ، انظر : رجال النجاشي : ٤٨ رقم ١٠٠ / الفهرس للشيخ : ٥٤ رقم ١٩٣ و ١٩٤ رقم ٨٨٦ / رياض العلماء ١ : ٢٠٣ ـ ٢٠٩ / أعيان الشيعة ٥ : ١٥٧ / أمل الآمل ٢ : ٦١ ، ٦٨ ، ٧٤ / السرائر : ٩٩ / تنقيح ألمقال ١ : ٢٩١ ، رقم ٢٥١٩ / روضات الجنّات ٢ : ٢٥٩ رقم ١٩٣ / المقابيس : ٧ / نقد الرجال : ٩٣ رقم ٩٢ ، معالم العلماء : ٣٧ رقم ٢٢٢ / الخلاصة : ٤٠رقم ٩.

(٣) حكاه عنه العلامة في المختلف : ٢٣٦.

٦٩

تحبّ وترضى ».

وكأنَّه ـ قدّس الله روحه ـ وجد الأمر بهذا الدعاء في بعض الروايات فحمله على الوجوب ، كما هو مقرر في الأُصول ، ولم يلتفت إلى تفرده بين الأصحاب رضوان الله عليهم بهذا الحكم.

وهذا كحكمه ـرحمه‌الله  ـ بعدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة ما لم يتغير(١) ، ولا يعرف به قائل ، من أصحابنا رضي الله عنهم ، سواه.

و حسن الظن به ـ أعلى الله قدره ـ يعطي أنه لم ينعقد في عصره إجماع على ما يخالف مذهبه في المسألتين ، أو أنَّه انعقد ولم يصل إليه ، والله أعلم بحقيقة الحال.

تتمّة :

يمتد وقت الدعاء بامتداد وقت التسمية هلالاً ، والأولى عدم تاخيره عن الاُولى ، عملاً بالمتيقن المتفق عليه لغة وعرفاً. فإن لم يتيسَّر فعن الثانية؟ لقول أكثر أهل اللغة بالامتداد إليها ؛ فإن فاتت فعن الثالثة ؛ لقول كثير منهم بانّها آخرلياليه.

و أما ما ذكره صاحب القاموس ، وشيخنا الشيخ أبو عليرحمه‌الله  ـ من إطلاق الهلال عليه إلى السابعة ـ(٢) فهو خلاف المشهور لغة وعرفاً ، وكأنَّه مجاز ، من قبيل إطلاقه عليه في الليلتين الأخيرتين ، والله أعلم.

________________________

(١) انفرد العمانيقدس‌سره بفتاوى نادرة ، أوردها الفقهاء وأغلب من ترجم له ، منها : قوله بعدم نجاسة الماء القليل بمجرد الملاقاة. ومنها : عدم نجاسة ماء البئر بمجرد الملاقاة. ومنها : جواز تفريق ألسورة من دون الحمد على ركعات السنن. وغيرها انظر : ذكرى الشيعة : ١٩٥ ، المسألة الخامسة / والمختلف : ١ ، ٤.

(٢) تقدم كلامهما في صحيفة : ٦٦.

٧٠

تبصرة :

حكم العلّامة(١) ـ أعلى الله مقامه ـ باستحباب الترائي للهلال ليلتي الثلاثين من شعبان وشهررمضان على الأعيان ، وبوجوبه فيهما على الكفاية.

واستدلَّ ـ طاب ثراه على الوجوب ـ بأن الصوم [٥ / ] واجب في أول شهررمضان ، وكذا الإفطار في العيد ، فيجب التوصل إلى معرفة وقتهما ، لأنَّ ما لايتم الواجب إلَّا به فهو واجب(٢) . هذا كلامه زيد إكرامه.

و أقول : للبحث فيه مجال ، لأنَّه إنَّما يجب صوم ما يعلم أو يظنّ أنّه من شهر رمضان ، لا ما يشك في كونه منه ، وهكذا إنما يجب إفطار ما يعلم أو يظنّ أنَّه العيد ، لا ما يشكّ في أنه هو(٣) ، كيف والأغلب في الشهر أن يكون تامّاً(٤) ، كما يشهد به التتبع؟!.

________________________

(١) الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي ، الشهير بالعلّامة ، حاله في الجلالة ، والفقاهة ، والوثاقة ، ووفور العلم في الفنون ، مشهود لها ، كفاه فخراً تلقيبه بالعلّامة ، أول من قسم الأخبار إلى أربعة اقسام. له مؤلفات منها : الخلاصة في الرجال ، منتهى ألمطلب ، تحرير الأحكام ، المختلف ، نهاية الوصول ، الألفين في الإمامة ، مختصر شرح نهج البلاغة ، القواعيد وغيرها. توفي سنة ٧٢٦ = ١٣٢٥ م ونقل جثمانه الشريف إلى النجف الأشرف ، ودفن عند المنارة اليسرى للداخل للحرم العلوي الشريف ومرقده الطاهر يزار ويتبرك به.

انظر : رجال العلامة : ٤٥ رقم ٥٢ / روضات الجنات ٢ : ٢٦٩ رقم ١٩٨ / تنقيح المقال ١ : ٣١٤رقم ٢٧٩٤ / الدرر الكامنة ٢ : ٤٩ رقم ١٥٧٨ وأيضاً ٢ : ٧١ رقم ١٦١٨ / لسان الميزان ٢ : ٣١٧رقم ١٢٩٥ / مرآة الجنان ٤ : ٢٧٦ رجال أبن داود : ٧٨ رقم ٤٦٦ / لؤلؤة البحرين : ٢١٠رقم ٨٢ / رجال بحر العلوم ٢ : ٢٥٧ / نقد الرجال : ٩٩ رقم ١٧٥ / امل الآمل : ١ / ٨١ رقم ٢٢٤ / رياض العلماء ١ : ٣٥٨ / جامع الرواة ١ : ٢٣٠ / مصفى المقال : ١٣١.

(٢) انظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٢٦٨ في الفصل السابع من أقسام الصوم / منتهى المطلب ٢ : ٥٩٠.

(٣) وأيضاً فدليله لوتم لدل على الوجوب العيني ، فتامل ،( منه ). قدس سره ، هامش المخطرط.

(٤) وأما ما يوجد في بعض الروايات ، « من أنّ شعبان لا يتم أبداً ورمضان لا ينقص أبداً » فلم يقل به علماؤنا رضي الله عنهم ، وإنّما هو قول بعض الحشوية ، والقول به لا يجامع القول بوجوب الترائي للهلال ليلتي الثلاثين من الشهرين. فلا استحباب ،( منه ). قدس سره ، هامش الأصل.

٧١

هداية :

ا لأدعية المأثورة عند النظر إلى الهلال كثيرة ، فبعضها يعمّ كلّ الشهور ، وبعضها يختص بشهر رمضان.

فمن القسم الأول :

ما رواه الشيخ الصدوق ، عماد الإسلام ، محمد بن علي بن بابويه(١) رحمه‌الله  في كتاب من لا يحضره الفقيه ؛ ورواه أيضا شيخ الطائفة ، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(٢) عطر الله تربته ، في كتاب تهذيب الأخبار ، ومصباح المتهجد ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام  أنه قال : « إذا رأيت الهلال فلا تبرح ، وقل :

( اللهم إني أسألك خير هذا الشهر ، وفتحه ونوره ، ونصره ، وبركته ، وطهوره ورزقه ؛ وأسألك خير ما فيه وخير ما بعده ، وأعوذ

________________________

(١) أبو جعفر ، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، رئيس المحدثين ، جليل القدر ، حافظ للحديث ، ثبت ، بصير بالرجال ، كفاه فخراً ولادته بدعاء الحجة عجّل الله فرجه ، نزل الري ، وورد بغداد سنة ٣٥٥ ، حدَّث بها ، وسمع منه جمع كثيرمن الفريقين ، له اكثرمن ٣٠٠ مصنفاً ، رحل إلى الأمصار لطلب الحديث ، حتى بلغ عدد شيوخه اكثر من ٢٥٠ شيخاً ، تخرجعليه جمع من أعيان الطائفة ووجوهها ، أمثال الشيخ المفيد ، والتلعكبري ، وابن القصار ، والنجاشي ، والمرتضى ، من كتبه : من لا يحضره الفقيه ، التوحيد ، كمال الدين ، الأمالي ، عيون الأخبار ، الخصال ، مات سنة ٣٨١ = ٩٩١ م.

انظر : الفهرست : ١٥٦ رقم ٦٩٥ / رجال النجاشي : ٣٨٩ رقم ١٠٤٩ / معالم العلماء : ١١١ رقم ٧٦٤ / رجال بن داود : ١٧٩ رقم ١٤٥٥ / رجال العلامة : ١٤٧ رقم / ٤٤ / روضات الجنات ٦ : ١٣٢ رقم ٥٧٤ / تنقيح المقال ٣ : ١٥٤ رقم ١١١٠٤ / أمل الآمل ٢ : ٢٨٣ / تاريخ بغداد ٣ : ٨٩ رقم ١٠٧٨ رجال بحر العلوم ٣ : ١٩٢ ، وغيرها كثير.

(٢) أبو جعفر الطوسي ، محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ، نسبة إلى طوس خراسان ، شيخ الإمامية بلا منازع ، ووجههم ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، ثقة ، عين صدوق ، له اليد الطولى في الأخبار ، والرجال ، والفقه. له اكئر من ٤٠ مؤلفاً لا زالت تحتل المكانة السامية بين آلاف المؤلفات ، غرة ناصعة في جبين الدهر ، منها : كتاب الخلاف ، الأبواب في الرجال ، التهذيب ، الاستبصار ، التبيان في التفسير ، الاقتصاد وغيرها روى عن ابن الحاشر ، وابن الصلت الاهوازي ، وابن الغضائري ، وابن الجنيد ، وشيخ الأمة المفيد ، وغيرهم. أخذ عنه

٧٢

بك من شر ما فيه وشر ما بعده ؛ اللهم أدخله علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام والبركة ، والتوفيق لما تحب وترضى ) » (١) .

و منه ما رواه الشيخ الصدوق أيضاً ، في كتاب عيون أخبار الرضاعليه‌السلام  ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام  قال : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأى الهلال قال : «أيها الخلق المطيع ، الدائب السريع ، المتصرف في ملكوت الجبروت بالتقدير ، ربي وربك الله. أللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام والإحسان ، وكما بلَّغتنا أوله فبلّغنا آخره ، واجعله شهراً مباركاً ، تمحو فيه السيئات ، وتثبت لنا فيه الحسنات ، وترفع لنا فيه الدرجات ، يا عظيم الخيرات ) »(٢) .

و منه ما أورده السيد الجليل الطاهر ، ذو المناقب والمفاخر ، رضي الدين علي بن طاووس(٣) قدس الله نفسه ، ونوّر رمسه ، في كتاب الزوائد

________________________

جمع منهم ولده ، وابن شهر آشوب ، وابن البراج ، وحسكا ، وأبو الصلاح ، والطبري ، والآبي ، والطرابلسي ، توفي سنة ٤٦٠ هـ = ١٠٦٧ م ودفن بداره في النجف الأشرف.

انظر : البداية والنهاية ١٢ : ٩٧ / لسان الميزان ٥ : ١٣٥ رقم ٤٥٢ / الكامل ١٠ : ٢٤ / المنتظم ٨ : ١٧٣ / جامع الرواة ٢ : ٩٢ / مقابيس الأنوار : ٤ / معالم العلماء : ١١٤ رقم ٧٦٦ / تنقيح المقال ٣ : ١٠٤ رقم ٨٠٥٦٣ / الخلاصة : ١٤٨ رقم ٤٦ / رجال النجاشي : ٤٠٣ رقم ١٠٦٨ / الفهرست للطوسي : ١٥٩ رقم ٦٩٩.

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٦٢ حديث ٢٦٨ / التهذيب ٤ : ١٩٧ حديث ٥٦٤ / ومصباح المتهجد : ٤٨٦ وفيهما هكذا( والبركة والتقوى والتوفيق ).

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ : ٧١ حديث ٣٢٩.

(٣) رضي الدين ، علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحسني العلوي ، البيان والقلم أعجز من أن يذكره بشيء ، إذ جلالته وفضله ، وزهده وعبادته ، وعظم منزلته شيء لا يحاط به.كان كثير ألحفظ ، نقي الكلام ، شاعراً بليغاً ، له مصنفات كثيرة منها : فرج ألهموم ، رسالة في الإجازات ، مصباح الزائر ، فرحة ألناظر ، الطرائف ، الطرف ، غياث سلطان الورى لسكان الثرى ، وغيرها كثير ، مات سنة ٦٦٤ هـ = ١٢٦٥ م.

انظر : روضات الجنات ٤ : ٣٢٥رقم ٤٠٥ / عمدة الطالب : ٢١٩ / تنقيح المقال ٢ : ٣١٠ رقم ٨٥٢٩ / المقابيس : ١٢ / نقد الرجال : ٢٤٤ رقم ٢٤١ / جامع الرواة ٢ : ٦٠٣ / رياض العلماء ٤ : ١٦١ / لؤلؤة البحرين : ٢٣٥ رقم ٨٤ / خاتمة المستدرك ٣ : ٤٦٧ / معجم رجال الحديث

٧٣

والفوائد(١) . وهو أن يقول عند رؤيته [ ٦ / ] : «ربي وربك الله رب العالمين. اللهمَّ صلّ على محمد وآل محمد ، وأهله علينا وعلى أهل بيوتاتنا ، وأشياعنا بأمن وإيمان ، وسلامة وإسلام ، وبرّ وتقوى ، وعافية مجللة ، ورزق واسع حسن ، وفراغ من الشغل ، واكفنا بالقليل من النوم ، ووفقنا للمسارعة فيما تحب وترضى وثبتنا عليه ؛ اللهم بارك لنا في شهرناهذا ، وارزقنا بركته وخيره ، وعونه وغُنمه ، ونُوره ويُمنه ، ورحمته ومغفرته ، واصرف عنَّا شره وضره ، وبلاءه وفتنته ؛ اللهمّ ما قسمت فيه من رزق أو خير أو عافية أو فضل ، أو مغفرة أو رحمة فأجعل نصيبنا منه الاكثر ، وحظّنا فيه الأوفر » (٢) .

ومنه ما أورده أيضاً في الكتاب المذكور وهو أن يقول عند رؤيته :

« الله أكبر ـ ثلاثا ـ ربي وربك الله لا إله إلَّا هو رب العالمين ،

________________________

١٢ : ١٨٨ / الأعلام ٥ : ٢٦ / معجم المؤلفين ٧ : ٢٤٨ وغيرها.

(١) اختلفت الآراء في مؤلف الكتاب( الزوائد والفوائد ) ، وكذا في اسمه ، حيث ورد تارة : الزوائدوالفوائد ، وأخرى : زوائد الفوائد.

وأما المؤلف فقد نسبه العلامة المجلسي في البحار ١ : ١٣ ، وصاحب الروضات ٤ : ٣٣٨ ، وشيخ الذريعة ١٢ : ٥٩ ، الى رضي الدين علي بن علي بن طاووس ، اي « الابن ». واليه مال السيد المشكاة كما حكى عن مقدمته للصحيفة السجادية.

ونسبه الشيخ البهائي لرضي الدين علي بن طاووس « الأب » كما هنا وفي موضع آخر وهو واضح.

ثم إن ما نسبه صاحب الروضات الى الشيخ البهائي من نسبته الكتاب الى الابن في الحديقة الهلالية فهو كما ترى. ولا أعلم كيف استفاد ذلك من هذه العبارة الصريحة.

والحق موقوف على الحصول على نسخة كاملة للكتاب لمعرفة المؤلف إذ النسخة ألموجودة في جامعة طهران ـ على ما جاء وصفها في فهرستها للمخطوطات ١ : ١٢٧ ـ ناقصة الأول والآخر ، والكاتب امي والنسخة مغلوطة جدا ، ومع هذه الصفات لا يمكن الركون والاعتماد في النسبة عليها.

هذا كلّه اضافة إلى ما كرره في الإقبال من النقل عن كتاب الزوائد والفوائد صريحاً.

ومع اعتراف شيخ الذريعة قدس سره بذلك لا أعرف وجها لحمله كلام ابن طاووس على إرادة المعنى اللغوي الوصفي وصرفه عن ظاهره حيث يقول السيد في عمل ذي الحجة ما لفظه : [ وقد ذكرنا في كتاب الزوائد والفوائد في عمل ] تلاحظ.

(٢) الزوائد والفوائد : مخطوط ، ألإقبال : ١٨.

٧٤

ا لحمد لله الذي خلقني وخلقك ، وقدّرك منازل ، وجعلك اية للعالمين ، يباهي الله بك الملائكة ؛ الّلهم أهله علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، والغبطة والسرور ، والبهجة والحبور ، وثبتنا على طاعتك ، والمسلارعة فيما يرضيك ؛ اللهم بارك لنا في شهرناهذا ، وارزقنا خيره وبركته ، ويمنه وعونه وقوته ، واصرف عناشره وبلاءه وفتنته ، برحمتك يا أرحم الراحمين » (١) .

و من القسم الثاني :

ما رواه ركن الملة ، ثقة الإسلام ، محمد بن يعقوب الكليني(٢) ـ سقى الله ضريحه صوب الرضوان ـ في كتاب الكافي ؛ ورواه آية الله العلَّآمة طاب ثراه في التذكرة ، ومنتهى المطلب ؛ عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليه‌السلام  قال : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أهل شهررمضاناستقبل القبلة ورفع يديه فقال: ( الّلهمّ أهلّه علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام والعافية المجللة ، والرّزق الواسع ، ودفع الأسقام ؛ اللهمّ ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، وسلّمه لنا ،

________________________

(١) الزوائد والفوائد : مخطوط ، الإقبال : ١٩.

(٢) أبو جعفر الرازي ، محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني ، المشهور بثقة الإسلام ، شيخ الطائفة ووجههم في الري ، القلم عاجز عن بيان فضله ، وجلالة قدره ، وورعه وعلو منزلته ، هو اشهر.

من أن يحيط به بيان ، له كتب منها الكافي اشهرها ، أحد الاصول الحديثية المعتمدة لدى الطائفة ، صنفه في عشرين سنة ، يعد من مجددي المذهب على رأس المائة الثالثة ، توفي والصيمري آخر السفراء في سنة واحدة ، وسميت بسنة تناثر النجوم.

مات ببغداد سنة ٣٢٨ = ٩٣٩ م ودفن في بقعة على يسار العابر من الرصافة.

انظر : تنقيح المقال ٣ : ٢٠١ رقم ١١٥٤٠ / رجال بحر العلوم ٣ : ٣٢٥ / رجال الشيخ : ٤٩٥ رقم ٢٧ / الفهرست : ١٣٥ رقم ٥٩١ / رجال النجاشي : ٣٧٧ / ١٠٢٦ / فلك النجاة : ٣٣٧ / جامع الأصول ١١ : ٣٢٣ / روضات الجنات ٦ : ١٠٨ رقم ٨ / تاج العروس ٩ : مادة كلين / عوائد الأيام : ٢٩٧ / الكامل ٦ : ٢٧٤ / لسان الميزان ٥ : ٤٣٣ رقم ١٤١٩ / وانظر مقدمة الكافي بقلم البحاثة الأستاذ حسين محفوظ في طبعة ١٣٨٨ لدار الكتب الاسلامية.

٧٥

وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه ) (١) .

و منه ما أورده الشيخ الصدوق طاب ثراه في كتاب من لا يحضره الفقيه أيضاً ، نقلا عن أبيهرضي‌الله‌عنه في الرسالة ـ وذكر السيد الجليل الطاهر المشار إليه [٧ / ] أنّه مروي عن الصادقعليه‌السلام  ـ قال : إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر إليه ، ولكن استقبل القبلة وارفع يديك إلى الله عزّ وجلّ وخاطب الهلال ، وقل :« ربي وربك الله رب العالمين ؛ اللّهمّ أهلّه علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، والمسارعة إلى ما تحب وترضى ؛اللّهمَّ بارك لنا في شهرنا هذا ، وارزقنا عونه وخيره ، واصرف عنّاضرّه وشرّه ، وبلاءه وفتنته » (٢) .

تنبيه :

يستفاد من هذه الروايات بعض الآداب التي ينبغي مراعاتها حال قراءة الدعاء عند رؤية الهلال :

فمنها : أن تكون قراءة الدعاء قبل الانتقال من المكان الذي رأى فيه الهلال ، كما تضمنته الرواية الأول ، فإن قولهعليه‌السلام  « لا تبرح » أي لا تَزُل عن مكانك الذي رأيته فيه(٣) .

و منها : استقبال القبلة حال الدعاء ، كما تضمنه الحديث المروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أنَّه كان يفعل ذلك(٤) .

و منها : رفع اليدين إلى الله عزَّ وجلَّ وقت قراءة الدعاء ، كما تضمنه الحديثان الأخيران(٥) .

________________________

(١) الكافي ٤ : ٧٠ حديث ١ / تذكرة الفقهاء ١ : ٢٦٨ / منتهى المطلب ٢ : ٥٩٠ وفي المصادر هكذا ( اللهم سلمه لنا ) / الفقيه ٢ : ٦٢ حديث ٢٦٩.

(٢) الفقيه ٢ : ٦٢ ذيل الحديث ٢٦٩ ، والاقبال : ١٨.

(٣) انظرصحيفة ٧١ ، وهي ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(٤) انظر صحيفة ٧٤ ، وهي رواية الامام الباقرعليه‌السلام .

(٥) انظر صحيفة ٧٤ ، ٧٥ وهما روايتا الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

٧٦

ولا خصوصية لهذين الأمرين بهلال شهر رمضان ، وإن تضمن الخبران انّ فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك كان في هلاله ، وكذلك أمر الصادقعليه‌السلام  بذلك ، بل لا خصوصية لهما بدعاء الهلال ، فانهما يعمّان كلدعاء [ ٨ / ].

و منها : أن لا يشير إلى الهلال بيده ولا برأسه ، ولا بشيء من جوارحه ، كما تضمنته الرواية الأخيرة(١) ، ولعلّ هذا أيضا غيرمختص بهلال شهر رمضان.

و منها : أن يخاطب الهلال بالدعاء ، ولعل المراد خطابه بما يتعلق به من الألفاظ ، نحو « ربي وربك الله رب العالمين » وكأوَّل الدعاء الذي أوجبه ابن أبي عقيلرحمه‌الله  (٢) ، وكاكثر ألفاظ هذا الدعاء الذي نحن بصدد شرحه.

و قد يُظنّ التنافي بين مخاطبة الهلال واستقبال القبلة في البلاد التي قبلتها على سمت المشرق.

وليس بشيء ، لأنَّ الخطاب ليس إلَّا توجيه الكلام نحو الغير للإفهام ، وهو لا يستلزم مواجهة المخاطب واستقباله ، إذ قد يخاطب الإنسان من هو وراءه.

ويمكن أن يقال : استقبال الداعي الهلال وقت قراءة ما يتعلق بمخاطبته من فصول الدعاء ، واستقبال القبلة في الفصول الاُخر.

وأما رفع اليدين فالظاهر أنَّه في جميع الفصول ، وإن كان تخصيصه بما عدا الفصول المخاطب بها الهلال غير بعيد ، والله أعلم.

تذكرة فيها تبصرة :

قد عرفت أنَّه يمتد وقت الدعاء بامتداد وقت التسمية هلالاً ، ولو قيل بامتداد ذلك إلى ثلاث ليال لم يكن بعيدا ، فلو نذر قراءة دعاء الهلال عند

________________________

(١) انظر صحيفة ٧٥. وهي رواية الإمام الصادقعليه‌السلام .

(٢) انظر صحيفة ٦٨ ، و ٧٣.

٧٧

رؤيته ، وقلنا بالمجازية فيما فوق الثلاث [٩ / أ] ، لم تجب عليه القراءة برؤيته فيما فوقها ، حملاً للمطلق على الحقيقة ؛ وهل تشرع؟ ألظاهر نعم إن رآه في تتمة السبع ، رعاية لجانب الاحتياط ، أما فيما فوقها فلا ، لأنه تشريع.

و لو رآه يوم الثلاثين فلا وجوب على الظاهر لعدم تسميته حينئذٍ هلالاً.

و ما في حسنة حماد بن عثمان(١) ـ عن الصادقعليه‌السلام  من إطلاق إسالهلال عليه قبل الغروب(٢) ـ لعله مجاز ، إذ الأصل عدم النقل.

ولو لم يره حتى مضت الثلاث فاتفق وصوله إلى بقعة شرقية هو فيها هلال فرآه هناك لم يبعد القود بوجوبه عليه حينئذٍ ، كما لا يبعد القول بوجوب الصوم على من رأى هلال شهر رمضان فصام ثلاثين ثم سافر إلى بلد مضى فيه من شهررمضان تسعة وعشرون ولم يُر فيه الهلال ليلة الثلاثين ، وهو مختار العلامة طاب ثراه في القواعد(٣) .

وقد استدلَّ عليه ـ ولده فخر المحققين(٤) رحمه‌الله  في الإيضاح بأنَّ

________________________

(١) حمَّاد بن عثمان بن زياد الرواسي ، الملقب بالناب ، من أصحاب الأئمة الصادق والكاظم والرضا: ، من الثقات الأجلاء ، وهكذا اخوته ، فهم من بيت فضل وعلم من خيار الشيعة ، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وأقرّوا له بالفقه ، لم يختلف في توثيقه اثنان ، روى عنه ابن أبي عمير ، والوشّاء ، والحسن بن علي بن فضال ، وفضالة ، وغيرهم مات سنة ١٩٠ هـ =٨٠٥ م.

راجع : تنقيح المقال ١ : ٣٦٥ رقم ٣٣١٣ / رجال الشيخ : ١٧٣ رقم ١٣٩ و ٣٤٦ رقم ٢ و ٣٧١رقم ١ / الفهرست : ٦٠ رقم ٢٣٠ / الخلاصة : ٥٦ رقم ٣ / جامع الرواة ١ : ٢٧١ / مجمع الرجال ٢ : ٢٢٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٧٦ حديث ٤٨٨ / والاستبصار ٢ : ٧٣ حديث ٢٢٥ ألكافي ٤ : ٧٨ حديث ١٠. والغروب اشارة الى آخر الشهر.

(٣) قواعد الأحكام : ٦٩ ـ ٧٠.

(٤) أبو طالب ، محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي ، فخر المحققين وجه وجوه الطائفة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، رفيع الشأن ، جيد التصنيف لما امتاز به من وفور العلم والفقاهة ، وطول الباع في كثير من ألعلوم ، أوصى اليه والده العلامة في آخر القواعد ـ الذي صنفه له ولمَّا يبلغ العاشرة ـ باتمام ما بقي ناقصاً من كتبه ، بلغ رتبة الاجتهاد في العاشرة من عمره ، له مصنفات

٧٨

الاعتبار في الأهلَّة بالموضع الذي فيه الشخص ألآن لا بموضع كان يسكنه ، وإلاَّ لوجب على الغائب عن بلده الصوم برؤية الهلال في بلده ، وهو باطل إجماعاً(١) ، هذا ملخص كلامه.

و أقول : فيه بحث ، فإنَّ من اعتبر موضعاً كان يسكنه لم يعتبره من حيث سبق سكناه فيه ، بل من حيث رؤيته الهلال فيه سابقأ ، فكلّفه العمل بمقتضى تلك الرؤية ، فمن أين يلزمه وجوب الصوم على الغائب عن بلده برؤية غيره الهلال فيه؟! فتأمل.

بسط كلام لإبراز مرام :

تحقق أمثال هذه المسائل المبنية على تخالف الآفاق في تقدم طلوع الأهلّة وتأخرها ظاهر ، بناء على ما ثبت من كروية الأرض ، والذين أنكروا كرويتها فقدأنكروا تحققها ، ولم نطلع لهم على شبهة في ذلك فضلا عن دليل.

و الدلائل الآتية المذكورة في المجسطي(٢) ـ وغيره ـ شاهدة بكرويتها ، وان كانت شهادة الدليل الّلمِّي المذكور في الطبيعي مجروحة [٩ / ب].

و قد يتوهم أن القول بكرويّتها خلاف ما عليه أهل الشرع ، وربّما استند ببعض الآيات الكريمة كقوله تعالى :( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ

________________________

منها : ايضاح الفوائد ، شرح خطبة القواعد ، الفخرية في النية ، حاشية الارشاد ، الكافية في الكلام ، مات سنة ٧٧١ هـ = ١٣٦٩.

انظر : هدية الأحباب : ٢٨٨ / روضات الجنات ٦ : ٣٣٠ رقم ٥٩١ / جامع الرواة ٢ : ٩٦ تنقيح المقال ٣ : ١٠٦ رقم ١٠٥٨١ / الفوائد الرضوية : ٤٨٦ / خاتمة المستدرك ٣ : ٤٥٩ نقد الرجال : ٣٠٢ رقم ٢٥٣ أمل الآمل ٢ : ٢٦٠ رقم ٧٦٨ / أعيان الشيعة ٩ : ١٥٩.

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٢٥٢.

(٢) المجسطي ـ بكسر الميم والطاء وفتح الجيم وتخفيف الياء ـ كلمة يونانية ، اصلها ماجستوس ، اسم لأهم بل لأشرف ما صنّف في عالم الهندسة الفلكية بأدلتها التفصيلية ، وكل من جاء بعد كان عيالاً عليه من دون استثناء ، مؤلفه الحكيم بطليموس الفلوزي ، عُرِّب قديماً بواسطة جمع ، ونقح أيضا وشرح. للتفصيل راجع كشف الظنون ٢ : ١٥٩٤ / ولغة نامه دهخدا ٤١ : ٤٥٥ / وفرهنك جامع فارسي( آنندراج ) ٦ : ٣٨٥٤.

٧٩

فِرَاشاً ) (١) ، وقوله سبحانه :( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا) (٢) وقوله جلَّ شأنه :( وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) (٣) ، وأمثال ذلك ، ولا دلالة في شيء منها على ما ينافي الكروية.

قال في الكشّاف عند تفسير الاية الاُولى ، فإن قلت : هل فيه دليل على أنّ الأرض مسَّطحة وليست بكرّية؟.

قلت : ليس فيه إلَّا أنَّ الناس يفتر شونها كما يفعلون بالمفارش ، وسواءكانت على شكل السطح أو شكل الكرة فالافتراش غير مستنكر ولا مدفوع؛ لعظم حجمها ، واتساع جرمها ، وتباعد أطرافها. وإذا كان متسهّلاً في الجبل وهو وتد من أوتاد الأرض ، فهو في الأرض ذات الطول والعرض أسهل(٤) . إنتهى كلامه.

و قال(٥) في التفسير الكبير : من الناس من يزعم أنَّ الشرط في كون الأرض فراشاً أن لا تكون كرة ، فاستدلَّ بهذه الاية على أن الأرض ليست كرة ، وهذا بعيد جدا ، لأنَّ الكرة إذا عظمت جداً كان كل قطعة منها كالسطح(٦) ، انتهى.

و كيف يتوهم متوهم أن القول بكروية الأرض خلاف ما عليه أهل الشرع!! وقد ذهب إليه كثيرمن علماء الإسلام ، وممن قال به صريحاً من فقهائنا ـ رضوان الله عليهم ـ العلّامة آية الله ، وولده فخر المحققين قدس سرهما.

________________________

(١) البقرة ، مدنية ، ٢ : ٢٢.

(٢) النبأ ، مكية ، ٧٨ : ٦.

(٣) الغاشية ، مكية ، ٨٨ : ٢٠

(٤) تفسير الكشاف ١ : ٩٤

(٥) أبوعبدالله محمد بن عمر بن الحسين الطبرستاني الرازي ، ابن الخطيب الشافعي الأشعري. العالم الاُصولي المتكلّم المشارك في العلوم. أخذ عن والده والكمال السمناني والجيلي. له التفسير ، المباحثالمشرقية ، الملخّص ، المحصّل. توفي سنة ٦٠٦ هـ = ١٢٠٩ م بهراة.

له ترجمة في : تاريخ الحكماء : ١ ٢٩ / وفيات الأعيان ٤ : ٢٤٨ ت / طبقات السبكي ٥ : ٢٣ / وانظرسيرأعلام النبلاء ٢١ : ٥٠٠ ت ٢٦١ ومصادره.

(٦) التفسير الكبير للفخر الرازي ٢ : ١٠٤.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206