اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)27%

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 206

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133355 / تحميل: 10021
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فاطمة، فالحسن والحسين نوران من نور ربّ العالمين"(١) .

ب ـ وقد قال معاوية لِجلسائه : من أكرم الناس أباً وأماً وجدّاً وجدّةً وعمّاً وعمّةً وخالاً وخالةً؟ فقالوا : أمير المؤمنين أعلم، فأخذ بيد الحسن بن علي وقال : هذا أبوه علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة ابنة محمد، وجدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجدّته خديجة، وعمّه جعفر، وعمّته هالة بنت أبي طالب، وخاله القاسم بن محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخالته زينب بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

ج ـ ولمعاوية اعتراف آخر أمام عمرو بن العاص ومروان بن الحكم وزياد بن أبيه بعد أن أكثروا الفخر، وأراد أن يرغم أنوفهم، فأحضر الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام ، ولمّا دحض مقالتهم التي أرادوا فيها تنقيص بني هاشم قال معاوية بعد أن خرج الإمام من عنده : أأُفاخر رجلاً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جدّه، وهو سيّد من مضى ومن بقي، وأمه فاطمة سيّدة نساء العالمين؟ ثم قال لهم : والله لئن سمع أهل الشام ذلك أنّه للسوءة السوداء ...(٣) .

د ـ ووفد مقدام إلى معاوية، فقال معاوية : أعلمت أنّ الحسن بن علي توفّي؟ فرجّع المقدام(٤) ، فقال له معاوية : أتراها مصيبة؟ فقال : ولِمَ لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله في حجره وقال : "هذا منِّي وحسين من عليّ رضي الله عنهما"(٥) .

هـ ـ وقال عبد الله بن عمر : أهل العراق يسألون عن الذباب يقتله المحرم، وقد قتلوا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :"هما ريحانتاي من الدنيا (٦) أو

__________

(١) نزهة المجالس : ٢ / ٢٠٦ .

(٢) العقد الفريد : ٣ / ٢٨٣ .

(٣) المحاسن والأضداد : ٩٠، طبعة مصر ١٣٢٤ هـ .

(٤) أي قال : إنا لله وإنا إليه راجعون .

(٥) مسند أحمد: ٤ / ١٣٢، طبعة مصر ١٣١٣ هـ .

(٦) صحيح البخاري: ٢ / ١٨٨ .

٢١

ريحانتاي من هذه الأمة"(١) .

و ـ وكان أبو هريرة يقول : ما رأيت الحسن إلاّ فاضت عيناي، وذلك أني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل فمه في فمه ثم يقول :"اللهم إنّي أحبه فأحبّه وأحبّ من يحبّه" يقولها ثلاث مرّات(٢) ، وقال : لا أزال أحب هذا الرجل ـ يعني الحسن ـ بعد ما رأيت رسول الله يصنع به ما يصنع(٣) .

ز ـ وحينما بادر ألدّ أعدائه ـ مروان بن الحكم ـ إلى حمل جثمانه الطاهر واستغرب منه الحسينعليه‌السلام قائلاً له :أتحمل جثمانه وكنت تجرّعه الغصص؟! قال مروان : كنت أفعل ذلك بمن كان يوازي حلمه الجبال(٤) .

ح ـ وقال عنه أبو الأسود الدؤلي : وإنّه لهو المهذّب، قد أصبح من صريح العرب في غرّ لبابها وكريم محتدها وطيب عنصرها(٥) .

ط ـ وقال عمرو بن إسحاق : ما تكلّم أحد أحبّ إليّ أن لا يسكت من الحسن بن علي وما سمعت منه كلمة فحش قطّ(٦) .

ي ـ وقال عبد الله بن الزبير : والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن عليعليه‌السلام في هيبته وسموِّ منزلته(٧) .

ك ـ وعندما وقف أخوه محمد بن الحنفية على قبره ليؤبّنه قال : لئن عزّت حياتك فقد هدّت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمّنه كفنك، ولنعم

__________

(١) سنن الترمذي : ٥٣٩ .

(٢) مختصر تأريخ دمشق لابن عساكر : ٧ / ١٠، طبعة دار الفكر ١٤٠٥ هـ .

(٣) نور الأبصار : ١٧١ .

(٤) تهذيب التهذيب : ٢ / ٢٩٨ .

(٥) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٢٤٧ .

(٦) بحار الأنوار: ٤٣ / ٣٥٨ .

(٧) البداية والنهاية : ٨ / ٣٧ .

٢٢

الكفن كفن تضمّن بدنك، وكيف لا تكون هكذا وأنت عقبة الهدى وخلف أهل التقوى وخامس أصحاب الكساء ؟! غذّتك بالتقوى أكفّ الحق، وأرضعتك ثدي الإيمان، ورُبّيت في حجر الإسلام، فطبت حيّاً وميّتاً، وإن كانت أنفسنا غير سخيّة بفراقك، رحمك الله أبا محمد(١) .

ل ـ وأخوه أبو عبد الله الحسين بن عليعليه‌السلام قائلاً : "رحمك الله يا أبا محمد، إن كنت لتباصر الحق مظانّه، وتؤثر الله عند التداحض في مواطن التقية بحسن الرويّة، وتستشفّ جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عليها يداً طاهرة الأطراف، نقيّة الأسرّة، وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤونة عليك، ولا غَرْوَ فأنت ابن سلالة النبوّة، ورضيع لبان الحكمة، فإلى رَوْح وريحان وجنّةِ نعيم، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم حُسن الأسى عنه"(٢) .

٤ ـ مكانتهعليه‌السلام لدى العلماء والمؤرّخين :

أ ـ قال الحافظ أبو نعيم الإصبهاني ـ وهو من أعلام القرن الخامس ـ عن الإمام الحسن المجتبى : سيّد الشباب، والمصلح بين الأقارب والأحباب، شبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحبيبه، سليل الهدى، وحليف أهل التقى، خامس أهل الكساء، وابن سيّدة النساء، الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما(٣) .

ب ـ وقال ابن عبد البر عنه : لا أسود ممّن سمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّداً، وكان رحمة الله عليه حليماً ورعاً فاضلاً، دعاه ورعه وفضله إلى أن ترك الملك والدنيا رغبةً فيما عند الله، وقال : والله ما أحببت منذ علمت ما ينفعني وما

__________

(١) مروج الذهب : ٣ / ٧ .

(٢) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٤٤٠ .

(٣) أخبار إصبهان : ١ / ٤٤، طبعة ليدن سنة ١٩٣١ .

٢٣

يضرّني أن إلى أمر أُمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن يهراق في ذلك محجمة دم(١) .

و ـ وقال الحافظ ابن كثير الدمشقي عنه : وقد كان الصدّيق يجلّه ويعظّمه ويكرمه ويحبّه ويتفدّاه وكذلك ابن الخطاب، وكان ابن عباس يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا ويرى هذا من النعم عليه، وكانا إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطّمونها مما يزدحمون عليهما للسلام عليهما(٢) .

د ـ وقال الحافظ ابن عساكر الشافعي عنه : هو سبط رسول الله وريحانته وأحد سيِّدَيْ شباب أهل الجنة ...(٣) .

هـ ـ وقال الحافظ السيوطي : سبط رسول الله وريحانته وآخر الخلفاء بنصّه وهو خامس أهل الكساء ...(٤) .

و ـ وعن محمد بن إسحاق: أنه ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله ما بلغ الحسن(٥) ، كان يبسط له على باب داره، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما يمرّ أحد من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فمرّ الناس، ولقد رأيته في طريق مكة ماشياً فما من خلق الله أحد رآه إلاّ نزل ومشى، وحتى رأيت سعد بن أبي وقّاص يمشي(٦) .

ز ـ وقال محمد بن طلحة الشافعي عنه : كان الله قد رزقه الفطرة الثاقبة في إيضاح مراشد ما يعانيه، ومنحه النظرة الصائبة لإصلاح قواعد الدين ومبانيه،

__________

(١) الاستيعاب : ١ / ٣٨٥، طبعة مصر ١٣٨٠ إنّ الملك والحكم إذا كان لإقامة حكم الله في الأرض فلا يكون تركه زهداً وورعاً، وإنما تنازل الإمام عن الملك لأنّ مسؤولية الإمام الشرعية كانت تتطلب ذلك في تلك الظروف .

(٢) البداية والنهاية: ٨ / ٣٧ طبعة مصر ـ ١٣٥ .

(٣) مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ٥ .

(٤) تاريخ الخلفاء : ٧٣ .

(٥) راجع المناقب لابن شهرآشوب: ٢ / ١٤٨ .

(٦) الحسن المجتبى : ١٣٩ نقلاً عن المناقب : ٢ / ١٤٨ .

٢٤

وخصّه التي درّت لها أخلاق مادتها بصور العلم ومعانيه(١) .

ح ـ وقال سبط ابن الجوزي عنه : كان من كبار الأجواد، وله الخاطر الوقّاد، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّه حبّاً شديداً(٢) .

ط ـ وقال عنه ابن الأثير : وهو سيّد شباب أهل الجنة، وريحانة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشبيهه، سمّاه النبيّ الحسن وهو خامس أهل الكساء(٣) .

__________

(١) مطالب السؤول : ٦٥ .

(٢) تذكرة الخواص : ١١١ .

(٣) أسد الغابة : ٢ / ٩ .

٢٥

الفصل الثالث: من فضائل الإمام المجتبىعليه‌السلام ومظاهر شخصيته

عبادتهعليه‌السلام :

أ ـ روى المفضّل عن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عن أبيه عن جدّه :"أنّ الحسن بن علي بن أبي طالب كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً، وربّما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله ـ تعالى ذكره ـ شهق شهقةً يغشى عليه منها .

وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عَزَّ وجَلَّ، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم (١) وسأل الله الجنّة وتعوّذ به من النار، وكان لا يقرأ من كتاب الله عَزَّ وجَلَّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلاّ قال : لبيّك اللهمّ لبيّك، ولم يُرَ في شيء من أحواله إلاّ ذاكراً لله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجةً وأفصحهم منطقاً ..." (٢) .

ب ـ وكانعليه‌السلام إذا توضّأ; ارتعدت مفاصله واصفرّ لونه، فقيل له في ذلك فقال :"حقٌ على كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله" .

ج ـ وكان إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول :"ضيفك ببابك، يا محسن

__________

(١) اضطراب السليم من لسعة العقرب .

(٢) راجع الأمالي للصدوق : ١٥٠، وبحار الأنوار : ٤٣ / ٣٣١ .

٢٦

قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم" (١) .

د ـ وكان إذا فرغ من الفجر لم يتكلّم حتى تطلع الشمس وإن زحزح(٢) .

هـ ـ وعن الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام :"أنّ الحسن عليه‌السلام قال : إنّي لأستحي من ربّي أن ألقاه ولم أمشِ إلى بيته، فمشى عشرين مرّة من المدينة على رجليه" (٣) .

و ـ وعن علي بن جذعان : أنّ الحسن بن عليعليه‌السلام خرج من ماله مرتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرّات، حتى أن كان ليعطي نعلاً، ويمسك نعلاً ويعطي خفّاً ويمسك خفّاً(٤) .

وللإمام المجتبىعليه‌السلام أدعية شتّى رُويت عنه، وهي تتضمّن مجموعةً من المعارف والآداب، كما تحمل أدب التقديس لله تعالى والخضوع له والتذلّل بين يديه، ونشير إلى نموذج منها :

قالعليه‌السلام :"اللهمّ إنّك الخَلَفُ من جميع خَلقِك، وليس في خلقِكَ خَلَفٌ مثلُكَ، إلهِي من أحسنَ فبرحمتكَ، ومن أساء فبخطيئته، فلا الذي أحسنَ استغنى عن رَدفك ومعونتك، ولا الذي أساء استبدل بك وخرج من قدرتك، الهي بك عرفتك، وبك اهتديتُ إلى أمرك، ولو لا أنتَ لم أدرِ ما أنتَ، فيا من هو هكذا ولا هكذا غيره صلّ على محمد وآل محمد، وارزقني الإخلاص في عملي والسعة في رزقي، اللهمّ اجعل خير عملي آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيّامي يوم ألقاك، إلهي أطعتك ولك المنّة عليَّ في أحبّ الأشياء إليك : الإيمان بك والتصديق برسولك، ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك: الشرك بك

__________

(١) المناقب : ٣ / ١٨٠، والبحار : ٤٣ / ٣٣٩ .

(٢) بحار الأنوار: ٤٣ / ٣٣٩، وأخبار إصبهان : ١ / ٤٤ .

(٣) المناقب : ٣ / ١٨٠، وبحار الأنوار : ٤٣ / ٣٣٩ .

(٤) المصدر السابق .

٢٧

والتكذيب برسولك، فاغفر لي ما بينهما يا أرحم الراحمين"(١) .

وعن ابن كثير : أنّ الحسن كان يقرأ كلّ ليلة سورة الكهف في لوح مكتوب، يدور معه حيث دار من بيوت أزواجه قبل أن ينام وهو في الفراش(٢) .

لقد تغذّى الإمام الحسنعليه‌السلام بلباب المعرفة وبجوهر الإيمان وبواقع الدين، وانطبعت مُثُلُه في دخائل نفسه وأعماق ذاته، فكان من أشدّ الناس إيماناً، ومن أكثرهم إخلاصاً وطاعةً لله(٣) .

حلمه وعفوه :

لقد عُرف الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام بعظيم حلمه، وأدلّ دليل على ذلك هو تحمّله لتوابع صلحه مع معاوية الذي نازع علياً حقّه وتسلّق من خلال ذلك إلى منصب الحكم بالباطل، وتحمّلعليه‌السلام بعد الصلح أشد أنواع التأنيب من خيرة أصحابه، فكان يواجههم بعفوه وأناته، ويتحمّل منهم أنواع الجفاء في ذات الله صابراً محتسباً .

وروي أنّ مروان بن الحكم خطب يوماً فذكر علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فنال منه والحسن بن عليعليهما‌السلام جالس، فبلغ ذلك الحسينعليه‌السلام فجاء إلى مروان فقال : يا ابن الزرقاء! أنت الواقع في عليّ؟!، ثم دخل على الحسنعليه‌السلام فقال : تسمع هذا يسبّ أباك ولا تقول له شيئاً؟!، فقال : وما عسيتُ أن أقول لرجل مسلّط يقول ما شاء ويفعل ما يشاء .

__________

(١) مهج الدعوات : ١٤٤ .

(٢) راجع البداية والنهاية : ٨ / ٤٢، طبعة دار إحياء التراث العربي ١٤٠٨ هـ .

(٣) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣٢٦ .

٢٨

وذُكر أنّ مروان بن الحكم شتم الحسن بن عليعليه‌السلام ، فلمّا فرغ قال الحسن :إنّي والله لا أمحو عنك شيئاً، ولكن مهّدك الله، فلئن كنت صادقاً فجزاك الله بصدقك، ولئن كنت كاذباً فجزاك الله بكذبك، والله أشدّ نقمةً منِّي .

وروي أنّ غلاماً لهعليه‌السلام جنى جنايةً توجب العقاب، فأمر به أن يُضرب، فقال : يا مولاي ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) ، قال :عفوت عنك ، قال : يا مولاي( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ، قال :أنت حرٌ لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك (١) .

وروى المبرّد وابن عائشة: أنّ شاميّاً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يردّ، فلما فرغ أقبل الحسنعليه‌السلام فسلّم عليه وضحك، فقال :"أيها الشيخ! أظنّك غريباً؟ ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسَوْناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً" .

فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال : أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، والله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ ... (٢) .

كرمه وجوده :

إنّ السخاء الحقيقي هو بذل الخير بداعي الخير، وبذل الإحسان بداعي

__________

(١) بحار الأنوار : ٤٣ / ٣٥٢ .

(٢) العوالم (الإمام الحسن) : ١٢١ نقلاً عن المناقب : ٣ / ١٨٤ .

٢٩

الإحسان، وقد تجلّت هذه الصفة الرفيعة بأجلى مظاهرها وأسمى معانيها في الإمام أبي محمد الحسن المجتبىعليه‌السلام حتى لُقّب بكريم أهل البيت .

فقد كان لا يعرف للمال قيمةً سوى ما يردّ به جوع جائع، أو يكسو به عارياً، أو يغيث به ملهوفاً، أو يفي به دين غارم، وقد كانت له جفان واسعة أعدّها للضيوف، ويقال: إنّه ما قال لسائل "لا" قَطّ.

وقيل له : لأي شيء لا نراك تردّ سائلاً ؟ فأجاب :"إنّي لله سائل وفيه راغب، وأنا أستحي أن أكون سائلاً وأردّ سائلاً، وإنّ الله عوّدني عادةً أن يفيض نعمه عليَّ، وعوّدته أن أفيض نعمه على الناس، فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة" (١) .

واجتازعليه‌السلام يوماً على غلام أسود بين يديه رغيف يأكل منه لقمة ويدفع لكلب كان عنده لقمة أخرى، فقال له الإمام :ما حملك على ذلك؟ فقال الغلام : إنّي لأستحي أن آكل ولا أطعمه .

وهنا رأى الإمام فيه خصلة حميدة، فأحبّ أن يجازيه على جميل صنعه، فقال له :لا تبرح من مكانك ، ثم انطلق فاشتراه من مولاه، واشترى الحائط (البستان) الذي هو فيه، وأعتقه وملّكه إيّاه(٢) .

وروي أنّ جارية حيّته بطاقة من ريحان، فقالعليه‌السلام لها :أنت حرّة لوجه الله ، فلامه أنس على ذلك، فأجابهعليه‌السلام :"أدّبنا الله فقال تعالى : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا ) (٣) وكان أحسن منها إعتاقها" (٤) .

ومن مكارم أخلاقه أنّه ما اشترى من أحد حائطاً ثمّ افتقر البائع إلاّ ردّه عليه وأردفه بالثمن معه .

__________

(١) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣١٦ ـ ٣١٧ عن أنساب الأشراف: ١ / ٣١٩، والطبقات الكبرى: ١ / ٢٣ .

(٢) راجع البداية والنهاية : ٨ / ٣٨ .

(٣) النساء (٤) : ٨٦ .

(٤) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٣، وحياة الإمام الحسن : ١ / ٣٢٢ عن الخوارزمي.

٣٠

وجاءه فقير يشكو حاله ولم يكن عنده شيء في ذلك اليوم فعزّ عليه الأمر واستحى من ردّه، فقالعليه‌السلام له :إنّي أدلّك على شيء يحصل لك منه الخير، فقال الفقير: يا ابن رسول الله ما هو؟ قالعليه‌السلام :اذهب إلى الخليفة، فإنّ ابنته قد توفيت وانقطع عليها، وما سمع من أحد تعزيةً بليغة، فعزّه بهذه الكلمات يحصل لك منه الخير ، قال: يا ابن رسول الله حفّظني إيّاها، قالعليه‌السلام : قل له :"الحمد لله الذي سترها بجلوسك على قبرها، ولم يهتكها بجلوسها على قبرك" ، وحفظ الفقير هذه الكلمات وجاء إلى الخليفة فعزّاه بها، فذهب عنه حزنه وأمر له بجائزة، ثم قال له : أكلامك هذا؟ فقال : لا، وإنّما هو كلام الإمام الحسن، قال الخليفة : صدقت فإنّه معدن الكلام الفصيح، وأمر له بجائزة أخرى(١) .

لقد كانعليه‌السلام يمنح الفقراء برّه قبل أن يبوحوا بحوائجهم ويذكروا مديحهم، لئلا يظهر عليهم ذلّ السؤال(٢) .

تواضعه وزهده :

إنّ التواضع دليل على كمال النفس وسموّها وشرفها، والتواضع لا يزيد العبد إلاّ رفعةً وعظمةً، وقد حذا الإمام الحسنعليه‌السلام حذو جدّه وأبيه في أخلاقه الكريمة، وقد أثبت التاريخ بوادر كثيرة تشير إلى سموّ الإمام في هذا الخلق الرفيع، نشير إلى شيء منها :

أ ـ اجتاز الإمام على جماعة من الفقراء قد وضعوا على الأرض كسيرات وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها، فقالوا له: هلمّ يابن بنت رسول الله إلى الغذاء، فنزلعليه‌السلام وقال :"إنّ الله لا يحبّ المستكبرين" ، وجعل يأكل معهم حتى اكتفوا

__________

(١) نور الأبصار : ١٣٥ ـ ١٣٦ .

(٢) المصدر السابق : ٣٢٥، وحياة الإمام الحسن: ١ / ٣٢٥ .

٣١

والزاد على حاله ببركته، ثم دعاهم إلى ضيافته وأطعمهم وكساهم(١) .

ب ـ ومرّعليه‌السلام على صبيان يتناولون الطعام، فدعوه لمشاركتهم فأجابهم إلى ذلك، ثم حملهم إلى منزله فمنحهم برّه ومعروفه، وقال :"اليد لهم لأنّهم لم يجدوا غير ما أطعموني، ونحن نجد ما أعطيناهم" (٢) .

ورفض الإمام جميع ملاذّ الحياة ومباهجها متّجهاً إلى الدار الآخرة التي أعدّها الله للمتّقين من عباده، فمن أهمّ مظاهر زهده : زهده في الملك طلباً لمرضاة الله، ويتجلّى ذلك إذا لاحظنا مدى حرص معاوية على الملك واستعماله لكلّ الأساليب اللاأخلاقية للوصول إلى السلطة، بينما نجد الإمام الحسنعليه‌السلام يتنازل عن الملك حينما لا يراه يحقّق شيئاً سوى إراقة دماء المسلمين.

ومن جملة مظاهر زهده أيضاً: ما حدّث به مدرك بن زياد أنّه قال : كنّا في حيطان ابن عباس، فجاء ابن عبّاس وحسن وحسين فطافوا في تلك البساتين ثم جلسوا على ضفاف بعض السواقي، فقال الحسن :يا مدرك! هل عندك غذاء؟ فقلت له : نعم، ثم انطلقت فجئته بخبز وشيء من الملح مع طاقتين من بقل، فأكل منه، وقال :يا مدرك! ما أطيب هذا؟ ، وجيء بعد ذلك بالطعام وكان في منتهى الحُسن، فالتفتعليه‌السلام إلى مدرك وأمره بأن يجمع الغلمان ويقدّم لهم الطعام، فدعاهم مدرك فأكلوا منه ولم يأكل الإمام منه شيئاً، فقال له مدرك : لماذا لا تأكل منه؟ فقالعليه‌السلام :"إنّ ذاك الطعام أحبّ عندي" (٣) .

__________

(١) عوالم العلوم (الإمام الحسن) : ١٢٣ عن المناقب : ٣ / ١٨٧ .

(٢) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣١٣ عن الصبان على هامش نور الأبصار : ١٩٦ .

(٣) مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ٢١، طبعة دار الفكر .

٣٢

الباب الثاني:

فيه فصول:

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام المجتبىعليه‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام المجتبىعليه‌السلام في ظل جده وأبيهعليهم‌السلام .

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام

تاريخ ولادته :

أصحّ ما قيل في ولادته أُنه ولد بالمدينة في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وكان والدهعليه‌السلام قد بنى بالزهراء فاطمةعليها‌السلام وتزوّجها في ذي الحجة من السنة الثانية، وكان الحسن المجتبىعليه‌السلام أوّل أولادها(١) .

كيفية ولادته :

عن جابر : لمّا حملت فاطمةعليها‌السلام بالحسن فولدت كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمرهم أن يلفّوه في خرقة بيضاء، فلفّوه في صفراء، وقالت فاطمةعليها‌السلام :يا علي سمّه ، فقال :ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذه وقبّله، وأدخل لسانه في فمه، فجعل الحسنعليه‌السلام يمصّه، ثم قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ألم أتقدّم إليكم أن لا تلفّوه في خرقة صفراء ؟! فدعاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخرقة بيضاء فلفّه فيها ورمى الصفراء، وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثم قال لعليعليه‌السلام :ما سمّيته؟ قال :ما كنت لأسبقك باسمه ، فقال رسول

__________

(١) راجع كشف الغمة : ١ / ٥١٤، والبحار : ٤٤ / ١٣٦، والعوالم (الإمام الحسن) : ١٣ .

٣٣

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنت لأسبق ربّي باسمه، قال : فأوحى الله عزّ ذكره إلى جبرئيلعليه‌السلام : أنّه قد ولد لمحمد ابن، فاهبط إليه فاقرأه السلام وهنّئه منيّ ومنك، وقل له : إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل على النبي وهنّأه من الله عَزَّ وجَلَّ ومنه، ثم قال له : إنّ الله عَزَّ وجَلَّ يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون، قال : وما كان اسمه؟ قال : شبّر، قال : لساني عربي، قال : سمّه الحسن، فسمّاه الحسن(١) .

وعن جابر عن النبي: أنّه سمّى الحسن حسناً لأنّ بإحسان الله قامت السماوات والأرضون(٢) .

سنن الولادة :

وعقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده عن الحسن بكبش في اليوم السابع من ولادته، وقال : "بسم الله، عقيقة عن الحسن، اللهمّ عظمها بعظمه ولحمها بلحمه ودمها بدمه وشعرها بشعره، اللهمّ اجعلها وقاءً لمحمد وآله"، وأعطى القابلة شيئاً، وقيل: رجل شاة، وأهدوا منها إلى الجيران، وحلق رأسه ووزن شعره فتصدّق بوزنه فضة ورقاً(٣) .

رضاعه :

وجاء عن أم الفضل زوجة العباس ـ عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أنّها قالت : قلت : يا رسول الله! رأيت في المنام كأنَّ عضواً من أعضائك في حجري،

__________

(١) راجع معاني الأخبار : ٥٧ وعلل الشرائع : ١٣٨ وبحار الأنوار : ٤٣ / ٢٤٠ الحديث ٨ .

(٢) المناقب : ٣ / ١٦٦ .

(٣) العوالم : ٢٠ ـ ٢٢ نقلاً عن الكافي : ٦ / ٣٣ وعن عيون أخبار الرضا : ٢ / ٤٥ أنّ الزهراء أعطت القابلة رِجل شاة وديناراً .

٣٤

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خيراً رأيتِ، تلد فاطمة غلاماً فتكفلينه، فوضعت فاطمة الحسنعليه‌السلام فدفعه إليها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرضعته بلبن قُثَم بن العبّاس(١) .

كنيته وألقابه :

أما كنيته فهي : "أبو محمّد" لا غير .

وأما ألقابه فكثيرة، وهي : التقيّ والطيّب والزكيّ والسيّد والسبط والوليّ، كلّ ذلك كان يقال له ويطلق عليه، وأكثر هذه الألقاب شهرة "التقيّ" لكن أعلاها رتبة وأولاها به ما لقّبه به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث وصفه به وخصّه بأن جعله نعتاً له، فإنّه صحّ النقل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أورده الأئمة الأثبات والرواة الثقات أنّه قال : "إبني هذا سيّد"، فيكون أُولى ألقابه "السيّد".

نقش خاتمه :

عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام : ثم كان في خاتم الحسن والحسينعليهما‌السلام : "حسبي الله".

وعن الرضاعليه‌السلام : كان نقش خاتم الحسنعليه‌السلام "العزّة لله"(٢) .

حليته وشمائله :

عن جحيفة أنّه قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان الحسن بن علي يشبهه.

وعن أنس أنّه قال : لم يكن أحد أشبه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحسن بن

__________

(١) العوالم : ٢٣ عن البحار : ٤٣ / ٢٤٢ و ٢٥٥، والعدد القوية (مخطوط) : ٥، وكشف الغمّة : ١ / ٥٢٣ .

(٢) راجع الكافي : ٦ / ٤٧٣ و٤٧٤، والبحار : ٤٣ / ٢٥٨، والعوالم : ٢٩ .

٣٥

عليعليه‌السلام (١) .

ومن هنا وُصِف الإمام الحسن بن علي بأنه كان أبيض مشرّباً حمرةً، أدعج العينين(٢) ، سهل الخدّين، دقيق المسرُبَةِ(٣) ، كثّ اللحية، ذا وفرة(٤) كأنّ عنقه إبريق فضّة، عظيم الكراديس(٥) ، بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطويل ولا القصير، مليحاً، من أحسن الناس وجهاً، وكان يخضب بالسواد، وكان جعد الشعر(٦) ، حسن البدن(٧) .

لقد كان الحسن بن عليّعليهما‌السلام خير الناس أباً وأُمّاً وجدّاً وجدّة وعمّاً وعمّة وخالاً وخالةً، وتوفّرت له جميع عناصر التربية المثلى، وانطبعت حياته منذ ولادته ببصمات الوحي الإلهي والإعداد الربّاني على يدي خاتم الأنبياء وسيّد الأوصياء وسيدة النساء .

فالحسن ابن رسول الله جسماً ومعنىً، وتلميذه الفذّ، وربيب مدرسة الوحي التي شعّت على الناس هدىً ورحمة .

__________

(١) راجع كشف الغمة : ١ / ٥٢٢، والمناقب : ٣ / ١٦٥ نقلاً عن صحيح الترمذي .

(٢) شديدتي السواد مع سعتهما .

(٣) الشعر وسط الصدر إلى البطن .

(٤) الشعر إلى شحمة الأذن .

(٥) رؤوس المفاصل .

(٦) ضد السبط والاسترسال .

(٧) راجع كشف الغمة : ١ / ٥٢٥ والعوالم : ٣٠ .

٣٦

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام

تولّى الإمام الحسن السبطعليه‌السلام منصب الإمامة والقيادة بعد استشهاد أبيه المرتضىعليه‌السلام في الواحد والعشرين من رمضان سنة ٤٠ هجرية وهو في السابعة والثلاثين من عمره المبارك وقد عاش خلال هذه المرحلة مع جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يزيد على سبع سنوات ومع أبيه المرتضىعليه‌السلام فترة إمامته البالغة ثلاثين سنة تقريباً. وعاصر خلالها كلاًّ من الخلفاء الثلاثة وشارك بشكل فاعل في إدارة دولة أمير المؤمنين على بن أبي طالبعليه‌السلام .

واستمر بعد أبيه يحمل مشعل القيادة الربّانية حتى الثامن والعشرين أو السابع من شهر صفر سنة ٥٠ هجرية، وله يومئذ ثمان وأربعون سنة(١) .

إذن تنقسم حياة هذا الإمام العظيم إلى شطرين أساسيين:

الشطر الأول: حياته قبل إمامتهعليه‌السلام وينقسم هذا الشطر إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأُولى: حياته في عهد جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________

(١) الإرشاد : ١ / ١٥.

٣٧

المرحلة الثانية: حياته في عهد أبي بكر وعمر وعثمان.

المرحلة الثالثة: حياته في دولة أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام

الشطر الثاني: حياته بعد استشهاد أبيهعليه‌السلام وهو عصر إمامتهعليه‌السلام . وينقسم هذا الشطر إلى مرحلتين متميزتين:

المرحلة الأُولى: وتبدأ من البيعة له بالخلافة حتى الصلح.

المرحلة الثانية: وهي مرحلة ما بعد الصلح حتى استشهادهعليه‌السلام .

ونحن نبحث المراحل الثلاث الأُولى في الفصل الثاني من الباب الثاني، ونفرد البحث عن الشطر الثاني بباب مستقل، بعد أن نسلّط الأضواء الكافية على طبيعة عصر الإمامعليه‌السلام ومميزاته وخصائصه; لنخرج برؤي موضوعية ومنطقية عن سلامة مواقف الإمامعليه‌السلام سواء قبل الصلح وبعده، ولنري ما حقّقه هذا الإمام الهمام والشجاع الصابر، ونلاحظ كيف استطاع أن يؤدي دوره الكبير في أخطر مرحلة من مراحل تأريخنا الإسلامي بمواقفه الرسالية ومنطلقاته المبدئية، وكيف استطاع أن يصل إلى الأهداف الرسالية التي جعلها الله تعالى على عاتقه كإمام معصوم يراد منه تحقيق أهداف الرسالة الإسلامية الكبرى .

٣٨

الفصل الثالث: الإمام المجتبىعليه‌السلام في ظلّ جده وأبيهعليهم‌السلام

الإمام الحسنعليه‌السلام في عهد الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ولد الإمام الحسنعليه‌السلام في حياة جدّه الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاش في كنفه سبع سنوات وستّة أشهر من عمره الشريف، وكانت تلك السنوات على قلّتها كافية لأن تجعل منه الصورة المصغّرة عن شخصية الرسول حتى ليصبح جديراً بذلك الوسام العظيم الذي حباه به جدّه، حينما قال له :"أشبهت خلقي وخلقي" (١).

والرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي تحمّل مسؤولية هداية ورعاية الأُمة، ومسؤولية تبليغ الرسالة وتطبيقها وحماية مستقبلها وذلك بوضع الضمانات التي لا بدّ منها في هذا المجال، وهو المطّلع ـ عن طريق الوحي ـ على ما ينتظر هذا الوليد الجديد من دور قيادي هامّ، والمأمور بالإعداد لهذا الدور، وذلك ببناء شخصية هذا الوليد بناءً فذّاً يتناسب مع المهام الجسام التي تؤهله للاضطلاع بها على صعيد هداية الأُمة وقيادتها .

__________

(١) حياة الإمام الحسن: ١ / ٦٧، وسيرة الأئمة الإثني عشر للحسني: ١ / ٥١٣، وصلح الإمام الحسن لفضل الله ـ ١٥ عن الغزالي في إحياء العلوم وحول شبهه عليه‌السلام بجدّه راجع : تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٢٢٦ ط صادر، والبحار ج١٠، وأعيان الشيعة ج٤، وذكر ذلك العلاّمة المحقّق الأحمدي عن كشف الغمة : ١٥٤، والفصول المهمة للمالكي، والإصابة: ١ / ٣٢٨، وكفاية الطالب ٢٦٧، وتهذيب تاريخ ابن عساكر: ٤ / ٢٠٢، وينابيع المودة: ١٣٧، وتاريخ الخلفاء: ١٢٦ ـ ١٢٧، والتنبيه والاشراف: ٢٦١ .

٣٩

إن كلمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام الحسنعليه‌السلام :"أشبهت خَلقي وخُلقي" تعدّ وسام الجدارة والاستحقاق لذلك المنصب الإلهي الذي هو وراثة الرسالة وخلافة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد خلافة وصيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وإنّ إحدى مهامّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلق المناخ الملائم لدى الأُمة التي يفترض فيها أن لا تستسلم لمحاولات الابتزاز لحقّها المشروع في الاحتفاظ بقيادتها الإلهية، وأن لا تتأثر بعمليات التمويه والتشويه لطمس الركائز التي تقوم عليها رؤيتها العقائدية والسياسية التي حاول الإسلام تعميقها وترسيخها في ضمير الأُمة .

ومن هنا نعرف الهدف الذي كان يرمي إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تأكيداته المتكررة على ذلك الدور الذي كان ينتظر الإمام الحسن وأخاهعليهما‌السلام منها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :"إنّهما إمامان قاما أو قعدا" (١) و"أنتما الإمامان، ولاُمّكما الشفاعة" (٢) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :"أنت سيّد، ابن سيّد، أخو سيّد، وأنت إمام، ابن إمام، أخو إمام، وأنت حجة، ابن حجة، أخو حجة، وأنت أبو حجج تسعة، تاسعهم قائمهم" (٣) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإمام الحسنعليه‌السلام :"هو سيّد شباب أهل الجنة، وحجة الله على الأُمة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنّه منّي، ومن عصاه فإنّه ليس منّي ..." (٤) .

__________

(١) راجع كتاب أهل البيت تأليف توفيق أبو علم: ٣٠٧، والإرشاد للمفيد ٢٢٠، وكشف الغمة للأربلي: ٢ / ١٥٩، وعلل الشرائع: ١ / ٢١١، والمناقب لابن شهر آشوب: ٣ / ٣٦٧ وعبر عنه بالخبر المشهور.

(٢) إثبات الهداة: ٥ / ٥٢، والإتحاف بحب الأشراف : ١٢٩ .

(٣) ينابيع المودة: ١٦٨، وإثبات الهداة : ٥ / ١٢٩ .

(٤) فرائد السمطين : ٢ / ٣٥، وأمالي الصدوق : ١٠١ وحول ما يثبت إمامة الإمام الحسن عليه‌السلام راجع : ينابيع المودة : ص٤٤١ و٤٤٢ و٤٤٣ و٤٨٧ عن المناقب، وفرائد السمطين : ٢ / ١٤٠ ـ ١٣٤ ـ١٥٣ ـ ٢٥٩ وفي هوامشه عن المصادر التالية : غاية المرام: ٣٩، وكفاية الأثر المطبوع في آخر الخرائج والجرائح: ٢٨٩، وعيون أخبار الرضا: باب ٦ ص٣٢، وبحار الأنوار : ٣ / ٣٠٣ و ٣٦ / ٢٨٣ و٤٣ / ٢٤٨.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

دمشق قوله: (... فبينا أنا كذلك، حتّى رأيت الرايات يتلو بعضها بعضاً، فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان، عليه رأس أشبه الناس وجهاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ! فإذا أنا من ورائه رأيت نسوة على جِمال بغير وطاء ...)(١) .

وإنّ صفة دخول بقيّة أهل البيتعليهم‌السلام على يزيد كاشفة عن حالهم الأصعب أثناء الطريق، يقول السيّد ابن طاووس (ره): (ثمّ أُدخِل ثِقل الحسينعليه‌السلام ونساؤه ومَن تخلّف من أهله على يزيد، وهم مقرَّنون في الحبال! فلما وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال، قال له عليّ بن الحسين:

(أُنشدك الله يا يزيد! ما ظنّك برسول الله لو رآنا على هذه الحال؟! ...) (٢) .

____________________

= وقال المرحوم النمازي: (سهل بن سعد الساعدي الأنصاري، من أصحاب رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، وكان عمره عند وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خمس عشرة سنة، وعاش إلى ٨٨ - ٩١، رواياته في الفضائل (راجع: البحار: ٣٩: ١٢) وفي أسماء الأئمة الاثني عشر وفضائلهم والتصريح بإمامتهم (راجع: البحار: ٣٦: ٣٥١).

وروى عنه ابنه عباس، عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، عدد الأئمة صلوات الله عليهم (راجع: البحار: ٣٦: ٣٥٢) وهو ممّن شهد لعليعليه‌السلام بحديث الغدير (راجع: الغدير: ١: ٤٥)، ولقي أهل بيت الحسينعليه‌السلام في الشام، وبكى لهم وقضى حاجة سكينة بنت الحسينعليهما‌السلام (راجع: البحار: ٤٥: ١٢٧) - (مُستدركات علم رجال الحديث: ٤: ١٧٨ رقم ٦٧٢٣).

(١) البحار: ٤٥: ١٢٨ باب ٣٩.

(٢) اللهوف: ٢١٣ / وقال ابن أعثم الكوفي في كتابه الفتوح: ٥: ١٤٧: (فسار القوم بحُرَم رسول الله من الكوفة إلى بلاد الشام، على محامل بغير وطاء، من بلد إلى بلد، ومن منزل إلى منزل، كما تُساق أُسارى التُّرك والديلم ...).

وقال ابن سعد في طبقاته: (وقدم رسول من قِبَل يزيد بن معاوية، يأمر عبيد الله أن يُرسل إليه بثقل الحسين ومَن بقي من ولْده وأهل بيته ونسائه، فأسلفهم أبو خالد ذكوان عشرة آلاف درهم تجهّزوا بها! (راجع: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير =

١٨١

وفي خُطبة مولاتنا زينب العقيلةعليها‌السلام في مجلس يزيد، صورة وافية لطريقة حمل بقيّة أهل البيتعليهم‌السلام من الكوفة إلى الشام، حيث قالتعليها‌السلام وهي تُقرِّع الطاغية:

(أمِنَ العدل - يا بن الطلقاء - تخديرك حرائرك وإماءك، وسَوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكتَ ستورهنّ! وأبديت وجوههنّ! تحْدوا بهنّ الأعداء من بلدٍ إلى بلد! ويستشرفهنّ أهل المناهل والمناقل! ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد، والدنيّ والشريف! ليس معهنّ من رجالهنّ وليّ، ولا من حُماتهنّ حميّ؟! ...)(١) .

هل كانت الرؤوس المقدّسة مع الركْب الحسينيّ؟

يُستفاد من النصوص التي مضت عن السيّد ابن طاووس (ره)، أنّ الرؤوس المقدّسة كانت مع الركب الحسينيّ في حركته من الكوفة إلى الشام.

____________________

= لابن سعد / تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي: ٨١)، ولا يخفى ما في آخر هذا الخبر من الغرابة والإبهام! فمَن هو أبو خالد ذكوان؟ إنّنا لم نعثر له على ترجمة في الرجال!

ثمّ هل أسلف الركب الحسينيّ ذلك المبلغ؟ وما حاجتهم إلى المال وهم في قيد الأسر والحبس؟! أم هو أسلف عبيد الله بن زياد وجماعته؟ وهل يُتصوّر إمكان حاجة هذا الطاغية المتسلّط على العراق إلى مثل هذا المبلغ؟!

والغريب من ابن سعد في طبقاته أيضاً، أنّه يروي لذكوان أبي خالد هذا دوراً آخر، حيث يقول في نفس الصفحة: (وأمر عبيد الله بن زياد بحبس مَن قدم به عليه من بقيّة أهل حسين معه في القصر، فقال ذكوان أبو خالد: خلّ بيني وبين هذه الرؤوس فأدفنها. ففعل، فكفّنها ودفنها بالجبّانة، وركب إلى أجسادهم فكفّنهم ودفنهم!!!).

(١) اللهوف: ٢١٦.

١٨٢

لكنّ نصوصاً أُخرى، تُشعر أنّ الرؤوس المقدّسة سبقت الركب الحسينيّ إلى الشام، كما في نصّ الشيخ المفيد (ره)؛ حيث يقول: (ولما فرغ القوم من التطوّف به - أي الرأس المقدّس - بالكوفة، ردّه إلى باب القصر، فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس(١) ، ودفع إليه رؤوس أصحابه، وسرّحه إلى يزيد بن معاوية عليهم لعائن الله ولعنة اللاعنين في السماوات والأرضين، وأنفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي،(٢)

____________________

(١) ويرد اسمه في بعض المصادر: زجر بن قيس، وفي بعض المصادر زفر بن قيس، وهو غير صحيح، بل الصحيح - كما هو المنقول عن المتقدّمين -: زحر بن قيس. (راجع مثلاً: كتاب النسب: ٣٢١ / لأبي عبيد، القاسم بن سلام، المتوفَّى سنة ١٥٤ هـ، وكتاب جمهرة أنساب العرب: ٤٠٩ / للأندلسي المتوفّى سنة ٣٨٤ هـ).

وهذا الرجل كان من أصحاب أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ورسوله إلى جرير بن عبد الله إلى الريّ، ثمّ رسوله إلى الخوارج، وكان معه في حرب الجَمل، وله أشعار في مدحه، وله قضايا ومواقف في صِفّين، ولكن استحوذ عليه الشيطان، فكانت عاقبته أن التحق بجنود الكفر والشيطان، وصار من أقرب الناس إلى عبيد الله بن زياد ومن خواصّه، ولقد فوّض إليه مُهمّة حمل الرأس الشريف وسائر الرؤوس الطاهرة ليحملها إلى الشام، وحينما حمل بقيّة أهل البيتعليهم‌السلام إلى الكوفة كان زحر هذا يضربهم بالسوط!

وقد روى محمد بن جرير بن رستم الطبري، أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام قال لزهير بن القينرضي‌الله‌عنه :(اعلم أنّ هاهنا مشهدي - أي كربلاء -ويُحمل هذا من جسدي - يعني رأسه -زحر بن قيس، فيدخل به على يزيد يرجو نواله، فلا يُعطيه شيئاً) . (راجع: دلائل الإمامة: ١٨٢ رقم ٩٧ / ٢).

ومن غرائب وعجائب بعض علماء الرجال من أهل السنّة، أنّهم يعدّون زحر بن قيس من الثقات (راجع: كتاب الثقات لابن حبّان: ٤: ٢٧٠)، ويُعبّر عنه ابن حبّان أنّه من كبّار التابعين، ولا يُشير بشيء إلى سوء عاقبته! وانظر أيضاً مقالة البخاري في تاريخه: ٣: ٤٤٥.

(٢) وكان عثمانيّاً تخلّف عن أمير المؤمنين يوم الجَمل، وحضر معه يوم صِفّين لنصرته، وكان مُنافقاً يُكاتب معاوية سرّاً وكان عنده كريماً. (راجع: مُستدركات علم رجال الحديث: ٨: ٣٣٩).

١٨٣

وطارق بن أبي ظبيان(١) ، في جماعة من أهل الكوفة، حتّى وردوا بها على يزيد بدمشق)(٢) .

وأوضح من ذلك في هذا الصدد، ما قاله الشيخ المفيد (ره) أيضاً: (ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسينعليه‌السلام أمر بنسائه وصبيانه فجُهِّزوا، وأمر بعليّ بن الحسين فغُلّ بغلّ إلى عنقه، ثمّ سرّح بهم في أثر الرأس مع مجفر بن ثعلبة العائذي، وشمر بن ذي الجوشن، فانطلقوا بهم حتّى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس، ولم يكن عليّ بن الحسينعليه‌السلام يُكلّم أحداً من القوم في الطريق كلمة حتّى بلغوا ...)(٣) .

____________________

(١) وقال النمازي أيضاً: (طارق بن أبي ظبيان (أبي شهاب)، من الذين ذهبوا برأس الحسينعليه‌السلام إلى دمشق بأمر عبيد الله بن زياد) (راجع: مُستدركات علم رجال الحديث: ٤: ٢٨٤).

(٢) الإرشاد: ٢: ١١٨.

(٣) الإرشاد: ٢: ١١٩، وانظر: تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٨، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي: ١٩٣، ومُختصر تاريخ دمشق: ٢٤: ١١١، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٥٨.

وينقل المحقِّق القرشي، عن عبد الباسط الفاخوري قوله: (ثمّ إنّ عبيد الله جهّز الرأس الشريف، وعليّ بن الحسين ومَن معه من حرمه، بحالة تقشعرُّ منها ومن ذكرها الأبدان، وترتعد منها مفاصل الإنسان، بل فرائص الحيوان) (حياة الإمام الحسين بن عليّعليهما‌السلام : ٣: ٣٦٧ عن تحفة الأنام في مُختصر تاريخ الإسلام: ٨٤).

وقال أبو طالب المكّي: (ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد جهّز عليّ بن الحسين، ومَن كان مع الحسين من حرمه، بعد أن اعتمدوا ما اعتمدوه من سبي الحريم وقتل الذراري، ممّا تقشعرُّ من ذكره الأبدان وترتعد منه الفرائص إلى البغيض يزيد بن معاوية ...). (قوت القلوب: ١: ٧٥).

وإن تعجب فعجب قول ابن تيميّة، في مخالفته الحقيقة التأريخية المسلّمة، حيث يقول: سيّر ابن زياد حرم الحسين بعد قتله إلى المدينة)!! (راجع: المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي: ٢٨٨).

١٨٤

منازل الطريق من الكوفة إلى دمشق:

هناك طريقان يصلان بين الكوفة ودمشق، عرضت لذكرهما بعض الكُتب التي تناولت الحديث في قصّة سفر الركب الحسينيّ من الكوفة إلى الشام، وهذان الطريقان هما:

١ - الطريق السلطاني:

وهو الطريق الذي ذكره الميرزا النوري(١) ، وذهب إلى أنّ بقيّة الركب الحسيني كانوا قد سلكوا هذا الطريق من الكوفة إلى الشام، وعلى هذا كان الميرزا النوري قد استبعد أن تكون زيارة الأربعين التي زار بها بقيّة أهل البيتعليهم‌السلام قبر الحسينعليه‌السلام في الأربعين يوماً الأُولى بعد مقتله في سنة ٦١ للهجرة.

وهذا الطريق مع طوله وكثرة منازله، لا يمكن لسالك يجدّ السير فيه ولا يلوي على أحد ولا يتوقّف في منزل أن يسلكه في أقلّ من عشرة أيّام، ولو أردنا أن نقبل بأنّ مسير الركب الحسيني كان على هذا الطريق، ونقبل جميع ما حدث لهم في منازله، لاستغرق ذلك سنة من الزمان على قول بعض المحقّقين!(٢) .

ومنازل هذا الطريق - على ما ذهب إليه فرهاد ميرزا صاحب كتاب (قمقام زخّار) - هي: حرّان، حصاصة، تكريت، وادي النخلة، برصاباد، الموصل، عين الوردة، قنسرين، معرّة النعمان، كفرطاب، الشيرز، الحمى (حماة)، حمْص، بعلبك(٣) .

____________________

(١) اللؤلؤ والمرجان: ١٥٠.

(٢) راجع: كتاب تحقيق حول زيارة الأربعين / للمرحوم الشهيد المحقّق قاضي الطباطبائي: ١٩٣.

(٣) قمقام زخّار: ٢: ٥٤٨ / للمرحوم فرهاد ميرزا المتوفَّى سنة ١٣٠٥ هـ ق.

١٨٥

وقد وردت أسماء منازل هذا الطريق في المقتل المنسوب لأبي مخنف مُتفاوتة في الترتيب، مع إضافة ونقص(١) .

والمتأمّل في الخرائط الجغرافية، يجدها لا تقبل بترتيب بعض تلك المنازل!! ويقول المرحوم المحدّث الشيخ عبّاس القميّ: (اعلم أنّ ترتيب المنازل التي نزلوها في كلّ مرحلة، باتوا بها أم عبروها، منها غير معلوم ولا مذكور في شيء من الكُتب المعتبرة، بل ليس في أكثرها كيفيّة مسافرة أهل البيت إلى الشام ...)(٢) .

٢ - الطريق المستقيم (طريق عرب عقيل):

وهو طريق يُمكن قطعه في مدّة أسبوع؛ لكونه مستقيماً، وممّن ذهب إلى أنّ أهل البيتعليهم‌السلام سلكوا هذا الطريق هو المرحوم السيد محسن الأمين في موسوعته الكبيرة (أعيان الشيعة)؛ حيث يقول: (... والمشهور أنّهم وصلوا إلى كربلاء في العشرين من صفر، ومنه زيارة الأربعين الواردة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام للحسينعليه‌السلام .

وقد يُستبعد ذلك: بأنّ المسافة بين العراق والشام تُقطع في نحو من شهر، ولابدّ يكونوا بقوا في الشام مدّة، فكيف يمكن استيعاب الذهاب والإياب والبقاء في الشام، والذهاب للكوفة والبقاء فيها، أربعين يوماً؟!

ويمكن دفع الاستبعاد: بأنّه يوجد طريق بين الشام والعراق، يمكن قطعه في أسبوع؛ لكونه مُستقيماً، وكان عرب عقيل يسلكونه في زماننا.

وتدلّ بعض الأخبار، على أنّ البريد كان يذهب من الشام للعراق في أسبوع،

____________________

(١) راجع: المقتل المنسوب لأبي مخنف / ص ١٨٠.

(٢) نفس المهموم: ٤٢٥.

١٨٦

وعرب صليب يذهبون من حوران للنجف في نحو ثمانية أيّام.

فلعلّهم سلكوا هذا الطريق، وتزوّدوا ما يكفيهم من الماء، وأقلّوا المقام في الكوفة والشام، والله أعلم.)(١) .

ونحن أيضاً نُرجّح أنّ أعداء الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا قد سلكوا ببقيّة الركب الحسيني في سفرهم من الكوفة إلى الشام أقصر الطرق مسافة، سواء أكان طريق عرب عقيل أم غيره، ونستبعد أنّهم سلكوا ما يُسمّى بالطريق السلطاني الطويل.

ذلك؛ لأنّ من الطبيعي يومذاك أن يحرص كلٌّ من يزيد وابن زياد وجلاوزتهم، الموكّلين ببقيّة الركب الحسيني على وصول هذا الركب إلى دمشق في أسرع وقت ممكن! ويتوسّلوا بكلّ الوسائل المساعدة لتحقيق هذه الرغبة!

أمّا يزيد لعنه الله؛ فلكي يروي ظمأه إلى التشفّي بمشهد انكسار أهل البيتعليهم‌السلام من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين، مُتوهماً أنّ بني أُميّة عدلوا يوم عاشوراء ببدْر فاعتدل! حتّى استشهد بشعر ابن الزبعرى في هذا المعنى! جذلان بمظاهر الظفر المكذوب!

وأمّا ابن زياد لعنه الله؛ فلكي يُري أميره يزيد كيف نفّذ أوامره كما يُحبّ ويرضى! حتّى يحظى عنده بمزيد من الوجاهة والمنزلة والاعتماد، فهو على عجلة من أمر وصول بقيّة الركب الحسيني إلى الشام بأسرع وقت، من أجل دفقة سرور موهومة، تدخل على قلب يزيد، تنعكس آثارها الإيجابية على حياة ابن زياد ومصيره!

وأمّا الجلاوزة لعنهم الله الذين رافقوا الركب الحسيني، فهم أشدّ لهفة إلى

____________________

(١) أعيان الشيعة: القسم الأول من الجزء الرابع، وعنه كتاب تحقيق حول زيارة الأربعين: ١٩٣.

١٨٧

الوصول بالركب إلى الشام بأسرع ما يُمكن من الوقت؛ طمعاً في نوال جوائز يزيد، والحصول على مزيد من الحظوة عنده!

فكانت جميع مصالح الطغاة وجلاوزتهم تدعو إلى اعتساف أقصر الطرق من الكوفة إلى الشام!! ويُذكَر أيضاً أنّ جلاوزة ابن زياد حينما خرجوا برأس الحسينعليه‌السلام من الكوفة، كانوا يخافون من قبائل العرب أن تثور فيهم الغيرة والحميّة، فكانوا يخشون أن يأخذوا منهم الرأس المقدّس؛ ولذا كانوا يتجنّبون السير على الجادّة المعروفة، وكلّما وصلوا إلى قبيلة طلبوا العلوفة وقالوا معنا رأس خارجيّ!(١) .

جُملة من وقائع الطريق إلى الشام:

أشارت مصادر تاريخية، إلى جملة من وقائع حدثت على طريق الركب الحسيني من الكوفة إلى الشام، نورد هنا ذكر هذه الوقائع - ممّا اشتُهر منها، وممّا لم يتفرّد به المقتل المنسوب إلى أبي مخنف - في ضوء تتابعها حسب منازل الطريق ما أمكننا ذلك، وهي:

١ - خروج يدٍ من الحائط تكتب بمدادٍ من الدم!

روى الخوارزمي بسند عن ابن لهيعة(٢) ، عن أبي قبيل(٣) ، قال: (لما قُتِل

____________________

(١) راجع: قمقام زخّار: ٢: ٥٤٨ نقلاً عن كامل البهائي: ٢: ٢٩٢.

(٢) هو عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرعان بن ربيعة بن ثوبان الحضرمي الأعدولي وروى عن جماعة منهم أبو قبيل.

قال روح بن صلاح: لقي ابن لهيعة اثنين وسبعين تابعياً.

وعن أحمد بن حنبل: مَن كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه؟ ومات سنة أربع أو ثلاث وسبعين. (راجع تهذيب الكمال: ١٥: ٤٨٧ رقم ٣٥١٣).

=

١٨٨

الحسينعليه‌السلام بعث برأسه إلى يزيد، فنزلوا أوّل مرحلة، فجعلوا يشربون ويبتهجون بالرأس! فخرجت عليهم كفّ من الحائط، معها قلم من حديد، فكتبت سطراً بدم:

أترجو أُمّةٌ قتلت حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب؟!)(١)

وفي المقتل المنسوب إلى أبي مخنف: أنّ ابن زياد دعا الشمر اللعين،

____________________

= (٣) واسمه حيّ بن هاني بن ناضر، أبو قبيل المعافري، روى عنه جماعة منهم ابن لهيعة. وعن أبي حاتم: صالح الحديث. وقال أبو سعيد بن يونس: توفِّي بالبُرُلس سنة ثمان وعشرين ومئة. (راجع: سير أعلام النبلاء: ٥: ٢١٤ رقم ٨٦، وتهذيب الكمال: ٧: ٤٩٠ رقم ١٥٨٦).

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ١٠٥ - ١٠٦ رقم ٢٨، ورواه أيضاً مُحبّ الدين الطبري في كتابه ذخائر العُقبى: ١٤٥ بتفاوت يسير، وفي آخره: (فهربوا وتركوا الرأس)، وقال الطبري: خرّجه ابن منصور بن عمّار. ورواه ابن المغازلي في المناقب: ٣٨٨ رقم ٤٤٢ وفيه: (فلما صار الليل قعدوا يشربون ويتحيّون بالرأس ...)، وليس فيه ذكر أنّ هذه الواقعة حصلت في الطريق إلى الشام، وقال مُحقّق كتاب ابن المغازلي (البهبودي) في حاشية نفس الصفحة: أخرجه العلاّمة الطبراني في المعجم الكبير: ١٤٧ نسخة جامعة طهران وخرّجه عنه الحافظ الكنجي في الكفاية: ٢٩١ ط و ٤٣٩ ط، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: ٩ / ١٩٩، والحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام: ٣ / ١٣، والحافظ السيوطي في الخصائص الكبرى: ٢ / ١٢٧، وأخرجه المحبّ الطبري في الذخائر: ١٤٥ ...)، وانظر: الإتحاف بحُبِّ الأشراف: ٢٣، ونظم درر السمطين: ٢١٩ و ٢٣٨، والخُطط المقريزية: ٢: ٢٨٦، وتاريخ مدينة دمشق: ١٤: ٢٤٤، وينبغي التنويه أنّ بعض هذه المصادر لم تُشخِّص أنّ هذه الواقعة حصلت في الطريق إلى الشام.

وقال الشيخ عبّاس القمّي (ره): (وروي عن كتب الفريقين، أنّ حاملي الرأس الشريف لما نزلوا في أوّل مرحلة جعلوا يشربون ويتبجّحون بالرأس فيما بينهم، فخرجت عليهم كفّ من الحائط، معها قلم من حديد فكتبت أسطراً بدم:

أترجو أُمّةٌ قتلت حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب

ففزعوا من ذلك وارتاعوا، ورحلوا من ذلك المنزل) (نفس المهموم: ٤٢٢).

١٨٩

وخولّي، وشبث بن ربعي، وعمر بن سعد(١) ، وضمّ إليهم ألف فارس! وأمرهم بأخذ السبايا والرؤوس إلى يزيد، وأمرهم أن يشهروهم في كلّ بلدة يدخلونها! فساروا على ساحل الفرات، فنزلوا على أول منزل كان خراباً، فوضعوا الرأس الشريف المبارك المكرّم، والسبايا مع الرأس الشريف، وإذا رأوا يداً خرج من الحائط معه (كذا) قلم، يكتب بدم عبيط شعراً:

أترجو أُمّةٌ قتلت حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب

فـلا والله لـيس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

لقد قتلوا الحسين بحكم جَور

وخالف أمرُهم حُكمَ الكتاب

فهربوا، ثمّ رجعوا، ثمّ رحلوا من ذلك المنزل، وإذا هاتف يقول:

ماذا تـقولون إذ قـال الـنبيّ لـكم

ماذا فـعـلتم وأنـتم آخـر الأُمَـم

بـعِـترتي وبـأهـلي بـعد مُـفتقدي

مـنهم أُسـارى ومـنهم ضُـرِّجوا بدم

مـا كـان هـذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحِمي)(٢)

وروى الخوارزمي، عن إمامٍ لبني سليم، قال: حدّثنا أشياخنا، قالوا: دخلنا في الروم كنسية لهم، فوجدنا في الحائط صخرة، فيها مكتوب:

أترجو أُمّة قتلت حسيناً

شفاعة جدِّه يوم الحساب

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

فقلنا لشيخ في الكنيسة: منذ كم هذا الكتاب؟

فقال: من قبل أن يُبعَث صاحبكم بثلاثمئة عام!!)(٣) .

____________________

(١) في رفْقة خولّي وشبث وعمر بن سعد تأمُّل، خصوصاً عمر بن سعد. (راجع: نفس المهموم: ٣٨٦).

(٢) راجع إحقاق الحقّ: ١١: ٥٦٤، ومُنتخب الطريحي: ٤٨٠.

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ١٠٦ رقم ٢٩.

١٩٠

وفي (تاريخ الخميس) يقول الديار بكري: (فساروا إلى أن وصلوا إلى دير في الطريق، فنزلوا ليَقيلوا به، فوجدوا مكتوباً على بعض جدرانه:

أترجو أُمّة قتلت حسيناً

شفاعة جدِّه يوم الحساب

فسألوا الراهب عن السطر، ومَن كتبه.

فقال: إنّه مكتوب هاهنا من قبل أن يُبعث نبيّكم بخمسمئة عام!)(١) .

٢ - قصّة الراهب مع الرأس المقدّس!

قال سبط بن الجوزي في (تذكرة الخواص): (وذكر عبد الملك بن هاشم في كتاب (السيرة) الذي أخبرنا القاضي الأسعد أبو البركات، عبد القويّ بن أبي المعالي بن الحبّار السعدي، في جمادى الأوّل سنة تسع وستّمئة بالديار المصرية قراءةً عليه ونحن نسمع قال: أنبأنا أبو محمّد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي، في جمادى الأُولى سنة خمس وخمسين وخمسمئة، قال: أنبأنا أبو الحسين عليّ بن الحسين الخلعي، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمان بن عمر بن سعيد النحّاس النحيي: أنبأنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد بن رنجويه البغدادي: أنبأنا أبو سعيد عبد الرحيم بن عبد الله البرقي: أنبأنا أبو محمد عبد الملك بن هشام النحوي البصري(٢) ، قال:

____________________

(١) تاريخ الخميس: ٢: ٧٥ و٢٩٩، وانظر: تاريخ مدينة دمشق: ٢٤: ٢٤٣، ومُحاضرة الأبرار ومُسامرة الأخيار: ٢: ٢٢٥، وأخبار الدول للقرماني: ١٠٨ وفيه: (وقيل: إنّ الجدار انشقّ وظهر فيه كفّ مكتوب عليه هذا السطر! ...).

(٢) قال الذهبي: (عبد الملك بن هشام بن أيّوب، العلاّمة النحوي الأخباري، أبو محمد الذهلي السدوسي، وقيل: الحميري، المعافري، البصري، نزيل مصر، وتوفِّي سنة ثمان ومئتين) (سير أعلام النبلاء: ١٠: ٤٢٨ رقم ١٣١).

١٩١

لما أنفذ ابن زياد رأس الحسينعليه‌السلام إلى يزيد بن معاوية مع الأُسارى، موثّقين في الحبال، منهم نساء وصبيان وصبيّات من بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، على أقتاب الجِمال، موثّقين مُكشّفات الوجوه والرؤوس! وكلّما نزلوا منزلاً أخرجوا الرأس من صندوق أعدّوه له، فوضعوه على رمح وحرسوه طول الليل إلى وقت الرحيل، ثمّ يُعيدوه إلى الصندوق ويرحلوا، فنزلوا بعض المنازل، وفي ذلك المنزل دَيْرٌ فيه راهب، فأخرجوا الرأس على عادتهم، ووضعوه على الرمح، وحرسه الحرس على عادته، وأسندوا الرمح إلى الدَيْر.

فلما كان في نصف الليل، رأى الراهب نوراً من مكان الرأس إلى عنان السماء! فأشرف على القوم وقال: مَن أنتم؟

قالوا: نحن أصحاب ابن زياد.

قال: وهذا رأس مَن؟!

قالوا: رأس الحسين بن عليّ بن أبي طالب، ابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله !

قال: نبيّكم؟!

قالوا: نعم!

قال: بِئْسَ القومُ أنتم! لو كان للمسيح ولَد لأسكنّاه أحداقنا!

ثمّ قال: هل لكم في شيء؟

قالوا: وما هو؟

قال: عندي عشرة آلاف دينار، تأخذونها وتُعطوني الرأس يكون عندي تمام الليلة، وإذا رحلتم تأخذونه!

قالوا: وما يضرُّنا؟!

فناولوه الرأس، وناولهم الدنانير، فأخذه الراهب فغسَّله وطيّبه، وتركه على فخذه، وقعد يبكي الليل كلّه! فلما أسفر الصبح قال: يا رأس، لا أملك إلاّ نفسي،

١٩٢

وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ جدّك محمّداً رسول الله، وأُشهِد الله أنَّني مولاك وعبدك!

ثمّ خرج عن الدَّيْر وما فيه، وصار يخدم أهل البيت!

قال ابن هشام في السيرة: ثمّ إنّهم أخذوا الرأس وساروا، فلما قربوا من دمشق قال بعضهم لبعض: تعالوا حتّى نُقسّم الدنانير لا يراها يزيد فيأخذها منّا!

فأخذوا الأكياس وفتحوها، وإذا الدنانير قد تحوّلت خزَفاً! وعلى أحد جانبي الدينار مكتوب:( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) الآية، وعلى الجانب الآخر:( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) فرمَوها في برَدى(١) )(٢) .

أمّا الخوارزمي، فقد روى نظير هذه القصّة، حيث قال: (وروي: أنّ رأس الحسينعليه‌السلام لما حُمل إلى الشام، جنّ عليهم الليل فنزلوا عند رجُلٍ من اليهود، فلما شربوا وسكروا قالوا له: عندنا رأس الحسين!

فقال لهم: أروني إيّاه!

فأروه إيّاه بصندوق يسطع منه النور إلى السماء! فعجب اليهودي! واستودعه منهم فأودعوه عنده، فقال اليهودي للرأس - وقد رآه بذلك الحال -: اشفع لي عند جدّك! فأنطق الله الرأس وقال:(إنّما شفاعتي للمحمّديين، ولستَ بمحمّدي!) .

____________________

(١) نهر بدمشق، مخرجه من الزبداني.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٣٦ - ٢٣٧ / وقد روى قطب الدين الرواندي (ره) بسند إلى سليمان بن مهران الأعمش هذه القصّة بتفاوت، ولم يذكر مكان وقوعها، وذكر فيها أنّ أمير الركب كان عمر بن سعد! (راجع: الخرائج والجرائح: ٢: ٥٧٧ - ٥٨٠ رقم ٢)، وقد قال الشيخ عباس القمّي (ره): (أقول: الذي يظهر من التواريخ والسيَر، أنّ عمر بن سعد لم يكن مع القوم في سيرهم إلى الشام، فكونه معهم بعيد ...). (نفس المهموم: ٤٢٤).

١٩٣

فجمع اليهودي أقرباءه، ثمّ أخذ الرأس ووضعه في طست، وصبّ عليه ماء الورد، وطرح فيه الكافور والمسك والعنبر، ثمّ قال لأولاده وأقربائه: هذا رأس ابن بنت محمّد!

ثمّ قال: وا لهفاه! لم أجد جدّك محمّداً فأُسلم على يديه! ثمّ وا لهفاه! لم أجدك حيّاً فأُسلم على يديك وأُقاتل دونك! فلو أسلمت الآن أتشفع لي يوم القيامة؟

فأنطق الله الرأس، فقال بلسان فصيح:(إن أسلمت فأنا لك شفيع!) .

قالها ثلاث مرّات، وسكت، فأسلم الرجل وأقرباؤه!

وقال الخوارزمي: لعلّ هذا الرجل اليهودي كان راهب (قنسرين)؛ لأنّه أسلم بسبب رأس الحسينعليه‌السلام ، وجاء ذكره في الأشعار، وأورده الجوهري والجرجاني في مراثي الحسين، كما سيرد عليك في موضعه إن شاء الله)(١) .

ونقول: لا مانع من أن تتكرّر قصّة اهتداء راهب يهودي أو نصراني، وتتشابه الواقعة في أكثر من منزل، كما أنّه لا دليل على انحصارها في منزل واحد ومع راهب واحد! مع العلم أنّ الطرق الخارجية التي تمتدّ بين المدن الرئيسة يومذاك كانت تكثر فيها الصوامع والأديرة!

وينقل السيد هاشم البحراني (ره) عن الطريحي (ره) فيقول: (روى الثقاة، عن أبي سعيد الشامي، قال: كنت ذات يوم مع القوم اللئام، الذين حملوا الرؤوس والسبي إلى دمشق، لما وصلوا إلى دير النصارى، فوقع بينهم أنّ نصر الخزاعي قد جمع عسكراً، ويُريد أن يهجم عليهم نصف الليل، ويقتل الأبطال، ويُجدِّل الشجعان، ويأخذ الرؤوس والسبي، فقال رؤساء العسكر من عُظم اضطرابهم: نلجأ الليلة إلى الدَّيْر ونجعله كهفاً لنا؛ لأنّ الدير كان لا يقدر أن يتسلّط عليه العدوّ.

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ١١٥ - ١١٦ رقم ٤٩.

١٩٤

فوقف الشمر وأصحابه على باب الدَّيْر، وصاح بأعلى صوته: يا أهل الدَّيْر!

فجاءهم القسِّيس الكبير، فلما رأى العسكر قال لهم: مَن أنتم؟! وما تُريدون؟!

فقال الشمر: نحن من عسكر عبيد الله بن زياد، ونحن سائرون من العراق إلى الشام.

فقال القسِّيس: لأيّ غرض؟

قال: كان شخص بالعراق قد تباغى، وخرج على يزيد، وجمع العساكر! فعقد يزيد عسكراً عظيماً فقتلوهم، وهذه رؤوسهم، وهؤلاء النساء سباياهم!

قال الراوي: قال: فنظر القسِّيس إلى رأس الحسينعليه‌السلام ، وإذا بالنور ساطع منه! والضياء لامع قد لحق بالسماء! فوقع في قلبه هيبة منه.

فقال القسِّيس: دَيرنا ما يسعكم، بل أدخلوا الرؤوس والسبي إلى الدَير، وحيطوا أنتم من خارج، إن دهمكم عدوّ فقاتلوه، ولا تكونوا مُضطربين على السبي والرؤوس.

قال: فاستحسنوا كلام القسِّيس صاحب الدَّيْر، وقالوا: هذا هو الرأي!

فحطّوا رأس الحسين في صندوق، وقُفل عليه، وأدخلوه إلى داخل الدير والنساء وزين العابدينعليه‌السلام ، وصاحب الدَّيْر حطّهم في مكان يليق بهم.

قال الراوي: ثمّ إنّ صاحب الدَّيْر أراد أن يرى الرأس الشريف، فجعل ينظر حول البيت الذي فيه الصندوق، وكان له رازونة، فحطّ في تلك الرازونة فرأى البيت يُشرق نوراً! ورأى أنّ سقف البيت قد انشقّ! ونزل السماء تخت عظيم والنور يسطع من جوانبه، وإذا بامرأة أحسن من الحور جالسة على التخت، وإذا بشخصٍ يصيح: أطرقوا ولا تنظروا. وإذا قد خرج من ذلك البيت نساء، فإذا حوّاء، وصفيّة، وزوجة إبراهيم أمّ إسماعيل، وراحيل أمّ يوسف، وأمّ موسى، وآسية، ومريم، ونساء النبيّ.

١٩٥

قال الراوي: فأخرجوا الرأس من الصندوق، وكلّ من تلك النساء واحدة بعد واحدة يُقبِّلن الرأس الشريف، فلما وقعت النوبة لمولاتي فاطمة الزهراءعليها‌السلام غُشي على بصر صاحب الدَّيْر، وعاد لا ينظر بالعين، بل يسمع الكلام، وإذا قائلة تقول:

السلام عليك يا قتيل الأمّ، السلام عليك يا مظلوم الأمّ، السلام عليك يا شهيد الأمّ، السلام عليك يا روح الأمّ، لا يُداخلك همّ وغمّ، فإنّ الله سيُفرِّج عنِّي وعنك ويأخذ لي بثأرك.

قال: فلما سمع الدَّيْرانيّ البكاء من النساء اللاتي نزلن من السماء، اندهش ووقع مغشيّاً عليه، فلما أفاق من ذلك البكاء، وإذا بالشخص نزل إلى البيت وكسر القفل والصندوق، واستخرج الرأس وغسله بالكافور والمسك والزعفران، ووضعه في قبلته، وجعل ينظر إليه ويبكي ويقول: يا رأس رؤوس بني آدم، ويا عظيم، ويا كريم جميع العوالم! أظنّك أنت من الذين مدحهم الله في التوراة والإنجيل، وأنت الذي أعطاك فضل التأويل؛ لأنّ خواتين سادات الدنيا والآخرة يبكين عليك ويندبنك!

أمّا أنا أُريد أن أعرفك باسمك ونعتك!

فنطق الرأس بإذن الله وقال:(أنا المظلوم! أنا المقتول! أنا المهموم! وأنا المغموم! وأنا الذي بسيف العدوان والظلم قُتلت! أنا الذي بحرب أهل الغيِّ ظُلِمت!) .

فقال صاحب الدَّيْر: بالله أيُّها الرأس زدني!

فقال الرأس:(إن كنت تسأل عن حالتي ونسَبي؟ أنا ابن محمّد المصطفى! أنا ابن عليّ المرتضى! أنا ابن فاطمة الزهراء! أنا ابن خديجة الكبرى! وأنا ابن العروة الوثقى!

أنا شهيد كربلاء! أنا مظلوم كربلاء! أنا قتيل كربلاء! أنا عطشان كربلاء! أنا ظمآن كربلاء! أنا مهتوك كربلاء!) .

١٩٦

قال الراوي: فلما سمع صاحب الدَّيْر من رأس الحسينعليه‌السلام هذا الكلام جمع تلامذته ومُريديه، وحكى لهم هذه الحكاية، وكانوا سبعين رجلاً، فضجّوا بالبكاء والنحيب، ونادوا بالويل والثبور، ورموا العمائم من رؤوسهم، وشقّوا أزياقهم، وجاءوا إلى سيّدنا ومولانا علي بن الحسين، زين العابدينعليه‌السلام ، ثمّ قطعوا الزنّار وكسروا الناقوس! واجتنبوا أفعال اليهود والنصارى، وأسلموا على يديه، وقالوا: يا بن رسول الله! مُرْنا أن نخرج إلى هؤلاء القوم الكفرة ونُقاتلهم، ونجلي صدأ قلوبنا ونأخذ بثأر سيّدنا!

فقال لهم الإمام:(لا تفعلوا ذلك؛ فإنّهم عن قريب ينتقم الله منهم ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر) .

فردّوا أصحاب الدَّيْر عن القتال)(١) .

٣ - الأنبياء والملائكة يزورون الرأس المقدّس

قال السيّد ابن طاووس (ره): (روى ابن لهيعة وغيره حديثاً، أخذنا منه موضع الحاجة، قال: كنت أطوف بالبيت فإذا أنا برجل يقول: اللهمّ، اغفر لي وما أراك فاعلاً!

فقلت له: يا عبد الله، اتَّقِ الله ولا تقل مثل هذا! فإنّ ذنوبك لو كانت مثل قطر الأمطار وورق الأشجار فاستغفرت الله غفرها لك، فإنّه غفور رحيم!

قال: فقال لي: تعال حتّى أُخبرك بقصّتي!

فأتيته، فقال: اعلم أنّا كنّا خمسين نفراً ممّن سار مع رأس الحسينعليه‌السلام إلى الشام، فكنّا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت، وشربنا الخمر حول التابوت! فشرب أصحابي ليلة حتّى سكروا ولم أشرب معهم، فلما جنّ الليل سمعت رعداً

____________________

(١) مدينة المعاجز: ٤: ١٢٦.

١٩٧

ورأيت برْقاً، فإذا أبواب السماء قد فُتحت! ونزل آدمعليه‌السلام ، ونوح، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ونبيّنا محمّد صلّى الله عليه وآله وعليهم أجمعين، ومعهم جبرئيل وخَلْقٌ من الملائكة، فدنا جبرئيل من التابوت، وأخرج الرأس، وضمّه إلى نفسه وقبَّله، ثمّ كذلك فعل الأنبياء كلّهم، وبكى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على رأس الحسينعليه‌السلام وعزّاه الأنبياء، وقال له جبرئيلعليه‌السلام :(يا محمّد، إنّ الله تبارك وتعالى أمرني أن أُطيعك في أُمّتك، فإن أمرتني زلزلت بهم الأرض، وجعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط!) .

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :(لا يا جبرئيل، فإنّ لهم معي موقفاً بين يدي الله يوم القيامة!) .

ثمّ جاء الملائكة نحونا ليقتلونا، فقلت: الأمان الأمان يا رسول الله!

فقال: اذهب، فلا غفر الله لك!)(١) .

٤ - تكريت(٢) تستقبل الركب بالفرح!!

ينقل الطريحي، عن مسلم الجصّاص قوله: (فلما وصلوا إلى تكريت أنفذوا إلى صاحب البلد أن تلقّانا (كذا) فإنّ معنا رأس الحسين وسباياه! فلما أخبرهم الرسول بذلك نُشرت الأعلام، وخرجت الغَلمة يتلقّونهم!

فقالت النصارى: ما هذا؟

فقالوا: رأس الحسين!

فقالوا: هذا رأس ابن بنت نبيّكم!؟

قالوا: نعم.

قال: فعظم ذلك عليهم، وصعدوا إلى بِيَعهم وضربوا النواقيس تعظيماً لله ربّ

____________________

(١) اللهوف: ٢٠٨.

(٢) تكريت: وهي بلدة بين بغداد والموصل، وأقرب إلى بغداد، وتبعد عنها ثلاثين فرسخاً وتقع غربي دجلة. (راجع: مراصد الاطّلاع: ١: ٢٦٨).

١٩٨

العالمين! وقالوا: اللّهم، إنّا إليك بُراء ممّا صنع هؤلاء الظالمون!)(١) .

وقال القندوزي: (فلما وصلوا إلى بلد تكريت نُشرت الأعلام، وخرج الناس بالفرح والسرور! فقالت النصارى للجيش: إنّا بُراء ممّا تصنعون أيّها الظالمون! فإنّكم قتلتم ابن بنت نبيّكم، وجعلتم أهل بيته أُسارى!)(٢) .

المشاهد المقدّسة في منازل الطريق:

١ - مشهد النقطة في الموصل!

لم يُذكر في واحد من الكُتب التاريخية المعتبرة - على مستوى التحقيق - أنّ أهل البيتعليهم‌السلام في الطريق من الكوفة إلى الشام قد مرّوا بمدينة الموصل، وقد تجنّب بعض المحققّين والمؤرّخين الخوض في صدد صحّة أو عدم صحّة هذا المدّعى، ومَن ذكرها منهم ذكرها على نحو النقل عمّن ذكرها، فالمرحوم الشيخ عبّاس القمّي - مثلاً - يقول ما هذا نصّه: (وأمّا مشهده بالموصل، فهو كما في روضة الشهداء(٣) ما ملخّصه: أنّ القوم لما أرادوا أن يدخلوا الموصل، أرسلوا إلى عامله أن يُهيِّئ لهم الزاد والعلوفة، وأن يُزيِّن لهم البلدة، فاتّفق أهل الموصل أن يُهيِّئوا لهم ما أرادوا، وأن يستدعوا منهم أن لا يدخلوا، بل ينزلون خارجها، ويسيرون من غير أن

____________________

(١) مُنتخب الطريحي: ٤٨١، وانظر: ناسخ التواريخ: ٣: ١٠٣.

(٢) ينابيع المودّة: ٣٥١.

(٣) راجع: روضة الشهداء: ٣٦٨ / ويُلاحظ المتتبّع أنّ هذا الكتاب، وكتاب قمقام رخّار، وكتاب ينابيع المودّة، وكتاب معالي السبطين، وأمثالها، تأخذ جميعها ما تأخذه من منازل الطريق السلطاني عن كتاب المقتل المنسوب إلى أبي مخنف، وأصل قضيّة المرور بمدينة الموصل هو كتاب المقتل المنسوب إلى أبي مخنف، فراجع ذلك في ص ١٨٣ منه.

١٩٩

يدخلوا فيها(١) ، فنزلوا ظاهر البلد على فرسخ منها، ووضعوا الرأس الشريف على صخرة، فقطرت عليها قطرة دم من الرأس المكرّم، فصارت تشعُّ(٢) ويغلي منها الدم كلّ سنة في يوم عاشوراء! وكان الناس يجتمعون عندها من الأطراف، ويُقيمون مراسم العزاء والمآتم في كلّ عاشوراء، وبقي هذا إلى أيّام عبد الملك بن مروان فأمر بنقل الحجَر، فلم يُرَ بعد ذلك منه أثر، ولكن بنوا على ذلك المقام قبّة سمّوها مشهد النقطة)(٣) .

٢ - مشهد النقطة في نصيبين(٤) :

ويقول الشيخ عبّاس القمّي: (وأمّا السانحة التي وقعت بنصيبين: ففي الكامل للبهائي ما حاصله: أنّهم لما وصلوا إلى نصيبين، أمر منصور بن الياس بتزيين البلدة، فزيّنوها بأكثر من ألف مرآة، فأراد الملعون الذي كان معه رأس الحسينعليه‌السلام أن يدخل البلد فلم يُطعه فرَسه! فبدّله بفرَس آخر فلم يُطعه! وهكذا فإذا بالرأس الشريف قد سقط إلى الأرض، فأخذه إبراهيم الموصلي(٥) ، فتأمّل فيه، فوجده رأس الحسينعليه‌السلام ، فلامهم ووبّخهم فقتله أهل الشام، ثمّ جعلوا الرأس في خارج البلد ولم يُدخلوه به.

____________________

(١) وعلّة ذلك أنّ أهلها كانوا من مُحبّي أهل البيتعليهم‌السلام ، كما في كتابي معالي السبطين: ٢: ٧٧ وناسخ التواريخ: ٣: ١٠٢.

(٢) في معالي السبطين: ٣: ١٠٢ (تنبع) بدلاً من (تشعّ).

(٣) نفس المهموم: ٤٢٦.

(٤) نصيبين: وهي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادّة القوافل من الموصل إلى الشام، وفيها وفي قُراها - على ما يُذكر - أربعون ألف بستان، وبينها وبين سنجار تسعة فراسخ، وبينها وبين الموصل ستّة أيّام. (راجع: مُعجم البلدان: ٥: ٢٨٨، ومُعجم ما استُعجِم: ٤: ٥٦٨ و١٣١٠).

(٥) لم نعثر على ترجمة لهذا الرجل القتيل المذكور في هذا الخبر.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206