اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)27%

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 206

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133359 / تحميل: 10021
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ونلاحظ حرصه على ربط قضاياهما بنفسه، إذ يقول :"أنا سِلمٌ لِمَن سالمتم، وحرب لِمَن حاربتم" (١) .

وجاء عن أنس بن مالك أنّه قال : دخل الحسن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأردت أن أميطه عنه، فقال :"ويحك يا أنس! دع ابني وثمرة فؤادي، فإنّ من آذى هذا آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله" (٢) .

وكان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقَبّل الإمام الحسنعليه‌السلام في فمه ويُقَبّل الإمام الحسينعليه‌السلام في نحره، وكأنّه يريد إثارة قضية مهمة ترتبط بسبب استشهادهماعليهما‌السلام وإعلاماً منه عن تعاطفه معهما، وتأييده لهما في مواقفهما وقضاياهما .

لقد كان الإمام الحسنعليه‌السلام أحبّ الناس إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) ، بل لقد بلغ من حبّه له ولأخيه أنّه كان يقطع خطبته في المسجد وينزل عن المنبر ليحتضنهما .

والكلّ يعلم أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينطلق في مواقفه من منطلق الأهواء الشخصية، والنزعات والعواطف الذاتية، وإنّما كان ينبّه الأُمة إلى عظمة هذين الإمامين ومقامهما الرفيع.

وإنّ ما ذكر هو الذي يفسّر لنا السرّ في كثرة النصوص التي وردت عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حول الحسنينعليهما‌السلام مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنسبة للإمام الحسنعليه‌السلام :"اللّهمّ إنّ هذا ابني وأنا أُحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه" (٤) ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :"أحبّ أهل بيتي إليّ الحسن والحسين ..." (٥) .

__________

(١) راجع سنن الترمذي : ٥ / ٦٩٩، وسنن ابن ماجة : ١ / ٥٢، وينابيع المودة: ١٦٥ و٢٣٠ و٢٦١ و٣٧٠ عن جامع الأصول وغيره.

(٢) أهل البيت تأليف توفيق أبو علم : ٢٧٤، وراجع سنن ابن ماجة : ١ / ٥١ .

(٣) نسب قريش لمصعب الزبيري: ص٢٣ ـ ٢٥ .

(٤) تهذيب تاريخ ابن عساكر : ٤ / ٢٠٥ و٢٠٦ و٢٠٧، والغدير : ٧ / ١٢٤ .

(٥) راجع الكثير من هذه النصوص في المصدرين السابقين، وسيرتنا وسنتنا: ١١ ـ ١٥، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة، وفرائد السمطين، وترجمة الحسن وترجمة الحسين من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي، والفصول المهمة للمالكي، وترجمة الإمام الحسن من أنساب الأشراف، ونور الأبصار.

٤١

يوم المباهلة ومداليله :

وفد بعض أساقفة نصارى نجران على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وناظروه في عيسى، فأقام عليهم الحجة فلم يقبلوا، ثم اتفقوا على المباهلة(١) أمام الله على أن يجعلوا لعنة الله الخالدة وعذابه المعجّل على الكاذبين .

ولقد سجّل القرآن الكريم هذا الحادث العظيم في تاريخ الرسالة الإسلامية بقوله تعالى :

( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٢) .

فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم "السيّد والعاقب والأهتم" : إن باهلنا بقومه باهلناه، فإنه ليس نبيّاً، وإن باهَلنا بأهل بيته خاصة لم نباهله، فإنه لا يُقدِم إلى أهل بيته إلاّ وهو صادق، فخرج إليهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه عليّ وفاطمة والحسنانعليهم‌السلام فسألوا عنهم، فقيل لهم : هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه علي بن أبي طالب، وهذه ابنته فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين، ففرقوا فقالوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة، فصالحهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الجزية وانصرفوا(٣) .

ولقد أجمع المفسّرون على أنّ المراد بأبنائنا : الحسن والحسين(٤) .

__________

(١) من البهلة : وهي اللعنة، ثم كثر استعمال الابتهال في المسألة والدعاء إذا كان بإلحاح .

(٢) آل عمران (٣) : ٥٩ ـ ٦١ .

(٣) راجع تفسير القمي: ١ / ١٠٤، والقرشي : ١ / ٨٨ ـ ٩١ وقد روى قضية المباهلة بأهل الكساء ـ بالاختصار تارة وبالتفصيل أخرى ـ جم غفير من الحفاظ والمفسّرين، راجع الحياة السياسية للإمام الحسن: ص١٨ ـ ١٩، وراجع الميزان في تفسير القرآن : ٣ / ٣٦٨ طبعة الأعلمي .

(٤) مجمع البيان : ٢ / ٤٥٢، وراجع التبيان : ٢ / ٤٨٥، وتفسير الرازي : ٨ / ٨٠، وحقائق التأويل ١١٤ وفيه : أجمع العلماء الخ .

٤٢

وقال الزمخشري : وفيه دليل ـ لا شيء أقوى منه ـ على فضل أصحاب الكساء(١) .

ويمكننا استخلاص جملة من الأمور من يوم المباهلة أهمها :

أوّلاً : الأنموذج الحي :

إنّ إخراج الحسنينعليهما‌السلام في قضية المباهلة لم يكن أمراً عادياً، وإنّما كان مرتبطاً بمعاني ومداليل خطيرة، أهمها: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما يكون على استعداد للتضحية بنفسه وبهؤلاء الذين يعتبرهم القمّة في النضج الرسالي، بالإضافة إلى أنّهم أقرب الناس إليه فإنّه لا يمكن أن يكون كاذباً ـ والعياذ بالله ـ في دعواه، كما لاحظه وأقرّه رؤساء النصارى الذين جاءوا ليباهلوه، وكذلك يدل على تفانيه في رسالته الإلهيّة وعلى ثقته بما يدعو إليه .

ثانياً : في خدمة الرسالة :

إنّ اعتبار الإمام الحسن وأخيه الحسينعليهما‌السلام في صباهما المثل الأعلى والأنموذج المجسّد للإسلام وعي عقائدي سليم فرضته الأدلة والبراهين التي تؤكّد بشكل قاطع على أن الأئمة الأطهارعليهم‌السلام كانوا في حال طفولتهم في المستوى الرفيع الذي يؤهّلهم لتحمّل الأمانة الإلهية وقيادة الأُمة قيادة حكيمة وواعية، كما سَجَّل التاريخ ذلك بالنسبة لكل من الإمامين الجوادعليه‌السلام والمهدي "عجّل الله تعالى فرجه الشريف" حيث شاءت الإرادة الإلهية أن يتحمّلا مسؤولياتهما القيادية في السنين الأُولى من حياتهما، وهذا ليس بالغريب على من أرادهم الله حملة لدينه ورعاة لبريته، فهذا عيسى بن مريم يتحدّث عنه القرآن الكريم بقوله :( فَأَشَارَتْ إليه قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيَّاً *

__________

(١) الكشاف : ١ / ٣٧٠، وراجع الصواعق المحرقة : ص١٥٣ عنه، وراجع الإرشاد للمفيد : ص٩٩، وتفسير الميزان : ٣ / ٢٣٨ .

٤٣

قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً ... ) (١) .

وكذلك كان يحيىعليه‌السلام الذي قال الله سبحانه عنه :( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً ) (٢) .

لقد كان الحسنانعليهما‌السلام في أيّام طفولتهما الأُولى أيضاً في مستوىً من النضج والكمال الإنساني بحيث كانا يملكان كافة المؤهّلات التي تجعلهما محلاً للعناية الإلهية، وأهلاً للأوسمة الكثيرة التي منحها إيّاهما الإسلام على لسان نبيّه العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا جعلهما قادرين على تحمّل المسؤوليات الجسام، وحيث إنّ الحاضرين للمباهلة شركاء في الدعوى، إذن فعليّ وفاطمة والحسنانعليهم‌السلام شركاء في الدعوى، وفي الدعوة إلى المباهلة لإثباتها .

وهذا من أفضل المناقب التي خصّ الله بها أهل بيت نبيّه(٣) .

وقد استنتج علماء المسلمين الفضل للحسن والحسينعليهما‌السلام من المباهلة، ومنهم ابن أبي علان ـ وهو أحد أئمة المعتزلة ـ حيث يقول : هذا يدل على أنّ الحسن والحسين كانا مكلّفين في تلك الحال; لأنّ المباهلة لا تجوز إلاّ مع البالغين(٤) .

ويؤيّد ذلك أيضاً اشراكهماعليهما‌السلام في بيعة الرضوان، ثم شهادتهما للزهراءعليها‌السلام في قضية نزاعها مع أبي بكر حول فدك، إلى غير ذلك من أقوال ومواقف للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما في المناسبات المختلفة .

وهذا كلّه يصبّ في المنهج الذي أراده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إعداد الناس

__________

(١) مريم (١٩) : ٢٩ ـ ٣٠ .

(٢) مريم (١٩) : ١٢ .

(٣) راجع تفسير الميزان : ٣ / ٢٢٤، ودلائل الصدق : ٣ / قسم١ ص٨٤ .

(٤) نقله عنه أبو حيّان في "البحر المحيط" في تفسير آية المباهلة .

٤٤

نفسيّاً، وإفهامهم بأنّ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام يمكنهم أن يتحمّلوا مهمة رسالية في قطعة زمنية من أعمارهم .

ثالثاً : سياسات لابدّ من مواجهتها :

هنالك مجموعة من الغايات التربوية والسياسية التي كانت تكمن وراء إشراك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته في المباهلة، منها :

أ ـ إنّ إخراج العنصر النسوي ممثّلاً بفاطمة الزهراء ـ صلوات الله وسلامه عليها ـ والتي تعتبر الأنموذج الأسمى للمرأة المسلمة في أمر ديني ومصيري كهذا كان من أجل محو ذلك المفهوم الجاهلي البغيض، الذي كان لا يرى للمرأة أيّةَ قيمة أو شأن يذكر، بل كانوا يرون فيها مصدر شقاء وبلاء ومجلبة للعار ومظنّة للخيانة(١) ، فلم يكن يتصوّر أحد منهم أن يرى المرأة تشارك في مسألة حساسة وفاصلة، بل ومقدّسة كهذه المسألة، فضلاً عن أن تعتبر شريكة في الدعوى، وفي الدعوة لإثباتها .

ب ـ إنّ إخراج الحسنينعليهما‌السلام إلى المباهلة بعنوان أنهما أبناء الرسول الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أنّهما ابنا ابنته الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام له دلالة هامة ومغزىً عميق، حيث إنّه "في الآية دلالة على أنّ الحسن والحسين ـ وهما ابنا البنت ـ يصح أن يقال : إنّهما ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه وعد أن يدعو أبناءه، ثم جاء بهما"(٢) ، وبالإضافة إلى ما أشير إليه آنفاً كان يهدف إلى إزالة المفهوم الجاهلي القائل بأنّ أبناء الأبناء هم الأبناء في الحقيقة دون أبناء البنات.

__________

(١) راجع : الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ١ / ٤٥ ـ ٤٧ .

(٢) تفسير الرازي : ٨ / ٨١، وفتح القدير : ١ / ٣٤٧، وتفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري : ٣ / ٢١٤، والتبيان : ٢ / ٤٨٥ عن أبي بكر الرازي (وهو غير الفخر الرازي)، ومجمع البيان : ٢ / ٤٥٢، والغدير : ٧ / ١٢٢ عنه وعن تفسير القرطبي : ٤ / ١٠٤ .

٤٥

ومع كلّ ما قام به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم المباهلة لتصحيح هذا المفهوم الجاهلي تجد البعض يبقى متمسّكاً به، وقد ظهر هذا التمسّك في بعض الآراء الفقهية حول تفسير قوله تعالى :( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) حيث اعتبر الإرث مختصّاً بعقب الأبناء دون من عقبته البنات(١) .

وبالرغم من كون المنهج المناوئ لأهل البيت قد حظي بكثير من الدعم من قبل الحكام مجنِّدين كلّ الطاقات من أجل تأكيده وتثبيته، إلاّ أنّه كانت ثمة عقبة كَؤُود تواجههم وتعترض سبيل نجاحهم في تشويه الحقيقة وتزوير التأريخ، وهي وجود أهل البيتعليهم‌السلام الذين يملكون أقوى الحجج وأعظم الدلائل والشواهد من القرآن ومن الحديث المتواتر ومن المواقف النبويّة المتضافرة التي عرفها ورآها وسمعها عدد هائل من صحابة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم انتقلت منهم إلى الأُمة الإسلامية .

ولا بأس أن نذكر شيئاً من محاولات نفي بنوّة الحسنينعليهما‌السلام لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١ ـ قال ذكوان مولى معاوية : قال معاوية : لا أعلمنّ أحداً سمّى هذين الغلامين ابني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن قولوا : ابني عليعليه‌السلام ، قال ذكوان : فلمّا كان بعد ذلك أمرني أن أكتب بنيه في الشرف، قال : فكتبت بنيه وبني بنيه وتركت بني بناته، ثم أتيته بالكتاب فنظر فيه، فقال: ويحك، لقد أغفلت كُبْر بنيّ! فقلت : من؟ فقال : أما بنو فلانة ـ لابنته ـ بَنيَّ؟ قال : قلت : الله!! أيكون بنو بناتك بنيك، ولا يكون بنو فاطمة بني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! قال : ما لك؟ قاتلك الله! لا يسمعنّ هذا أحد منك(٢) .

__________

(١) راجع : الحياة السياسية للإمام الحسن : ٢٧ ـ ٢٨ .

(٢) كشف الغمة للإربلي : ٢ / ١٧٣، ط دار الأضواء .

٤٦

٢ ـ قال الإمام الحسنعليه‌السلام محتجّاً على معاوية : "... فأخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأنفس معه أبي، ومن البنين أنا وأخي، ومن النساء فاطمة أمي من الناس جميعاً، فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه، ونحن منه وهو منّا" (١) .

٣ ـ وقال الرازي في تفسير قوله تعالى :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ ) إلى قوله :( ... وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى ) بعد أن ذكر دلالة الآية على بنوّة الحسنين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : "ويقال : إنّ أبا جعفر الباقر استدلّ بهذه الآية عند الحجّاج بن يوسف"(٢) .

٤ ـ وأرسل عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام يعيبه بأشياء منها : أنّه يسمّي حسناً وحسيناً وَلَدَي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لرسوله :"قل للشانئ ابن الشانئ : لو لم يكونا ولديه لكان أبتر، كما زعم أبوك" (٣) .

لقد صدع الإمام الحسنعليه‌السلام في أكثر من مناسبة وأكثر من موقف، ولم يكن يكتفي بإظهار وإثبات بنوّته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط، وإنّما كان يؤكّد من خلالها أنّ حقّ الإمامة والخلافة له وحده، ولا يمكن أن يصل إلى معاوية وأضرابه; لأنّ معاوية يفتقد المواصفات المؤهّلة للخلافة، بل يتّصف بما ينافيها.

ومن كلامه في جملة من المواقف وفي هذا الشأن بالخصوص :

١ ـ أنّهعليه‌السلام خطب فور وفاة أبيهعليه‌السلام فقال :"أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبيّ، وأنا ابن الوصي" (٤) .

٢ ـ إنّ معاوية طلب منهعليه‌السلام أن يصعد المنبر ويخطب، فصعد المنبر

__________

(١) ينابيع المودة: ٤٧٩ عن الزرندي المدني وص٤٨٢ و٥٢، وتفسير البرهان : ١ / ٢٨٦ .

(٢) تفسير الرازي : ١٣ / ٦٦، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة : ١ / ٢٤٧ عنه .

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢٠ / ٣٣٤ .

(٤) مستدرك الحاكم : ٣ / ١٧٢، وذخائر العقبى ١٣٨ عن الدولابي .

٤٧

وخطب وصار يقول : أنا ابن، أنا ابن إلى أن قال : "لو طلبتم ابناً لنبيّكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي"(١) .

شهادة الحسنينعليهما‌السلام على كتاب لثقيف :

لقد أشهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسنينعليهما‌السلام حينما كتب كتاباً لثقيف، وأثبت فيه شهادة عليّ والحسنين صلوات الله وسلامه عليهم .

قال أبو عبيد : وفي هذا الحديث من الفقه إثباته شهادة الحسن والحسين، وقد كان يروي مثل هذا عن بعض التابعين : أنّ شهادة الصبيان تكتب ويستنسبون، فيستحسن ذلك، فهو الآن في سنّة النبي(٢) .

نقول : ألم يجد النبيّ أحداً من الصحابة يستشهده على ذلك الكتاب الخطير الذي كان يرتبط بمصير جماعة كبيرة سوى هذين الصبيّين؟! وهل كان وحيداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما جاءه وفد ثقيف، وكتب لهم ذلك الكتاب حتى احتاج إلى استشهاده ولَدَين صغيرين لم يبلغا الخمس سنوات ؟ .

إنّ أدنى مراجعة للنصوص التاريخية لتبعد هذا الاحتمال كلّ البعد، حيث إنّها صريحة في أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ضرب لهم قبة في المسجد ليسمعوا القرآن، ويروا الناس إذا صلّوا، وكان خالد بن سعيد بن العاص حاضراً، وكان خالد بن الوليد هو الكاتب، ومع ذلك لم يشهدا على الكتاب(٣) .

إنّنا نعي من ذلك ما أراد أن يشير إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فضل الحسنين، وأنّهما مؤهّلان لأن يتحمّلا المسؤوليات الجسام حتى في المعاهدات السياسية

__________

(١) المناقب لابن شهر آشوب : ٤ / ١٢ عن العقد الفريد والمدائني .

(٢) الأموال : ص٢٧٩ ـ ٢٨٠، وراجع التراتيب الإدارية : ١ / ٢٧٤ .

(٣) الحياة السياسية للإمام الحسن، للعاملي: ٤٤ .

٤٨

الخطيرة كهذه المعاهدة بالذات، والتي كانت مع ثقيف المعروفة بعدائها الشديد للإسلام والمسلمين .

حضور الحسنينعليهما‌السلام بيعة الرضوان :

لقد حضر الحسنانعليهما‌السلام بيعة الرضوان، واشتركا في البيعة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعرف ذلك عند المؤرّخين .

قال الشيخ المفيدرحمه‌الله : "وكان من برهان كمالهماعليهما‌السلام وحجة اختصاص الله تعالى لهما بيعة رسول الله لهما، ولم يبايع صبياً في ظاهر الحال غيرهما"(١) .

ومن المعلوم أنّ البيعة تتضمّن إعطاء التزام وتعهّد للطرف الآخر بتحمّل مسؤوليات معينة ترتبط بمستقبل الدعوة والمجتمع الإسلامي، وحمايتهما من كثير من الأخطار التي ربّما يتعرّضان لها، ومعنى ذلك أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رأى في الحسنينعليهما‌السلام ـ على صغر سنهما ـ أهلية وقابلية لتحمّل تلك المسؤوليات الجسام، والوفاء بالالتزامات التي أخذا على عاتقهما الوفاء بها.

الحسن والحسينعليهما‌السلام إمامان :

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :"الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا" (٢) . رغم أنّه لم يكن عمرهما حينئذ قد تجاوز الخمس سنوات، وبذا يكون للحديث أهميته وعمق دلالته في معناه، ونجد الإمام الحسنعليه‌السلام يستدلّ بهذا القول على من يعترض عليه في صلحه مع معاوية(٣) .

__________

(١) الإرشاد : ٢١٩، وفدك للقزويني هامش : ١٦ عنه .

(٢) راجع علل الشرائع : ١ / ٢١١ .

(٣) راجع علل الشرائع : ١ / ٢١١ .

٤٩

الإمام الحسنعليه‌السلام في عهد الخلفاء

في عهد أبي بكر وعمر :

بوفاة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينتهي عهد الرسالة ويبدأ عهد الإمامة، بدءً بإمامة علي بن أبي طالبعليه‌السلام والذي عيّنه الرسول الأمين ليتحمّل أعباء الثورة الإلهية المباركة والقيادة الربّانيّة للأُمة الإسلامية، التي حباها الله بوافر لطفه، وأنقذها من براثن الجاهلية، لتنعم في ظلِّ الهداية الرشيدة إلى حيث الكمال والجلال .

لقد اجتاز الحسنانعليهما‌السلام مرحلة الصبا في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد عرفنا كيف أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعاملهما معاملة الصبيان، بل كان يتعامل معهما كشخصيّتين إسلاميتين تنتظرهما مسؤوليات رياديّة كبرى، كما أفصحت عن ذلك نصوص نبويّة وفيرة .

وبدأت مرحلة فتوّتهما في ظلّ إمامة أبيهما، وفي ظروف غير مستقرّة، لا للدولة الإسلامية ولا لأهل بيت النبوّة، حيث أُبعد عليّعليه‌السلام عن القيادة السياسية، وتولّى الأمر رجال لم يجعل لهم نصيب في القيادة استئثاراً وحسداً، واستصغاراً لشأن عليّعليه‌السلام وموقعه الرياديّ الإلهيّ .

ثم تعرّضت دار الزهراءعليها‌السلام للهجوم المباغت واقتيد عليّعليه‌السلام ليبايع أبا بكر; كي تستقر الدولة المهدّدة بالأخطار .

وفي كلّ هذه الأحوال كان الحسنان يراقبان تطوّرات الأحداث، وكيف أصبحا بعد ذلك العزّ في عهد جدّهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُستذلاّن وتستذلّ العترة النبوية الطاهرة، وقد كانت للزهراء ولابنيها مواقف شتى في هذه الفترة، وهي لا تخرج عن المخطّط الرسالي الذي خطّه لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يرتبط بالرسالة بعد وفاته. وسوف نشير باختصار إلى المواقف التي ترتبط بالإمام الحسنعليه‌السلام خاصّةً، أو به وبأخيه الحسينعليه‌السلام .

٥٠

١ ـ الحسنانعليهما‌السلام وفدك :

لقد توفّي الرسول الأعظم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحدث بعده ما حدث من استئثار القوم بالأمر، وتنصيب أبي بكر خليفةً على المسلمين، وإقصاء علي ابن أبي طالبعليه‌السلام عن محلّه الطبيعي الذي أهّله الله سبحانه وتعالى له، وتعرض فاطمة الزهراءعليها‌السلام بنت النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاغتصاب إرثها من أبيها، ومصادرة ما كان النبي قد ملّكها في حال حياته، وما دار بينها وبين أبي بكر من مساجلات واحتجاجات حول هذا الموضوع، حتى طلب منها أن تأتي بالشهود لإثبات ما تدّعيه، فجاءت بأمير المؤمنينعليه‌السلام وبالحسنينعليهما‌السلام وباُم أيمن ( رضي الله عنها)، ولكنّ أبا بكر ردّ الشهود، ورفض إرجاع حقّها إليها .

إنّ استشهاد الزهراء البتول ـ صلوات الله وسلامه عليها ـ بالحسنينعليهما‌السلام ـ وهي المرأة المعصومة بحكم آية التطهير ـ لم تكن لِتُصدِر ولا لِتورِدَ إلا وفق أحكام الشرع الإسلامي الحنيف، وذلك بمرأىً وبمسمع من المسلمين، وبتأييد ورضىً من سيّد الوصيّين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، كلّ ذلك كان له دلالة تامة على أهليتهما لأداء الشهادة في مناسبة كهذه، مع أنّهما كانا آنذاك لا يتجاوز عمرهما السبع السنوات .

إنّ إعطاءهما دوراً بارزاً في قضية كبيرة كهذه، لم يكن أمراً عفوياً، ولا منفصلاً عن الضوابط التي تنتظم مواقف أهل البيتعليهم‌السلام ، وإنما كان امتداداً لمواقف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهما، في مجال إعدادهما، ووضعهما في مكانهما الطبيعي وعلى المستوى القيادي للأُمة .

٥١

٢ ـ اعتراضه على أبي بكر :

وللحسن بن عليّعليهما‌السلام موقف مع أبي بكر، حيث جاء إليه يوماً وهو يخطب على المنبر، فقال له: انزل عن منبر أبي، فأجابه أبو بكر : صدقت والله، إنّه لمنبر أبيك لا منبر أبي(١) .

٣ ـ الإمام الحسنعليه‌السلام وأسئلة الأعرابي :

تقوم الإمامة على ركنين رئيسين : أحدهما : الكفاءة التي تشمل العلم والعصمة وغيرهما، والآخر: النص، من هنا نجد الأئمةعليهم‌السلام كانوا يهتمّون بذكر هذه النصوص والتذكير بها والتركيز عليها باستمرار، وقد كان الإمام الحسنعليه‌السلام قد أولى اهتماماً خاصّاً ـ وفي كثير من أقواله ومواقفه ـ لذكر هذه النصوص، ومن ذلك قوله: إنّهم هم الذين افترض الله طاعتهم، وإنّهم أحد الثقلين(٢) .

وكذلك الحال بالنسبة إلى العلم، فإنّهمعليهم‌السلام ما فتئوا يؤكدون على أنّهم هم ورثة علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعندهم الجفر والجامعة وغير ذلك(٣) .

وقد كان الإمام عليّعليه‌السلام يهتم في إثبات صفة علم الإمامة للإمام الحسنعليه‌السلام منذ طفولته، لكي يطّلع المسلمون على مدى علمه، فيكون دليلاً

__________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٨٠، الصواعق المحرقة : ١٧٥ .

(٢) الغدير : ١ / ١٩٨ .

(٣) راجع مكاتيب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ١ / ٥٩ ـ ٨٩ .

٥٢

قاطعاً على إمامتهعليه‌السلام ، وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام يهتم في إظهار ذلك لأُولئك الذين استأثروا بالأمر وأقصوا أصحاب الحقّ الحقيقيين عن حقّهم، وقد اتّبععليه‌السلام في لفت الأنظار إلى الحسنعليه‌السلام أُسلوباً من شأنه أن يتناقله الناس ويتندروا به في مجالسهم، إذ أنّ إجابة طفل لم يبلغ عمره العشر سنوات على أسئلة عويصة وغامضة لأمر يثير عجبهم ويستأثر باهتمامهم.

وذكر القاضي النعمان في شرح الأخبار بإسناده عن عبادة بن الصامت: أنّ أعرابياً سأل أبا بكر، فقال: إنّي أصبت بيض نعام فشويته، وأكلته وأنا محرم، فما يجب عليّ؟ فقال له: يا أعرابي، أشكلت عليّ في قضيّتك، فدلّه على عمر، ودلّه عمر على عبد الرحمن بن عوف، فلمّا عجزوا قالوا: عليك بالأصلع، فقال أمير المؤمنين : "سل أيّ الغلامين شئت"، فقال الحسن : "يا أعرابي، ألك إبل؟" قال: نعم، قال: "فاعمد إلى ما أكلت من البيض نوقاً، فاضربهن بالفحول، فما فصل منها فأهده إلى بيت الله العتيق الذي حججت إليه"، فقال أمير المؤمنين: "إنّ من النوق السلوب، ومنها ما يزلق"(١) ، فقال : إن يكن من النوق السلوب وما يزلق، فإنّ من البيض ما يمرق(٢) ، قال: فسمع صوت "أيّها الناس، إنّ الذي فهّم هذا الغلام هو الذي فهّمهما سليمان بن داود"(٣) .

٤ ـ الإمام الحسنعليه‌السلام في الشورى :

بعد أن طعن عمر بن الخطاب، ورتّب قضية الشورى على النحو المعروف قال للمرشحين : "وأحضروا معكم من شيوخ الأنصار وليس لهم

__________

(١) الناقة السلوب : التي مات ولدها، أو ألقته لغير تمام.

(٢) مرقت البيضة : فسدت .

(٣) المناقب لابن شهر آشوب : ٤ / ١٠ .

٥٣

من أمركم شيء، وأحضروا معكم الحسن بن علي وعبد الله بن عباس، فإنّ لهما قرابة، وأرجو لكم البركة في حضورهما، وليس لهما من أمركم شيء ويحضر عبد الله مستشاراً، وليس له من الأمر شيء" فحضر هؤلاء(١) .

وقد قبل الإمام الحسن حضور جلسات الشورى، وكان حضوره يعني انتزاع الاعتراف من عمر بأنّه ممّن يحقّ له المشاركة السياسية، حتى في أعظم وأخطر قضية تواجهها الأُمة، وكذلك كي يفهم الناس هذا الأمر ولكي يتمكّن في المستقبل من إظهار رأيه في القضايا المصيرية، ولو لم يُقبل منه .

__________

(١) الإمامة والسياسة : ١ / ٢٨ .

٥٤

في عهد عثمان :

١ ـ الإمام الحسنعليه‌السلام في وداع أبي ذر :

"يا عمّاه! لو لا أنّه لا ينبغي للمودّع أن يسكت وللمشيّع أن ينصرف; لقصر الكلام وإن طال الأسف، وقد أتى من القوم إليك ما ترى، فضع عنك الدنيا بتذكّر فراغها، وشدّة ما اشتد منها برجاء ما بعدها، واصبر حتى تلقى نبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنك راض" (١) .

تلك هي كلمات الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام وهو يودّع ـ مع أبيه وأخيه وعمّه عقيل وابن عمّه عبد الله بن جعفر وابن عبّاس ـ أبا ذرّ الصحابي الجليل الذي جاهد وناضل في سبيل الدين والحقّ وما لاقى من اضطهاد وإهانة وبلاء حتى قضى غريباً وحيداً في "الربذة" منفاه .

وهي كلمات ناطقة معبّرة عن موقف عميق تجاه تصرّفات وأعمال الخط الحاكم، وهو بكلماته هذه يساهم في تحقيق ما كان يرمي إليه أبو ذرّ من أهداف، حيث كان لا بدّ من إطلاق الصرخة لإيقاظ الأُمة من سباتها وتوعيتها على حقيقة ما يجري وما يحدث، وإفهامها أنّ الحاكم لا يمكن أن يكون أبداً في منأىً عن المؤاخذة، ولا هو فوق القانون، وإنّما هو ذلك الحامي له والمدافع عنه، فإذا ما سوّلت له نفسه أن يرتكب أيّة مخالفة أو أن يستغلّ مركزه في خدمة أهوائه ومصالحه الشخصيّة; فبإمكان كلّ شخص من المسلمين بل من واجبه أن يعلن كلمة الحقّ، ويعمل على رفع الظلم والانحراف .

ومن جهة أخرى فإنّه إذا كانت الظروف لا تسمح لأمير المؤمنين وسبطيهعليهم‌السلام وآخرين ممن ساروا على خطّهم لأن يقفوا موقف أبي ذرّ; فإنّ

__________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٨ / ٢٥٣، والغدير : ٨ / ٣٠١، وروضة الكافي : ٨ / ٢٠٧ .

٥٥

عليهم ـ على الأقل ـ أن يعلنوا رأيهم الذي هو رأي الإسلام فيه وفي مواقفه، فإنّ ذلك من شأنه أن يعطي موقفه العظيم ذلك بُعداً إعلاميّاً وعمقاً فكريّاً وسياسيّاً يحمي تلك المعطيات والنتائج التي ستنشأ عنه .

وإذا تأمّلنا في كلمات الإمام الحسنعليه‌السلام لأبي ذرّ في ذلك الموقف; فإنّنا نجدها تتضمّن عميق أسفه لما فعله القوم بأبي ذرّ، ثم تشجيعه وشدّ أزره في موقفه، ويعتبر أنّ فيه رضى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن ثم رضى الله سبحانه وتعالى .

كما أنّه يحاول التخفيف عن أبي ذرّ، بعد إعطائه الرؤية الصحيحة التي من شأنها أن تخفّف من وَقْعِ المحنة عليه، وتسهّل عليه مواجهة البلايا التي تنتظره، وذلك حينما يأمرهعليه‌السلام بأن يضع عنه الدنيا بتذكّر فراغها، وشدّة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها .

٢ ـ هل اشترك الإمام الحسنعليه‌السلام في الفتوح ؟

قال بعض المؤرّخين : وفي سنة ثلاثين غزا سعيد بن العاص "طبرستان"، وكان أهلها في خلافة عمر قد صالحوا سويد بن مقرن على مال بذلوه، ثم نقضوا فغزاهم سعيد بن العاص ومعه الحسن والحسين وابن عبّاس!.

ولمّا أراد المسلمون فتح أفريقية فإنّ عثمان جهّز العساكر من المدينة، وفيهم جماعة من الصحابة، منهم ابن عبّاس وابن عمر وابن عمرو بن العاص وابن جعفر والحسن والحسين وابن الزبير، وساروا مع عبد الله ابن أبي سرح سنة ستٍّ وعشرين(١) .

وقد نوقش هذا الزعم ـ وهو اشتراك الحسنينعليهما‌السلام في الفتوحات ـ بما يلي :

__________

(١) العبر (تاريخ ابن خلدون) : ١ / ١٢٨ .

٥٦

أ ـ إنّ تلك الفتوحات لم تكن عموماً من أجل مصالح الإسلام العليا، حيث إنّ الحكام كانوا يستفيدون من تلك الفتوحات في مجال إرضاء طموحاتهم وإشباع غرورهم، فقد أسالت الفتوحات لعابهم بما فيها من غنائم وبسط نفوذ، فصاروا يهتمّون بتقوية أمرهم وتثبيت سلطانهم، وهناك من الحكّام من كان الدين والإسلام بنظرهم مجرد شعار يخدم ملكهم ويقوّيه .

ونستطيع أن نورد كثيراً من الشواهد والأدلة على مدى اهتمام الحكام وأعوانهم وكلّ من ينتسب إليهم بجمع الأموال والحصول على الغنائم بحقّ أو بغير حقّ، ويكفي أن نذكر : أنّ زياداً بعث الحكم بن عمر الغفاري على خراسان، فأصابوا غنائم كثيرة فكتب إليه زياد : أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين كتب أن يصطفي له البيضاء والصفراء، ولا يقسّم بين المسلمين ذهباً ولا فضّةً، فرفض الحكم ذلك، وقسّمه بين المسلمين، فوجّه إليه معاوية من قيّده وحبسه فمات في قيوده، ودفن فيها، وقال : إنّي مخاصم(١) .

وقد بدأ التعذيب بالجزية في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب(٢) ، بل لقد رأيناهم يوجبون الجزية حتى على من أسلم من أهل الذمة، وذلك بحجة أنّ الجزية بمنزلة الضريبة على العبد فلا يسقط إسلام العبد ضريبته، لكن عمر بن عبد العزيز شذّ عن هذه السياسة وأسقطها عنهم، كما يذكرون(٣) .

كما أنّ عمر بن الخطاب حاول أخذ الجزية من رجل أسلم على اعتبار أنّه : إنّما أسلم متعوّذاً، فقال له ذلك الشخص : إنّ في الإسلام لمعاذاً، فقال عمر :

__________

(١) مستدرك الحاكم : ٣ / ٤٤٢ ـ ٤٤٣ .

(٢) المصنف لعبد الرزاق : ١١ / ٢٤٥ فما بعدها .

(٣) تاريخ الدولة العربية : ٢٣٥، وتاريخ التمدن الإسلامي : ١ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤ .

٥٧

صدقت، إنّ في الإسلام لمعاذاً(١) .

وأمّا مضاعفته الجزية على نصارى تغلب فهي معروفة ومشهورة(٢) .

وقال خالد بن الوليد يخاطب جنوده ويرغِّبهم بأرض السواد : ألا ترون إلى الطعام كرفغ(٣) التراب؟ وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله، والدعاء إلى الله عَزَّ وجَلَّ، ولم يكن إلاّ المعاش; لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف، حتى نكون أولى به، ونولي الجوع والإقلال من تولّى، ممن اثّاقل عمّا أنتم عليه(٤) .

وفي فتح "شاهرتا" يعطي بعض عبيد المسلمين أماناً لأهل المدينة، فلا يرضى المسلمون، وينتهي بهم الأمر إلى أن يرفعوا ذلك إلى عمر بن الخطّاب، فكتب : "إنّ العبد المسلم من المسلمين أمانه أمانهم، قال : ففاتنا ما كنّا أشرفنا عليه من غنائمهم ..."(٥) .

ولكن ما ذكره خالد بن الوليد آنفاً ليس هو كلّ الحقيقة، وذلك لأنّ ما كان يصل الطبقة المستضعفة من الجند لم يكن إلاّ أقلّ القليل، ممّا لا يكفي لسدّ خلّتهم ورفع خصاصتهم، بل كان محدوداً جداً، لا يلبث أن ينتهي ويتلاشى، مع أنّهم كانوا هم وقود تلك الحروب .

إذن فالحرب من أجل الغنائم والأموال كانت هي الصفة المميّزة لأكثر تلك الفتوحات .

ب ـ إنّ الحكام كانوا يستفيدون من تلك الفتوحات في مجال إرضاء طموحات الشباب وإشباع غرورهم، إذ كانوا بصدد تأهيلهم لمناصب عالية

__________

(١) المصنف : ٦ / ٩٤ .

(٢) سنن البيهقي : ٩ / ٢١٦ .

(٣) الرفغ : الأرض الكثيرة التراب .

(٤) العراق في العصر الأُموي ١١ عن الطبري: ٤ / ٩ .

(٥) المصنف : ٥ / ٢٢٢ و ٢٢٣ .

٥٨

وإظهار شخصياتهم، فقد كان معاوية يجبر ولده يزيد على قيادة جيش غازياً لبعض المناطق(١) .

ج ـ كان الحكام يستفيدون من الفتوحات في إبعاد المعترضين على سياساتهم، والناقمين على أعمالهم وتصرفاتهم، وكشاهد على ذلك نذكر : أنّه لمّا تفاقت النقمة على عثمان; استدعى بعض عماله ومستشاريه، وهم : معاوية وعمرو بن العاص وعبد الله بن عامر(٢) .

واستشارهم فيما ينبغي له عمله لمواجهة نقمة الناس على سياساته ومطالبتهم له بعزل عمّاله(٣) ، واستبدالهم بمن هم خير منهم، فأشار عليه عبد الله بن عامر بقوله : "رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وأن تجمرهم في المغازي، حتى يذلّوا لك، فلا يكون همة أحدهم إلاّ نفسه، وما هو فيه منه دَبَرة دابته، وقَمَل فروه".

وأضاف في نصٍّ آخر قوله : "فردّ عثمان عمّاله على أعمالهم، وأمرهم بالتضييق على من قبلهم، وأمرهم بتجمير(٤) الناس في البعوث، وعزم على تحريم أُعطياتهم، ليطيعوه ويحتاجوا إليه ..."(٥) .

د ـ إنّ الجهاد الابتدائي يحتاج إلى إذن الإمام العادل(٦) ، وإنّ أئمة الحقّ كانوا لا يرون في الاشتراك في هذه الحروب مصلحة، بل لا يرون تلك الحروب خيراً، فقد روي : أنّ أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام قال لعبد الملك بن

__________

(١) المحاسن والمساوي : ٢ / ٢٢٢ .

(٢) يلاحظ أنّ هؤلاء قد كانوا عمّاله باستثناء عمرو بن العاص، فإنّه كان معزولاً آنئذ .

(٣) من الطريف أن يستشير عثمان نفس أولئك الذين يطالب الناس بعزلهم في أمر الغزو .

(٤) التجمير : حبس الجيش في أرض العدو .

(٥) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤ .

(٦) الوسائل ١١ : ٣٢ فصاعداً، والكافي : ٥ / ٢٠ .

٥٩

عمرو :يا عبد الملك! ما لي لا أراك تخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك؟ قال : قلت : وأين؟ قال :جُدَّة، وعبادان، والمصيصة، وقزوين ، فقلت : انتظاراً لأمركم، والاقتداء بكم ؟ فقال :إي والله، لو كان خيراً ما سبقونا إليه (١) .

وثمّة عدّة روايات تدلّ على أنّهمعليهم‌السلام كانوا لا يشجعون شيعتهم، بل ويمنعونهم من الاشتراك في تلك الحروب، ولا يوافقون حتى على المرابطة في الثغور أيضاً، ولا يقبلون منهم حتى ببذل المال في هذا السبيل حتى ولو نذروا ذلك(٢) .

أمّا لو دهم العدو أرض الإسلام فإنّ عليهم أن يقاتلوا دفاعاً عن بيضة الإسلام، لا عن أولئك الحكّام(٣) .

بل نجد روايةً عن عليعليه‌السلام تقول :"لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم، ولا ينفذ في الفيء أمر الله عَزَّ وجَلَّ" (٤) .

ويؤيّد ذلك : أنّ عثمان جمع يوماً أكابر الصحابة ـ وكان بينهم الإمام عليعليه‌السلام ـ في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستشارهم في غزوة أفريقية، فرأوا في الأكثر أنّ المصلحة في أن لا تقع بأيدي أصحاب الأغراض والأهواء والمنحرفين(٥) .

فالأئمةعليهم‌السلام وإن كانوا ـ ولا شك ـ يرغبون في توسعة رقعة الإسلام ونشره ليشمل الدنيا بأسرها ولكنّ الطريقة والأسلوب الذي كان يتم به الفتح

__________

(١) التهذيب : ٦ / ١٢٧، والكافي : ٥ / ١٩، والوسائل : ١١ / ٣٢ .

(٢) الوسائل : ١١ / ٢١ ـ ٢٢ عن قرب الإسناد ص١٥٠، والتهذيب : ٦ / ١٣٤، والكافي : ٥ / ٢١ .

(٣) الوسائل : ١١ / ٢٢، والكافي : ٥ / ٢١، والتهذيب : ٦ / ١٢٥ .

(٤) الوسائل : ١١ / ٣٤ .

(٥) الفتوح لابن أعثم، الترجمة الفارسية : ١٢٦ .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل السادس

التوثيقات العامة

1 ـ أصحاب الاجماع.

2 ـ مشايخ الثقات.

3 ـ العصابة التي لا يروون إلا عن ثقة.

4 ـ رجال أسانيد « نوادر الحكمة ».

5 ـ رجال أسانيد « كامل الزيارات ».

6 ـ رجال اسانيد « تفسير القمّي ».

7 ـ أصحاب « الصادق » عليه‌السلام .

8 ـ شيخوخة الإجازة.

9 ـ الوكالة عن الإمام عليه‌السلام .

10 ـ كثرة تخريج الثقة عن شخص.

١٦١
١٦٢

1 ـ أصحاب الاجماع

* ما هو الاصل في ذلك.

* « أصحاب الاجماع » اصطلاح جديد.

* عددهم وما نظمه السيد بحر العلوم.

* كيفية تلقي الاصحاب هذا الاجماع وحجيته.

* مفاد « تصحيح ما يصح عنهم ».

١٦٣
١٦٤

قد وقفت على الطُّرق التي تثبت بها وثاقة راو معيَّن وهناك طرق تثبت بها وثاقة جمع كثير تحت ضابطة خاصة ، وإليك هذه الطرق واحداً بعد واحد. وأهمّها مسألة أصحاب الاجماع المتداولة في الألسن وهم ثمانية عشر رجلاً على المشهور.

إن البحث عن أصحاب الاجماع من أهمّ أبحاث الرجال ، وقد اشار اليه المحدّث النوري وقال : « إنه من مهمّات هذا الفنّ ، إذ على بعض التقادير تدخل آلاف من الاحاديث الخارجة عن حريم الصحة إلى حدودها أو يجري عليها حكمها »(1) .

ولتحقيق الحال يجب البحث عن أمور :

الأول : ما هو الاصل في ذلك؟

الأصل في ذلك ما نقله الكشّي في رجاله في مواضع ثلاثة نأتي بعبارته في تلك المواضع.

1 ـ « تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللهعليهما‌السلام : اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر

__________________

1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 757.

١٦٥

عليه‌السلام وأصحاب أبي عبداللهعليه‌السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا : أفقه الأولين ستّة : زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد ، وأبو بصير الاسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، قالوا : أفقه الستّة زرارة ، وقال بعضهم مكان أبي بصير الاسدي ، ابو بصير المرادي وهو ليث بن البختري »(1) .

2 ـ « تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه من دون اُولئك الستّة الذين عددناهم وسمَّيناهم(2) وهم ستّة نفر : جميل بن درّاج ، وعبدالله بن مسكان ، وعبدالله بن بكير ، وحمّاد بن عثمان ، وحمّاد بن عيسى ، وأبان بن عثمان ، قالوا : وزعم أبو اسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون(3) أن أفقه هؤلاء جميل بن درّاج وهم أحداث أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام »(4) .

3 ـ « تسمية الفقهاء من اصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسنعليهما‌السلام : أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستّة نفر أُخر دون ستّة نفر الذين ذكرناهم(5) في أصحاب أبي عبداللهعليه‌السلام منهم : يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمد بن أبي عمير ، وعبدالله بن مغيرة ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وقال بعضهم مكان الحسن بن

____________

1 ـ رجال الكشي : 206.

2 ـ يريد بذلك العبارة المتقدمة التي نقلناها آنفاً.

3 ـ قال النجاشي ( في الرقم 302 ) : « كان وجهاً في أصحابنا قارئاً فقيهاً نحوياً لغوياً راوية وكان حسن العمل ، كثير العبادة والزهد ، روى عن أبي عبدالله وأبي الحسنعليهما‌السلام ».

4 ـ رجال الكشي : 322 ، والمراد من الاحداث : الشبان.

5 ـ يريد العبارة الثانية التي نقلناها عن رجاله.

١٦٦

محبوب ، الحسن بن علي بن فضال ، وفضالة بن أيوّب(1) وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوّب ، عثمان بن عيسى ، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمان وصفوان بن يحيى »(2) .

ويظهر من ابن داود في ترجمة « حمدان بن أحمد » أنه من جملة من اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ منهم والاقرار لهم بالفقه(3) ونسخ الكشي خالية منه ، ولعله أخذه من الاُصول ، لا من منتخب الشيخ ، كما احتمله المحدّث النوري ، لكن التأمل يرشدنا إلى خلاف ذلك وأن العبارة كانت متعلقة بـ « حمّاد بن عيسى » المذكور قبل حمدان. وقد سبق قلمه الشريف فخلط هو أو النسّاخ ووجه ذلك أنه عنون أربعة اشخاص بالترتيب الآتي :

1 ـ حمّاد بن عثمان النّاب. 2 ـ حمّاد بن عثمان بن عمرو. 3 ـ حمّاد بن عيسى. 4 ـ حمدان بن أحمد وصرّح في ترجمة حمّاد بن عثمان الناب أنه ممّن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وأتى بهذا المضمون في ترجمة حمدان ، مع أن اللازم عليه أن يأتي به في ترجمة ابن عيسى ولعل الجميع كان مكتوباً في صفحة واحدة فزاغ البصر ، فكتب ما يرجع إلى ابن عيسى في حق حمدان(4) .

أضف إلى ذلك أن ابن داود نفسه خصّ الفصل الأول من خاتمة القسم الأول من كتابه بذكر أصحاب الاجماع ـ كما سيوافيك عبارته ـ وذكر أسماءهم

__________________

1 ـ الظاهر أن « الواو بمعنى « أو » أي أحد هذين ، ويحتمل كونها بمعناها فيزداد العدد.

2 ـ رجال الكشي : الرقم 1050.

3 ـ رجال ابن داود : 84 ، الرقم 524.

4 ـ والجدير بالذكر ان تغاير « حمّادين » الاولين محلّ نظر. بل استظهر جمع من أئمة الرجال اتحادهما ولعله الاصح. راجع قاموس الرجال : 3 / 397 ـ 398 ؛ ومعجم رجال الحديث : 6 / 212 ـ 215.

١٦٧

مصّرحاً بكون حمّاد بن عيسى منهم من دون أن يذكر حمدان بن أحمد.

والعجب أنّه ذكر الطبقة الثّالثة بعنوان الطبقة الثانية وقال : إنّهم من أصحاب أبي عبداللهعليه‌السلام مع أنّه صرح في ترجمة كل منهم أنّهم كانوا من أصحاب الرضاعليه‌السلام وبعضهم من أصحاب أبي إبراهيم وأبي جعفر الثانيعليهما‌السلام (1) .

هذا ، مضافاً إلى أنه لا اعتبار بما انفرد به داود مع اشتمال رجاله على كثير من الهفوات.

الثاني : « أصحاب الاجماع » اصطلاح جديد

إن التّعبير عن هذه الجماعة بـ « أصحاب الاجماع » أمر حدث بين المتأخرين ، وجعلوه أحد الموضوعات التّي يبحث عنها في مقدمات الكتب الرجالية أو خواتيهما ، ولكنّ الكشّي عبر عنهم بـ « تسمية الفقهاء من أصحاب الباقرينعليهما‌السلام » أو « تسمية الفقهاء من أصحاب الصادقعليه‌السلام » أو « تسمية الفقهاء من اصحاب الكاظم والرضاعليهما‌السلام » فهورحمه‌الله كان بصدد تسمية الفقهاء من أصحاب هؤلاء الأئمّة ، الذين لهم شأن كذا وكذا ، والهدف من تسميتهم دون غيرهم ، هو تبيين أنّ الأحاديث الفقهية تنتهي إليهم غالباً ، فكأنّ الفقه الإماميّ مأخوذ منهم ، ولو حذف هؤلاء وأحاديثهم من بساط الفقه ، لما قام له عمود ، ولا اخضرّ له عود ، ولتكن على ذكر من هذا المطلب ، فأنّه يفيدك في المستقبل.

الثالث : في عددهم

قد عرفت أنه لا اعتبار بما هو الموجود في رجال ابن داود من عدّ « حمدان بن أحمد » من أصحاب الإجماع ، فلابدّ من الرجوع إلى عبارة

__________________

1 ـ الرجال : طبعة النجف ، الرقم : 118 ، 442 ، 454 ، 782 ، 909 و 1272.

١٦٨

الكشي فقد نقل الكشي اتفاق العصابة على ستة نفر من أصحاب الصادقينعليهما‌السلام وهم : 1 ـ زرارة أعين ، 2 ـ معروف بن خربوذ ، 3 ـ بريد بن معاوية ، 4 ـ أبو بصير الأسدي ، 5 ـ الفضيل بن يسار ، 6 ـ محمد بن مسلم الطائفي.

ونقل أيضاً اتّفاقهم على ستة من أحداث أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام فقط وهم : 7 ـ جميل بن دراج ، 8 ـ عبد الله بن مسكان ، 9 ـ عبد الله بن بكير ، 10 ـ حماد بن عثمان ، 11 ـ حماد بن عيسى ، 12 ـ أبأن بن عثمان.

كما نقل اتفاقهم على ستة نفر من أصحاب الامامين الكاظم والرضاعليهما‌السلام وهم : 13 ـ يونس بن عبد الرحمان ، 14 ـ صفوان بن يحيى بيّاع السابري ، 15 ـ محمد بن أبي عمير ، 16 ـ عبد الله بن مغيرة ، 17 ـ الحسن بن محبوب ، 18 ـ أحمد بن محمّد بن نصر.

هذا ما اختار الكشي في من اجمعت العصابة عليهم ، ولكن نقل في حق الستة الأولى أن بعضهم قال مكان أبي بصير الأسدي ، أبو بصير المرادي ، فالخمسة من الستة الأولى موضع اتّفاق من الكشي وغيره ، كما أن الستة الثانية موضع اتفاق من الجميع ، وأما الطبقة الثالثة فخمسة منهم مورد اتفاق بينه وبين غيره حيث قال : « ذكر بعضهم مكان الحسن بن محبوب ، الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب ، وذكر بعضهم مكان فضالة بن أيوب ، عثمان بن عيسى » فيكون خمسة من الطبقة الثالثة مورد اتفاق بينه وبين غيره وبالنتيجة يكون ستة عشر شخصاً موضع اتفاق من الكل ، وانفرد الكشي بنقل الإجماع على شخصين وهما أبو بصير الأسدي من الطبقة الأولى ، والحسن بن محبوب من الثالثة ونقل الاخرون ، الاتفاق على أربعة وهم : أبو بصير المرادي من الستة الأولى والحسن بن علي بن فضال ، وفضالة بن أيوب وعثمان بن عيسى من الثالثة ، فيكون المجموع : اثنين وعشرين شخصاً ، بين ما اتفق الكل على

١٦٩

كونهم من أصحاب الاجماع ، أو قال به الكشي وحده أو غيره فالمتيقن هو 16 شخصاً ، والمختلف فيه هو 6 اشخاص.

ثم إن المتتبع النوري قد حاول رفع الاختلاف قائلاً : « إنه لا منافاة بين الإجماعين في محل الانفراد لعدم نفي أحد الناقلين ما أثبته الآخر وعدم وجوب كون العدد في كل طبقة ستة ، وأنما اطلع كل واحد على ما لم يطلع عليه الاخر ، والجمع بينهما ممكن ، فيكون الجميع مورداً للاجماع.

ونقل عن بعض الأجلة الاشكال عليه ، بأنّ الكشّي جعل الستّة الأولى أفقه الأوّليين وقال : « فقالوا أفقه الأوّين ستة » ومعناه هؤلاء أفقه من غيرهم ومنهم أبو بصير المرادي. وعليه فالأسدي الّذي هو جزء من الستة أفقه من أبي بصير المرادي وعلى القول الآخر يكون المرادي من أفراد الستة ويكون أفقه من أبي بصير الاسدي ، فيحصل التكاذب بين النقلين ، فواحد منهم يقول : الأفقه هو الأسدي ، والآخر يقول : الأفقه هو المرادي »(1) .

وفيه أولاً : أنه يتم في القسم الأول من هذه الطّبقات الثلاث ، حيث اشتمل على جملة « أفقه الأولين ستة » دون سائر الطبقات ، فهي خالية عن هذا التعبير.

وثانياً أنه يحتمل أن يكون متعلق الاجماع هو التصديق والانقياد لهم بالفقه ، لا الأفقهيّة من الكلّ ، فلاحظ وتأمّل.

الرابع : فيما نظمه السيد بحر العلوم

إن السيد الجليل بحر العلوم جمع أسماء من ذكره الكشي في المواضع الثلاثة في منظومته وخالفه في أشخاص من الستة الأولى ، قالقدس‌سره :

قد أجمع الكل على تصحيح ما

يصح عن جماعة فليعلما

__________________

1 ـ خاتمة مستدرك الوسائل : 3 / 757 ، الفائدة السابعة.

١٧٠

وهم أولو نجابة ورفعة

أربعة وخمسة وتسعة

فالستة الأولى من الأمجاد

أربعة منهم من الأوتاد

زرارة كذا بريد(1) قد أتى

ثم محمد(2) وليث(3) يافتى

كذا الفضيل(4) بعده معروف(5)

وهو الذي ما بيننا معروف

والستة الوسطى اولو الفضائل

رتبتهم أدنى من الأوائل

جميل الجميل(6) مع أبان(7)

والعبدلان(8) ثم حمّادان(9)

والستة الاخرى هم صفوان(10)

ويونس(11) عليهما الرضوان

ثم ابن محبوب(12) كذا محمد(13)

كذاك عبدالله(14) ثم أحمد(15)

وما ذكرناه الأصحّ عندنا

وشذّ قول من به خالفنا(16)

قوله : « وما ذكرناه الأصح » إشارة إلى الاختلاف الذي حكاه الكشي في عبارته حيث اختار الكشي ان أبا بصير الاسدي منهم ، واختار غيره أن أبا

__________________

1 ـ المراد بريد بن معاوية.

2 ـ المراد محمد بن مسلم.

3 ـ ابو بصير المرادي وهو ليث بن البختري ، وقد خالف فيه مختار الكشي.

4 ـ الفضيل بن يسار.

5 ـ معروف بن خربوذ.

6 ـ جميل بن دراج.

7 ـ أبان بن عثمان.

8 ـ عبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير.

9 ـ حمّاد بن عثمان وحمّاد بن عيسى.

10 ـ صفوان بن يحيى. المتوفّى عام 220 هـ.

11 ـ يونس بن عبد الرحمن.

12 ـ الحسن بن محبوب.

13 ـ محمد بن أبي عمير.

14 ـ عبد الله بن المغيرة.

15 ـ أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.

16 ـ قد مضى القولان في عبارة الكشي.

١٧١

بصير المرادي منهم واختار السيد بحر العلوم القول الثاني ونسب القول الأول إلى الشذوذ.

الخامس : في كيفية تلقي الأ صحاب هذا الاجماع

إن المتتبع النوري قد قام بتصفح كلمات الأصحاب حتى يستكشف من خلالها كيفية تلقيهم هذا الإجماع بالقبول وإليك الإشارة إلى بعض الكلمات التي نقلها المحدث النوري في الفائدة السابعة من خاتمة المستدرك بتحرير منّا حسب القرون :

1 ـ إن أول من نقله من الأصحاب هو أبو عمرو الكشي وهو من علماء القرن الرابع وكان معاصراً للكليني ( المتوفّى عام 329 هـ ) وتتلمذ للعياشي صاحب التفسير.

2 ـ ويتلوه في النقل ، الشيخ الطوسي ، وهو من علماء القرن الخامس ( المتوفّى عام 460 هـ ) حيث إنه قام باختصار رجال الكشي بحذف أغلاطه وهفواته ، وأملاه على تلاميذه وشرع بالإملاء يوم الثلاثاء السادس والعشرين من صفر سنة 456 هـ ، بالمشهد الشريف الغري ، ونقل سبط الشيخ ، السيد الأجل « علي بن طاووس » في كتاب « فرج المهموم » عن نفس خط الشيخ في أول الكتاب أنه قال : « هذه الأخبار اختصرتها من كتاب الرجال لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي واخترنا ما فيها »(1) . وظاهر كلامه أن الموجود في الكشي مختاره ومرضيه.

أضف إلى ذلك أنه يقول في العدة : « سوَّت الطائفة بين ما رواه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات ، الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممَّن يوثق به ، وبين ما

__________________

1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 757 ، نقلاً عن فرج المهموم.

١٧٢

أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم »(1) .

فان قوله « وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممَّن يوثق به » دليل على أن فيهم جماعة معروفين عند الاصحاب بهذه الفضيلة ، ولا تجد في كتب هذا الفنّ من طبقة الثقات ، عصابة مشتركة في هذه الفضيلة غير هؤلاء.

3 ـ وممَّن تلقّاه بالقبول ، رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب من علماء القرن السادس ( المتوفّى عام 588 هـ ) فقد أتى بما ذكره الكشّي في أحوال الطبقة الاُولى والثانية ، وترك ذكر الثالثة ، ونقل الطبقتين بتغيير في العبارة كما سيوافيك وجهه(2) .

4 ـ وممَّن تلقّاه بالقبول ، فقيه الشيعة ، العلامة الحلي من علماء القرن الثامن ( المتوفّى عام 726 هـ ) وقد أشار بما ذكره الكشّي في خلاصته في موارد كثيرة كما في ترجمة « عبدالله بن بكير » و « صفوان بن يحيى » و « البزنطي » و « أبان بن عثمان ».

5 ـ وقال ابن داود مؤلّف الرجال وهو من علماء القرن الثامن ، حيث ولد عام 648 وألَّف رجاله عام 707 هـ : « أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلا فلم يختلفوا في تعظيمهم غير أنهم يتفاوتون ثلاث درج »(3) .

6 ـ وقال الشهيد الأول ( المستشهد عام 786 هـ ) في « غاية المراد » عند

__________________

1 ـ عدة الاصول : 1 / 386 ، وسيوافيك حق القول في تفسير كلام العدة ، وتقف على أن كلام العدة غير مستنبط من كلام الكشي ، وانما ذكرناه في المقام تبعاً للمحدث النوري.

2 ـ المناقب : 4 / 211 ، أحوال الإمام الباقر ، والإمام الصادقعليهما‌السلام : 280.

3 ـ رجال ابن داود : 209 ، خاتمة القسم الأول ، الفصل الأول ، طبعة النجف والصفحة : 384 ، طبعة جامعة طهران.

١٧٣

البحث عن بيع الثمرة بعد نقل حديث في سنده الحسن بن محبوب : « وقد قال الكشي : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب ».

نعم ، لم نجد من يذكر هذا الاجماع أو يشير إليه من علماء القرن السّابع كالحسن بن زهرة ( المتوفّى عام 620 هـ ) ونجيب الدين ابن نما ( المتوفّى عام 645 هـ ) ، وأحمد بن طاووس ( المتوفّى عام 673 هـ ) ، والمحقق الحلّي ( المتوفّى عام 676 هـ ) ويحيى بن سعيد ( المتوفّى عام 689 هـ ).

كما لم نجد من يذكره من علماء القرن التّاسع كالفاضل المقداد ( المتوفّى عام 826 هـ ) وابن فهد الحلّي ( المتوفّى عام 841 ).

نعم ذكره الشّهيد الثّاني ( وهو من علماء القرن العاشر وقد استشهد عام 966 هـ ) في شرح الدراية في تعريف الصحيح حيث قال : « نقلوا الاجماع على تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان مع كونه فطحيّاً ، وهذا كلّه خارج عن تعريف الصحيح الّذي ذكروه ».

كما نقل في الروضة البهية ، في كتاب الطلاق عن الشيخ أنه قال : « ان العصابة اجمعت على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن بكير وأقرّوا له بالفقه والثقة »(1) .

وأما القرون التالية ، فقد تلقاه عدة من علماء القرن الحادي عشر بالقبول كالشيخ البهائي ( المتوفّى عام 1031 هـ ). والمحقق الداماد ( المتوفّى عام 1041 هـ ) ، والمجلسي الأوّل ، وفخر الدين الطّريحي ( المتوفّى عام 1085 هـ ) والمحقق السبزواري ( المتوفّى عام 1090 هـ ) مؤلّف « ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد ».

كما تلقاه بالقبول كثير من علماء القرن الثاني عشر كالمجلسي الثاني

__________________

1 ـ الروضة البهية : 2 / 131 ، كتاب الطلاق.

١٧٤

( المتوفّى عام 1110 هـ ) وعلماء القرون التالية ولا نرى حاجة في ذكر عبائرهم(1) .

اقول : ان الأصحاب وان تلقوه بالقبول ، لكن ذلك التلقّي لا يزيدنا شيئاً ، لأنهم اعتمدوا على نقل الكشي ولولاه لما كان من ذلك الاجماع أثر ، ولأجل ذلك نرى أن الشيخ لم يذكره في كتابي الرجال والفهرست ، ولا نجد منه اثرا في رجال البرقي ورجال النجاشي ، وذكره ابن شهرآشوب تبعاً للكشي وتصرف في عبارته ، على أن ذكر الشيخ في رجال الكشي لا يدل على كونه مختاراً عنده لأنه هذبه عن الأغلاط ، لا عن كل محتمل للصدق والكذب ، وابقاؤه يكشف عن عدم كونه مردوداً عنده ، لا كونه مقبولاً.

السادس : في وجه حجية ذاك الاجماع

عقد الاصوليون في باب حجية الظنون ، فصلاً خاصاً للبحث عن حجية الاجماع المنقول بخبر الواحد وعدمها ، فذهب البعض إلى الحجّية بادعاء شمول أدلة حجية خبر الواحد له ، واختار المحققون وعلى رأسهم الشيخ الأعظم عدمها ، قائلاً بأن أدلة حجّية خبر الواحد تختص بما إذا نقل قول المعصوم عن حس لا عن حدس ، وناقل الإجماع ينقله حدساً لا حسّاً وذلك من ناحيتين :

الأولى : من ناحية السبب ، وهو الاتفاق الملازم عادة لقول الإمامعليه‌السلام ووجه كونه حدسياً ، لا حسياً ، ان الجل ـ لولا الكل ـ يكتفون في احراز السبب ، باتفاق عدة من الفقهاء لا اتفاق الكل ، وينتقلون من اتفاق عدة منهم إلى اتفاق الجميع.

الثانية : من ناحية المسبب ، وهو قول الإمام ، فإنهم يجعلون اتفاق

__________________

1 ـ لاحظ خاتمة المستدرك : 3 / 758 ـ 759 ، بتحرير وتلخيص واضافات منا.

١٧٥

العلماء دليلاً على موافقة قولهم لقول الإمامعليه‌السلام حدساً لا حساً ، مع ان الملازمة بين ذاك الاتفاق ، وقول الامام غير موجودة ، وعلى ذلك فناقل الاجماع ينقل السبب ( اتفاق الكل ) والمسبب ( قول الامام ) حدساً لا حساً ، وهو خارج عن مورد أدلة الحجية.

والاشكال من ناحية السبب ، مشترك بين المقام وسائر الاجماعات المنقولة ، حيث ان المظنون ان ابا عمرو الكشي لم يتفحص في نقل إجماع العصابة على هؤلاء ، وإنما وقف على آراء معدودة واكتفى ، وهي لا تلازم اتفاق الكل.

وهناك اشكال اخر يختص بالمقام ، وهو ان الاجماع المنقول لو قلنا بحجّيته ، انما هو فيما إذا تعلق على الحكم الشرعي ، لا على الموضوع ، ومتعلق الاجماع في المقام موضوع من الموضوعات لا حكم من الأحكام ، كما تفصح منه عبارة الكشي : « أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة ».

والاجماع على موضوع ولو كان محصلاً ، ليس بحجة ، فكيف إذا كان منقولاً.

والجواب عن الاشكال الأول مبني على تعيين المفاد من عبارة الكشي في حق هؤلاء الثمانية عشر ، فلو قلنا بأن المراد منها هو تصديق هؤلاء الأعلام في نفس النقل والحكاية الملازم لوثاقتهم ـ كما هو المختار ويظهر من عبارة المناقب أيضاً وغيرها كما ستوافيك ـ فلا يحتاج في إثبات وثاقة هؤلاء إلى اتفاق الكل حتى يقال انه أمر حدسي بل يكفي توثيق شخص أو شخصين أو ثلاثة وقف عليه الكشي عن حس ، ليس الاطلاع على هذا القدر أمراً عسيراً حتى يرمي الكشي فيه إلى الحدس ، بل من المقطوع أنه وقف عليه وعلى أزيد منه.

نعم ، لو كان المراد من عبارة الكشي هو اتفاق العصابة على صحة رواية هؤلاء ، بالمعنى المصطلح عند القدماء اعتماداً على القرائن الخارجية ،

١٧٦

فالإشكال باق بحاله ، لان العلم بالصحة ليس أمراً محسوساً حتى تعمه أدلة حجية خبر الواحد إذا أخبر عنها مخبر ، وليست القرائن الموجبة للعلم بالصحة ، كلها من قبيل عرض الكتاب على الإمامعليه‌السلام وتصديقه إياه ، أو تكرر الحديث في الاصول المعتمدة ، حتى يقال « انها من قبيل الامور الحسية ، وأن المسبب ـ أعني صحة روايات هؤلاء ـ وان كان حدسيّاً ، لكن أسبابه حسّية ، ولا يلزم في حجة قول العادل كون المخبر به أمراً حسياً ، بل يكفي كون مقدمات حسية » ، وذلك لأن القرائن المفيدة لصحة أخبار هؤلاء ليست حسّية دائماً ، وإنما هي على قسمين : محسوس وغير محسوس ، والغالب عليها هو الثاني وقد مر الكلام فيه عند البحث عن شهادة الكليني في ديباجة الكافي على صحة رواياته.

وقد حاول بعض الأجلة الإجابة عنه ( ولو قلنا بأن المراد هو تصحيح روايات هؤلاء ) بأن نقل الكشي ، اتفاق العصابة على تصحيح مرويات هؤلاء بالقرائن الدالة على صدق مفهومها أو صدورها ، وأن لم يكن كافياً في إثبات الاتفاق الحقيقي ، لكنه كاشف عن اتفاق مجموعة كبيرة منهم على تصحيح مرويات هؤلاء ، ومن البعيد أن يكون مصدره ادعاء واحد أو اثنين من علماء الطائفة ، لأن التساهل في دعوى الإجماع شائعاً وأن كان بين المتأخرين ، لكنه بين القدماء ممنوع جداً ، هذا من جانب.

ومن جانب آخر إن اتفاق جماعة على صحة روايات هؤلاء العدة ، يورث الاطمئنان بها ، والقرائن التي تدل على الصحة وإن كانت على قسمين : حسي واستنباطي ، لكن لما كان النظر والاجتهاد في تلك الأيام قليل ، وكان الأساس في المسائل الفقهية وما يتصل بها ، هو الحس والشهود ، يمكن أن يقال باعتمادهم على القرائن العامة التي تورث الاطمئنان لكل من قامت عنده أيضاً ، ككونه من كتاب عرض على الإمام ، أو وجد في أصل معتبر ، أو تكرر في الاصول ، إلى غير ذلك من القرائن المشهورة.

١٧٧

والحاصل ؛ أنه إذا ثبت ببركة نقل الكشي كون صحة روايات هؤلاء ، أمراً مشهوراً بين الطائفة ، يحصل الاطمئنان بها من اتفاق مشاهيرهم ، لكونهم بعداء عن الاعتماد على القرائن الحدسية ، بل كانوا يعتمدون على المحسوسات أو الحدسيات القريبة منها ، لقلة الاجتهاد والنظر في تلك الأعصار.

أقول : لو صحت تلك المحاولة لصحت في ما ادعاه الكليني في ديباجة كتابه ، من صحة رواياته ، ومثله الصدوق في مقدمة « الفقيه » ، بل الشيخ حسب ما حكاه المحدث النوري بالنسبة إلى كتابيه « التهذيب والاستبصار » والاعتماد على هذه التصحيحات ، بحجة ان النظر والاجتهاد يوم ذاك كان قليلاً ، وكان الغالب عليها هو الاعتماد على الامور الحسية مشكل جداً وقد مرَّ اجمال ذلك عند البحث عن أدلة نفاة الحاجة إلى علم الرجال فلاحظ ، على ان احراز القرائن الحسية بالنسبة إلى أحاديث هؤلاء مع كثرتها ، بعيد غايته وسيوافيك بعض الكلام في ذلك عند تبيين مفاد العبارة.

واما الاشكال الثاني فالاجابة عنه واضحة ، لأنه يكفي في شمول الأدلة كون المخبر به مما يترتب على ثبوته اثر شرعي ، ولا يجب ان يكون دائماً نفس الحكم الشرعي ، فلو ثبت بإخبار الكشي ، اتفاق العصابة على وثاقتهم أو صحة اخبارهم ، لكفى ذلك في شمول ادلة الحجية كما لا يخفى.

السابع : في مفاد « تصحيح ما يصح عنهم »

وهذا هو البحث المهم الذي فصل الكلام فيه المتتبع النوري في خاتمة مستدركه ، كما فصل في الامور السابقة ـ شكر الله مساعيه ـ.

والخلاف مبني على ان المقصود من الموصول في « ما يصح » ما هو؟ فهل المراد ، الرواية والحكاية بالمعنى المصدري ، أو ان المراد المروي ونفس الحديث؟

١٧٨

فتعيين أحد المعنيين هو المفتاح لحل مشكلة العبارة ، وأما الاحتمالات الاُخر ، فكلها من شقوق هذين الاحتمالين ، ويتلخص المعنيان في جملتين :

1 ـ المراد تصديق حكاياتهم.

2 ـ المراد تصديق مروياتهم.

وان شئت قلت : هل تعلق الإجماع على تصحيح نفس الحكاية وان ابن ابي عمير صادق في قوله ، بأنّه حدثه ابن اُذينة أو عبدالله بن مسكان أو غيرهما من مشايخه الكثيرة الناهزة إلى أربعمائة شيخ أو تعلق بتصحيح نفس الحديث والمروي ، وان الرواية قد صدرت عنهمعليهم‌السلام .

وبعبارة اخرى ؛ هل تعلق بما يرويه بلا واسطة كروايته عن شيخه « ابن اُذينة » ، أو تعلق بما يرويه مع الواسطة أعني نفس الحديث الذي يرويه عن الإمام بواسطة استاذه.

والمعنى الأول يلازم توثيق هؤلاء ويدل عليه بالدلالة الالتزامية ، فان اتفاق العصابة على تصديق هؤلاء في حكايتهم وتحدثهم ملازم لكونهم ثقات ، فيكون مفاد العبارة هو توثيق هؤلاء لأجل تصديق العصابة حكايتهم ونقولهم عن مشايخهم.

وأما المعنى الثاني فله احتمالات :

1 ـ صحة نفس الحديث والرواية وان كانت مرسلة أو مروية عن مجهول أو ضعيف لأجل كونها محفوفة بالقرائن.

2 ـ صحتها لأجل وثاقة خصوص هؤلاء الجماعة فتكون الصحة نسبية لا مطلقة ، لاحتمال عدم وثاقة من يروون عنه فيتحد مع المعنى الأول.

3 ـ صحتها لأجل وثاقتهم ووثاقة من يروون عنهم حتى يصل إلى الإمامعليه‌السلام فعلى الاحتمال الثالث ، تنسلك مجموعة كبيرة من الرواة ممَّن

١٧٩

لم يوثقوا خصوصاً ، في عداد الثقات ، فإن لمحمد بن ابي عمير مثلا « 645 » حديثاًيرويها عن مشايخ كثيرة(1) .

واليك توضيح هذين المعنيين(2) .

المعنى الأول : وهو ما احتمله صاحب الوافي في المقدمة الثالثة من كتابه : « ان ما يصح عنهم هو الرواية لا المروي »(3) . وعلى هذا تكون العبارة كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم بخلاف غيرهم ممن لم ينقل الإجماع على عدالته.

ونقل المحدث النوري عن السيد المحقق الشفتي في رسالته في تحقيق حال « أبان » ان متعلق التصحيح هو الرواية بالمعنى المصدري أي قولهم أخبرني ، أو حدثني ، أو سمعت من فلان ، وعلى هذا فنتيجة العبارة أن أحداً من هؤلاء إذا ثبت أنه قال : حدثني ، فالعصابة أجمعوا على أنه صادق في اعتقاده.

وقد سبقه في اختيار هذا المعنى رشيد الدين ابن شهر آشوب في مناقبه ، حيث اكتفى بنقل المضمون وترك العبارة وقال : « اجتمعت العصابة على تصديق ستة من فقهائه ( الإمام الصادقعليه‌السلام ) وهم جميل بن دراج ، وعبدالله بن مسكان الخ » فقد فهم من عبارة الكشي اتفاق العصابة على تصديق هؤلاء وكونهم صادقين فيما يحكون ، فيدل بالدلالة الالتزامية على وثاقة هؤلاء لا غير ، والتصديق مفاد مطابقي ، والوثاقة مفاد التزامي كما لا يخفى.

__________________

1 ـ لاحظ معجم رجال الحديث : 14 / 303 ـ 304 ، طبعة النجف.

2 ـ وقد ادغمنا الوجه الثاني والثالث من الاحتمال الثاني فبحثنا عنهما بصفقة واحدة ، لان وثاقة هؤلاء ليست مورداً للشك والترديد وانما المهم اثبات وثاقة مشايخهم.

3 ـ الوافي : المقدمة الثالثة ، الصفحة 12 ، وجعل الفيض كونها كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم في عرض ذلك الاحتمال ، والظاهر أنه في طوله ، لان تصديق حكايتهم في الموارد المجردة عن القرائن غير منفك عن التصديق بعدالتهم فلاحظ.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206