اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)27%

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
ISBN: 964- 5688-25-6
الصفحات: 202

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 202 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64592 / تحميل: 8304
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
ISBN: ٩٦٤- ٥٦٨٨-٢٥-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أعلام الهداية

الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام

المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام

قم المقدسة

١

اسم الكتاب: أعلام الهداية (ج٩) الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام .

المؤلف: لجنة التأليف.

الموضوع:كلام وتاريخ.

الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام .

الطبعة الأولى: ١٤٢٢ هـ ق.

الطبعة الثانية: ١٤٢٥ هـ ق.

الطبعة الثالثة: ١٤٢٧ هـ ق.

المطبعة: ليلى.

الكمية: ٥٠٠٠.

isbn: ٩٦٤- ٥٦٨٨-٢٥-٦

حقوق الطبع والترجمة محفوظة للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

www.ahl-ul-bayt-org

٢

أهل البيت في القرآن الكريم

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )

الأحزاب: ٣٣ / ٣٣

أهل البيت في الُسنّة النبويّة

(إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً)

(الصحاح والمسانيد)

٣

المقدمة

الحمد لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى آله الميامين النجباء.

لقد خلق الله الإنسان وزوّده بعنصري العقل والإرادة، فبالعقل يبصر ويكتشف الحقّ ويميّزه عن الباطل، وبالإرادة يختار ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه وأهدافه.

وقد جعل الله العقل المميِّز حجةً له على خلقه، وأعانه بما أفاض على العقول من معين هدايته ; فإنّه هو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، وأرشده إلى طريق كماله اللائق به، وعرّفه الغاية التي خلقه من أجلها، وجاء به إلى هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها.

وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربّانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة أخرى.

قال تعالى:

( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ) (الأنعام (٦): ٧١).

( وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (البقرة (٢): ٢١٣).

( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (الأحزاب (٣٣): ٤).

( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (آل عمران (٣): ١٠١).

( قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (يونس (١٠): ٣٥).

( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) (سبأ (٣٤): ٦).

( ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله ) (القصص (٢٨):٥٠).

فالله تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم.

٤

وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم.

ولقد أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى: ( وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ ) (الذاريات (٥١): ٥٦). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال.

وبعد أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال; لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه

الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته.

ومن هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن يُسند عقل الإنسان عن طريق الوحي الإلهي، ومن خلال الهداة الذين اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية العباد وذلك عن طريق توفير تفاصيل المعرفة وإعطاء الإرشادات اللازمة لكلّ مرافق الحياة.

وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربّانية منذ فجر التاريخ وعلى مدى العصور والقرون، ولم يترك الله عباده مهملين دون حجة هادية وعلم مرشد ونور مُضيء، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيّدةً لدلائل العقل ـ بأنّ الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه، لئلاّ يكون للناس على الله حجّة، فالحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، ولو لم يبق في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة، وصرّح القرآن ـ بشكل لا يقبل الريب ـ قائلاً: ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (الرعد (١٣): ٧).

٥

ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في:

١ ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً: ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) (الأنعام (٦): ١٢٤) و( اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ) (آل عمران (٣): ١٧٩).

٢ ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى: ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) (البقرة (٢): ٢١٣).

٣ ـ تكوين أُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالى: ( يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (الجمعة(٦٢): ٢) والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (الأحزاب(٣٣): ٢١).

٤ ـ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقرّرة لها، وهذه المهمة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية والنفسية، والتي تسمّى بالعصمة.

٦

٥ ـ العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد وأركان المجتمعات البشرية وذلك بتنفيذ الأطروحة الربّانية، وتطبيق قوانين الدين الحنيف على المجتمع البشري من خلال تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّى إدارة شؤون الأمة على أساس الرسالة الربّانية للبشرية، ويتطلّب التنفيذ قيادةً حكيمةً، وشجاعةً فائقةً، وثباتاً كبيراً، ومعرفةً تامةً بالنفوس وبطبقات المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية وقوانين الإدارة والتربية وسنن الحياة، ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة دولة عالمية دينية، هذا فضلاً عن العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية التي تصون القيادة الدينية من كلّ سلوك منحرف أو عمل خاطئ بإمكانه أن يؤثّر تأثيراً سلبيّاً على مسيرة القيادة وانقياد الأمة لها بحيث يتنافى مع أهداف الرسالة وأغراضها.

وقد سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكّأوا طرفة عين.

وقد توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ على مدى العصور برسالة خاتم الأنبياء محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحمّله الأمانة الكبرى ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها، طالباً منه تحقيق أهدافها. وقد خطا الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة، وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي:

١ ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي على عناصر الديمومة والبقاء.

٢ ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف.

٣ ـ تكوين اُمة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً، وبالرسول قائداً، وبالشريعة قانوناً للحياة.

٧

٤ ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء.

٥ ـ تقديم الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري:

أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر.

ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته.

ومن هنا كان التخطيط الإلهيّ يحتّم على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعداد الصفوة من أهل بيته، والتصريح بأسمائهم وأدوارهم; لتسلّم مقاليد الحركة النبويّة العظيمة والهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه وصيانة للرسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين، وتربية للأجيال على قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها وكشف أسرارها وذخائرها على مرّ العصور، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وتجلّى هذا التخطيط الربّاني في ما نصّ عليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله:(إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) .

وكان أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرّفهم النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من الله تعالى لقيادة الأمة من بعده.

٨

إنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام تمثّل المسيرة الواقعية للإسلام بعد عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الإسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلى أعماق الأمة بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذ الأئمة المعصومونعليهم‌السلام يعملون على توعية الأمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثورته المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والأمة جمعاء.

وتبلورت حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم الأدلَّاء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود.

وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر على طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء حتّى ضربوا أعلى أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالى، ثم اختاروا الشهادة مع العزّ على الحياة مع الذلّ، حتى فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير.

ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق.

إنّ دراستنا لحركة أهل البيتعليهم‌السلام الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله.

ويختصّ هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام موسى بن جعفر، التاسع من أعلام الهداية الذي جسّد الكمالات النبوية في العلم والهداية والعمل والتربية وتوسعت بجهوده العلمية الجبارة مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام واتضحت معالمها وأينعث ثمارها ولا زلنا نتفيّأ ظلالها حتى عصرنا هذا.

٩

ولا بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كلّ الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلى عالم النور، لا سيَّما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم (حفظه الله تعالى).

ولا يسعنا إلاّ أن نبتهل إلى الله تعالى بالدعاء والشكر لتوفيقه على إنجاز هذه الموسوعة المباركة فإنه حسبنا ونعم النصير.

المجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

قم المقدسة

١٠

الباب الأول: وفيه فصول:

الفصل الأول: الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام في سطور.

الفصل الثاني: انطباعات عن شخصية الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام .

الفصل الثالث: مظاهر من شخصية الإمام الكاظمعليه‌السلام .

الفصل الأول: الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام في سطور

الإمام موسى بن جعفر المعروف بـ (الكاظم الغيظ) سابع أئمة المسلمين بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحد أعلام الهداية الربّانية في دنيا الإسلام وشمس من شموس المعرفة في دنيا البشرية التي لا زالت تشع نوراً وبهاءً في هذا الوجود. إنه من العترة الطاهرة الذين قرنهم الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحكم التنزيل وجعلهم قدوة لأولي الألباب وسفناً للنجاة وأمناً للعباد وأركاناً للبلاد. إنه من شجرة النبوة الباسقة والدوحة العلوية اليانعة ومحطّ علم الرسول وباب من أبواب الوحي والإيمان ومعدن من معادن علم الله.

ولد الإمام موسى بن جعفر في نهاية العهد الأموي سنة (١٢٨ هـ) وعاصر أيّام انهيار هذا البيت الذي عاث باسم الخلافة النبويّة في أرض الإسلام فساداً. وعاصر أيضاً بدايات نشوء الحكم العبّاسي الذي استولى على مركز القيادة في العالم الإسلامي تحت شعار الدعوة إلى الرضا من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعاش في ظلّ أبيه الصادقعليه‌السلام عقدين من عمره المبارك وتفيّأ بظلال علوم والده الكريم ومدرسته الربّانية التي استقطبت بأشعتها النافذة العالم الإسلامي بل الإنساني أجمع.

فعاصر حكم السفّاح ثم حكم المنصور الذي اغتال أباه في الخامس والعشرين من شوال سنة (١٤٨ هـ) وتصدّى لمنصب الإمامة بعد أبيه الصادقعليه‌السلام في ظروف حرجة كان يخشى فيها على حياته.

١١

وقد أحكم الإمام الصادقعليه‌السلام التدبير للحفاظ على ولده موسى ليضمن استمرار حركة الرسالة الإلهية في أقسى الظروف السياسية حتى أينعت ثمار هذه الشجرة الباسقة خلال ثلاثة عقود من عمره العامر بالهدى، وتنفّس هواء الحرية بشكل نسبي في أيّام المهدي العبّاسي وما يقرب من عقد في أيام حكم الرشيد.

لقد عاش الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ثلاثة عقود من عمره المبارك والحكم العبّاسي لمّا يستفحل ، ولكنه قد عانى من الضغوط في عقده الأخير ضغوطاً قلّما عاناها أحد من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام من الأمويين وممن سبق الرشيد من العباسيين من حيث السجن المستمرّ والاغتيالات المتتالية حتى القتل في سبيل الله على يدي عملاء السلطة الحاكمة باسم الله ورسوله. وقد روي أنّ الرشيد خاطب الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معتذراً منه في اعتقال سبطه موسى بن جعفرعليه‌السلام . زاعماً أنّ وجوده بين ظهراني الأمة سبب للفرقة... وهكذا تحكم القبضة على رقاب المسلمين بل وأئمة المسلمين.. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

لقد سار الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام على منهاج جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآبائه المعصومين علي أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر... في الاهتمام بشؤون الرسالة الإلهية وصيانتها من الضياع والتحريف، والجدّ في صيانة الأمة من الانهيار والاضمحلال ومقارعة الظالمين وتأييد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر للصدّ من تمادي الحكام في الظلم والاستبداد.

وقد كانت مدرسته العلمية الزاخرة بالعلماء وطلاّب المعرفة تشكّل تحدّياً إسلامياً حضاريّاً وتقف أمام تراث كل الحضارات الوافدة وتربي الفطاحل من العلماء والمجتهدين وتبلور المنهج المعرفي للعلوم الإسلامية والإنسانية معاً.

كما كانت نشاطاته التربوية والتنظيمية تكشف عن عنايته الفائقة بالجماعة الصالحة وتخطيطه لمستقبل الأمةً الإسلامية الزاهر والزاخر بالطليعة الواعية التي حفظت لنا تراث ذلك العصر الذهبي العامر بمعارف أهل البيتعليهم‌السلام وعلوم مدرستهم التي فاقت كل المدارس العلمية في ذلك العصر وأخذت تزهر وتزدهر يوماً بعد يوم حتى عصرنا هذا.

لقد اشتهر الإمام موسى بالكاظم الغيظ لشدّة حلمه وبالعابد والتقي وباب الحوائج إلى الله، ولم يستسلم لضغوط الحكّام العباسيين ولألوان تعسفهم من أجل تحجيم نشاطه

١٢

الربّاني الذي كانت تفرضه عليه ظروف المرحلة صيانة للرسالة والدولة الإسلامية من الانهيار وتحقيقاً لهويّة الأمة ومحافظة على الجماعة الصالحة من التحديات المستمرّة والمتزايدة يوماً بعد يوم.

لقد بقي هذا الإمام العظيم ثابتاً مقاوماً على خط الرسالة والعقيدة لا تأخذه في الله لومة لائم حتى قضى نحبه مسموماً شهيداً محتسباً حياته مضحّياً بكل ما يملك في سبيل الله وإعلاءً لكلمة الله ودين جدّه المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخامس والعشرين من رجب سنة (١٨٣) أو (١٨٤ هـ).

فسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد في سبيل الله ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.

الفصل الثّاني: انطباعات عن شخصية الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام

أجمع المسلمون ـ على اختلاف نحلهم ومذاهبهم ـ على أفضلية أئمّة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، وأعلميّتهم ، وسموّ مقامهم ، ورفعة منزلتهم، وقدسيّة ذواتهم وقرب مكانتهم من الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى تنافسوا في الكتابة عنهم، وذكر أحاديث الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم، وبيان سيرهم، وأخلاقهم، وذكر ما ورد من حكمهم وتعاليمهم.

ولا غرو في ذلك بعد أن قرنهم الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرآن الكريم ـ كما ورد في حديث الثقلين ـ ووصفهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسفينة نوح التي من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى، ومثّلهم بباب حطّة الذي من دخله كان آمناً. إلى كثير من أحاديثهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيان فضلهم، والتنويه بعظمة مقامهم.

ونقدّم في هذا الفصل بعض الانطباعات ممّن عاصر الإمام الكاظمعليه‌السلام عنه وممّن تلا عصره:

١ ـ قال عنه الإمام الصادقعليه‌السلام :(فيه علم الحكم، والفهم والسخاء والمعرفة فيما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حسن الخلق، وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله عَزَّ وجَلَّ) (١) .

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٤٨ / ١٢ عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام .

١٣

٢ ـ قال هارون الرشيد لإبنه المأمون وقد سأله عنه: هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده(١) .

وقال له أيضاً: يا بنيّ هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا(٢) .

٣ ـ قال المأمون العباسي في وصفه: قد أنهكته العبادة، كأنه شنّ بال، قد كلم السجود وجهه وأنفه(٣) .

٤ ـ كتب عيسى بن جعفر للرشيد : لقد طال أمر موسى بن جعفر ومقامه في حبسي، وقد اختبرت حاله ووضعت عليه العيون طول هذه المدّة، فما وجدته يفتر عن العبادة، ووضعت من يسمع منه ما يقوله في دعائه فما دعا عليك ولا عليّ، ولا ذكرنا بسوء، وما يدعو لنفسه إلاّ بالمغفرة والرحمة، فإن أنت أنفذت إليَّ من يتسلّمه مني وإلاّ خليت سبيله، فإني متحرّج من حبسه(٤) .

٥ ـ قال أبو علي الخلال ـ شيخ الحنابلة ـ: ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به، إلاّ وسهّل الله تعالى لي ما أحبّ(٥) .

٦ ـ قال أبو حاتم: ثقة صدوق، إمام من أئمة المسلمين(٦) .

٧ ـ قال الخطيب البغدادي: كان سخيّاً كريماً، وكان يبلغه عن الرجل أنّه يؤذيه، فيبعث إليه بصُرّة فيها ألف دينار، وكان يصرّ الصرر: ثلاثمئة دينار، وأربعمئة دينار، ومئتي دينار ثم يقسّمها بالمدينة، وكان مثل صرر

ــــــــــــ

(١) أئمتنا: ٢ / ٦٥ عن أعيان الشيعة.

(٢) أمالي الشيخ الصدوق: ٣٠٧ والمناقب: ٤ / ٣١٠.

(٣) الأنوار البهية: ١٩٣ عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١/٨٨ ح ١١ ب ٧.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب: ٤ / ٣٥٢.

(٥) تاريخ بغداد: ١ / ١٢٠.

(٦) تهذيب التهذيب: ١٠ / ٢٤٠.

١٤

موسى بن جعفر إذا جاءت الإنسان الصرة فقد استغنى(١) .

٨ ـ قال ابن الصبّاغ المالكي: وأمّا مناقبه وكراماته الظاهرة، وفضائله وصفاته الباهرة، تشهد له بأنّه افترع قبّة الشرف وعلاها، وسما إلى أوج المزايا فبلغ علاها، وذلّلت له كواهل السيادة وامتطاها، وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها فاصطفاها ...(٢) .

٩ ـ قال سبط ابن الجوزي: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، ويلقّب بالكاظم والمأمون والطيّب والسيّد، وكنيته أبو الحسن، ويدعى بالعبد الصالح لعبادته، واجتهاده وقيامه بالليل(٣) .

١٠ ـ قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي: هو الإمام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكبير المجتهد الجادّ في الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب على الطاعات، المشهور بالكرامات، يبيت الليل ساجدا وقائما، ويقطع النهار متصدّقاً وصائماً، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي (كاظماً). كان يجازي المسيء بإحسانه إليه، ويقابل الجاني بعفوه عنه، ولكثرة عبادته كان يسمّى بـ (العبد الصالح) ويعرف في العراق بـ (باب الحوائج إلى الله) لنجح مطالب المتوسّلين إلى الله تعالى به. كراماته تحار منها العقول، وتقضي بان له عند الله قدم صدق لا تزال ولا تزول(٤) .

١١ ـ قال أحمد بن يوسف الدمشقي القرماني: هو الإمام الكبير القدر،

ــــــــــــ

(١) تاريخ بغداد: ١٣ / ٢٧ ومقاتل الطالبيين: ٤٩٩.

(٢) الفصول المهمة: ٢١٧ وكشف الغمة: ٣/٤٦.

(٣) تذكرة الخواص: ٣١٢.

(٤) مطالب السؤول: ٨٣.

١٥

الأوحد، الحجّة، الساهر ليله قائماً، القاطع نهاره صائماً،المسمّى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين (كاظماً) ، وهو المعروف عند أهل العراق بـ (باب الحوائج) لأنه ما خاب المتوسّل به في قضاء حاجة قط... له كرامات ظاهرة، ومناقب باهرة، افترع قمة الشرف وعلاها، وسما إلى أوج المزايا فبلغ علاها(١) .

١٢ ـ قال محمد بن أحمد الذهبي: كان موسى من أجود الحكماء، ومن عباد الله الأتقياء، وله مشهد معروف ببغداد ، مات سنة ثلاث وثمانين وله خمس وخمسون سنة(٢) .

١٣ ـ قال ابن الساعي : الإمام الكاظم : فهو صاحب الشأن العظيم، والفخر الجسيم، كثير التهجّد، الجادّ في الاجتهاد، المشهود له بالكرامات، المشهور بالعبادات، المواظب على الطاعات، يبيت الليل ساجدا وقائما، ويقطع النهار متصدّقاً وصائماً(٣) .

١٤ ـ قال عبد المؤمن الشبلنجي: كان موسى الكاظم رضي الله عنه أعبد أهل زمانه، وأعلمهم، وأسخاهم كفّاً، وأكرمهم نفساً، وكان يتفقّد فقراء المدينة فيحمل إليهم الدراهم والدنانير إلى بيوتهم ليلاً، وكذلك النفقات، ولا يعلمون من أيّ جهة وصلهم ذلك، ولم يعلموا بذلك إلاّ بعد موته. وكان كثيراً ما يدعو:(اللّهم إني أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب) (٤) .

١٥ ـ قال عبد الوهاب الشعراني: أحد الأئمة الاثني عشر، وهو ابن جعفر

ــــــــــــ

(١) اخبار الدول: ١١٢.

(٢) ميزان الاعتدال: ٣ / ٢٠٩.

(٣) مختصر تاريخ الخلفاء: ٣٩.

(٤) نور الأبصار: ٢١٨.

١٦

ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، كان يكنّى بـ (العبد الصالح) لكثرة عبادته واجتهاده وقيامه الليل، وكان إذا بلغه عن أحد يؤذيه يبعث إليه بمال(١) .

١٦ ـ قال عبد الله الشبراوي الشافعي: كان من العظماء الأسخياء، وكان والده جعفر يحبّه حبّاً شديداً، قيل له: ما بلغ من حبّك لموسى؟ قال:وددت أن ليس لي ولد غيره، لئلاّ يشرك في حبّي أحد .

ثم تحدث عن الإمامعليه‌السلام ونقل بعض كلامه(٢) .

١٧ ـ قال محمد خواجه البخاري: ومن أئمة أهل البيت : أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق رضي الله عنهما، كان رضي الله عنه صالحاً، عابداً، جواداً، حليماً، كبير القدر، كثير العلم، كان يدعى بـ (العبد الصالح) وفي كل يوم يسجد لله سجدة طويلة بعد ارتفاع الشمس إلى الزوال. وبعث إلى رجل يؤذيه صرّة فيها ألف دينار. طلبه المهدي بن المنصور من المدينة إلى بغداد فحبسه، فرأى المهدي في النوم علياً كرّم الله وجهه يقول: يا مهدي( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) فأطلقه..(٣) .

١٨ ـ قال محمد أمين السويدي: هو الإمام الكبير القدر، الكثير الخير،كان يقوم ليله، ويصوم نهاره، وسمّي (كاظماً) لفرط تجاوزه عن المعتدين... له كرامات ظاهرة، ومناقب لا يسع مثل هذا الموضع ذكرها(٤) .

ــــــــــــ

(١) الكامل في التاريخ: ٦/١٦٤، وتذكرة الخواص: ٣٤٨.

(٢) الأتحاف بحب الأشراف: ٥٤.

(٣) ينابيع المودة: ٤٥٩.

(٤) سبائك الذهب: ٧٣.

١٧

١٩ ـ قال محمود بن وهيب القراغولي البغدادي الحنفي: هو موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وكنيته أبو الحسن، وألقابه أربعة: الكاظم، والصابر، والصالح، والأمين، الأول هو الأشهر، وصفته معتدل القامة أسمر، وهو الوارث لأبيه (رضي الله عنهما) علماً ومعرفة وكمالاً وفضلاً ، سمي بـ (الكاظم) لكظمه الغيظ، وكثرة تجاوزه وحلمه. وكان معروفاً عند أهل العراق بـ (باب قضاء الحوائج عند الله) وكان أعبد أهل زمانه، وأعلمهم ، وأسخاهم(١) .

٢٠ ـ قال محمد أمين غالب الطويل : وكان العلويون يقتدون بالرجل العظيم، الإمام موسى الكاظم، والمشهور بالتقوى، وكثرة العبادة، حتى سماه المسلمون (العبد الصالح) وكان يلقب أيضاً بـ (الرجل الصالح) تشبيها له بصاحب موسى بن عمران، المذكور في القرآن، وكان الإمام الكاظم كريماً وسخياً(٢) .

ــــــــــــ

(١) جوهرة الكلام: ١٣٩.

(٢) تاريخ العلويين: ١٥٨.

١٨

الفصل الثالث: مظاهر من شخصية الإمام الكاظمعليه‌السلام

١ ـ وفور علمه:

لقد شهد للإمام موسى الكاظمعليه‌السلام بوفور علمه أبوه الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام إذ قال عنه:(إنّ ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم) .

وقال أيضاً:(وعنده علم الحكمة، والفهم، والسخاء، والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم) .

ويكفي لمعرفة وفور علومه رواية العلماء عنه جميع الفنون من علوم الدين وغيرها مما ملأوا به الكتب، وألّفوا المؤلّفات الكثيرة، حتى عرف بين الرواة بالعالم.

وقال الشيخ المفيد: وقد روى الناس عن أبي الحسن موسى فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه(١) .

٢ـ عبادته وتقواه:

نشأ الإمام موسىعليه‌السلام في بيت القداسة والتقوى، وترعرع في معهد العبادة والطاعة، بالإضافة إلى أنه قد ورث من آبائه حب الله والإيمان به والإخلاص له فقد قدموا نفوسهم قرابين في سبيله ، وبذلوا جميع إمكانياتهم في نشر دينه والقضاء على كلمة الشرك والضلال فأهل البيت أساس التقوى ومعدن الإيمان والعقيدة، فلولاهم ما عبد الله عابد ولا وحّده موحّد. وما تحقّقت فريضة، ولا أقيمت سنة ، ولا ساغت في الإسلام شريعة.

ــــــــــــ

(١) الإرشاد: ٢/٢٢٥.

١٩

لقد رأى الإمامعليه‌السلام جميع صور التقوى ماثلة في بيته، فصارت من مقوّمات ذاته ومن عناصر شخصيته، وحدّث المؤرخون أنه كان أعبد أهل زمانه(١) حتى لقّب بالعبد الصالح، وبزين المجتهدين إذ لم تر عين إنسان نظيراً له قط في الطاعة والعبادة. ونعرض أنموذجاً من مظاهر طاعته وعبادته:

أ ـ صلاته: إنّ أجمل الساعات وأثمنها عند الإمامعليه‌السلام هي الساعات التي يخلو بها مع الله عزّ اسمه فكان يقبل عليه بجميع مشاعره وعواطفه وقد ورد : أنه إذا وقف بين يدي الله تعالى مصلّياً أو مناجياً أو داعياً أرسل ما في عينيه من دموع، وخفق قلبه، واضطرب موجدة وخوفاً منه، وقد شغل أغلب أوقاته في الصلاة (فكان يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتى تطلع الشمس، ويخرّ لله ساجداً فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد حتى يقرب زوال الشمس(٢) ، من مظاهر طاعته أنه دخل مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أول الليل فسجد سجدة واحدة وهو يقول بنبرات تقطر إخلاصاً وخوفا منه:

ــــــــــــ

(١) جوهرة الكلام: ١٣٩.

(٢) الإرشاد: ٢/٢٣١ وعنه في كشف الغمة: ٣/١٨.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

تقضي بنفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فراجع كلامهعليه‌السلام في ذلك(1) .

هذا ولهمعليهم‌السلام احتجاجات أخرى بآية المباهلة على خلافة أمير المؤمنين ، وعلى أفضليتهعليه‌السلام ، وغير ذلك ، لا مجال لذكرها هنا(2) .

مفارقة :

وبعد أن اتضح : أن السياسة الأموية كانت تقضي أن يستبعد اسم عليعليه‌السلام من جملة من باهل بهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فإننا نجدهم يصرون على خؤولة معاوية للمؤمنين ، ويجعلون ذلك ذريعة للإنكار على من ذكر معاوية بسوء ، ولكنهم إذا ذكر محمد بن أبي بكر بسوء رضوا أو أمسكوا ومالوا مع ذاكره ، وخؤولته ظاهرة بائنة وقد نفرت قلوبهم من علي بن أبي طالب لأنه حارب معاوية وقاتله ، وسكنت قلوبهم عند قتل عمار ومحمد بن أبي بكر ، وله حرمة الخؤولة ، وهو أفضل من معاوية ، وأبوه خير من أبي معاوية ، وما ذلك إلا خديعة أو جهالة ، وإلا فلماذا لا يستنكرون قتل محمد بن أبي بكر ولا يذكرون خؤولته للمؤمنين؟(3) .

من مواقف الإمام الحسنعليه‌السلام :

نعم ولم يقتصر الائمة في تصديهم للمغرضين والحاقدين ، والوقوف في وجه سياساتهم تلك بحزم وصلابة ـ على مواقف الحجاج هذه ، بل تعدَّوا ذلك

__________________

1 ـ راجع ـ تفسير القمي ج 1 ص 209.

2 ـ لا بأس بمراجعة البحار ج 49 ص 188 وتفسير الميزان ج 2 ص 230 و 329 وتفسير البرهان ج 1 ص 286 و 287 وغير ذلك.

3 ـ مقتبس من كتاب : المعيار والموازنة ص 21.

٤١

إلى المناسبات الأخرى ، واستمروا يعلنون بهذا الأمر على الملأ ، ويؤكدون عليه في كثير من المناسبات والمواقف الحساسة ، وكشفوا زيف تلك الدعاوى بشكل لا يدع مجالاً لأي شك أو ريب

وقد صدع الإمام الحسنعليه‌السلام بهذا الأمر في أكثر من مناسبة ، وأكثر من موقف

ولم يكن يكتفي بإظهار وإثبات بنوَّته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحسب وإنما كان يهتم في التأكيد على أن حق الإمامة والخلافة له وحده ، ولا تصل النوبة إلى معاوية وأضرابه ، لان معاوية ليس فقط يفقد المواصفات الضرورية لهذا الامر ، وإنما هو يتصف بالصفات التي تنافيها وتنقضها بصورة أساسية وكمثالٍ على كل ذلك نذكر :

1 ـ أنهعليه‌السلام يخطب فور وفاة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيقول : « أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا الحسن بن علي ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي »(1) .

لاحظ كلمة : « الوصي » في هذه العبارة الأخيرة.

وفي نصٍ آخر أنه قال : « فأنا الحسن بن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(2) .

وقال حينئذٍ أيضاً : « أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، انا ابن السراج المنير ، انا ابن من اذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً ، انا من اهل بيت افترض الله طاعتهم في كتابه »

__________________

1 ـ مستدرك الحاكم ج3 ص 172 وذخائر العقبى ص 138 عن الدولابي ، وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 173 عن الجنابذي على ما يظهر.

2 ـ مقاتل الطالبيين ص 52 وتفسير فرات ص 72 و70 وفي مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 126 : انا ابن نبي الله الخ وحياة الصحابة ج 3 ص 526 ومجمع الزوائد ج 9 146 وقال ك ورواه احمد باختصار كثير ، وإسناد احمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حسان. وتيسير المطالب ص 179. وعن أمالي الطوسي ص 169 وعن إرشاد المفيد وعن طبقات ابن سعد ج 2 ص 25 ، وعن جمهرة الخطب ج 2 ص 7.

٤٢

الخ(1) ثم قام ابن عباس ، فقال : « هذا ابن بنت نبيكم ، ووثي إمامكم فبايعوه »(2) .

2 ـ وفي مناسبة اخرى في الشام ، طلب منه معاوية ـ بمشورة عمرو بن العاص ـ ان يصعد المنبر ، ويخطب ـ رجاء أن يحصر ـ فصعد المنبر ، فحمد الله ، واثنى عليه ، ثم اورد خطبة هامة ، تضمنت ما تقدم ، وسواه الشيء الكثير ، قال الراوي : « ولم يزل به حتى أظلمت الدنيا على معاوية ، وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم ، ثم نزل. فقال له معاوية : أما إنك يا حسن قد كنت ترجو ان تكون خليفة ، ولست هناك!

فقال الحسنعليه‌السلام : اما الخليفة فمن سار بسيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمل بطاعة الله عز وجل. وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن ، واتخذ الدنيا أماً وأباً ، وعباد الله خولاً ، وماله دولاً ، ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكاً ، فتمتع منه قليلاً ، كَأَنْ قد انقطع عنه » إلى آخر كلامه عليه

__________________

1 ـ راجع : الفصول المهمة للمالكي ص 146 وتفسير فرات ص 70 و 72 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 159 وينابيع المودة ص 225 و 302 و 270 و 479 و 482 عن أبي سعد في شرف النبوة ، والطبراني في الكبير ، والبزار ، والزرندي المدني ، وغيرهم ، وارشاد المفيد ص 207 وفرائد السمطين ج 2 ص 120 ومستدرك الحكام ج 3 ص 172 ومجمع الزوائد ج 9 ص 46 وحياة الصحابة ج 3 ص 526 وذخائر العقبى ص 138 و 140 وعن الدولابي في الذرية الطاهرة ، ونزهة المجالس ج 2 ص 186 ، والمحاسن والمساوي ج ا ص 132 / 133 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 11 و 12 والاحتجاج ج 1 ص 419 والبحار ج 44 وامالي الشيخ الطوسي ج 1 ص 12 واعلام الورى ص 208 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 30.

2 ـ ستأتي المصادر لذلك إن شاء الله تعالى

3 ـ البحار ج 43 ص 363.

٤٣

السلام(1) .

ونفس هذه القضية تذكر له مع معاوية ، حينما جرى الصلح بينهما في الكوفة(2) .

وهذا يؤيد ما ذكره البعض : من أن معاوية قد دس السم الى الإمام الحسنعليه‌السلام ، لأنه كان يقدم عليه الى الشام(3) .

3 ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب من الإمام الحسنعليه‌السلام : ان يصعد على المنبر ، ويخطب فصعد المنبر وخطب ، وصار يقول : أنا ابن ، أنا ابن إلى أن قال : « لو طلبتم ابناً لنبيكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي »(4) . ومن أراد الرواية بطولها فليراجع المصادر.

4 ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب منه : ان يصعد المنبر وينتسب ، فصعد ، وصار يقول : بلدتي مكة ومنى ، وانا ابن المروة والصفا ، وانا ابن النبي المصطفى الى ان قال : فاذن المؤذن ، فقال : اشهد ان محمداً رسول الله ، فالتفت الى معاوية ، فقال : أمحمد أبي؟ أم أبوك؟! فإن قلت : ليس بأبي ، كفرت ، وإن قلت : نعم ، فقد أقررت ثم قال : أصبحت العجم تعرف حق العرب بأنَّ محمداً منها ، يطلبون حقنا ، ولا يردون إلينا حقنا »(5) .

__________________

1 ـ الاحتجاج ج 1 ص 419 والخرائج والجرائح ص 218 والكلام الاخير موجود أيضاً في مصادر أخرى فراجع الهامش التالي.

2 ـ ذخائر العقبى ص 140 عن أبي سعد ، وراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج 1ص 126 لكن فيه : أن ذلك كان بالمدينة ، والبحار ج 44 ص 122 والمحاسن والمساوي ج 1 ص 133 وليراجع شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 49 ومقاتل الطالبيين ص 73 والإمام الحسن لآل يس ص 110 ـ 114 وتحف العقول ص 164.

3 ـ الغدير ج 11 ص 8 عن طبقات ابن سعد.

4 ـ المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 12 عن العقد الفريد والمدائني. وليراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 126 والبحار ج 43 ص 355 / 356 وعيون الاخبار لابن قتيبة ج 2 ص 172.

5 ـ المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 12 والبحار ج 43 ص 356 وليراجع ج 44 ص 121 و122 وعن تحف العقول ص 232 والخرايج والجرايح ص 217 / 218.

٤٤

5 ـ وفي مناسبة أخرى ، طلب منه معاوية أن يخطب ويعظهم ، فخطب وصار يقول : أنا ابن رسول الله ، أنا ابن صاحب الفضايل ، أنا ابن صاحب المعجزات والدلايل ، أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حقي إلى أن قال : أنا إمام خلق الله ، وابن محمد رسول الله ، فخشي معاوية أن يتكلم بما يفتن به الناس ، فقال : إنزل ، فقد كفى ما جرى ، فنزل »(1) .

6 ـ بل لقد رأينا معاوية يعترف له بهذا الأمر ، فيقول له مرة في كلام له : « ولا سيما أنت يا أبا محمد ، فإنك ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيد شباب أهل الجنة »(2) .

ويدخل في هذا المجال أيضاً قول الإمام الحسنعليه‌السلام لأبي بكر ، وقول الإمام الحسينعليه‌السلام لعمر : انزل عن منبر أبي ، حسبما سيأتي ، إن كان المقصود بأبي : هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما يظهر من اعترافهما لهما. وإن كان المقصود به أباهما أمير المؤمنين ـ كما احتمله بعض المحققين ـ(3) فيدخل في مجال احتجاجاتهماعليهما‌السلام على أحقيتهم بالأمر ، دون كل أحد سواهم ويكونان قد انتزعا منهما اعترافاً صريحاً وهاماً في هذا المجال.

مواقف أخرى للأئمة وذريتهم الطاهرة :

وبعد ذلك ، فإنا نجد الإمام الحسينعليه‌السلام يخطب الناس ، ويقول : « أقررتم بالطاعة ، وآمنتم بالرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته ، تريدون قتلهم إلى أن قال : ألست أنا ابن بنت

__________________

1 ـ أمالي الصدوق ص 158.

2 ـ المحاسن والمساوي ج 1 ص 122.

3 ـ هو المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله

٤٥

نبيكم ، وابن وصيه ، وابن عمه »(1) .

ويقول في موضع آخر ،حينما اشتد به الحال : « ونحن عترة نبيك ، وولد نبيك ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي اصطفيته بالرسالة الخ »(2) .

ويقول في وصف جيش يزيد ، في يوم عاشوراء : « فإنما أنتم طواغيت إلى أن قال : وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيري عترة الأوصياء »(3)

وقد اعترفوا له بذلك حينما ناشدهم ، فقال : انشدكم الله ، هل تعرفوني؟. : نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه »(4) .

وللإمام السجاد موقف هام في الشام ، حينما ألقى خطبته الرائعة ، فقال : « أيها الناس ، انا ابن مكة ومنى ، انا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا إلى أن قال : أنا ابن من حُمِلَ على البراق ، وبلغ به جبرائيل سدرة المنتهى » إلى آخر الخطبة التي كان من نتيجتها : أن « ضجَّ الناس بالبكاء ، وخشي يزيد الفتنة ، فأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة » ولكنهعليه‌السلام قد تابع خطبته ، واحتجاجاته الدامغة على يزيد ، وتفرق الناس ، ولم ينتظم لهم صلاة في ذلك اليوم(5) .

وبعد ذلك فإننا نجد العقيلة زينب تقف في وجه يزيد لتقول له : « أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟ »

وفيها : « واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية رسول الله صلى الله عليه

__________________

1 ـ مقتل الحسين للمقرم ص 274 عن مقتل محمد بن أبي طالب الحايري.

2 ـ المصدر السابق عن الإقبال ، ومصباح المتهجد ، وعنهما في مزار البحار ص 107 باب زيارته يوم ولادته.

3 ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 7 وراجع : مقتل الحسين للمقرم ص 282 للاطلاع على مصادر أخرى.

4 ـ أمالي الصدوق ص 140.

5 ـ راجع مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 69 / 70 ومقتل الحسين للمقرم ص 442 /443 عنه ، وعن نفس المهموم ص 242.

٤٦

وآله وسلم » ، إلى أن قالت : « ولتردنَّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته ولحمته »(1) .

وفي خطبة لها لأهل الكوفة : « الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ». وفي نص آخر : « والصلاة عن أبي رسول الله »(2) .

وتقول فاطمة بنت الحسين في خطبة لها في الكوفة أيضاً : « وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنَّ اولاده ذبحوا بشط الفرات »(3) .

على خطى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وبعد بإنَّ ذلك لم يكن منهمعليهم‌السلام إلا أسوة منهم بالنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذيكان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ، وقد ورد عنه الثير مما يدل على إصراره صلى عليه وآله على تركيز فضية بنوة الحسنينعليهما‌السلام لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ضمير الأمة ووجدانها ، بشكل لا يبقى معه أي مجال للشبهة ، أو الشك والترديد وكنموذج على ذلك نشير إلى :

1 ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذان ابناي من أحبهما فقد أحبني(4) . وفي نص آخر : هذان ابناي ، وابنا ابنتي ، اللهم إني أحبهما ، وأحب

__________________

1 ـ بلاغات النساء ط دار النهضة ص 35 و 36 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 64 و 65 ومتل الحسين للمقرم ص 450 / 451.

2 ـ راجع : الأمالي للشيخ الطوسي ج 1 ص 90 ومقتل الحسين للمقرم ص 385 عنه وعن أمالي ابنه ، وعن اللهوف ، وابن نما ، وابن شهر آشوب ، والاحتجاج للطبرسي.

3 ـ مقتل الحسين للمقرم ص 390.

4 ـ ذخائر العقبى ص 124 ، وصفة الصفوة ج 1 ص 763 ، وتاريخ ابن عساكر ج 4 ص 206 وكنز العمال ط 2 ج 6 ص 221 والغدير ج 7 ص 124 عن مستدرك الحكام ج 3 ص 166 ونقل عن الترمذي ، رقم 3772.

٤٧

من يحبهما(1) .

وفي رواية أخرى عن عائشة : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأخذ حسناً ، فيضمه إليه ، ثم يقول : اللهم إن هذا ابني ، وأنا أحبه ، فأحببه ، وأحب من يحبه(2) .

2 ـ كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمجرد ولادة أحدهما يقول لأسماء : هلمي ابني ، كما تقدم.

3 ـ وقول : إن ابني هذا سيد(3) .

4 ـ كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس في المسجد ، ويقول : أدعوا لي ابني ، قال : فأتى الحسن يشتد إلى أن قال : وجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفتح فمه في فمه ، ويقول : اللهم إني أحبه ، فأحبَّه ، وأحبَّ من يحبه ، ثلاث مرات(4) .

5 ـ وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه قال : كل ابن آدم ينتسبون إلى عصبة أبيهم ، إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم ، وأنا عصبتهم(5) .

__________________

1 ـ ينابيع المودة ص 165 عن الترمذي ، وتاريخ الخلفاء ص 189 والمعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 200 وخصائص الإمام علي للنسائي ص 124 ومجمع الزوائد ج 9 ص 180 وراجع : مستدرك الحاكم ج 3 ص 166 و 171 وذخائر العقبى ص 124 وفي هامش الخصائص للنسائي عن كفاية الطالب ص 200 وكنز العمال ج 6 ص 220 وعن الترمذي ج 2 ص 240 وغيرهم.

2 ـ كنز العمال ج 16 ص 262 ط 2 ومجمع الزوائد ج 9 ص 176 ، وترجمة الإمام الحسن بن علي عليهما لابن عساكر ، بتحقيق المحمودي ص 56 ، وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ج 1 ص 20 ط 1.

3 ـ مصادر ذلك كثيرة ، لايكاد يخلو منها كتاب ، ولذا فلا حاجة لتعدادها

4 ـ ذخائر العقبى ص 122 عن الحافظ السلفي

5 ـ الصواعق المحرقة ص 154 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 164 ، وتاريخ بغداد ج 11 ص 285 ، وينابيع المودة ص 261 وفرائد السمطين ج 2 ص 69 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 68 وإحقاق الحق ج 9 ص 644 ـ 655 عن مصادر كثيرة حداً وذخائر العقبى ص 121 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 3 ص 149 ، وعن كنز

٤٨

وحسبنا ما ذكرناه في هذا المجال ، فإن استقصاء ذلك مع مصادرة متعسر ، بل متعذر في هذه العجالة ، لا سيما وأن علينا أن نوفر الفرصة لبحوث أخرى عن الحياة السياسية للإمام الحسن المجتبى عليه الصلاة والسلام. ومن أراد المزيد من النصوص الداله على بنوة الحسنينعليهما‌السلام فليراجع الغدير ج 7 ص 124 ـ 129(1) .

ج : شهادة الحسنين على كتابٍ لثقيف :

وبعد كل ما تقدم فإننا نجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يكتب كتاباً لثقيف ، ويثبت فيه شهادة علي والحسنين صلوات الله وسلامه عليهم.

قال أبو عبيد : « وفي هذا الحديث من الفقه إثباته شهادة الحسن والحسين. وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين أن شهادة الصبيان تكتب ويستنسبون : فيستحسن ذلك. فهو الأن في سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(2) .

وقال الكتاني : « فيه من الفقه إثباتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادة الصبيان ، وكتابة أسماهم قبل البلوغ. وإنما تقبل شهادتهم إذا أدوها بعد البلوغ. وفيها أيضاً شهادة الإبن أيضاً مع شهادة أبيه في عقد واحد 1 هـ نقله في نور النبراس » انتهى(3) .

__________________

= العمال ج 6 ص 216 و 215 وعن مجمع الزوائد ج 9 / 172.

1 ـ وليراجع أيضاً ـ على ما ذكره المحقق العلامة الاحمدي ـ : ينابيع المودة ص 259 و138 و 146 و 214 و 183 و 182 و 255 و 136 و 221 و 258 و 222 و 331 و 250 وإسعاف الراغبين ص 132 و 133 وكفاية الطالب ص 235 و 237 والفصول المهمة لابن الصباغ ص 158 و 159 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 126 وابن عساكر ج 4 ص 152 و 203 و 204.

2 ـ الاموال ص 289 /280 وراجع : التراتيب الإدارية ج 1 ص 274 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 273 وراجع : طبقات ابن سعد ج 1 ص 33.

3 ـ التراتيب الإدارية ج 1 ص 274.

٤٩

وقال محمد خليل هراس في تعليقه له على الأموال : « ولا يجوز القول بأن تلك خصوصية لهما رضي الله عنهما : إذ لا دليل عليها ومادام الطفل مميزاً يجب أن تعتبر شهادته فإنه قد يحتاج إليها »(1) .

ونقول : ألم يجد النبي أحداً من الصحابة يستشهده على ذلك الكتاب الخطير الذي يرتبط بمصير جماعة كثيرة سوى هذين الصبيين؟! وهل كان وحيداً فريداً حينما جاءه وفد ثقيف ، وكتب لهم ذلك الكتاب حتى احتاج إلى استشهاد ولدين صغيرين لم يبلغا الخمس سنوات؟!

إن أدنى مراجعة للنصوص التاريخية لتبعد كل البعد هذا الاحتمال الأخير ، حيث إنها صريحة في أن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قد ضرب لهم قبة في المسجد ليسمعوا القرآن ، ويروا الناس إذا صلوا وكان خالد بن سعيد بن العاص حاضراً وكان خالد بن الوليد هو الكاتب ، ومع ذلك لم يشهدا على الكتاب

أخيراً فقد نص ابن رشد على أن العدالة تشترط في الشاهد بإجماع المسلمين. ثم قال : « وأما البلوغ فإنهم اتفقوا على أنه يشترط حيث تشترط العدالة. واختلفوا في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح وفي القتل : فردها جمهور فقهاء الأمصار لما قلناه من وقوع الإجماع على أن من شرط الشهادة العدالة ، ومن شرط العدالة البلوغ : ولذلك ليست في الحقيقة شهادة عند مالك ، وإنما هي قرينة حال »(2) .

وبعد كل ما تقدم فإننا نفهم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يظهر امتيازاً للحسنينعليهما‌السلام ، وأنهما كانا على درجة عالية من التمييز والتعقل التام في هذا الوقت المبكر جداً من سنهما ، وأنهما مؤهلان لأن يتحملا مسؤوليات جسام حتى في المعاهدات السياسية الخطيرة كهذه المعاهدة بالذات ، وبالأخص بالنسبة لقبيلة ثقيف المعروفة بعدائها القوي للإسلام وللمسلمين.

__________________

1 ـ الأموال هامش ص 280.

2 ـ بداية المجتهد ج 2 ص 457.

٥٠

د : بيعة الرضوان :

1 ـ قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ، عن الحسنين عليهما الصلاة والسلام : « وكان من برهان كمالهماعليهما‌السلام ، وحجة اختصاص الله تعالى لهما ، بعد الذي ذكرناه من مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهما ، بيعة رسول الله لهما ، ولم يبايع صبياً في ظاهر الحال غيرهما ، ونزول القرآن بإيجاب ثواب الجنة لهما على عملهما ، مع ظاهر الطفولية فيهما ، ولم ينزل بذلك في مثلهما ، قال الله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حْبِّهِ مِسكيناً ، وَيَتِيماً وَأَسيراً ) (1) .

2 ـ وقال الخليفة المأمون العباسي ، في ضمن احتجاجاته على أهل بيته فيما يتعلق بالإمام الجوادعليه‌السلام :

« ويحكم ، إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل. وإن صغر السن لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الإسلام ، وحكم له به ، ولم يدعُ أحداً في سنه غيره؟ وبايع الحسن والحسينعليهما‌السلام وهما دون الست سنين ، ولم يبايع صبياً غيرهما؟ أو لا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم ، وأنهم ذرية بعضهما من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم الخ »(2) .

وروي عن الصادق أيضاً : أنه « لم يبايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من لم يحتلم إلا الحسن والحسين ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن عباس رضي

__________________

1 ـ الإرشاد ص 219 وفدك للقزويني هامش ص 16عنه.

2 ـ الاحتجاج ج 2 ص 245 والبحار ج 50 ص 78 عنه ، والإرشاد للمفيد ص 363 ، وتفسير القمي ج 1 ص 184 / 185 وراجع : الحياة السياسية للإمام الجوادعليه‌السلام ، حين الكلام حول قضية تزويج المأمون ابنته للإمام ، فقد ذكرنا عنه مصادر كثيرة.

٥١

الله عنهم » قال : ولم يبايع صغيراً إلا منا(1) .

وذلك بكذِّب دعوى البعض : بايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله بن الزبير ، وهو ابن سبع سنين(2) وقد كان انتحال الفضائل أمراً معروفاً عن الزبيريين وبني أمية.

ولكن ما تقدم عن المأمون ، وعن الشيخ المفيد يوضح : أن إضافة ابن عباس ، وابن جعفر إنما هي من تزيُّد الرواة ، حيث ينفي المأمون بشكل قاطع ـ وكذلك ينفي المفيد ـ أن يكونصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بايع صبياً غيرهما ، وذِكر ذلك في مقام الاحتجاج ، يدل على التسالم على ذلك الأمر آنئذٍ. وأن ما ورد في هذا النص الأخير ، قد أضيف إليه بعد ذلك الزمان

وواضح : أنه إذا كانت البيعة تتضمن إعطاء التزام وتعهد للطرف الآخر ، بتحمل مسؤوليات معينة ، ترتبط بمستقبل الدعوة والمجتمع ، وحمايتهما من كثير من الأخطار التي ربما يتعرضان لها ، فإن معنى ذلك هو أن النبي صلى عليه وآله وسلم قد رأى في الحسنينعليهما‌السلام ـ على صغر سنهما ـ أهلية وقابلية لتحمل تلك المسؤوليات الجسام ، والوفاء بالالتزامات التي أخذا على عاتقهما الوفاء بها

وقد يتخيل البعض هنا : أن التكليف قد كان حينئذٍ منوطاً بالتمييز ، فأخذ البيعة منهما لا يعبر عن امتياز ذي شأن لهما ، سوى أنهما قد امتلكا صفة التمييز في وقت مبكر ، فتبعها تعلق التكليف بهما ...

والجواب عن ذلك :

__________________

1 ـ ينابيع المودة ص 375 عن فصل الخطاب لمحمد پارسا البخاري ، عن النووي على ما يبدو وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص 150 وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ، ترجمة الإمام الحسين الحديث رقم 77 وحياة الصحابة ج 1 ص 250 ومجمع الزوائد ج 6 ص 40 عن الطبراني وقال : هو مرسل ورجاله ثقات والعقد الفريد ج 4 ص 384 من دون ذكر ابن عباس.

2 ـ التراتيب الإدارية ج 1 ص 222 عن القرطبي.

٥٢

أولاً : إن ما يقال من إناطة التكليف بالتمييز قد انتهى امده قبل ذلك بزمان وبالذات في عام الخندق ـ في السنة الخامسة أو الرابعة للهجرة النبوية(1) ـ في قضية قبول ابن عمر في الغزو ، حيث انيط التكليف بالسن منذئذ حسبما ذكروه

وثانياً : أننا لو سلمنا ذلك فيرد سؤال ، وهو : لماذا اختص ذلك بالحسنين صلوات الله عليهما ، دون غيرهما من سائر الناس؟. أم يعقل : أنه لم يكن ثمة مميز غيرهما؟ حتى ولو كان له من العمر إثنا عشر أو ثلاثة عشر سنة ، أونحو ذلك؟ إن ذلك يكشف ولا شك عن امتياز خاص لهما ، لم يشركهما فيه أحد من الخلق ، كما قرره المأمون ، والشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه

وثالثاً : إن التمييز ومجرد التكليف لا يكفي في أحيان كثيرة ، وذلك لأن طبيعة المسؤوليات التي يراد الاضطلاع بها في بعض المواضع تقتضي وجود قدرات وملكات وإمكانات إيمانية وفكرية معينة ، لا بد من توفرها في ذلك الشخص الذي يعدُّ لذلك ومورد بيعة الرضوان من هذا القبيل.

ومما يوضح ذلك : أننا نجد كثيرين ممن أظهروا قدرتهم على تحمل تلك المسؤوليات ، وقبلت منهم البيعة ـ كما كان الحال بالنسبة لبيعتهم لأمير المؤمنين يوم الغدير ، وحينما أصبح خليفة ، وغير ذلك ـ لم يفوا ببيعتهم ، واتضح أنهم لم يكونوا حائزين على تلك القدرات التي ينبغي توفرها في من يعطي التزاماً ، ويتحمل مسؤوليات كبيرة ذات طبيعة رسالية رائدة

الحسن والحسين إمامان :

وبعد كل ماتقدم ، فإننا نعرف المغزى العميق لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

1 ـ راجع : حديث الإفك ( تاريخ ودراسة ) ص 96 ـ 99.

٥٣

« الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ». أو ما هو بمعنى ذلك ، حسبما تقدم في أوائل هذه الدراسة ، رغم أنهماعليهما‌السلام ربما لم يكن عمرهما حينئذٍ قد تجاوز عدد اصابع اليد الواحدة ونجد الإمام الحسنعليه‌السلام يستدل بهذا القول على من يعترض عليه في صلحه مع معاوية(1) .

وإذا كان البعض يريد أن يدعي : أن خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام إنما كانت باختيار من المسلمين وبيعتهم ، ولم تكن بوصية حتى من أبيه(2)

فإن هذا القول ، وسائر ما تقدم ، يدفع كل ذلك ويدحضه

ولدينا من النصوص التي تؤكد على وصاية أمير المؤمنينعليه‌السلام بالخلافة له من بعده الشيء الكثير

ويمكن أن نذكر منها هنا :

1 ـ قول الإمام الحسنعليه‌السلام في كتابه لمعاوية : « وبعد فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاّني هذا الأمر بعده »(3) .

2 ـ وقال ابن عباس ، بعد استشهاد أمير المؤمنينعليه‌السلام : هذا ابن بنت نبيكم ، ووصي إمامكم ، فبايعوه »(4) .

__________________

1 ـ راجع علل الشرايع ج 1 ص 211.

2 ـ جاء ذلك في مجلة المجتمع الكويتية ، في بعض أعدادها قبل سنوات ، وفي مروج الذهب ج 2 ص 414 : إن أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يعهد..

3 ـ راجع : مقاتل الطالبيين ص 55 / 56 والفتوح لابن اعثم ج 4 ص 151 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 31 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 36 ـ 40 والبحار ج 44 ص 64 هم كشف الغمة ، وحياة الحسن بن عليعليه‌السلام للقرشي ج 2 ص 29 ، وراجع : همش أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي) ج 3 ص 31 وفي بعض المصادر « ولاَّني المسلمون الأمر ».

3 ـ الفصول المهمة للمالكي ص 46 وأعلام الورى ص 209 والإرشاد للمفيد ص 207 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 16 ص 30 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 164 ومقاتل الطالبيين ص 34 و 52 ، وحياة الحسن للقرشي ج 2 ص 10 وعن إثبات الهداة ج 5 ص 139 و 134 و 136 والبحار عن أبي مخنف.

٥٤

3 ـ عن الهيثم بن عدي ، قال « حدثني غير واحد ممن أدركت من المشايخ : أن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أصار الأمر إلى الحسن »(1) .

4 ـ وقال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي عن أمر الخلافة : « وعهد بها إلى الحسنعليه‌السلام عند موته »(2) .

5 ـ « وذكروا : أن جندب بن عبد الله دخل على عليعليه‌السلام : فقال : ياأمير المؤمنين ، إن فقدناك فلا نفقدك ، فنبايع الحسن؟ قال : نعم »(3) .

6 ـ وقال ابن كثير : « الخلفاء الأربعة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي. خلافتهم محققة ، بنص حديث سفينة : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم بعدهم الحسن بن علي ، كما وقع ، لأن علياً أوصى إليه ، وبايعه أهل العراق الخ...»(4) .

7 ـ وعند أبي الفرج ، وغيره : أنه لما أتى أبا الأسود نعي أمير المؤمنين ، والبيعة للإمام الحسنعليه‌السلام ، قام أبو الأسود خطيباً ، فكان مما قال :

« وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله ، وابنه ، وسليله ، وشبيهه في خلقه وهديه الخ »(5) .

8 ـ وعند المسعودي : أن أمير المؤمنينعليه‌السلام « وإني أوصي إلى الحسن والحسين ؛ فاسمعوا لهما ، وأطيعوا أمرهما »(6) . هذا ، وقد ذكر وصية الإمام عليعليه‌السلام إلى ولده الإمام الحسنعليه‌السلام غير واحد من

____________

1 ـ العقد الفريد ج 4 ص 474 / 475.

2 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 57.

3 ـ المناقب للخوارزمي ص 278.

4 ـ البداية والنهاية ج 6 ص 249.

5 ـ راجع : تيسير المطالب ص 179 وقاموس الرجال ج 5 ص 172 والأغاني ج 6 ص 121 وفي الخرائج والجرائح ما يدل على ذلك.

6 ـ إثبات الوصية ص 152.

٥٥

المؤلفين في كتبهم(1) فلتراجع.

9 ـ هذا كله عدا عما تقدم من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، وعدا عن الأحاديث الكثيرة ، التي تنص على الأئمة بأسمائهم(2) .

وعدا عن نصوص كثيرة من طرق أهل البيت وشيعتهم ، لا مجال لذكرها هنا

10 ـ ولما مات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، جاء الناس إلى الحسنعليه‌السلام ، فقالوا : أنت خليفة أبيك ، وصيُّه(3) .

11 ـ وقال المسعودي : « وقد ذكرت طائفة من الناس : أن علياً رضي الله عنه أوصى إلى ابنه الحسن والحسين ، لأنهما شريكاه في آية التطهير. وهذا قول كثير ممن ذهب إلى القول بالنص »(4) .

12 ـ وعن عليعليه‌السلام : أنت يا حسن وصيي ، والقائم بالأمر بعدي(5) .

وفي نص آخر : يا بُنيَّ ، أنت وليُّ الأمر ، وولي الدم(6) .

__________________

1 ـ راجع : البحار ج 10 ص 89 ، وإثبات الهداة ج 5 ص 140 وراجع ص 121 حتى ص 143 ، وأنساب الأشراف ج 2 ص 502 ـ 504 بتحقيق المحمودي ، وصلح الحسنعليه‌السلام لآل يس والكافي ج 1 ص 297 ـ 300 ،

2 ـ راجع منتخب الأثر وكحديث أهل بيتي كسفينة نوح ، وحديث الثقلين وغير ذلك

3 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 135 والبحار ج 10 ط قديم ، باب مصالحة الحسن ، عن الخرائج والجرائح.

4 ـ مروج الذهب ج 2 ص 413.

5 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 140.

6 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 126 وكشف الغمة ، وأصول الكافي ج 1 ص 299 وصلح الحسن ج 1 ص 52.

٥٦

13 ـ وفي نصٍّ آخر : الحسن والحسين في عترتي ، وأوصيائي ، وخلفائي(1) .

14 ـ إن الشيعة أطبقت : على أن علياً نص على ابنه الحسن(2) .

15 ـ ويفهم من رواية ذكرها ابن سعد : أن أمر الوصاية قد اشتهر عن آل علي ، في عهد التابعين فراجع وكانوا يتَّقون الناس في إظهارها(3) .

إلى غير ذلك مما لا محال لتتبعه واستقصائه

وقد تقدم في أوائل هذا الكتاب بعض ما يدل على ذلك أيضاً.

وحسبنا ما ذكرنا هنا ، فيما يتعلق بالحياة السياسية للإمام الحسنعليه‌السلام ، في حياة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن استيفاء ذلك مما لا يمكن في هذه العجالة ولننتقل الآن إلى حياته السياسية في عهد الشيخين

فإلى الفصل التالي :

__________________

1 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 139.

2 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 133و 135 و 138 عن الشافي للسيد المرتضى ، وكشف الغمة وأعلام الورى

3 راجع : الطبقات الكبرى ج 5 ص 239 ط ليدن.

٥٧
٥٨

الفصل الثاني :

في عهد الشيخين

٥٩
٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202