اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)27%

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
ISBN: 964- 5688-25-6
الصفحات: 202

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 202 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64661 / تحميل: 8338
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
ISBN: ٩٦٤- ٥٦٨٨-٢٥-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وقد اشرنا إلى ان دليل اعتبار قول الشاهد هو دليل حجية الاخبار الآحاد واعتبار التعدد في البينة قد ثبت بدليل آخر. وعلى هذا فالرجوع إلى الرجالي من باب الرجوع إلى الراوي والمخبر. ففيما اخبر به من أحوال من أدركه من الرواة لا اشكال. وفي غيره قوله واخباره بمنزلة رواية مرسلة.

فادا علم من طريقته انه لا يرسل في ذلك الا عن ثقة فيعتمد عليه وان شئت قلت: ان قوله مثلا: زرارة ثقة، شهادة منه على الوثاقة مستندة إلى رواية الثقات او شهادتهم في جميع الطبقات. وحينئذ فالعمدة إثبات التزام الرجالي بالاعتماد على الثقات وعدم الرواية عمن لا يبالي بالحديث في جميع رجال السند كي يكون قوله واخباره بمنزلة رواية معتبرة عندنا وان كانت محذوفة الاسناد. اعتبار قول المتأخرين من اهل الرجال اختار بعض الاعلام عدم حجية توثيق المتأخرين من أهل الرجال وجرحهم. بل يظهر منه عدم حجية قول مثل ابن طاوس والمحقق والعلامة وابن داود وامثالهم من المتأخرين قدس الله ارواحهم الطاهرة. بدعوى كثرة أخطائهم وخصوصا العلامة رحمه الله، وان المتأخرين نقلة لمن تقدم فيما لهم توثيق او جرح وفي غير ذلك إستعملوا الرأي والاجتهاد لا محالة ولا دليل على اعتبار رأيهم.قلت فيه اولا منع اكثرية خطأ المتأخرين بل الامر بالعكس كما هو ظاهر بالتأمل في كلامهم في الرجال والفقه وغيرهما.وثانيا ان تم دليل حجية قول اهل الرجال فالفرق بلا دليل في

١٠١

غير محله. وكون الخطأ في اقوال العلامة اكثر من غيره مهدته على مدعيه. ولو سلم ان كثره مشاغله وتفننه في العلوم وكثرة تأليفاته وغير ذلك ربما اوجب الخطأ بما ليس في كلام غيره فلا يوجب التوقف في الاخذ بكلامه كما لا يوجب بالنسبة إلى شيخ الطائفة والمعصوم من الخطأ غيرنا.

وثالثا ان كون المتأخرين نقلة لما ذكره المتقدمون ليس قدحا وعدم وقوفهم على ازيد مما ذكره المتقدمون ممنوع جدا فكم وقف المتأخر على مالم يقف عليه المتقدم من الآثار في الرجال والفقه وغيرهما وهذا واضح لمن كان كثير التتبع في الاخبار.

ورابعا ان الاجتهاد واستعمال الرأي في الآثار لا يخص بالمتأخر نعم فتح المتأخر باب الاجتهاد بمصراعيه دون من تقدمه، ومن تأمل في توثيقات ابن الوليد وشيوخ القميين واحمد بن عيسى واضرابهم وما صدر منهم من الجرح مع ان كثيرا من أعلام عصرهم قد أنكروا ذلك عليهم فضلا عمن تأخر عنهم تبين له ان الفرق المذكور في غير محله وان كان إجتهاد المتأخر اكثر وقد اشبعنا القول في ذلك في فوائدنا الرجالية.

منهج النجاشي في الجرح والتعديل

تقدم ان قول اهل الرجال انما يعتمد عليه من باب الشهادة والرواية، فمنع بعد أكثر من ترجمه النجاشي في رجاله عن زمانه ربما يشكل الاعتماد على جرحه وتعديله، اذلا يستند إلى الحس والسماع بلا واسطة، ولا يعرف من طريقته الالتزام بالاعتماد على خصوص ما رواه الثقات ولو مع الواسطة بل المعلوم خلافه فقد صرح بترك

١٠٢

الرواية عن المطعونين من مشايخه الا مع واسطة بينه وبين المطعون كما تقدم في مشايخه. وقد اعتمد في رواياته للكتب والمصنفات على روايات فيها ضعف بالارسال او الجهالة او ضعف بعض رجال الاسناد. مع ان ذكر المصنفات هو الغرض الاول لتأليف الكتاب دون ذكر احوال الرواة. فكيف لا يحتمل اعتماده في اثبات سائر اوصاف الرواة بمثل هذه الاخبار. وقد إتحد السياق لذكر الكتب والاوصاف بقوله بنحو الجزم ثقة، كوفي، واقفي، له كتاب. بل ربما اعتمد في التوثيق وغيره على ما رواه الكشي او غيره من رواية ضعيفة الاسناد كما ستقف عليه في هذا الشرح. على انه استعمل الرأي والاجتهاد في الجرح والتعديل فيما اختلف فيه الآثار أو كلمات أصحاب الرجال كما يظهر بالتأمل فيما ذكره في الحسن بن محبوب ومحمد بن عيسى وغيرهما ممن اختلف فيه الآثار وقول اهل الرجال.

قلت وفي جميع ذلك نظر وتأمل اما روايته الكتب باسناد ضعيف وشهادته بقوله: له كتاب او كتب فلما سبق ان ثبوته لا ينحصر بما ذكره من الروايه عن مؤلفه لعدم حصر الطريق به كما صرح بان الطرق كثيرة وانما يكتفي بواحد لئلا يطول. على ان كثيرها مشهوره او رواها جماعات من الناس. وذكرنا ان ضعف الرواية لا يضر بالشهادة لاصل الكتاب. واما الاعتماد على رواية ضعيفة في التوثيق ففيما لم يستند اليها في كلامه لا نعلم باستناده وفيما علق التوثيق على الرواية فهذا مشعر بعدم جزمه بالتوثيق كما لا يخفى.

١٠٣

واما الاجتهاد في الجرح والتعديل في موارد الاختلاف فلا يوجب عدم جواز الرجوع اليه في شهادته بالتوثيق وسيأتي الفرق بين الجرح والتعديل في هذا المقام. واما التزام النجاشي بالاعتماد على رواية الثقات خاصة بحيث تكون شهادته بالوثاقة بمنزلة رواية محذوفة الاسناد رواها الثقات، فيمكن كشفه من تحفظه رحمه الله على شروط الرواية فقد ترك الرواية عن المطعون وان كان كثير العلم والادب والسماع. ومن تعليقه التوثيق او الجرح او ثبوت وصف او حال للرواة أو كتاب في كثير من التراجم على اصحاب الرجال، او بعضهم، او على الكشي، او ابي العباس، واحمد بن الحسين، وغيرهم إيماء‌ا منه رحمه الله بعدم الجزم به. وقد اكثر في هذا الكتاب تعليق رواية الرواة عن ابي عبدالله او عن ابي الحسن عليهم السلام على ابي العباس ايماء‌ا منه إلى عدم ثبوتها عنده، لضعف مستندها، أو لان الطبقة لا تساعد على ذلك. فتوقف رحمه الله عن الجزم بذلك مع شهادة ابي العباس ابن نوح، او ابن عقدة على ذلك ايضا وفى بعض الموارد علق الرواية عن احدهم عليهم السلام عليهما معا. وان شئت فلاحظ ترجمة عبدالله بن سنان (رقم 565) حيث قال: روى عن ابي عبدالله (ع) وقيل روى عن أبي الحسن موسى (ع) وليس بثبت الخ.

وقد روى الكليني والشيخ وغيرهما باسناد فيه زياد بن مروان عن عبدالله بن سنان عن أبي الحسن (ع) فيظهر من ذلك ان عدم ثبوت رواية عبدالله بن سنان عنه (ع) لضعف المستند بزياد بن مروان القندي الضعيف مضافا إلى ما قيل: انه مات في حياة ابي عبدالله (ع) ونحو ذلك في ترجمة زكريا بن ادريس (رقم 464) وغيره فلاحظ وتأمل.

١٠٤

وبالجملة فمن تعليق النجاشي ما ذكره من الاوصاف في جملة من التراجم على قول أهل الرجال أو بعضهم مشيرا إلى ضعفه يستظهر - ان ما ذكره في غير هذه الموارد بصورة الجزم وبلا تعليق على قائل قد ثبت عنده بطريق معتبر واسناد خال عن ضعيف او من لا يبالي بالحديث. كما انه يستظهر كون الطريق المعتبر عنده معتبرا عندنا لو وصل الينا، من طريقته رحمه الله في الجرح والتعديل في الاسانيد ورجالها ومما اورد به على الاصحاب وغير ذلك مما لا يخفى على المتأمل. هذا مضافا إلى امكان القول بان قول النجاشي مثلا: سماعة بن مهران ثقة شهادة منه تؤخذ بها كشهادته على حياة رجل او علمه او على طهارته شي ء او نجاسته من دون لزوم الفحص عن مستنده حتى يعلم بخطائه فتترك وفى هذا الوجه وما قبله نظر قد فصلنا القول في تحقيق ذلك في فوائدنا.

التوثيقات العامة

لا فرق في مدح الرواة وتوثيقهم بين كونه شخصيا كقوله زرارة ثقة، وبين كونه بوجه عام، كما في توثيق بيت او مدحهم. ففي عمومة اسماعيل بن عبد الخالق وابيه قال النجاشي: كلهم ثقات. فمن كان من عمومته يحكم بوثاقته وان ثبت ذلك من كلام غيره. ومن ذلك وامثاله، استفدنا وثاقة جماعة من الرواة ممن لم يفرد لهم النجاشي ترجمة وعلى هذا فاذا ثبت في جماعة المدح بانهم لا يرون إلا عن الثقات فيحكم بوثاقة كل من رووا عنه وان لم يصرح في كلام الاصحاب بتوثيقهم بالخصوص.وكذلك فيمن صرح بمدح يستلزم روايته عن الثقات

١٠٥

والاجتناب عن الرواية عن الضعاف. وحينئذ فلا بأس بذكر من قيل فيه: انه لا يروى إلا عن الثقات وايضا من ورد فيه مدح ربما يستفاد منه انه لا يروى الا عن الثقات وان لم يصرح بذلك في كلام الاصحاب. وظاهر الاصحاب ان رواية من عرف بانه لا يروى إلا عن الثقات امارة عامة على وثاقة من روى عنه، ويلزم منه أيضا عدم الفرق بين مسانيد هؤلاء وبين مراسيلهم. ففي (كتاب العدة) في القرائن الدالة على صحة الاخبار. قال شيخ الطائفة: واذا كان أحد الروايين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل فان كان ممن يعلم انه لا يرسل الا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ولا جل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير وصفوان بن يحيى واحمد بن محمد بن ابي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون الا عمن يوثق به وبين ما اسنده غيرهم ولذا عملوا بمراسيلهم اذا إنفردوا عن رواية غيرهم الخ.

قلت وتبعه الشهيد رحمه الله في مقدمة الذكرى.

من لا يروى الا عن الثقة

يظهر من كلام النجاشي وغيره: ان في رواة أصحابنا من يعرف بانه لا يروى الا عن ثقة. ومعرفة ذلك اما بتصريح الراوي الثقة بانه لا يروى الا عن الثقة مطلقا، او في كتاب خاص مثل ابن قولويه في كامل الزيارات وغيره. واما بتصريح غيره كما صرح الشيخ (ره) في ابن ابي عمير واضرابه

١٠٦

وقد تقدم. واما يستفاد من لازم الكلام مثل تعليل النجاشي لعدم الرواية عن بعض الرواة بضعفه وورود الطعن فيه فان مشايخ النجاشي انما استفيد وثاقتهم من تعليله عدم الرواية عن بعضهم بكونه مطعونا او ضعيفا. فيدل بالالتزام على انه لا يروى الا عن الثقة على كلام تقدم في ذلك. وفى كفاية الاستقراء لاثبات كون جميع من روى عنه ثقاتا اذا لم يفد القطع، اشكال حققناه في الفوائد.

وهؤلاء جماعة. الاول النجاشي كما تقدم الكلام فيه. الثاني والثالث محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الاسكافي ابوعلي، واحمد بن محمد بن سليمان ابوغالب الزراري شيخ العصابة في زمنه ووجههم. قال النجاشي في جعفر بن مالك (رقم 310): كان ضعيفا في الحديث قال احمد بن الحسين: كان يضع الحديث وضعا ويروى عن المجاهيل، وسمعت من قال كان ايضا فاسد المذهب والرواية، ولا ادري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة ابوعلي بن همام، وشيخنا الجليل الثقة ابوغالب الزراري رحمهما الله وليس هذا موضع ذكره الخ.

قلت وانت خبير بان العجب المتقدم انما يصح اذا عرف الشيخان الجليلان بانهما لا يرويان عن الضعاف وعن غير الثقات، وتمام الكلام في ذلك في ترجمته وفى فوائدنا الرجالية.

الرابع ابوالقاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله في كتاب كامل الزيارة قال (ره) في الديباجة: حتى أخرجته وجمعته عن الائمة صلوات الله عليهم اجمعين من احاديثهم ولم أخرج فيه حديثا روى عن غيرهم، اذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم صلوات الله

١٠٧

عليهم كفاية عن حديث غيرهم، وقد علمنا انا لا نحيط بجميع ما روى عنهم في هذا المعنى، ولا غيره، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من اصحابنا رحمهم الله برحمته، ولا أخرجت فيه حديثا روى عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم انتهى.

قلت فيما افاده (ره) تصريح بامور احدها عدم ذكره في الكتاب الا الروايات المأثورة عن الائمة الطاهرين عليهم السلام، لكفاية ما وصل عنهم والغنى عن اخبار غيرهم.

ثانيها انه مع كثرة ما ورد عنهم عليهم السلام في جميع الابواب وعدم العلم بصحة لجميع، إقتصر على رواية ما وقع اليه (ره) من جهة الثقات من اصحابنا رحمهم الله. وظاهره انه (ره) ترك ما وقع من غير جهة الثقات من اصحابنا او ما وقع من جهة غير اصحابنا وان كانوا ثقاتا.

ثالثها الاكتفاء بالثقات المشهورين بالحديث والرواية وترك الرواية عن غير المشهورين بالرواية وعن الشذاذ. قلت وفى اختصاص الامرين الاخيرين بمشايخه ومن روى عنه بلا واسطة كما هو صريح غير واحد من أصحابنا أو ظاهرهم أأو عمومهما لجميع رجال اسانيده إلى المعصوم عليه السلام كما هو مختار بعضهم وجهان. ويبعد الثاني مضافا إلى التأمل في ظهور كلامه في نفسه بل منعه وجود جماعة من المصرحين بالضعف في اسانيد رواياته، والارسال، والرفع، والقطع، في احاديثه. مضافا إلى تعارف تخصيص الرواية عن الثقات بالمشايخ بلا واسطة لا حتى مع الواسطة فمن ذلك كله يستفاد ان المراد: الرواية عن المشايخ الثقات وعن كتب الثقات

١٠٨

والمشهورين من الرواة. وان كان في طرق هذه الروايات المجاهيل والمطعونين.

ودعوى ان وجود المصرح بالضعف في اسانيده يقتضى، عدم الاخذ بهذا التوثيق العام في قبال الدليل على الضعف لا عدم الاخذ به مطلقا حتى فيمن لم يصرح بالضعف، وهذا نظير العلم بخروج بعض افراد العام عن حكمه بدليل المخصص فلا تقتضى رفع اليد عن دليل العام في غير مورد المخصص.

مدفوعة بعمد صحة القياس بباب العالم والخاص على ما سيأتي بيانه. ويمكن تقريب الاول بامور اولها ان غرضه رحمه الله من هذا الالتزام هو صحة ما ذكره في هذا الكتاب. وهذه تقتضى وثاقة جميع رجال السند. لا خصوص مشايخه كما هو ظاهر. وليس في مقام بيان طريقته في الحديث فقط.

ثانيها قوله انا لا نحيط بجميع الخ. فان الاحاطة بجميع مارواه وحدثه مشايخه ليس أمرا عجيبا غير ممكن عادة حتى يوجب الاقتصار المذكور، بخلاف ما اذا اريد العموم فان الاحاطة بالجميع حينئذ متعذرة عادة هذا ان اريد الاحاطة خارجا واما اذا اريد الوقوف على الصحة والاطمئنان بالصدور فالامر اوضح فان ما كان خصوص شيخه من الثقات فلا يدخل فيما علم او اطمأن بصحته عادة بل انما يحيط او يعلم بصحته اذا كان جميع رجال اسانيده ثقاتا.

ثالثها قوله (ره) ما وقع لنا من جهة الثقات بدل ما سمعته من ثقات مشايخنا وامثال ذلك فان الاول يقتضى كون جميع الرجال ثقاتا حتى يصح اطلاق وقوعه عن المعصوم (ع) من طريق الثقات.

الخامس الشيخ الجليل علي بن ابراهيم بن هاشم القمي الذي وثقه

١٠٩

النجاشي بقوله: ثقة في الحديث، ثبت، معتمد صحيح المذهب الخ.

قال في ديباجة التفسير: ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم واوجب ولايتهم الخ.

قلت ودلالة كلامه ظاهرة إلا ان الشأن في الطريق إلى التفسير وفي ثبوت هذا الكلام ويأتي ان شاء الله في ترجمته. وقد اخرجنا رجال اسانيده ومشايخه في هذا الكتاب في محله.

السادس شيخنا الاجل محمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق (ره) في كتاب المقنع وكذا والده قال في اوله: وحذفت الاسناد منه لئلا يثقل حمله ولا يصعب حفظه ولا يمل قاريه اذا كان ما ابينه فيه موجودا بينا عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهم الله تعالى قلت حكى العلامة المجلسي (ره) في اجازات البحار عن خط استاد الشهيد عميد الرؤساء هبة الله بن حامد اللغوي قال ذكر الشيخ ابوعلي ابن شيخنا الطوسي (قدهما) ان اول من ابتكر طرح الاسانيد وجمع بين النظائر وأتى بالخبر مع قرينه علي بن بابويه في رسالته إلى ابنه قال ورأيت جميع من تأخر عنه يحمد طريقه فيها ويعول عليه في المسائل لا يجد النص عليها لثقته وامانته وموضعه من الدين والعلم الخ.

السابع ابوجعفر محمد بن أبي القاسم الطبري في كتاب بشارة المصطفى قال (ره) في ديباجته: ولا اذكر فيه الا المسند من الاخبار عن المشايخ الكبار والثقات الاخيار الخ.قلت وقد اخرجنا رجال اسانيده في محله.

الثامن الشيخ الجليل محمد بن المشهدي في المزار الكبير قال في اوله: اما بعد فاني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات

١١٠

للمشاهد وما ورد في الترغيب إلى ان قال: مما اتصلت به ثقات الرواة إلى السادات عليهم السلام الخ.

قلت قد أخرجنا رجال اسانيده في محله، وتمام الكلام في مؤلفه وفي نفس الكتاب، وفي الطرق اليه في محله فلا نطيل في المقام.

التاسع السيد الورع ركن الاسلام علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس في كتاب فلاح السائل قال في الديباجة: اعلم انني اروي فيما اذكر من هذا الكتاب روايات. وطريقي اليها من خواص اصحابنا الثقات. وربما يكون في بعضها بين بعض الثقات المشار اليهم وبين النبي صلى الله عليه وآله واحد الائمة عليهم السلام رجل مطعون عليه بطعن من طريق الآحاد، او يكون الطعن عليه برواية مطعون عليه من العباد، وبسبب محتمل لعذر للمطعون عليه يعرف ذلك السبب او يمكن تجويزه عند أهل الانتقاد، وربما يكون عذري الخ.

ثم ذكر كلاما في عذره وملخصه، يرجع إلى أحد عشر امرا وذكرها بطوله يوجب الخروج عن الغرض إلا انه لما فيها من الفوائد لا بأس بذكرها ملخصا حيث يفيد في جميع من روى عن الثقات وقد أخرجنا رجال اسانيد روايات فلاح السائل في محله. احدها كون مستند الطعن رواية قاصرة سندا لوجود مطعون فيه لو لعدم انتهاء الطعن إلى المعصوم عليه السلام كالاضمار ونحوه، أو لانتهاء الطعن إلى غير معصوم لم يعلم استناد طعنه إلى شهادة ثابتة أو حجة واضحة، او إلى سبب غير عادي من الغضب والنسيان والحقد والحسد الذي قل من سلم منه، وقد شاع ذلك الطعن فيظن السامع انه حق ولكن يكشف بطلانه لمن تثبت واستكشف او ربما يعترف الطاعن ببطلانه وهذا رأيناه في كثير من الاحوال.

١١١

الثاني كون الطعن في المذهب مع كون المطعون ثقة في حديثه، وامانته وهذا كما في كثير من ثقات الفطحية والزيدية والواقفية وغيرهم.

الثالث كون ما يوجب الطعن جائزا شرعا للمطعون وإن لم يجز لغيره فمن رآه على ذلك طعن ولم يعلم بجوازه له لتقية شديدة أو غير ذلك، ولو اظهر خلافه ايضا ربما لم يقبلوا منه.

الرابع اعتماد الثقات من أصحابنا على رواية المطعون وعدم استثنائها فيكونوا قد عرفوا صحة الرواية من وجوه ثم أشار (ره) اليها.

الخامس كون ما ذكر من السند الذي في بعض رجاله طعن تأييدا لما اذكره فيه من السند الصحيح الخالي من الطعن فالاعتماد على ذاك الطريق الغير المطعون فيه.

السادس كون الحديث الذي في بعض رجال سنده طعن موردا للاخبار الدالة على ان من بلغه ثواب على عمل فعمل به رجاء ذلك الثواب فله أجر ذلك.

قلت هذا ملخص ما أفاده (ره) في المقام في أحد عشر وجها بعضها مدخولة في بعض ومع ذلك فلا تخلو عن النقد والقدح بما لا يخفى عند التأمل وتحقيق ذلك في فوائدنا فلا نطيل. ثم ان هذا بعض من وقفنا على تعهده بالرواية عن الثقاة في الجملة من مشايخ الاجازة والحديث. وينبغي الاشارة إلى مشايخ الحديث ورواته فقط ممن روى عن الثقات وهم جماعة.

الاول جعفر بن بشير ابومحمد البجلي الوشاء فيأتي في ترجمته (رقم 301) قول الماتن (ره): من زهاد اصحابنا وعبادهم ونساكهم وكان ثقة إلى ان قال ابوالعباس بن نوح يقول: كان يلقب قفحة العلم

١١٢

روى عن الثقات ورووا عنه الخ.

قلت وقد اخرجت مشايخه ومن روى عنه ومن سمع من جعفر وروى عنه في فوائدنا وذلك بذكر الثقات والممدوحين منهم ومن لم يصرح بمدح ولا قدح أولا ثم بذكر من غمز أو طعن فيه وهم جماعة مع تحقيق كامل في احوالهم وفى سند الرواية إلى هؤلاء المطعونين.

الثاني محمد بن اسماعيل الزعفراني فيأتي في ترجمته (رقم 945) قول الماتن (ره): ثقة عين روى عن الثقات وروى عنه ولقى اصحاب أبي عبدالله عليه السلام الخ.

الثالث محمد بن أبي عمير ابواحمد الازدي فيأتي في ترجمته (رقم 897) قول الماتن (ره): فلهذا اصحابنا يسكنون إلى مراسيله وفي الشرح عن كش في تسميته الفقهاء من اصحاب أبي ابراهيم وابي الحسن الرضا عليهم السلام قال: اجمع اصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر ثم ذكرهم (ره) وعد منهم محمد بن ابي عمير. وعن الشيخ (ره) في العدة ص 63 قال: فان كان المرسل ممن يعلم انه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ولاجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير وصفوان بن يحيى واحمد بن محمد بن ابي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به وبين ما اسنده غيرهم ولذا عملوا بمراسيلهم اذا انفردوا عن رواية غيرهم وذكر نحوه الشهيد (ره) في الذكرى كما تقدم. قلت وقد حققنا القول في ما يستفاد من هذا الكلام في فوائدنا

١١٣

وأشرنا إلى من روى عنه ابن ابي عمير من الثقات او الممدوحين وربما تجاوز المأتين، وإلى من لم يصرح بشئ ايضا كما ربما يقارب أو يتجاوز عددهم المأتين، وإلى من ورد فيه طعن او غمز من الاصحاب، وربما يقارب او يتجاوز عددهم العشرين مع الاشارة إلى روايته عن هؤلاء المطعونين والتأمل في إسنادها ثم التحقيق في احوال هؤلاء بما لا ينافي روايته عنهم مع التوثيق العام لمن روى عنه فلاحظ وتأمل.

الرابع احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي على ما تقدم في كلام الشيخ (ره).

الخامس صفوان بن يحيى على ما تقدم ويأتي عن الفهرست ما يشير إلى ذلك في ترجمته.قلت وقد اخرجت مشايخهما من الثقات والممدوحين ومن لم يصرح بشئ ومن ورد فيه طعن في فوائدنا مع اشارة إلى روايتهما عن المطعونين وتحقيق في اسنادها والجواب عن الاشكال المتوهم فلاحظ.

السادس علي بن الحسن الطاطري الكوفي فيأتي (رقم 673) في ترجمته من هذا الشرح عن الشيخ (ره) في الفهرست ص 92 (رقم 380) قوله: وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم فلاجل ذلك ذكرناها الخ. وهناك في كلام الماتن (ره) ما يشير إلى ذلك وقد اخرجنا أسماء من روى عنه في فوائدنا مع تحقيق الكلام في ذلك.

السابع سعد بن عبدالله القمي في كتابه المنتخبات فيأتي في هذا الشرح من ترجمته عن الفهرست (رقم 306) ص 76 بعد توثيقه وتجليله وذكر كتبه والطرق اليها عن الصدوق وابن الوليد عليهما الرحمة قوله في آخر كلام ابن بابويه: وقد رويت عنه كلما في كتاب المنتخبات مما

١١٤

اعرف طريقه من الرجال الثقات الخ.وتمام الكلام في ذلك وفيمن روى عنه في هذا الكتاب في فوائدنا فلاحظ.

الثامن يظهر من الماتن (ره) في ترجمة محمد بن احمد بن يحيى الاشعري على ما يأتي انشاء الله (رقم 591) ان من روى عنه غير ما استثناه ابن الوليد والصدوق (ره) من جماعة يبلغ عددهم خمس وعشرين ثقات بل صرح في محمد بن عيسى مما استثناه انه على ظاهر العدالة والثقة فلاحظ وتأمل وتمام الكلام فيمن روى عنه وفيما استثنى في فوائدنا.

من يسكن إلى روايته

ومما يشير إلى الرواية عن الثقات والاجتناب عن الرواية عن الضعاف سكون الاصحاب إلى رواية الرجل. فقد طعن أصحاب الحديث على بعض الرواة تارة بضعفه في الحديث وأخرى بضعف من روى عنه. وثالثة باكثار الرواية عن المجاهيل، او من لا يبالي بالحديث، وغير ذلك من وجوه الطعن، وحينئذ فالمطعون لا يكون عندهم مسكونا إلى روايته وحديثه فسكونهم إلى روايته إمارة خلوه عن الطعون، وكذا خلو احاديثه من المناكير، وقد مدح النجاشي رحمه الله جماعة بسكون الاصحاب إلى روايتهم. فمنهم

1 - محمد بن أبي عمير ففي ترجمته (رقم 897 بعد مدحه قال: " فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله " ومن يروى عن الضعيف لا يسكن إلى مراسيله كما هو واضح.

١١٥

2 - عبدالله بن الصلت ففي ترجمته (رقم 569) قال: " ثقة مسكون إلى روايته.

3 - رفاعة بن موسى الاسدي ففي ترجمته (رقم 435) قال: " كان ثقة في حديثه مسكونا إلى روايته لا تعرض بشئ من الغمز حسن الطريقة ".

4 - واحمد بن عبدالله بن احمد بن جلين الدوري في ترجمته (رقم 201)،

5 - احمد بن محمد بن جعفر الصولي في ترجمته (رقم 198) ولنا في ذلك كلام يأتي في الشرح.

6 - محمد بن الحسين بن أبي الخطاب في ترجمته (رقم 907).

7 - لوط بن يحيى بن سعيد ابومخنف في ترجمته (رقم 883).

8 - محمد بن بكران بن عمران في ترجمته (رقم 1063).

9 - محمد بن الحسن بن الوليد في ترجمته (رقم 1054).

قلت وقد حققنا القول في ذلك واستقصينا ذكر من رووا عنه وما يمكن ان يرد على ذلك في فوائدنا.

من لا يطعن عليه في شئ

ومما يشير إلى الرواية عن الثقات، والاجتناب عن الرواية عن الضعاف، المدح بكون الرجل ممن لا يطعن عليه في شئ من مذهبه وطريقته ومشيخته وغير ذلك من وجوه الطعن فاذا روى مثله عمن لم يصرح بضعف يستكشف وثاقته عنده. وإلا فروايته عن الضعيف من اوضح ما يوجب الطعن عليه، وفي الرواة من يعرف

١١٦

بذلك ومدحهم النجاشي به، وهؤلاء جماعة مثل

1 - عبدالله بن سنان فيأتي في ترجمته (رقم 565) كوفى ثقة ثقة من اصحابنا جليل لا يطعن عليه في شئ إلى أن ذكر كتبه ثم قال: روى هذه الكتب عنه جماعات من اصحابنا لعظمته في الطائفة وثقته وجلالته الخ.

2 - عبيد بن زرارة فيأتي في ترجمته (رقم 623) ثقة عين لا لبس فيه ولا شك الخ.

3 - محمد بن الحسن بن أبي سارة الرواسي وأهل بيته فيأتي في ترجمته (رقم 893) بعد ذكرهم وانهم اهل بيت فضل وأدب قال: وهم ثقات لا يطعن عليهم بشئ ".

4 - احمد بن محمد بن احمد الجرجاني (رقم 204) كان ثقة في حديثه ورعا لا يطعن عليه الخ.

5 - علي بن مهزيار فيأتي في ترجمته (رقم 675) بعد مدحه قوله: كان ثقة في روايته لا يطعن عليه صحيحا اعتقاده الخ.

6 - علي بن سليمان الزراري (رقم 687) قال: كان ورعا ثقة فقيها لا يطعن عليه في شئ.

7 - يعقوب بن اسحق السكيت فيأتي في (رقم 1230) بعد مدح كثير له قوله: كان مقدما إلى قوله: ثقة مصدقا لا يطعن عليه.

8 - محمد بن علي الحلبي واخوته فيأتي (رقم 895) وجه اصحابنا وفقيههم والثقة الذي لا يطعن عليه هو، واخوته عبيدالله، وعمران وعبدالاعلى الخ.

9 - رفاعة بن موسى النخاس فيأتي في ترجمته (رقم 435) كان ثقة في حديثه مسكونا إلى روايته لا تعرض بشئ من الغمز

١١٧

حسن الطريقة.

10 - هاروون بن موسى التلعكبري فيأتي في ترجمته (رقم 1195) كان وجها في اصحابنا معتمدا لا يطعن عليه الخ.

قلت وقد اخرجنا مشايخ هؤلاء ومن رووا عنه من الثقات والممدوحين والمجاهيل والمطعونين مع تحقيق القول في روايتهم عنهم في فوائدنا واوضحنا الجواب عما يرد عليه في المقام.

من يعتمد على جميع رواياته

لا يعتمد على جمعى روايات احد الا اذا كانت خالية من الغلو والتخليط والمناكير وكانت مما رواها عن الثقات ولم يعتمد على الضعاف ومن لا يبالي بالحديث فروايته عن أحد تشير إلى وثاقته وخلوه عما يوجب الطعن وقد أشار النجاشي إلى ذلك في جماعة.منهم احمد بن الحسن بن اسماعيل الميثمي الآتي ترجمته (رقم 175) قال ثقة في الحديث صحيح الحديث معتمد عليه.وثابت بن دينار ابي حمزة الثمالي الآتي في ترجمته (رقم 294): وكان من خيار اصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث.وعلي بن ابراهيم بن هاشم الاتي في ترجمته (رقم 686) قوله: ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب.وعلي بن الحسن بن رباط البجلي الآتي في ترجمته (رقم 665) قوله: ثقة معول عليه.وعلي بن محمد بن علي بن عمر القلا فيأتي في ترجمته (رقم 685) قوله: كان ثقة في الحديث واقفا في المذهب صحيح الرواية

١١٨

معتمد على ما يرويه.وعبدالرحمن بن ابي نجران الآتي في ترجمته (رقم 627) قوله: ثقة ثقة معتمد على ما يرويه.وغير هؤلاء ممن احصينا ذكرهم والتحقيق في ذلك وما يمكن ان يرد عليه في فوائدنا.

من روى عن الاجلة أو روى عنهم قد يقال: ان من امارات الوثاقة رواية من عرف بانه روى عن الاجلة، أو روى عنه الاجلة، فان رواية أجلة الرواة واثباتهم وثقاتهم عن رجل يكشف عن خلوه عن طعن يعرف كما ان روايته عن الاجلة إنما تكون مدحا اذا كان عامة مشايخه في الحديث كذلك دون بعضهم وإلا فلعله لا يوجد ضعيف لا يروى عن ثقة. ثم ان ذلك لا يخلو عن اشكال والتحقيق في ذلك وفيمن صرح فيه الاصحاب بذلك في فوائدنا.

المأمون في الحديث

ومما يمكن ان يكون امارة الوثاقة او قيل بها رواية من عرف بانه مأمون في الحديث عن رجل لا يعرف حاله، بدعوى ان من لا يبالي بالحديث ويروى عمن سمع منه من مجهول او ضعيف او وضاع لا يكون مأمونا في الحديث وفي ذلك اشكال وتمام الكلام فيه وفيمن عرف بذلك في فوائدنا.

١١٩

من كان ثقة في الحديث

ومما يشير إلى الرواية عن الثقات، والتحرز فيها عن الضعاف المدح بالوثاقة في الحديث.

وقد مدح أئمة الرجال جماعة بقولهم: ثقة في الحديث - كما مدح النجاشي بذلك جماعة يقارب عددهم الاربعين بل يمكن القول بان قولهم: ثقة بلا تقييد بالحديث او غمز من وجه، ظاهر باطلاقه في الوثاقة في الحديث ايضا، إذ لا يكون ثقة بنحو الاطلاق الا إذا اجتنب عن رواية الضعاف.

بيان ذلك ان الثبت والقوة والاحكام وعدم الزوال والاضطراب كما هي الوثاقة او من لوازمها لا يتحقق في الموثوق به. الا مع سلامته عن الجنون، ونحوه من موانع الالتزام والثبات، ومع معرفة الحق والالتزام به وبالجري عليه في مقام العمل. ثم ان الوثوق والثقات في أمر من شئون الموثوق به لا يلازمه في جميع اموره كما هو واضح. فقد يكون الرجل ثقة غير مضطرب في مذهبه، ولا يكون ثقة في الجري على مذهبه باتيان ما أوجبه عليه او ترك ما حرمه عليه كالفاسق فلا يعتمد ولا يؤتمن عليه في قوله فانه لا يتحرز من الكذب إلا اذا التزم في نفسه بترك القبيح ولذا قد يكون في الفاسق والكافر من لا يكذب ويجتنب عنه. كما ان المتحرز بنفسه عن الكذب قد يكون متحرزا عن حكايته عن غيره او متحرزا عن الحكاية عن الكذاب والضعيف ومن لا يبالي بالحديث مطلقا وان كان صدقا ايضا، وقد لا يكون كذلك فلا يبالي بالحديث عمن سمع منه وان كان في نفسه صدوقا لا يكذب وغير ذلك من وجوه الوثوق بالرجل

١٢٠

فسعى به إلى الرشيد فقال: إنه يقول بإمامة موسى بن جعفر، ويحمل خمس ماله في كل سنة وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين فيوقت كذا وكذا. فاستشاط الرشيد لذلك، وغضب غضباً شديداً، وقال لأكشفنّ عن هذه الحال فإن كان الأمر كما يقول أزهقت نفسه. وأنفذ في الوقت بإحضار علي بن يقطين فلمّا مثل بين يديه، قال له: ما فعلت بالدراعة التي كسوتك بها؟ قال: هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم، فيه طيب، وقد احتفظت بها، وقلّما أصبحت إلا وفتحت السفط، فنظرت إليها تبركاً بها، وقبّلتها ورددتها إلى موضعها وكلما أمسيت صنعت مثل ذلك.

فقال: أحضرها الساعة قال: نعم يا أمير المؤمنين، واستدعى بعض خدمه، وقال له: إمض إلى البيت الفلاني من الدار، فخذ مفتاحه من خزانتي فافتحه وافتح الصندوق الفلاني، وجئني بالسفط الذي فيه بختمه.

فلم يلبث الغلام أن جاءه بالسفط مختوماً فوضع بين يدي الرشيد فأمر بكسر ختمه وفتحه. فلمّا فتح نظر إلى الدراعة فيه بحالها، مطوية مدفونة في الطيب. فسكن الرشيد من غضبه ثم قال لعلي بن يقطين: أُرددها إلى مكانها فلن أُصدق عليك بعدها ساعياً. وأمر أن يتبع بجائزة سنية، وتقدم بضرب الساعي ألف سوط، فضرب نحواً من خمسمئة فمات في ذلك)(١) .

المجال العلمي والفكري:

لقد كان عهد الصادقينعليهما‌السلام عهد الانفراج النسبي لمدرسة أهل البيتعليهم‌السلام حيث استطاعت أن تنشر علوم أهل البيتعليهم‌السلام وتخرّج الأساتذة والعلماء المسؤولين والأمناء على حفظ تراث هذا الخطّ الرسالي بين أبناء الأمة الإسلامية.

ومن هنا فقد تكاملت لأبناء هذه المدرسة في عهدهما الأسس المتينة التي أرساها الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام من بعده في المنهج والمحتوى والأسلوب.

وكان عصر الإمام الكاظمعليه‌السلام الذي استمر ثلاثة عقود أو ما يزيد عليها قليلاً ـ استمراراً للمسيرة العلمية والثقافية التي حقّقها الصادقانعليهما‌السلام حتى تخرج في عهدهعليه‌السلام عدد مهم من الفقهاء الرواة الذين أصبحوا بمستوى

ــــــــــــ

(١) الإرشاد: ٢/٢٢٥ ـ ٢٢٧ وعنه في إعلام الورى: ٢/١٩ ـ ٢٠ وكشف الغمة: ٣/١٤ ـ ١٥ وفي الخرائج والجرائح: ١/٣٣٤ ح ٢٥. عن الإرشاد في بحار الأنوار: ٤٨ / ١٣٨، ح١٢.

١٢١

العطاء الذي قدمه الإمام الكاظمعليه‌السلام للأمة الإسلامية في حقلي النظرية والتطبيق معاً ـ كما سيتضح ذلك فيما سوف نراه من تبلور كثير من القواعد الأصولية والفقهية في مجال الاجتهاد الفقهي في هذه المدرسة العملاقة.

ثمّ إنّ انتشار التشيع واتّساع حجم الولاء والانتماء لخط أهل البيتعليهم‌السلام بالمعنى الخاص الذي يتميّز عن الخط العباسي بعد جهود الصادقينعليهما‌السلام كان من نصيب عهد الإمام الكاظمعليه‌السلام .

واتساع القاعدة كان يتطلب توسّع نشاط القيادة في رعاية شؤون الأتباع وصيانة الجماعة الصالحة من أنواع المزالق والانحرافات والعقبات.

على أن كثرة السؤال عن قضايا الشريعة أصولاً وفروعاً لاتساع دائرة الانتماء ولتطور الزمن مع استعداد مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام للاستجابة للمستجدات ، كل هذا تطلب نشاطاً أكبر وأوسع من القيادة المتمثلة في الإمام الكاظمعليه‌السلام بالرغم من حراجة الظرف بعد استشهاد الإمام الصادقعليه‌السلام وعدم التوجيه العام حول إمامة موسى الكاظمعليه‌السلام لكل أبناء الطائفة ...

من هنا كان الإمامعليه‌السلام بحاجة إلى توظيف عدد من أصحابه الأخصّاء به لإدارة شؤون الجماعة الصالحة بتقبّل الوكالة عن الإمام والتحرك لجمع الأموال والحقوق التي رسم لها أهل البيت نظاماً ومنهجاً خاصاً يكفل للجماعة الصالحة استمرار وجودها وتطورها واستحكام أسسها بنحو يجعلها قادرة على مواجهة التحديات المستمرة.

وهذا هو الذي كان يخشاه الخلفاء، كلٌ بمقدار نباهته وغوره إلى عمق هذا الخط.. حتى أثار هذا النشاط الواسع والخط التثقيفي المعمق حفيظة هارون الرشيد تجاه شخص الإمام الكاظمعليه‌السلام حيث كان يراه الندّ الحقيقي الذي يهدد سلطانه.

وكان هارون جرئياً في الإقدام على سجن الإمام وعزله عن قواعده. ولكنّ أصحاب الإمامعليه‌السلام كانوا على اتصال مستمر به وهو في قيد السجن. وكان هذا التخطيط يعدّ تطوراً واضحاً في التعامل مع الأحداث واستغلالاً للظروف الحرجة أحسن استغلال لإكمال المسيرة الربّانية إلى حيث الأهداف المبتغاة منها.

١٢٢

وقد تمثل العطاء العلمي والفكري للإمام الكاظمعليه‌السلام في مجالات:

١ ـ الرواية

٢ ـ التدريس

٣ ـ المناظرة

٤ ـ التأليف

كما تنوّعت مجالات الرواية والتأليف والمناظرة والتدريس إلى الحقول العلمية المختلفة، كما يشهد لذلك تنوّع التراث الذي وصلنا عن الإمام الكاظمعليه‌السلام ، ونستطيع أن نلمس ذلك بكل وضوح من خلال مطالعة مسنده الذي يبلغ ثلاثة أجزاء فيما يقرب من ألف صفحة تقريباً.

وقد اشتمل على أنواع المعرفة العقائدية والتاريخية والتربوية والأخلاقية والأحكام الشرعية والأدعية والزيارات وما يرتبط بمجال توثيق الرجال وسائر ما يرتبط ببيان عصر الإمام الكاظمعليه‌السلام واحتجاجاته مع الحكام والمخالفين أو ما يرتبط بمدرسته العلمية المتمثّلة في المتخرجين من طلابه والنابهين من صحابته.

وقد بلغت بعض تأليفات أصحاب الإمام حجماً هائلاً مثل ما ألّفه هشام بن الحكم وصفوان بن يحيى بيّاع السابري والحسن بن محمد بن سماعة الكندي حيث بلغت الكتب المؤلفة لكل منهم ثلاثين مؤلفاً.

١٢٣

كما ألّف علي بن الحسن الطاطري أربعة عشر كتاباً والحسن بن محبوب السراد ستة كتب وعبد الله بن جبلة سبعة كتب وعلي بن يقطين ثلاثة كتب. وهذا هو بعض النشاط العلمي لصحابة الإمامعليه‌السلام (١) .

منهج الاستنباط والتفقه في الدين:

ونلتقي في تراث الإمام الكاظمعليه‌السلام بنصوص ترتبط بحرمة القول بغير علم وحجية الظواهر وحجية خبر الواحد ونصوص ترتبط بعلاج حالات التعارض بين الأحاديث ونصوص ترتبط بالمنع من القياس ونصوص ترتبط بأصالة البراءة ووجوب الموافقة القطعية في أطراف العلم الإجمالي والاستصحاب وعدم جواز الرجوع إلى الأصل قبل الفحص عن الدليل.. وهذه النصوص تشير إلى أن الإمامعليه‌السلام كان بصدد إرساء قواعد ومنهج الاستنباط والتفقه في دين الله.

وإذا لاحظنا النصوص التي تقدّم لنا مجموعة مهمة من القواعد الفقهية إلى جانب غيرها من النصوص التي تتضمّن الأحكام الفقهية التي أثرت عنهعليه‌السلام فإننا نستيقن بأن الإمامعليه‌السلام كان يخطط لتكامل المدرسة الفقهية الاجتهادية ويربّي العلماء على منهجها بحيث يضمن للرسالة خلودها ولخط أهل البيتعليهم‌السلام الدوام والحضور الفاعل في ميادين الحياة رغم كل التحديات(٢) .

المناظرات في عصر الإمام الكاظم عليه‌السلام

من الأنشطة الفكرية الواسعة الصيت في عصر الإمام الكاظمعليه‌السلام والمؤثرة في تبلور فكر الأمة هي المناظرة العلمية، وكان الإمام الصادقعليه‌السلام ثم الإمام الكاظمعليه‌السلام من بعده قد استثمرا هذه الظاهرة وأعدّا لها نخبة من العلماء المتخصصين في هذا الميدان تعاهدوا للدفاع عن مذهب أهل البيتعليهم‌السلام وتعريفه للناس واستطاعوا رغم المنع السلطوي والحصار الفكري ضدهم أن يروّجوا للمذهب ويحققوا انتصارات مشهودة. كما قد نشطوا من جانب في دحض الشبهات والاتهامات التي كانت تثار ضد الفكر الإسلامي أو الشيعي واستطاعوا أن يقفوا بوجه الموجات الفكرية الانحرافية والحركات الإلحادية.

ــــــــــــ

(١) راجع الفهرست للشيخ الطوسي: ٩٦، ١٠٣، ١٤٦، ١٥٥، ١٥٦، ٢٥٨.

(٢) راجع: لمحات على القواعد الفقهية في الأحاديث الكاظمية في مجموعة الآثار للمؤتمر العالمي الثالث للإمام الرضا عليه‌السلام ومسند الإمام الكاظم عليه‌السلام .

١٢٤

ومن جملة أصحاب الإمامين الصادق والكاظمعليهما‌السلام البارزين في هذا الميدان هشام بن الحكم. كان هشام بن الحكم من أفذاذ الأمة الإسلامية ومن كبار علمائها وفي طليعة المدافعين عن خط أهل البيتعليهم‌السلام . جاهد طويلاً لنصرة الحق خصوصاً في عصر الرشيد، الذي انعدمت فيه الحريات، وكان الذاكر لفضائل أهل البيتعليهم‌السلام عرضة للانتقام والتنكيل من قبل السلطة. كان من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام وبعد وفاته اتّصل بالإمام الكاظمعليه‌السلام . واختص في علم الكلام فكان من كبار المتكلمين في عصره، وشهد له بذلك ابن النديم.

ونظراً لاختصاصه في هذا الفن فقد زيّن يحيى بن خالد البرمكي مجلسه به وجعله قيماً لمجالس كلامه(١) . وخاض هشام مع علماء الأديان والمذاهب مستدلاً على صحة مبدأه وبطلان أفكارهم.

ونظراً لخطورة استدلاله وقوة حجته كان الرشيد يحضر من وراء الستار فيصغي إليها ويعجب بها، ولقد خاض في عدة مناظرات مع زعيم المعتزلة الروحي عمرو بن عبيد(٢) .

ووجه يحيى بن خالد البرمكي سؤالاً لهشام بحضرة الرشيد من أجل إحراجه قائلاً له: أخبرني عن علي والعباس لما اختصما إلى أبي بكر في الميراث أيهما كان المحق من المبطل؟ فاستولت الحيرة على هشام لأنه قال في نفسه: إن قلت علياً كان مبطلاً كفرت وإن قلت العباس كان مبطلاً ضرب الرشيد عنقي. فقال هشام: لم يكن من أحدهما خطأ وكانا جميعاً محقين، ولهذا نظير قد نطق به القرآن في قصة داودعليه‌السلام حيث يقول الله: ( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ) ، إلى قوله تعالى :( خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ ) فأي الملكين كان مخطئاً؟ وأيهما كان مصيباً؟ أم تقول : إنهما كانا مخطئين فجوابك في ذلك جوابي بعينه.

فقال يحيى: لست أقول: الملكين أخطآ، بل أقول إنهما أصابا وذلك أنهما لم يختصما في الحقيقة ولا اختلفا في الحكم وإنما أظهرا ذلك لينبّها داود على الخطيئة ويعرّفاه الحكم ويوقفاه عليه.

ــــــــــــ

(١) الفهرست لابن النديم: ٢٦٣.

(٢) الكشي: ٢٢٥ ح ٤٧٥، ٢٨٠ ح ٥٠٠، والأمالي: ١ / ٥٥، ومروج الذهب: ٣ / ١٩٤ و ٤ / ٢١ ـ ٢٣.

١٢٥

فقال هشام: كذلك علي والعباس لم يختلفا في الحكم ولا اختصما في الحقيقة وإنما أظهرا الاختلاف والخصومة لينبّها أبا بكر على غلطه ويوقفاه على خطيئته ويدلاّه على ظلمه في الميراث ولم يكونا في ريب من أمرهما فتحيّر يحيى ولم يطق جواباً، واستحسن الرشيد هذا البيان الرائع الذي تخلص به هشام(١) .

وله مناظرات من هذا القبيل مع العالم النظام(٢) ومع ضرار الضبي(٣) فراجع مناظراته في موسوعة بحار الأنوار في ما يختص بحياة صحابة الإمام الكاظمعليه‌السلام .

وهكذا استطاع أهل البيتعليهم‌السلام من خلال خيرة أصحابهم أن يحفظوا للأمة المسلمة هويّتها ويدافعوا عن شخصيّتها المعنوية واستقلال كيانها الفكري والديني.

الفصل الثّالث: اعتقالات الإمامعليه‌السلام حتى استشهاده

التخطيط لسجن الإمامعليه‌السلام

لسنا الآن بصدد التعرض إلى تفاصيل أسباب سجن الإمام من قبل الرشيد. لأن سلوك الإمام وتأثيره في الأمة كما عرفت كان كافياً لأن يدفع بالرشيد الذي لا يتبنى حكمه على أصول مشروعة ليخطط لسجن الإمامعليه‌السلام وبالتالي اغتياله، هذا فضلاً عن كون الرشيد قد قطع على نفسه بداية تسلّمه للحكم بأن سوف يستأصل الوجود العلوي فإذا كان هذا شعاره أول الأمر مع كل العلويين فكيف بزعيم العلويين وقائدهم وسيدهم.

وينبغي أن نفرق بين الأسباب الواقعية وبين الأسباب التي كان يتذرع بها الرشيد لتبرير سلوكه العدائي مع الإمامعليه‌السلام .

ــــــــــــ

(١) الفصول المختارة: ٤٢ ووردت المناظرة باختصار في عيون إخبار الرضا: ٢ / ١٥.

(٢) الكشي: ٢٧٤ ح ٤٩٣ في الخلود في الجنة وعدمها.

(٣) كمال الدين: ٢/٣٦٢ ـ ٣٧٠ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ١٩٩ ح ٧.

١٢٦

لقد أصبح الإمام بعد عقد من حكم الرشيد وجوداً ثقيلاً على هارون لقوة تأثيره في الأمة واتساع الامتداد الشيعي حتى وجدناه يقدر المتطوعين في جيش الإمام بمئة ألف سيف. من هنا ضاق صدره وأزعجه انتشار صيت الإمام لأن الناس غدت تتناقل مآثر الإمام وعلمه وأخلاقه.

وكانت حادثة زيارة هارون لقبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقاء الإمام به بحيث أغضب الرشيد حتى قال بعدها مخاطباً الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (بأبي أنت وأمي، إني أعتذر إليك من أمر عزمت عليه، إني أُريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه لأني قد خشيت أن يلقي بين أمتك حرباً يسفك بها دماءهم)(١) .

وكان للوشاة دورٌ سلبي ضد الإمامعليه‌السلام فلقد تحرك يحيى بن خالد قبل ذلك ليهيئ مقدمات الاعتقال للإمام فأغرى ابن أخ الإمام محمد بن إسماعيل أو علي بن إسماعيل لغرض الوشاية بالإمام.

لنلاحظ موقف الإمام السامي إزاء تصرف ابن أخيه الشنيع بعد أن استجاب محمد لإغراء يحيى والتقى بالطاغية في بغداد وطعن بالإمامعليه‌السلام بما يرغب به الرشيد.

عن علي بن جعفر بن محمدعليه‌السلام قال: (جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر(٢) يسألني أن أسأل أبا الحسن موسىعليه‌السلام أن يأذن له في الخروج إلى العراق وأن يرضى عنه، ويوصيه بوصية.

قال: فتنحيت حتى دخل المتوضأ وخرج وهو وقت يتهيأ لي أن أخلو به وأكلّمه.

قال: فلما خرج قلت له: إنّ ابن أخيك محمد بن إسماعيل سألك أن تأذن له بالخروج إلى العراق، وأن توصيه، فأذن لهعليه‌السلام .

فلمّا رجع إلى مجلسه قام محمد بن إسماعيل وقال: يا عمّ أحب أن توصيني.

فقالعليه‌السلام :أوصيك أن تتقي الله في دمي .

فقال: لعن الله من يسعى في دمك ثم قال: يا عم أوصني فقالعليه‌السلام : أوصيك أن تتقي الله في دمي.

ــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا: ٧٣ ح ٣ والغيبة للطوسي: ٢٨ وعن العيون في بحار الأنوار: ٤٨/٢١٣ ح ١٣.

(٢) في بعض الروايات (محمد بن إسماعيل) وفى بعضها (علي بن إسماعيل).

١٢٧

قال: ثمّ ناوله أبو الحسن صرة فيها مئة وخمسون ديناراً فقبضها محمد، ثم ناوله أخرى فيها مئة وخمسون ديناراً فقبضها، ثم أعطاه صرة أُخرى فيها مئة وخمسون ديناراً فقبضها، ثم أمر له بألف وخمسمئة درهم كانت عنده.

فقلت له في ذلك، واستكثرته. فقال:هذا ليكون أوكد لحجتي إذا قطعني ووصلته .

قال: فخرج إلى العراق، فلما ورد حضرة هارون أتى باب هارون بثياب طريقه من قبل أن ينزل، واستأذن على هارون، وقال للحاجب: قل لأمير المؤمنين إن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب. فقال الحاجب: انزل أولاً وغيّر ثياب طريقك وعُد لأدخلك عليه بغير إذن، فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت. فقال: أُعلم أمير المؤمنين أني حضرت ولم تأذن لي. فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن إسماعيل، فأمر بدخوله، فدخل وقال: يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض: موسى بن جعفر بالمدينة يُجبى له الخراج، وأنت بالعراق يُجبى لك الخراج؟! فقال: والله ؟! فقال: والله! قال: فأمر له بمئة ألف درهم فلما قبضها وحُمل إلى منزله، أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات، وحوّل من الغد المال الذي حُمل إليه)(١) .

هذه هي بعض الأساليب التي كان قد خطط لها يحيى بإيعاز من الرشيد.

وأخيراً تم اعتقال الإمامعليه‌السلام بسرعة وإخفاء وتعمية على الأمة لئلاً تعرف محل سجن الإمامعليه‌السلام .

ــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال: ٢٦٣ ح ٤٧٨ وراجع أصول الكافي: ١/٨٥ ح ٨ ، واللفظ هنا له وفي الإرشاد: ٢/٢٣٧ والغيبة للطوسي: ٢٧ وفي مناقب آل أبي طالب: ٤/٣٣٢ باسم علي بن إسماعيل، وفي: ٤/٣٥٢ باسم محمد بن إسماعيل. وعن الكشي في بحار الأنوار: ٤٨/٢٣٩ ح ٤٨.

١٢٨

اعتقال الإمامعليه‌السلام

وبعد زيارة الرشيد لقبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقائه بالإمامعليه‌السلام أمر الطاغية هارون باعتقال الإمامعليه‌السلام وفعلاً أُلقي القبض على الإمام وهو قائم يصلي عند رأس جدّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يمهلوه لإتمامها.

فحمل وقيّد فشكى الإمام لجدّه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلاً:(إليك أشكو يا رسول الله) (١) وبعد اعتقال الإمام غدت الناس تتحدث فيما بينها باستنكار هذا الحدث المهم، فتألمت الأمة كثيراً فلم يبق قلب إلا وتصدّع من الأسى والحزن فخافت السلطات أن يكون اعتقال الإمام محفزاً للثورة عليها. فحمل جملين، واحداً إلى البصرة والثاني إلى الكوفة لغرض الإيهام على الناس، أي: لئلاّ يعرف محل حمل الإمام في أيّهما.

الإمامعليه‌السلام في سجن البصرة:

كان المأمور بحراسة الإمامعليه‌السلام أثناء الطريق من المدينة إلى البصرة حسان السروي(٢) وقبل أن يصل إلى البصرة تشرّف بالمثول بين يديه عبد الله بن مرحوم الأزدي فدفع له الإمام كتباً وأمره بإيصالها إلى وليّ عهده الإمام الرضا وعرّفه بأنه الإمام من بعده(٣) وسارت القافلة تطوي البيداء حتى وصلت البصرة، وأخذ حسّان الإمام ودفعه إلى عيسى بن أبي جعفر فحبسه في بيت من بيوت المحبس وأقفل عليه أبواب السجن فكان لا يفتحها إلا في حالتين:

أحداهما في خروجه للطهور، والأخرى لإدخال الطعام لهعليه‌السلام

ــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا: ١/٨٥ ح ١٠.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١/٨٥ ح ١٠.

(٣) عيون أخبار الرضا: ١/٢٧ ح ١٣.

١٢٩

أمّا نشاطهعليه‌السلام في داخل السجن:

فلقد انقطععليه‌السلام إلى الله في عبادته فكان يصوم النهار ويقوم الليل وكان يقضي وقته في الصلاة والسجود والدعاء، ولم يضجر ولم يسأم من السجن واعتبر التفرّغ للعبادة من أعظم النعم، وكان يقول في دعائه:(اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت فلك الحمد) (١) .

ولمّا شاع خبر اعتقال الإمام في البصرة وعلم الناس بمكانه هبّت إليه العلماء وغيرهم لغرض الاتّصال به من طريق خفيّ فاتصل به ياسين الزيات الضرير البصري وروى عنه(٢) .

الإيعاز لعيسى باغتيال الإمامعليه‌السلام

وأوعز الرشيد إلى عيسى يطلب منه فوراً القيام باغتيال الإمام لكن لمّا وصلت أوامر الرشيد لعيسى باغتيال الإمامعليه‌السلام ثقل عليه الأمر، وجمع خواصّه وثقته فعرض عليهم الأمر فأشاروا عليه بالتحذير من ارتكاب الجريمة فاستصوب رأيهم، وكتب إلى الرشيد رسالة يطلب فيها إعفاءه عن ذلك.

حمل الإمامعليه‌السلام إلى بغداد

واستجاب الرشيد لطلب عيسى وخاف من عدم تنفيذه لطلبه أن يساهم في إطلاق سراح الإمامعليه‌السلام ويخلّي سبيله، فأمره بحمله إلى بغداد وفرح عيسى بذلك، ولمّا وصل الإمام إلى بغداد أمر الرشيد باعتقاله عند الفضل فأخذه وحبسه في بيته.

وأشرف هارون على سجن الإمامعليه‌السلام إذ كان يتوجّس في نفسه الخوف من الإمامعليه‌السلام فلم يثق بالعيون التي وضعها عليه في سجنه فكان يراقبه ويتطلّع على شؤونه خوفاً من أن يتصل به أحداً ويكون الفضل قد رفّه عليه، فأطلّ من أعلى القصر على السجن فرأى ثوباً مطروحاً في مكان خاص لم يتغيّر عن موضعه.

ــــــــــــ

(١) المناقب: ٤ / ٣٤٣.

(٢) النجاشي: ٤٥٣ برقم ١٢٢٧.

١٣٠

فقال للفضل: ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟!

فقال الفضل: يا أمير المؤمنين، وما ذاك بثوب، وإنما هو موسى بن جعفر له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال، فانبهر هارون وقال: أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم !

والتفت إليه الربيع بعد ما سمع منه اعترافه بعبادة وزهد الإمام قائلاً له: يا أمير المؤمنين ، ما لك قد ضيقت عليه في الحبس ؟!! فأجابه هارون قائلاً: هيهات ، لا بد من ذلك(١) .

دعاء الإمامعليه‌السلام وإطلاق سراحه

ولمّا طالت مدة الحبس على الإمامعليه‌السلام وهو رهين السجون، قام في غلس الليل البهيم فجدّد طهوره وصلَّى لربه أربع ركعات وأخذ يدعو بهذا الدعاء:

(يا سيدي: نجّني من حبس هارون، وخلّصني من يده، يا مخلّص الشجر من بين رمل وطين، ويا مخلّص النار من بين الحديد والحجر، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم، ويا مخلّص الولد من بين مشيمة ورحم، ويا مخلّص الروح من بيت الأحشاء والأمعاء، خلصني من يد هارون).

ــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ٩٥ ، وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ٢٢٠.

١٣١

واستجاب الله دعاء العبد الصالح فأنقذه من سجن الطاغية هارون وأطلقه في غلس الليل(١) .

لقد مكث الإمامعليه‌السلام في سجن الفضل مدة طويلة من الزمن لم يعيّنها لنا التأريخ. وبقيعليه‌السلام بعد إطلاق سراحه في بغداد لم يخرج منها إلى يثرب وكان يدخل على الرشيد في كل أسبوع مرة يوم الخميس(٢) .

الاعتقال الثاني للإمامعليه‌السلام

ولمّا شاع ذكر الإمامعليه‌السلام وانتشرت فضائله ومآثره في بغداد، ضاق الرشيد من ذلك ذرعاً، وخاف منه فاعتقله ثانية فأودعه في بيت الفضل بن يحيى. ولما رأى الفضل عبادة الإمامعليه‌السلام وإقباله على الله وانشغاله بذكره أكبر الإمام، ولم يضيّق عليه وكان في كل يوم يبعث إليه بمائدة فاخرة من الطعام، وقد رأىعليه‌السلام من السعة في سجن الفضل ما لم يرها في بقية السجون.

ولمّا أوعز الرشيد للفضل باغتيال الإمامعليه‌السلام امتنع ولم يجبه إلى ذلك وخاف من الله لأنه كان ممّن يذهب إلى الإمامة ويدين بها، وهذا هو الذي سبب تنكيل الرشيد بالفضل واتهام البرامكة بالتشيع(٣) .

ــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا: ١/٩٤ ح ١٣ وراجع المناقب: ٤ / ٣٣٠.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ٩٣ ح١٣ ، وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ٢١٩ ح ٢٠.

(٣) راجع مقاتل الطالبيين: ٥٠٣ ـ ٥٠٤.

١٣٢

الإمامعليه‌السلام في سجن السّندي بن شاهك

وبعد سجن الفضل أمر هارون بنقل الإمامعليه‌السلام إلى سجن السندي بن شاهك وأمره بالتضييق عليه فاستجاب هذا الأثيم لذلك فقابل الإمامعليه‌السلام بكل جفوة وقسوة، والإمام صابر محتسب فأمره الطاغية أن يقيّد الإمامعليه‌السلام بثلاثين رطلاً من الحديد ويقفل الباب فيوجهه ولا يدعه يخرج إلا للوضوء.

وامتثل السندي لذلك فقام بإرهاق الإمامعليه‌السلام وبذل جميع جهوده للتضييق عليه، ووكّل بشّاراً مولاه، وكان من أشد الناس بغضاً لآل أبي طالب ولكنه لم يلبث أن تغير حاله وآب إلى طريق الحق; وذلك لما رآه من كرامات الإمامعليه‌السلام ومعاجزه، وقام ببعض الخدمات له(١) .

نشاط الإمامعليه‌السلام داخل السّجن

وقام الإمام بنشاط متميّز من داخل السجن، وفيما يلي نلخّص ذلك ضمن عدة نقاط:

١ ـ عبادته داخل السّجن:

أقبل الإمام كما قلنا على عبادة الله تعالى فكان يصوم النهار ويقوم الليل ولا يفتر عن ذكر الله.

وهذه أخت الجلاّد السندي بن شاهك تحدّثنا عمّا رأته من إقبال الإمام وطاعته لله والتي أثّرت في نفسها وأصبحت فيما بعد من الصالحات فكانت تعطف على الإمامعليه‌السلام وتقوم بخدمته وإذا نظرت إليه أرسلت ما في عينيها من

ــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال: ٤٣٨ ح ٨٢٧.

١٣٣

دموع وهي تقول: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل(١) .

٢ ـ اتّصال العلماء به:

واتّصل جماعة من العلماء والرواة بالإمامعليه‌السلام من طريق خفي فانتهلوا من نمير علومه فمنهم موسى بن إبراهيم المروزي، وقد سمح له السندي بذلك لأنّه كان معلّماً لولده، وقد ألّف موسى بن إبراهيم كتاباً مما سمعه من الإمام(٢) .

٣ ـ إرسال الاستفتاءات إليه:

وكانت بعض الأقاليم الإسلامية التي تدين بالإمامة ترسل عنها مبعوثاً خاصاً للإمامعليه‌السلام حينما كان في سجن السندي، فتزوده بالرسائل فكانعليه‌السلام يجيبهم عنها، وممن جاءه هناك علي بن سويد، فقد اتّصل بالإمامعليه‌السلام وسلّم إليه الكتب فأجابهعليه‌السلام (٣) .

٤ ـ نصب الوكلاء:

وعيّن الإمامعليه‌السلام جماعة من تلامذته وأصحابه، فجعلهم وكلاء له في بعض البلاد الإسلامية، وأرجع إليهم شيعته لأخذ الأحكام الإسلامية منهم، كما وكّلهم في قبض الحقوق الشرعية، لصرفها على الفقراء والبائسين من الشيعة وإنفاقها فيوجوه البر والخير، فقد نصب المفضل بن عمر وكيلاً له في قبض الحقوق وأذن له في صرفها على مستحقيها(٤) .

ومن هنا بدأت ظاهرة الوكالة في تخطيط أهل البيتعليهم‌السلام لإدارة الجماعة الصالحة وتطوّرت فيما بعد بمرور الزمن. كما سوف نلاحظ ذلك في حياة الإمام الجواد والهادي والعسكري والإمام المهديعليهم‌السلام .

ــــــــــــ

(١) تاريخ بغداد: ١٣ / ٣١.

(٢) النجاشي: ٤٠٧ برقم ١٠٨٢.

(٣) حياة الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام : ٢ / ٤٩٢.

(٤) حياة الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام : ٢ / ٤٩٣.

١٣٤

٥ ـ تعيينه لولي عهده:

ونصب الإمامعليه‌السلام من بعده ولده الإمام الرضاعليه‌السلام فجعله علماً لشيعته ومرجعاً لأمة جدّه، فقد حدّث الحسين بن المختار، قال: لمّا كان الإمام موسىعليه‌السلام في السجن خرجت لنا ألواح من عنده وقد كتب فيها (عهدي إلى أكبر ولدي)(١) .

٦ ـ وصيتهعليه‌السلام :

وأوصى الإمامعليه‌السلام ولده الإمام الرضاعليه‌السلام وعهد إليه بالأمر من بعده على صدقاته ونيابته عنه في شؤونه الخاصة والعامة وقد أشهد عليها جماعة من المؤمنين وقبل أن يدلي بها ويسجّلها أمر بإحضار الشهود.

٧ ـ صلابة الإمام وشموخه أمام ضغوط الرّشيد:

وبعد ما مكث الإمامعليه‌السلام زمناً طويلاً في سجن هارون تكلّم معه جماعة من خواصّ شيعته فطلبوا منه أن يتكلم مع بعض الشخصيات المقرّبة عند الرشيد ليتوسط في إطلاق سراحه، فامتنععليه‌السلام وترفّع عن ذلك وقال لهم:(حدثني أبي عن آبائه أن الله عزّ وجلّ أوحى إلى داود، يا داود إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني، وعرفت ذلك منه إلا قطعت عنه أسباب السماء، وأسخت الأرض من تحته) (٢) .

الإمام الكاظمعليه‌السلام يتحدّى كبرياء هارون

لقد تنوعت ضغوط هارون على الإمام هو في السجن، ونجد الإمامعليه‌السلام وهو في أوج المحنة يتحدّى كبرياء هارون بكل صلابة وشدّة حتى فشل هارون بكل ما أوتي من حول وقوّة ولم يجد أمامه حلاًّ ينسجم مع نزعاته إلاّ سمّ الإمامعليه‌السلام واغتياله. وإليك جملة من ضغوط هارون على الإمام الكاظمعليه‌السلام وهو في السجن:

ــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ٣٠ ، ومسند الإمام الكاظم عليه‌السلام : ٢ / ١٤٧ ح٣٦.

(٢) تاريخ اليعقوبي: ٢/٣٦١، وفاة موسى بن جعفرعليه‌السلام ، تحقيق عبد الأمير مهنا. ط بيروت منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.

١٣٥

١ ـ إرسال جارية له

(أنفذ هارون إلى الإمامعليه‌السلام جارية وضّاءة بارعة في الجمال والحسن، أرسلها بيد أحد خواصّه لتتولى خدمة الإمام ظانّاً أنه سيفتتن بها، فلما وصلت إليه قالعليه‌السلام لمبعوث هارون: قل لهارون:بل أنتم بهديتكم تفرحون، لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها . فرجع الرسول ومعه الجارية وأبلغ هارون قول الإمامعليه‌السلام فالتاع غضباً وقال له: ارجع إليه، وقل له: ليس برضاك حبسناك ولا برضاك أخدمناك واترك الجارية عنده، وانصرف. فرجع ذلك الشخص وترك الجارية عند الإمامعليه‌السلام وأبلغه بمقالته. وأنفذ هارون خادماً له إلى السجن ليتفحص عن حال الجارية، فلما انتهى إليها رآها ساجدة لربّها لا ترفع رأسها وهي تقول في سجودها: قدوس ، قدوس. فمضى الخادم مسرعاً فأخبره بحالها فقال هارون: سحرها والله موسى بن جعفر، عليّ بها.

فجيئ بها إليه، وهي ترتعد قد شخصت ببصرها نحو السماء وهي تذكر الله وتمجّده ، فقال لها هارون: ما شأنك ؟! قالت: شأني الشأن البديع، إني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلّي ليله ونهاره، فلمّا انصرف من صلاته قلت له: هل لك حاجة أُعطيكها؟ فقال الإمامعليه‌السلام :وما حاجتي إليك ؟ قلت: إني أدخلت عليك لحوائجك. فقال الإمامعليه‌السلام :فما بال هؤلاء ، وأشار بيده إلى جهة ، فالتفتُّ فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري ، ولا أولها من آخرها ، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج ، وعليها وصفاء ووصايف لم أر مثل وجوههنّ حسناً، ولا مثل لباسهنّ لباساً، عليهن الحرير الأخضر، والأكاليل والدر والياقوت، وفي أيديهن الأباريق والمناديل، ومن كل الطعام، فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم، فرأيت نفسي حيث كنت. فقال لها هارون وقد أترعت نفسه بالحقد: يا خبيثة لعلّك سجدت، فنمت فرأيت هذا في منامك! قالت: لا والله يا سيدي، رأيت هذا قبل سجودي ، فسجدت من أجل ذلك. فالتفت الرشيد إلى خادمه ، وأمره باعتقالها وإخفاء الحادث لئلاّ يسمعه أحد من الناس، فأخذها الخادم، واعتقلها عنده، فأقبلت على العبادة والصلاة، فإذا سئلت عن ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح)(١) .

ــــــــــــ

(١) الحلبي في مناقب آل أبي طالب: ٤/٣٢٢ عن العامري في كتاب الأنوار.

١٣٦

٢ ـ محاولة سم الإمامعليه‌السلام

ولم يتحمل الرشيد سماعه لمناقب الإمام ومآثره وانتشارها بين الناس فعزم على قتله، فدعا برطب وأخذ رطبة من ذلك الرطب المهيّأ له ، فوضع فيها سماً، وقال لخادمه احمله إلى موسى بن جعفر وقل له: إنّ أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب ويقسم عليك بحقه لمّا أكلته عن آخره فاني اخترته لك بيدي ولا تتركه يبقي شيئاً ولا يطعم منه أحداً.

فحمل الخادم الرطب وجاء به إلى الإمامعليه‌السلام وأبلغه برسالة هارون فأخذ الإمام يأكل من الرطب وكانت للرشيد كلبة عزيزة عنده، فجذبت نفسها وخرجت تجرّ بسلاسلها الذهبية حتى حاذت الإمامعليه‌السلام فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة ورمى بها إلى الكلبة فأكلتها فلم تلبث أن ضربت بنفسها الأرض وماتت، واستوفى الإمام باقي الرطب وباء مخطط الرشيد بالفشل والخيبة فلم تنجح محاولته في اغتيال الإمامعليه‌السلام فأنقذه الله منه وصرف عنه السوء(١) .

٣ ـ توسط لإطلاق سراحه

واستدعى الرشيد وزيره يحيى بن خالد(٢) فقال له: يا أبا علي أما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب ؟ ألا تدبّر في أمر هذا الرجل تدبيراً تريحنا من غمّه ؟ فأشار عليه بالصواب وأرشده إلى الخير فقال له:

الذي أراه لك يا أمير المؤمنين إن تمنن عليه وتصل رحمه فقد والله أفسد علينا قلوب شيعتنا وكان يحيى يتولاّه وهارون لا يعلم ذلك. فاستجاب الرشيد لنصحه وقال له: انطلق إليه وأطلق عنه الحديد وأبلغه عني السلام وقل له: يقول لك ابن عمّك: إنه قد سبق مني فيك يمين أني لا أخليك حتى تقرّ لي بالإساءة وتسألني العفو عمّا سلف منك وليس عليك في إقرارك عار ولا في مسألتك إيّاي منقصة، وهذا يحيى بن خالد ثقتي ووزيري وصاحب أمري فاسأله بقدر ما أخرج من يميني. وانصرف راشداً. ولم يخف على الإمام ذلك لأنه يريد أن يأخذ من الإمامعليه‌السلام اعترافاً بالإساءة ليتخذها وسيلة إلى التشهير به ومبرّراً لسجنه له.

ــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا: ١/١٠١ ـ ١٠٢ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨/٢٢٣ ح ٢٦.

(٢) أبو الفضل البرمكي مربّي الرشيد ومؤدّبه ومعلّمه، ولد سنة ١٢٠ وتوفي في سنة ١٩٠ هـ.

١٣٧

فلما مثل يحيى عنده وأخبره بمقالة الرشيد. فقال له الإمامعليه‌السلام : (أولاً سيجري عليك أنت وأسرتك من زوال النعمة على يد هارون ، وحذّره من بطشه) ثم ردّ ثانياً على مقالة الرشيد قائلاً:

(يا أبا علي، أبلغه عنّي: يقول لك موسى بن جعفر: يأتيك رسولي يوم الجمعة فيخبرك بما ترى ـ أي بموته ـوستعلم غداً إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه والسلام) (١) .

٤ ـ رسالة الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام لهارون:

وكتب الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام رسالة من داخل السجن لهارون جواباً منهعليه‌السلام لمحاولات هارون الفاشلة بالاغراء أو التنكيل بالإمام بأنها لا تقدم ولا تؤخر شيئاً.

ــــــــــــ

(١) الغيبة للطوسي: ٢٤، و ٢٥ ح ٤ و ٥ عن ابن خالد البرقي عن ابن عباد المهلّبي عن ابن يحيى البرمكي. وعن الغيبة في بحار الأنوار: ٤٨/٢٣١ باب ٤٣ ح ٣٧.

١٣٨

عن محمد بن إسماعيل قال: بعث موسى بن جعفرعليه‌السلام إلى الرشيد من الحبس رسالة كانت:(إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون) (١) .

اغتيال الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام

لقد عانى الإمام الكاظمعليه‌السلام أقسى ألوان الخطوب والتنكيل، فتكبيل بالقيود، وتضييق شديد في التعامل معه ومنعه من الاتصال بالناس، وأذى مرهق، وبعد ما صبّ الرشيد عليه جميع أنواع الأذى أقدم على قتله بشكل لم يسبق له نظير محاولاً التخلص من مسؤولية قتله وذهب أكثر المؤرخين والمترجمين للإمام إلى أن الرشيد أوعز إلى السندي بن شاهك الأثيم بقتل الإمامعليه‌السلام فاستجابت نفسه الخبيثة لذلك وأقدم على تنفيذ أفضع جريمة في الإسلام فاغتال حفيد النبي العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فعمد السندي إلى رطب فوضع فيه سماً فاتكاً وقدّمه للإمام فأكل منه عشر رطبات فقال له السندي (زد على ذلك) فرمقه الإمام بطرفه وقال له:(حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه) .

ولمّا تناول الإمام تلك الرطبات المسمومة تسمّم بدنه وأخذ يعاني آلاماً شديدة وأوجاعاً قاسية، قد حفت به الشرطة القساة ولازمه السندي بن شاهك الخبيث فكان يسمعه في كل مرة أخشن الكلام وأغلظه ومنع عنه جميع الإسعافات ليعجل له النهاية المحتومة.

وفي الأثناء استدعى السندي بعض الشخصيات والوجوه المعروفة في قاعة السجن، وكانوا ثمانين شخصاً كما حدّث بذلك بعض شيوخ العامة ـ حيث يقول: أحضرنا السندي فلما حضرنا انبرى إلينا فقال: انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث ؟ فإنّ الناس يزعمون أنّه قد فُعل به مكروه، ويكثرون من ذلك ، وهذا منزله وفراشه موسّع عليه غير مضيّق، ولم يرد به أمير المؤمنين ـ يعني هارون ـ سوءاً وإنما ينتظره أن يقدم فيناظره ، وها هو ذا موسّع عليه في جميع أموره فاسألوه.

ــــــــــــ

(١) تاريخ بغداد: ١٣ / ٣٢ وعنه في تذكرة الخواص: ٣١٤ ، وكشف الغمة: ٣/٨ عن الجنابذي عن أحمد بن إسماعيل وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ١٤٨، والفصول المهمة: ٢٢٢ والبداية والنهاية: ١٠ / ١٨٣، والكامل: ٦ / ١٦٤ وسير أعلام النبلاء: ٦ / ٢٨٣.

١٣٩

يقول الراوي: ولم يكن لنا همّ سوى مشاهدة الإمامعليه‌السلام ومقابلته فلما دنونا منه لم نر مثله قطّ في فضله ونسكه فانبرى إلينا وقال لنا:(أما ما ذكر من التوسعة، وما أشبه ذلك ، فهو على ما ذكر،غير أني أُخبركم أيها النفر أني قد سقيت السمّ في تسع تمرات، وأني أصفر غداً وبعد غد أموت) .

ولمّا سمع السندي ذلك انهارت قواه واضطرب مثل السعفة التي تلعب بها الرياح العاصفة(١) فقد أفسد عليه ما رامه من الحصول على البراءة من المسؤولية في قتله.

إلى الرفيق الأعلى

وبعد أكله للرطب سرى السمّ في جميع أجزاء بدن الإمامعليه‌السلام وقد علم أنّ لقاءه بربّه قد حان فاستدعى السندي. (فلمّا مثل عنده أمره أن يحضر مولى

ــــــــــــ

(١) روضة الواعظين: ١/٢٦٠.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202