اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)27%

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
ISBN: 964- 5688-25-6
الصفحات: 202

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 202 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64679 / تحميل: 8349
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

اعلام الهداية - الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
ISBN: ٩٦٤- ٥٦٨٨-٢٥-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

فسعى به إلى الرشيد فقال: إنه يقول بإمامة موسى بن جعفر، ويحمل خمس ماله في كل سنة وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين فيوقت كذا وكذا. فاستشاط الرشيد لذلك، وغضب غضباً شديداً، وقال لأكشفنّ عن هذه الحال فإن كان الأمر كما يقول أزهقت نفسه. وأنفذ في الوقت بإحضار علي بن يقطين فلمّا مثل بين يديه، قال له: ما فعلت بالدراعة التي كسوتك بها؟ قال: هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم، فيه طيب، وقد احتفظت بها، وقلّما أصبحت إلا وفتحت السفط، فنظرت إليها تبركاً بها، وقبّلتها ورددتها إلى موضعها وكلما أمسيت صنعت مثل ذلك.

فقال: أحضرها الساعة قال: نعم يا أمير المؤمنين، واستدعى بعض خدمه، وقال له: إمض إلى البيت الفلاني من الدار، فخذ مفتاحه من خزانتي فافتحه وافتح الصندوق الفلاني، وجئني بالسفط الذي فيه بختمه.

فلم يلبث الغلام أن جاءه بالسفط مختوماً فوضع بين يدي الرشيد فأمر بكسر ختمه وفتحه. فلمّا فتح نظر إلى الدراعة فيه بحالها، مطوية مدفونة في الطيب. فسكن الرشيد من غضبه ثم قال لعلي بن يقطين: أُرددها إلى مكانها فلن أُصدق عليك بعدها ساعياً. وأمر أن يتبع بجائزة سنية، وتقدم بضرب الساعي ألف سوط، فضرب نحواً من خمسمئة فمات في ذلك)(١) .

المجال العلمي والفكري:

لقد كان عهد الصادقينعليهما‌السلام عهد الانفراج النسبي لمدرسة أهل البيتعليهم‌السلام حيث استطاعت أن تنشر علوم أهل البيتعليهم‌السلام وتخرّج الأساتذة والعلماء المسؤولين والأمناء على حفظ تراث هذا الخطّ الرسالي بين أبناء الأمة الإسلامية.

ومن هنا فقد تكاملت لأبناء هذه المدرسة في عهدهما الأسس المتينة التي أرساها الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام من بعده في المنهج والمحتوى والأسلوب.

وكان عصر الإمام الكاظمعليه‌السلام الذي استمر ثلاثة عقود أو ما يزيد عليها قليلاً ـ استمراراً للمسيرة العلمية والثقافية التي حقّقها الصادقانعليهما‌السلام حتى تخرج في عهدهعليه‌السلام عدد مهم من الفقهاء الرواة الذين أصبحوا بمستوى

ــــــــــــ

(١) الإرشاد: ٢/٢٢٥ ـ ٢٢٧ وعنه في إعلام الورى: ٢/١٩ ـ ٢٠ وكشف الغمة: ٣/١٤ ـ ١٥ وفي الخرائج والجرائح: ١/٣٣٤ ح ٢٥. عن الإرشاد في بحار الأنوار: ٤٨ / ١٣٨، ح١٢.

١٢١

العطاء الذي قدمه الإمام الكاظمعليه‌السلام للأمة الإسلامية في حقلي النظرية والتطبيق معاً ـ كما سيتضح ذلك فيما سوف نراه من تبلور كثير من القواعد الأصولية والفقهية في مجال الاجتهاد الفقهي في هذه المدرسة العملاقة.

ثمّ إنّ انتشار التشيع واتّساع حجم الولاء والانتماء لخط أهل البيتعليهم‌السلام بالمعنى الخاص الذي يتميّز عن الخط العباسي بعد جهود الصادقينعليهما‌السلام كان من نصيب عهد الإمام الكاظمعليه‌السلام .

واتساع القاعدة كان يتطلب توسّع نشاط القيادة في رعاية شؤون الأتباع وصيانة الجماعة الصالحة من أنواع المزالق والانحرافات والعقبات.

على أن كثرة السؤال عن قضايا الشريعة أصولاً وفروعاً لاتساع دائرة الانتماء ولتطور الزمن مع استعداد مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام للاستجابة للمستجدات ، كل هذا تطلب نشاطاً أكبر وأوسع من القيادة المتمثلة في الإمام الكاظمعليه‌السلام بالرغم من حراجة الظرف بعد استشهاد الإمام الصادقعليه‌السلام وعدم التوجيه العام حول إمامة موسى الكاظمعليه‌السلام لكل أبناء الطائفة ...

من هنا كان الإمامعليه‌السلام بحاجة إلى توظيف عدد من أصحابه الأخصّاء به لإدارة شؤون الجماعة الصالحة بتقبّل الوكالة عن الإمام والتحرك لجمع الأموال والحقوق التي رسم لها أهل البيت نظاماً ومنهجاً خاصاً يكفل للجماعة الصالحة استمرار وجودها وتطورها واستحكام أسسها بنحو يجعلها قادرة على مواجهة التحديات المستمرة.

وهذا هو الذي كان يخشاه الخلفاء، كلٌ بمقدار نباهته وغوره إلى عمق هذا الخط.. حتى أثار هذا النشاط الواسع والخط التثقيفي المعمق حفيظة هارون الرشيد تجاه شخص الإمام الكاظمعليه‌السلام حيث كان يراه الندّ الحقيقي الذي يهدد سلطانه.

وكان هارون جرئياً في الإقدام على سجن الإمام وعزله عن قواعده. ولكنّ أصحاب الإمامعليه‌السلام كانوا على اتصال مستمر به وهو في قيد السجن. وكان هذا التخطيط يعدّ تطوراً واضحاً في التعامل مع الأحداث واستغلالاً للظروف الحرجة أحسن استغلال لإكمال المسيرة الربّانية إلى حيث الأهداف المبتغاة منها.

١٢٢

وقد تمثل العطاء العلمي والفكري للإمام الكاظمعليه‌السلام في مجالات:

١ ـ الرواية

٢ ـ التدريس

٣ ـ المناظرة

٤ ـ التأليف

كما تنوّعت مجالات الرواية والتأليف والمناظرة والتدريس إلى الحقول العلمية المختلفة، كما يشهد لذلك تنوّع التراث الذي وصلنا عن الإمام الكاظمعليه‌السلام ، ونستطيع أن نلمس ذلك بكل وضوح من خلال مطالعة مسنده الذي يبلغ ثلاثة أجزاء فيما يقرب من ألف صفحة تقريباً.

وقد اشتمل على أنواع المعرفة العقائدية والتاريخية والتربوية والأخلاقية والأحكام الشرعية والأدعية والزيارات وما يرتبط بمجال توثيق الرجال وسائر ما يرتبط ببيان عصر الإمام الكاظمعليه‌السلام واحتجاجاته مع الحكام والمخالفين أو ما يرتبط بمدرسته العلمية المتمثّلة في المتخرجين من طلابه والنابهين من صحابته.

وقد بلغت بعض تأليفات أصحاب الإمام حجماً هائلاً مثل ما ألّفه هشام بن الحكم وصفوان بن يحيى بيّاع السابري والحسن بن محمد بن سماعة الكندي حيث بلغت الكتب المؤلفة لكل منهم ثلاثين مؤلفاً.

١٢٣

كما ألّف علي بن الحسن الطاطري أربعة عشر كتاباً والحسن بن محبوب السراد ستة كتب وعبد الله بن جبلة سبعة كتب وعلي بن يقطين ثلاثة كتب. وهذا هو بعض النشاط العلمي لصحابة الإمامعليه‌السلام (١) .

منهج الاستنباط والتفقه في الدين:

ونلتقي في تراث الإمام الكاظمعليه‌السلام بنصوص ترتبط بحرمة القول بغير علم وحجية الظواهر وحجية خبر الواحد ونصوص ترتبط بعلاج حالات التعارض بين الأحاديث ونصوص ترتبط بالمنع من القياس ونصوص ترتبط بأصالة البراءة ووجوب الموافقة القطعية في أطراف العلم الإجمالي والاستصحاب وعدم جواز الرجوع إلى الأصل قبل الفحص عن الدليل.. وهذه النصوص تشير إلى أن الإمامعليه‌السلام كان بصدد إرساء قواعد ومنهج الاستنباط والتفقه في دين الله.

وإذا لاحظنا النصوص التي تقدّم لنا مجموعة مهمة من القواعد الفقهية إلى جانب غيرها من النصوص التي تتضمّن الأحكام الفقهية التي أثرت عنهعليه‌السلام فإننا نستيقن بأن الإمامعليه‌السلام كان يخطط لتكامل المدرسة الفقهية الاجتهادية ويربّي العلماء على منهجها بحيث يضمن للرسالة خلودها ولخط أهل البيتعليهم‌السلام الدوام والحضور الفاعل في ميادين الحياة رغم كل التحديات(٢) .

المناظرات في عصر الإمام الكاظم عليه‌السلام

من الأنشطة الفكرية الواسعة الصيت في عصر الإمام الكاظمعليه‌السلام والمؤثرة في تبلور فكر الأمة هي المناظرة العلمية، وكان الإمام الصادقعليه‌السلام ثم الإمام الكاظمعليه‌السلام من بعده قد استثمرا هذه الظاهرة وأعدّا لها نخبة من العلماء المتخصصين في هذا الميدان تعاهدوا للدفاع عن مذهب أهل البيتعليهم‌السلام وتعريفه للناس واستطاعوا رغم المنع السلطوي والحصار الفكري ضدهم أن يروّجوا للمذهب ويحققوا انتصارات مشهودة. كما قد نشطوا من جانب في دحض الشبهات والاتهامات التي كانت تثار ضد الفكر الإسلامي أو الشيعي واستطاعوا أن يقفوا بوجه الموجات الفكرية الانحرافية والحركات الإلحادية.

ــــــــــــ

(١) راجع الفهرست للشيخ الطوسي: ٩٦، ١٠٣، ١٤٦، ١٥٥، ١٥٦، ٢٥٨.

(٢) راجع: لمحات على القواعد الفقهية في الأحاديث الكاظمية في مجموعة الآثار للمؤتمر العالمي الثالث للإمام الرضا عليه‌السلام ومسند الإمام الكاظم عليه‌السلام .

١٢٤

ومن جملة أصحاب الإمامين الصادق والكاظمعليهما‌السلام البارزين في هذا الميدان هشام بن الحكم. كان هشام بن الحكم من أفذاذ الأمة الإسلامية ومن كبار علمائها وفي طليعة المدافعين عن خط أهل البيتعليهم‌السلام . جاهد طويلاً لنصرة الحق خصوصاً في عصر الرشيد، الذي انعدمت فيه الحريات، وكان الذاكر لفضائل أهل البيتعليهم‌السلام عرضة للانتقام والتنكيل من قبل السلطة. كان من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام وبعد وفاته اتّصل بالإمام الكاظمعليه‌السلام . واختص في علم الكلام فكان من كبار المتكلمين في عصره، وشهد له بذلك ابن النديم.

ونظراً لاختصاصه في هذا الفن فقد زيّن يحيى بن خالد البرمكي مجلسه به وجعله قيماً لمجالس كلامه(١) . وخاض هشام مع علماء الأديان والمذاهب مستدلاً على صحة مبدأه وبطلان أفكارهم.

ونظراً لخطورة استدلاله وقوة حجته كان الرشيد يحضر من وراء الستار فيصغي إليها ويعجب بها، ولقد خاض في عدة مناظرات مع زعيم المعتزلة الروحي عمرو بن عبيد(٢) .

ووجه يحيى بن خالد البرمكي سؤالاً لهشام بحضرة الرشيد من أجل إحراجه قائلاً له: أخبرني عن علي والعباس لما اختصما إلى أبي بكر في الميراث أيهما كان المحق من المبطل؟ فاستولت الحيرة على هشام لأنه قال في نفسه: إن قلت علياً كان مبطلاً كفرت وإن قلت العباس كان مبطلاً ضرب الرشيد عنقي. فقال هشام: لم يكن من أحدهما خطأ وكانا جميعاً محقين، ولهذا نظير قد نطق به القرآن في قصة داودعليه‌السلام حيث يقول الله: ( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ) ، إلى قوله تعالى :( خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ ) فأي الملكين كان مخطئاً؟ وأيهما كان مصيباً؟ أم تقول : إنهما كانا مخطئين فجوابك في ذلك جوابي بعينه.

فقال يحيى: لست أقول: الملكين أخطآ، بل أقول إنهما أصابا وذلك أنهما لم يختصما في الحقيقة ولا اختلفا في الحكم وإنما أظهرا ذلك لينبّها داود على الخطيئة ويعرّفاه الحكم ويوقفاه عليه.

ــــــــــــ

(١) الفهرست لابن النديم: ٢٦٣.

(٢) الكشي: ٢٢٥ ح ٤٧٥، ٢٨٠ ح ٥٠٠، والأمالي: ١ / ٥٥، ومروج الذهب: ٣ / ١٩٤ و ٤ / ٢١ ـ ٢٣.

١٢٥

فقال هشام: كذلك علي والعباس لم يختلفا في الحكم ولا اختصما في الحقيقة وإنما أظهرا الاختلاف والخصومة لينبّها أبا بكر على غلطه ويوقفاه على خطيئته ويدلاّه على ظلمه في الميراث ولم يكونا في ريب من أمرهما فتحيّر يحيى ولم يطق جواباً، واستحسن الرشيد هذا البيان الرائع الذي تخلص به هشام(١) .

وله مناظرات من هذا القبيل مع العالم النظام(٢) ومع ضرار الضبي(٣) فراجع مناظراته في موسوعة بحار الأنوار في ما يختص بحياة صحابة الإمام الكاظمعليه‌السلام .

وهكذا استطاع أهل البيتعليهم‌السلام من خلال خيرة أصحابهم أن يحفظوا للأمة المسلمة هويّتها ويدافعوا عن شخصيّتها المعنوية واستقلال كيانها الفكري والديني.

الفصل الثّالث: اعتقالات الإمامعليه‌السلام حتى استشهاده

التخطيط لسجن الإمامعليه‌السلام

لسنا الآن بصدد التعرض إلى تفاصيل أسباب سجن الإمام من قبل الرشيد. لأن سلوك الإمام وتأثيره في الأمة كما عرفت كان كافياً لأن يدفع بالرشيد الذي لا يتبنى حكمه على أصول مشروعة ليخطط لسجن الإمامعليه‌السلام وبالتالي اغتياله، هذا فضلاً عن كون الرشيد قد قطع على نفسه بداية تسلّمه للحكم بأن سوف يستأصل الوجود العلوي فإذا كان هذا شعاره أول الأمر مع كل العلويين فكيف بزعيم العلويين وقائدهم وسيدهم.

وينبغي أن نفرق بين الأسباب الواقعية وبين الأسباب التي كان يتذرع بها الرشيد لتبرير سلوكه العدائي مع الإمامعليه‌السلام .

ــــــــــــ

(١) الفصول المختارة: ٤٢ ووردت المناظرة باختصار في عيون إخبار الرضا: ٢ / ١٥.

(٢) الكشي: ٢٧٤ ح ٤٩٣ في الخلود في الجنة وعدمها.

(٣) كمال الدين: ٢/٣٦٢ ـ ٣٧٠ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ١٩٩ ح ٧.

١٢٦

لقد أصبح الإمام بعد عقد من حكم الرشيد وجوداً ثقيلاً على هارون لقوة تأثيره في الأمة واتساع الامتداد الشيعي حتى وجدناه يقدر المتطوعين في جيش الإمام بمئة ألف سيف. من هنا ضاق صدره وأزعجه انتشار صيت الإمام لأن الناس غدت تتناقل مآثر الإمام وعلمه وأخلاقه.

وكانت حادثة زيارة هارون لقبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقاء الإمام به بحيث أغضب الرشيد حتى قال بعدها مخاطباً الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (بأبي أنت وأمي، إني أعتذر إليك من أمر عزمت عليه، إني أُريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه لأني قد خشيت أن يلقي بين أمتك حرباً يسفك بها دماءهم)(١) .

وكان للوشاة دورٌ سلبي ضد الإمامعليه‌السلام فلقد تحرك يحيى بن خالد قبل ذلك ليهيئ مقدمات الاعتقال للإمام فأغرى ابن أخ الإمام محمد بن إسماعيل أو علي بن إسماعيل لغرض الوشاية بالإمام.

لنلاحظ موقف الإمام السامي إزاء تصرف ابن أخيه الشنيع بعد أن استجاب محمد لإغراء يحيى والتقى بالطاغية في بغداد وطعن بالإمامعليه‌السلام بما يرغب به الرشيد.

عن علي بن جعفر بن محمدعليه‌السلام قال: (جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر(٢) يسألني أن أسأل أبا الحسن موسىعليه‌السلام أن يأذن له في الخروج إلى العراق وأن يرضى عنه، ويوصيه بوصية.

قال: فتنحيت حتى دخل المتوضأ وخرج وهو وقت يتهيأ لي أن أخلو به وأكلّمه.

قال: فلما خرج قلت له: إنّ ابن أخيك محمد بن إسماعيل سألك أن تأذن له بالخروج إلى العراق، وأن توصيه، فأذن لهعليه‌السلام .

فلمّا رجع إلى مجلسه قام محمد بن إسماعيل وقال: يا عمّ أحب أن توصيني.

فقالعليه‌السلام :أوصيك أن تتقي الله في دمي .

فقال: لعن الله من يسعى في دمك ثم قال: يا عم أوصني فقالعليه‌السلام : أوصيك أن تتقي الله في دمي.

ــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا: ٧٣ ح ٣ والغيبة للطوسي: ٢٨ وعن العيون في بحار الأنوار: ٤٨/٢١٣ ح ١٣.

(٢) في بعض الروايات (محمد بن إسماعيل) وفى بعضها (علي بن إسماعيل).

١٢٧

قال: ثمّ ناوله أبو الحسن صرة فيها مئة وخمسون ديناراً فقبضها محمد، ثم ناوله أخرى فيها مئة وخمسون ديناراً فقبضها، ثم أعطاه صرة أُخرى فيها مئة وخمسون ديناراً فقبضها، ثم أمر له بألف وخمسمئة درهم كانت عنده.

فقلت له في ذلك، واستكثرته. فقال:هذا ليكون أوكد لحجتي إذا قطعني ووصلته .

قال: فخرج إلى العراق، فلما ورد حضرة هارون أتى باب هارون بثياب طريقه من قبل أن ينزل، واستأذن على هارون، وقال للحاجب: قل لأمير المؤمنين إن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب. فقال الحاجب: انزل أولاً وغيّر ثياب طريقك وعُد لأدخلك عليه بغير إذن، فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت. فقال: أُعلم أمير المؤمنين أني حضرت ولم تأذن لي. فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن إسماعيل، فأمر بدخوله، فدخل وقال: يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض: موسى بن جعفر بالمدينة يُجبى له الخراج، وأنت بالعراق يُجبى لك الخراج؟! فقال: والله ؟! فقال: والله! قال: فأمر له بمئة ألف درهم فلما قبضها وحُمل إلى منزله، أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات، وحوّل من الغد المال الذي حُمل إليه)(١) .

هذه هي بعض الأساليب التي كان قد خطط لها يحيى بإيعاز من الرشيد.

وأخيراً تم اعتقال الإمامعليه‌السلام بسرعة وإخفاء وتعمية على الأمة لئلاً تعرف محل سجن الإمامعليه‌السلام .

ــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال: ٢٦٣ ح ٤٧٨ وراجع أصول الكافي: ١/٨٥ ح ٨ ، واللفظ هنا له وفي الإرشاد: ٢/٢٣٧ والغيبة للطوسي: ٢٧ وفي مناقب آل أبي طالب: ٤/٣٣٢ باسم علي بن إسماعيل، وفي: ٤/٣٥٢ باسم محمد بن إسماعيل. وعن الكشي في بحار الأنوار: ٤٨/٢٣٩ ح ٤٨.

١٢٨

اعتقال الإمامعليه‌السلام

وبعد زيارة الرشيد لقبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقائه بالإمامعليه‌السلام أمر الطاغية هارون باعتقال الإمامعليه‌السلام وفعلاً أُلقي القبض على الإمام وهو قائم يصلي عند رأس جدّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يمهلوه لإتمامها.

فحمل وقيّد فشكى الإمام لجدّه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلاً:(إليك أشكو يا رسول الله) (١) وبعد اعتقال الإمام غدت الناس تتحدث فيما بينها باستنكار هذا الحدث المهم، فتألمت الأمة كثيراً فلم يبق قلب إلا وتصدّع من الأسى والحزن فخافت السلطات أن يكون اعتقال الإمام محفزاً للثورة عليها. فحمل جملين، واحداً إلى البصرة والثاني إلى الكوفة لغرض الإيهام على الناس، أي: لئلاّ يعرف محل حمل الإمام في أيّهما.

الإمامعليه‌السلام في سجن البصرة:

كان المأمور بحراسة الإمامعليه‌السلام أثناء الطريق من المدينة إلى البصرة حسان السروي(٢) وقبل أن يصل إلى البصرة تشرّف بالمثول بين يديه عبد الله بن مرحوم الأزدي فدفع له الإمام كتباً وأمره بإيصالها إلى وليّ عهده الإمام الرضا وعرّفه بأنه الإمام من بعده(٣) وسارت القافلة تطوي البيداء حتى وصلت البصرة، وأخذ حسّان الإمام ودفعه إلى عيسى بن أبي جعفر فحبسه في بيت من بيوت المحبس وأقفل عليه أبواب السجن فكان لا يفتحها إلا في حالتين:

أحداهما في خروجه للطهور، والأخرى لإدخال الطعام لهعليه‌السلام

ــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا: ١/٨٥ ح ١٠.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١/٨٥ ح ١٠.

(٣) عيون أخبار الرضا: ١/٢٧ ح ١٣.

١٢٩

أمّا نشاطهعليه‌السلام في داخل السجن:

فلقد انقطععليه‌السلام إلى الله في عبادته فكان يصوم النهار ويقوم الليل وكان يقضي وقته في الصلاة والسجود والدعاء، ولم يضجر ولم يسأم من السجن واعتبر التفرّغ للعبادة من أعظم النعم، وكان يقول في دعائه:(اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت فلك الحمد) (١) .

ولمّا شاع خبر اعتقال الإمام في البصرة وعلم الناس بمكانه هبّت إليه العلماء وغيرهم لغرض الاتّصال به من طريق خفيّ فاتصل به ياسين الزيات الضرير البصري وروى عنه(٢) .

الإيعاز لعيسى باغتيال الإمامعليه‌السلام

وأوعز الرشيد إلى عيسى يطلب منه فوراً القيام باغتيال الإمام لكن لمّا وصلت أوامر الرشيد لعيسى باغتيال الإمامعليه‌السلام ثقل عليه الأمر، وجمع خواصّه وثقته فعرض عليهم الأمر فأشاروا عليه بالتحذير من ارتكاب الجريمة فاستصوب رأيهم، وكتب إلى الرشيد رسالة يطلب فيها إعفاءه عن ذلك.

حمل الإمامعليه‌السلام إلى بغداد

واستجاب الرشيد لطلب عيسى وخاف من عدم تنفيذه لطلبه أن يساهم في إطلاق سراح الإمامعليه‌السلام ويخلّي سبيله، فأمره بحمله إلى بغداد وفرح عيسى بذلك، ولمّا وصل الإمام إلى بغداد أمر الرشيد باعتقاله عند الفضل فأخذه وحبسه في بيته.

وأشرف هارون على سجن الإمامعليه‌السلام إذ كان يتوجّس في نفسه الخوف من الإمامعليه‌السلام فلم يثق بالعيون التي وضعها عليه في سجنه فكان يراقبه ويتطلّع على شؤونه خوفاً من أن يتصل به أحداً ويكون الفضل قد رفّه عليه، فأطلّ من أعلى القصر على السجن فرأى ثوباً مطروحاً في مكان خاص لم يتغيّر عن موضعه.

ــــــــــــ

(١) المناقب: ٤ / ٣٤٣.

(٢) النجاشي: ٤٥٣ برقم ١٢٢٧.

١٣٠

فقال للفضل: ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟!

فقال الفضل: يا أمير المؤمنين، وما ذاك بثوب، وإنما هو موسى بن جعفر له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال، فانبهر هارون وقال: أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم !

والتفت إليه الربيع بعد ما سمع منه اعترافه بعبادة وزهد الإمام قائلاً له: يا أمير المؤمنين ، ما لك قد ضيقت عليه في الحبس ؟!! فأجابه هارون قائلاً: هيهات ، لا بد من ذلك(١) .

دعاء الإمامعليه‌السلام وإطلاق سراحه

ولمّا طالت مدة الحبس على الإمامعليه‌السلام وهو رهين السجون، قام في غلس الليل البهيم فجدّد طهوره وصلَّى لربه أربع ركعات وأخذ يدعو بهذا الدعاء:

(يا سيدي: نجّني من حبس هارون، وخلّصني من يده، يا مخلّص الشجر من بين رمل وطين، ويا مخلّص النار من بين الحديد والحجر، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم، ويا مخلّص الولد من بين مشيمة ورحم، ويا مخلّص الروح من بيت الأحشاء والأمعاء، خلصني من يد هارون).

ــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ٩٥ ، وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ٢٢٠.

١٣١

واستجاب الله دعاء العبد الصالح فأنقذه من سجن الطاغية هارون وأطلقه في غلس الليل(١) .

لقد مكث الإمامعليه‌السلام في سجن الفضل مدة طويلة من الزمن لم يعيّنها لنا التأريخ. وبقيعليه‌السلام بعد إطلاق سراحه في بغداد لم يخرج منها إلى يثرب وكان يدخل على الرشيد في كل أسبوع مرة يوم الخميس(٢) .

الاعتقال الثاني للإمامعليه‌السلام

ولمّا شاع ذكر الإمامعليه‌السلام وانتشرت فضائله ومآثره في بغداد، ضاق الرشيد من ذلك ذرعاً، وخاف منه فاعتقله ثانية فأودعه في بيت الفضل بن يحيى. ولما رأى الفضل عبادة الإمامعليه‌السلام وإقباله على الله وانشغاله بذكره أكبر الإمام، ولم يضيّق عليه وكان في كل يوم يبعث إليه بمائدة فاخرة من الطعام، وقد رأىعليه‌السلام من السعة في سجن الفضل ما لم يرها في بقية السجون.

ولمّا أوعز الرشيد للفضل باغتيال الإمامعليه‌السلام امتنع ولم يجبه إلى ذلك وخاف من الله لأنه كان ممّن يذهب إلى الإمامة ويدين بها، وهذا هو الذي سبب تنكيل الرشيد بالفضل واتهام البرامكة بالتشيع(٣) .

ــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا: ١/٩٤ ح ١٣ وراجع المناقب: ٤ / ٣٣٠.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ٩٣ ح١٣ ، وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ٢١٩ ح ٢٠.

(٣) راجع مقاتل الطالبيين: ٥٠٣ ـ ٥٠٤.

١٣٢

الإمامعليه‌السلام في سجن السّندي بن شاهك

وبعد سجن الفضل أمر هارون بنقل الإمامعليه‌السلام إلى سجن السندي بن شاهك وأمره بالتضييق عليه فاستجاب هذا الأثيم لذلك فقابل الإمامعليه‌السلام بكل جفوة وقسوة، والإمام صابر محتسب فأمره الطاغية أن يقيّد الإمامعليه‌السلام بثلاثين رطلاً من الحديد ويقفل الباب فيوجهه ولا يدعه يخرج إلا للوضوء.

وامتثل السندي لذلك فقام بإرهاق الإمامعليه‌السلام وبذل جميع جهوده للتضييق عليه، ووكّل بشّاراً مولاه، وكان من أشد الناس بغضاً لآل أبي طالب ولكنه لم يلبث أن تغير حاله وآب إلى طريق الحق; وذلك لما رآه من كرامات الإمامعليه‌السلام ومعاجزه، وقام ببعض الخدمات له(١) .

نشاط الإمامعليه‌السلام داخل السّجن

وقام الإمام بنشاط متميّز من داخل السجن، وفيما يلي نلخّص ذلك ضمن عدة نقاط:

١ ـ عبادته داخل السّجن:

أقبل الإمام كما قلنا على عبادة الله تعالى فكان يصوم النهار ويقوم الليل ولا يفتر عن ذكر الله.

وهذه أخت الجلاّد السندي بن شاهك تحدّثنا عمّا رأته من إقبال الإمام وطاعته لله والتي أثّرت في نفسها وأصبحت فيما بعد من الصالحات فكانت تعطف على الإمامعليه‌السلام وتقوم بخدمته وإذا نظرت إليه أرسلت ما في عينيها من

ــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال: ٤٣٨ ح ٨٢٧.

١٣٣

دموع وهي تقول: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل(١) .

٢ ـ اتّصال العلماء به:

واتّصل جماعة من العلماء والرواة بالإمامعليه‌السلام من طريق خفي فانتهلوا من نمير علومه فمنهم موسى بن إبراهيم المروزي، وقد سمح له السندي بذلك لأنّه كان معلّماً لولده، وقد ألّف موسى بن إبراهيم كتاباً مما سمعه من الإمام(٢) .

٣ ـ إرسال الاستفتاءات إليه:

وكانت بعض الأقاليم الإسلامية التي تدين بالإمامة ترسل عنها مبعوثاً خاصاً للإمامعليه‌السلام حينما كان في سجن السندي، فتزوده بالرسائل فكانعليه‌السلام يجيبهم عنها، وممن جاءه هناك علي بن سويد، فقد اتّصل بالإمامعليه‌السلام وسلّم إليه الكتب فأجابهعليه‌السلام (٣) .

٤ ـ نصب الوكلاء:

وعيّن الإمامعليه‌السلام جماعة من تلامذته وأصحابه، فجعلهم وكلاء له في بعض البلاد الإسلامية، وأرجع إليهم شيعته لأخذ الأحكام الإسلامية منهم، كما وكّلهم في قبض الحقوق الشرعية، لصرفها على الفقراء والبائسين من الشيعة وإنفاقها فيوجوه البر والخير، فقد نصب المفضل بن عمر وكيلاً له في قبض الحقوق وأذن له في صرفها على مستحقيها(٤) .

ومن هنا بدأت ظاهرة الوكالة في تخطيط أهل البيتعليهم‌السلام لإدارة الجماعة الصالحة وتطوّرت فيما بعد بمرور الزمن. كما سوف نلاحظ ذلك في حياة الإمام الجواد والهادي والعسكري والإمام المهديعليهم‌السلام .

ــــــــــــ

(١) تاريخ بغداد: ١٣ / ٣١.

(٢) النجاشي: ٤٠٧ برقم ١٠٨٢.

(٣) حياة الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام : ٢ / ٤٩٢.

(٤) حياة الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام : ٢ / ٤٩٣.

١٣٤

٥ ـ تعيينه لولي عهده:

ونصب الإمامعليه‌السلام من بعده ولده الإمام الرضاعليه‌السلام فجعله علماً لشيعته ومرجعاً لأمة جدّه، فقد حدّث الحسين بن المختار، قال: لمّا كان الإمام موسىعليه‌السلام في السجن خرجت لنا ألواح من عنده وقد كتب فيها (عهدي إلى أكبر ولدي)(١) .

٦ ـ وصيتهعليه‌السلام :

وأوصى الإمامعليه‌السلام ولده الإمام الرضاعليه‌السلام وعهد إليه بالأمر من بعده على صدقاته ونيابته عنه في شؤونه الخاصة والعامة وقد أشهد عليها جماعة من المؤمنين وقبل أن يدلي بها ويسجّلها أمر بإحضار الشهود.

٧ ـ صلابة الإمام وشموخه أمام ضغوط الرّشيد:

وبعد ما مكث الإمامعليه‌السلام زمناً طويلاً في سجن هارون تكلّم معه جماعة من خواصّ شيعته فطلبوا منه أن يتكلم مع بعض الشخصيات المقرّبة عند الرشيد ليتوسط في إطلاق سراحه، فامتنععليه‌السلام وترفّع عن ذلك وقال لهم:(حدثني أبي عن آبائه أن الله عزّ وجلّ أوحى إلى داود، يا داود إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني، وعرفت ذلك منه إلا قطعت عنه أسباب السماء، وأسخت الأرض من تحته) (٢) .

الإمام الكاظمعليه‌السلام يتحدّى كبرياء هارون

لقد تنوعت ضغوط هارون على الإمام هو في السجن، ونجد الإمامعليه‌السلام وهو في أوج المحنة يتحدّى كبرياء هارون بكل صلابة وشدّة حتى فشل هارون بكل ما أوتي من حول وقوّة ولم يجد أمامه حلاًّ ينسجم مع نزعاته إلاّ سمّ الإمامعليه‌السلام واغتياله. وإليك جملة من ضغوط هارون على الإمام الكاظمعليه‌السلام وهو في السجن:

ــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ٣٠ ، ومسند الإمام الكاظم عليه‌السلام : ٢ / ١٤٧ ح٣٦.

(٢) تاريخ اليعقوبي: ٢/٣٦١، وفاة موسى بن جعفرعليه‌السلام ، تحقيق عبد الأمير مهنا. ط بيروت منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.

١٣٥

١ ـ إرسال جارية له

(أنفذ هارون إلى الإمامعليه‌السلام جارية وضّاءة بارعة في الجمال والحسن، أرسلها بيد أحد خواصّه لتتولى خدمة الإمام ظانّاً أنه سيفتتن بها، فلما وصلت إليه قالعليه‌السلام لمبعوث هارون: قل لهارون:بل أنتم بهديتكم تفرحون، لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها . فرجع الرسول ومعه الجارية وأبلغ هارون قول الإمامعليه‌السلام فالتاع غضباً وقال له: ارجع إليه، وقل له: ليس برضاك حبسناك ولا برضاك أخدمناك واترك الجارية عنده، وانصرف. فرجع ذلك الشخص وترك الجارية عند الإمامعليه‌السلام وأبلغه بمقالته. وأنفذ هارون خادماً له إلى السجن ليتفحص عن حال الجارية، فلما انتهى إليها رآها ساجدة لربّها لا ترفع رأسها وهي تقول في سجودها: قدوس ، قدوس. فمضى الخادم مسرعاً فأخبره بحالها فقال هارون: سحرها والله موسى بن جعفر، عليّ بها.

فجيئ بها إليه، وهي ترتعد قد شخصت ببصرها نحو السماء وهي تذكر الله وتمجّده ، فقال لها هارون: ما شأنك ؟! قالت: شأني الشأن البديع، إني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلّي ليله ونهاره، فلمّا انصرف من صلاته قلت له: هل لك حاجة أُعطيكها؟ فقال الإمامعليه‌السلام :وما حاجتي إليك ؟ قلت: إني أدخلت عليك لحوائجك. فقال الإمامعليه‌السلام :فما بال هؤلاء ، وأشار بيده إلى جهة ، فالتفتُّ فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري ، ولا أولها من آخرها ، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج ، وعليها وصفاء ووصايف لم أر مثل وجوههنّ حسناً، ولا مثل لباسهنّ لباساً، عليهن الحرير الأخضر، والأكاليل والدر والياقوت، وفي أيديهن الأباريق والمناديل، ومن كل الطعام، فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم، فرأيت نفسي حيث كنت. فقال لها هارون وقد أترعت نفسه بالحقد: يا خبيثة لعلّك سجدت، فنمت فرأيت هذا في منامك! قالت: لا والله يا سيدي، رأيت هذا قبل سجودي ، فسجدت من أجل ذلك. فالتفت الرشيد إلى خادمه ، وأمره باعتقالها وإخفاء الحادث لئلاّ يسمعه أحد من الناس، فأخذها الخادم، واعتقلها عنده، فأقبلت على العبادة والصلاة، فإذا سئلت عن ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح)(١) .

ــــــــــــ

(١) الحلبي في مناقب آل أبي طالب: ٤/٣٢٢ عن العامري في كتاب الأنوار.

١٣٦

٢ ـ محاولة سم الإمامعليه‌السلام

ولم يتحمل الرشيد سماعه لمناقب الإمام ومآثره وانتشارها بين الناس فعزم على قتله، فدعا برطب وأخذ رطبة من ذلك الرطب المهيّأ له ، فوضع فيها سماً، وقال لخادمه احمله إلى موسى بن جعفر وقل له: إنّ أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب ويقسم عليك بحقه لمّا أكلته عن آخره فاني اخترته لك بيدي ولا تتركه يبقي شيئاً ولا يطعم منه أحداً.

فحمل الخادم الرطب وجاء به إلى الإمامعليه‌السلام وأبلغه برسالة هارون فأخذ الإمام يأكل من الرطب وكانت للرشيد كلبة عزيزة عنده، فجذبت نفسها وخرجت تجرّ بسلاسلها الذهبية حتى حاذت الإمامعليه‌السلام فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة ورمى بها إلى الكلبة فأكلتها فلم تلبث أن ضربت بنفسها الأرض وماتت، واستوفى الإمام باقي الرطب وباء مخطط الرشيد بالفشل والخيبة فلم تنجح محاولته في اغتيال الإمامعليه‌السلام فأنقذه الله منه وصرف عنه السوء(١) .

٣ ـ توسط لإطلاق سراحه

واستدعى الرشيد وزيره يحيى بن خالد(٢) فقال له: يا أبا علي أما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب ؟ ألا تدبّر في أمر هذا الرجل تدبيراً تريحنا من غمّه ؟ فأشار عليه بالصواب وأرشده إلى الخير فقال له:

الذي أراه لك يا أمير المؤمنين إن تمنن عليه وتصل رحمه فقد والله أفسد علينا قلوب شيعتنا وكان يحيى يتولاّه وهارون لا يعلم ذلك. فاستجاب الرشيد لنصحه وقال له: انطلق إليه وأطلق عنه الحديد وأبلغه عني السلام وقل له: يقول لك ابن عمّك: إنه قد سبق مني فيك يمين أني لا أخليك حتى تقرّ لي بالإساءة وتسألني العفو عمّا سلف منك وليس عليك في إقرارك عار ولا في مسألتك إيّاي منقصة، وهذا يحيى بن خالد ثقتي ووزيري وصاحب أمري فاسأله بقدر ما أخرج من يميني. وانصرف راشداً. ولم يخف على الإمام ذلك لأنه يريد أن يأخذ من الإمامعليه‌السلام اعترافاً بالإساءة ليتخذها وسيلة إلى التشهير به ومبرّراً لسجنه له.

ــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا: ١/١٠١ ـ ١٠٢ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨/٢٢٣ ح ٢٦.

(٢) أبو الفضل البرمكي مربّي الرشيد ومؤدّبه ومعلّمه، ولد سنة ١٢٠ وتوفي في سنة ١٩٠ هـ.

١٣٧

فلما مثل يحيى عنده وأخبره بمقالة الرشيد. فقال له الإمامعليه‌السلام : (أولاً سيجري عليك أنت وأسرتك من زوال النعمة على يد هارون ، وحذّره من بطشه) ثم ردّ ثانياً على مقالة الرشيد قائلاً:

(يا أبا علي، أبلغه عنّي: يقول لك موسى بن جعفر: يأتيك رسولي يوم الجمعة فيخبرك بما ترى ـ أي بموته ـوستعلم غداً إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه والسلام) (١) .

٤ ـ رسالة الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام لهارون:

وكتب الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام رسالة من داخل السجن لهارون جواباً منهعليه‌السلام لمحاولات هارون الفاشلة بالاغراء أو التنكيل بالإمام بأنها لا تقدم ولا تؤخر شيئاً.

ــــــــــــ

(١) الغيبة للطوسي: ٢٤، و ٢٥ ح ٤ و ٥ عن ابن خالد البرقي عن ابن عباد المهلّبي عن ابن يحيى البرمكي. وعن الغيبة في بحار الأنوار: ٤٨/٢٣١ باب ٤٣ ح ٣٧.

١٣٨

عن محمد بن إسماعيل قال: بعث موسى بن جعفرعليه‌السلام إلى الرشيد من الحبس رسالة كانت:(إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون) (١) .

اغتيال الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام

لقد عانى الإمام الكاظمعليه‌السلام أقسى ألوان الخطوب والتنكيل، فتكبيل بالقيود، وتضييق شديد في التعامل معه ومنعه من الاتصال بالناس، وأذى مرهق، وبعد ما صبّ الرشيد عليه جميع أنواع الأذى أقدم على قتله بشكل لم يسبق له نظير محاولاً التخلص من مسؤولية قتله وذهب أكثر المؤرخين والمترجمين للإمام إلى أن الرشيد أوعز إلى السندي بن شاهك الأثيم بقتل الإمامعليه‌السلام فاستجابت نفسه الخبيثة لذلك وأقدم على تنفيذ أفضع جريمة في الإسلام فاغتال حفيد النبي العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فعمد السندي إلى رطب فوضع فيه سماً فاتكاً وقدّمه للإمام فأكل منه عشر رطبات فقال له السندي (زد على ذلك) فرمقه الإمام بطرفه وقال له:(حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه) .

ولمّا تناول الإمام تلك الرطبات المسمومة تسمّم بدنه وأخذ يعاني آلاماً شديدة وأوجاعاً قاسية، قد حفت به الشرطة القساة ولازمه السندي بن شاهك الخبيث فكان يسمعه في كل مرة أخشن الكلام وأغلظه ومنع عنه جميع الإسعافات ليعجل له النهاية المحتومة.

وفي الأثناء استدعى السندي بعض الشخصيات والوجوه المعروفة في قاعة السجن، وكانوا ثمانين شخصاً كما حدّث بذلك بعض شيوخ العامة ـ حيث يقول: أحضرنا السندي فلما حضرنا انبرى إلينا فقال: انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث ؟ فإنّ الناس يزعمون أنّه قد فُعل به مكروه، ويكثرون من ذلك ، وهذا منزله وفراشه موسّع عليه غير مضيّق، ولم يرد به أمير المؤمنين ـ يعني هارون ـ سوءاً وإنما ينتظره أن يقدم فيناظره ، وها هو ذا موسّع عليه في جميع أموره فاسألوه.

ــــــــــــ

(١) تاريخ بغداد: ١٣ / ٣٢ وعنه في تذكرة الخواص: ٣١٤ ، وكشف الغمة: ٣/٨ عن الجنابذي عن أحمد بن إسماعيل وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ١٤٨، والفصول المهمة: ٢٢٢ والبداية والنهاية: ١٠ / ١٨٣، والكامل: ٦ / ١٦٤ وسير أعلام النبلاء: ٦ / ٢٨٣.

١٣٩

يقول الراوي: ولم يكن لنا همّ سوى مشاهدة الإمامعليه‌السلام ومقابلته فلما دنونا منه لم نر مثله قطّ في فضله ونسكه فانبرى إلينا وقال لنا:(أما ما ذكر من التوسعة، وما أشبه ذلك ، فهو على ما ذكر،غير أني أُخبركم أيها النفر أني قد سقيت السمّ في تسع تمرات، وأني أصفر غداً وبعد غد أموت) .

ولمّا سمع السندي ذلك انهارت قواه واضطرب مثل السعفة التي تلعب بها الرياح العاصفة(١) فقد أفسد عليه ما رامه من الحصول على البراءة من المسؤولية في قتله.

إلى الرفيق الأعلى

وبعد أكله للرطب سرى السمّ في جميع أجزاء بدن الإمامعليه‌السلام وقد علم أنّ لقاءه بربّه قد حان فاستدعى السندي. (فلمّا مثل عنده أمره أن يحضر مولى

ــــــــــــ

(١) روضة الواعظين: ١/٢٦٠.

١٤٠

أخبرنا جعفر بن عَوْن ، حدَّثنا هشام بن سعيد ، قال : حدَّثنا زيد بن أَسْلم :

أن مَرْوَان بن الحكم كان يوماً وهو أمير على المدينة عنده أبو سعيد الخُدْرِي ، وزيد بن ثابت ، ورافع بن خُدَيْجٍ ، فقال مروان : يا أبا سعيد ، أرأيت قوله تعالى :( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا ) والله إنا لنفرح بما أتينا ، ونحب أن نحمد بما لم نفعل؟ فقال أبو سعيد : ليس هذا في هذا ، إنما كان رجال في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يتخلفون عنه وعن أصحابه في المغازي ، فإذا كانت فيهم النكبة وما يكرهون فرحوا بتخلفهم ، فإذا كان فيهم ما يحبون حلفوا لهم ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.

٢٨٢ ـ أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد ، أخبرنا أبو سعيد بن حمدون ، أخبرنا أبو حامد بن الشرقيّ ، قال : حدَّثنا أبو الأزهر ، قال : حدَّثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة : أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لرافع بوابه : اذهب إلى ابن عباس ، وقل له : لئن كان [كل] امرئ منا فرح بما أتي ، وأحب أن يحمد بما لم يفعل عذَّب ـ لنعذبن أجمعين. فقال ابن عباس : ما لكم ولهذا؟ إنما دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، اليهود فسألهم عن شيء ، فكتموه إياه وأخبروه بغيره ، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه فيما سألهم ، وفرحوا بما أَتوا من كتمانهم إِياه. ثم قرأ ابن عباس :( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ) رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن هشام ، ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن حجاج ، كلاهما عن ابن جُرَيج.

__________________

[٢٨٢] أخرجه البخاري في كتاب التفسير (٤٥٦٧).

ومسلم في كتاب صفات المنافقين (٨ / ٢٧٧٨) ص ٢١٤٣.

والترمذي في التفسير (٣٠١٤).

والنسائي في التفسير (١٠٦) وابن جرير (٤ / ١٣٨).

والحاكم في المستدرك (٢ / ٢٩٩) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

وذكره السيوطي في اللباب (ص ٦٧).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٠٨) لابن المنذر وابن أبي حاتم.

والطبراني والبيهقي في الشعب.

١٤١

٢٨٣ ـ وقال الضحاك : كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومَنْ بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها : أن محمداً ليس نبي الله ، فاثبتوا على دينكم ، وأجمعوا كلمتكم على ذلك. فأجمعت كلمتهم على الكفر بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن. ففرحوا بذلك. وقالوا : الحمد لله الذي جمع كلمتنا ، ولم نتفرق ، ولم نترك ديننا ، وقالوا : نحن أهل الصوم والصلاة ونحن أولياء الله. وذلك قول الله تعالى :( يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا ) بما فعلوا( وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا ) يعني بما ذكروا من الصوم والصلاة والعبادة.

[١٢٩]

قوله تعالى :( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) الآية. [١٩٠].

٢٨٤ ـ أخبرنا أبو إسحاق المقري ، قال : أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى العنبري ، حدَّثنا أحمد بن نجدة ، حدَّثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، أخبرنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال :

أتت قريش اليهودي ، فقالوا : ما جاءكم به موسى من الآيات؟ قالوا : عصاه ويده بيضاء للناظرين. وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم؟ فقالوا : يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى. فأتوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : أدع لنا ربك يجعل [لنا] الصفا ذهباً. فأنزل الله تعالى :( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ) .

[١٣٠]

قوله تعالى :( فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ) الآية. [١٩٥].

__________________

[٢٨٣] مرسل ، وعزاه في الدر (٢ / ١٠٩) لعبد بن حميد وابن جرير.

[٢٨٤] في إسناده : يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو متهم بسرقة الحديث.

وأخرجه النسائي في تفسيره (٣١٠) وذكره السيوطي في اللباب (ص ٦٩) قال الحافظ في الفتح (٨ / ٢٣٥) : فيه إشكال من جهة أن هذه السورة مدنية وقريش من أهل مكة ، ويحتمل أن يكون سؤالهم لذلك بعد أن هاجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ولا سيما في زمن الهدنة أ. ه.

١٤٢

٢٨٥ ـ أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النَّصْرَابَادِي ، أخبرنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد ، حدَّثنا جعفر بن محمد بن سوار ، أخبرنا قتيبة بن سعيد ، عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن سلمة بن عمر بن أبي سَلَمة ـ رجل من ولد أم سلمة ـ قال :

قالت أم سلمة : يا رسول الله ، لا أَسْمَعُ الله ذَكَرَ النساءَ في الهجرة بشيء. فأنزل الله تعالى :( فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) الآية. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه ، عن أبي عون محمد بن أحمد بن ماهان ، عن محمد بن علي بن زيد ، عن يعقوب بن حميد ، عن سفيان.

[١٣١]

قوله تعالى :( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ ) . [١٩٦].

٢٨٦ ـ نزلت في مشركي مكة ، وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش ، وكانوا يَتّجِرُونَ ويتنعمون ، فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله فيما نرى من الخير ، وقد هلكنا من الجوع والجهد. فنزلت هذه الآية.

[١٣٢]

قوله تعالى :( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ ) الآية. [١٩٩].

٢٨٧ ـ قال جابر بن عبد الله ، وأنس ، وابن عباس ، وقتادة :

__________________

[٢٨٥] أخرجه الترمذي في كتاب التفسير (٣٠٢٣).

وأخرجه الحاكم (٢ / ٣٠٠) من طريق مجاهد عن أم سلمة وصححه ووافقه الذهبي ، وأخرجه ابن جرير (٤ / ١٤٣).

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٦٩) وزاد نسبته لعبد الرزاق وسعيد بن منصور ، وزاد نسبته في الدر (٢ / ١١٢) لابن المنذر والطبراني.

[٢٨٦] بدون سند.

[٢٨٧] حديث جابر بن عبد الله أخرجه ابن جرير (٤ / ١٤٦) وفي إسناده عنده أبو بكر الهذلي ، قال الحافظ في التقريب [٢ / ٤٠١] : متروك.

١٤٣

نزلت في النجاشي ، وذلك [أنه] لما مات نعاه جبريل ،عليه‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في اليوم الذي مات فيه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم. فقالوا : ومن هو؟ فقال : النجاشي ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى البَقِيع ، وكُشِفَ له من المدينة إلى أرض الحبشة ، فأبصر سرير النجاشي ، وصلى عليه ، وكبّر أربع تكبيرات ، واستغفر له ، وقال لأصحابه : استغفروا له. فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على عِلْجٍ حَبَشِيّ نَصْرَاني ، لم يره قط ، وليس على دينه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٢٨٨ ـ أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف ، حدَّثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر إملاء ، قال : أخبرنا جعفر بن محمد بن سنان الواسطي ، أخبرنا أبو هانئ محمد بن بكار الباهلي ، حدَّثنا المُعْتَمِر بن سليمان ، عن حميد ، عن أنس قال :

قال نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي ، فقال بعضهم لبعض : يأمرنا أن نصلي على عِلْج من الحبشة! فأنزل الله تعالى :( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ) الآية.

٢٨٩ ـ وقال مجاهد وابن جريج وابن زيد : نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلّهم.

[١٣٣]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا ) الآية. [٢٠٠].

__________________

[٢٨٨] في إسناده حميد بن أبي حميد الطويل : قال الحافظ في التقريب : ثقة مدلس ، والحديث أخرجه الطبراني في الأوسط (٢٦٨٨) والبزار (٨٣٢ كشف).

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٣٨) وقال : رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال الطبراني ثقات أ. ه.

وعزاه في الدر (٢ / ١١٣) للنسائي والبزار وابن أبي حاتم وابن مردويه.

وقد أخرجه النسائي في التفسير (١٠٨)

[٢٨٩] مرسل.

١٤٤

٢٩٠ ـ أخبرنا سعيد بن أبي عمرو الحافظ ، أخبرنا أبو علي الفقيه ، حدَّثنا محمد بن معاذ المَالِيني. حدَّثنا الحسين بن الحسن بن حرب المروزي ، حدَّثنا ابن المبارك ، أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ، حدَّثني داود بن صالح ، قال :

قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : يا ابن أخي ، هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا ) ؟ قال : قلت : لا ، قال : إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم غَزْو يُرابطُ فيه ، ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه ، عن أبي محمد المزني ، عن أحمد بن نجدة ، عن سعيد بن منصور ، عن ابن المبارك.

__________________

[٢٩٠] مرسل : أخرجه ابن جرير (٤ / ١٤٨) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠١) من حديث أبي هريرة وصححه ووافقه الذهبي.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ١١٣) لابن المبارك وابن المنذر والبيهقي في الشعب.

١٤٥

سورة النساء

١٣٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قولهعزوجل :( وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ) الآية. [٢].

٢٩١ ـ قال مقاتل والكلبي : نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم ، طلب المال فمنعه عمه ، فترافعا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت هذه الآية. فلما سمعها العم قال : أطعنا الله وأطعنا الرسول ، نعوذ بالله من الحُوبِ الكبير. فدفع إليه ماله ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : من يُوقَ شُحَّ نفسه ورجع به هكذا فإنه يَحُلُّ دَارَه. يعني جَنَّتَه. فلما قَبَضَ الفتى ماله أنفقه في سبيل الله تعالى ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثبت الأجر وبقي الوزر ، فقالوا : يا رسول الله ، قد عرفنا أنه ثبت الأجر ، فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله؟ فقال : ثبت الأجر للغلام ، وبقي الوزر على والده.

[١٣٥]

قوله تعالى :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى ) الآية. [٣].

٢٩٢ ـ أخبرنا أبو بكر التَّمِيميّ ، أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدَّثنا أبو

__________________

[٢٩١] مرسل.

[٢٩٢] أخرجه البخاري في كتاب الشركة (٢٤٩٤) وفي كتاب التفسير (٤٥٧٤)

أخرجه مسلم في كتاب التفسير (٧ / ٣٠١٨) ص ٢٣١٤.

١٤٦

يحيى ، حدَّثنا سهل بن عثمان ، حدَّثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة في قوله تعالى :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا ) الآية ، قالت :

أنزلت هذه في الرجل يكون له اليتيمة وهو وليها ، ولها مال ، وليس لها أحد يخاصم دونها ، فلا يُنْكِحُها حُبّاً لِمَالها وَيَضرُّ بها ويسيء صحبتها ، فقال الله تعالى :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) يقول : ما أحللت لكم ودع هذه. رواه مسلم عن أبي كُرَيب ، عن أبي أسامة ، عن هشام.

٢٩٣ ـ وقال سعيد بن جُبَير ، وقتادة ، والربيع ، والضّحاك ، والسّدي :

كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ، ويترخصون في النساء ويتزوجون ما شاءوا ، فربما عدلوا ، وربما لم يعدلوا ، فلما سألوا عن اليتامى ونزلت آية اليتامى :( وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ) الآية ـ أنزل الله تعالى أيضاً :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى ) الآية.

يقول : وكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ، فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن ، فلا تتزوجوا أكثر مما يمكنكم القيام بحقهن ، لأن النساء كاليتامى في الضعف والعجز. وهذا قول ابن عباس في رواية الوَالبي.

[١٣٦]

قوله تعالى :( وَابْتَلُوا الْيَتامى ) الآية. [٦].

٢٩٤ ـ نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتاً وهو صغير ، فأتى عم ثابت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : إن ابن أخي يتيم في حجري فما يحل لي من ماله ، ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

__________________

وأخرجه ابن جرير (٤ / ١٥٥) والنسائي في تفسيره (١١٠).

وعزاه السيوطي في الدر (٢ / ١١٨) للبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن.

[٢٩٣] انظر السابق.

[٢٩٤] الدر (٢ / ١٢٢) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة.

١٤٧

١٣٧

قوله تعالى :( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) الآية. [٧].

٢٩٥ ـ قال المفسرون : إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأة يقال لها : أم حُجَّة وثلاث بنات له منها ، فقام رجلان : هما ابنا عم الميت ووصياه ، يقال لهما : / سُوَيْد وعَرْفَجَة ، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئاً ، وكانوا في الجاهلية لا يُوَرِّثُون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً ، إنما يورثون الرجال الكبار ، وكانوا يقولون : لا يُعطى إِلا من قاتل على ظهر الخيل وحاز الغنيمة. فجاءت أم حُجَّة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك عليَّ بنات وأنا امرأته ، وليس عندي ما أنفق عليهن ، وقد ترك أبوهن مالاً حسناً وهو عند سُوَيد وعَرْفَجَة ، لم يعطياني ولا بناته من المال شيئاً ، وهن في حجري ، ولا يطعماني ولا يسقياني ولا يرفعان لهن رأساً. فدعاهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالا : يا رسول الله ، ولدها لا يركب فرساً ، ولا يحمل كلّا ، ولا يُنْكي عدواً. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم انصرفوا حتى أَنظر ما يحدث الله لي فيهن. فانصرفوا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[١٣٨]

قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ) الآية. [١٠].

٢٩٦ ـ قال مقاتل بن حيان : نزلت في رجل من غطفان يقال له : مَرْثَد بن زيد ، وَلِيَ مالَ ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله ، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية.

[١٣٩]

قوله تعالى :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) الآية. [١١].

٢٩٧ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر ، أخبرنا الحسن بن أحمد

__________________

[٢٩٥] الدر (٢ / ١٢٢) ، لباب النقول ص ٧٠.

وقد ذكر هذه القصة الحافظ ابن حجر في الإصابة (١ / ٨٠) في ترجمة أوس بن ثابت.

[٢٩٦] إصابة (٣ / ٣٩٧) في ترجمة مرثد بن زيد الغطفاني.

[٢٩٧] أخرجه البخاري في كتاب التفسير (٤٥٧٧).

١٤٨

المخلدي ، أخبرنا المُؤَمَّل بن الحسن بن عيسى ، قال : حدَّثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال : حدَّثنا حجاج عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن المُنْكَدِر ، عن جابر قال :

عادني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان ، فوجدني لا أعقل ، فدعا بماء فتوضأ ثم رش عليَّ منه فأفقت ، فقلت : كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) الآية.

رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى ، عن هشام.

ورواه مسلم عن محمد بن حاتم ، عن حجاج كلاهما عن ابن جريج.

٢٩٨ ـ أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري ، قال : أخبرنا علي بن

__________________

ومسلم في الفرائض (٦ / ١٦١٦) ص ١٢٣٥.

والنسائي في التفسير (١١١) وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف (٣٠٦٠)

للنسائي في الطهارة والفرائض في الكبرى.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٦ / ٢١٢).

وأخرجه أبو داود في الفرائض (٢٨٨٦) والترمذي في التفسير (٣٠١٥) والنسائي في التفسير (١٥٤) وابن ماجة في الجنائز (١٤٣٦) وفي الفرائض (٢٧٨) من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر به.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠٣) من طريق عمرو بن أبي قيس عن محمد بن المنكدر به وقال الحاكم : هذا إسناد صحيح.

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٧٠).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٢٤) لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

[٢٩٨] صحيح : أخرجه أبو داود في الفرائض (٢٨٩١ ـ ٢٨٩٢).

والترمذي في الفرائض (٢٠٩٢) وقال : هذا حديث صحيح.

وابن ماجة في الفرائض (٢٧٢٠).

وأحمد في مسنده (٣ / ٣٥٢) والحاكم في المستدرك (٤ / ٣٣٤ ، ٣٤٢) وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي في السنن (٦ / ٢٢٩).

وأورده السيوطي في لباب النقول (ص ٧١).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٢٥) لابن سعد وابن أبي شيبة ومسدد وأبي داود الطيالسي وابن أبي عمرو وابن منيع وابن أبي أسامة وأبي يعلى وابن أبي حاتم وابن حبان.

١٤٩

عمر بن مهدي قال : حدَّثنا يحيى بن صاعد ، قال : حدَّثنا أحمد بن المقدام ، قال : حدَّثنا بشر بن المفضل قال : حدَّثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله ، قال :

جاءت امرأة [إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ] بابنتين لها فقالت : يا رسول الله ، هاتان بنتا ثابت بن قيس ـ أو قالت سعد بن الرَّبيع ـ قتل معك يوم أحد ، وقد اسْتَفَاءَ عمهما مالهما وميراثهما ، فلم يدع لهما مالاً إلا أخذه ، فما ترى يا رسول الله؟ فو الله ما ينكحان أبداً إلا ولهما مال. فقال : يقضي الله في ذلك ، فنزلت سورة النساء وفيها :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) إلى آخر الآية ، فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ادع لي المرأة وصاحبها ، فقال لعمهما : أعطهما الثلثين ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فلك.

[١٤٠]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ) الآية. [١٩].

٢٩٩ ـ أخبرنا أبو بكر الأصفهاني ، قال : حدَّثنا عبد الله بن محمد الأصفهاني ، قال : حدَّثنا أبو يحيى قال : حدَّثنا سهل بن عثمان قال : حدَّثنا أسباط بن محمد ، عن الشيباني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال أبو إسحاق الشيباني ـ وذكره عطاء بن الحسين السُّوَائي ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس في هذه الآية( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ) قال :

__________________

وللحافظ ابن حجر تعليق على هذا الحديث والذي قبله : انظر الفتح (٨ / ٢٤٤) شرح الحديث رقم (٤٥٧٧)

[٢٩٩] أخرجه البخاري في التفسير (٤٥٧٩).

وفي الإكراه (٦٩٤٨).

وأخرجه أبو داود في النكاح (٢٠٨٩).

والنسائي في التفسير (١١٤) وأخرجه ابن جرير (٤ / ٢٠٧) ، وذكره السيوطي في لباب النقول (ص) ٧٢) وأخرجه البيهقي في السنن (٧ / ١٣٨) وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٣١) لابن المنذر وابن أبي حاتم.

١٥٠

كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها ، وهم أحق بها من أهلها. فنزلت هذه الآية في ذلك. رواه البخاري في التفسير عن محمد بن مقاتل ، ورواه في كتاب الإكراه عن حسين بن منصور ، كلاهما عن أسباط.

٣٠٠ ـ قال المفسرون : كان أهل المدينة في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا مات الرجل وله امرأة ، جاء ابنه من غيرها أو قريبه من عَصَبَتِهِ ، فألقى ثوبه على تلك المرأة فصار أحقّ بها من نفسها ومن غيره ، فإن شاء أن يتزوجها تزوَّجَها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت ، وإن شاء زوّجها غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئاً ، وإن شاء عَضَلَهَا وضَارَّهَا لتفتدي منه بما ورثت من الميت ، أو تموت هي فيرثها ، فتوفي أبو قيس بن الأَسْلَت الأنصاري ، وترك امرأته كُبَيْشَة بنت معن الأنصارية فقام ابن له من غيرها يقال له : حصن ، وقال مقاتل : اسمه قيس بن أبي قيس ، فطرح ثوبه عليها فَوَرِث نكاحها ، ثم تركها فلم يقربها ولم ينفق عليها ، يضارها لتفتدي منه بمالها ، فأتت كبيشة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن أبا قيس توفي وورث ابنه نكاحي ، وقد أضرّ بي وطوّل عليّ ، فلا هو ينفق عليّ ولا يدخل بي ، ولا هو يخلي سبيلي. فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله. قال : فانصرفت ، وسمعت بذلك النساء في المدينة ، فأتين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وقلن : ما نحن إلا كهيئة كبيشة غير أنه لم ينكحنا الأبناء ، ونكحنا بنو العم. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[١٤١]

قوله تعالى :( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) الآية. [٢٢].

٣٠١ ـ نزلت في حصن بن أبي قيس ، تزوج امرأة أبيه : كبيشة بنت معن.

__________________

[٣٠٠] ابن جرير (٤ / ٢٠٧).

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٧٢) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم بإسناد حسن.

وذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري (٨ / ٢٤٧) شرح الحديث رقم (٤٥٧٩) وذكره في الإصابة (٤ / ١٦٢) ترجمة أبي قيس بن الأسلت.

[٣٠١] أخرجه ابن جرير عن عكرمة (٤ / ٢١٧).

الدر (٢ / ١٣٤) وعزاه لابن أبي حاتم والفريابي وابن المنذر والطبراني.

١٥١

وفي الأسود بن خلف ، تزوج امرأة أبيه. وصفوان بن أمية بن خلف ، تزوج امرأة أبيه : فَاخِتة بنت الأسود بن المطلب. وفي مَنْظُور بن زبّان تزوج امرأة أبيه : مليكة بنت خارجة.

٣٠٢ ـ وقال أشعث بن سَوَّار : توفي أبو قيس ـ وكان من صالحي الأنصار ـ فخطب ابنُه قيس امرأة أبيه ، فقالت : إني أعدك ولداً ، ولكني آتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أستأمره. فأتته فأخبرته ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[١٤٢]

قوله تعالى :( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) [٢٤].

٣٠٣ ـ أخبرنا محمد بن عبد الرحمن البُنَانِي قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال : أخبرنا أبو يعلى ، قال : أخبرنا عمرو الناقد ، قال : أخبرنا أبو أحمد الزبيري قال : حدَّثنا سفيان ، عن عثمان البَتِّي ، عن أبي الخَليل ، عن أبي سعيد الخُدْري قال :

أصبنا سبايا يوم أَوطاسَ لهنَّ أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهن ، فسألنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت :( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) فاستحللناهن.

__________________

[٣٠٢] البيهقي في السنن (٧ / ١٦١) من طريق أشعث بن سوار عن عدي بن ثابت الأنصاري وقال البيهقي : هذا مرسل.

وقال السيوطي في الدر (٢ / ١٣٤) : عند ابن أبي حاتم : عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار.

قلت : أشعث بن سوار ضعيف (تقريب ١ / ٧٩) و (المجروحين ١ / ١٧١)

[٣٠٣] أخرجه مسلم في الرضاع (٣٥ ، ٣٥ مكرر / ١٤٥٦) ص ١٠٨٠.

وأخرجه الترمذي في النكاح (١١٣٢) وقال : هذا حديث حسن. وفي التفسير (٣٠١٧).

والنسائي في التفسير (١١٧) وأخرجه أحمد في مسنده (٣ / ٧٢).

وأخرجه ابن جرير (٥ / ٣).

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٧٣).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٣٧) للطيالسي والفريابي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبي يعلي وابن أبي حاتم والطحاوي وابن حبان والبيهقي في السنن.

١٥٢

٣٠٤ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث ، قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، قال : حدَّثنا أبو يحيى ، قال : حدَّثنا سهل بن عثمان ، أخبرنا عبد الرحيم ، عن أشعث بن سَوَّار ، عن عثمان البَتِّي ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد قال :

لما سبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل أوطَاس قلنا : يا نبي الله ، كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن؟ فنزلت هذه الآية :( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) ).

٣٠٥ ـ أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي ، أخبرنا محمد بن عيسى بن عمْرَوَيْه ، حدَّثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدَّثنا مسلم بن الحجاج ، حدَّثني عبيد الله بن عمر القَوَارِيري ، حدَّثنا يزيد بن زرَيع ، حدَّثنا سعيد بن أبي عَرُوبَةَ عن قتادة ، عن أبي صالح أبي الخليل ، عن أبي علقمة الهاشمي ، عن أبي سعيد الخدري :

أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم حنين بعث جيشاً إلى أوطَاس ، ولقي عدواً فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا ، وكان ناس من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تحرَّجُوا من غِشْيَانِهِنّ من أجل أزواجهن من المشركين ، فأنزل الله تعالى في ذلك( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) .

[١٤٣]

قوله تعالى :( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) [٣٢].

__________________

[٣٠٤] انظر السابق.

[٣٠٥] أخرجه مسلم في الرضاع (٣٣ ، ٣٤ / ١٤٥٦) ص ١٠٧٩.

وأبو داود في النكاح (٢١٥٥).

والترمذي في النكاح (١١٣٢ مكرر) وفي التفسير (٣٠١٦).

والنسائي في النكاح (٦ / ١١٠).

وفي التفسير (١١٦).

وأحمد في مسنده (٣ / ٨٤) والبيهقي في السنن (٩ / ١٢٤) وأخرجه ابن جرير (٥ / ٣) وانظر رقم (٣٠٣)

١٥٣

٣٠٦ ـ أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم الصّوفي ، أخبرنا إسماعيل بن نجيد ، حدَّثنا جعفر بن محمد بن سوَّار ، أخبرنا قُتَيْبَة ، حدَّثنا سفيان بن عُيَيْنَةَ ، عن ابن أبي نُجَيح ، عن مجاهد ، قال :

قالت أم سلمة : يا رسول الله ، يغزو الرجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث. فأنزل الله تعالى :( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) .

٣٠٧ ـ أخبرنا محمد بن عبد العزيز : أن محمد بن الحسين أخبرهم عن محمد بن يحيى بن يزيد ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عَتَّابُ بن بَشِير ، عن خُصيف ، عن عكرمة :

أن النساء سألن الجهاد فقلن : وَدِدْنَا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال. فأنزل الله تعالى :( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) .

٣٠٨ ـ وقال قتادة والسدي : لما نزل قوله تعالى :( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) قال الرجال : إنا لنرجو أن نُفَضِّل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضَّلنا عليهن في الميراث ، فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء ، وقالت النساء : إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة ، كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا. فأنزل الله تعالى :( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) .

__________________

[٣٠٦] أخرجه الترمذي في التفسير (٣٠٢٢) وقال : هذا حديث مرسل.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠٥) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين إن كان سمع مجاهد من أم سلمة ووافقه الذهبي.

وأخرجه ابن جرير (٥ / ٣٠) وذكره السيوطي في اللباب (ص ٧٣) وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ١٤٩) لعبد بن حميد وسعيد بن منصور وابن أبي حاتم.

[٣٠٧] إسناده ضعيف : عتاب بن بشير : قال الإمام أحمد : أحاديث عتاب عن خصيف منكرة وكذا قال ابن عدي [تهذيب التهذيب ترجمة عتاب بن بشير].

خصيف بن عبد الرحمن : مختلف فيه.

[٣٠٨] مرسل.

١٥٤

١٤٤

قوله تعالى :( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ) الآية [٣٣].

٣٠٩ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي ، قال : حدَّثنا محمد بن عبد الله بن حمويه الهَرَوِيّ ، قال أخبرنا علي بن محمد الخُزَاعي ، قال : حدَّثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ، قال : أخبرني شُعَيب بن أبي حمزة ، عن الزّهري ، قال : قال سعيد بن المسيب :

نزلت هذه الآية :( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) في الذين كانوا يَتَبَنَّوْنَ رجالاً غير أبنائهم ويورِّثونهم. فأنزل الله تعالى فيهم أن يُجْعَلَ لهم نَصِيبٌ في الوصية ، ورَدَّ اللهُ تعالى الميراثَ إلى الموالي من ذوي الرَّحم والعَصَبَةِ ، وأبى أن يجعل لِلْمُدّعَيْنَ ميراثاً ممن ادعاهم وتبناهم ، ولكن جعل [لهم] نصيباً في الوصية.

[١٤٥]

قوله تعالى :( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) الآية. [٣٤].

٣١٠ ـ قال مقاتل : نزلت هذه الآية في سعد بن الرَّبِيع ، وكان من النُقَبَاء ، وامرأته حَبِيبَة بنت زَيد بن أبي زهير وهما من الأنصار ، وذلك أنها نَشَزَتْ عليه فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : أَفْرَشْتُهُ كريمتي فلطمها! فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : لتقتص من زوجها. وانصرفت مع أبيها لتقتص منه ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ارجعوا ، هذا جبريلعليه‌السلام أتاني. وأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أردنا أمراً وأراد الله أمراً ، والذي أراد الله خير» ، ورفع القصاص.)

__________________

[٣٠٩] مرسل : أخرجه ابن جرير (٥ / ٣٥).

وله شاهد صحيح موصول عن ابن عباس : أخرجه البخاري في الكفالة. (٢٢٩٢) وفي التفسير (٤٥٨٠) وفي الفرائض (٦٧٤٧).

وأبو داود في الفرائض (٢٩٢٢) وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف (٥٥٢٣) للنسائي في الفرائض في الكبرى.

[٣١٠] مرسل ـ الإصابة (٢ / ٢٧)

١٥٥

٣١١ ـ أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد ، قال : أخبرنا زاهر بن أحمد ، قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد ، قال : حدَّثنا زياد بن أيوب ، قال : حدَّثنا هشيم قال : حدَّثنا يونس عن الحسن :

أن رجلاً لطم امرأَته فخاصمته إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء معها أهلها فقالوا : يا رسول الله ، إِن فلاناً لطم صاحبتنا. فجعل رسول الله يقول : القصاص القصاص. ولا يقضي قضاء ، فنزلت هذه الآية :( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أَردنا أَمراً وأَراد الله غيره.

٣١٢ ـ أخبرنا أبو بكر الحارثي ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : حدَّثنا أبو يحيى الرازي ، قال : حدَّثنا سهل العسكري ، قال : حدَّثنا علي بن هاشم ، عن إسماعيل ، عن الحسن ، قال :

لما نزلت آية القصاص بين المسلمين لطم رجل امرأته ، فانطلقت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : إن زوجي لطمني فالقصاص ، قال : القصاص ، فبينا هو كذلك أَنزل الله تعالى :( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أردنا أمراً فأبى الله تعالى [إلا غيرَه]. خذ أيها الرجل بيد امرأَتك.

[١٤٦]

قوله تعالى :( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ) [٣٧].

٣١٣ ـ قال أكثر المفسرين : نزلت في اليهود [حين] كتموا صفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يبينوها للناس ، وهم يجدونها مكتوبة عندهم في كتبهم.

٣١٣١ م ـ وقال الكلبي : هم اليهود ، بخلوا أن يصدقوا من أتاهم بصفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونعته في كتابهم.

__________________

[٣١١] مرسل.

[٣١٢] مرسل. الدر (٢ / ١٥١) لباب (ص ٧٤)

[٣١٣] بدون إسناد.

[٣١٣١] م الكلبي ضعيف.

١٥٦

٣١٤ ـ وقال مجاهد : الآيات الثلاث إلى قوله :( عَلِيماً ) نزلت في اليهود.

٣١٥ ـ وقال ابن عباس ، وابن زيد : نزلت في جماعة من اليهود ، كانوا يأتون رجالاً من الأنصار يخالطونهم وينصحونهم ويقولون لهم : لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ، فأنزل الله تعالى :( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ) .

[١٤٧]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) الآية. [٤٣].

نزلت في أناس من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كانوا يشربون الخمر ويحضرون الصلاة وهم نَشَاوَى ، فلا يدرون كم يصلون ولا ما يقولون في صلاتهم.

٣١٦ ـ أخبرنا أبو بكر الأصفهاني ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : حدَّثنا أبو يحيى ، قال : حدَّثنا سهل بن عثمان ، قال : حدَّثنا أبو عبد الرحمن الأَفْرِيقي قال : حدَّثنا عطاء ، عن أبي عبد الرحمن ، قال :

صنع عبد الرحمن بن عوف طعاماً ، ودعا أناساً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فطعموا وشربوا ، وحضرت صلاة المغرب فتقدم بعض القوم فصلى بهم المغرب فقرأ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) فلم يُقمْها ، فأنزل الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) .

__________________

[٣١٤] بدون إسناد.

[٣١٥] بدون إسناد ، الدر (٢ / ٢٦٢) ، لباب النقول (ص ٧٥)

[٣١٦] إسناده ضعيف : عطاء بن السائب اختلط ، وله علة أخرى وهي أنه مرسل. وله شاهد بإسناد صحيح موصول : أخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠٧) من طريق سفيان عن عطاء وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقد سمع سفيان من عطاء قبل الاختلاط. وأخرجه ابن جرير (٥ / ٦١) من طريق سفيان به.

١٥٧

[١٤٨]

قوله تعالى :( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) . [٤٣].

٣١٧ ـ أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق ، قال : حدَّثنا أبو عمرو بن مطر ، قال : حدَّثنا إبراهيم بن علي الذُّهْلِي ، قال : حدَّثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك بن أنس ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنها قالت :

خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في بعض أسفاره ، حتى إذا كنا بالبَيْدَاء أو بِذَاتِ الجَيْش ، انقطع عقد لي فأقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على التماسه ، وأقام الناس معه ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء ، فأتى الناس إلى أبي بكر ، فقالوا : ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالناس معه [وليسوا على ماء] وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واضعٌ رأسه على فخذي قد نام ، فقال : أَحَبَسْتِ رسولَ الله والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ قالت : فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي ، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على فخذي ، فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أصبح على غير ماء ، فأنزل الله تعالى آية التيمم فتيمموا ، فقال أسيد بن حضير ـ وهو أحد النقباء ـ : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت عائشة : فبعثنا البعير الذي

__________________

[٣١٧] أخرجه البخاري في التيمم (٣٣٤).

وفي كتاب النكاح (٥٢٥٠) مختصراً.

وأخرجه في فضائل الصحابة (٣٦٧٢) وفي كتاب التفسير (٤٦٠٧). وأخرجه في الحدود (٦٨٤٤) مختصراً.

وأخرجه مسلم في كتاب الحيض (١٠٨ / ٣٦٧) ص ٢٧٩.

والنسائي في الطهارة (١ / ١٦٣).

وفي التفسير (١٢٧).

وأخرجه مالك في الموطأ في كتاب الطهارة رقم ٨٩ (ص ٥٣).

وأخرجه ابن جرير (٥ / ٦٩) مختصراً.

والبيهقي في السنن الكبرى (١ / ٢٠٤)

١٥٨

كنت عليه فوجدنا العقد تحته. رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس ، ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى : كلاهما عن مالك.

٣١٨ ـ أخبرنا أبو محمد الفارسي ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، قال : حدَّثنا محمد بن يحيى ، قال : حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، قال : حدَّثنا أبي ، عن أبي صالح ، عن ابن شهاب ، قال : حدَّثني عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَةَ ، عن ابن عباس ، عن عَمّار بن يَاسِر ، قال :

عرّس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بذات الجيش ، ومعه عائشة زوجته ، فانقطع عقد لها من جذع ظَفَار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر ، وليس مع الناس ماء [فتغيّظ عليها أبو بكر وقالت : حبست الناس]. فأنزل الله تعالى على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قصة التطهُّر بالصَّعيد الطَّيب ، فقام المسلمون فضربوا بأيديهم الأرض ثم رفعوا أيديهم ، فلم يقبضوا من التراب شيئاً ، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ، وبطون أيديهم إلى الآباط.

قال الزهري : وبلغنا أن أبا بكر قال لعائشة : والله إنك ما علمتُ لمباركة.

[١٤٩]

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ) الآية [٤٩].

٣١٩ ـ قال الكلبي : نزلت في رجال من اليهود أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بأطفالهم ، وقالوا : يا محمد هل على أولادنا هؤلاء من ذنب؟ قال : لا ، فقالوا : والذي نحلف به ، ما نحن إلا كهيئتهم ، ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كُفّرَ عنا بالليل ، وما من

__________________

[٣١٨] أخرجه أبو داود في الطهارة (٣٢٠).

والنسائي في الطهارة (١ / ١٦٧) في الصغرى.

وأحمد في مسنده (٤ / ٢٦٣) والبيهقي في السنن (١ / ٢٠٨).

وأخرجه ابن جرير (٥ / ٧٢).

وعزاه السيوطي في الدر (٢ / ١٦٧) لابن جرير والبيهقي.

[٣١٩] الكلبي ضعيف.

١٥٩

ذنب نعمله بالليل إلا كُفّر عنا بالنهار. فهذا الذي زكوا به أنفسهم.

[١٥٠]

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ) . [٥١].

٣٢٠ ـ أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، قال : أخبرنا والدي ، قال : حدَّثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، قال : حدَّثنا عبد الجبار بن العلاء ، قال : حدَّثنا سفيان عن عمرو ، عن عكرمة ، قال :

جاء حُيَيّ بن أخْطَب ، وكَعْبُ بن الأشْرَف إلى أهل مكة ، فقالوا لهم : أَنتم أهل الكتاب ، وأهل العلم القديم ، فأخبرونا عنا وعن محمد. قالوا : ما أنتم وما محمد؟ قالوا : نحن ننحر الكَوْمَاءَ ، ونَسْقِي اللبن على الماء ، ونَفك العُناة ، ونصل الأرحام ، ونَسْقِي الحَجِيج ، وديننا القديم ، ودين محمد الحديث. قالوا : بل أنتم خير منه وأهدى سبيلاً ، فأنزل الله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ) إلى قوله تعالى :( وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ) .

٣٢١ ـ وقال المفسرون : خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكباً من اليهود إلى مكة بعد وقعة أُحد ، ليحالفوا قريشاً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فنزل كعب على أبي سفيان ، ونزلت اليهود في دور قريش ، فقال أهل مكة : إنكم أهل كتاب ، ومحمد صاحب كتاب ، ولا نأمن أن يكون هذا مكراً منكم ، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين ، وآمن بهما. فذلك قوله :( يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ) ثم قال كعب لأهل مكة : ليجيءْ منكم ثلاثون ومنا ثلاثون ، فنلزق أكبادنا بالكعبة ونعاهد رب البيت لنجهدن على قتال محمد. ففعلوا ذلك ، فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب : إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ، ونحن أميون لا نعلم ، فأيّنا أهدى طريقاً وأقرب إلى الحق ، أنحن أم

__________________

[٣٢٠] مرسل ، عزاه في الدر (٢ / ١٧١) لسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم.

[٣٢١] بدون إسناد.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202